إسلام ويب

مقدمة في أصول التفسير [1]للشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تنوع تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن الكريم ما بين تفسير مباشر، وتفسير غير مباشر، فالمباشر كالإجابة عن أسئلة الصحابة، أو تصحيح تفسيراتهم، أما غير المباشر فهو عموم السنة؛ لأنها بيان للقرآن الكريم. وقد كان للصحابة اجتهادات في التفسير، ولاشك أن من أهم مراحل التفسير التاريخية مرحلة الخلفاء الراشدين.

    1.   

    مقدمة في تاريخ التفسير

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وبعد:

    فهذه الدورة العلمية التي تقام ستكون متعلقة بأصول التفسير، وسيكون الحديث في هذا الموضوع على أقسام ثلاثة:

    القسم الأول: يتعلق بمقدمات علمية متعلقة بجملة من التعريفات: كتعريف التفسير، والتأويل، والاستنباط، وأصول التفسير، والفرق بين أصول التفسير وعلوم القرآن، وغيرها من المباحث الداخلة في هذا المجال.

    القسم الثاني: يتعلق بمصادر التفسير، وهي: التفسير بالقرآن، والتفسير بالسنة، والتفسير بأقوال السلف، والتفسير باللغة، والتفسير بالرأي.

    القسم الثالث: يتعلق بالاختلاف في التفسير، أنواعه، وأسبابه، وكيفية التعامل مع هذا الاختلاف، مع جملة من القضايا أو المعلومات التي لم تذكر. كلها سترد إن شاء الله في هذه الدورة.

    وقد رأى الأخ الشيخ سامي جاد الله أن نبتدئ بمقدمة عن تاريخ التفسير، فجمعت بعض الأفكار المتعلقة بهذا، وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن ييسر لي ما شرعت فيه، وأن يجعله علماً نافعاً لي ولكم، وأن يجعله في ميزان حسناتنا.

    فأبتدئ بتاريخ التفسير:

    لما نزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم بلغة العرب، ونزل عليه صلى الله عليه وسلم مفرقاً، وذهب النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، واكتمل القرآن، في هذا المحيط وهو محيط العشرين سنة أو ثلاث وعشرين سنة على الخلاف الوارد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    أقسام التفسير النبوي للقرآن

    بعد بعثته كانت هناك جملة من تفسيرات النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن، ويمكن أن ننظر إلى هذه التفسيرات ونقسمها إلى قسمين:

    القسم الأول: التفسير النبوي المباشر للقرآن.

    والقسم الثاني: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي سنة قولية أو فعلية أو تقريرية.

    فهذان القسمان هما ما يتعلق بالتفسير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي إشارة إلى قسم برز في عهده أيضاً.

    القسم الأول: التفسير النبوي للقرآن المباشر

    التفسير المباشر: هو أن يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى التفسير مباشرة فيذكر آية ويفسرها، وكان هذا على قسمين أيضاً:

    النوع الأول في التفسير النبوي المباشر

    قسم يعتبر من سؤالات الصحابة عن التفسير، أي: أن يسأله الصحابة عن آية من الآيات ما معناها؟ فيفسر لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما يسألون عنه، وسؤالات الصحابة رضوان الله عليهم مبحث لطيف يمكن أن يخرج في مقالة أو في كتيب لمن أراد أن يبحث فيه، يمكن أن يجمع هذه السؤالات ويحلل ويعرف ما هي الأشياء التي كان يسأل عنها الصحابة مما يتعلق بالقرآن، والمقصود هنا السؤالات التي فسرها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هناك نوعاً من السؤالات سألها الصحابة رضي الله عنهم فأجاب عنها الله سبحانه وتعالى في كتابه، مثل قوله سبحانه وتعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ [البقرة:222]، فهذا نوع من السؤالات.

    لكن المقصود هنا: أن يسألوه عن شيء في الآية، فيبين الرسول صلى الله عليه وسلم المعنى الذي خفي على الصحابة.

    ومن الأسئلة قوله سبحانه وتعالى في الذين آمنوا: لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [يونس:64]، فقد سأله عبادة بن الصامت وكذلك أبو الدرداء عن البشرى ما هي؟ فقال: ( هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له )، فنعرف من هذا التفسير النبوي أن البشرى في هذه الآية هي الرؤيا الصالحة التي يراها المؤمن أو ترى له.

    ومثل سؤالهم عن حياة الشهداء كما أخبر بذلك عبد الله بن مسعود : أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حياة الشهداء؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال عنهم: بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ [آل عمران:169].

    فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ( أن الشهداء أرواحهم في جوف طير خضر معلقة بالعرش تسرح في الجنة كيفما تشاء ).

    فهذا فيه بيان عن القرآن بسؤالات الصحابة.

    ومثله سؤال عائشة رضي الله عنها عن الحساب اليسير.

    ومثله أيضاً سؤال الصحابة عن آية الظلم، الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82]، فإذاً هناك جمع من أسئلة الصحابة رضي الله عنهم عن معاني الآيات.

    هذا نوع من أنواع التفسير النبوي المباشر.

    النوع الثاني من التفسير النبوي المباشر

    النوع الثاني: أن يبتدئ النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم بالتفسير، فيذكر الرسول صلى الله عليه وسلم مقطعاً من آية ويفسر لهم المراد بها، ومن أشهر الأمثلة على ذلك تفسيره صلى الله عليه وسلم لقوله سبحانه وتعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، قال: ( ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي )، فيفهم من ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم فسر القوة بالرمي، وهو صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الحال ذكر الآية ثم فسرها ابتداءً منه من دون أن يكون هناك سؤال أو استشكال من الصحابة رضي الله عنهم.

    القسم الثاني: السنة بعمومها

    القسم الثاني: السنة بعمومها؛ لأن السنة بعمومها شرح للقرآن، وسيأتي تفصيل لهذا عند الحديث عن مصادر التفسير عند المصدر الثاني وهو التفسير بالسنة، فأرجئ الحديث المفصل إلى هناك، لكن هنا يشار أن الرسول صلى الله عليه وسلم بحياته العملية وكذلك بأقواله الحديثية كان يفسر أو يترجم القرآن كما أخبرت بذلك عائشة رضي الله عنها (لما سئلت عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم فإنها قالت: كان خلقه القرآن).

    1.   

    الاجتهاد في التفسير في العهد النبوي

    في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ظهرت بذور الاجتهاد في التفسير، وهذه أيضاً تحسب في تاريخ التفسير بالرأي أو التفسير بالاجتهاد، وحينما أقول هنا: (بالرأي) دون التقييد فالمراد الرأي المحمود، ما دام أن ما فيه إشارة فالأصل أنه الرأي المحمود، يعني: في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ظهرت بذور التفسير بالرأي المحمود.

    ولا شك أن مثل هذه القضية تحتاج إلى أثر يثبت أن الصحابة رضوان الله عليهم كان لهم فهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

    ومن الأمثلة على ذلك: سؤالهم عن آية الظلم، ففي الأثر الذي يرويه ابن مسعود أنهم جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزلت: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82].

    لما نزلت هذه الآية استشكل الصحابة معنى الظلم، فقد فهموا من الظلم مطلق الظلم، فجعلوه عاماً في أي ظلم، فيدخل في ذلك عموم الذنوب، هذا فهم الصحابة، ولما جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: ( وأينا لم يظلم نفسه؟ أجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] )، العبد الصالح هو لقمان، والآية وردت في سورة لقمان، وسورة لقمان مكية.

    وهنا فائدة استطرادية وهي: أن هذا الحدث وقع في مكة لأنه قال: لما نزلت، فلما قال: لما نزلت، وأنهم استشكلوا، فيظهر والله أعلم أن هذا السؤال كان في مكة.

    أما دلالة هذا الأثر على وجود الرأي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاء إليه الصحابة بفهمهم حين فهموا الآية هكذا، هل الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم أن يفهموا القرآن؟ أو أنه أرشدهم إلى المعنى الصحيح؟

    أرشدهم إلى المعنى الصحيح، وعدم إنكاره صلى الله عليه وسلم عن أن يفهموا القرآن فيه هذه الدلالة، فدل على صحة أن يجتهدوا.

    كذلك أثر عدي بن حاتم المشهور الذي فيه أنه لما نزل قوله تعالى: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] عمد إلى عقالين أبيض وأسود ووضعهما تحت وسادته، فكان ينظر إلى هذين العقالين مرة بعد مرة، متى سيتبين العقال الأسود من العقال الأبيض في مثل هذه الحالة، إذا بان النور يعني: تعدى الأمر مرحلة الفجر، فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ليس هذا المراد إنما المراد ( بياض النهار وسواد الليل )، وأيضاً لم ينهه صلى الله عليه وسلم عن أن يفهم القرآن أو أن يتفهمه.

    كذلك عمرو بن العاص لما خرج بالسرية وكان معه بعض كبار الصحابة فأحدث وهو جنب، فتيمم وصلى بهم، يعني: أفتى نفسه؛ لأنه كان أمير السرية والأمراء يُتبعون، فصلوا معه، لكن لما رجعوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أخبروه بما فعل عمرو، فاستدعى عمراً وسأله لم فعل ذلك؟ فاستدل بآية: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29]، ففهم من هذه الآية أنه يجوز له أن يفعل هذا الفعل، فهذا رأي وتفسير وتأويل للآية.

    إذاً: هذه بعض الآثار التي تدل على أن الصحابة كانوا يفهمون القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانوا يعرضونه على الرسول صلى الله عليه وسلم بما فهموه.

    فالمقصود: أنه وقع للصحابة رأي وفهم للقرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإما أن يوافقهم كما حصل في قصة عمرو بن العاص ، وإما أن يبين لهم المعنى الصحيح.

    هذه إشارة سريعة إلى التفسير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    التفسير في عهد الصحابة

    يأتي بعد ذلك التفسير في عهد الصحابة:

    التفسير في عهد الصديق

    أبو بكر رضي الله عنه كانت مدة خلافته قصيرة، وكان أغلب مدة الخلافة منشغلاً بحروب الردة، وكان الصحابة كذلك منشغلين معه، والداخلون في الإسلام قليل؛ لأنها لم تبدأ الفتوحات المتسعة التي إنما بدأت في عهد عمر، لكن لا شك أنه لما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم سيرجع الناس بعد ذلك -سواءً من الصحابة أو من التابعين- إلى علماء الصحابة، وعلماء الصحابة: إما أن يكون عندهم بيان من النبي صلى الله عليه وسلم فيبينونه، وإما أن يبينوه على حسب ما عندهم من العلم، فيكون في هذا بداية الاجتهاد الفعلي في عهد الصحابة، يعني: في عهد الصحابة بدأ الاجتهاد الفعلي؛ لأنهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يمكن أن يعرضوه على الرسول فيبين لهم، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم صاروا هم المرجع في العلم عموماً ومنه علم التفسير.

    في فترة أبي بكر يلاحظ أن التفسير قليل، لكن هل كان لـأبي بكر بذاته تفسيرات؟

    كان رضي الله عنه يعد أعلم الصحابة، ومع ذلك فحين نراجع الكتب التي تروي التفسير المأثور عن الصحابة نجد أن الرواية عن أبي بكر قليلة جداً، ولذلك أسباب.

    فمن تفسيرات أبي بكر رضي الله عنه تفسير قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، وهو تفسير مشهور جداً، يقول قيس : قام أبو بكر رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس! إنكم تقرأون هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، وإنكم تضعونها على غير موضعها، ثم ذكر الحديث، فاعتمد في بيانه على حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

    ومن تفسيراته أيضاً المشهورة تفسيره لآية الكلالة، فقد اجتهد رضي الله عنه فيها برأيه، وغيرها من التفسيرات الواردة عنه، لكن كانت الرواية عنه وكذلك عن غيره من الصحابة في عهده قليل.

    التفسير في عهد الفاروق

    وعمر رضي الله عنه لا شك أن فترة خلافته كانت أطول، وكذلك كان فيها شيء من الاستقرار في المدينة وغيرها من الجزيرة، وبدأت الفتوحات في عهده وكثرت، واستتب الأمن حتى شمال الجزيرة إلا ما كان من الغزوات مع الروم يميناً أو يساراً.

    والمقصود هنا: أنه في عهد عمر استقرت الدولة، فـعمر رضي الله عنه بذاته كانت له مجالس علمية، ومن المجالس العلمية المشهورة جداً مجلس أصحاب بدر، فقد كان يصطفي لهم مجلساً خاصاً يتميزون به، وكان يدخل معهم الفتى ابن عباس وكان في ذلك الوقت صغيراً، وفي القصة المشهورة لما اعترض أصحاب بدر على عمر في إدخاله ابن عباس مع أن لهم أبناء في مثل سن ابن عباس ، فأراد عمر أن يبين لهم لماذا يدخل ابن عباس؟ وكان يدخله لعقله ولعلمه، فسأل ذات مرة عن سورة وهي سورة: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، وتعرفون ما أجاب به ابن عباس لما قال: (إنها أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم..)، وأيده بذلك عمر ، فهذا المجلس العلمي كان يضم من المسائل التي تطرح فيه شيئاً من التفسير.

    أيضاً كان لـعمر مجلس علمي خاص بالقرآن لصغار الصحابة، وأذكر هنا الرواية كاملة لفائدتها عموماً وهي تخص هذه القضية، يقول الطبري : حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد وهو: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ [البقرة:206].. إلى قوله: وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة:207]، قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا صلى الصبح وفرغ دخل مربداً له، فأرسل إلى فتيان قد قرءوا القرآن منهم ابن عباس و ابن أخي عيينة، قال: فيأتون فيقرءون القرآن ويتدارسونه، -وهذا محل الشاهد- قال: فإذا كانت القائلة انصرف، قال: فمروا بهذه الآية: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ * وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة:206-207]، قال ابن زيد : وهؤلاء المجاهدون في سبيل الله -هذا اعتراض من ابن زيد على الخبر- فقال ابن عباس لبعض من كان بجنبه، اقتتل الرجلان؛ لأنه يقول: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)[البقرة:207]، والآخر يقال له: اتق الله، إذاً عندنا إنسان يقال له: اتق الله من إنسان يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، ماذا سوف يحصل؟

    يقول ابن عباس : اقتتل الرجلان، قال: فسمع عمر ما قال، فقال: وأي شيء قلت؟ قال: لا شيء يا أمير المؤمنين، قال: ماذا قلت اقتتل الرجلان؟ قال: فلما رأى ذلك ابن عباس قال: أرى هاهنا من إذا أمر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم، وأرى من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله، فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالإثم، قال: قال هذا: وأنا أشتري نفسي، فقاتله فاقتتل الرجلان، فقال عمر : لله درك يا ابن عباس .

    إذاً: هذا الأثر يبين أن عمر رضي الله عنه كان له مجلس خاص بهؤلاء الفتيان يتعلمون ويقرءون القرآن ويتدارسونه.

    وأيضاً أرسل عمر رضي الله عنه إلى الأمصار معلمين، ومن أشهر هؤلاء المعلمين الذين أرسلهم ابن مسعود فقد أرسله معلماً للكوفة، وآثر أهل الكوفة به، قال: (آثرتكم به)، لأنه كان يريده بجواره، ولهذا كان أغلب علماء الصحابة عنده إلا من اشتدت حاجة المسلمين له فيرسله مثل ابن مسعود وأبي الدرداء وعمار وغيرهم.

    المقصود: أنه أرسل ابن مسعود فكان في الكوفة يعلم الناس العلم: الفقه والقراءة والتفسير؛ ولهذا فإن الرواية في التفسير عن ابن مسعود رضي الله عنه هي من طريق تلاميذه الكوفيين.

    وكان عند عمر جمع من علماء الصحابة وكان لهم تفسيرات رويت عنهم، مثل: علي بن أبي طالب ، وأبي بن كعب .

    التفسير في عهد عثمان

    في عهد عثمان رضي الله عنه يلاحظ بدء نبوغ ابن عباس وتصدره للتفسير، وكان ابن عباس رضي الله عنه قد ذهب إلى مكة، وكان يتردد بين مكة والطائف، وابن عباس يعتبر أكثر الصحابة تفسيراً، كما يعتبر أغلب تلاميذ التفسير من التابعين من تلاميذه.

    ومن هؤلاء: مجاهد بن جبر ، وهو الذي يقول: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية وأسأله عنها.

    ومنهم: سعيد بن جبير كان يأتي من العراق إلى ابن عباس ويأخذ عنه العلم.

    ومنهم: أربدة التميمي في ترجمته يقولون: راوي التفسير عن ابن عباس ، وله سؤال أورده الطبري لـابن عباس في آية من الآيات، مما يدل على أنه أخذ التفسير مباشرة من ابن عباس.

    ومنهم: أبو الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي يقول: جاورت ابن عباس ثنتي عشرة سنة، وما من القرآن آية إلا سألته عنها، وهو أيضاً أحد الرواة عن ابن عباس .

    ومنهم: جابر بن زيد ، ومقسم مولى ابن عباس ، وعكرمة مولى ابن عباس ، و أبو العالية ، وطاوس بن كيسان اليماني ، وعطاء بن أبي رباح المكي ، و عطية العوفي ، و أبو مجلد لاحق بن حميد ، وأبو رزين ، وأبو مالك غزوان الغفاري ، وأبو ظبيان ، وأبو صالح باذام وغيرهم ممن روى عن ابن عباس ، وهم جملة من التابعين رووا عن ابن عباس وأخذوا عنه التفسير، وكل هؤلاء الذين ذكرتهم لهم طرق وروايات عن ابن عباس في التفسير.

    التفسير في عهد علي بن أبي طالب

    علي بن أبي طالب رضي الله عنه أيضاً يعد من علماء الصحابة جملة لا من حيث الفقه ولا من حيث القراءة أيضاً، وحين ننظر إلى قراءة أهل الكوفة نجدها ترجع في أحد مراجعها إلى علي بن أبي طالب ، وكذلك في التفسير، حتى إنه ورد عن ابن عباس أنه قال: إن علم التفسير أخذه من علي بن أبي طالب .

    لكن علي بن أبي طالب وقع في أمره إشكال من جهة الشيعة الذين تشيعوا له وتحزبوا له فأدخلوا عليه رضي الله عنه في الفتوى وغيرها أموراً، يقول ابن القيم : وأما علي بن أبي طالب عليه السلام فانتشرت أحكامه وفتاويه، ولكن قاتل الله الشيعة فإنهم أفسدوا كثيراً من علمه بالكذب عليه؛ ولهذا تجدون أصحاب الحديث من أهل الصحيح لا يعتمدون من حديثه وفتواه إلا ما كان من طريق أهل بيته وأصحاب عبد الله بن مسعود كـعبيدة السلماني و شريح و أبي وائل ونحوهم.

    وكان رضي الله عنه وكرم وجهه يشكو عدم حملة العلم الذي أودعه، كما قال: (إن هاهنا علماً لو أصبت له حملة). يعني: عنده علم لكنه لا يجد تلاميذ بررة ينقلون عنه علمه رضي الله عنه.

    ووقف ذات مرة وقال: (سلوني سلوني سلوني، سلوني عن القرآن، فوالله ما من آية نزلت إلا وأنا أعلم أين نزلت وفيم نزلت). فكان رضي الله عنه يشتكي من هذه الإشكالية وهي عدم وجود التلاميذ الذين ينقلون علمه، وإن كان كما ذكر ابن القيم قد نقل علمه بعض هؤلاء الأعلام المشهورين.

    1.   

    تاريخ التفسير

    فيما يتعلق بتاريخ التفسير، هناك إشارات وملحوظات تتعلق بقضية تاريخ التفسير وهي استطراد في هذا.

    كتابة تاريخ التفسير بالمنظور الفقهي

    أول ملحوظة يحسن أن نلاحظها: أن الذين كتبوا في تاريخ التفسير كتبوه بمنظور فقهي، يعني: أنهم لما كتبوا ما يتعلق بتاريخ التفسير أو بطبقات المفسرين أو غيرهم تأثروا بتاريخ الفقه، والكتابة في تاريخ الفقه أو الكتابة في طبقات الفقهاء أسبق بكثير من الكتابة في طبقات المفسرين أو في تاريخ التفسير، فبعض المعاصرين لما كتب ما يتعلق بتاريخ التفسير سواءً كتبه ضمن كتاب أو كتابة مستقلة فإنه قد تأثر بتاريخ الفقه، فجعل التنظيرات التاريخية الموجودة في الفقه هي نفس التنظيرات التاريخية الموجودة في علم التفسير فطبق ما في تاريخ الفقه على تاريخ التفسير.

    1.   

    الأسئلة

    وجود زيادات تفسيرية في بعض مصاحف الصحابة

    السؤال: وجود زيادات تفسيرية في بعض مصاحف الصحابة مثل: (ثلاثة أيام متتابعات)؟

    الجواب: هذه إشارة جيدة، وهي الإشارة إلى أن بعض مصاحف الصحابة كان يكون فيها بعض بيان للمعاني؛ ولهذا يسميها بعض العلماء قراءة تفسيرية، مثل التي ذكرها الأخ قبل قليل، على أنها هل هي قراءة شاذة أو هي تفسير فأضافها ابن مسعود ؟ وهو يعلم أن مسألة التفسير قضية ليس هذا محلها، لكن يوجد في مصاحف بعض الصحابة بعض التفاسير.

    فهذا يمكن أن يدخل في التدوين لا شك، وهذه إشارة جيدة.

    كيفية تدوين تفسير سفيان الثوري

    السؤال: ما حقيقة تفسير سفيان؟

    الجواب: هذا في الحقيقة صعب الوصول إليه، فمثلاً: تفسير سفيان هل كتبه أو أملاه؟ يصعب إلا أن نجد من الآثار ما يدل على ذلك، هو ينسب إليه التفسير يقال: تفسير سفيان، قد تكون روايته غير رأيه، ففي الغالب روايته هو الذي دونها، ثم إما أنه أعطاها تلميذه يكتبها أو أملاها إلى آخره، لكن رأيه في الغالب تلاميذه هم الذين يكتبونه.

    سبب الرغبة في طلب علوم الحديث والزهد في طلب علوم القرآن

    السؤال: ما الرأي في توجه أغلب طلبة العلم لعلوم الحديث والزهد في علوم القرآن؟

    الجواب: اسأل طلبة العلم، اسأل كل واحد تراه منصرفاً قل له: ما هو السبب في الانصراف؟ والسبب والله أعلم عموماً أن هذه علة قديمة، يعني: المفسرون أقل من غيرهم، أقل من الفقهاء والمحدثين، وهذا معروف في تاريخ التفسير عموماً.

    علاقة الإباضية بالخوارج

    السؤال: يسأل عن الإباضية هل هم الخوارج؟

    الجواب: نعم، معتقدهم معتقد الخوارج، وقضية الكلام في المعتقدات ليس هذا محله، لكن هم من الخوارج.

    ترتيب التفاسير حسب الأولوية

    السؤال: يسأل عن تفسير ابن جزي يقول: ما رأيكم أن نجعله بعد تفسير ابن سعدي في درجة القراءة؟

    الجواب: هذا أكيد رأى فيه شيئاً فجعله، على العموم قضية ترتيب التفاسير وهذا أول وهذا ثاني هذه قضية اصطلاحية اجتهادية للغاية وليست توقيفاً، يوجد أحد قال لك: يقرأ ابن جزي قبل السعدي أو قال لك: اقرأ السعدي قبل ابن جزي. هذه قضايا اجتهادية لا تكون المسألة في مثل هذه الأمور محل خلاف أو محل مناقضات المسألة أيسر من ذلك بكثير، إذا كان عندك قدرة على أن تقرأ في ابن جزي فالحمد لله ما أحد يمنعك من ذلك، لكن لا شك أن تفسير السعدي من أيسر التفاسير وقريب العبارة، وفيه رحابة عبارات تجعل كثير من المتلقين يفهمون التفسير مباشرة، ومع الدروس القادمة يظهر لك جداً أنه لا غنى عن تفسير من التفاسير إذا كان فيه إضافات جديدة سواءً في طريقة العبارة، أو في التفسير كما سيأتي إن شاء الله.

    تأثر علم التفسير بعلم الكلام

    السؤال: هل أثر علم الكلام على علم التفسير؟

    الجواب: قطعاً هذا لا شك فيه مثلما فعل المعتزلة؛ ولهذا لما بدأ أصحاب العقائد وصار لهم تجمعات وصار لهم شوكة بدأت تخرج تفاسيرهم، فبدأت تخرج مثل تفاسير المعتزلة الذي ذكرت لك، ومنهم أبو بكر الأصم ، و قطرب كان معتزلياً كتب معاني القرآن على تفسير المعتزلة، والأخفش كتابه مطبوع وموجود وهو على المذهب الاعتزالي، وفيه ما يدل على ذلك ويتضح كثيرأ في بعض الآيات.

    سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756525144