إسلام ويب

مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [11]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يسن عيادة المريض المسلم، ويستحب الدعاء له، وتلقينه الشهادة عند احتضاره، فإذا فاضت روحه سن إغماض عينيه وتغطيته، واستحب الدعاء له، وألا يقول العبد عند الوفاة إلا خيراً؛ لأن الملائكة تؤمن على ما يقوله.

    1.   

    باب صلاة الكسوف

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: صلاة الكسوف.

    عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فأطال القيام جداً ثم ركع فأطال الركوع جداً، ثم رفع رأسه فأطال القيام جداً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع جداً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم رفع رأسه فقام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تجلت الشمس، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الشمس والقمر من آيات الله، وإنهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فكبروا وادعوا الله وصلوا وتصدقوا، يا أمة محمد! إن من أحد أغير من الله أن يزنى عبده أو تزنى أمته، يا أمة محمد! والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً، ألا هل بلغت؟ ). وفي رواية مالك : ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ) ].

    الجمع بين الروايات المختلفة في صفة صلاة الكسوف

    هنا مسألة وهي أنه قد جاءت في أحاديث أخرى صفات تخالف ما جاء في حديث عائشة كحديث جابر وحديث علي، فهل يقال بترجيح حديث عائشة على حديث علي وحديث جابر ، أم يقال بأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا وفعل هذا؟

    أقول: إنه لا يتأتى الجمع إلا إذا ثبت أنه خسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، والمحفوظ أن الشمس لم تنخسف في عهده صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة، وبالتالي فلا بد أن يكون أحدهم أصاب والبقية أخطأوا؛ ولهذا فالذي يظهر والله أعلم هو سبيل الترجيح، وأن يكون حديث عائشة أصح من حديث جابر وإن رواه مسلم في صحيحه.

    فبعضهم يقول: صلاتها كصلاة الفجر، وهذا قول لـأبي حنيفة ، أن تصلى صلاة الخسوف كصلاة الفجر، وبعضهم يقول: في كل ركعة ثلاثة ركوعات، وأقول: الصحيح هو حديث عائشة.

    الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف

    هل تصلى صلاة الكسوف -يقال: خسوف الشمس أو كسوف الشمس، وخسوف القمر أو كسوف القمر، لكن الفقهاء جعلوا الخسوف في القمر والكسوف في الشمس- هل تصلى جهراً أم سراً؟

    بعض العلماء وهو رواية عند أحمد وقول لبعض أهل الظاهر قال: إنها تصلى سراً إذا كانت في النهار، يعني: كسوف الشمس، واستدلوا على ذلك بأن حديث عائشة ليس فيه ما يدل على أنه كان يجهر.

    وذهب الجمهور وهو المذهب عند الحنابلة، وهو مذهب مالك و الشافعي : إلى أن صلاة الكسوف يجهر بها كجمعة وعيد، فكل ما يشرع له الاجتماع لسبب يشرع فيه جهر الصلاة، وهذه قاعدة عندهم: كل ما يشرع له الاجتماع لسبب يشرع له الجهر في النهار كانت أم في الليل، وهذا أصح، وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يبين ما هي القراءة أو السور التي قرأها فالذي يظهر -والله أعلم- أنه لم يقرأ سورة واحدة أو في كل ركعة سورة، بل قرأ سورة طويلة، وجاء في بعض الروايات أنها البقرة، ولكن لم يصح في ذلك حديث، والله أعلم.

    أما وجه عدم الجهر في صلاة الجنازة دون غيرها فلأن صلاة الجنازة واجبة، إما فرض كفاية أو فرض عين، لكن الصلوات الأخرى الراجح أنها ليست فرض كفاية، الراجح أنها سنة مؤكدة، فالحنابلة والجمهور يفرقون بين صلاة الجماعة وبين الصلاة الأخرى.

    مسائل متعلقة بصلاة الكسوف

    قوله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا رأيتموهما فكبروا )، هذه من السنن المندثرة في زماننا هذا وغيره، وهو مشروعية التكبير في خسوف القمر أو في كسوف الشمس. وكذلك من السنن المهجورة: الصدقة، ويمكن للإنسان أن يتصدق ولو عن طريق ما يسمى بالأمر المستديم، إذا لم يجد فقيراً يذهب إلى البنك أو الإنترنت فيتصدق عن طريق الأمر المستديم، فإنه يحصل في ذلك الأجر إن شاء الله.

    وقوله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا رأيتموها ) دلالة على أن العبرة بالرؤية أو إمكانية الرؤية، وأما إذا قال الفلكيون أن القمر يخسف أو أن الشمس تكسف ولا يمكن رؤية ذلك فإنه لا يشرع الصلاة حتى يتمكن الرؤية.

    وقوله: ( فإذا رأيتم ذلك )، دلالة أيضاً على أنه لو خسف القمر وطلع الفجر فإذا أمكن رؤية خسوف القمر فإنه يشرع الصلاة خلافاً للمذهب عند الحنابلة، فإنهم قالوا: لا يشرع لذهاب سلطانه، والصحيح: أنه يشرع ذلك ما دام أن الرؤية ممكنة، حتى ولو كان بعد صلاة الفجر، حتى ينتشر النهار ويذهب سلطانه بحيث لا يميز الرائي بين الخسوف وغيره، هذا هو الراجح، والله أعلم.

    وقوله: ( فادعوا الله وصلوا )، لو صلوا والقمر ما زال خاسفاً أو الشمس ما زالت كاسفة فالجمهور على أنه لا تعاد الصلاة جماعة، لكن لو صلى كل واحد وحده فلا حرج؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( فادعوا الله وصلوا وتصدقوا حتى ينجلي ما بكم )، كما في رواية أبي موسى الأشعري في الصحيحين، فقوله: ( حتى ينجلي ما بكم ) وهذا دليل على مشروعية الصدقة والصلاة حتى ينجلي، فإن كان الوقت يسيراً فإنه يتصدق ويدعو الله أن يفرج هذه الغمة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    فإن كان في الصلاة ثم زال الخسوف أو الكسوف فإنه يصليها خفيفة، فالذي يظهر والله أعلم أن رواية: (تصدقوا) صحيحة، وقد رواها البخاري و مسلم.

    التعليق على ما رواه مسلم في صفة صلاة الكسوف أنها ثمان ركعات

    قال المؤلف: [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات ) ].

    هذا من الأحاديث التي رواها مسلم ، فإذا كان ثمان ركعات في أربع سجدات فإنه يكون في كل ركعة أربع ركوعات، وهذا مما تفرد به مسلم والصحيح خلاف ذلك، لكني أقول: لو صلى صلاة الخسوف أو الكسوف كفجر أو بما جاء في بعض الروايات عن علي فلا حرج، ففعل الصحابة يدل على الجواز، لكن السنة أحق أن تتبع.

    1.   

    باب في صلاة الاستسقاء

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: في صلاة الاستسقاء.

    عن عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى يستسقي، وأنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه ). وفي رواية: ( فجعل إلى الناس ظهره يدعو الله, واستقبل القبلة, وحول رداءه ثم صلى ركعتين) ].

    هذا الحديث متفق عليه.

    وفي زيادة: ( ثم صلى لنا ركعتين جهر فيهما بالقراءة ).

    الجهر في صلاة الاستسقاء

    وهذا يدل على استحباب الجهر في صلاة الاستسقاء.

    وفيه فائدة أيضاً: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زيد بدأ بالخطبة قبل الصلاة، وذهب الجمهور إلى أن السنة أن تصلى الصلاة قبل الخطبة، لحديث ابن عباس : ( فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يصلي في العيد ) ففهم بعض الفقهاء أن قوله: ( كما يصلي في العيد ) يعني أن تقدم الصلاة قبل الخطبة، والذي يظهر والله أعلم أن قصد ابن عباس صفة الصلاة لا من حيث التقديم أو التأخير تصلى كما تصلى صلاة العيد، هذا هو الظاهر، وقد جاء عند أهل السنن من حديث أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم الصلاة على الخطبة ) ولكن هذا في سنده ضعف، ولكني أقول: وإن كان السنة أن تصلى الصلاة بعد الخطبة لكن يجوز أن تصلى الصلاة قبل الخطبة؛ وذلك لأن هذا كان مشهوراً في عهد الخلفاء الراشدين، والقاعدة كما أشار أبو العباس بن تيمية : أن كل سنة أو كل فعل فعل في عهد الخلفاء الراشدين من غير نكير فليس ببدعة.

    قلب الرداء في صلاة الاستسقاء

    في حديث عبد الله بن زيد مسألة -كثيراً ما يخالف فيها الناس- وهي أن السنة في قلب الرداء أن تكون بعد الدعاء؛ وذلك لأنه استقبل القبلة ثم دعا وحول رداءه، وأكثر الناس اليوم إذا انتهى الخطيب من خطبته واستقبل القبلة يحول رداءه ثم يدعو، وإن قلب قبل الدعاء لا حرج، لكن الأقرب والله أعلم أن يقلب رداءه بعد الانتهاء من الدعاء تفاؤلاً بالإجابة، والإجابة لا تتأتى إلا بعد الدعاء.

    وبعض الفقهاء يقول: إن قلب الرداء يكون للإمام خاصة، وأقول: لم يثبت عندي أن الصحابة قلبوا أرديتهم بعدما قلب، لكن ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم دلالة على ثبوته عند غيره؛ لأن هذا يشمله قوله صلى الله عليه وسلم: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، ولأن الصحابة كانوا يقتدون به في كل ما يفعله على المنبر حتى أنه لما صلى على المنبر صلى الصحابة، وقال: ( لتعلموا صلاتي ) كما في حديث سهل بن سعد الساعدي ، فالذي يظهر والله أعلم أن المأموم يقلب رداءه كما يقلب الإمام.

    ثم إن السنة الجهر بالقراءة كما هو مذهب جمهور الفقهاء، والله أعلم.

    مشروعية حسر الثوب لإصابة الماء للجسد عند نزول المطر

    قال المؤلف رحمه الله: [ عن أنس رضي الله عنه قال: ( أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله! لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

    وفيه مشروعية أن يصيب الماء جسدك، قوله: (فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه)، يطلق الثوب على ما لم يكن له أكمام ولم يفصل على البدن، مثل الإزار والرداء يسمى ثوباً؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( أو لكلكم ثوبان )، وأما إذا فصل على قدر العضد فيسمى قميصاً، هذا كلام بعض علماء اللغة، والذي يظهر والله أعلم أنه لا بأس بإطلاق القميص على الثوب. وفيه مشروعية حسر الرأس أو غيره.

    وقوله: ( لأنه حديث عهد بربه ) ليس معنى ذلك أن المطر ينزل من فوق السماوات السبع بل المعروف أن المطر ينزل من السحب، وقوله: ( لأنه حديث عهد بربه ) يحتمل أن المعنى: إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى عالم بخلقه، ويحتمل أن معنى ( لأنه حديث عهد بربه ) يعني: أنه نزل بأمره سبحانه، وكل أمر من أوامره حديث عهد به تعالى، لكنه يخص في ذلك المطر، والله أعلم.

    1.   

    باب في التعوذ عند رؤية الريح والغيم والفرح بالمطر

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب في التعوذ عند رؤية الريح والغيم, والفرح بالمطر.

    عن عائشة رضي الله عنه زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به، قالت: وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سري عنه فعرفت ذلك في وجهه، قالت عائشة : فسألته فقال: لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا [الأحقاف:24] ) ].

    الحديث رواه البخاري و مسلم ، إلا أن البخاري لم يرو: ( إذا عصفت الريح قال: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ) إنما روى التعوذ من شرها، ( وإذا تخيلت السماء ... ) الحديث، فيكون ( اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ) تفرد بها مسلم.

    وفيه خوف النبي صلى الله عليه وسلم مع حسن العمل وفي زماننا كثر الرجاء مع قلة وتقصير في العمل، والله المستعان.

    1.   

    باب في ريح الصبا والدبور

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب في ريح الصبا والدبور.

    عن ابن عباس رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور) ].

    هذا الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس.

    قوله: ( نصرت بالصبا ) يعني: بالريح الشرقية كما في غزوة الخندق، ( وأهلكت عاد بالدبور) هي الريح الغربية والشمالية والجنوبية في الغالب، فالشمالية تأتي في البرد، والجنوبية تأتي في الصيف في الغالب، لكن قوله: (بالصبا) يعني: تكون شرقية تميل إلى الشمال؛ لأنها كانت في الخندق باردة، فكانت شمالية أو شرقية شمالية، والتي أهلكت عاداً كانت غربية جنوبية، والله أعلم.

    1.   

    كتاب الجنائز: باب في عيادة المرضى

    قال المؤلف رحمه الله: [ كتاب الجنائز: باب: في عيادة المرضى.

    عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ( كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من الأنصار فسلم عليه، ثم أدبر الأنصاري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أخا الأنصار! كيف أخي سعد بن عبادة ؟ فقال: صالح. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يعوده منكم؟ فقام وقمنا معه ونحن بضعة عشر ما علينا نعال ولا خفاف ولا قلانس ولا قمص، نمشي في تلك السباخ حتى جئناه، فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين معه ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

    في هذا الحديث فائدة وهي حرص النبي صلى الله عليه وسلم على زيارة أصحابه، ولو كان في ذلك مشقة عليه بأبي هو وأمي، وقد كان معه من الصحابة من خرجوا وما عليهم نعال ولا خفاف ولا قلانس ولا قمص يمشون في تلك السباخ لأجل زيارة قريب، وبعض الناس لا يزور قريبه إلا إذا كان عنده بحبوحة من وقت، فينبغي خاصة إذا كان المريض يسره زيارة طالب العلم أن يزوره، والله أعلم.

    وهناك مسائل أخرى منها:

    الأولى: قوله صلى الله عليه وسلم: ( من يعوده منكم؟ ) فيه فائدة وهي أنه لا يشق على الزائر؛ لأن بعض الزوار يكون عنده ارتباطات كثيرة، وربما لو ذهب في الوقت الذي يذهب إخوانه معه يشق ذلك عليهم؛ ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( من يعوده منكم؟ ).

    الثانية: هي حسن الأدب مع الضيف، فقد تأخر أصحاب سعد حتى يتقدم الضيف وهو محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال: ( فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ).

    1.   

    باب ما يقال عند المريض والميت

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: ما يقال عند المريض والميت.

    عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، قالت: فلما مات أبو سلمة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إن أبا سلمة قد مات، قال: قولي: اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة، قالت: فقلت: فأعقبني الله من هو خير لي منه محمداً صلى الله عليه وسلم ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

    وهذا الحديث يدل على أن الواجب على الذين يزورون الميت أو أهل الميت ألا يكون حديثهم جانبياً بل يدعون، يدعو الزائر ويرفع صوته بذلك يذكر أصحابه والناس جميعاً، لعلهم يؤمنون على أقل تقدير؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ).

    وكذلك عند زيارة المريض ينبغي أن تقول: ( بسم الله بسم الله بسم الله، أعوذ بكلمات الله التامات الذي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ينزل إلى الأرض ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق يطرق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن )، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقوله إذا خاف شيئاً كما في رواية أبي يعلى حينما جاءه الجن فقال ذلك فهربوا.

    أو يضع يده على مكان ما يؤلم المريض، ثم يقول: بسم الله بسم الله (بسم الله، أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ويعافيك، أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ويعافيك) (سبع مرات).

    1.   

    باب تلقين الموتى لا إله إلا الله

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: تلقين الموتى لا إله إلا الله.

    عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

    معنى ( لقنوا موتاكم ) يعني: من حضره الموت، وهذا خلاف لما يظنه بعض الناس عندما يموت الميت يقال له: يا فلان! إذا سألك منكر ونكير: من ربك؟ فقل: ربي الله، وإذا سألك: ما دينك؟ قل: ديني الإسلام، وإن سألك: من رسولك؟ قل: محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا التلقين لا يصح.

    وقوله: ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) ذكر الحنابلة وغيرهم: أن الأفضل أن يقول: لا إله إلا الله، فيكثر من التهليل، ولا يقول له: قل؛ خوفاً أو خشية من أن يتضجر ويقول: لا، والذي يظهر والله أعلم أنه لا بأس أن يقول: يا فلان! قل: لا إله إلا الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين حينما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل و عبد الله بن أبي أمية فقال: ( يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله ) فهذا يدل على أن كلمة (قل) لا حرج فيها إن شاء الله.

    1.   

    باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.

    عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، فقلت: يا نبي الله! أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت. فقال: ليس كذلك ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، ولكن جاء في حديث عبادة بن الصامت ومن حديث أبي موسى مما رواه البخاري و مسلم قريباً من ذلك والله أعلم، وإلا فإن حديث عائشة وقد رواه مسلم .

    قال المؤلف رحمه الله: [ وفي رواية عن شريح بن هانئ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قال: فأتيت عائشة فقلت: يا أم المؤمنين! سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً إن كان كذلك فقد هلكنا، فقالت: إن الهالك من هلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، وليس منا أحد إلا وهو يكره الموت، فقالت: قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بالذي تذهب إليه، ولكن إذا شخص البصر وحشرج الصدر واقشعر الجلد وتشنجت الأصابع، فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ).

    هذا الحديث متفق عليه، والفرق بينه وبين الحديث الأول: هو أن عائشة رضي الله عنها في الحديث الأخير هي التي فسرت ذلك من قولها، وأما في حديثها الأول: فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها أنه: إذا حصلت الغرغرة ورأى العبد مكانه من الجنة إن كان من أهل الجنة ومكانه من النار إن كان من أهل النار، فعند ذلك إذا أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، وأما عائشة فإنها فسرت ذلك بحال الانقطاع من الدنيا والإقبال على الآخرة.

    1.   

    باب في حسن الظن بالله تعالى عند الموت

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: في حسن الظن بالله تعالى عند الموت.

    عن جابر قال: ( سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بثلاث، يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم.

    قد استدل بعض العلماء بهذا الحديث على أنه حال الاحتضار، والانقطاع من الدنيا يغلب الرجاء، وأما حال السلامة فيغلب الخوف، وهذه طريقة سفيان الثوري و الفضيل بن عياض و عبد الله بن المبارك وغيرهم.

    وذهب بعض العلماء إلى أن الأفضل أن يكون رجاؤه وخوفه سواء، فإذا أذنب خافه، وإذا تاب رجاه، وعلى هذا تكون حياته، وهذا الأفضل، والله أعلم.

    وبعض العلماء وهم أكثر السلف: يرون أن يكون رجاؤه وخوفه سواء، فإذا أذنب خافه وإذا تاب رجاه، هذا الذي يظهر.

    وكذلك في مواطن الدعاء والطمع في الإجابة فإنه يغلب جانب الرجاء، وفي المواطن التي تكون فيها آيات ونذر يغلب جانب الخوف، كما لو أن هناك كسوف أو تغير سماء وغير ذلك، كما كان محمد صلى الله عليه وسلم يصنع، فليس السلامة مطلقاً يغلب فيها الخوف، وليس المرض مطلقاً يغلب فيه الرجاء، فإن ابن عمر حينما زار ابن عامر وقد كان على الكوفة، فقال: يا ابن عمر ! ألا تدع الله لي، وقد زاره وهو مريض كما رواه مسلم ، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يقبل الله صلاة من غير طهور، ولا صدقة من غلول ) وقد كنت على البصرة. يعني: خف ربك، تب إلى الله.

    1.   

    باب: إغماض الميت والدعاء له إذا حضر

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: إغماض الميت والدعاء له إذا حضر.

    عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله، فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، ثم قال: اللهم اغفر لـأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره ونور له فيه ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

    هذا الحديث يفيد أنه إذا حضر الإنسان ميتاً فإنه يدعو له بهذا الدعاء العظيم: ( اللهم اغفر لـأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره ونور له فيه )، وإذا كان ليس له ولد لا يقول: ( واخلفه في عقبه في الغابرين )؛ لأن العقب هم أولاده، ولا بد أن يكون الدعاء مناسباً لحال المدعو له.

    فإن قال قائل: متى يقال هذا الدعاء؟ فيقوله عند سماعه خبر وفاته، ولو قاله عند أحد حتى يؤمنوا أو زار ميتهم، أو زار أهل الميت ودعا بهذا الدعاء، فهذا حسن.

    أما معنى العقب في قوله: (واخلفه في عقبه في الغابرين) فالمعروف في العقب كما جاء: ( ما تعدون الرقوب فيكم وغيره ) فكل هذا يفيد على أن العقب هو الذي له ولد؛ ولهذا يقول: ( لك ولعقبك ما بقي منهم أحد )، يدخلون بالنسب، وهم الأولاد، هذا معنى العقب في السنة.

    فإن قال قائل: هل يدعو للميت خاصة أو يدعو لغيره معه؟

    فالجواب: لو دعا لا حرج. الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما عند أبي داود من حديث أبي سعيد : ( إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء ) وما معنى ( فأخلصوا له الدعاء )؟ قال: بعض أهل العلم: يخلص النية في دعائه، وهذا بعيد؛ لأن العبادة دائماً فيها وجوب إخلاص النية، لكن الإخلاص هو: ألا يخلطه بدعاء غيره، يعني ما يقول: الله اغفر لفلان واغفر لنا، يخصص الدعاء للميت خاصة.

    إذاً معنى (أخلصوا له الدعاء)، أن يدعو له خاصة.

    هل الأفضل الدعاء على سبيل التفصيل أم الإجمال؟

    جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو على سبيل الإجمال، لكن جاء في بعض الروايات بالتفصيل، تقول: ( اللهم اغفر لنا خطأنا وجدنا وهزلنا وعمدنا وكل ذلك عندنا ) فليس كل التفصيل مكروه.

    1.   

    باب في تسجية الميت

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: في تسجية الميت.

    عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنه قالت: ( سجي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات بثوب حبرة ) ].

    هذا الحديث متفق عليه.

    معنى (سجي) أي: غطي بأبي هو وأمي، وهذا يدل على أن الميت إذا مات فإن السنة أن تغمض عيناه وأن يسجى.

    وقولها: (بثوب حبرة) دليل على أن الإنسان يسجى بأي شيء كان قريباً، سواء كان أبيض أم غيره، وأن التسجية غير الكفن، وأما الكفن فالسنة أن يكون ثلاثة أثواب بيض سحولية.

    1.   

    باب في أرواح المؤمنين وأرواح الكافرين

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: في أرواح المؤمنين وأرواح الكافرين.

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها -قال حماد فذكر من طيب ريحها وذكر المسك- قال: ويقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه، فينطلق به إلى ربه عز وجل ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل قال: وإن الكافر إذا خرجت روحه -قال حماد: وذكر من نتنها وذكر لعناً- ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض، قال: فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل) قال أبو هريرة : ( فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريطة كانت عليه على أنفه هكذا ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

    قوله: ( وضع ريطة ) يعني: قطعة قماش وضعها على أنفه من شدة رائحتها عند الملائكة، فاللهم طيب أرواحنا وريحنا وعملنا.

    اليوم عمل بلا حساب، وغداً حساب بلا عمل، ومن أراد السعادة والنجاة فعليه أن يجاهد نفسه في هذه الحياة، فإن الحياة والله لا خير فيها، والعبادة هي التي تنفع الإنسان وعقبه؛ ولهذا كان سعيد بن المسيب يقول لابنه: والله إني لأزيد الصلاة وأطيل الصلاة من أجلك رجاء أن أحفظ فيك، وقد كان ابن أبي ذئب يشبه سعيد بن المسيب كما ذكر ذلك حماد بن خالد وذكره الإمام أحمد كما نقل ذلك الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وكان ابن أبي ذئب قوياً في الحق وفي الله، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم، حتى إنه يدخل على أبي جعفر المنصور الذي يعرف بسفك الدماء وشدته وهوله، فكان يثني على خصومه ولا يثني عليه، كل ذلك بسبب أنه كان يصلي الليل أجمع، فمن أقبل على ربه وأناخ مطيته بين يديه سبحانه فإنه لا يحتاج لأحد من خلقه، نسأل الله أن يلطف بنا.

    1.   

    باب في الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى

    1.   

    باب ثواب من يموت له الولد فيحتسبه

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: ثواب من يموت له الولد فيحتسبه.

    عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسوة من الأنصار: ( لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة، فقالت امرأة منهن أو اثنين يا رسول الله! قال: أو اثنين ).

    قال: وبإسناد آخر عنه مرفوعاً: ( لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم )].

    هذا أيضاً متفق عليه، أما حديث أبي هريرة فقد رواه البخاري و مسلم لكن لم يرو البخاري قوله: ( فتحتسبه إلا دخلت الجنة ) ولكن رواية: ( إلا كانوا لها حجاباً )، فقوله: ( فتحتسبه إلا دخلت الجنة ) هذا رواه مسلم ، ورواه البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة ومن حديث أبي سعيد : ( إلا كانوا لها حجاباً )، يعني: من النار، وفي رواية عند أبي سعيد : ( جاء نساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلن: ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك ما نأتيك، فأمرهن أن يجتمعن ثم أتاهن صلى الله عليه وسلم فقال: لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجاباً )، وفي رواية: ( كانوا له ستراً من النار )، وفي رواية: ( ثلاثة لم يبلغوا الحلم )، يعني: إنهم لم يبلغوا.

    1.   

    باب ما يقال عند المصيبة

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: ما يقال عند المصيبة.

    عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها، قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيراً منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

    هذا الحديث يفيد أن الإنسان ينبغي له أن يسترجع في كل ما يستنقص قدره أو ينقص ماله أو شيئاً من ذلك؛ ولهذا جاء في الحديث: ( ليسترجع أحدكم ربه ولو في شسع نعله ) أي: سير النعل إذا انقطع يسترجع.

    الإنسان اليوم إذا جاءته مصيبة يسترجع مرة فقط، وينبغي أن يبالغ في الاسترجاع لعل الله سبحانه وتعالى أن يبدل هذه المصيبة خيراً له في دينه ودنياه، وهذا أمر معروف ومجرب، فإذا جاءت مصيبة في دينك أو دنياك، فلعل الله سبحانه وتعالى أن يحيي موت قلبك بنور الإيمان والتقوى.

    نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755988752