إسلام ويب

تعلم الإيمان قبل القرآنللشيخ : أبو إسحاق الحويني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الإيمان هو مصنع الرجال أصحاب التضحيات والأخلاق الفاضلة حيث أن وجوده في ضمير الإنسان يولّد رقابة وبذلاً لا ينقطعان. ولذلك ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على ذلك، حتى قال قائلهم: (تعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن). فلما تعلموا الإيمان تعلموا القرآن وأدوا حقه أحسن أداء.

    1.   

    الإيمان أولاً لو كانوا يعلمون

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين.

    أما بعد: فقد ثبت عن حذيفة بن اليمان وعبد الله بن مسعود وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، أنهم قالوا: (تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن، وإنه يأتي أقوامٌ يتعلمون القرآن، ثم يتعلمون الإيمان) هذا فرق جوهري بين جيل الصحابة وبين كثير من الأجيال التي جاءت من بعدهم، تعلموا الإيمان فلما جاء القرآن يأمر وينهى، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أشياء لا مجال للعقل فيها، قالوا: سمعنا وأطعنا؛ لما كان عندهم من الإيمان السابق للكتاب. قالوا: (إنه يأتي أقوامٌ يتعلمون القرآن، ثم يتعلمون الإيمان)، كأمثال كثير من الأجيال التي جاءت بعد ذلك، يتعلم القرآن لكنه ما تعلم الإيمان قبل القرآن، فتعرض عليه قضايا في القرآن فلا يسلم بها؛ لأنه لم يتعلم الإيمان أولاً، فصار المسلمون يكذبون بآيات قرآنية، وبعض المسلمين يكذب بأحاديث للرسول عليه الصلاة والسلام.

    ومن الفروق بيننا وبين الجيل الأول أنهم قاتلوا على آيات الكتاب، أما نحن فورثنا الكتاب، وهناك فرقٌ واضح بين الذي يقاتل على آيات الكتاب، وبين الذي ورث الكتاب، كما قال تبارك وتعالى وهو يذكر صنيع اليهود، وأنهم حرّفوا وبدلوا، فقال عز وجل: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ [الأعراف:169]، فهم ورثوا الكتاب، فهناك فرق بين الذي قاتل كالصحابة، وبين الذي ورثه.

    1.   

    الإيمان يصنع الرجال

    مثال الإيمان والتضحية

    أضرب لذلك مثلاً: قصة إسلام أبي ذر رضي الله عنه، ففي الصحيح في قصة إسلامه وقبل أن يذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ودخلت المسجد الحرام، فتضعفت رجلاً منهم) أي: نظر إلى رجل نحيف، وكانت قريش آنذاك تؤذي أي شخص يسأل عن الرسول عليه الصلاة والسلام أشد الإيذاء، سواء كان على دينه، أو ينوي الدخول فيه، فهو نظر إلى شخص نحيف ضعيف -لأن الضعيف مأمون الغائلة غالباً- فقال له: (أين ذلك الذي يقولون: إنه صابئ)، فصاح ذلك الضعيف بين الناس، قائلاً: عليكم بهذا فإنه صابئ، قال: فانقلبوا عليَّ بكل مدرة وعظم، فما زالوا يضربونني حتى كأني نُصُبٌ أحمر، من كثرة الدماء التي سالت عليه، فاحتبس ثلاثة أيام في زمزم حتى وفق للقاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأخذه إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأسلم.

    ورغم هذا الضرب الشديد الذي لقيه أبو ذر من هؤلاء المشركين، إلا أنه لما أسلم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (والذي بعثك بالحق لألقين بها بين أكتافهم) وذهب إلى المسجد الحرام مرة أخرى، وقال على الملأ: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

    قال: (فمازالوا يضربونني حتى كأني نصبٌ أحمر، فما خلصني منهم إلا العباس ، قال: ويلكم! ألا تعلمون أنه من غفار، وأن تجارتكم تمر بها)، فتركوه لهذا، فانظر.. هل مثل أبي ذر الذي جهر بهذه الكلمة -وهو يعلم مسبقاً العناء والبلاء الذي سيقع عليه- يمكن أن يحرف في آيات الكتاب، أو يمكن أن يهون عليه أن يرى رجلاً يحرف في آيات الكتاب، ثم يسكت عنه؟

    الجواب.. لا، هؤلاء قاتلوا على هذا الكتاب، لذلك فما كانوا ليتنازلوا عنه أو يرضوا بتحريفه، وعندما تنظر إلى الأجيال التي جاءت بعد ذلك، وإلى المارقين الذين تناولوا القرآن الكريم بالتحريف، كأمثال محيي الدين بن عربي فإن له تحريفات -بدعوى تفسير القرآن- يشيب لها الولدان. فمثلاً قوله تبارك وتعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] المعقول من أي إنسان عربي يسمع هذا الكلام، يعرف أن معنى هذه الآية: من الذي يمكن أن يشفع عند الله إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى، أما ابن عربي فقال: هو الفهم السطحي والتوقف على ظاهر النص، لكن لابد أن تغوص في المعنى!!. ثم يقول: الآية معناها: من ذلَّ ذي يَشْفَ عِ، فعجن الكلام وأتى بكلام جديد، (من ذلَّ): من الذل، (ذي) اسم إشارة بمعنى النفس، أي: من ذل نفسه وهضم الكبرياء والأنفة والشموخ، (يشف) أي: يشفى من الأمراض والكبر والبطر وهذه الأشياء، (عِ) فعل أمر من وعى أي: عِ هذا الكلام. فهل في الآية ما يشير من قريب أو بعيد إلى مثل هذا.

    كان أبو بكر رضي الله عنه مرة يخطب في أصحابه، فقرأ قوله تبارك وتعالى: وَفَاكِهَةً وَأَبًّا [عبس:31]، فقال: الفاكهة عرفناها فما الأب؟ ثم سكت، ثم قال: إن هذا لهو التكلف يا أبا بكر ، فهل مثل أبي بكر لم يكن يعرف معنى كلمة أَب في اللغة، والقرآن نزل بلغتهم، وليس فيه حرف واحد إلا وهم يعرفون معناه، ثم هم يعرفون معنى كلمة الأب الذي هو العشب؟! لكن كأن مقصود أبي بكر رضي الله عنه حقيقة الأب وما وراء معنى اللفظ، فيقول: إن هذا لهو التكلف؛ لأننا ما أُمرنا بذلك، والقرآن ما أنزل كتاب علوم أو جغرافيا، إنما أنزل كتاب هداية، فالذي ينظر في القرآن على أنه كتاب علوم أو جغرافيا، لا يصل إلى حقيقة الهداية التي نالها الصحابة من هذا الكتاب العظيم.

    الإيمان بالغيب دون شك أو زيغ

    مثال آخر لإيمان الصحابة بكتاب الله دون نقاش:

    ما روى الإمام الدارمي في سننه من أنه كان هناك رجل عراقي اسمه صبيغ -وبلاد العراق بلاد فتن وضلالات- كان يسأل المسلمين عن معنى: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا [الذاريات:1]، والمعروف أن المقصود بها الريح، لكن صبيغاً أراد أبعد من ذلك، فلما علم أبو موسى الأشعري رضي الله عنه بذلك -وكان هو قائد الجيش آنذاك- كتب لـعمر بن الخطاب يقول: معنا رجل يسأل المسلمين عن معنى: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا [الذاريات:1] ففهم عمر مقصده، فقال: أحضره إلي، فجاءوا به إليه، فقال له عمر بن الخطاب : تسأل عن محدثة، وجعل يضربه على ظهره حتى أدماه، فتركه حتى برئ، ثم دعا به فضربه حتى أدماه، وتركه حتى برئ، ثم دعا به، فلما هم أن يضربه قال له: يا أمير المؤمنين.. إن كنت تريد أن تقتلني فاقتلني قتلاً جميلاً، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برئت، فأرسله، وكتب إلى أبي موسى الأشعري : لا أحد يكلم صبيغاً أبداً، فكان صبيغ العراقي يمشي ولا يجد أحداً يكلمه؛ فشق ذلك عليه، فشكى إلى أبي موسى الأشعري ، فكتب إلى عمر : إن الرجل حسنت توبته وأفاق، وذهب الداء الذي كان به، فأذن عمر بن الخطاب في أن المسلمين يكلمونه ويجالسونه.

    انظر! لو أن أحداً مثل ابن عربي هذا موجود في زمن عمر ، وقال مقولته تلك في آية الكرسي؛ لضرب عنقه.

    هان عليه القرآن؛ لأنه ورثه.

    مثل ذلك مثل من عانى من الفقر، ثم مكنه الله من جمع الملايين، فتجده لا ينفق ديناراً إلا في مصرفه المناسب، حتى قد يصل به الأمر إلى البخل، أما من ورث المبالغ الطائلة بدون جهد أو تعب، تجده يصرف المال يمنة ويسرة دون حساب أو عقاب.

    فلذلك تجد من يقول بتفسير الإشارة، ويحرف القرآن الكريم.

    وقد فسر ابن عربي أيضاً قول الله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:6-7] بقوله: هذه الآية إنما نزلت في أهل الورع!! -وماذا نعمل بقوله: (الذين كفروا)؟- قال: أي: الذين كفروا إيمانهم، أي: غطوه؛ لأن أصل الكفر هو التغطية، وسمي الزارع كافراً.. كما في قول الله تبارك وتعالى: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ [الحديد:20]؛ لأنهم يوارون البذر في باطن الأرض، وسمي الليل كافراً لأنه يغطي النهار، وسمي الكفر كفراً لأنه يغطي الإيمان، فيأتي هو ويقول: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة:6] أي: غطوا إيمانهم خشية أن يحبط بالرياء والسمعة، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة:6]، أي: لا يصدقون بتكذيب الناس خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فلا يدخلها غيره، وَعَلَى سَمْعِهِمْ فلا يسمعون إلا منه، وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ فلا يرون غيره.. انظر إلى التحريف. هان عليه القرآن الكريم حتى حرفه بدعوى التفسير.

    وصدق من قال:

    ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

    فمجرد المقارنة بين السيف والعصا تعتبر امتهان لمكان السيف.

    فجيل الصحابة لا يقارن بمن بعده.

    فهم جيل فريد قاتل وجاهد في سبيل نشر هذا الدين، وخضعوا كل الخضوع لكتاب الله، وطبقوه حق التطبيق.

    الإيمان والتجارة الرابحة

    ومثال ثالث على الإيمان وأثره في الاستقامة على شرع الله وإيثار الآخرة على الدنيا:

    أبو الدحداح رضي الله عنه له قصة رويت بأكثر من لفظ، وسأذكر لفظاً هو صحيحاً: روى البزار وغيره: (أن أبا الدحداح رضي الله عنه كان عند النبي عليه الصلاة والسلام يوماً، فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم قوله تبارك وتعالى:مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة:245]، فقال أبو الدحداح : يا رسول الله! الله يريد منا القرض؟ قال: نعم، قال: عندي حائط في المدينة -وكان في هذا الحائط ستمائة نخلة، ونعلم أن البضاعة الرائجة في زمانهم كانت هي التمر- مالي عند ربي إن أقرضته حائطي هذا؟ قال: لك الجنة، قال: فإني أشهدك أنني أقرضت حائطي هذا ربي، وخرج من المجلس وذهب إلى البستان، وكان في داخل البستان زوجته وأولاده، فوقف على الباب، وقال: يا أم الدحداح، اخرجي بأولادك فإني أقرضت حائطي هذا ربي، فقالت المرأة: ربح البيع يا أبا الدحداح ).

    انظر إلى استعلاء المرأة بالإيمان، ما قالت له مثلاً: أنت ضيَّعتنا، لو كنت تبرعت بثلاثمائة نخلة فقط، وأبقيت لنا ثلاثمائة.. ما أبقيت لأولادك؟ ... وما إلى ذلك. لماذا؟ لأنها استعلت بإيمانها، وأبو الدحداح لم يدخل البستان؛ لأنه لم يعد يملكه لأنه أقرضه لله تبارك وتعالى، لذلك وقف على باب البستان، وقال: (اخرجي بأولادك، فإني أقرضت حائطي هذا ربي)، وقد صح عن أبي طلحة الأنصاري نحو هذا، وأنه لما نزل قوله تبارك وتعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245] قال: يا رسول الله، عندي بستان كذا وكذا، فهو في سبيل الله، فقال: قسمه ما بين أقربائك وذوي رحمك، فنزلت الآية.

    بخلاف اليهود حيث قالوا عندما نزلت الآية: افتقر رب محمد، إنه يطلب القرض، أما الصحابة فقد استجابوا لذلك وقدموا لأنفسهم، فالقرآن كما ذكر الله تعالى يكون هدى وشفاء لأقوام، ويكون عمى على آخرين. وهذا كله كان فرعاً عن محبتهم للنبي عليه الصلاة والسلام، حيث كانوا يفدونه بالآباء والأمهات والأنفس.

    كما صح في صحيح البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين، قال عمر بن الخطاب : يا رسول الله! أنت أحب إليَّ من كل شيء إلا نفسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال: أنت الآن أحب إليَّ من نفسي، قال: الآن يا عمر)، فانظر لماذا استثنى عمر رضي الله عنه نفسه أولاً؟ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يذكر النفس في الحديث، وإلا فهل تتصور إذا كان الحديث هكذا (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده ونفسه والناس أجمعين). أكان ممكناً أن يقول عمر : أنت أحب إليَّ من كل شيء إلا نفسي؟ هذا غير ممكن، فلذلك لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، قال: فأنت الآن أحب إلي من نفسي). وهذا يعني أن هذا الحب كان جاهزاً في نفس عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

    فلذلك الصحابة عندما كانوا يسمعون النصوص كانوا يلتزمون بها، بخلاف كثير من الأجيال المتأخرة.. قد يسمع النص ويخالفه، فإذا قلت لأحد مثلاً : اتق الله، يقول: اللهم اجعلني من المتقين، وهو واقع في المخالفة، فهو ما يخشى من ذلك، مع أنه يقول: اللهم اجعلني من المتقين. أما الصحابة فلم يكونوا كذلك.

    ففي الحقيقة نحن نحتاج لأن نعيد النظر في محبتنا للنبي عليه الصلاة والسلام، هل نحن نحبه حقاً أم لا؟ ولينظر كل إنسان، فكل امرئ حجيج نفسه، وسيقف بين يدي ربه غداً وحيداً فريداً، فينظر كم من المخالفات التي في بيته؟ فهو رب البيت، ولا سلطان لأحد عليه، كم من المخالفات في بيته وهو مقصر في رفعها، وفي القيام بأمر الله تبارك وتعالى في أهله وفي أولاده؟ ينظر الإنسان في نفسه: هل يحب النبي عليه الصلاة والسلام ذاك الحب الذي يجب عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (..حتى أكون أحب إليه من ماله وأهله والناس أجمعين)، و(حتى أكون أحب إليك من نفسك)؟

    يقول تقي الدين السبكي في رسالة له لطيفة اسمها: بيان قول الإمام المطلبي: إذا صح الحديث فهو مذهبي -الإمام المطلبي: هو الإمام الشافعي رحمه الله- يقول وقد سُئل: إذا ورد حديث وفتوى عالم، والحديث يضاد فتوى المذهب، وورد حديث نصّه يخالف فتوى المذهب، فبأي الفتويين نأخذ؟ قال: خذوا بالحديث، وليفرض أحدكم نفسه بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام، وأمره بهذا الأمر أكان يسعه أن يتخلف؟ لا يسعه أن يتخلف، حينئذٍ نسأل: فما هو الفرق بين أمر النبي عليه الصلاة والسلام المباشر، وبين أن يصلك أمره، وقد اتفق العلماء على أن رد الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وبعد مماته إلى سنته، فلا فرق بين أن يقول لك النبي عليه الصلاة والسلام أمراً مباشراً، وبين أن يصلك أمره بعد ذلك على لسان ثقة ممن يؤتمن في نقله.

    يجب علينا يا إخواننا أن ننظر في أنفسنا، وفي من نعول، ونتقي الله تبارك وتعالى فيهم، فإن الرجل لو تيسر حسابه يوم القيامة، يمكن أن يوقفه أهله على شفير النار لو هو قصر، ولم يقم بأمر الله تبارك وتعالى، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، إذاً: الحمل عليك ثقيل، ليس هيناً، فليس أنت فقط، بل أولادك مسئول عنهم، وكذلك امرأتك، وكذلك من يكون لك عليهم الولاية الواجبة.

    نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يرزقنا وإياكم حبه تبارك وتعالى، وحب من يحبه، وحب كل أمر يقربنا إلى حبه.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755999882