إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الصلاة [84]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • السنة أن يقف المأمومون خلف الإمام في الصلاة، إلا إذا كان واحداً فعن يمينه، أما المرأة إذا أمت النساء فإنها تقف وسطهن، ولا ينبغي أن يتقدم المأموم على إمامه في الصف، فإن فعل فالصحيح أن صلاته لا تبطل.

    1.   

    الاختلاف في الأفعال بين الإمام والمأموم

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد:

    فقد قال المؤلف رحمه الله: [قال في المبدع: فإن كانت إحداهما تخالف الأخرى كصلاة كسوف واستسقاء وجنازة وعيد منع فرضاً].

    قول المؤلف رحمه الله: (منع فرضاً)، يعني: إن كانت صلاة المأموم تختلف عن صلاة الإمام، أو صلاة الإمام تختلف عن صلاة المأموم بالأفعال لم تصح الصلاة والاقتداء إذا كانت فرضاً، وعليه: فلا يصح من يصلي الفجر خلف من يصلي الاستسقاء، مثال ذلك: شخص ما صلى الفجر، فجاء والإمام يصلي صلاة الاستسقاء، على مذهب الحنابلة لا يصح؛ لاختلاف الصلاتين.

    وأما في التطوع فيجوز، مثلاً لو جاء والإمام يصلي صلاة الاستسقاء وقد صلى هو صلاة الاستسقاء، فأحب أن يجعلها سنة الفجر، فعلى المذهب يجوز، لأنهم قالوا: منع فرضاً، وسنة الفجر ليست بفرض؛ فدل ذلك على جوازها.

    ثم قال المؤلف رحمه الله: [وقيل: نفلاً]. يعني: منع مطلقاً، سواء كان المأموم متنفلاً أم مفترضاً؛ لأن الاختلاف هنا يؤدي إلى المخالفة في الأفعال، والمذهب هو الأول.

    وذهب أبو العباس بن تيمية رحمه الله إلى أبعد من ذلك: فصحح صلاة المفترض خلف من يصلي صلاة الجنازة، وقال: إذا كبر يصلي معه، فإذا كبر الثانية يركع، وإذا كبر الثالثة يرفع رأسه من الركوع، وإذا كبر الرابعة يسجد، وإذا سلم فارقه، وهذا فيه إشكال، لأن الصلاة هنا تختلف تماماً فلم يقتد بالإمام أصلاً؛ لأن هذا يركع وهذا يكبر قائماً، فتكبيرته الثانية لم تكن بدلاً عن الركوع حتى يصح الاقتداء، ولكنها أصل بذاتها وهي نوع من التكبير الواجب، ولهذا مذهب الجمهور على عدم الصحة، وهذا الذي يظهر والله أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: [فيؤخذ منه صحة نفل خلف نفل آخر لا يخالفه في أفعاله، كشفع ووتر خلف تراويح حتى على القول الثاني].

    هذا هو الصحيح، حتى على القول الثاني والله أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: (حتى على القول الثاني)، يعني: حتى على الذين يقولون بالنفل؛ لأن هذا لا يؤدي إلى المخالفة، ففرق بين من يصلي سنة الفجر خلف من يصلي الاستسقاء، فهذه المخالفة حاصلة، لكن من يصلي الشفع والوتر خلف من يصلي التراويح؛ فهذا ليس فيه بأس والله أعلم.

    1.   

    موقف الإمام والمأمومين في الصلاة

    قال المؤلف رحمه الله: [فصل في موقف الإمام والمأمومين، السنة أن يقف المأمومون رجالاً كانوا أو نساءً إن كانوا اثنين فأكثر خلف الإمام، لفعله صلى الله عليه وسلم ( كان إذا قام إلى الصلاة قام أصحابه خلفه )، ويستثنى منه إمام العراة يقف وسطهم وجوباً، والمرأة إذا أمت النساء تقف وسطهن استحباباً].

    موقف المأمومين في الصلاة

    قول المؤلف رحمه الله: (فصل في موقف الإمام والمأمومين)، يعني: ما هو موقف الإمام والمأمومين، سواء كان في الفرض أو النفل في صلاة الجماعة؟ قال المؤلف: (السنة أن يقف المأمومون رجالاً كانوا أو نساءً إن كانوا اثنين فأكثر خلف الإمام)، ولا شك أن هذه العبارة فيها تجوز، والأولى ألا يذكر النساء؛ لأن النساء يقفن خلف الرجل وجوباً ولو كانت واحدة، وليس بسنة، ولو قال: السنة أن يقف المأمومون رجالاً إن كانوا اثنين فأكثر أو نساء وجوباً خلف إمام، لكانت العبارة أضبط.

    قال المؤلف رحمه الله: (السنة)، أفاد على أنه لو صلى إمامهم وسطهم جاز مع خلاف السنة، ومما يدل على أن المأمومين إذا كانوا اثنين فأكثر فإنهم يصلون خلف الإمام، ما جاء في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال: ( فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بالماء فصلى بنا، فقمت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا ).

    الدليل الثاني: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله حينما جاء هو و جبار بن صخر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي قال: ( فقمنا أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فأخذ بأيدينا وأقامنا خلفه )، وهذا يفيد فائدتان:

    الفائدة الأولى: أنه لا بأس بمصافة الإمام؛ لأنه لو لم تكن صحيحة لأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ابتداءهما.

    الفائدة الثانية: أنه حينما جاء جابر و جبار بن صخر فكان أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، يفيد أن ذلك كان في أول الإسلام جائز، ومما يدل على ذلك: أن بعض الصحابة لم يعلم النسخ، ولذا روى مسلم في صحيحه أن الأسود بن يزيد و علقمة أتيا ابن مسعود فقالا: أصلى هؤلاء خلفكم؟ قلنا: إنما انصرفنا الساعة من الظهر، قال: قوموا فأصلي بكم، فأمنا من غير أذان ولا إقامة، قال: فذهبنا لنقوم خلفه فأخذ بأيدينا، فأقام أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله وقال: (إذا كنتم ثلاثة فليكن إمامكم وسطكم، وإذا كنتم أكثر من ذلك؛ فليؤمكم أحدكم)، وهذا إنما قاله ابن مسعود وإن كان في صحيح مسلم ، لكن هذا إنما كان في أول الإسلام ثم نسخ، والنسخ يفيد الاستحباب.

    قال المؤلف رحمه الله: (ونساء)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها )، رواه مسلم .

    قال المؤلف رحمه الله: (لفعله صلى الله عليه وسلم (كان إذا قام إلى الصلاة قام أصحابه خلفه)، ويستثنى منه إمام العراة يقف وسطهم وجوباً)، وهذا تقدم معنا في شروط الصلاة، وقلنا: لأجل ألا تنكشف عورته ويراه المأمومون والله أعلم.

    موقف الإمام في الصلاة

    وأما قيام الإمام وخلفه المأمومون، فإن بعض أهل العلم قال: يكون الإمام وسط الصف، واستدلوا بحديث: ( وسطوا الإمام )، وهذا الحديث رواه أبو داود ، وهو حديث ضعيف، وجاء أيضاً حديث عند أبي داود: ( إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون في ميامن الصفوف )، وهذا حديث ضعيف، والراوي أخطأ فيه، والصحيح: ( إن الله وملائكته يصلون على الذي يصلون الصفوف )، وهذه هي الرواية الصحيحة، وهي رواية مالك وغيره، وأما رواية: ( ميامن الصفوف ) فإنها منكرة، والله أعلم.

    والسنة أن يكون المأموم قريباً من إمامه، سواء كان ذلك عن يمين الصف أو عن شماله، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ليلني منكم أولو الأحلام والنهى )، رواه مسلم من حديث أبي مسعود البدري ، ولما روى مسلم أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تقدموا وائتموا بي وليأتم بكم من وراءكم )، إلا أنه يستحب إذا تفاوتت الصفوف وصار القرب واحداً اليمين والشمال، فالأفضل أن يذهب إلى اليمين؛ لما روى مسلم في صحيحه من حديث البراء : ( كنا نحب أن نكون عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا سلم التفت فاستقبلنا بوجهه )، الحديث، وهذا يدل على أن الصحابة فعلوا ذلك، وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

    وعلى هذا: فإذا جاء المأموم وراء الصف يكون عن اليمين أو الشمال.

    وأما قول بعض الأئمة: عدلوا الصف يا جماعة! يعني اجعلوه متساوياً، هذا ليس له أصل، وأما حديث: ( وسطوا الإمام )، فهو ضعيف، ولكن الأفضل القرب من الإمام، فإن تساوى فالأفضل اليمين لحديث البراء ، والله أعلم.

    موقف المرأة في الصلاة إذا كانت إمامةً للنساء

    قال المؤلف رحمه الله: (والمرأة إذا أمت النساء تقف وسطهن استحباباً)، لما روى عبد الرزاق و ابن المنذر عن عائشة أنها كانت تؤم نساءها وتكون وسطهن، وكذلك جاء عند البيهقي من حديث أم سلمة ، وهذا يفيد جواز إمامة المرأة بمثلها من النساء كما تقدم، وتكون وسطهن والله أعلم.

    موقف المأمومين عن جانبي الإمام

    قال المؤلف رحمه الله: [ويصح وقوفهم معه أي مع الإمام عن يمينه أو عن جانبيه؛ لأن ابن مسعود صلى بين علقمة و الأسود وقال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل].

    قول المؤلف رحمه الله: (يصح)، وذلك لأمور: الأول: أن هذا كان في أول الإسلام، لما روى مسلم في صحيحه من حديث ابن مسعود : أنه صلى بـعلقمة والأسود فأخذ أحدهم عن يمينه والآخر عن شماله، وأما قوله: (هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل)، فهذا القول لم يروه مسلم ، وإنما رواه أبو داود و النسائي و أحمد.

    فهذا العمل من ابن مسعود كان في أول الإسلام، كما ذكر ذلك الحازمي و البيهقي و أبو العباس بن تيمية وغيرهم.

    ومما يدل على جواز أن يكون الإمام وسطهم ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله حينما كان عن يمين الرسول صلى الله عليه وسلم والآخر وهو جبار بن صخر عن شماله .

    ومما يدل على جواز ذلك أيضاً: ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس أنه قال: ( فقمت فجعلت أمسح النوم عن وجهي فقمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بشحمة أذني حتى أقامني خلفه )، فهذا يفيد أن المأموم عندما كان عن يسار الإمام جاز ذلك والله أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: [ وقال ابن عبد البر : لا يصح رفعه، والصحيح أنه من قول ابن مسعود ].

    يعني: أن رواية (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل) رواية ضعيفة، والصحيح أنه من فعل ابن مسعود ، كما روى ذلك مسلم في صحيحه، وفعل الصحابي يدل على الجواز، ولو لم يرد مرفوعاً، ولكنه يفيد أيضاً أنه كان في أول الإسلام، وحديث جبار بن صخر و جابر يفيد الجواز والله أعلم.

    تقدم المأموم على الإمام

    قال المؤلف رحمه الله: [لا قدامه، أي لا قدام الإمام فلا تصح للمأموم ولو بإحرام؛ لأنه ليس موقفاً بحال، والاعتبار بمؤخر القدم وإلا لم يضر].

    قول المؤلف رحمه الله: (لا قدامه)، يعني: لا يصح أن يتقدم المأموم إمامه، فإن تقدم المأموم إمامه ولو شبراً لم تصح صلاة المأموم.

    قال المؤلف رحمه الله: (والاعتبار بمؤخر القدم)، يعني العبرة بمؤخرة القدم ليس بالأصابع، فلو كان المأموم مؤخرة قدمه أقرب إلى القبلة من الإمام لم تصح صلاة المأموم، وكذلك صلاة الإمام على المذهب لا تصح؛ لأن الإمام نوى الإمامة، ولا إمامة إذاً، وقلنا: إن الصحيح جواز ذلك وهو مذهب الشافعية؛ لأننا نقول: الصحيح أن صلاة المأموم وإن كانت فرعاً عن صلاة إمامه، لكنها ليست عن كل وجه، وهذا منها كما هو اختيار ابن تيمية رحمه الله في مسألة أحوال المأموم مع إمامه هل هي فرع؛ أم كل أحد صلاته مستقلة كما هو مذهب الشافعي .

    على كل حال: الحنابلة يرون أنها لا تصح الصلاة إذا تقدم المأموم ولو مقدار شبر أو أقل، وهذا مذهب الجمهور.

    والقول الثاني في المسألة: صحة ذلك، وهو مذهب مالك إذا أمكن الاقتداء، مالك يرى أن المأموم لا بأس أن يتقدم على الإمام.

    والقول الثالث في المسألة: وهو رواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس أنها تصح مع الحاجة، والله أعلم.

    والحاجة مثل صلاة الجمعة، أحياناً هناك مساجد في أوروبا تكون صغيرة، وممنوع أن تصلي بالشارع، ماذا يعملون؟ أحياناً تكون بوابة المسجد متقدمة على الإمام ويمكن أن يصلى فيها، فيتقدم ويصلي ولا حرج إن شاء الله.

    ثم اعلم أن الحنابلة في مثل هذا بالغوا في مسألة الاعتبار في التقدم، فلو أنه صلى وتقدم مقدار شبر أو أقل لم تصح الصلاة عندهم؛ لأنهم يعتبرونه نوع تقدم، ولهذا تجدون في المناهج يقول: لا بد من تقدم الإمام.

    والحنابلة يقولون: تقدم الإمام لأمرين: الأول: لأجل معرفة الإمام، والثاني: خوفاً من أن يقدم المأموم إمامه في بعض الصلاة، لأنه لو تقدم في بعض الصلاة لم تصح، والصحيح جواز ذلك للحاجة، وعليه فلو تقدم يسيراً لا حرج والله أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: (فلا تصح للمأموم ولو بإحرام)، يعني: ولو تقدم على إمامه بتكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته، يقولون: لأنه ليس موقفاً للمأموم بحال، والصحيح جواز ذلك للحاجة وهو القول الثالث؛ لأن المقصود الأعظم من الإمامة هي الاقتداء، والاقتداء حاصل برؤية الإمام أو رؤية من خلفه أو سماع الإمام والله أعلم، وهذا القول أظهر.

    قال المؤلف رحمه الله: [والاعتبار بمؤخر القدم وإلا لم يضر]، يعني: لو تقدمت أصابع المأموم على أصابع إمامه جاز ولم يضر دون مؤخرة القدم، لأن الاعتبار بالمصافة إنما هي بالأكعب والمناكب، قال أنس : (فرأيت الرجل يلصق كعبه بكعب صاحبه).

    موقف المأموم إذا صلى قاعداً

    قال المؤلف رحمه الله: [وإن صلى قاعداً فالاعتبار بالإلية].

    لأنها محل القعود، لأن بمجرد القعود صار مقعدته بمثابة القدمين، فصار القعود بدلاً عن القيام، فيأخذ حكمه والله أعلم، وعلى هذا: فالذين يصلون وهم جلوس على كراسيهم، فالاعتبار ليس بالأرجل بأن يؤخروها، ولكن الصحيح بالمقعدة، والله أعلم.

    وإذا ابتدأ الصلاة واقفاً فلا بد أن يكون على رجله، يصلي ثم يتقدم، يصلي أول شيء قائماً، ثم إذا جلس يتقدم.

    لعلنا نقف عند هذا والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756208552