إسلام ويب

أخطار تهدد الأسرة المسلمة (ندوة)للشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بعد أن عجز أعداء الإسلام من هزيمة الأمة الإسلامية وغزوها عسكرياً بالعدة والسلاح، لجئوا إلى المكر والخديعة وتغريب الشباب عبر الغزو الفكري. وقد جاءت هذه الندوة لبيان الغزو الفكري الذي تعددت أسلحته المتمثلة في الصحف والمجلات، والقنوات الفضائية، وما تبثه من برامج خليعة، وأفلام عنف وجريمة، مبينة آثاره النفسية والعضوية، ثم تحدثت عن أخطار السفر إلى الخارج والمخاطر الناجمة عن استقدام العمالة الاجنبية من غير المسلمين.

    1.   

    مقدمة مقدم الندوة

    قال مقدم الندوة :

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، محمد بن عبد الله وعلى آله وأزواجه وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وخالصاً من كل رياء وسمعة، ونسأله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يفقهنا في الدين،وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا.

    قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال:28].

    فهنا خطاب من الله عز وجل لنا يلزمنا أن نضعه نصب أعيننا، وأن نتذكر ونتدبر في كلامه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن نمضي أيامنا في أن نتعلم، ونَعْلَمَ وَنَفْهَمَ ديننا، ونثقف أنفسنا، ونصلح ما اعْوَجَّ منها، لأن أمامنا مسئوليات كثيرة، وأمانات تحملناها ببشريتنا قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72] هذه الأمانة كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الذي يرويه ابن عمر رضي الله عنه -وهو في صحيح البخاري- أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته).

    وهذا ما سنتناوله في موضوع بعنوان: (أخطار تهدد بناء الأسرة المسلمة) هذه الأسرة المسلمة هي أسرنا جميعاً، وهم أمانة في أعناقنا، من زوجات، وذريات، ولهم واجب عظيم علينا لابد أن نقوم به، فكل إنسان بطبعه يقوم بأداء الواجبات المادية، ولا يقصر فيها حتى الجاهل، فهو يقوم على الأكل والشرب والملبس والمسكن، ولكن هناك ناحية عظيمة جداً، هي أهم من هذه الأمور هي مسئوليتنا التي قال الله عنها في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] فلا أحد يحب أن يكون أهله وقوداً لهذه النار.

    ومن هذا المنطلق، نبحث في الأخطار التي تهدد بناء هذه الأسر التي نحن مسئولون عنها أمام الله، والمجال في هذا واسع.

    فهناك أخطار معنوية، وهي شرٌ خبيث، وداء وبيل، يتسرب إلينا بحذر، قد يكون أحياناً لذيذاً، ولا ننتبه له.

    وهناك أخطار مادية، نراها أمامنا متجسدة، ولكن قد يغض الكثير عينيه عنها.

    وهناك أخطار زاحفة زحفاً قوياً تريد أن تقوِّض بناء هذه الأسرة المسلمة.

    نحن جيلٌ سنمضي قريباً، ونرحل عن هذه الأرض، وسيخلفنا من بعدنا ذريتنا، وإذا تدبرنا آيات القرآن، نجد أن الله سبحانه وتعالى يذكر عن الإنسان ما يهمه في هذه الدنيا بقوله: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي [الأحقاف:15]، وهذا همّ كل من عرف الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وعرف عبء الأمانة الملقاة عليه، بل إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -من لطفه وعنايته ورحمته بنا- خلق مخلوقات عظيمةً جسيمة، وذكر أنهم يدعون للذين آمنوا، أولئك هم حملة العرش ومن حوله، ومن دعائهم لنا: رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ [غافر:8] فنحن متقلدون مسئولية إصلاح ذرياتنا وأزواجنا وتقويم أسرنا.

    وفي هذا سيتناول كلٌ من الشيخ: سفر الحوالي، والطبيب الجراح الدكتور: عدنان غلام الذي يستطيع أن يمدنا بأمور قرأناها عادةً من قصص وحكايات الجرائد، ولكن سيخبرنا بما هو في مجال اختصاصه، فلنتلق ولنأخذ منه ما سيخبرنا به بقلوب واعية.

    وأول ما نحب أن نتعرف عليه من هذه الأخطار هو الخطر العظيم، الذي لم يتنبه له بعض الناس، وهو الخطر الفكري أو الغزو الفكري الذي تتعرض له أسرنا وبيوتنا, ونحن لا ندري عنه إلا قليلاً.

    إن وسائل الإعلام تنوعت هذه الأيام: فمن قصص، ومجلات متداولة في كل مكان، وزاوية، وشارع، إلى المذياع وأشرطته، وما أكثر المحطات التي تبث من كل سوءٍ! إلى هذا الدخيل الذي دخل كل بيت إلا من سلم الله، وهو هذا الرائي، وتبعته أشرطته، وفيها ما فيها من أفكار -فإن مجال هذه الوسائل هي الأفكار- وهو ما سيتناوله الشيخ سفر، وسوف يستعرض لنا المستوى الغالب لهذه الوسائل، ويبين قوة تأثيرها وما هي الآثار التي تخلفها علينا وعلى مجتمعاتنا.

    1.   

    خطر الغزو الفكري

    قال الشيخ : سفـر الحـوالي .

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وبعــد:

    فقد اقتضت رحمة الله تبارك وتعالى أن تكون نواة هذه البشرية وأصل هذه الجماعة الإنسانية التي تعد اليوم بالملايين، هو ما ذكره الله سبحانه وتعالى: مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى [الحجرات:13]،

    هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [الأعراف:189]، فالأسرة هي النواة التي تتكون منها الجماعة الإنسانية عامة، والأسرة في كل مجتمع هي حجر الزاوية في بناء أي مجتمع، وسواء علينا تحدثنا عن الأسرة، أم تحدثنا عن المجتمع والأمة؛ فلا فرق بين أن نتكلم عن المخاطر التي تهدد الأسرة، أو أن نتكلم عن المخاطر التي تهدد الأمة والمجتمع.

    ومن هنا نعلم ونتبين من كتاب ربنا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تلك الحكمة البالغة العظيمة، حين نجد أن كل ما يتعلق بالأسرة وبنائها وضمان عقيدتها وسلامة فضيلتها، قد فصله الله سبحانه وتعالى تفصيلاً في الكتاب وفي السنة، ولم يدع مجالاً ولا ناحية من نواحي تنظيم الأسرة، إلا وجعل الأحكام فيها مفصلة، ابتداءً من الخطبة، حين يريد الإنسان أن يخطب: ماذا يفعل؟

    بأي أمرٍ يبدأ؟

    ومن يخطب؟

    ومن يتزوج؟

    ثم إذا تزوج: كيف يعاشر تلك الزوجة؟

    وفي أخص دقائق هذه الأمور جاء أيضاً البيان من الكتاب والسنة، ثم منذ لحظة الولادة: كيف نربيه؟

    وكيف تنشأ الأسرة؟

    وكيف تستمر؟

    إلى أن يموت الأب، ويأتي الجيل الذي بعده، ماذا يفعل بأبيه؟

    وماذا عليه بعد موته؟

    أحكام لا يتسع المقام لشرحها وإيضاحها، كأحكام العشرة بين الزوجين، وآداب الأسرة، وحق الزوجين، وتربية الأبناء، وكل ما من شأنه أن تكون الأٍسرة به متماسكة، قوية في إيمانها، وأخلاقها، وفضيلتها، وفي ترابطها الدنيوي.

    فقد أوضح الله تعالى الأحكام المالية التي تتعلق فيما بين الزوجين، وما بين الأبناء والآباء، كل ذلك فصله الله تبارك وتعالى، لكيلا يحوجنا إلى التسول على موائد الشرق والغرب، فلا نريد أن نأخذ منهم المناهج الهدامة، والأنظمة المدمرة.

    فهذه الأسرة التي اهتم ديننا بها، والتي يحرص علماؤنا ومفكرونا وكتابنا دائماً على أن يحدثونا عنها، لابد أن نعي دورها، وأن نعي قيمتها، وأن نعي أهميتها.

    دمار الأسرة بالغزو الفكري

    إن أي خطر يهدد الأسرة، فإنما هو دمار للأمة، وكل داعٍ يدعو بطريقٍ مباشر أو غير مباشر إلى تدمير الأسرة، فإنما هو يدعو إلى تدمير الأمة، سواء قال بلسان الحال، أو بلسان المقال: (دمروا هذه الأسرة) (فرقوا بين الزوج والزوجة) (أضيعوا الأبناء)، أو قال: (دمروا هذه الأمة)، (مزقوها بالصواريخ والقنابل)، الحال لا يختلف، ولكن أعداء الله تبارك وتعالى يمكرون ومكرهم خفي، وهم بهذا جنود الشيطان الرجيم، عدو بني آدم، وعدو هذه الأمة المسلمة بالذات، الذي أحب من لديه و{أفضل جنوده، هو الذي يأتي إليه فيقول: مازلت بفلان حتى فرقت بينه وبين زوجته}.

    إذا هدم البيت، وهدمت الأسرة، ضاع الأطفال، وضاع الزوج، وضاعت الزوجة، ثم ضاعت الأمة وضاع المجتمع، وهذا ما يريد أن يتوصل إليه أصحاب الغزو الفكري، حيث إن مفكرين غربيين من الذين يفكرون على مدىً بعيد في هذه القضية قد أيقنوا -وكتبوا ذلك- أن تدمير الأسرة هو تدمير للأمة، وأن بناء الحضارات وبقاءها واستمرارها إنما يكون باستمرار الأسرة.

    أرنولد توينبي المؤرخ الإنجليزي المشهور الذي كتب عما يقارب عشرين حضارة مندثرة منقرضة أو باقية، أَوْلهَا آثارٌ في الوجود، وجد من الظواهر المشتركة في انهيار جميع الحضارات أنها تنهار عندما ينتشر الترف، وتخرج المرأة من البيت، وتنشغل عن تربية الأبناء، هذا ما كتب!!

    وكما وضح ذلك أيضاً المؤرخ الألماني المشهور الذي يدعى شبنجلر الذي كتب وتنبأ بسقوط الحضارة الغربية في حوالي عام (1920م) تقريباً قبل أن تبلغ قوتها التي هي عليها اليوم، وقبل أن تظهر علامات الانهيار الموجودة اليوم، يقول: '' إن كل حضارة من الحضارات تنهار وتتدمر إذا خرجت المرأة، واهتمت بشهواتها ونزواتها، وتركت الأسرة، فضاعت الأسرة، وضاعت الفضيلة من المجتمع ''.

    سيطرة الغزو الفكري على المجتمعات

    نحن في عصر الغزو الفكري، في زمن الخطر الذي يسميه الغربيون: التدفق المستطير للمعلومات، يقولون: إن العالم أصبح قرية إعلامية، ولاسيما بعد أن تطورت وسائل الإعلام بواسطة الأقمار الاصطناعية الذي جعلته كله قرية إعلامية، فما يحدث في أطراف القرية، يعلم به أبناء قرية أخرى، ومن الصعب جداً مقاومة التأثير الإعلامي، أو مقاومة التدفق المستطير للمعلومات، إلا بوجود قوة وعقيدة داخلية.

    الأمم البوذية شكت من هذا التدفق المستطير، وبسبب الغزو الفكري أصبحت دول جنوب شرقي آسيا -وهي بوذية- متطبعة في حياتها وثقافتها وفنها بطابع الغزو الفكري الغربي، فأصبحت تلبس الزي الغربي، وتتذوق الموسيقى الغربية، وتعيش الحياة الغربية...!

    وضج من ذلك أهل ذلك الدين وعقلاء تلك الأمم كما حصل في الهند.

    وأعجب من ذلك كله أن تضج فرنسا من هذا الغزو الإعلامي! وصرح بذلك وزير الثقافة الفرنسي منذ فترة فقال: '' إن فرنسا تتعرض لخطر الغزو الفكري الأمريكي، فإن الأفلام وأنماط الحياة والملابس الأمريكية قد غزت فرنسا وهذا خطر ونذير شر،ويجب على الأمة الفرنسية أن تتحصن بتقاليدها وبتراثها وبفنها ضد هذا الخطر ''.

    ونذكر هذا لأن من أبناء جلدتنا، وممن يتكلمون بلغتنا، لا يرون في هذا أي خطر.

    الأمة الفرنسية والأمة الأمريكية، ما الفرق بينهما؟

    أي انحلال يوجد في أمريكا ولا يوجد في فرنسا؟

    حياة غربية وثقافة غربية تعود للجاهلية اليونانية، الاتجاه العام في الحياة واحد، لا إيمان بالآخرة، لا تفكير فيها، الكل يعيش ويأكل ويتمتع كما تأكل الأنعام، والنار مثوىً لهم، إلا من آمن منهم، كما أخبر بذلك الله تبارك وتعالى، ومع ذلك يشعرون بالخطر! فأي خطر يداهم ويزحف على أمة الإسلام وعلى أمة الأيمان؟!

    كيف يجب أن تكون مقاومة هذه الأمة التي تؤمن بالله رباً، وبكتاب الله منهجاً وشريعةً، وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبياً ورسولاً؟!

    هذه الأمة التي كما قال الله تبارك وتعالى عنها: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:110] هذه الأمة التي تُسْأَل عما يُفْعَل في تلك البلاد من الموبقات، لأنها لم تُبَلِّغْهم رسالة الله الأخيرة، ولم تُبَلِّغْهم بشريعة محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! كيف يكون الحال إذا هي استقبلت ورضيت وامتصت هذا الغزو الفكري حتى مسخت نفسها ومسخت شخصيتها وذابت فيه؟!!

    والإعلام ما هو إلا واجهة ونافذة من نوافذ ذلك الغزو، ولا حرج على الإطلاق على أية أمة من الأمم أن تضع الوسائل، وأن تضع سياجاً كبيراً للمحافظة على ذاتيتها وشخصيتها من طغيان التأثير الإعلامي، فما بالكم بالأمة التي جعل الله تبارك وتعالى لها هذا المنهج الرباني؟!

    الأمة التي تسير في علاقاتها وفي شئون حياتها -ويجب أن تكون كذلك- على ما أنزل الله تبارك وتعالى؟!

    التي علاقة الزوجين فيها إنما تكون بكلمة الله، كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {واستحللتم فروجهن بكلمة الله} فبكلمة الله تم عقد الزواج، وعلى منهج الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تمت هذه العشرة، وعلى ذكر الله يربى هذا الطفل منذ أن يولد، وكل حياتنا إنما هي على ذكر الله، كيف يجب أن نقاوم هذا الغزو المستطير بشتى أنواعه: من المجلات، والأفلام، والصحافة المقروءة، وكل الوسائل التي تبث الإعلام وتنشره، وما أكثر سمومه!

    آثـار الغزو الفكري على الأسرة

    لا شك أن الذي يتتبع المجتمعات الإسلامية، ويقارن حالها قبل أن تخضع لهذا التدفق المستطير بحالها الآن، سوف يجد البون شاسعاً وكبيراً، لقد هُدِّدَتْ الأسرة المسلمة في عقيدتها؛ حيث إن كثيراً من برامج ومجلات الأطفال لا تكتفي بأن تشغل الطفل المسلم عما يجب أن يكون عليه من التربية الإسلامية، بل إنها لتنشئه تنشئة غريبة جداً عن العقيدة الإسلامية، وتزرع في نفسه ما يضاد هذا الدين وهذا الإيمان.

    ويكفينا أمر واحد وهو: هل سمعنا أو رأينا في أي مجال من هذه المجالات حديثاً عن اليوم الآخر؟

    إنما الكلام فيها منصب على الدنيا، وهذا لو فرضنا أنه في الحلال مع انعدام الحرام، فإغفال الآخرة إغفالاً مطلقاً ما معناه؟

    معناه: أنها أمة لا تؤمن بالله واليوم الآخر، فهي مثل البهائم التي تعيش على الحضارة الغربية.

    وقد يتعرض هؤلاء إلى نظرياتٍ في نشأة الكون، أو في نشأة الحياة، أو في سر الروح، أو في النبوة، فيصبغون صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على ما يرونه في هذه الأفلام، وما أكثر الحديث عن هذا الجانب.

    انتشار الفاحشة هو تدمير للأسرة

    الجانب الآخر جانب الفاحشة، الذي أخبر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عنه في كتابه فقال: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27] وقال في الآية الأخرى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا [النور:19].

    أدرك أعداء الله أن نشر الفاحشة في المجتمع هو عن طريق هدم الأسرة بهذه الوسائل، واليهود خططوا لذلك منذ القدم، وأول ما ابتدأ اليهود قالوا: لابد من تدمير النصرانية؛ لأنها كانت العدو المباشر لهم في الغرب، فقالوا كما في البروتوكولات: لابد من نشر الرذيلة وهدم الفضيلة بين النصارى، وما زالوا يمكرون بهم مكر الليل والنهار، حتى أصبح من الشائع جداً -والعياذ بالله- في بلاد الغرب أن تنكح المحارم.

    بل إن جرائدنا أحياناً تنشر هذه الأخبار -وإن كانت قد لا تعلق إلا في النادر- كيف يأتي الإنسان محارمه! وليس ذلك نادراً عندهم، بل هي حالات منتشرة، وبنفس القوة يراد لها أن تنتشر في بلادنا حيث اتجهوا جميعاً يهوديهم ونصرانيهم إلى تدمير المجتمعات الإسلامية عن طريق هذه الأفلام، والمجلات، والكتب، عن طريق طمس الأخلاق الإسلامية وإحلال الأخلاق النفعية الغربية المادية محلها، فينشأ الطفل الذي لا يؤمن بخلقٍ ولا دين، إلا من خلال ما يتلقاه ويستقبله من الأفلام، فتنهدم الأسرة.

    وكم من أسرةٍ هدمت نتيجة لذلك، كم من رجلٍ طلق زوجته، كم من زوجة هجرت زوجها تطبيقاً لما رأته أمام عينها، أو لما رآه هو بعينه من مشاهد، أو من مسلسلات، أو قصص، وما أشبه ذلك، وبذلك استطاع هذه الغزو أن ينقل المجتمع الإسلامي نقلةً بعيدة من مجتمعات محافظة يضرب بها المثل في العالم كله، إلى مجتمعات لا تكاد تفترق عن المجتمعات الغربية إلا ما رحم الله، وإلا من كان لديه بقايا من هذه المحافظة.

    ضياع الوقت

    وأقل ما يأتي من ضرر من هذه الوسائل، ومن هذا الغزو هو: إضاعة الوقت فيما لا ينفع، فالمؤمن الذي يؤمن بالله ويؤمن باليوم الآخر، ويعلم علم اليقين أن هذه الحياة ما هي إلا عبور، وأن الدار الآخرة هي الحيوان، وأنه لا خلود له في هذه الحياة، وأنه محاسبٌ عليها، وأنه ما من ساعة تمر به لا يذكر الله ولا يصلي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا كان ذلك حسرةً عليه يوم القيامة، فكيف يضيع الأوقات في هذه المجلات، أو الأفلام التافهة؟!

    حتى ولو افترضنا أنها تخلو من أي محرم، إلا أن فيها إضاعة للوقت فيما لا خير فيه وفيما لا يهمنا من الأمور، وهذا العمر محدود، والعقل إناء، فإن ملأته بالخير قبله، وإن ملأته بالشر لم يتقبل الخير.

    وأنت الآن تجد الناس يعيشون على هذه الأمور ويتنافسون فيها، وأكثرهم يجهل أركان الإسلام، وخاصةً الأطفال والنساء، فهم لا يعلمون أركان الإسلام ولا أركان الإيمان، ولا يقدرون أن يأتوا بتعريف بسيط بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! سورة من قصار السور لا يحفظونها! أسماء الأنبياء لا يعرفونها! وتنشأ الأسرة على التفاهات، ويختلط الآباء بالأبناء ولا يتحدثون إلا عنها...!

    انتشار العنف والجريمة من أسباب دمار الأسرة

    العنف والجريمة أحد المخاطر التي تتعرض لها الأسرة، ومن ثَمَّ المجتمع، فأفلام وقصص وكتب العنف والجريمة والجاسوسية وما أشبه ذلك، هي أيضاً من معاول الهدم التي تهدم الأُسْرةَ، ومن ثَمَ تهدم المجتمع، وتجعله بعيداً جداً عن الطمأنينة والأمن الذي لا يجلبه إلا الإيمان.

    ما رأيكم في طفل فسق وفجر أبوه، وفجرت أمه؟!

    ولو كان يعيش في عهد التابعين مع أبٍ فاجر وأم فاجرة، ولا يتلقى التربية الصحيحة، كيف تكون نظرة الناس إليه؟

    أليس ذلك مدعاةً للرحمة وللرثاء وللشفقة به؟

    وهو في الجيل النظيف؛ إن ذهب إلى المسجد أو خرج، فلن يرى منكرات، أينما ذهب فإنه لا يجد إلا الخير والسلامة، ومع ذلك العصر تعد هذه مأساةً.

    فكيف في عصر الفتن الذي تقوضت فيه الأسرة، وتهدمت فيه الفضيلة، أين يذهب الطفل؟

    يذهب إلى المدرسة...! فماذا يتلقى في المدرسة؟!

    يذهب إلى الشارع..! ماذا سيجد في الشارع؟!

    يذهب إلى المقهى..! ماذا سيجد في المقهى؟!

    فمسكينة هذه الأجيال التي سوف تتعرض لهذا الغزو، والآباء في غفلة، والموجهون والعلماء والدعاة في غفلة عن التصدي له، فنسأل الله سبحانه أن يقي أمتنا شره، وأن يبصرنا جميعاً بخطورته، وأن يجعل كل واحدٍ منا يعي مسئوليته التي أخبر عنها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فـ{كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته}، والحمد لله رب العالمين.

    1.   

    كلمة للمقدم

    جزى الله الشيخ سفر على ما بين من عظم تأثير وسائل الإعلام، وقوة الغزو الفكري الذي يمثله هذا الكم الهائل من التدفق المستطير للمعلومات.

    في الواقع نحب أن نسلط الضوء أكثر على جانب واحدٍ من وسائل الإعلام، ألا وهو التليفزيون، وما انبثق عنه من أشرطةٍ.

    إن الأسرة في غالب الأحيان لا تجلس مجتمعة إلا قليلاً، وكذلك قد لا تستمع إلى الأشرطة مجتمعة بل فرادى، ولكن هذا التلفاز يجمع الأب والأم والابن، وقد يجمع الجد والجدة والأحفاد في مجلس واحد مُسمَّرةُ أعينُهم على هذه الشاشة الفضية، وهي تبث ما تبث، ومن هذه الزاوية نرجو من الأخ عدنان أن يتطرق إلى بحث وإيضاح الآثار النفسية التي تتركها هذه الوسيلة على المتفرجين، وكذلك ما ينتج من آثار جسدية عضوية أخرى من جراء الجلوس أمام هذه الوسيلة، ونود منه بصفةٍ خاصة أن يوضح لنا تأثير دخول هذه الوسيلة إلى بيوتنا على العلاقات الموجودة بين الأسرة، وعلى النواحي التي لا يمكن أن تقوم إلا بتواجد الأسرة وأفرادها في مجلسٍِ واحد.

    1.   

    من الآثار السيئة للإعلام

    قال الدكتور : عدنان غلام .

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن دعا بدعوته واقتدى بهديه إلى يوم الدين.

    وبعــد:

    حديثي سيكون باختصار شديد، وسأحاول التركيز على أشياء يثيرها الناس في هذه الأيام.

    الأثر الأول: الكــبت

    من الآثار النفسية التي تظهر لهذا الإعلام ما يسمونه بالكبت، فالكبت هذا كثيراً ما تكلم عنه علماء الغرب، وهو ظاهرة موجودة في كل شباب الأمة الغربية، وللأسف بدأت تظهر نسبة كبيرة من هذا الكبت في شبابنا، نراها في حياتنا العملية في المستشفيات، في العيادات النفسية، وفي كثير من الأماكن.

    فما هو الكبت؟

    ببساطة هناك طاقة لدى الإنسان يريد أن يخرجها، ولكنه لا يستطيع أن يخرجها، من فطرة الإنسان ميل الرجل نحو المرأة، الشاب هذا أو الشابة يسمع ويرى أشياء تثير فيه الغريزة، وتحفزه وتدعوه إلى الجريمة، ماذا يستطيع هو أن يفعل؟ قد لا يستطيع أن يتزوج، ويأخذ هذه الأمور بطريق الحلال، وليس أمامه إلا الانحراف، أو أن يكبت هذه النفس كما هو حاصل كثيراً، هذا الأثر ليس باليسير؛ لأن وجود هذا الكبت في هذا الشاب أو في هذه الشابة يعطله.

    قد يصبح حياً صحيحاً بين الأحياء، يذهب إلى عمله من الصباح، ويعود بعد الظهر، أو يذهب إلى دراسته، أو يذهب إلى جامعته، لكن تركيزه وتفكيره وأعصابه ونفسيته في مكان آخر، بل هو -كما يقول العامة- صفر على الشمال، لا قيمة له في هذا الواقع! فلا شك في أن لهذا الذي تبثه وسائل الإعلام، أثراً عظيماً في تحطيم كيان هذه الأسرة والمجتمع المسلم.

    الأثر الثاني: الانفصام والتناقض

    وجود نوع من الانفصام والتناقض في حياة الكثير من شباب الأمة، وأخص الأطفال بالذات؛ لأن هذا الشاب أو هذا الطفل يطلب منه أمور مثلاً: يوجهه والده إلى أمر، أو توجهه المدرسة إلى أمر، فيأتي إلى واقع المجتمع، وينظر إلى ما حوله، فيجد خلاف ذلك، قد يستطيع الكبير أن يستوعب هذا التناقض، لكن الصغير لا يستوعب، الصغير بفطرته، يصدق كل ما يسمع، يصدق كل ما يقال، لو أخبرته أن البحر عبارة عن شيء من السماء لصدق؛ لأنه ليس لديه خبرة في هذه الحياة، فإذا قيل له: افعل كذا، ثم وجد خلاف ذلك، كما لو جلس مع والده يشاهد فيلماً -فيما يسمى بالفيديو- فوجد أن شاباً يقبل فتاة في هذا الفيلم، الأب يشاهد هذا ولا ينكره، الطفل ماذا يسمع من والده، هل يسمح له والده بأن يقبل فتاة؟!

    أو يسمح له المجتمع فعل ذلك؟

    لا.

    فيقول: إذاً كيف أشاهد هذا؟!

    وكيف يقر والدي هذا؟!

    ووالدتي بجانبي، وأسرتي بجانبي، وأنا لا أرى هذا يطبق، ولا أرى هذا شيئاً مسموحاً به، فهنا ينشأ شيء من التناقض، وفي هذه السن بالذات يؤدي هذا إلى شلل ومشاكل لهذا الطفل.

    ومن أخطر نقاط التناقض التي تبثها وسائل الإعلام -سواء المقروءة أم المسموعة أم المرئية- التناقض العقائدي، الذي تكلم عنه الشيخ سفر الحوالي -جزاه الله خيراً- ولكن أنا أذكر ذلك من خلال مثال: حيث إن كثيراً من الأطفال ينشأ عنده ما يسمى بحماة الكون، ومن قبل كان هناك الرجل الجبار الذي يسمونه سوبرمان وغيره، وهي شخصيات خيالية، أدخلت إلى عقول الأطفال، والطفل كل همه أن يصبح مثلها.

    ولكن أتكلم عن حماة الكون، هؤلاء مجموعة يحمون هذا الكون، أين هذا التصور الذي يُغرس في عقل هذا الطفل من قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً [فاطر:41] أين هذا من الذي يسمع ويقال له: إن هناك حماةً للكون: فلان، وفلان، وفلان، ولديهم القدرة، ثم يأتي ويقرأ في كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنه لا يمكن أن تستقيم أمور هذه السموات والأرض، إلا إذا أمسكتها يد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا يمكن أن تستقيم بغير هذا، فهذا التناقض العقائدي من أخطر الأمور التي يواجهها الطفل المسلم.

    الأثر الثالث: السلبية وعدم الإيجابية

    ومن الآثار النفسية التي ترد على الجيل الناشئ قضية السلبية وعدم الإيجابية، فالذي يتلقى من وسائل الإعلام إنما يسمع فقط ويتلقى لا يناقش، هذا شيء أمامك تقرؤه أو تسمعه أو تراه، وتسلم به، وهو مصدرك في التلقي: فأين العقلية الابتكارية؟

    أين حب الابتكار؟

    أين حب الاختراع؟

    هذا كله لا يمكن أن يناله هذا النشء بهذه الطريقة.

    لا يمكن لإنسان يقف هكذا فقط ويتلقى، ويقال له: (افعل كذا، افعل كذا، الأمر هذا صحيح، وهذا خطأ) لا يمكن في يوم من الأيام أن يكون له دور، أو تكون له عقلية متفتحة متنورة، لا يتفق هذا مع هذا.

    هذه الأمور الثلاثة هي من أبرز القضايا النفسية التي تؤثر فيها وسائل الإعلام على البيت والمجتمع المسلم.

    الأثر الرابع: الآثـار العضوية

    أما عن الآثار العضوية: فكثير من البحوث والنشرات تكلمت حول ما يخرج من إشعاعات ملونة من هذا التلفاز، وخصوصاً الملون منها، وأنه يؤثر على شبكية العين، وأن لديه أخطار، هذا من ناحية الرؤية، وأما من ناحية الأمور العضوية الأخرى، فمثلاً منها: الجلوس، وأيضاً طريقة الاستماع، تجد الولد، أو الشاب لا يستطيع أن يجلس أمام التلفاز جلسة سليمة، أو صحية، وإنما يجلس جلسة اعتيادية، فقد يشوه هذا أعضاءً فيه ويؤثر عليه.

    من القضايا العضوية التي تؤثر على الشباب: الحد من نشاطهم الطبيعي، فالشاب أو الطفل بطبيعته متحرك لا يمكن أن يبقى الطفل في مكان واحد ولو لدقائق معينة تجده يلعب بهذا ويتحرك هنا، ينقلب على وجهه وعلى ظهره، حتى لو كان عمر الطفل شهراً أو شهرين، فإنه، لا بد أن يتحرك، لكن هذا الطفل وهو يشاهد أفلام الكرتون، ربما لا يتحرك لساعات.

    فالحركة هذه التي يتحرك بها الطفل، هي نوع من التجارب، والخبرة، والنمو الطبيعي للطفل؛ فكلما زادت حركة الطفل، وتحرك وأتى وذهب وجاء وتعلم، ولمس هذا وأمسك بهذا، كان نموه طبيعياً أكثر، وكان أقرب إلى أن يكون تفكيره سليماً نتيجةً لتربيته العضوية السليمة، هذه أيضاً مجمل للآثار العضوية التي نراها نتيجة وسيلة الإعلام.

    الأثر الخامس: قتل الأوقات

    تبقى هناك قضايا اجتماعية أكبر من هذه بكثير، وهي قتل الوقت كما تكلم عنها الشيخ سفر، فالوقت له ردود فعل على علاقة الأسر فيما بينها، فالأسر إن لم تجد ما يربطها بالبيت، فسيكون لها بدائل لتمضيه وقتها، ستذهب في زيارة الجيران، ستذهب لزيارة الأقارب، فتزيد الصلات بين الناس والمحبة والألفة، لكن وجود ما يربطها بالبيت، من الساعة الرابعة مثلاً، أو أثناء الصباح إلى منتصف الليل، فإنه يحد من نشاط هذه الأسرة، وتجدها باقية في البيت فقط؛ فمثلاً: تجد عمارة كبيرة ضخمة، فيها أربعون أو خمسون شقة، وقلة منهم الذين يعرف بعضهم بعضاً، وقد يكون الباب للباب، ولا يعرف الجار جاره، ولا يفكر الجار أن يخرج ويزور الجار، لكن لو وجد وقت فراغ يخرج فيه، ويستفيد منه لخرج بالفعل، لكن وجود ما يربطه بالبيت، أدى لقطع الصلة بينه وبين الناس.

    وهناك دراسة قامت بها مؤسسة، اسمها مؤسسة (باين) في عام (1930م)، أي قبل سبع وخمسين سنة، عرضت دور السينما (مائة وخمسة عشر فيلماً) تتحدث عن الجريمة والبوليس، ووجدت الإحصائية أن (400) جريمةٍ حدثت ممن شاهدوا هذا الفيلم! -هذه المائة وخمسة عشرة فيلماً أدت إلى أكثر من أربعمائة جريمة- واستحقت هذه الجرائم أن يكون هناك حدود جنائية ضدها، وهناك عدد ليس بالقليل من حالات الشروع في الجناية، ولم يكن هناك إجرام بالفعل، وهذا كان في حوالي ثلاثة وأربعين حالة من تلك الحالات.

    وحق لكم أن تستغربوا كيف يعيش هذا المجتمع إلى الآن، ولكنه منهار بإذن الله تعالى، ولا يغركم ما حوله من الهالة المضيئة، فإنه من الداخل منهار، ولا شك أنه سينهار!

    الدولة الرومانية من قبل أخذت في بنائها ألف سنةٍ، وبلغت من العظمة ما بلغت، وانهارت أخلاقياً، فانهارت في خمسين سنة! في خمسين سنة فقط انهارت تلك الدولة ببساطة، وذلك بانهيار هذه الأمور المهمة فيها، فالأسرة هي القاعدة...!

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين.

    1.   

    أخطار السفر إلى بلاد المشركين

    قال الشيخ : سفـر الحـوالي حفظه الله .

    موضوع السفر إلى بلاد المشركين أو السفر إلى البلاد التي تنتشر فيها البدع والرذيلة -وإن كانت بلاد إسلام في الأصل- هذا الموضوع ما هو إلا حلقة من حلقات التأثير على الأسرة المسلمة، والبيئة المسلمة لكي تتحلل من عقيدتها ودينها وأخلاقها وعاداتها الحميدة، وتصبح تبعاً للبيئات التي حكم الله سبحانه تعالى عليها بالكفر والذل والخزي في الدنيا والآخرة، والمسلمون وكما هو واضح لمن يقرأ كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم أمة التوحيد، أمة مجتباة ومصطفاة، أُهِّلت لتكون من أهل الجنة بإذن الله.

    ونحن نعلم أنه لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، ولا أهل التوحيد والشرك، ولا أهل الطاعة والمعصية، ولا أهل السنة وأهل البدعة، ومن هنا كان من أوضح الدلائل على أن الإنسان قد أسلم وجهه لله عز وجل وآمن بكتاب الله هادياً، وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبياً، أن يفارق المشركين من جهتين:

    أولاً: المفارقة القلبية: فيفارق قلبه عقائدهم وأديانهم، وتفارق جوارحه أعمالهم وعباداتهم، وكل ما هو من شعائر دينهم.

    ثانياً: المفارقة الجسدية: فلا يختلط بهم، ولا يعيش معهم، ولا يندمج في بيئتهم، ولهذا يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أنا بريء من مسلم أقام بين ظهراني المشركين. قالوا: يا رسول الله، ولم ؟

    قال: لا تتراءى ناراهما) لأن البيئة العربية التي بعث فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي في الأغلب بيئة بادية، والأعراب ينزلون في الأودية، هذا يوقد ناراً، والآخر يوقد ناراً على مسافة ما، فيقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تتراءى ناراهما) أي: لا يرى المسلم نار المشرك، ولا يرى المشرك نار المسلم، فيبتعد عنه ابتعاداً شديداً ويغيب عنه في شعب الجبال، ومن أجل ذلك شرعت الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، وكما كان المهاجرون الأولون يهاجرون إلى المدينة، وكان الذي يرجع عن الهجرة في أول الإسلام يعتبر مرتداً، أو في حكم المرتد، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاهد أصحابه في أكثر من موضع على مفارقة المشركين، وعلى البيعة على الهجرة، وهذا في أحاديث كثيرة صحيحة متفق عليها، منها أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يبايعهم على الهجرة والجهاد إلى أن فتحت مكة فقال:(لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية)، أي: لا هجرة من مكة إلى المدينة، وأما ماعدا ذلك، فإن الهجرة باقية من بلد الكفر إلى بلد الإيمان.

    الأخطار العقائدية

    شرعت الهجرة لأن الإنسان يتأثر ببيئة الشرك، يتأثر بما يقوله المشركون وما يعتقدونه هو وأبناؤه وأهله وذووه، والمؤمن مأمور أن يُمَحِّصَ إيمانه وعلاقاته وروابطه وأواصره، ولهذا أنزل الله تبارك قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1] وكانت بعد ما تم صلح الحديبية.

    ومع ذلك فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في هذه السورة قطع تلك الأواصر والعلاقات إلا علاقة الإيمان، فقال في حكم المؤمنات المهاجرات: فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ [الممتحنة:10] وكما بين -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في أنه لا علاقة بين المسلمين والكافرين، إلا في التعامل الحسن للذين لم يؤذوا المسلمين، ولم يخرجوهم من ديارهم، ولم يظاهروا على إخراجهم.

    ولذلك فإن كثيراً من الفقهاء نصوا على أن المسلم الذي أسلم في بلاد الكفار ولم يخرج إلى بلاد المسلمين، بل بقي معهم أو رئى في صفهم وقتل فإنه كافر!!

    فالأمر ليس بالأمر الهين، وما ذلك إلا لأن المسلم يجب أن يتميز عن هؤلاء الكفار والمشركين، فإذا أسلم الشخص، وكان في بيئة كافرة، ويجب عليه أن يفارق بيئتهم، وينتقل إلى بيئة الإسلام.

    ولكن الذي يحصل -مع الأسف- هو العكس فالمسلمون -وهم في بيئة الإسلام وفي بلاد الإيمان- هم الذين يختارون -طوعاً ورضاً- الذهاب إلى بلاد الكفار، وأن يقيموا ويعيشوا فيها لغير ضرورة ولا حاجة! وهذا بلا شك إحدى العلامات التي تدل على ضعف الإيمان أو على فقدانه.

    وقد ذكر العلماء أنه ما من قضية أو أمر من الأمور -بعد التوحيد وبعد النهي عن الشرك- أكثر وروداً في الكتاب من الأمر بموالاة المؤمنين، والنهي عن موالاة الكافرين، فمن تلك الآيات قوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر [آل عمران:118] وقوله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82] وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51]، وقوله جل شأنه: إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً [النساء:101] وقوله عز وجل: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً [التوبة:10].

    وآيات وأحاديث كثيرة وعاها المسلمون الأولون المجاهدون الذين كانوا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن بعده، فكانوا لا يحلون الإقامة في بلاد الكفار، ولا يذهبون إليهم، إلا لضرورة أو حاجة ملحة، مثلاً: للدعوة إلى الله ويعودون، أو يذهبون رسلاً من المسلمين إلى تلك البلاد، أو يذهبون للتجارة.

    ولها أيضاً ضوابط محددة لا بد أن يلتزم بها المسلم كما يلتزم بها أولئك الكفار إذا قدموا إلى ثغور الإسلام، كل ذلك لأن البيئة لها تأثيرها، ولأن المؤمن لا يكون مؤمن حقاً إلا إذا قطع صلته بالمشركين، وهجرهم وترك موالاتهم.

    واختلاطه بهم، وعيشته في بيئتهم مما يدفعه إلى أن يواليهم ويحبهم، وقد يمنعه ويحول بينه وبين إظهار دينه، فيرضى بالذل مع أنه مسلم! فتكون النتيجة أن الإسلام قد ذلَّ بذلِّ ذلك المؤمن الذي يقيم في بلاد الشرك، فهو لا يستطيع أن يجاهر بتكفيرهم أو بما هم عليه من الضلال، أو يجاهر بدعوتهم إلى التوحيد وإلى الحق.

    ولا شك أن من أكبر العوامل في هدم الأمة الإسلامية، وهدم الأسرة المسلمة بالذات، هو ما ارتكبه بعض المسلمين من ذنب عظيم، وهو: استحلالهم واستمراؤهم أن يسافروا إلى بلاد المشركين ويقيموا فيها، وأول ما يفكرون فيه هو معصية الله تعالى، والتخلي عن العادات والأخلاق الإسلامية الظاهرة، ويعقب ذلك التحلي بالعقائد الباطلة شيئاً فشيئاً -عافنا الله وإياكم- فالمرأة المسلمة منذ أن تركب الطائرة، تبدأ تتجرد من الحجاب، وتتزيا بزي الكافرات!

    حتى إذا نزلت هناك أصبحت مثلهن، والرجل كذلك يتزيا بزيهم، ولا شك أن المشابهة بهم في الظاهر يورث التشبه بهم في الباطن؛ كما نص على ذلك شَيْخ الإِسْلامِ في موضوع المشابهة في كتاب: اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، فهذه المشابهة في الظاهر تؤدي إلى الاندماج والمشابهة في الباطن شيئاً فشيئاً، وهذا ما قرره علماء الاجتماع وعلماء النفس في العصر الحاضر، بناء على تجارب ملموسة واضحة.

    السفر والانسلاخ من الدين

    يذهب الإنسان إلى تلك البلاد فيُضيِّع أول ما يضيع دينه! لأنها بلاد كفر، وليس بعد الكفر ذنب، فهي بلاد تعلن أن الله تعالى غير موجود، أو أنه ثالث ثلاثة -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- ويضيع المؤمن فيها ويشعر بالغربة الشديدة، فإذا كان المتمسك بدينه يشعر بالغربة في بلاد الإسلام! فكيف بتلك البلاد التي لا مساجد فيها ولا أذان ولا صلاة تقام؟!

    ويرى غلبة الكفر وقوته، ويرى بهرج الحياة الدنيا وزخارفها التي هم عليها، والتي لا توجد في بلاد المسلمين إلا النـزر القليل إن وجد.

    فيكون مما يثبط عزيمته، ويضعف إيمانه، وينبهر ويُخدع بهذا المتاع الفاني الزائل، ويظن أنه كان مخدوعاً مغروراً، وأنه ما وعده الله ورسوله إلا غروراً -كما قال ذلك المنافقون- وأن هؤلاء الكفار في عزة ومنعة وهم على كفرهم، فيظن أن الكفر هو مصدر هذه العزة، أو أنه لا يتعارض مع العزة، وهذه من أكبر الأمراض القلبية التي تصيب المسلم دون أن يستشعر ذلك عقلياً، وتدخل إلى قلبه وأحاسيس نفسه وهو لا يدري.

    وإذا كان أهله معه فإنها مصيبة كبرى؛ يرون المناظر المتبرجة، ويرون الخمر علانية، والفسق والانحلال والعادات الرذيلة الذميمة يرونها أمام أعنيهم، فإن كانوا ممن ذهبوا لنيل هذه الشهوات! فقد غرقوا وهلكوا وأهلكوا، وإن كانوا من المخدوعين الذين يذهبون من أجل الفسحة وقضاء الوقت، فإنهم سوف يصابون بأمراض القلوب، وأقل ذلك أنهم يرون أنفسهم في تمسك وإيمان، فإذا رأى الإنسان تلك البيئات فإنه يقول: أنا مؤمن وأنا متمسك، وبيئتي مؤمنة وعظيمة، ولكنه يرجع معظِّماً لتلك البلاد، محقِّراً لبلاد الإسلام، متهاوناً بالمعاصي، وكأن لسان حاله يقول: كلنا سواء، المؤمن والكافر، بل هم أكثر معصية منا، فلماذا تنزعجون من وجود المنكرات؟

    أو من الاختلاط أو التبرج أو انتشار المخدرات أو ما أشبه ذلك؟

    وهذه من أعظم الدلائل على أن مثل هذا قد أصيب في عقيدته؛ لأنه شتان بين المؤمنين والكافرين، ومن يعقد المقارنة بينهما فإنه لا يعرف حقيقة التوحيد ولا معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلا فإن الصحابة الكرام كانوا إذا ابتلوا أو اضطروا إلى أن يروا مشركاً، فكأنَّ الرجل منهم رأى رجلاً من أهل النار خرج إلى هذه الحياة الدنيا أمام عينيه! فلو تصور المؤمن أن هؤلاء أهل النار، فهل سيغتر بما لديهم من زخارف الحياة الدنيا؟!

    هل سيغتر بما أعطوا من النعمة والعافية أو الحضارة؟!

    هل سيغتر بما هم عليه من عزة ظاهرة أو من نعمة خادعة؟

    هل سيكون ذلك سبباً في أن يجاريهم في عاداتهم وأخلاقهم ويتأثر بها هو وأبناؤه؟

    لو كان يعلم حقيقة أن هؤلاء من أهل النار، وأنه ليس بين هذا الذي أمامه وبين النار إلا أن يموت، وما أقرب الموت، وكل آت قريب، وأن هؤلاء أعداء الله عز وجل ونحن المسلمين أولياء الله عز وجل لو علم ذلك لعلم أنه لا يستوي أعداء الله وأولياؤه.

    بل أدهى من ذلك أن يأتي أحدهم ويقول: إن تلك البلاد فيها نظام وأخلاق... وفيها وفيها، فيكون ممن يمدح الكافرين ويذم المسلمين! وبعضهم يقول علانية: الكافرون أفضل وخير من المسلمين! وهذا من الكفر الصراح الذي يصادم كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    والحمد لله أن بعضهم يذهب، ولكنه يعود وهو في منعة وحصانة، يذهب مخدوعاً فيعود بعقل سديد، حتى أن بعضهم قال: أقسمت بالله أنني إذا عدت إلى بلادي أن أسجد شكراً لله عز وجل! وفعلاً نزل من سلم الطائرة في مطار جدة، وسجد لله عز وجل فرحاً أنه عاد من تلك البلاد، وقال: والله ما ذهبت إليها إلا لأنها بلاد حضارة ورقي وتقدم، فلما رأيت ما رأيت، أقسمت على نفسي ونذرت أن أفعل هذا، وألا أعود إليها، فإذا كان هذا ضميره مستيقظاً، فكم من ضمائر ماتت، وكم من قلوب قد أصابها المرض وقتلها، فهي كالحجارة أو أشد قسوة، حتى أن أولئك في تلك البيئات أصبحوا يأتون بما يندى له الجبين، يفتحون البارات والخمارات والمراقص، ويكتبون عليها باللغة العربية دار مكة! أو مرقص مكة! أو ملهى المدينة ليصطادوا المسلمين إليها، وقد قال بعض إخواننا إنه رأى ذلك بأم عينه.

    ولا شك أنه لا يرضى بذلك ولا يرتاح إليه إلا من خلا قلبه من الإيمان، فتلك البيئات لا يجوز للمسلم أن يسافر إليها، لا في عطلة ولا في غيرها، إلا من اضطر للعلاج، أو من أضطر لدارسة معينة تنفع المسلمين، ولا يوجد له ملجأ إلا تلك البلاد، فيجوز للضرورة.

    واجبنا تجاه ظاهرة السفر إلى بلاد الكافرين

    يجب علينا جميعاً أن نفكر ونتعاون لنمنع هذه الظاهرة السيئة، وأن نأخذ على أيدي أولئك الذين يخالفون حكم الله الواضح، كالذين يدعون إلى تخفيضات في تكاليف السفر إلى تلك البلاد، والذين ينشرون الدعايات التي تُطمع الشباب وترغِّبهم في الذهاب إلى تلك البلاد التي فيها الصلبان، وفيها الشيوعية والإلحاد، وفيها العراة وما لا يخطر على بال، ويجب أن نتعاون ونسد كل المنافذ المؤدية إليها، ومنها منفذ الابتعاث، وأن نوجد الوسائل التي من شأنها ألا يُبتعث الطالب المسلم إلى تلك البلاد، فلو تعاونا جميعاً في ذلك- من مسئولين ومربين وآباء- لاستطعنا أن نقاوم أثر تلك البيئة.

    ولنضرب مثلاً بـاليابان، تلك البلدة الشرقية التي تفوَّقت تكنولوجياً حتى غزت أمريكا نفسها، اليابان عندما بعثت أول دفعة إلى أوروبا عادت وقد مسخت شخصيتها، فعادت باللبس الأوروبي والكلام الأوروبي والعادات الأوروبية، فجيء بهم إلى ميدان عام، وجمع أكثر الشباب أمامهم، وحكم عليهم بالإعدام ذلك لأنهم فقدوا الشخصية اليابانية.

    فابتعثت بعد ذلك عدة بعثات، فكان الرجل يذهب وينزل في أي بلد من أوروبا ويمشي ويأكل على الطريقة اليابانية، والنساء يلبسن الزي الياباني، ويرجع وهو ياباني التفكير والعادات، ولكنه قد اكتسب العلم الذي عندهم، فما هو إلا عقد من الزمن، وإذا بـاليابان تتفوق على كثير من الدول الأوروبية التي كانت أرقى دول العالم صناعياً في ذلك الوقت، فإذا كان هؤلاء المجوس والبوذيون على هذه الحال، فما بالكم بأمة الإيمان وأمة القرآن؟

    نسأل الله تعالى أن يردها إليه رداً حميداً، إنه سميع مجيب.

    1.   

    أخطار استقدام الكفار إلى بلاد المسلمين

    قال الدكتور عدنان غلام:

    أثبتت الدراسات أن السبب الرئيسي في نقل الأمراض التناسلية من الأماكن الموبوءة إلى غيرها، هو السفر ومقارفة الحرام -الزنا- وأن الحالات المكتشفة كانت في أولئك الذين ذهبوا إلى بانكوك عاصمة تايلاند أو غيرها من البلدان الموبوءة.

    بل إن هناك مرضاً جديداً ظهر في الرياض يعرف بمرض بانكوك، غير الأمراض الأخرى كالإيدز والزهري والسيلان -عافنا الله وإياكم منها- وأنها تنتقل إلى الأسرة عبر الزوج، فتحطم الأسرة والمجتمعات!! وللتأكد من ذلك تزار عيادة للأمراض الجلدية والتناسلية لينظر كم عدد الحالات في اليوم الواحد! لا أقول في الشهر ولا في السنة.

    قال الشيخ سفر :

    والاستقدام -غالباً- يكون لثلاثة وظائف، وهي: الخادم -ويشمل الرجل والمرأة- والسائق والمربية. هؤلاء الذين نستقدمهم لهم أكبر الأثر في هدم الأسرة المؤمنة، وقبل أن أستعرض الآثار الحديثة لا بد أن أرجع بكم إلى التاريخ قليلاً، وأذكر حديث حذيفة بن اليمان الذي رواه مسلم في صحيحه أنه سأله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الفتن وأخبره بقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب رفضها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصبح القلوب على قلبين: أبيض خالصاً، وأسود مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً) ولكن هذا لم يكن هو السؤال الذي سأل عنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: (ليس عن هذا سألتك! فقال: تسألني عن الفتن التي تموج كموج البحر؟

    قال: نعم.

    فقال حذيفة: مالك ولها إنَّ بينك وبينها باباً مغلقاً.

    فقال عمر بن الخطاب: أيفتح الباب أو يكسر؟

    قال: لا، بل يكسر.

    فقال عمر: وددت لو أنه يفتح) أراد أنه قد يغلق في المستقبل، أما أن يكسر فلا أمل في إغلاقه.

    ثم قام رضي الله عنه، وخاض الناس في هذا الباب الذي يقف في وجه الفتن، وتكاثرت الأقوال، فلم يجدوا بداً من أن يسألوا صاحب الحديث أمين السر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقالوا: (من الباب يا حذيفة؟ فقال: عمر.

    فقلنا لـحذيفة: هل كان عمر يعلم من الباب؟

    قال: نعم, كما يعلم أن دون غد الليلة، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط).

    فإذا نظرنا من الذي قتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب؟

    ومن الذي فتح هذا الباب للفتن؟

    أليس هو أبا لؤلؤة المجوسي، ألم يكن خادماً مستقدماً؟

    إن خطر الاستقدام كان من بداية الإسلام، من بداية تحرك هذه الأمة ووجودها، كان مع أطول خليفة راشد، فلم يكسر هذا الباب إلا عمالة أجنبية مستقدمة.

    ظهور الفواحش

    وإذا نظرنا في عصرنا الحاضر فسنجد أن من أخطار استقدام غير المسلمين الفاحشة -الزنا- والتي قد يقع فيها الزوج أو الزوجة أو الأبناء؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حذرنا من الخلوة بقوله: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} ولأن الرجل بطبيعته وبفطرته التي فطره الله عليها يميل إلى المرأة، والمرأة تميل إلى الرجل،فالخلوة حرام سواء في السيارة أو غيرها، وهذه فتوى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في ذلك، لأنه يمكن أن يذهبا إلى أي مكان، ويمكن أن يتكلما في أي موضوع، سواء حديث حب وعشق، أم غيرها من المحرمات.

    وقد وقعت قصة عجيبة في هذا الشأن، حصلت في مركز شرطة جدة، وهي أنه قدم إليهم رجل فلبيني وامرأة إندونيسية، وأتت بهم العائلة التي استقدمتهما، أحدهما سائق، والأخرى خادمة، فرب العائلة يتهم هذه المرأة بأنها زنت مع هذا السائق، وأنها حامل من الزنا، وبعد التحقيق اعترف الرجل بأنه زنى، ولكنه لم يعترف أنه زنى بالخادمة، وإنما اعترف بحصول الزنا مع ربة الأسرة، واعترفت الخادمة بأنها حملت من رب الأسرة، فهذا مثال واقعي وصريح في الجانبين.

    مثال آخر: رجل من أهل الخير في الرياض، يقيم مع ولدين شابين له في سن المراهقة، استقدم الرجل خادمة شابة إلى بيته، ولكنه بعد فترة من الزمن اكتشف أن هذه الخادمة لا تنام في غرفتها! فلما تتبع الأمر، وجد أنها تبيت ليلة عند هذا وليلة عند هذا! فأراد تسفيرها، فوقف في وجهه ولده، وقال: والله لا تسافر أبداً بل تبقى في بيتنا! فخرج الرجل وهو يبكي ويشتكي ويقول: إن ابني عصاني بعدما عصى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلو أن الولد رُبيَّ التربية الإسلامية الصحيحة، ومُنِعَت عنه أسباب هذا الفساد لما حصل هذا، فلا نضع عود الثقاب المشتعل أمام البنزين، ثم نقول للنار: لا تشتعلي!

    بل حتى في تاريخ الأمم السابقة يقص الله علينا قصة يوسف عليه السلام وهو معصوم، فيقول تعالى عن الفتنة التي تعرض لها:وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ [يوسف:24] فقوله وَهَمَّ بِهَا قال العلماء: لو لم يقل الله: (وَهَمَّ بِهَا) لاتهم يوسف في رجولته عليه الصلاة والسلام؛ لأن الرجل الذي لا يميل للمرأة يسمى خنثى -لا رجل ولا امرأة- وهي منقصة، لكن يوسف - النبي المعصوم- عندما ابتعد عن المرأة -وهي صاحبة الشأن وصاحبة الدار والسلطان والجمال- إنما كان بشراً لديه فطرة ولديه ميل نحو المرأة -كأي بشر- ولكنه استعلى على هذه الشهوة وارتفع بإيمانه عنها.

    الشاهد من هذه القصة أن الفتنة لا بد حاصلة، ولا يعصم الإنسان منها شيء، فلا يقل: (أنا نفسي طيبة، وأنا أختلف عن غيري)؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.

    وقد يستدل بعض الناس على جواز وجود الخادم أو الخادمة أو المربية بقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة النور: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنّ [النور:31] إلى أن قال: أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ [النور:31] فيدخل السائق ونحوه وكأنه من التابعين غير أولي الإربة.

    وهذا غير صحيح لأن العلماء قالوا: إن المقصود من الآية هو المخنث الذي ليس له شهوة في النساء.

    وقال بعضهم: هو الأحمق الذي لا يعقل الفرق بين الرجل والمرأة.

    وقال بعضهم: هو المخصي -الذي ليس له خصية- فلا تثور له قائمة.

    وقال الإمام الشوكاني رحمه الله في تفسيره: ''المراد بالآية ظاهرها، أي من يتبع أهل البيت، ولا حاجة له في النساء، ولا يحصل منه ذلك في حال من الأحوال ''.

    وهذا كلام دقيق، لأنه قد يأتي -هذا التابع- في فترة من الفترات ولا يكون له إربة بداية؛ لأنه يكون محتاجاً إلى العمل أو يفكر في أسرته التي تركها في بلده، فلو رأى ربة البيت لا يميل ابتداءً، لكنه إذا استقر به الحال واستأمنه الرجل وبدأ يخلو، أتته الشهوة، كقصة الرجل التي رواها الإمام مسلم -رحمة الله عليه- عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: { أنه كان رجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فكان يدخل عليهن ويعتبرونه من التابعين غير أولي الإربة حتى دخل النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة، والرجل مع بعض أزواجه، وكان الرجل يصف امرأة ويقول: إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان. فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فنهى أزواجه من أن يظهرن على هذا الرجل}.

    تغيير العقائد

    يستقدم بعض الناس للوظائف المنزلية أشخاصاً لا يدينون بالإسلام، وإنما يدينون بـالهندوسية، أو النصرانية، أو البوذية، ولهذه الديانات أشد الأثر على الأسرة المسلمة، وبالأخص الأطفال، فلو تُرك طفل مع مربية -أقل ما فيها أنها لا تذكر اسم الله تعالى- لتربيه، فلن تربيه على ذكر الله إذا أراد أن يأكل -مثلاً- ولن تقرأ عليه آية الكرسي أو أذكار النوم إذا أراد أن ينام، وإنما ستقرأ عليه نصوصاً من الإنجيل أو قصصاً من خرافات دينها، سواء كان ذلك مع الأطفال في البيوت، أو مع المرضى في المستشفيات، وسيخرج الأطفال بتربية غير إسلامية في عقائدهم وتصوراتهم.

    التدهور الأخلاقي

    وإذا نظرت إلى جانب الأخلاق والسلوك، فستجد أن كثيراً من المسلمين والمسلمات -فضلاً عن غيرهم- لا يعرفون كيف يتوضئون، ولا كيف يصلون؟

    فكيف سيكون حال الأطفال في الأسرة التي نطمح أن يخرج أبناؤها مجددين ومصلحين ويبنون هذا المجتمع، ويعيدون لهذه الأمة قيادتها ورئاستها في الدنيا، بل الذي يقع أن يتعلموا السرقات والجرائم التي تحدث في البيوت، بل أصبح بعضهم أشبه بالعصابات يقتحمون الشقق والفلل في غياب أهلها.

    إضعاف اللغة العربية

    قال حافظ إبراهيم في اللغة العربية:

    وسعت كتاب الله لفظاً وغايةً      وما ضقت عن آي به وعظات

    اللغة العربية هي اللغة التي نفهم بها ديننا، وهي التي نزل بها القرآن، وتكلم بها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فاللغة العربية يجب علينا أن نصونها من الركاكة، فلا نتكلم مع الخادم أو الخادمة، فنجعل الرجل امرأة، والمرأة رجل، ولا نقول للرجل: أنتِ روحي.. أو أنتِ افعلِ كذا، وللمرأة العكس مقابل أن تفهم هذه الخادمة أو ذلك الخادم.

    بل يجب علينا أن نعلمهم بالطريقة الصحيحة، فلا يحاول المتكلم أن يركك في لغته مقابل أن يفهم هذا الذي أمامه، ولكن يحاول أن يرتفع به ليكون قريباً من اللغة العربية الفصحى.

    انتشار الأمراض

    قضية أخرى أخيرة، وهي الأمراض التي يحملونها، وينبغي أن يكون هناك كشف طبي لهؤلاء المستقدمين، لكن بعض الناس لا يقدر أهمية هذا الأمر، وأن المرأة التي تأتي وتطبخ في البيت، لو كانت حاملة لمرض معدٍ أو مرض من الأمراض الخبيثة، فإنها يمكن أن تنقله إلى الأسرة، وهذه الأسرة تنقله إلى غيرها، فيجتنب هذا بالكشف الطبي من المستشفيات الرسمية؛ لأن هؤلاء بيئتهم بيئة فقر، وبيئة هابطة، ولا شك أن كثيراً من هذا الأوبئة منهم، وأنتم ترون في الحج وما يأتي وينتشر في بلادنا عن طريق هؤلاء الحجاج القادمين من تلك البيئات، سواء من الهند، أو الباكستان، أو سيريلانكا، أو الفلبين، أو تايلاند، وكلها دول تحمل الأمراض المعدية، وأكثر ما يتأثر بها الأطفال؛ لأنهم أقل مناعة من الكبار.

    إفساد الدين والأخلاق

    هؤلاء الناس إذا دخلوا إلى بلاد المسلمين عامة فضلاً عن هذه الجزيرة، فإنهم يبنون الكنائس -وهذا أمر معروف- وقد بنوا الكنائس في أطراف جزيرة العرب، ولو سمح لهم أن يبنوها في أقرب بقعة إلى مكة لفعلوا، ولكنهم لا يسمح لهم ولن يسمح لهم بإذن الله عز وجل.

    لكن في تلك البلاد التي قد تهاونت في الموضوع قد بنوا الكنائس الضخمة، ومن ذهب منكم إلى تلك الديار لا بد وأنه قد رآها، يبنون المعابد البوذية وقد بنيت معابد بوذية في أطراف جزيرة العرب على دين البوذية ليتعبد فيها البوذيون، ينشرون أديانهم الباطلة، يحاولون أن يدعوا الناس إلى أديانهم: النصراني إلى نصرانيته، والبوذي إلى بوذيته، وما انتشار مذهب البهائية إلا من أوضح الأدلة على ذلك، وما من بلد يسمح أن يقيموا فيه ويأخذوا فيه حريتهم، إلا وينشئوا النوادي الماسونية: إما نوادي عالمية كالروتاري وما أشبهها، وإما نوادي سرية تحت ستار الحفلات، وستار نشر الثقافة وستار المسرح، بأي شكل من الأشكال. لا بد أن ينشروا هذه النوادي الماسونية وينشروا الفكر الماسوني في بلاد المسلمين، وهناك من أبناء المسلمين من ينخرط في صفوف هذه النوادي والأحزاب الكافرة الملحدة، وإنما انتشرت الشيوعية بتأثير هؤلاء المجرمين عندما دخلوا بلاد المسلمين، وكل النحل الباطلة والضالة فهذا حالها أيضاً.

    دخولهم أيضاً في بلاد المسلمين فيه أعظم الإفساد لأخلاق المسلمين، لأن المسلم الذي لم يكن يرى في بلاده إلا امرأة محجبة أصبح يرى امرأة كافرة متبرجة، فبعد حين يستهين المسلم بذلك، ثم يكثر ويتناقل الداء حتى تصبح المحجبة هي الشاذة -نسأل الله السلامة والعافية- بل إنه كما تلاحظون -وهو أمر واقع- أن هؤلاء النساء في بلادهن لا يأبهن بأي شيء، ممكن أن تقف على قارعة الطريق وتركب مع أي إنسان يمر ويذهب بها إلى حيث شاء وليس لديها أي تفكير في أن هذا فيه حرج أو عيب أو عار، وهذا أمر مشاهد لمن تفطن ولمن تأمل له؛ فما ذلك إلا لاستقدامهم ولإدخالهم في بلاد المسلمين، ولتعمدهم أحياناً أن يفسدوا عقائد المسلمين.

    وفي دخولهم أيضاً إفساد الذوق العام عند المسلمين:

    إن المسلمين لهم دين ولهم حياء ولهم مروءة، وهناك أمور كثيرة حتى من الحلال مروءة المسلم تمنعه منها، هل رأيتم أحداً من آبائنا في أيام العادات الحسنة الطيبة مهما كانت قلة علمه بالدين يأكل هذا السندوتش على قارعة الطريق؟!

    والله ما يفعل هذا آباؤنا أبداً! يستحون من ذلك، وما كان أشد منه فإن حياءهم منه أشد، أما هؤلاء فإنهم يجاهرون بما يفسد الذوق العام، فيجعل مظهر البلد وذوقه العام مظهراً غربياً أوروبياً، حتى إنك تجد المسلم المتخلق بآداب الإسلام في لباسه وهيئته وزيه شاذاً ونادراً في بلد الإسلام، فإذا كان المسلم في بلد الإسلام يشعر بالغربة؛ فما بالكم بمن يدفع ويزيل تلك الغربة بالإتيان بهؤلاء الكفار واستقدامهم إلى بلاد المسلمين؟!

    نتائج أخرى

    هناك قضايا كثيرة قد نغفل عنها وهي في صميم الموضوع، كموضوع البناء: مثلاً، فعندما استقدمنا مهندسين كفرة، ومنظمين ومخططين للمدن من الكفار، أو من تلقى على أيديهم، أصبحت مدننا مدناً غربية بالفعل، وفقد الطابع الإسلامي لها، ولا نفرق بين البناء الإسلامي وغيره، الحياة الإسلامية والحياةُ عامةً أجزاء وعناصر عضوية متماسكة.

    أصبحت بيوت المسلمين تستر بالزجاج! وما كان آباؤنا يعرفون هذا الزجاج أبداً، فأصبح الزجاج والألمنيوم من جميع الجهات، فلم يكفنا أن تبرجت النساء حتى تبرجت العمارات أيضاً، فأصبح الإنسان يرى المرأة ويرى الناس وهم في أعماق البيت عن طريق هذا الزجاج!

    والأوروبيون إذا وضعوا الزجاج، فلأنهم يكادون لا يرون الشمس، فيفرحون ويحلمون أن يروا الشمس، والشعراء الأوروبيون لهم قصائد ودواوين في الشمس؛ لأن عندهم ضباباً طيلة السنة، فيفرح إذا رأى الشمس، فيجعل للبيت زجاجاً، فإذا أتت الشمس يتلذذ بها ويتنعم بها، ونحن في بلاد الحر الشديد نرى الشمس طوال العام، فنفرح ونتغنى إذا رأينا سحابة!

    هؤلاء القوم جاءوا وخططوا لنا فجعلوا العمائر متراصة عالية، والشقق متجاورة ضيقة، وضعفوا الزجاج في جميع الجهات ومن جميع الأطراف، وكذلك الشرفات التي تسمى البلكونات لم يعرفها آباؤنا أصلاً، فبيوت المسلمين في القديم كانت النوافذ عالية ومستترة، والباحات أو الساحات في داخل البيت، أما هؤلاء فهم في داخل البيت كالعلبة المعلبة، فأين تخرج المرأة؟ أين تنشر الملابس؟ وأين إذا أرادت أن تنادي أبناءها أو تعمل أي شيء، وكذلك الأولاد، فمن الشرفة، وما بين الشرفة والشرفة الأخرى إلا قليل من الهواء، فلو وضعت خشبة لأمكن أن يسير عليها الإنسان من هذه الشرفة، إلى تلك الشرفة، وينتقل إلى ذلك البيت، إما سارقاً أو زانياً أو لصاً أو ما شاء، والمصيبة أننا جعلنا عادات بلادنا وذوقنا العام وسكننا تحت تأثير هؤلاء الذين بأموالنا وبأنفسنا استقدمناهم ووليناهم ليخططوا لنا كيف نعيش، وكيف ننظم حياتنا، وكيف ننشئ بيوتنا.

    فالقضية خطيرة، وهي تمس كل بيت وكل إنسان.. وكل من يخاف الله عز وجل -وهو حريص على هذه البلاد الطاهرة المقدسة التي لم يبق للتوحيد قلعة إلا هي- فإنه والله يغار ويهتم لمثل هذه الأمور، ويجِدُّ في البحث عن الحل وعن المخرج، وهو بين أيدينا؛ وعندما نعرض هذه المآسي أو هذا الواقع، فإنما نذكر بأمر مشاهد محسوس؛ لنستثير همم أهل الإيمان والغيرة أن يغيروا وأن يبدءوا بأنفسهم وبمن حولهم.

    فأقول: إنهم أفسدوا حتى الذوق العام في مظاهرنا العامة، في سكننا، حتى في لغتنا وفي لهجتنا -كما ذكر الأخ الدكتور- بل إنكم لتشاهدون اللوحات، اذهبوا إلى بلد من بلادهم، وانظروا إلى اللوحات واللافتات في بلاد المسلمين، مع الأسف الشديد كأنها ثوب رقع من سبعين رقعة؛ هذه اللوحة من لغة كذا، هذه من لغة كذا، وهذه بلغة كذا، وأصبح الإنسان لو فتح محلاً صغيراً جداً لا يأتيه ولا يشتري منه إلا طبقة من العمال الذين لا يقرءون أية لغة، ومع ذلك لو وضع له عنواناً فسوف يكتبه بغير العربية، إما بالإنجليزي أو بلغة أخرى؛ لأن عبوديتهم ليست في المظهر والمخرج، لكنها في الباطن وفي المخبر، أصبحنا متأثرين بهم إلى هذا الحد.

    وأدهى من ذلك أننا نستعير أسماء فجارهم -وكلهم فجار- ونضعها عناوين ولافتات في بلاد الإسلام، من أعجتبه مطربة أو مغنية أو ممثلة عاهرة داعرة، جعل اسمها عنواناً لمحله أو لشركته أو لمطعمه أو لمخبزه أو لما أشبه ذلك، فنجعل من بلادنا معرضاً للدعاية لمشاهير الكفر ومشاهير الفجار من شتى الأصناف ومن جميع البلاد كالمطربين والممثلين ولاعبي الكرة والمصارعين والرياضيين عموماً بينما في تلك البلاد رغم أنها لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولا تخاف أن الله سيعذبها يوم القيامة ولا تعرف شيئاً اسمه موالاة الكفار، رغم ذلك لا يسمحون بأن يمجَّد اسم في بلدهم إلا ما كان على لغة البلد، ومن له بطولة وطنية -كما يسمونها- بخلاف ما نحن عليه للأسف الشديد.

    ونحن قد تكلمنا وأشرنا، وما هي إلا إشارات إلى ما يهدد الأسرة من هذا الغزو الفكري الرهيب، ومن هذا الخطر الزاحف الداهم، سواء كان خطر ذهاب المسلمين إلى بلد الكفار أم خطر استقدام الكفار إلى بلاد المسلمين، وعلى كلا الحالين يجب علينا أن نعيد النظر في أنفسنا وفي مجتمعاتنا مما يتعلق بهذا الشباب المسكين.

    الشباب والفساد

    لو صح أن أحداً يعصي الله عز وجل وهو مظلوم لقلنا: إن شبابنا مظلوم، نعم هذا الشباب مهما فجر ومهما فعل لو نظرنا بالمقياس الشرعي الصحيح لوجدنا أن حالنا معه كما قال الشاعر:

    ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له     إياك إياك أن تبتل بالماء

    لا نجد مجلساً إلا ويشتكى من الشباب: الشباب فسد، الشباب أدمن المخدرات، الشباب فعل وفعل، الشباب هذا... كيف وكيف، شكوى! ولكن هل واقعنا وحياتنا العامة تدفع هذا الشباب إلى الخير أم تدفعه إلى ما هو أشد من ذلك، وإلى ما هو أوحش وأفحش من ذلك؟

    ليس هناك أحد يعذر في معصية إلا من عذره الله، ويجب على هذا الشباب أن يتمسك بدينه، لكن كيف نفتح له جميع منافذ الشر، ثم نقول له بعد ذلك: لا تعص!

    دعايات تنشر في مجلات كثيرة: تعال إلى حيث المتعة، تعال إلى الليالي الدافئة في بانكوك وكذا وكذا، تخفيض أربعين في المائة على قيمة التذاكر، الفنادق والحجز وكذا وكذا موجود، ترونها جميعاً ونراها جميعاً، تدفع بهذا الشاب المتلهف المتعطش في قوة الشهوة وفي قوة الشبق وقوة الشباب تدفعه وتجذبه، نضمن لك كذا وكذا من أساليب المتعة والرفاهية في العطلة، وقد تنظم مواعيد الرحلات على مواعيد العطل، فمن أراد ذلك فهو لا يحتاج أن يخرم عمله، الأمر منظم ومرتب على مواعيد العطل الأسبوعية أو السنوية، ثم تبدأ تلك الجموع تذهب إلى هناك، فإذا جلس الإنسان هنا، وبلغه خبر أن جثة زميله فلان قد جاءت من مانلا -كما حصل قبل فترات وكما تعلمون ذلك- قال: هذا فاسد، وهذا مجرم وقمنا نتشكى. نعم هو مجرم، لكن هل نحن مبرعون؟

    هل نحن غير مؤاخذين أمام الله عز وجل؟

    أم أننا قد دفعناه إلى الجريمة وهيأناها له وفتحنا له أبوابها؟

    وكذلك ما يقع داخل البيوت من الشجار ومن الخصام ومن عقوق الأبناء، قلما تجد أباً أو مدرساً أو مربياً إلا ويشكو من عقوق هذا الشباب، ويشكو أنه شباب متمرد، لا يهتم بشيء، لا يبالي بخير أو شر!

    ولكن نسأل أنفسنا أولاً: على أي شيء ربيناهم نحن؟ إذا كان الأب الذي تربى على الدين وعلى الأصالة وعلى الخلق يُرى فيه التهاون في أعظم أمر، وهو أمر الغيرة وأمر العرض، فيدع المرأة والبنت تذهب مع السائق، فكيف تلوم الابن لو ارتكب أكبر من ذلك؟!

    فأنت تعصي الله عز وجل فيه وفي الأسرة جميعاً بهذا الخادم وهذا السائق، وتريد ألا يعصى الله فيك بالعقوق؟!

    لا يمكن هذا أبداً.

    فهؤلاء الشباب لا ندافع عنهم، ولكن نقول: إننا مسئولون مثلهم أو أكثر، وإنهم قد يكونون مظلومين في كثير من الأحيان؛ لأنهم لم يعرفوا الحق ولم يعرفوا الخير، وإنما وجدوا أنهم يساقون سوقاً إلى الفاحشة وإلى الفساد وإلى الإجرام، فانساقوا في هذا التيار الجارف، ولذلك - وهذه والحمد لله من بشائر الخير - تجدون الشباب الذي يهتدي ويرجع إلى الإسلام، وهذا الذي يسمى شباب الصحوة الإسلامية الجديدة الذين نراهم في كل مسجد، وفي كل حي، وفي كل مدرسة، بعضهم لما اهتدى بدأ يصرح يقول: والله لأول مرة أسمع أن الغناء حرام، وأن مشاهدة المرأة في الفيديو أو التلفاز حرام، وإذا به اهتدى، وجاء إلى المسجد، وحضر ندوة وندوتين، ثم التحى وترك الفساد.

    إذاً لماذا نظلم الشباب؟!

    فلو أنهم ربوا تربية سليمة لكان فيهم خير عظيم، ولو كانوا يهتدون بأشياء عارضة قليلة، فكيف لو كان التوجيه العام كله على ما أمر الله وعلى ما أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزع هؤلاء الشباب من أيدي الذين يريدون أن يتبعوا الشهوات، ويريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.

    فنسأل الله تعالى أن يردنا إليه رداً حميداً وأن يبصرنا في ديننا وأن يفقهنا فيه؛ حتى نعلم مقدار ما شرفنا الله تعالى به من التوحيد، ومقدار ما أذل الله تعالى به أعداءنا من الشرك، فلا نواليهم ولا نحبهم، ولا نسافر إلى بلادهم، ولا نستقدمهم إلى بلادنا، ولا نعاملهم بأية معاملة إلا على وفق ما شرع الله في حالة الاضطرار التي أباحها الله تبارك وتعالى، ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لنا ولكم ذلك وما هو خير منه، والحمد لله رب العالمين.

    خاتمة

    قال مقدم الندوة:

    أذكركم بما بدأنا به الندوة بالحديث عن الغزو الفكري، وتأثير استخدام وسائل الإعلام هذا الاستخدام الجائر الذي نتج عنه ما سمعتم في هذه الندوة من أمور فاحشة تأثر بها هذا المجتمع، وسمعتم أيضاً ما ذكره الشيخ سفر من حال أجدادنا وكراهيتهم معايشة أهل الكفر والشرك والفجور والباطل، وكيف أنه كان كثير من الرحالة الكفرة يقتلون في هذه الجزيرة عند محاولة اكتشافها، أجدادنا ينظرون للكفرة وللمشركين هذه النظرة التي تحملهم على قتلهم، ونحن نعاشرهم ونصاحبهم ونصادقهم في مكاتبنا وفي بيوتنا!

    نستقدمهم إما عمالة على أنهم خبراء وعلماء، وإما عمالة رخيصة على أنهم خدم وسائقون!

    هذه الآثار التي تحدث عنها في هذه الندوة وفي الندوة السابقة ما كانت إلا نتيجة لأول ما بدأنا به الغزو الفكري الذي جاء نتيجة لاستخدام هذا الإعلام استخداماً لا يرضي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والذي لم يسخر لخدمة دينه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    وفي الختام نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم فاستغفروه.

    1.   

    تصحيح مفهوم العمالة

    كان أبو لؤلؤة المجوسي عبداً رقيقاً للمسلمين، ولم يكن عاملاً مستقدماً، وتعلمون أن المسلمين إذا حاربوا أمة كافرة، فإنهم يغنمونهم ويأسرونهم، ومن أسر منهم يجوز أن يُسترق، فيصبح عبداً للمسلمين؛ لأنه رفض أن يكون عبداً لله عز وجل، فحكم الله تعالى أن يكون عبداً لعبيده الصالحين، ففرقٌ بين العبد وبين العامل المستقدم؛ لأن الأدلة في تحريم دخول اليهود والنصارى إلى جزيرة العرب كثيرة.

    ولهذا لما طُعن الفاروق عمر رضي الله تعالى عنه [[قال: من فعل بي ذلك؟

    قالوا: أبو لؤلؤة المجوسي، قال: الحمد لله الذي جعل ميتتي على يد رجل لم يسجد لله سجدة]] ثم قال: [[وقد كنت نهيتكم أن تكثر العلوج بـالمدينة]] لأن عمر كان ينهى أن تكثر العلوج في المدينة أي: أن هؤلاء أرقاء وملك للمسلمين، فالمسلم إذا ملك عن طريق الجهاد رقبة من رقاب الكفار، فإنه يستخدمها كما يستخدم الدابة، ومن هنا يجوز له أن يأتي بها، ولو لـجزيرة العرب باستثناء مكة.

    1.   

    جزيرة العرب للمسلمين

    أما إذا كان هذا الرجل حراً، وإنما جيء به من أجل عمل من أعمال الدنيا، فهذا هو الذي ينطبق عليه ما قاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان)، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً) وهذا في آخر حياته، فهو حكم ناسخ لما قبله.

    وهذا يبطل استدلال من يستدل أن أهل خيبر صالحهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أن يقيموا فيها ويزرعوها، فيكون لهم النصف وللمسلمين النصف، فإن أهل خيبر كانوا أرقاء لأنهم استسلموا في الحرب، فكانوا مما يسمى برقيق الأرض.

    ولما أوصى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آخر حياته بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب نفذ ذلك الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وظهرت له خيانة اليهود التي لا بد أن تقع، فأجلى يهود خيبر إلى أذرعات من بلاد الشام، وفرقهم في البلاد، وطهر جزيرة العرب من رجس هؤلاء الكفار، وبقي هذا أمراً مألوفاً لا يخرمه ولا يخرقه أي خارق أي أن جزيرة العرب بلد للمسلمين فقط لا يساكنهم ولا يعاشرهم فيها أحد.

    بقي هذا أربعة عشر قرناً إلى أن جاء الاستعمار الحديث، ودخل الإنجليز والبرتغال أطراف الجزيرة، أما قبل ذلك فلم يكن أي كافر يأتي إليها إلا متخفياً، بل إن بعض الرحالة الأوروبيين الذين جاءوا لاكتشاف جزيرة العرب قتلوا على أيدي الأهالي، لأنهم رأوا أن هذا كافر يهودي أو نصراني، ولا يجوز له أن يدخل إلى جزيرة العرب، وهذا موافق لما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    وسبق أن تعرضنا لقضية التجارة وحكمها، وقد نحتاج ذلك لأننا نتاجر مع الكفار وبما يأتون إلى ثغور المسلمين أو موانئهم وأطراف بلادهم، وقد يُحتاج أن يدخلوا ببعض تجاراتهم إلى بلاد المسلمين، فإذا احتاج المسلمون للتعامل مع الكافرين في بعض الأمور-كالتجارة- فعليهم أن يفعلوا مثلما أوصى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كما روى أبو عبيد في كتاب الأموال إذ جعل لأهل الروم ولمن تاجر من أهل الكتاب ثلاثة أيام، يأتون بتجارتهم مما يلزم المسلمين إلى ظاهر المدينة، ولا يدخلون إليها، فيأتي إليهم المسلمون، فيشترون منهم البضائع لمدة ثلاثة أيام ثم يعودون.

    أما أن يستخدموا ككتبة أو مستشارين أو خبراء، فهذا حرام، ولو كان في بلاد ما وراء النهر، أو في الأندلس، أو في أي مكان، وقد بلغ الفاروق عمر أن أبا موسى الأشعري استخدم كاتباً نصرانياً، فكتب إليه يعاتبه أشد العتاب ويقول: [[ كيف تأمنونهم وقد خونهم الله؟! وتكرمونهم وقد أهانهم الله؟!]].

    وله مع المغيرة بن شعبة قصة -وكان المغيرة في العراق ليس في داخل جزيرة العرب- إذ كتب المغيرة إلى عمر: إنني استخدمت هذا النصراني، وإنه رجل نبطي، ولا يجيد الحساب غيره، فكأنه يقول: وجود الرجل ضروري لنا، فكتب إليه الفاروق كلمتين، قال له: [[هب أن النصراني مات، والسلام]].

    فيقطع الجدال والنقاش في هذا الموضوع، فـجزيرة العرب لا يجوز أن يجتمع فيها دينان في أي حال من الأحوال، ومن هنا نعلم لماذا علماؤنا -جزاهم الله خيراً- الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ عبد الله بن حميد في فتواهم المسجلة والمقروءة يذكروننا دائماً بهذا الحكم، يقولون: ''لا يجوز للمسلم أن يستقدم الكفار إلى جزيرة العرب ''.

    حدود الجزيرة العربية

    وقبل ذلك قد تقولون: وما هي جزيرة العرب؟؟! جزيرة العرب تشمل من أطراف العراق والشام شمالاً إلى بحر العرب جنوباً، ومن الخليج وبحر عمان شرقاً -خليج البصرة الذي اختلفوا فيه: هل هو فارسي أو عربي؟

    العرب المسلمون كانوا يسمونه خليج البصرة أو بحر البصرة- فمن الخليج شرقاً إلى البحر الأحمر غرباً، فيدخل في ذلك بطبيعة الحال الكويت والإمارات واليمن وعمان.

    فكل ذلك من جزيرة العرب التي لا يجوز أن يدخلها الكفار فضلاً عن الحجاز، فهو أمر متفق عليه ولم يخالف في ذلك أحد، وكل من تكلموا في حدود الجزيرة لم يختلفوا في أن الحجاز من جزيرة العرب وأنه أولى الأماكن بألا يدخلها يهودي ولا نصراني؛ حتى إن بعض العلماء جعلوها على نوعين محرم مغلظ ومحرم غير مغلظ، أي يحرم أن يدخلوا جزيرة العرب عامة، لكن دخولهم إلى أرض الحجاز محرم حرمة مغلظة، فحرمته مغلظة دائمة؛ لأنها كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إن الإيمان ليأرز بين المسجدين}.

    فيجب أن تظل بلد إسلام وأن تحمى من هؤلاء الذين يسبون الله عز وجل أعظم السب، ولو أن أحداً سب أبا أحدنا كل يوم فلن يرضى أن يعاشره أو يخالطه، فكيف بالكافر الذي يسب الله عز وجل، فالنصارى يسبون الله عز وجل حين يقولون: إن له ابناً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً [الإسراء:43] هذا سبٌ لله عز وجل، والبوذيون يقولون: إن بوذا هو إلههم، وبعضهم يقول: إن بوذا هو ابن الله، وفي هذا سبٌ لله عز وجل، وكلهم أعداء الله، وكلهم لا يجوز أن يوالوا، ولا أن يدخلوا إلى جزيرة العرب.

    1.   

    من دخول الكفارة إلى بلاد المسلمين

    ولا بد أن إدخالهم إليها وإلى غيرها من بلاد المسلمين يؤدي إلى فساد عريض، ويجب أن نضع هذه القاعدة في أذهاننا ولا ننساها: (وكل أمر نعصي فيه الله عز وجل، فلا بد أن تصيبنا بسببه العقوبة) وذلك كما بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ذكر الخمس التي أمرنا أن نستعيذ بالله منها، وأنها إذا وقعت وقعت نتيجتها، ومنها: (وما انتشرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا أصابهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن من قبلهم).

    فإذا عصينا الله عز وجل فلا بد أن ندفع ضريبة المعصية من أجسادنا ومن سعادتنا ومن أمننا في الدنيا، وكذلك عقوبة الآخرة: وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:127] -عافنا الله وإياكم من ذلك- فما تفضل به الدكتور عدنان من هذه الأمراض والمشاكل، إنما هو نتيجة لمعصيتنا لنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكانت هذه عقوبة بالمعصية: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] ولا بد من هذا.

    1.   

    الأسئلة

    البديل الإسلامي لوسائل الإعلام

    أجاب على هذا السؤال الشيخ سفر الحوالي .

    السؤال: في الواقع هنا نقطة نحب أن نعود فيها إلى الأخ الشيخ سفر في موضوع التلفاز، والبرامج التلفزيونية، والفيديو وما شابه ذلك، فالبعض يريد أن يوقف هذا السيل الجارف بأن يأتوا بأفكار، ويقولون: لماذا لا نعمل أشياء إسلامية؟

    لماذا لا نعمل أفلاماً إسلامية؟

    لماذا لا نعمل أفكاراً إسلامية؟

    لما لا نعمل أفلام كرتون إسلامية -مثلاً- ولا نشك أبداً أن هناك مغرضين مندسين وراء هذا، ولكن الظاهرة موجودة الآن؛ فالناس قسمان -إلا من رحم ربي- إما أناس متجهون خاضعون لهذا الغزو الفكري ولا يرون به بأساً، بل يرونه عين الحضارة، وهو المطلوب، وهو المراد، وهذا والله فيه الدمار، وآخرون رأوا في هذا البديل سلامةً لهم، الأمهات يتضجَّرن من الأطفال في البيوت، وتعلمون حال البيوت هذه الأيام وصغرها وحبس الأطفال فيها، فالأم تريد من طفلها أن يكون ساكنا ساكتاً، لاكما أراده الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى طبيعياً متحركاً نشطاً، فتريده أن يجلس أمام التلفاز ساعتين، أو ثلاثاً، أو أربعاً، وهي تقضي ما تقضي من أمورها، فتصر على شراء التلفاز، فيرضخ الأب ويقول: إذن نأتي بأفلام إسلامية أو برامج إسلامية، فنريد من الشيخ سفر:

    توضيح الحقيقة، لما في هذا الحل من مخاطر، حتى نكون على بصيرةٍ من أمرنا؟

    الجواب: الحمد لله رب العالمين، إن الإجابة على هذا السؤال ليست بالأمر الهين، لأن القضية أخطر من أن يدرسها فرد بذاته، هذه مشكلة كل بيت يريد أن يحافظ على البقية الباقية من الأخلاق والفضيلة، ولكنه يواجه غزواً منظماً مسيطراً، ومن هنا يجب أن تتردد الآراء فيها -ولا نعني أي آراء- ولكن نعني آراء أهل العلم، ورأي أهل الخبرة، ورأي رجال التربية الإسلامية الذين يمارسون الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    إنه لا حرج شرعاً من حيث المبدأ أن توجد أفلام إسلامية نافعة مفيدة، لو سئلنا نظرياً عن ذلك لقلنا: قد يكون واجباً أن يوجد البديل، ولكن يجب أن نتنبه إلى مخاطر كثيرة تحف هذه القضية:

    الأمر الأول: أن البديل عن أي شيء في كثير من الأحيان فيه نوع من الإقرار بالأمر الواقع، بمعنى أن البديل قد يكون مظهراً للعجز عن المقاومة، فأنا لم أستطع -مثلاً- أن أحفظ بيتي وأبنائي وأغرس وأربي في أنفسهم مقاومة هذا الغزو، وأن هذه الأمور حرام، فقلت: لابد أن آتي بالبديل، بينما توجد الأسر التي تستطيع ذلك، ولو أننا جعلنا الأصل والأساس هو أننا نقاوم هذا الغزو، ونجعل البديل أموراً صالحة، ليس شرطاً أن تكون من جنس ذلك الغزو، كالطفل الذي يأتي -مثلاً- من المدرسة بعد الظهر يتغدى ثم يرتاح قليلاً، يذاكر للعصر، يذهب للمسجد، يحفظ القرآن إلى العشاء، بعد العشاء ينام إجبارياً، ليستيقظ مبكراً، هذا الطفل إذا ربي تربية سليمة على أن هذه الأشياء أقل ما فيها أنها تضيع وقته، وأنه لا يستطيع أن يتلقى معلوماته فيها، فسيترك هذه الأمور وما فيها من حرام وما قد تجره إليه من فساد، فهو يقتنع بذلك وإن كان صغيراً مع التربية السليمة، وماذا يربح الإنسان إذا خسر أسرته، مهما كان نجاحه مالياً أو مادياً أو حتى لو دعوياً، نجح في أن يدعو طائفة كبيرة من الناس للإسلام، لكنه ضيع أطفاله وضيع زوجته، فهذا خسران، لا يرضاه إلا من كتب الله عليه الغواية.

    الأمر الثاني: أن هذه البدائل فيها -كما ذكره الأخ عدنان- أخطار من النواحي العضوية، فما ينتج عن ذلك في النظر، أو في الأعضاء، أوفي عدم الحركة، أو ما أشبه ذلك، كل المساوئ العضوية موجودة سواءٌ كان هذا الشيء صالحاً أو سيئاً، وأنا قرأت وسمعت أيضاً ندوة إذاعية أن بعض دول أوروبا وفي بعض الولايات الأمريكية، حددت مشاهدة الأطفال للتلفزيون بساعة واحدة في اليوم فقط، وجعلت ذلك تشريعاً إلزامياً في الدولة وفي الولاية، فيلزم الأطفال ألا يروا التلفزيون إلا ساعة واحدة، ثم بعد ذلك يتحدثون عن محتوى هذه الساعة وما سيكون، لكن يشترطون ألا تزيد عن ساعة واحدة، فكيف بنا نحن الذين لا بد من مفارقتنا لهم، بمقتضى أن أصحاب الصراط المستقيم يخالفون أصحاب الجحيم، فهؤلاء رأوا الأضرار العضوية التي تنتج عن المشاهدة للتلفزيون وإدمان ذلك، فقالوا: لابد أن يحدد ذلك بساعة واحدة من أربعة وعشرين ساعة.

    الأمر الثالث: هي أن ما يوجد اليوم باسم الأفلام الإسلامية، أو ما قد يوجد هو كأي أمر من أمور حياتنا -نحن المسلمين- يخضع لذوق ولرغبة المشتري، كما هو خاضع لعلم وفقه المنتج، بمعنى أن المنتج الذي لا يعرف الحلال من الحرام، أو لا يتقيد بكثير أو ببعض أحكام الإسلام، قد ينتج أفلاماً فيها محرمات كثيرة وواضحة، وكثير من الآباء لا يدركون الفرق بين الحلال والحرام في هذه الأمور؛ لأن الدعوة العامة وعلم الفقه الشرعي في المجتمعات الإسلامية ضعيف محدود، فئة محدودة فقط هي التي تستطيع أن تنتقي وتختار، ومن هنا فإن هذا المنتج مع حسن نيته -افتراضاً- سوف ينتج لنا أشياء ضارة على أنها نافعة، وهذه قد تتقبلها الأسرة بحجة أنها إسلامية، وقد رفضت تلك التي ليست إسلامية، وفي ذلك خطره وضرره.

    وكذلك قضية الرقابة، قد يقول قائل: نخضع هذه الأشياء للرقابة، وأنتم تعلمون أن الأفلام غير الإسلامية فيها الكثير من المحرمات مع وجود الرقابة، وفيها أمور لا تخضع للرقابة، فإذا قلنا: الأفلام الإسلامية تخضع للرقابة، فإن الحال سيكون كحال هذه الأفلام التي تخضع للرقابة من جهتين وأنتم ترونها، بل بالعكس الرقابة -إن وجدت فرضاً- ستجد نفسها أنها أمام شيء عادي جداً، فأحدهم مطالب بأن يراقب مئات من الأفلام الخليعة الفاجرة، ويأتيه فيلم إسلامي فيقول: هذا إسلامي، فلا يراقبه، فنتيجة ذلك تنتشر في المجتمع أخطار قد تكون أكثر خطراً من الأفلام الواضحة أنها للفسق والدعارة.

    وأنا أضرب لكم أمثلة واضحة:

    أنتم تشاهدون ما يسمى -أحياناً- بالتمثيليات والمسلسلات الإسلامية، ولاسيما في رمضان أو في موسم الحج، والحق يقال، كلمة نقولها لله عز وجل: لو أنه وضعت مكان هذه الأفلام أفلام ما يسمونه حباً وهو فاحشة -الأفلام العادية من الغرام والعشق العادي- لكان والله أسلم من هذه الأفلام، والله لقد رأيت بعيني في موسم من مواسم الحج فيلماً في قصص الأنبياء، والقصة كانت عن داود عليه السلام، الممثلة تمثل زوجة داود عليه السلام -الذي أثنى الله عليه في القرآن الكريم: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:30]- زوجة نبي كاشفة الصدر والنحر كله، وتختلط بالأجانب، وتكلم طالوت، وتكلم فلان، ووزوجة من هي؟

    زوجة داود!! هذا والله أفحش مما لو كانت هذه زوجة فلان من الناس وتختلط بغيره.

    وكذلك على هامش السيرة الذي عرض في سنة من السنوات على أنه سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ظهرت فيه أخطاء كبيرة في سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيلم الرسالة وما أدراك مافيلم الرسالة، وقد سمعتم عنه الكثير، وكذلك تمثيلية موسى بن نصير شيء عجيب جداً أن يكون الفاتحون المسلمون لايفتحون البلاد إلا عن طريق العشق والغرام والعلاقات مع بنات الروم...!

    أيضاً في سنة من السنوات كان الموضوع عن أبي عبيدة بن الجراح، أمين الأمة المصطفاة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [فاطر:32] فهل في الأرض، أمة أكثر أمانةً وحقاً وعدلاً من أمة الإسلام، وهذا أمين الأمة الأمينة، يفتح دمشق بناءً على علاقات غرامية مع بنت ملك الروم!! فإذا كان هذا أميننا، فمَنْ منا الأمين؟!

    نحن أمة خائنة إذن، ولاشك أن من رضي بهذه الخيانة فهو خائن، وهذا شيء ليس بالخفي، بل شاهده الملايين، وهذا من قبيل توضيح الخطأ لا التشهير ولا الافتراء، لأن هذه الأمور شاهدها الجميع.

    فالحقيقة أن هناك خطراً مبطناً مدسوساً فيما يسمى بهذه الأفلام الإسلامية أو المسلسلات الإسلامية في المواسم الإسلامية، وفي تمثيلة ابن تيمية وغيرها.

    ولكي يبرزوا شجاعة الصحابة يأتون بسيوف من الخشب، ويقولون: هذا خالد بن الوليد...!

    والطفل الصغير يقول: رأيت خالد بن الوليد، ولا يقول: رأيت ممثلاً يمثل خالد بن الوليد، يقول: رأيت عمرو بن العاص، رأيت معاوية، لأنه يرى شيئاً أمامه، نحن الكبار ننسى الموضوع، ونتصور أن هذا خالد، فكيف بالطفل الصغير؟!

    وأشد من ذلك أن يأتي في فيلم آخر نفس ذلك الممثل الذي يمثل خالد بن الوليد أو أبا عبيدة، وإذا به لص من أكابر المجرمين، ويأتي في فيلم آخر، وإذا به داعر من أكبر الزناة ومدمني المخدرات، وهو نفس ذلك الرجل!! كيف ينطبع هذا في نفس ذلك الطفل؟

    لو بقي ينظر إلى هذا الرجل في كل هذه الأفلام على أنه داعر، زانٍ، فاسق، غشاش، لبقيت صورة واحدة في ذهنه، لكن يأتي يمثل صحابي بهذه الصور!

    هذا هو التناقض الحاد الذي أشار إليه أخونا الدكتور عدنان، وهذا مما يسيء ويفسد سمعة الصحابة، وبالتالي يفسد الشباب المسلم عن طريق هدم القدوة الذي يجب أن نتأسى بها، وقارنوا بين طفل في الرابع الابتدائي أو الخامس يسمع بصوت الدكتور عبدالرحمن رأفت الباشا -رحمة الله عليه- وهو يتحدث عن صور من حياة الصحابة أو صور من حياة التابعين، كيف يتأثر عندما يسمع عن الصحابة؟!

    ولكن انظروا واسألوه لو رأى فيلماً من هذه الأفلام، حتى تجد الفرق بين الإعلام النظيف والإعلام المغشوش.

    والحمد لله رب العالمين.

    مخاطر عمل المرأة

    أجاب على هذا السؤال الشيخ: سفر الحـوالي ثم الدكتور : عدنان غلام.

    السؤال : الموضوع مهم جداً، ويمس الناس أجمعين، وقَلَّ أحد إلا وهو متأثر به، لذا فإنها مسئوليةٌ عظيمة، هذا الغزو الفكري أو الخطر الفكري الذي يهدد أسرنا المسلمة يجب أن نعيه، وأن نهتم به، وأن نوجد الحلول، وأن نبعد هذا الخطر عن أنفسنا بكل ما نملك.

    نود أن ننتقل الآن إلى خطر آخر يهدد الأسرة المسلمة، وكما قلت لكم سابقاً، هذه الأخطار الفكرية تتسلل إلينا وقد يكون للبعض العذر في عدم الاطلاع عليها، لأنها تغزو الفكر، وتأتي قليلاً قليلاً، ومع هذا فالعلماء والدعاة يُحَذِّرون، ولكنْ هناك خطر مادي يَمْثُلُ أمامنا، ونراه يتحرك، ونراه يزداد، ونحن غافلون!

    إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عندما خلق الذكر والأنثى، أعطى لكلٍ منهما مهمة في هذه الحياة، كلف الرجل بالقوامة، فجعله قيماً، وألزمه بالإنفاق، وهذا يشغل كثيراً من الوقت، ثمان ساعات في النوم، ومثلها أو أكثر منها في العمل، لنقوم بجزء القوامة، للإنفاق على أسرنا وعلى من نعولهم، وكلف الله المرأة بعمل آخر لا يحسنه البتة أحدٌ غيرها، وإن تواطأ عليه الإنس والجن.

    إن بقاء هذا الجنس البشري مرهون في أن تحمل المرأة وأن تلد، وبعد أن تلد تحضن أولادها، وتحنو عليهم، وترضعهم سنتين، ثم تربيهم وتغذيهم غذاءً مادياً وفكرياً، حتى يشبوا عن الطوق، ويخرجوا إلى المجتمع، وقد بلغوا شيئاً من العقل.

    الخطر المادي الذي نراه متمثلاً أمامنا قد اجتاح أمماً كثيرة، بل اجتاح الأمم كلها في مشارق الأرض ومغاربها، ووراءه مقولة خطيرة، لو سمعها الإنسان لأول وهلة، يقول: صحيح، نصف المجتمع عاطل، النساء في البيوت، ماذا يعملن؟

    إنتاجية المجتمع هابطة، لو اشتغل هذا النصف الموجود في البيوت، لازددنا ارتقاءً، وازددنا حضارةً، وكنا أكثر في القوة المادية، وهذا يخدع الكثيرين، وقد خدعت مجتمعاتٌ كثيرةٌ بهذه المقولة، ووجهٌ آخر من هذه المقولة يَخُصُّ الفردَ نفسه، يقولون له: امرأتك عاطلة في البيت، هذه الأسرة يمكنها أن تزيد من دخلها، لماذا لا تخرج المرأة، وتعمل بضع ساعات، وهي تنفع الوطن وتنفع الأسرة بزيادة الدخل؟ فبدلاً من أن يكون للأسرة دخل خمسة آلاف ريال، يصبح لديها سبعة آلاف ريال أو ثمانية آلاف ريال.

    إن مسألة عمل المرأة وخروجها من بيتها، ومزاحمتها الرجال، سواءٌ في الأعمال أم في الأسواق مسألة خطيرة، تهدد الأسرة المسلمة، ونود من شيخنا سفر -جزاه الله خيراً وثبته- أن يبين لنا تفاصيل هذه المقولة؟

    وكذلك خطأها من صوابها، وما حدث في الأمم التي مشت في هذا الاتجاه؟

    الجواب: هذه قضية كبيرة وخطيرة، وهي قضية عمل المرأة، ولن نستطيع أن نعطيها حقها، ولكن حسبنا أن نشير إلى ما يوفقنا الله عز وجل إليه في هذه القضية.

    يكفيكم من كل أمر حامله وداعيه لتحكموا عليه!! من الذي يدعو إلى أن تخرج المرأة، وإلى أن تشارك في بناء الوطن كما يقولون؟

    من الذي يدعو لذلك؟

    فكل دعوة تأتيك يجب عليك أن تنظر إلى قائلها وحاملها.

    لقد جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنزل الله تبارك وتعالى عليه الشريعة الكاملة الخالدة التي تكفلت بصلاح العباد إلى قيام الساعة، فما وجدنا فيها هذه الدعوى، بل وجدنا ضدها، وهذا كتاب الله بين أيدينا، وهذه سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أيدينا، وهناك نص صريح محكم في ذلك وهو قوله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33] فلا يستطيع بشر أن ينسخ حكماً من أحكام الله عز وجل، المرأة أساساً حياتها في بيتها، وخير لها ألا ترى الرجال ولا يروها، وإن كانت في طريقها إلى المسجد، وصلاتها في قعر بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، مع عدم الاعتراض عليها إن رغبت أن تذهب إلى المسجد في حالات معينة، وفي شروط معينة، لكن الأصل في صلاة المرأة هو البيت، وهي الصلاة! وهي العبادة!! هذه قاعدة، ولا ننظر إلى واقعنا مهما ابتعد عنها، لكن هذا هو الأصل، أربعة عشر قرناً والأمة الإسلامية على هذه الحالة الفطرية، مهما انحرفت أو ابتعدت في تقاليد أو ما أشبه ذلك من انحراف، لكن تبقى القاعدة في ثبات، وهو أن المرأة عملها في البيت، ودروها عظيم في إنجاب الأطفال، وفي تربيتهم، وفي أعمالٍ في البيت تستطيع أن تعملها، والرجل عمله خارج البيت، وعلى ذلك سارت الحياة.

    ولم تظهر هذه الدعوى إلا في العصر الحديث، بعد قدوم الاستعمار وبعد انحطاط الأمة، وأول من دعا إلى خروج المرأة ومشاركتها -وسموه تحرير المرأة- هم النصارى الأقباط في مصر ونصارى لبنان الذين أنشئوا جرائد ومجلات، وكانت صحفهم أول ما صدر من الصحف في العالم العربي، وكانت مجلات وصحف نصرانية، أنشأها أولئك الذين تلقوا تعليمهم وحياتهم في مدارس الإرساليات التبشرية، كالكلية الإنجيلية، التي سميت فيما بعد بالجامعة الأمريكية في بيروت، هذه الكليات الإنجيلية أخرجت ذلك الجيل الذي كان أول جيل يطالب بحرية المرأة، ويصرح بأنه يريد لها أن تصبح كالمرأة الغربية، تماماً سواء بسواء.

    ولو نظرنا إلى دعاة الخير، وإلى العلماء، وإلى أهل الغيرة والصلاح، فلن تجدهم يدعون إلى هذه الدعوة، إنك لو فتشت: لن تجد من يدعو إليها إلا من هو مشكوكٌ في إخلاصه لأسرته، ولبلاده ولدينه، لابد من ذلك، بل ممن يكتبون عن دعوى تحرير المرأة، أو خروج المرأة ومشاركة المرأة، منهم من له أمٌّ لم يزرها من سنة أو أكثر، منهم من تكون له زوجة، والعلاقة بينه وبينها أسوأ ما يمكن، ولا يسمح لها ولا يعطيها شيئاً مما يقول: إنه حرية، وتقر هي أيضاً أنه حريه، وقد تكون له أختٌ، وهو مقاطع لها غير زائر ولا واصل لها، ومع ذلك يكتب ويقول: نريد أن تخرج المرأة، لماذا؟!

    والله عز وجل قد بين ذلك، فقال: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) النساء:27] وهذه الآية ذكرها الله عز وجل من ضمن الآيات التي تتحدث عن موضوع العلاقات يبن الرجال والنساء: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27].

    يريد سكرتيرة أو زميلة أو صديقة في المكتب، امرأة متفرنجة متبرجة، يلهو ويعبث معها، ولذلك يقول: لابد أن تخرج المرأة، وأن تعمل المرأة، ليس غرضه أن ينمي اقتصاد بلاده، ولا أن يطور وطنه، ولا يهتم بوضع المرأة، ولا يرثي لها، إذ يسميها الحبيسة في بيتها، فهذا خروج على فطرة المرأة، حتى وإن كانت هذه المرأة كافرة أو مشركة، فالمجتمعات النصرانية واليهودية والبوذية، وكل المجتمعات التي تريد أن تحافظ على أخلاقها، تستغرب وتستنكر ذلك، والآن في العالم الغربي الذي خرجت فيه المرأة إلى أقصى ما يمكن، وجدت جمعيات تسمى (جمعية العودة إلى البيت) مكونة للنساء، ويطالبن بالعودة إلى البيت، وأن تقوم الأم برسالتها الحقيقية وهي الأمومة، فليس هناك رسالة أعظم منها، المرأة عاطفية بطبيعتها، مهما عملت، ومهما أخذت من مرتب، فأعظم وأعز شيء لديها أن تحتضن ابنها، لو قلت لها، ما رأيك احتضانك لابنك هذا وتقبيله، أفضل عندك أم هذا المرتب وهذا المنصب؟!

    فإنها سوف ترمي بالمرتب وبالمنصب مهما كان.

    والآن أصبحنا نقرأ على صفحات الجرائد: المرأة التي تقول: لم يرغب فيّ ولم يخطبني أحد، لأنني جامعية، ولأنني موظفة، أنا مستعدة أن أترك العمل, وأن أرمي بالشهادة إذا وجدت الشاب الذي يقبلني زوجة...!!

    في مجتمعنا أصبح هذا الشيء موجوداً، لماذا؟

    لأننا أخرجنا المرأة عن طبيعتها وعما فطرت عليه، إن دعوى إخراج المرأة للعمل هدمٌ للأمة من نواحٍ كثيرة من ذلك: أنه يهدم الأمة بشرياً وعددياً، ونظراً لأن الذين يثيرون هذا الكلام، كثيرٌ منهم لا يريد أن يسمع كلام الله ولا ذِكْرَ الله، فلنضرب لهم الأدلة من واقع الدول الغربية.

    في روسيا الشيوعية الملحدة التي تجاهر بإنكار وجود الله عز وجل، وتجاهر بأن الأسرة هي أثر من آثار البرجوازية القديمة، والتقاليد البالية، في روسيا المرأة التي تنجب -مثلاً- عشرة أطفال تُعْطَى وساماً معيناً تحمله، تركب الحافلات مجاناً، تدخل أي مطعم مجاناً، تخفيضات لها أينما ذهبت؛ لأنها بطله قومية، أنجبت للأمة عشرة أطفال، ونحن نقول: (يجب أن تخرج المرأة وأن تعمل).

    في فرنسا: القضية تدرس دراسة عميقةً جداً وكذلك في ألمانيا في إيطاليا، وإن كان يبدو أن فرنسا تهتم أكثر، لأنها تريد أن تبقى قوة مسيطرة، لأن إنجلترا فقدت مكانتها كقوة دولية، وتريد فرنسا أن تستبقي ذلك، وهذا الموضوع من أخطر ما تدرسه فرنسا، موضوع تكثير النسل، وإيطاليا من أكبر الدول الأوروبية، ومع ذلك هناك إعانات مخصصة لكل طفل يولد، وحث مستمر على الزواج.

    بيوت الزنا والدعارة، لا تنتج أطفالاً، إلا أطفالاً معروفاً وضعهم إن جاءوا، ولذلك يحثون على الزواج، ويحثون المرأة على أن تنجب الأطفال، ويأتون بالجوائز السخية، والإعانات لكل مولود يولد، لماذا!؟

    لأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، بل يؤمنون بالمادة، فيقولون: حتى تعوض المرأة، تقول: لو كنت أعمل سأحصل على ألف ليرة، مثلاً، لكن لو أنجبت أطفالاً، سأحصل على خمسمائة أو مائتي ليرة، فتوازن راحتها النفسية مع هذه الثلاثمائة، فتقبل الزواج والإعانة وتترك العمل، أصبحوا في واقع حالهم يضجون من واقع هذه المأساة الرهيبة التي يعيشونها.

    ولكن في بلاد الإسلام، يأتي أناس فيقولون: نصف المجتمع معطل، ولابد أن تخرج المرأة من بيتها، أين مساهمة المرأة في تنمية بلادها، فهذا هدمٌ بشري أن تخرج المرأة، وأن يتعطل الإنجاب وأن يصبح المجتمع كما هو في أوروبا، الوفيات أكثر من حالات الولادة.

    وهناك هدمٌ أخطر من ذلك، وهو: الهدم الأخلاقي، إن المسألة لا تقف عند حد، والضوابط اللفظية العامة ليس لها دلالات واقعية، كأن نقول: (تخرج المرأة وتعمل في حدود بيئتها وبما تسمح لها شريعتنا وتقاليدنا).

    هذه ضوابط لفظية نظرية، وفي الواقع يصعب تحديدها، وأنا أقول: كيف تعمل المرأة مهندسة مثلاً ؟!

    وكيف تعمل المرأة في مصنع للحلوى، فهذا العمل يتنافى مع طبيعتها ومع فطرتها، يقول آخر: لا يتنافى، فنقول له: من يضبط المسألة في العمل؟!

    ليس هناك ضابط معين، لكن الضابط المعين الحاكم هو: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33].

    بعد ذلك الضرورات لها أحكام، المهن النسائية البحتة كالخياطة مثلاً، والآن الخياطون رجال وأجانب، والله أعلم بدينهم وبحالهم، والبنات متكدسات على أبواب هؤلاء الخياطين.

    قبل سنوات معدودة كان كل بيت يأتي بمكينة خياطة صغيرة، ويخيط لنفسه، وقد يخيط لجيرانه، ولا نحتاج إلى هذا العدد لفساده وما فيه من مساوئ.

    لكنها لا تريد أن تعمل في الحقيقة، ولكن تريد أن تخرج، وأن تتبرج وأن تذهب، فإذا عرض عليها العمل في أحد المستشفيات أو في أحد القطاعات الأخرى، إذا بها تبادر!! لماذا لم تعملي خياطة في بيتك، فتأتي المرأة إليك بقماش فتخيطينه؟

    بعض الأسر تستقدم خياطة وطباخة ومربية؛ لأن البنت والأم تعملان، إذا قلنا: نصف المجتمع عاطل، فلماذا استوردنا نصفاً آخر من الفلبين ومن سيريلانكا؟!

    لأن الأمور أصبحت لا تقاس بمقياس الدين وبمقياس العقل، وإنما تقاس بمقياس الشهوة: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ [النساء:27] لا يتبعون الدين ولا العقل: أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27] فنصبح مثل تلك الأمم، وقد أخبر بذلك الصادق المصدوق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حين قال: {لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه، وحتى لو أتى أحدهم امرأته على قارعة الطريق، لفعلتموه} وهذا هو الواقع الذي يريد هؤلاء الناس أن يزجوا بنا إليه.

    فإن كان الغرض الشكوى من حال المرأة، ومن الظلم الذي قد يقع على المرأة، فلن يرفع عنها هذا الظلم إلا الدعاة والوعاظ والمصلحون وأهل الخير والفضل، إذا كانت لا ترث فيجب أن ترث، لأن ذلك حق شرعي ملزم، إذا كانت تهضم من حقوقها الشرعية فتعطاه شرعاً وإلزاماً، إذا كانت المسألة تكمن في البطالة والعطالة، فيجب أن يهيأ لها في بيتها كل وسائل الإنتاج النافع، وهي كثيرة، وهل ضاقت عقولنا في أن تكتشف تلك الأمور؟!

    والآن نحن في عصر الاكتشافات، وفي عصر الآلات الصغيرة التي تقوم مقام معامل كبيرة، هل ضاقت العقول عن اكتشاف أجهزة وأمور إنتاجية في داخل البيت؟!

    لا. ولكن إذا كنا لا نريد أن نفكر، قلنا: لا يوجد، هذا هو الشيء الذي يجب أن نعرفه، وأما إن كان الأمر هو الهدم، فيجب أن نقطع على هؤلاء الهدامين الطريق، فإن تذكروا، وإلا فيجب أن نقف لهم بالمرصاد.

    ويجب أن تبين لهم الحجة بالحجة، ومعنا كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهل الغيرة والعادات الطيبة التي ورثناها عن آبائنا، وأكثرها على ديننا وعلى شرعنا، كل ذلك معنا، وهي معركة لابد أن تخاض، والنصر -بإذن الله- للذي يريد الخير والفضيلة والتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    هناك أمثلة كثيرة قد تتحدث عن بؤس المرأة، يمكن أن يتحدث عنها الدكتور عدنان، وهو أجدر منا بأن يذكرنا عن النساء الشهيرات، اللائي فضلن العودة إلى البيت ورفضن العمل بعد التجربة والشهرة والمعاناة.

    من آثار عمل المرأة:-

    قال الدكتور : عدنان غلام.

    النقطة التي نتحدث عنها، والتي نحن بصددها هي عمل المرأة، في الحقيقة أريد أن نرجع إلى الأصل، وهو قوله تعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى [آل عمران:36]، هذا أصل عظيم لو تدبرناه لوجدناه بديهياً ومعلوماً ومشاهداً، فالمرأة مختلفة عن الرجل في كل شيء، مختلفة عنه -كما نقول نحن الأطباء- تشريحياً وفسيولوجياً، فهي من أصل النطفة ومن أصل التكوين مختلفة عنه: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى [آل عمران:36] سبحان الله العظيم! فالاختلاف على مستوى الخلايا التي يتكون منها الإنسان، وتتكون منها الأنسجة، وهي أصل الحياة، فخلية الرجل مختلفة تماماً عن خلية المرأة.

    كلاهما يحتوى على ستة وأربعين من الصبغيات، ولكن هذه مختلفة عن هذه، فهناك ما يسمى بـ (x، y) بالنسبة للرجل، وهناك ما يسمى (x، x) بالنسبة للمرأة، فهذه الصبغيات -وهي أصل هذه الخلية- مختلفة تماماً.

    لو أخذنا خلية من خلايا الدم: كريات الدم الحمراء للرجل والمرأة، ووضعناها تحت المجهر لوجدنا اختلافاً كبيراً بين هذه وهذه، فخلية المرأة فيها زيادة تعرف برأس الطبلة، يراها أي إنسان لديه خبره تحت المجهر، ولذلك يتميز الرجل عن المرأة، وهناك أيضاً قضية أخرى لو أخذت أية خلية من خلايا الجسم، من الرجل أو المرأة، ووضعتها تحت المجهر، فستجد أن خلية الرجل مختلفة عن خلية المرأة، فهي على هذا المستوى مختلفة.

    ثم على مستوى النطفة، نطفة الرجل مختلفة عن نطفة المرأة، نطفة الرجل بالملايين وهي الحيوان المنوي بحجم معين وبلا عدد وفي أي وقت تخرج، أما نطفة المرأة فهي محددة، وهي البويضة، تخرج في وقت معين في الشهر، وتخرج في فتره معينة من حياتها على هذه الأرض، هناك -أيضاً- اختلاف في الهيكل والبنية، هذا واضح لكل ذي عين، الرجل بعضلاته الصلبة القوية، والمرأة برقتها ونعومتها، وفيها من الدهون الشيء الكثير، توزيع الشعر في جسم الرجل يختلف عن توزيعه في جسم المرأة، عظم الحوض الغليظ الشديد في الرجل يختلف عن عظم الحوض الواسع الرقيق في المرأة، كلها تدل على أشياء، ووظائف مختلفة.

    هناك -أيضاً- اختلافات وظيفية بين الرجل والمرأة، وهي واضحة ومبينة، وهي الحيض والحمل والرضاع، فأثناء فترة الحيض، تأتي للمرأة أشياء لا تأتي للرجل في واقع حياته، ويحدث لها تغيرات نفسية، وقد تشعر ببعض الضيق، أو ببعض تغير في نفسيتها تنخفض أحياناً درجة حرارتها، الإفرازات التي تفرزها الغدد الصماء تختلف أثناء فترة الحيض، وصدق الله العظيم: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، أما الحمل فهو واضح وبين، فيقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ [لقمان:14]، حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً [الأحقاف:15]، والولادة والنفاس والرضاع كلها أمور تميزت بها المرأة عن الرجل.

    إذا نظرنا إلى ذلك فجسمها مختلف تشريحياً، ووظائفها مختلفة، أفلا يكون دورها في هذه الحياة مختلفاً؟

    قضية بديهية، لا يناقش فيها من له أدنى بصيرة وأدنى نظر في هذه القضايا، هذا الأصل الذي أحببت أن أرجعكم له.

    وأستعرض سريعاً الأضرار التي تحدث من خروج المرأة من بيتها وعملها خارج البيت.

    أبدأ بالزوج: فقلة الاهتمام وقلة العلاقة بين الزوجين أمر واضح، أصبح الزوج يأكل من يد أخرى مثلاً، أو قد يأخذ ساندويتشاً على الطريق، ويستعيض به عن وجبة الغداء، لا يستوي هذا الشخص مع الشخص الذي يأتي إلى البيت وتستقبله الزوجة بالابتسامة والغداء المعد، والعلاقات النفسية من الأمور المهمة جداً بينهما، وإلا لاضطربت الموازين، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضب من نسائه شهراً، المدينة كلها اضطربت! المجتمع الإسلامي كله اضطرب! لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضب من نسائه، فقالوا: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضب من زوجاته، وقالوا: طلق زوجاته، وقيل: لا، لم يطلق.

    وبدأت المدينة تخوض في هذه القضايا؛ لأن البيت الإسلامي في هذه المدينة الشريفة، وفي بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حدث له نوع من الهزة، في ذلك البيت غضب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على زوجاته، هذه الأمور وجدناها في المجتمع الأول، لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وضعها.

    هناك قضية أخرى، لو خرجت المرأة فمن يطبخ في البيت؟

    فتستجلب خادمة، والخادمة هذه قد تكون شابة، وقد تكون أجمل من زوجته في بعض الأحيان، وقد تزيغ عينه، وبذلك تخسر الزوجة من هنا ومن هناك.

    وأما أثر عمل المرأة على الأبناء، فهو والله بيت القصيد، وهذا الذي يناقش مع المرأة العاملة، فمن ير فائدة إرضاع الأم طفلها وير أماً لا ترضع طفلها، وير مشاعر هذا الطفل وهو يلتقم الثدي، ومشاعر هذه المرأة وهي ترضع، يدرك مدى الجناية التي جناها أعداء الله عليها وعليهم، فالأمومة بفطرتها موجودةٌُ فيها، وهذا الطفل لا يمكن لأي قلب مهما كان حانيا أن يكون أحنى عليه من هذه المرأة التي تلقمه ثديها.

    فهذا الانفصام النفسي بين الأم وطفلها يؤدي إلى نتيجة أخرى، إذا كانت الأم لا ترضع وليدها، إذاً فماذا يستبدل هذا الطفل؟

    القارورة! الرضاعة الصناعية! التي تقول عنها منظمة الصحة العالمية: إن هذه الشركات تريد أن تقتل أطفالنا، لما فيها وفيها..

    يكذبون على الناس بصور جميلة لطفل صحيح، ويقولون: الذي يستعمل هذا الحليب يصبح طفله بهذه الصورة وكذبوا والله، لأنه لو كان هذا الحليب فعلاً فيه خير لجعله الله بديلاً عن الأم.

    والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كذلك، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] ومنظمة الصحة العالمية أصدرت توصيات، وقالت: إن المرأة إذا خرجت من بيتها، وأرادت أن تنجب أقل شيء تبقى مع أولادها ثلاث سنوات.

    والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755947821