إسلام ويب

من صفات المربيللشيخ : محمد الدويش

  •  التفريغ النصي الكامل
  • التربية للأحداث حتى يصلوا إلى النضج والهداية والاستقامة مسئولية ملقاة على عواتق المكلفين بها من الآباء والأمهات والمعلمين ونحوهم، ولها أهمية بالغة يكشف عنها حجم الخلل الذي تعيشه الأمة اليوم، ولا تعني التربية المنشودة القيام بأدوار قصة هزيلة يظن فاعلوها أنهم أسقطوا بها ما وجب عليهم في هذا الميدان، بل هي عملية تتوقف على جملة من العوامل في نجاحها، ومن أهمها وآكدها معرفة صفات المربي وتحقق القدر الأكبر منها فيمن يتولى هذه القضية العظيمة.

    1.   

    أهمية التربية

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فقد كنا برهة من الزمن نخاطب الآباء والأمهات، ومن ولاهم الله تربية الجيل، نخاطبهم بمسئولية التربية، ونحدثهم عن أهمية التربية والعناية بها، ونحذرهم من خطورة التساهل والتهاون بهذه المسئولية، وما نزال نحتاج إلى هذا التذكير، وما يزال المؤمن يحتاج إلى أن يذكر ويوصى، ولقد أدرك اليوم الجميع وهم يرون النتائج المرة لإهمال التربية وعدم العناية بها أن قضية التربية قضية ملحة، وأدرك الجميع أن الكثير من مظاهر الفساد والانحراف والخلل في الأمة في دينها وعبادتها لله تبارك وتعالى، وفي تأخرها في أمور دنياها، وكونها في قافلة الركب، أدرك الجميع أن هذا التأخر والتخلف ليس إلا مظهراً من مظاهر إهمال التربية.

    ومن ثم شعرنا بأننا نحتاج إلى حديث آخر، وأننا ينبغي لنا أن نتجاوز الحديث عن أهمية التربية وضرورة التربية، لا لأنه ليس حديثاً مهماً، بل لأن أولئك الذين لم يستفيقوا إلى الآن، ولم يدركوا أهمية التربية بعد ليسوا مؤهلين للتربية فعلاً، وهم يرون النتائج اليوم ماثلة أمام أعينهم.

    أننا نسمع الشكوى كثيراً أيها الإخوة، نسمع الشكوى من الآباء، ونسمع الشكوى من المعلمين، ونسمع الشكوى من الصغير والكبير من مشكلات كثيرة نعاني منها من جيلنا، ويشعر الجميع أن هذه المشكلات إنما هي إفراز لسوء التربية وإهمال التربية، ويتداعى الجميع إلى ضرورة العناية بالتربية، ودورها في إصلاح الناشئة، وفي تعبيدهم لله تبارك وتعالى، وتحقيق الغاية التي من أجلها خلقوا، وهي العبودية لله تبارك وتعالى، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

    لكن هل نتصور -أيها الإخوة- أن التربية التي تعنى بإعداد هذا الإنسان بنفسيته المعقدة، وطبيعته، والعوامل والمتغيرات التي تؤثر في شخصيته، هل نتصور أن هذه التربية يمكن أن يقوم بها الإنسان بخبراته الشخصية، وتجاربه الشخصية، أو بما ورثه وتلقاه عن آبائه وأجداده، فيتصور أن تلك التربية التي كان يتلقاها في محيط أسرته، أو من آبائه وأجداده هي التربية المثالية، وحين يناقش في هذا الأسلوب أو ذاك يفاجئك بعيداً عن المنطق، وبعيداً عن الحجة والبرهان بأنه: هكذا تربى؟!

    1.   

    ضرورة معرفة صفات المربي

    أقول: إن التربية التي ننشدها ينبغي أن يكون لمن يقوم بها مواصفات وقدرات، فينبغي أن نفكر كثيراً، وأن نراجع أنفسنا، ونراجع أساليبنا في التربية، ونحن نرى وندرك الأخطاء يوماً بعد يوم، التي نرى أنها نتيجة للخلل في التربية وسوء التربية.

    إن التعرف -أيها الإخوة- على صفات المربي ضروري؛ لنختار من يقوم بالتربية، فحين نريد اختيار فرد ليقوم ويتولى مسئولية التربية، وحين نريد أن نختار معلماً، أو نختار معلمة، أو نختار موجهاً يتصدى لتربية الناشئة وإعدادهم؛ ينبغي أن نتساءل كثيراً: ما الصفات التي تؤهله ليقوم بهذه المهمة، وليؤدي هذا الدور؟

    إن الناس اعتادوا في وظائفهم في أمور دنياهم أن يطرحوا شروطاً ومواصفات لمن يتصدى لأي عمل وأي مهمة، فما بالنا بمن يتصدى لأكبر مهمة ووظيفة؟! إنها -لا شك- مهمة الرسل، فلقد أخبر الله تبارك وتعالى أنه أرسل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أمته يتلو عليهم آياته، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويزكيهم، إنها وظيفة الأنبياء والمصلحين.

    ومن ثم فنحن حين نختار من يتولى التربية ينبغي أن تكون لدينا معايير واضحة، وصفات محددة؛ لنرى هل تنطبق على هذا الشخص أم لا؟

    أما حين تكون التربية ويكون التعليم وظيفة من لا وظيفة له، ومهنة من لا مهنة له؛ فهذا احتقار لشأن التربية، وهذا إيذان بإخراج جيل يعاني من المتناقضات، ويعيش في فوضى لا أول لها ولا آخر.

    ثم إننا نحتاج إلى أن نتعرف على صفات المربي؛ وينبغي أن نكون كلنا كذلك، سواء أكنا آباء أم معلمين، أم كنا موجهين للناس هنا وهناك، فإننا نقوم بالتربية.

    إننا -ونحن نقوم بالتربية- نشعر -ويجب أن نشعر- بالمسئولية العظيمة، والأمانة الملقاة على عواتقنا، هذه المسئولية -أيها الإخوة- لا تنتهي عند حد شعور الإنسان بالتبعة، بل لابد أن يسعى إلى إتقان العمل؛ فالله تبارك وتعالى أمرنا أن نتقيه ما استطعنا.

    إنك إذا كنت تستطيع أن تتعلم، وأن تقرأ، وأن تفكر كيف تربي وكيف توجه؛ كان فعلك لذلك من تقوى الله في هذا العمل، وهذه الأمانة، وهذا الدور الذي تقوم به، فلست معذوراً حينئذٍ حين تخل بهذه الأمانة.

    إن المربي الذي يشعر بالأمانة والمسئولية يشعر أنه بحاجة إلى أن ينمي نفسه، وبحاجة إلى أن يوجد في نفسه الصفات التي تؤهله لأن يقوم بهذا الدور، ويؤدي هذه المهمة خير أداء، ومن ثم فإن المربي نفسه يحتاج إلى أن يتعلم صفات المربي؛ حتى يسعى إلى تفقدها في نفسه، ويسعى إلى أن يحقق في نفسه ما كان يفتقد من هذه الصفات.

    إننا نحتاج إلى أن نتعرف على صفات المربي حينما نفكر بالقيام ببرامج لإعداد المربين، وينبغي أن تعتني الأمة بذلك، وأن تعتني الصحوة بهذه القضية، بأن يكون لها برامج لإعداد من يتولى التربية، فالعالم كله لا يقبل اليوم في وظيفة التعليم ومهنة التعليم إلا من تحقق في نفسه شروط، ومن اجتاز خطة دراسية معينة يرى القائمون على المؤسسة التعليمية أنها تؤهله للتربية، بغض النظر عن نظرة هؤلاء للتربية، وبغض النظر عن سلامة منهجهم أو انحرافه، لكنهم يرون أن هناك إعداداً لابد أن يتلقاه من يقوم بالتربية.

    ولهذا فحين نفكر في إعداد المربي لابد من أن نعلم ما نعطيه، وبما نخاطبه، وما هي الجوانب التي نرى أنه ينبغي أن نغرسها فيه؟ وإن هذا السؤال لن نجيب عليه إلا إذا تعرفنا على صفات المربي.

    وإنما نحتاج إلى التعرف على صفات المربي؛ لأن مثل هذه الصفات بمثابة المحددات لسلوكنا، فحين نقول: إن هذه الصفة أو تلك ينبغي أن توجد في المربي؛ فإن هذا يعني أن التربية السليمة ينبغي أن تسير على هذا النمط وعلى هذا الأسلوب، وسيأتي -بإذن الله- مزيد بسط لهذه القضية.

    إن هذه الأمور وغيرها تطرح بإلحاح ضرورة التعرف على صفات المربي والحديث عنها.

    1.   

    الاقتراب من الكمال في صفات المربي هدف منشود

    وقبل أن نتحدث عن هذه الصفات لابد من أن نعي قضية مهمة، هي أننا حين نسرد قائمة طويلة من هذه الصفات، ثم نأتي فنبحث عنها بين الناس لنرى من تحققت فيه هذه الصفات، ومن منا قد حقق هذه الصفات، حينئذٍ قد يصاب المرء بإحباط، ويرى أنه غير قادر على ذلك، ذلكم أن هناك صفات جبل عليها الإنسان، وأموراً قد لا يستطيع أن يخرج عنها.

    إن هناك من الناس من يتصف بالحدة وسرعة الغضب مثلاً، ومهما حاول أن يطبع نفسه على الحلم فإنه سيشعر أنه يقف عند حد معين، وإن هناك من الناس من جبل على العجلة والتعجل في أمره، ويشعر أنه مهما عود نفسه على الرفق سيقف عند حد معين، وإن هناك من الناس من يشعر أنه يفقد العاطفة والرحمة والحنان، ومهما تكلف ذلك سيقف عند حد معين.

    وهكذا الناس لهم طبائع وصفات جبلوا عليها، ومهما تخلق المرء فإنه سيشعر أنه لن يستطيع أن يصل إلى الكمال، والبشر بشر لابد أن يكون فيهم قصور.

    إذاً: فنحن حينما نذكر هذه الصفات، فإننا لا نفترض أن تكون كلها موجودة في كل إنسان مرب؛ فإن هذا الأمر ربما يكون من المستحيل، وإلا فماذا نصنع بهذا الأب الذي سيكون مربياً شئنا أم أبينا، وقد جبله الله على هذا الخلق أو ذاك؟! وماذا نصنع بهذه الأم أو فلان أو فلان من الناس؟!

    إن معرفة هذه الصفات تدعونا إلى أن نجتهد قدر الإمكان في تحقيقها في أنفسنا، وفي تحقيقها لدى من يهيئون ويعدون للتربية، وأن نجتهد في الاقتراب منها، وأظن أننا لن نستطيع -بل أجزم أننا لن نستطيع- أن نبلغ الكمال ونصل إلى القمة، ولذا نسعى إلى الاقتراب منها.

    فحين نشعر أن في أنفسنا أو في غيرنا قصوراً في صفة من الصفات؛ فإن هذا لا يعني أن نشعر بأنه غير قادر على التربية، أو بأننا في غنىً عنه، فالأمة بحاجة إلى المزيد من الطاقات، فكلما استجلينا هذه الصفات، وأصبحت واضحة أمامنا وماثلة للعيان؛ فإننا سنكون قد وضعنا منارات في طريقنا وفي طرق المربين الذين يسعون إلى الاهتداء بها، ويسعون إلى السير عليها، ولهذا آثرت أن يكون العنوان: (من صفات المربين).

    وإنني حين أزعم أنني أريد أن أتحدث عن كل صفات المربي فإنني أدعي أمراً لا أستطيعه ولا أطيقه، لأن هناك جوانب أجزم بأن قصوري البشري وضعفي سيحول دون إدراكي لها، فضلاً عن أن الوقت المخصص للحديث حول هذا الموضوع قد يضيق، ولهذا آثرت أن أتحدث عن بعض الصفات التي أرى أنها ضرورية، وليس بالضرورة -أيها الإخوة- أن تكون هذه الصفات هي أهم الصفات، فإنني قد تجاوزت صفات أرى أنها مهمة وضرورية، ولكن يعلمها الجميع ويدركها الجميع، ورأيت أن أركز حديثي حول صفات وجوانب أرى أننا نقصر فيها، أو أننا قد لا نشعر بأهميتها وضرورتها، ولهذا فإن هذه الصفات التي أتحدث عنها ليس بالضرورة أن تكون كل ما أراه ينبغي أن يكون في المربي، بل ليس بالضرورة كونها أهم ما نراه، فقد بقيت هناك جوانب ضرورية ومهمة أشعر بأنه ينبغي أن أتجاوزها، لا لأنها ليست مهمة، بل ربما تكون أهم من غيرها، وإنما لأنها معروفة ومقررة لدى أمثالكم، فلا أريد أن يكون الحديث تكراراً.

    1.   

    أهم صفات المربي

    الهدي والسلوك والسمت الحسن

    إن من أهم الصفات التي ينبغي أن تتحقق لدى المربي: الهدي والسلوك والسمت الحسن:

    ذلك أن المربي يترك آثاره بهديه وسمته وسلوكه أضعاف أضعاف ما يترك بحديثه وكلامه، ولهذا أخبرنا الله تبارك وتعالى أنه جعل لنا أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه، وأمرنا أن نتأسى بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والعمل والفعل يترك أثراً في النفوس لا يتركه القول.

    لقد جاء قوم أهل فقر وضعف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فرق النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى حالهم، فدخل وخرج، ثم صعد المنبر، وحث الناس على الصدقة، فلم يتصدق أحد، فجاء رجل معه صرة كادت يده أن تعجز عنها بل قد عجزت، فألقاها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فتتابع الناس حتى تهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (من سن سنة حسنة؛ فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة).

    لقد سمع الناس حديث النبي صلى الله عليه وسلم وكلامه وموعظته، ولكن ربما كان العمل في هذا الموقف وهذا الموطن من هذا الرجل -وهو دون النبي صلى الله عليه وسلم قطعاً- أعظم أثراً منه؛ لأن العمل يترك من الأثر ما لا يتركه القول.

    ولهذا فإننا حين نكون -أيها الإخوة- قساة القلوب، وحين نعاني من جفاف العيون، ومن موت القلوب، ومن قلة خشية الله تبارك وتعالى، ونريد أن نعظ الناس، ونريد أن نترك أثرنا على الناس، وسلوكنا لا يشهد بذلك، ولا ينطق بذلك، وحالنا مع الله تبارك وتعالى، وحالنا في سلوكنا وهدينا يخالف ما ندعو الناس إليه، إننا حينئذٍ نسعى إلى أن نبني قصوراً في الرمال، ونسعى إلى أن ننحت في البحر كما يقال.

    لذا قال أحد السلف حين سأله ابنه: ما بالك إذا وعظت بكى الناس، وإذا وعظ غيرك لم يتأثر الناس؟ فقال: ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة.

    ولهذا كان السلف كثيراً ما يؤكدون على هذا المعنى، ويؤكدون على أن طالب العلم ينبغي أن يتعلم الهدي والسمت والسلوك من مشايخه.

    يقول ابن وهب : ما تعلمت من أدب مالك أكثر مما تعلمت من علمه.

    ويقول إبراهيم : كنا نأتي مسروقاً فنتعلم من هديه وسمته ودله.

    وكانوا يقولون:

    أيها الطالب علماً ائت حماد بن زيد

    فاكتسب علماً وحلماً ثم قيده بقيد

    ودع الفتنة من آثار عمرو بن عبيد

    لقد كانوا -كما حكى ابن سيرين رحمه الله- يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم.

    فكان أولئك المربون بحق والمعلمون بحق يتركون آثارهم على تلامذتهم بسمتهم وهديهم وسلوكهم أضعاف أضعاف ما يتركونه بتعليمهم.

    وتأمل ما قاله ابن وهب ، وهو واحد من كبار تلامذة الإمام مالك المحدث الفقيه الذي كان الناس يضربون أكباد الإبل في زمنه فلا يرون إلا إمام دار الهجرة فيأتون إليه، ومع ذلك يرى أن ما لقيه وحصله من هديه وسمته وسلوكه أكثر مما تعلمه من علمه.

    إذاً: فهي -أيها الإخوة- قضية مهمة ينبغي أن نعتني بها بتحقيقها في أنفسنا، وتحقيقها لدى من يتولى التربية، وحينئذٍ يشعر المربي بأنه لن يحتاج إلى مزيد من الحديث، ولن يحتاج إلى مزيد من الوعظ، ولن يحتاج إلى مزيد من النصح والتذكير، إنما حاله يذكر بهذا الأمر، وهديه وسمته وسلوكه يخبر بما وراء ذلك.

    وما أقبح -أيها الإخوة- أن نرى من ينتسب للعلم الشرعي وتعليمه للناس، أو يتصدى لوظيفة شرعية، ثم نرى أثر المعصية على وجهه، لا تفارقه أينما ذهب! إنها -أيها الإخوة- صورة من صور إعلان التناقض بين القول والعمل، إن هذا المرء ليقول للناس بلسان حاله قبل أن يقول بلسان مقالة: إنني أقول لكم قولاً، وعملي وفعلي وسلوكي ينطق بخلافه، فيهدم هذا المرء بعمله وسلوكه أضعاف ما يبنيه بقوله ونصحه وتوجيهه.

    امتلاك المربي ما يقدمه للآخرين

    والصفة الثانية من صفات المربي: أن يملك المربي ما يقدمه للآخرين:

    أن يملك العلم الشرعي، وأن يملك الخبرة، وأن يملك القدرة على حل المشكلات، إنه يحتاج إلى أن يقدم العلم والتوجيه والنصح، وأن يعطي الناس ويقدم للناس، ففاقد الشيء لا يعطيه، ولا يمكن أبداً أن ننتظر من المرء المفلس أن يقدم شيئاً للناس، ومن هنا كان الرصيد العلمي والبناء العلمي أمراً لا يستغني عنه مربٍ أياً كان، فيتعلم ويدرك ما يرى أنه يحتاج إليه في تعليمه ودعوته وتربيته للناس.

    كما ينبغي أن يكون هذا المربي قادراً على حل مشكلات الناس، وعلى إعطائهم، وعلى أن يقدم لهم؛ لأنه حين لا يملك شيئاً من ذلك فماذا عساه أن يصنع ويقول ويقدم؟!

    قدرة المربي على العطاء

    الصفة الثالثة: أن يكون قادراً على العطاء:

    إن المرء قد يمتلك رصيداً من العلم، وقد يمتلك رصيداً من الخبرة، وقد يمتلك قدرات، ولكنه قد لا يكون قادراً على الإعطاء، وقد لا يكون قادراً على غرس هذه المعاني لدى الناس، فليست القضية -أيها الإخوة- مجرد أن يملك ما يقدم للناس، بل أن يملك ما يقدم، وأن يكون -أيضاً- قادراً على أن يقدم للناس ما يحتاجون إليه، وأن يكون قادراً على أن يحل مشكلات الناس، وقادراً على أن ينقل ما يملكه من علم، وما يملكه من خبره وقدرات إلى الآخرين.

    حسن الإعطاء

    الصفة الرابعة -وهي صفة مهمة، وقد أتوقف عندها قليلاً-: أن يكون حسن الإعطاء:

    أي: أن يقدم ما نبغي وما لديه بالصورة المناسبة، فالقضية -أيها الإخوة- ليست أن يملك الإنسان شيئاً، ولا أن يستطيع أن يقدم هذا الشيء، بل أن يقدمه بالصورة المناسبة للناس.

    وهي قضية مهمة -أيها الإخوة- نفتقدها كثيراً في تربيتنا، حيث نشعر أحياناً بأننا أدينا المسئولية وقمنا بالواجب حين نقول كلمة، أو ننهى عن خطأ، أو نصحح سلوكاً ونخطئ آخر، وننسى أننا لم نقدم هذا الأمر بالصورة المناسبة اللائقة بالناس.

    إن هناك -أيها الإخوة- فرقاً كبيراً بين كلمة يقولها الإنسان بلغة، وبين كلمة يقولها بلغة أخرى، وبين كلمة يقولها بلغة ثالثة، وإن كانت تؤدي المعنى نفسه.

    ولنضرب على ذلك مثالاً: فلو شعرنا -مثلاً- أن التكييف في هذا المسجد مزعج، ودرجة البرودة لا نتحملها، فقد أشير على واحد منكم بعينه وأقول له: قم فأطفئ جهاز التكييف. وقد أؤدي هذه الكلمة بلغة أخرى، فأقول: من يتبرع منكم فيقوم فيؤدي هذا العمل؟ وقد أقوله بلغة ثالثة، فأقول: إنني أشعر بأن الجو بارد جداً، ألا تشاركونني هذا الشعور؟!

    إن هذه الكلمات تؤدي معنى واحد، وتؤدي رسالة واحدة أريد أن أوصلها إليكم، لكن هناك فرق بين الأمر المباشر في الصورة الأولى، وبين الصورة الثانية، وبين الصورة الثالثة.

    ولم يكن المربي الأول -صلى الله عليه وسلم- بعيداً عن هذا المنهج، وهو الذي اختاره الله تبارك وتعالى لهذه الرسالة، واختاره لا لتربية أصحابه فحسب، بل لتربية الأمة والمربين كلهم، فقد كان عند النبي صلى الله عليه وسلم رجلان يستبان، يسب أحدهما الآخر، فغضب أحدهما واحمر وجهه، فقال صلى الله عليه وسلم موجهاً الخطاب لأصحابه -كأن الأمر لا يعني هذا الرجل-: (إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).

    انظر إلى الفرق بين هذه الكلمة التي يقولها النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً لأصحابه، وبين ما لو قال له النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً له وهو في هذه الحالة: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والنتيجة واحدة والمؤدى واحد، ولكن هناك فرق بين هذا الأسلوب وبين ذاك الأسلوب.

    وحينما يجد الأب ولده قد تأخر عن الصلاة؛ قد يعاتبه بكلمات لاذعة قاسية، فيقول له: إنك لا تهتم بالصلاة، ولا تقيم لها وزناً، وقد يخاطبه بلغة أخرى، فيخاطبه بلغة الأمر فيقول له: اذهب إلى الصلاة منتهراً إياه، وقد يخاطبه بلغة ثالثة ومنطق ثالث، فيأخذ بيده فيقول: لنذهب سوياً إلى المسجد لنصلي.

    وهناك فرق -أيها الإخوة- بين هذه الصور، فلماذا نتصور أن أداءنا لأمر أو نهي على أي صورة كان، وأن إبلاغنا لقضية بأي صورة كانت وبأي شكل كان، لماذا نتصور أن هذا الأمر كاف، وأن هذا الأمر مسقط للمسئولية عنا؟!

    إنك حين تشعر -مثلاً- أن ابنك يعاني، فلا يستيقظ للصلاة إلا بصعوبة؛ قد تعاتبه، وقد تقول له: إن عملك من عمل المنافقين، وقد تقول له كلمة أخرى، لكنك لو أهديت له ساعة لتوقظه، أو اتفقت معه على أن تذهبا جميعاً إلى المسجد، أو أيقظته بأسلوب أو بآخر؛ فإن هذا الأمر وهذا الأسلوب يترك أثراً في نفسه أعظم بكثير من ذاك الأمر المباشر أو النهي المباشر.

    قد أقول لابني: لا تصاحب فلاناً وفلاناً من الناس، وقد أقول كلمة مناسبة في موقف معين، ولكنني حين أقول له: إنه ينبغي أن تحسن اختيار من تصادق، وإنني اقترح عليك أن تعيد النظر، وأن تفكر في واقع أصدقائك، أو أن اثني على فلان من الناس، فأقول: إنه يعجبني سلوك فلان، وخلق فلان، وأتمنى أن يكون صديقاً لك، وأتمنى أن يكون أخاً لك، حين أقول ذلك أوجد لمقالي أثراً في نفسه.

    فهناك فرق بين هذا الأسلوب وبين ذاك الأسلوب حينما نصدر أمراً، وحينما نعالج خطأً، وحينما نوجه توجيهاً، هناك فرق -أيها الأخوة- بين أسلوب وأسلوب آخر، ومن ثم كنا بحاجة إلى حسن العطاء فعلاً، وبحاجة إلى نفكر كثيراً كيف ننقل ما لدينا إلى الآخرين؟ وكيف نصلح أخطاء الآخرين؟ وكيف نأمرهم؟ وكيف ننهاهم؟ وكيف نوجههم؟

    بل إن الكلمة الواحدة أحياناً يختلف وقعها وأثرها، فقد يسألك رجل سؤالاً، فتقول له: (نعم) بلهجة فيها التهديد أحياناً، وقد تقولها وهي توحي بعدم المبالاة، وقد تقولها وهي توحي بعدم التصديق، وقد تقولها وهي توحي بالترحيب.

    وحينما يصنع لك رجل معروفاً، فتقول له: جزاك الله خيراً، قد تقولها كلمة عاجلة أحياناً كما يعتادها الناس، وقد تقولها بشعور ينبئ عن الاهتمام، وقد تقولها أيضاً بما هو أكثر من ذلك، والكلمة هي هي، فقسمات الوجه، ووقع الكلمة، والصوت، وجرس الكلمة، كل هذه لها آثار، فتعطي هذه الكلمة أثراً لا تعطيه تلك الأخرى، وإن كانت هي هي بحروفها، ولكن قسمات الوجه، وجرس الكلمة، والصوت، كلها تترك آثاراً غير ما تتركه تلك الأخرى.

    لهذا كان علينا أن نفكر كثيراً كيف نوصل ما عندنا لمن نربيهم، وألا تكون القضية مجرد أن نقول كلمة أياً كانت، بأي وسيلة، وبأي لغة، ونتصور حينئذٍ أن هؤلاء قد قامت عليهم الحجة، وأننا قد أدينا الواجب علينا تجاههم.

    الاتزان العاطفي

    والصفة الخامسة مهمة، وهي: الاتزان العاطفي:

    إن الله عز وجل خلق عواطف للناس، فعند الناس رحمة ومحبة ومشاعر وارتياح، هذه العواطف لم يخلقها تبارك وتعالى عبثاً، وحينما ندعو إلى إلغائها عند الناس فإننا ندعو إلى تغيير خلق الله، وندعو الناس إلى أن يتخلوا عما فطرهم الله عليه، وحين تستبد بنا العواطف وتحكمنا العواطف نكون حينئذٍ ضحية لهذه العواطف، ونناقض صريح المنقول والمعقول، ونبقى أسرى لهذه العواطف التي قد تقودنا إلى مهالك.

    إن المربي -أيها الإخوة- يحتاج إلى أن يملك العاطفة والحب والرحمة والحنان، فيشعر هذا الذي يتربى على يديه بهذا الشعور، فالله تبارك وتعالى قد قال عن نبيه صلى الله عليه وسلم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].

    فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول عنه ربه تبارك وتعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] مع أن هؤلاء أصحابه، ومع أن هؤلاء يعلمون أنه ليس ثمة حق إلا عند النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الحق كل الحق في اتباعه صلى الله عليه وسلم، والتأسي به، وأن كل حق يراد من غير طريقه ومن غير سبيله فليس حقاً، وأن كل ما يخالف ما دعا إليه باطل وضلال، مع هذا كله يقول الله تبارك وتعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] فكيف بمن هو دون النبي صلى الله عليه وسلم؟!

    إذاً: كيف تتصور أن يراك الناس، وأن ينظر إليك الناس؟! هل نتصور أن الناس سينظرون إلينا على أننا نحن الذين نملك الحق وحده، فنغضب الناس، ونسخط الناس، ونقسو على الناس، ونسيء أخلاقنا معهم، ونفتقد كل هذه المشاعر، ثم يقبلون علينا؛ لأننا نملك الحق، ونحمل الحق؟! إن هذا الأمر لم يتحقق للنبي صلى الله عليه وسلم، فما بالك بمن هو دونه؟!

    ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمل هذه المشاعر، فقد كان صلى الله عليه وسلم يخطب بأصحابه فدخل الحسين -وهو صبي- يتعثر في ثوبه، فينزل صلى الله عليه وسلم فيحمله، ثم يقول: (إن ابني هذا سيد).

    ويأتيه وهو ساجد فيعلو ظهره، فيطيل النبي صلى الله عليه وسلم سجوده، فيقول: (إنه ارتحلني فكرهت أن أقوم حتى يقضي حاجته).

    وحين حضر الموت أحد أحفاده الصغار بكى، فرأى أحد الصحابة دموعه صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ قال: (هذه رحمة يجعلها الله في قلب من يشاء من عباده).

    وحين جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فراه يقبل الصغار، فقال: أتقبلون صبيانكم؟! إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحداً منهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: (أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟! من لا يرحم لا يرحم).

    إذاً: هكذا كان المربي صلى الله عليه وسلم يملك رحمة، وإحساناً إلى الناس، ومحبة، يقول صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه: (إني أحبك، فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).

    ويقول صلى الله عليه وسلم: (هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً).

    ويثني صلى الله عليه وسلم على طائفة من أصحابه، فيفدي أحدهم، فيقول: (ارم فداك أبي وأمي)، ويقول في الزبير : (لكل نبي حواري، وحواريي الزبير)، إلى آخر ذلك من النصوص التي يشعر فيها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بمحبته إياهم، وسؤاله عنهم صلى الله عليه وسلم، وعطفه عليهم، فالمربي يجب عليه أن يملك هذا الشعور، وأن يملك العاطفة والرحمة والود.

    وحين يعرض الناس عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم يناقضون الفطرة، فأحد أهل التصوف مات طفل له، فحين دفنه صار يرقص على قبره، وكأنه يعلن أن هذا من تمام الرضا بقضاء الله تبارك وتعالى! وهل يظن هذا أنه أثبت قلباً من النبي صلى الله عليه وسلم الذي دمعت عينه حين مات ولده إبراهيم ، وقال: (إن القلب ليحزن، والعين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا).

    وعلى الجانب الآخر ينبغي أن تضبط هذه الانفعالات والعواطف فلا تنحرف، ولا تتحول الصلة بين المربي ومن يربيه إلى عواطف ومشاعر متبادلة، ولا تطغى هذه العواطف على ما يحتاج إليه هذا الشخص من الحزم أحياناً، ومن الجد، ومن معالي الأمور.

    إن الإغراق في العاطفة يخرج جيلاً هش البنيان، وجيلاً يعيش على العواطف، وجيلاً غير جاد، وجيلاً غير عامل، وفي المقابل يخرج فقدان العاطفة جيلاً قاسي القلب، قد نزعت من قلبه الرحمة، فلابد أن يعيش المربي على هذا التوازن، وأظن أنه ليس أحدهما بأسوأ من الآخر، وأظن أن المربي المفرط في عاطفته ليس بأسوأ من ذاك الذي فقد العاطفة أو فقد المشاعر الإنسانية، والعكس كذلك.

    الاتزان الانفعالي

    الصفة السادسة -وهي أيضاً تتعلق بالتوازن-: الاتزان الانفعالي:

    أن يكون المرء متزناً في انفعالاته، فهو قد يغضب مثلاً، وأمر طبيعي في حق من يتعامل مع الناس أن يأتيه ما يأتيه مما يستدعي الغضب والسخط، ويستدعي انفعالاً أو موقفاً معيناً تجاه هذا الشخص، فينبغي أن يكون هذا المربي متزناً، قادراً على ضبط هذا الانفعال.

    ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا قمة الشجاعة، فقال: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).

    وفي حديث آخر قال: (ما تعدون الشديد فيكم؟ قالوا: الذي لا يصرع، قال: الشديد: الرجل يغضب، فيحمر وجهه، ويقشعر جلده، ثم يكظم غيظه)، إنه يغضب، ويأتيه الغيظ، لكنه يكظم غيظه.

    إنه حين تكون تصرفات المربي استجابة لهذه الانفعالات، وردود فعل؛ فإنه كثيراً ما يفقد التصرف المناسب، فقد يتصرف تصرفاً يمليه عليه الغضب، وليس التصرف الذي يمليه عليه الشرع، وليس التصرف الذي يرى أنه هو المناسب في مثل هذا الموقف أو ذاك، وقد يتصرف تصرفاً يمليه عليه رضا أو موقف آخر أياً كان، فضبط المربي لانفعالاته واتزانه فيها أمر له أهميته؛ حتى يضبط تصرفاته، وردود أفعاله، ومواقفه.

    الاتزان الاتصالي

    الصفة السابعة -وهي حول التوازن والاتزان-: هي ما يمكن أن نسميه بالاتزان الاتصالي:

    فعملية التربية هي اتصال بين المربي ومن يربيهم، فحينما يكون المربي مجرد ملقٍ يتحدث، والذي يتربى دوره دور التنفيذ والسماع، حينما يكون الاتصال وحيد الاتجاه، فيبقى دور المتربي أن يسمع الأوامر، ويعطى نصائح دون أن يكون له فرصة للمناقشة، ولسماع ما عنده، ولسماع مشكلاته، ومن هنا فالمربي أحوج ما يكون إلى تحقيق هذا التوازن: أن يسمع كما يعطي، وأن يأخذ من هذا كما يعطيه، وأن يعطي فرصة لهذا الذي يتربى على يديه لكي يسأل ويناقش ويراجع، يعطيه فرصة ليتحدث عن مشكلاته، وليتحدث عن همومه.

    إن الكثير من الأبناء اليوم يشكون أنهم لا يجدون الوقت والفرصة حتى يبثوا همومهم لآبائهم، وحتى يبثوا مشكلاتهم لآبائهم، وإن وجد الوقت لا يوجد الصدر الواسع الذي يستمع، ويستوعب ما عند هؤلاء.

    ولننظر إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان يربي أصحابه، فهاهي عائشة رضي الله عنها تسأله صلى الله عليه وسلم حينما ذكر شأن الحساب يوم القيامة، فقال: (من نوقش الحساب عذب، قالت: أليس الله يقول: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق:7-8]؟!) فهو سيحاسب يوم القيامة حساباً يسيرا، فتشعر عائشة رضي الله عنها بنوع من التعارض بين هذا المقال الذي سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم وبين هذه الآية، فتسأل النبي صلى الله عليه وسلم ليجيبها صلى الله عليه وسلم، ولم تكن لتتجرأ رضي الله عنها على أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تناقش، وأن تبدي له ما لديها لو لم يكن صلى الله عليه وسلم قد عودها على أن يستمع منها.

    ويجلس النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة ، فتحدثه حديثاً طويلاً كما في الصحيح في قصة أم زرع ، فيستمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حديثها بإنصات، ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (كنت لك كـأبي زرع لـأم زرع).

    فالمتربي -أيها الإخوة- يحتاج إلى أن نترك له فرصة للسؤال والمناقشة والاعتراض، ويحتاج إلى أن نترك له فرصة للحديث عن مشكلاته، والحديث عن همومه، وأن يبث ما لديه، وإلا فسيكون البديل هم أهل السوء، فحينما لا يجد الصدر الواسع من أبيه، ولا من أمه، ولا من معلمه وأستاذه؛ فإنه سيرى البديل عند من يستثمر هذا الضعف لديه، ومن يستثمر هذه المشكلة؛ ليحقق من وراء ذلك المقاصد والأغراض السيئة التي لا تليق.

    ومن هنا كنا أحوج ما نكون إلى أن نعيد النظر في طريقة إلقائنا للأوامر، وإلقائنا للتوجيهات، وأن نعود هذا الجيل على أن يتحدث كما يسمع، وأن يأخذ ويعطي.

    إن هذا النوع من التربية الذي يتعود فيه الشخص على أن يتلقى فقط يخرج جيلاً اتكالياً إن سلم من المشكلات، جيلاً لا يعتمد على نفسه ويعتمد على الآخرين، لا يستطيع أن يصنع شيئاً؛ لأنه لم يعتد أن يقول كلمة واحدة، ولم يعتد أن يناقش، ولم يعتد أن يبدي شيئاً مما لديه، ومما يعاني منه.

    القدرة على التقويم

    الصفة الثامنة التي ينبغي أن تكون لدى المربي: القدرة على التقويم:

    وهي من الصفات المهمة التي ينبغي ألا يفتقدها، لماذا؟ لأنه سيحتاج -مثلاً- إلى أن يحدث تلميذه أو ابنه عن مشكلة من المشكلات، أو حدث من الأحداث، أو أن يقوم له كتاباً، أو مدرسة فكرية، أو فكرة، أو رأياً، أو مشكلة، وحين لا يملك القدرة على التقويم الجيد، فإنه لا يستطيع أن يوصل له الرسالة المناسبة، ولا يستطيع أن يوصل له الحكم المناسب.

    ثم إنه يحتاج -أيضاً- إلى التقويم؛ ليعرف من يربيه، وليعرف أي مرحلة قطعها وتجاوزها، وليعرف الأخطاء، وجوانب القصور، وجوانب الضعف وليعرف القدرات التي يملكها هذا الشخص، وليقوم -أيضاً- عمله وجهده وتربيته.

    وهي موهبة وملكة توجد لدى المرء، لكنه -أيضاً- يستطيع أن يتعلم ويتطبع على شيءٍ منها، حينما يتعود أن يكون عميقاً في نظرته، وحينما يتعود أن يكون موضوعياً لا يتأثر بالعواطف، ويحكم من خلال الموقف الواحد، فحينما يعتاد ويتعود على هذا النمط من التقويم؛ يستطيع أن يملك قدرة على التقويم يحتاج إليها فيما يقدم للآخرين؛ لأنه سيقدم تقويماً للأعمال للناس، وسيقدم تقويماً لفكرة، أو لرأي، أو لمشروع، أو لعمل أياً كان، ثم سيسعى إلى تقويم من يربيه ويوجهه.

    القدرة على النمو والاستمرار

    الصفة التاسعة التي ينبغي أن تكون لدى المربي: القدرة على النمو والاستمرار:

    إن بعض الناس قد يملك قدراً من العلم والثقافة والقدرات، لكنه يقف عند حد معين، وإذا كان ما يملكه من علم وفكر وقدرة وخبرات يقف عند هذا الحد؛ فإنه سيشعر بعد مرحلة بأن تلامذته ومن يتربون عليه قد تجاوزوه، وقد أدركوا ما عنده، ويتطلعون إلى ما وراء ذلك، وحينئذٍ يفتقدون الثقة به، ويشعرون أنه قد استنفذ ما لديه، واستهلك ما عنده.

    إن الأحداث تتجدد، والظروف تتغير، فالأب الذي عاش في عصر سابق حينما يتعامل مع أبنائه الذين هم نتاج عصر آخر يختلف عن عصره بالكلية، وتختلف فيه أفكار الناس واهتماماتهم وعقلياتهم، حينما يأتي هذا الأب وثقافته وعقليته وعلمه لا تعدو أن تكون امتداداً للعصر السابق الذي عاشه؛ فإنه لن يستطيع أن يقدم لهذا الابن ما يحتاجه.

    ولهذا ندرك فشل كثير من الآباء الخيرين الغيورين في تربية أبنائهم؛ لأنه قد توقف الأب عند عصر معين ومرحلة معينة، فقد تربى هذا الأب في بيئة وعاش في ظل وسط محدود، يوم كان يعيش في قرية محدودة حين يقول من في أقصاها كلمة يسمع من في أدناها هذه الكلمة، ومظاهر المدنية والحضارة بعيدة عنه، حيث كان الناس وقتها يعيشون في الأرياف، ويعيشون في مزارعهم، ويعيشون في أعمالهم، وفي همومهم الخاصة، بعيداً عن ضجيج وصخب المدينة، وبعيداً عن هذه المؤثرات، أما اليوم فقد أصبح الجيل أمام عالم آخر يختلف تماماً عن ذاك الجيل.

    فحينما يأتي الأب ليربي ابنه بالنمط نفسه الذي تربى به، وحين يقال له: إن هذا الأسلوب لا يجدي، فيقول: هكذا تربينا، وهكذا عشنا، حينها لا تثمر تربيته.

    نعم قد تكون تربيتك سليمة، وما تربيت عليه سليماً، والأسلوب الذي تلقيته كان ناجحاً، لكنه كان كذلك في وقت من الأوقات، أما هذا الوقت فله ظروف أخرى، وله حالة أخرى.

    ولهذا كان الأب بحاجة إلى أن يتجاوز هذه الفجوة الحضارية، وإلا فسيشعر أنه يعيش في مأزق مع أولاده، وقل مثل ذلك حتى مع من هم دونه.

    إن المعلم والمربي الذي تربى على نمط معين وعلى طريقة معينة، لا يسوغ له أبداً أن يتصور أن هذا النمط وهذا الأسلوب هو الأسلوب الناجح والمناسب لتربية الناس كلهم، فالعصر قد تغير، والظروف قد تغيرت، والعوامل قد تغيرت.

    إن هذا التغير السريع المذهل الذي نراه اليوم يؤكد على ضرورة أن يكون المربي قابلاً للنمو، وقادراً على النمو، وأن يملك القابلية والقدرة، وأن يسعى دائماً إلى تطوير نفسه والمتابعة، وإلا فسيشعر بأن هذا الجيل قد تجاوزه، وسيشعر بأن هذا الجيل قد أدرك أن هذا الرجل الذي أمامه لم يعد يملك ما يقدمه لهم.

    المعرفة التامة بالمتربي

    الصفة العاشرة: أن يكون المربي على معرفة بمن يربيه، وعلى معرفة تامة بطبيعته وخصائصه وظروفه:

    وهي قضية كثيراً ما نجهلها أيها الإخوة، فنحن نتعامل مع أطفالنا -مثلاً- ونجهل طبيعة الطفل وخصائصه، ونجهل كيف يفكر الطفل، وكيف ينظر الطفل إلى الأمور، وكيف ينظر إلى الحياة، وكيف يقيمها، ولهذا نقع في أخطاء فادحة غير مقصودة في تعاملنا مع أطفالنا، ونحن إنما أوتينا من جهلنا بهذه الطبيعة للأطفال.

    وخذ على سبيل المثال مرحلة أخرى مهمة، وهي مرحلة المراهقة، وهي مرحلة من أخطر المراحل لدى الشاب والفتاة، حينما نجهل طبيعة الشاب في هذه المرحلة، وكثيراً ما تقع مشكلات من الأب أو المعلم أو المربي أو غيرهم مع هذا الشاب المراهق، والسبب أنه يجهل طبيعة هذا الشاب في هذه المرحلة، ويجهل كيف يفكر، ويجهل مشكلاته، وقل مثل ذلك في الفتاة، فحينئذٍ نصادم هؤلاء.

    وكثيراً ما نسمع هذه الكلمة من الآباء والأساتذة والمربين: كان هذا الطفل وديعاً، وهادئ الطباع، ومطيعاً، ومستجيباً، ففوجئنا به إنساناً متمرداً، وإنساناً معانداً، وإنساناً مشاكساً، بدأت تظهر عليه آثار الانحراف .. إلى آخره، ونريد أن نتعامل معه باللغة نفسها، وبالمنطق نفسه، وبالأسلوب نفسه الذي كنا نعامله به حين كان طفلاً، والسبب أننا لم نفهم هذه الشخصية.

    إن المراهق يحتاج إلى الإقناع، ويحتاج إلى إشباع حاجاته، ويحتاج إلى إشعاره بأنه رجل، وأنه يملك الرجولة، وحين يجد من يحترم عقله، ومن يدرك ظروفه، فإنه سرعان ما يمنحه ثقة، بل الثقة المفرطة، فيسلم نفسه له ليصنع فيه ما يشاء.

    إننا نصطدم كثيراً مع أبنائنا ومع تلاميذنا في هذه المرحلة، ونحن نريد أن نرفع عليهم العصا الغليظة؛ لأننا نرى أنها هي التي تربيهم، وقد كنا نشعر أنها في مرحلة سابقة كانت أسلوباً ناجحاً معه، ونتصور أنها ستنجح معه اليوم، وهكذا.

    فالمقصود -أيها الإخوة- أن معرفة المربي بمن يربيه فيما يتعلق بخصائص المرحلة التي يعيشها وطبيعتها، ومعرفته بظروفه الخاصة، من حيث كونه فلاناً من الناس، وشخصيته، وطبيعته، أو ظروفه الاجتماعية، أو مشكلاته، معرفة ذلك من الأمور المهمة التي لا يستغني عنها المربي.

    القيادة

    وآخر ذلك صفة أختم بها الحديث عن هذه الصفات، وهي: القيادة:

    أن يكون المربي قائداً لا أن يكون آمراً، وفرق -أيها الإخوة- بينهما، فالذي يقود الناس يقنعهم.

    إنك قد تستطيع أن تأمر ولدك -مثلاً- فيذهب إلى المسجد، وربما يذهب معك إلى المسجد ولا يفارقك، لكن حينما تغرس لديه حب الصلاة، وتورثها لديه، يكون ذلك شأناً آخر.

    إنك تستطيع أن تأمر ولدك أن يصاحب الأخيار، وتجعله يعيش مع الأخيار، ولكن هناك فرق بين هذا وبين أن تغرس لديه حب الأخيار، وقل مثل ذلك في سائر المعاني التربوية.

    إننا نستطيع أن نملي على الناس كثيراً من الأمور، فيأخذوها تقليداً، ويأخذوها بحسن ظن، لكن أن نقنعهم بها وما وراءها أهم بكثير، وأنجح وأولى، وهذا يخرج جيلاً ويخرج قادة لا أتباعاً.

    هذه -أيها الإخوة- بعض الصفات التي أرى أنها مهمة، وفي الواقع هناك صفات كثيرة كنت أريد الحديث حولها، لكن الوقت ضاق، وهناك صفات قد تكون أهم من هذه الصفات، ولكن نظراً لأنها معروفة ومقررة لدى الإخوة آثرت أن أتجاوزها.

    1.   

    الأسئلة

    بيان سوء تصرف بعض المدرسين في خطابهم لتلاميذهم

    السؤال: ما رأيكم في بعض الإخوة المدرسين الذين يخاطبون الشباب بألفاظ سوقية ساقطة لا تليق بإنسان، فضلاً عن كونه مدرساً معلماً؟

    الجواب: هذه صورة لا تليق أبداً، وصورة من غرس الخلق السيئ عند الناس، إن المعلم يستطيع أن يتحدث كثيراً مع طلابه عن الخلق الحسن، وعن حسن الخلق، لكنه سرعان ما يهدم هذا بكلمة واحدة يقولها حين يغضب، فيواجه هذا الطالب بكلمات نابية، أو -بمصطلح شرعي- بكلمات فاحشة.

    لقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذن، فقال: (ائذنوا له بئس أخو العشيرة، فلما دخل هش له النبي صلى الله عليه وسلم وبش، فسألته عائشة عن ذلك، فقال: يا عائشة ! متى عهدتني فاحشاً؟!) أي: هل علمت مني الفحش في القول؟! وفي رواية أخرى قال: (يا عائشة ! شر الناس من ودعه الناس اتقاء فحشه).

    إن من يتركه الناس حتى لا يغلظ عليهم، وحتى لا يفحش شره عليهم من شر الناس وسوء الناس، عافانا الله وإياكم، فحين يهاب الناس لسانك وسلاطته، فاعلم أن هذا أمارة على أنك من شرار الناس، عافانا الله وإياكم، وذلك لا يليق أبداً بالمربي.

    نحن نريد أن نربي طلابنا على الحلم، والأناة، وحسن الخلق، لكننا أحياناً لأجل قضية تافهة -كما لو أن هذا الطالب ما أدى الواجب، أو ما حفظ، أو تأخر، أو حصل منه أي خطأ- لا نفترض في الطالب إلا أن يقع في الخطأ، فتجد المدرس أحياناً يغضب، وقد يتكلم بكلمات غير لائقة، ويخرج عن الحدود فعلاً، وعن الأدب الذي يليق بالإنسان، فضلاً عن المسلم، فضلاً عمن يتصدى ويوجه للتربية، وأحرى بهؤلاء أن يُربَّو فضلاً عن أن يكونوا مربين للجيل.

    مكانة الضرب البدني في العملية التربوية

    السؤال: نريد توضيحاً شافياً لقضية استخدام العقاب البدني في التربية من منظور الشرع، ونرجو إلقاء الضوء على ثمرة التعاون بين المربين والمعلمين خاصة، ونسأل الله أن يثيبكم؟

    الجواب: أولاً: الشرع جاء بالضرب كوسيلة للتربية في الحدود، فهناك من الحدود ما يستوجب الجلد، كما في حد القاذف، والزاني البكر، وشارب الخمر، وجاء الشرع بالإذن بالضرب في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله).

    والصحيح في قوله: (حد من حدود الله) أن المقصود به: أوامر الله ومعاصيه، وليس المقصود بذلك الحد العقوبة المقدرة، وإلا فلا يجوز أن يعزر الإنسان بأكثر من عشرة أسواط، فحينما يقع الشخص في خطأ يجوز أن يعاقب، لكن لا يجوز أن يزاد على عشرة أسواط إلا إذا كان في حد من حدود الله، أي: مخالفة لأمر الله، كما قال تبارك وتعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا [البقرة:229].

    وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضرب الأولاد حين يمتنعون عن الصلاة لعشر سنين، بل في القرآن أخبر الله تبارك وتعالى أن من الأساليب التي قد يستخدمها الزوج مع زوجته أن يضربها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فاضربوهن ضرباً غير مبرح).

    فنقول: حينما يأتي الشرع بتقرير هذه العقوبة لا يجوز أن نلغيها أبداً، وحينما نقول: إن الضرب ليس وسيلة تربوية وإنه لا يصلح؛ فإن هذا اعتراض على شرع الله، والله هو الذي خلق الإنسان، ويعلم تبارك وتعالى نفسه وعواطفه، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].

    لكن القضية الأخرى: هل الضرب هو الوسيلة المناسبة في كل وقت وكل حين؟

    هنا السؤال مهم، وهذا الخطأ الذي نقع فيه أيها الإخوة، فالخطأ الذي نقع فيه ليس أننا نضرب، إنما لأننا نضرب في موطن لا يستوجب الضرب، ونضرب في موطن لا يستحق ذلك، وحين نضرب لا نضرب ونعاقب بالطريقة المناسبة أيضاً.

    والنبي صلى الله عليه وسلم الذي علمنا ذلك عامل من خدمه عشر سنين صلى الله عليه وسلم، فلم يقل لشيء فعله: لم فعلته؟ ولم يقل لشيء لم يفعله: ألا فعلته؟ فهو صلى الله عليه وسلم يشهد بذلك، وهو الذي شرع لنا صلى الله عليه وسلم ضرب الزوجة في بعض المواطن وقال: (فاضربوهن ضرباً غير مبرح)، ثم حكى عن أولئك الذين يضربون أزواجهم فقال: (إنهم ليسوا بخيارهم).

    فهذا يدل على أن القاعدة والأصل خلاف ذلك، فالعقوبة -أيها الإخوة- أياً كانت -سواء كانت عقوبة بدنية أو غيرها- إنما هي حينما لا يجدي غيرها، والأصل هو الإقناع، والأمر، والتربية، والتوجيه، ثم نتدرج في العقوبة إذا شعرنا حينها أن الضرب هو العقوبة المناسبة، فعلينا حينئذٍ أن نضرب بأسلوب مناسب، ثم إذا ضربنا نضرب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فاضربوهن ضرباً غير مبرح) ضرباً لا يقترن بالانتقام والتشفي.

    وهناك قضية أخرى مهمة أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إذا زنت أمة أحدكم فليجدلها الحد، ولا يثرب) أي: يجلدها ولكن لا يلومها ولا يؤنبها؛ لأن هذا الجلد هو العقوبة التي استحقتها، فنحن نضرب أحياناً التلميذ والابن، ونؤنبه، ونثرب عليه، وفي كل مناسبة نذكره بهذا الخطأ الذي وقع فيه، فحين نضرب يجب أن نقتصر على هذه العقوبة فقط، ونتجاوزها بعد ذلك، ولا نكثر من اللوم والتأنيب، وإذا كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن التثريب على هذه الأمة وقد وقعت في كبيرة من السبع الم.وبقات؛ فكيف بما دون ذلك؟!

    حدود المزاح المطلوب من المدرس مع الطلاب

    السؤال: أنا مدرس للمواد الشرعية، وأنا أكثر من المزاح مع الطلاب؛ لكي أجلب قلوبهم، وأحببهم إلى هذه المواد من غير أن يطغى ذلك على شخصيتي، أو يكون ذلك مدعاة للفوضى أو الشغب بين الطلاب، فهل تنصحني بذلك؟

    الجواب: المزاح حين يكون أمراً طبيعياً وغير متكلف، وليس سمة للإنسان ليس فيه إشكال، بل مطلوب، فقد كان السلف أحياناً في بعض مجالسهم إذا ملوا يقولون: ذكرونا بالشعر، فإن الأذن مجت، والقلب حمض. فيتحدثون بالشعر، لكن حينما يكون سجية للإنسان، فيصير الإنسان كأنه صاحب طرفة ودعابة، ويشتهر بذلك؛ فشأن المسلم والمربي أكبر من ذلك.

    خطأ ترك ميدان التربية بدعوى مقارفة المعصية

    السؤال: المربي كغيره من البشر يصيب ويخطئ، بل ويقع في المعصية تلو المعصية مما قد يؤخره إلى الوراء، فيبتعد عن مقاعد المربين، ويرضى بالدون، بدعوى أنه عاصٍ، فهل هذا الفعل صحيح؟

    الجواب: هل هناك مسلم لا يقع في المعصية أصلاً؟! إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم)، وقال: (كل بني آدم خطاء)، فإذا كنا نريد من المربي ألا يذنب ولا يقع في الذنب؛ فحينئذٍ لن نجد أحداً يربي على الإطلاق.

    لئن لم يعظ الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد

    توجيه للوالدين في القيام بدورهما في البيت

    السؤال: يحدث أحياناً أن أطلب من زوجتي زرع بعض السلوكيات في أولادي، وأطلب منها الاهتمام بذلك، ولكنها تقول: أفعل ذلك أنت، وأبين لها أنها أفضل مني، فهي تقضي معظم الوقت معهم، بينما أكون خارج المنزل، لذا أرجو توجيه النصح لزوجتي خاصة، وإلى النساء عامة، وجزاك الله خيراً؟

    الجواب: أولاً: أوجه النصيحة لك ولنفسي، فإنه يجب أن تقضي جزءاً من الوقت مع أولادك، وتهتم بذلك، وليس بصحيح أن نهمل أولادنا، فنحن نحتاج إلى أن نقضي جزءاً من أوقاتنا معهم، هذا جانب.

    الجانب الثاني: أن قضية التربية مسئولية مشتركة على الأم والأب، وهناك أدوار، والله عز وجل حكيم جعل الأم يغلب عليها جانب العاطفة والرحمة والشفقة، والأب يغلب عليه الجانب الآخر؛ لتكون القضية متكاملة، ويؤدي الجميع دوراً متكاملاً، وحينما تكون التربية من الأب وحده والأم وحدها؛ لن تكون تربية سليمة ومستقيمة؛ فهي دور مشترك على الجميع.

    كتب في التربية

    السؤال: هل هناك كتب حول هذا الموضوع، أرجو منكم ذكرها، وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: هناك كتب كثيرة تتحدث عن قضية التربية بصفة عامة وعن المربي، وكتب السلف كثيرة في أدب العالم والمتعلم، ككتاب ابن عبد البر ، وكتاب الخطيب (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)، والآجري في (أخلاق العلماء)، والرامهرمزي في (المحدث الفاصل بين الراوي والواعي)، وغيرها.

    فكتب آداب العالم والمتعلم معروفة، وفيها جوانب من أخلاق وآداب المربي، وهناك كتب -معاصرة -أيضاً- اهتمت بهذه القضية من أهمها كتاب صدر حديثاً عنوانه: (علم النفس الدعوي) للدكتور عبد العزيز المغيمشي ، وهو كتاب ذكر فيه بعض الجوانب والخصائص التي ينبغي أن توجد عند المربي.

    المربي بين الغلظة واللين

    السؤال: يوجد كثير من الموجهين والمربين ممن يستخدم الواحد منهم مع طلابه أسلوب الغلظة لإبراز الشخصية، ويوجد من المربين من يستخدم الأسلوب العكسي تماماً، فأي الفريقين أقرب للصواب؟

    الجواب: نحن ذكرنا من صفات المربي: أن يكون عنده اتزان وتوازن، لا هذا ولا ذاك، كلاهما بعيد عن الصواب، فالغلظة والقسوة والفظاظة ليست من صفات المؤمن، وإهمال الحق وترك الحق، والسير وراء العواطف صفة لا تليق بالمربي.

    فالمربي الأقرب إلى الصواب هو الذي يقف في الوسط، فيضع العاطفة والحب والمشاعر حين يحتاج إليها، ويستعمل القسوة والحزم حين يحتاج إليه.

    الموقف من الناصح المقصر

    السؤال: ما رأيك فيمن عنده شيء من العلم، ولكن يرى عليه أثر المعاصي، وهو ينصح الناس، وإذا قلت له: يا فلان! اترك هذه المعصية قبل أن توجه الناس، يقول: خذ من علمي، ولا تنظر إلى عملي، فنرجو التوجيه؟

    الجواب: أولاً: بالنسبة لك أنت خذ من علمه فعلاً، يعني: إذا وجدت علماً عند أحد من الناس -ولو كان صاحب معصية، ولو كان مقصراً، ولو كان فاسقاً- فخذ من علمه، فالحق يؤخذ ممن أتى به مهما كان، والحق ضالة المؤمن.

    وأما هو فينبغي أن يتذكر قول الله عز وجل: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44]، والوعيد الشديد الذي ذكره صلى الله عليه وسلم للرجل الذي يلقى في النار، عافانا الله وإياكم، قال: (فتندلق أقتاب بطنه فيها، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع عليه أهل النار فيقولون: يا فلان! ما لك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: بلى، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه) عافانا الله وإياكم.

    بيان أصل الانحراف في حياة الأبناء

    السؤال: إذا كان الأب لا ينصح ولده، والولد ضائع في الشوارع مع أصحاب السوء، فهل هذا من صفات المربي؟ أم أن ذلك ضعف في التربية؟

    الجواب: هذه الصورة من صور الإهمال، فالأب قد يشكو من ولده، وأن ولده ضائع، فتسأله: هل جلست يوماً من الأيام معه، وتحدثت معه بهدوء ووعظته؟ فيجيبك بقوله: (لا).

    فنحن لا نعرف أحياناً من التربية إلا أسلوباً نخطئ فيه فقط، ولا نعرف التربية إلا عندما يقع المرء منا في الخطأ، فيشعر الأب بدوره في التربية، فهو لما يرى ابنه -مثلاً- ما صلى ينهاه ويزجره، ولما يرى ابنه وقع في الكذب يزجره، ولما يرى ابنه وقع في خطأ ينهاه، وهذا واجب شرعي على الأب، لكن قبل ذلك يجب أن تعظه أصلاً، وتربيه، وتغرس عنده الخير، ونسأل: هل بيوتنا الآن تغرس الإيمان، وتربي الإيمان عند الأبناء، أم أننا نشعر أن التربية فقط هي مجرد الأمر والنهي؟!

    إننا نقرأ في القرآن: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] هذه الوصايا العظيمة التي كان يوصي بها ابنه.

    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم من تحته، فقد علم الحسن دعاء القنوت صلى الله عليه وسلم، وكان أصحابه صلى الله عليه وسلم يعلمون من تحتهم، فمنهم من كان يجلس فيعلم أبناءه القرآن، ومنهم من كان يعلمهم المغازي ويقول: هذه مغازي النبي صلى الله عليه وسلم، لقد كانت بيوت مليئة بالإيمان والعلم والتربية.

    فقبل أن نسأل عن الانحراف يجب أن نسأل عن الأصل، فالقضية أن الأصل أن نبني ونوجه، ونغرس عندهم الحب، لا أن تكون التربية مجرد علاج أخطاء، فالتربية ليست علاج أخطاء، فحينما يقع في الخطأ قد لا تستطيع أن تعالجه؛ لأن الخطأ كان نتيجة إهمال وتقصير، حينما تكتشف أن الابن أو التلميذ أو فلاناً من الناس قد وقع في الخطأ، وصار عنده انحراف، فتأتي لتعالجه قد لا تستطيع، وتأتيني تستشيرني فأقول لك: يا أخي! ليس الأمر بيدي، كنت تملك الحل قبل أن يقع الخطأ، أما بعد أن يقع الخطأ فليس بالضرورة أن يكون ذلك في مقدورهم.

    ولو شعر بذلك فلا ييأس، فينبغي للمربي -مهما كان خطأ الابن أو البنت- ألا ييأس، وأن يسأل الله له الهداية، وأن يجتهد في بذل الأسباب.

    طرق اكتساب صفات المربي

    السؤال: ما الطرق التي يتمكن من خلالها المسلم أن يكتسب صفات المربي التي ذكرتها؟

    الجواب: انظر إلى الناس الذين علموك، فأنت مررت بمرحلة في الدراسة ذات سنوات عديدة، وعدد كبير من المدرسين، ففكر فيهم، وانظر من الشخص الذي كان مؤثراً عليك بدرجة كبيرة؟ ومن الشخص الذي شعرت أن توجيهاته كانت تترك أثراً عليك؟

    انظر إلى الناس حولك، مَنْ مِنَ الناس يعجبك تعامله وتأثيره؟ استفد من تجارب الناس، ولا تحتقر شيئاً، قد يكون هذا الرجل ناجحاً في أسلوب غرس المحبة بينه وبين أبنائه، والثاني ناجحاً في أسلوب آخر، والثالث في أسلوب آخر، فتجمع ما عند الناس، فهذا مصدر مهم، وأن تستفيد من أخطائك وتجاربك مصدر آخر، وكذلك القراءة والاطلاع، بأن نكلف أنفسنا ونبحث ونقرأ في كتب السلف، وفي الكتب المعاصرة، وفي الكتب التي اهتمت بشأن التربية.

    ووالله! لو سألت أي أب، أو أي معلم: ماذا قرأت أنت فيما يتعلق بالتربية؟ وما عندك من الكتب التي تهتم بالتربية؟ لوجدت عجباً، إنه يمكن أن نجد في بيوتنا أحياناً كتب الطبخ أكثر من الكتب التي تعنى بالتربية، فهل معقول أن الأم دورها واهتمامها أن تعد الطبخات؟! فأين حاجتها لتربية الأبناء؟!

    إننا نقرأ في الصحف أحياناً والمجلات أكثر بكثير مما نقرأ في هذه الكتب التي تعيننا ونستفيد منها، والحق ضالة المؤمن، فقد تجد -مثلاً- من الكفار أحياناً من يحسن نوعاً من أنواع التربية، وليس المطلوب أن تأخذ كل ما عنده، فقد يحسن أن يقنع ابنه، ويحسن أن ينقل ما عنده لابنه، فتستفيد من كل ما عند الناس، والحق ضالة المؤمن.

    ضرورة الصدق في توجيه المربي

    السؤال: أنا أعمل مدرساً، وأحياناً آمر الطلاب بأشياء طيبة لا أستطيع أن أفعلها أنا، فهل هذا نوع من أنواع النفاق، مع أن نصيحتي لهم تكون خالصة لوجه الله؟

    الجواب: لا، ليس هذا من النفاق، يعني: أنت قد تقول لهم: ينبغي أن تحرصوا على قيام الليل، وأنت تجد أنك ما تستطيع أن تقوم الليل كل وقت، وقد يكون فيك تقصير، وقد تدعوهم إلى الحرص على ذكر الله، لكنك لا تستطيع أن تقوم بذلك كما ينبغي، فلا حرج في ذلك، المهم أن تكون صادقاً ومخلصاً، النصيحة التي تقولها ليس فيها نفاق، بل صادقة، ثم تجتهد في أن يكون هذا عاملاً لأن تسأل نفسك: كيف أدعو الناس إلى أمر وأنا لا أعمل به؟!

    أمثلة على صفة القدرة على العطاء

    السؤال: هل لك أن تعطي أمثلة على الصفة الثالثة، وهي: القدرة على العطاء؟

    الجواب: أحياناً يكون الشخص -مثلاً- عنده معلومات كثيرة، لكن ما يستطيع أن يوصلها إلى الناس أصلاً، فنسمع بعض الناس أحياناً يقول: الفكرة واضحة في ذهني، لكن لا أستطيع أن أعبر عنها. فلا يستطيع أن يوصلها إلى الناس بطريقة مناسبة، فهو يعرف ظاهرة معينة، ويعرف الحل لمشكلة معينة، ولا يستطيع أن يعطي.

    قد تجد إنساناً قدوة في عبادته وفي أخلاقه وفي سلوكه، قد جمع المواصفات التي تتمنى أن تكون موجودة عند الناس، لكن لو أردته أن يربي فقد لا يستطيع بالضرورة أن يربي، وإن كان قد يترك أثراً على الناس بسلوكه فقط، لكن أن يعطي وأن يؤثر على الناس؛ فليس بالضرورة فعل ذلك، فليس كل من يعجبنا ما عنده يكون بالضرورة مؤهلاً لأن يربي.

    توجيه في تقصير بعض المربين في القيام بدورهم تجاه أبنائهم

    السؤال: هناك بعض المربين يكونون عند غير أهليهم في كامل قوة التوجيه والإعداد الجيد في التربية، ولكنهم -في المقابل- أمام أبنائهم ضعاف لا يستطيعون توجيه أبنائهم إلا بالضرب والقسوة، فهل من كلمة توجيهية إلى هؤلاء الأشخاص؟

    الجواب: هؤلاء أقرب شيء إليهم أبناؤهم، وقد قال تعالى: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته).

    ونحن بحاجة إلى أن نعيد النظر كثيراً في حالنا في بيوتنا، وفي طبيعة علاقاتنا مع أبنائنا، وفي حسن علاقتنا معهم؛ إذ كيف نستطيع أن نؤثر على الآخرين ولا نؤثر على أبنائنا؟! وهذا دليل أنه ليست المشكلة تعود إلى قدراتنا، فنحن نملك القدرة، لكن الإنسان أحياناً يعيش في جو من الراحة والطمأنينة في خارج بيته، لكن إذا جاء إلى بيته فإنه يعيش في سجن وفي قفص يتمنى أن يخرج منه.

    الموقف من إساءة الوالد إلى ولده

    السؤال: ماذا تقول للوالد الذي يجتهد أبناؤه في رضاه وبره بكل وسيلة، ولكن هذا الأب -مع الأسف- يقابل ذلك بشيء من الجفاء، وافتعال مواقف يعاملهم فيها بشيء من عدم الاحترام والتحقير بناءً على سوء الظن عند هذا الأب، الأمر الذي يجعل الأبناء يشعرون بالإحباط، إذ كيف يقابل الإحسان بالنكران؟! وهل من حقهم أن ينتقلوا من بيت أبيهم إلى بيت قريب لتفادي كثرة هذه المواقف مع حرصهم على طاعة والدهم؟

    الجواب: مهما كان فقد يقع عند بعض الآباء هذا الحال، نتيجة جهله، وقد يكون حريصاً، ومن الحرص ما يقتل، فيؤتى الإنسان من حرصه، وليس كل حريص يجيد الأسلوب المناسب، ولكن مهما بدر -أيها الإخوة- من الآباء، فحقهم علينا أعظم بكثير، فيجب أن نصبر، وأن نحتمل، وأن نسعى إلى إحسان معاملتهم وعشرتهم مهما بدر.

    فيا أخي! ليس هناك شيء أعظم من الشرك، وقد قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15] حتى لو جاهداك على الشرك فإنك تصاحبهما في الدنيا معروفا.

    فمهما كان من الخطأ والقسوة وسوء المعاملة وسوء التربية من الأب، فلا يسوغ بحال أبداً أن نسيء إليهم، وأن نغمطهم حقهم، فـ (الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فاحفظ هذا الباب أو أضعه).

    دور المحفزات المادية في التربية

    السؤال: هل لكم أن تحدثونا عن دور الأشياء التشجيعية في التربية كالهدية والجائزة؟

    الجواب: هذه قضية مهمة جداً ونغفلها أحياناً، وهي التشجيع والثناء، والتشجيع والثناء أحياناً قد يكون مادياً، وقد يكون معنوياً أكثر، وهو أسلوب كان يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً في حث الناس، فقد سأله أبو هريرة فقال: (أي الناس أسعد بشفاعتك؟ قال: لقد ظننت أن لا يسألني أحد عن هذا الحديث قبلك)، لما علم من حرصه على الحديث، وهذا ثناء عظيم يثني به صلى الله عليه وسلم على أبي هريرة فيدفع أبا هريرة إلى التعلم.

    ولما سأل أبي بن كعب عن أعظم آية في كتاب الله قال: (ليهنك العلم أبا المنذر).

    وفي غزوة ذي قرد أردف النبي صلى الله عليه وسلم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه وراءه، وقال: (خير فرساننا اليوم أبو قتادة ، وخير رجالتنا سلمة).

    فهذا الثناء يترك أثراً كبيراً وتشجيعاً، وله دور كبير في التربية، وأثر في التربية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمله كثيراً في الثناء والتشجيع، وليكن كلمة حسنة، وليس بالضرورة أن تكون الأمور التشجيعية مادية، فقد تكون مادية، وقد تكون ثناء معنوياً، وقد تكون، المهم أن لها دوراً، وينبغي أن نعتني بها ونكثر منها، لكن ينبغي ألا تكون دائماً هي الأصل، وأن يتعود المرء على أنه لا يعمل لأجل هذا الثناء، ولا يعمل ليجد مثل هذه الجائزة والمكافأة، لا، ينبغي أن تكون ذلك دافعاً فقط، أما أن يكون كل شيء فلا؛ لأنه بعد ذلك سيتوقف أثر السلوك على هذا التشجيع، وتصبح القضية معاوضة، وتتحول إلى عقود المعاوضات بعد أن كانت من عقود التبرعات.

    أسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، وأن يصلح شباب المسلمين وفتياتهم وجيلهم إنه سمع مجيب.

    هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755913326