إسلام ويب

كيف تصبح نجماً لامعاً؟للشيخ : عادل عبد الرحيم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذا العصر أصبحت الرياضة تشغل جزءاً كبيراً من اهتمامات الناس، وأصبح من الصعب التغافل عنها، وعدم الاهتمام بالقطاع العريض الذي يمثلها. فمن هنا كان لزاماً على الدعاة إلى الله توجيه الخطاب إلى هذه الفئة العريضة، وطرح عدة مشاكل في الساحة الرياضية على بساط البحث.

    1.   

    قضية الاهتمام بالميمات على حساب الاهتمام بالنونات

    الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام والتوحيد.

    والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلوات ربي وسلامه عليه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    في بداية هذا اللقاء أحب أن أعلن، وعبر الهواء مباشرة لإخواني الشباب والرياضيين أني أحبكم في الله عزَّ وجلَّ.

    وأبدأ هذا اللقاء بكلمة ذكرها أحد الدعاة في مجلس من المجالس:

    كان هناك مجموعة من الشباب، ما تعودوا على مجالس الذكر والخير، فأحب الأخ أن يشد انتباههم فقال: يا شباب! لماذا نحن اليوم نهتم بالميمات أكثر من اهتمامنا بالنونات؟!

    وبعض الشباب كانوا يتحدثون، فلما سمعوا هذا السؤال توقفوا عن الحديث، وقال شخص منهم: ما هي الميمات؟! وما هي النونات؟!

    قال: الميمات -يا شباب!- هي: الأمور الدنيوية التي تبدأ بحرف الميم: مآكل .. مشارب .. مناكح .. مراكب .. ملابس .. مرح .. مزاح .. متعة.

    وأما النونات فهي: الأمور الشرعية التي تنتهي بحرف النون: القرآن .. الإيمان .. الإحسان...إلخ

    نحن اليوم عندنا أو أكثرنا يوجد عنده إقبال على قضية الميمات؛ الأمور الدنيوية، ويوجد ضعف في الاهتمام بقضية النونات.

    والحقيقة -يا إخوان!- لما تأملتُ كلام هذا الداعية، وجدته صحيحاً عند أكثرنا اليوم.

    اليوم عندنا إقبال على الميمات -المتحدث، وكثير من المسلمين- على المآكل .. المشارب .. المناكح .. الملابس .. المراكب .. المزاح .. المرح .. المتعة .. حتى يقول لي أحد الإخوان، قال: يا أخ عادل ! لاحظ الناس اليوم تحب الرجل المرح، يسمونه: فناناً.

    يعني: لو تكلمنا كمثال عن المرح يقول: الناس اليوم يحبون الرجل المرِح، ويحبون الحديث المرِح، ولا يحبون الحديث الجاد.

    وأذكر مرة أحد الشباب وكنت ألقي كلمة عندهم فقال: نريدك تتكلم عن التنكيت والمزاح.

    قلت له: لماذا؟

    قال: عندنا شباب يكثرون قضية الرسائل هذه التي ترسل عن طريق الهواتف المحمولة، وتضيِّع أموالاً، وأوقاتاً، وهي كلام غير مفيد، وأحياناً يصير فيها محاذير شرعية: كذب، أو سخرية... إلى آخره، فأريدك أن تنبه الشباب؛ لأن المسلم محاسَب على كلامه، ووقته، وماله، وكل أموره.

    وأذكر مرة كنتُ عند أحد الإخوة الإعلاميين، فجاءته رسالة على الهاتف المحمول، قال: انظر يا أخ عادل حال الشباب الله يهديهم!!

    قلت: خيراً إن شاء الله! فنظرت في الهاتف وإذا فيه رسالة، صاحبها يسأل فيها سؤالاً، السؤال يقول: لماذا (المطاوعة) ما يأكلون سلطة؟ الجواب -طبعاً هو يسأل ويجيب-: لأن فيها اختلاطاً.

    فالحقيقة مثل هذه النكتة أو الطرفة التي أرسلها الأخ، أولاً: أتصور أنه وقع في الكذب، فليس بصحيح أن (المطاوعة) لا يأكلون سلطة!

    الأمر الثاني: قد يكون فيها سخرية.

    والأمر الثالث: أنه ضيَّع وقته، وتفكيره، وكان ممكن هذا التفكير، وهذا الوقت، وهذا الاهتمام يَنْصَبُّ على أمور أكبر من ذلك.

    فخذ مثلاً قضية ثانية، في قضية الميمات: بعد المرح قضية الأكل:

    ما رأيكم يا إخوان! أيهما أكثر المطاعم أو المكتبات؟!

    يظهر لي بالعموم: أن المطاعم أكثر، حتى إنه في إحدى الشوارع عد بعض الشباب الطيبين شارعاً طويلاً، فيه أكثر من (30) مطعماً مقابل مكتبة واحدة.

    فالناس الآن مقبلة على الميمات، مقبلة على أمور الدنيا، على المآكل .. المشارب .. المراكب .. الملابس .. المرح .. المزاح .. المتعة؛ لكن النونات؛ الأمور الأهم، يعني: إقبالنا أقل.

    وأذكر مرة من المرات أني ذهبت إلى إحدى شركات التوزيع وكنتُ أتفاهم مع أحد الإخوة، فأقول له: يا أخي! عندي كتاب، أريد نشره، ولا أدري ما رأيكم في كيفية توزيعه وكذا؟!

    قال لي الأخ: انظر يا أخي! لاحظ أن سوق الكتاب اليوم ضعيف، فإن هناك وسائل جديدة طرأت، فهناك الإنترنت .. القنوات الفضائية، والناس اليوم ما عادت تقرأ مثل الأول، فهم يحبون خبراً صغيراً يقرءونه في الجريدة، ويسمعونه في الأخبار، ويتابعونه في الانترنت، فالشخص الآن ليس متفرغاً أن يجلس يقرأ كتاباً ستين أو سبعين أو ثمانين صفحة!

    مع ملاحظة -يقول لي الأخ- أنه عندنا كتب سوقها جيد.

    قلت: ما هي هذه الكتب؟ دعنا نرى إذا كنا نقدر أن نؤلف فيها نؤلف فيها.

    قال: كتب الطبخ. كتب الطبخ توزع عندنا بشكل -ما شاء الله- جيد.

    فاستغربت في الحقيقة، وقلت: لماذا كتب الطبخ سوقها جيد؟! أي: لماذا هذا الموضوع يشغل الناس؟!

    فقال لي أحد الإخوة: لأن الأمور تغيرت اليوم، والبنات يرُحن المدارس، وبعد ذلك ترجع متعبة، وتنام، والشغالة تطبخ عنها، فجيل البنات ليس مثل جيل الأمهات، فلو تزوجت هذه البنت وجدتَ أنها لا تجيد الطبخ، فصارت عندها مشكلة في البيت مع زوجها، وبالتالي يصير هناك إقبال على شراء كتب الطبخ.

    فهذا تحليل للقضية، والله أعلم.

    لكن على كل حال: نحن فعلاً نلاحظ أن عندنا إقبالاً على الميمات، وعندنا ضعف في قضية الإقبال على النونات.

    1.   

    أهم أسباب زيادة الإيمان

    خذ قضية النونات مثلاً: أعطيك مثالاً: القرآن الكريم؛ كلام الله سبحانه وتعالى، المتحدث وكثير من المسلمين اليوم نشكو -الحقيقة- من ضعف إيمان ملاحَظ في حياتنا، فعندنا ضعف في الإيمان .. قلة في المسارعة للطاعة .. إقبال على أمور الدنيا.

    فكيف نزيد الإيمان؟!

    الشباب يقولون: يا أخي! كيف يقوى إيماني؟! وكيف أرفع من مستوى إيماني؟

    من أهم أسباب زيادة الإيمان كما تعلمون هو: القرآن الكريم، فالله سبحانه وتعالى بيَّن أن من صفات المؤمنين: أنهم إذا تليت عليهم آيات الله سبحانه وتعالى زادتهم إيماناً، قال سبحانه في سورة الأنفال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2].

    وقال سبحانه: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة:124].

    حال السلف مع القرآن

    فالقرآن من أعظم أسباب زيادة الإيمان، ولذلك في تفسير قول الله عزَّ وجلَّ: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:23] وسُئلت عائشة رضي الله عنها عن حال الصحابة في تفسير هذه الآية، فقيل لها: [هل كان يُغشى عليهم عندما يسمعون القرآن؟ -هل كانوا يُصرعون؟- فقالت للسائل: يا بُني! لم يكن ذلك حال أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، إنما كان دمع العين، وخشية القلب] إذا سمعوا القرآن وقرءوا القرآن، إذا سمعوا كلام الله عزَّ وجلَّ دمَعت عيونهم، وخشعت قلوبهم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم كذلك.

    ولذلك شبه النبي عليه الصلاة والسلام المؤمن الذي يقرأ القرآن بالأُتْرُجَّة؛ ريحها طيب، وطعمها طيب، وشبه المؤمن الذي لا يقرأ القرآن بالتمرة؛ لا ريح لها، وطعمها حلو.

    فكلما قرأ المسلم القرآن ازداد إيمانه خيراً؛ لأن القرآن مصدر الخيرات، ولذلك تعرفون الرسول عليه السلام (كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان)لماذا؟

    قال: (عندما يدارسه جبريل القرآن، قال: فلرسول الله صلى الله عليه وسلم عندئذٍ أجود بالخير من الريح المرسلة)

    والسلف كان عندهم هذا المعنى، فكانوا يقرءون القرآن في بيوتهم.

    أسيد بن حضير رضي الله عنه يقرأ القرآن، وكان عنده طفل نائم، فتجول الفرس في الليل، فيتوقف عن القراءة، يخشى أن تدوس الفرس هذا الولد الصغير، يقول: (فأرى كوكبة تصعد إلى السماء -يرى مثل النور يصعد إلى السماء- يقول: ثم أعود للقراءة، فتجول الفرس -الفرس ترى شيئاً- يقول: فأخشى على الطفل، فأقطع القراءة، فأرى كوكبة تصعد إلى السماء -يفعل ذلك ثلاث مرات- ثم يسأل النبي عليه الصلاة والسلام في اليوم الثاني، فيقول عليه الصلاة والسلام: اقرأ ابن حضير ، تلك الملائكة أتت تستمع لقراءتك) فكانوا يحيون بيوتهم بالقرآن.

    حتى أيام القتال والمعسكرات، يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في رسالته إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في البداية والنهاية ، وهو يصف حال الجيش: [كانوا يُدَوُّون بالليل كدَوِيِّ النحل بالقرآن] يقول: المعسكرات فيها مثل دَوِيِّ النحل، لو مررت من عندها تسمع مثل دَوِيِّ النحل، ما هذا الصوت؟ يقرءون القرآن، الله أكبر!

    حتى مجالسهم العادية، يقول ابن تيمية رحمه الله: وكان عمر رضي الله عنه إذا جلس مع الصحابة، قال: [يا أبا موسى! - أبو موسى الأشعري- ذكِّرنا ربنا، فيقرأ أبو موسى رضي الله عنه القرآن، والصحابة يسمعون] الله أكبر! فتدمع عيونهم، وتخشع قلوبهم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فتلك هي المجالس التي فيها السكينة والرحمة، والتي يذكرها الله عزَّ وجلَّ عنده في الملأ الأعلى. الله أكبر!

    فيا إخوان: السلف هذا كان واقعهم؛ لكن الحقيقة اليوم أن المتحدث وكثيراً من المسلمين عندنا ضعف في الارتباط بالقرآن.

    حالنا مع القرآن

    وأذكر أن أحد الإخوة مر علي ربما قبل سنتين أو ثلاثاً، وقال: يا أخ عادل ! عندنا برنامج في التليفزيون، ونريدك أن تشارك فيه.

    قلت له: ما هو البرنامج هذا؟ -وقد فعلوا حلقتين، وبقيت الحلقة الثالثة-.

    قال: نأتي إلى الإخوة ونسألهم في الشارع -يعني: عن طريق ما يسمونها الكاميرا الخفية هذه-.

    يسلمون على الرجل، ويسألونه:

    كيف حالك يا أخي؟ نحن معك القناة الفلانية، ونريد أن نسألك بعض الأسئلة، فهل هذا ممكن؟

    قال: تفضَّل.

    قالوا له: متى آخر مرة قرأت فيها القرآن الكريم؟ وهذا سؤال مفاجئ.

    والبرنامج هذا كان يُسجَّل في شعبان على أساس أنه يُعرض في شهر رمضان المبارك.

    متى آخر مرة قرأت القرآن الكريم؟

    فبعضهم يقول: أمس. وبعضهم يقول: الجمعة الماضية. وبعضهم يقول: اليوم. فبعض الإجابات قال: آخر مرة قرأت فيها القرآن الكريم رمضان السنة الماضية. أي: حوالي أحد عشر شهراً ما قرأ كلام الله سبحانه وتعالى.

    فيسألون سؤالاً ثانياً للشخص الذي وقع في هجر القرآن، ويقولون له: يا أخي! لماذا تقع في هجر القرآن؟ لِمَ هذه المدة الطويلة ما قرأت القرآن؟

    فأيضاً يجدون إجابات مختلفة؛ لكن أكثر الإجابات تركزت على كلمة واحدة، وهي: كلمة مشغول.

    رجل تجاوز ستين سنة، قال: والله -يا أبنائي- مشغول، لست متفرغاً، عندي أشغال، وعندي كذا.

    قالوا لطفل عمره تسع سنوات: وأنت -يا بطل!- لماذا لا تقرأ القرآن؟

    قال: مشغول.

    فالكبير مشغول، والصغير مشغول، فبدأ الإخوة يخرجون كلمة مشغول هذه على شكل فلاش: مشغول! مشغول! مشغول!

    طبعاً يريدون أن يوصلوا رسالة للمجتمع: لِمَ -يا إخوان- نحن مشغولون عن القرآن؟ ما الذي يشغلنا عن كتاب الله عزَّ وجلَّ؟

    فالحلقة الثالثة يأتون ببعض الشباب وبعض المشايخ لمناقشة أسباب هجر الناس للقرآن.

    فالمقصود أن عندنا فعلاً اليوم -حسب ظني- اهتمام بالميمات وتركيز عليها، وإقبال عليها، وعندنا ضعف في الإقبال على النونات؛ على أمور الخير، عندنا اهتمام بالأمور الصغيرة، وعندنا ضعف في الاهتمام بالأمور الكبيرة، والمهمة.

    1.   

    حوار مع الرياضيين

    ومن هذا التمهيد أريد أن أتكلم مع إخواني الرياضيين، وأظن إخواني الرياضيين يريدون أن يسمعوا شيئاً عن الرياضة.

    فأريد في الحقيقة أن يكون الحديث متبادَلاً والطرح مشتركاً، وما أريد أن شخصاً يتكلم والإخوة يسمعون، لا، أريد نفكر مع بعض، ونتحاور؛ حتى تكون الفائدة أكثر، كلنا نشترك، وكلنا نفكر، وإذا كانت هناك أسئلة نحاول أن نجيب عنها، ونحاول أن يكون الحديث بيننا مشتركاً.

    قضايا تافهة تشغل كثيراً من الرياضيين

    وسأعطيكم مثالاً قريباً: تعرفون مباريات كأس العالم (2002م) التي كانت في كوريا واليابان، وقد انتهت من مدة قريبة، فكنت أناقش بعض الشباب، وأتابع الصحف، فوجدتُ أن أكثر الكلام يدور حول أمرين:

    الأمر الأول: أن هناك فرقاً قوية وعريقة خرجت مبكراً من كأس العالم، وما وصلت إلى الأدوار النهائية، وهناك فرقاً أقل منها مستوىً تأهلت، وواصلت إلى الأدوار النهائية، مثل: تركيا ، وكوريا ، والسنغال . فهذا أمر كان يدور حوله حديث أكثر الناس.

    الأمر الثاني: قصات شعر بعض اللاعبين، فلاعب البرازيل رونالدو ، عنده حلاقة غريبة، وقد اعتذر بعد كأس العالم للأمهات البرازيليات؛ لأنهن غضبنَ وقلن: أبناؤنا صاروا يقلدونك، ويحلقون حلاقات غريبة، فقال: أنا آسف؛ لأني ما كنتُ أتوقع أن الأطفال يقلدوني بهذا الشكل.

    ولاعب ثانٍ في إنجلترا اسمه بيكهام، أيضاً عنده حلاقة شعر غريبة، كثير من الأحاديث الصحفية تدور حول قصة هذا اللاعب الذي يقلدونه، ومرة زوجته أرسلت له حلاقه الخاص من بريطانيا إلى اليابان ؛ لأن المطر أثر على تسريحة شعره، وبعض الكتاب يقولون: نحن لم لا نستفيد من سيرة هذا اللاعب بدل أن نقلد حلاقة شعره.

    كذلك لاعب ثالث في تركيا، أيضاً عنده حلاقة شعر غريبة، وهذا فيما بعد صار مشكلة: فهناك طفل تركي قلده، ثم جاء والده -والد هذا الطفل- وقال له: لا تحلق هذه الحلاقة. وصار اختلاف مع أبيه وأمه، وانتهت القضية بمأساة، حيث إن الولد شنق نفسه وانتحر، نسأل الله السلامة والعافية.

    فهذا كان محور الحديث الذي يدور: قصات الشعر، وخروج فرق قوية، وتأهل فرق أضعف منها.

    فطبِّق الكلام الذي قلت لك أولاً، قضية الميمات والنونات.

    انظروا! نحن نهتم بأمور ضعيفة، وصغيرة، ونترك أموراً أهم.

    أحداث مهمة في الرياضة يغفل عنها الرياضيون

    من الأمور المهمة -في ظني- التي صارت في كأس العالم: تصريح أدلى به مدرب السنغال ، وهو مدرب فرنسي اسمه: برونو متسيو ، فقد جلس هذا المدرب الفرنسي أمام وكالات الأنباء العالمية، وكانوا يعملون معه لقاءً بعدما فاز فريق السنغال الذي يدربه، وإذا به يفاجئ الإعلاميين والصحفيين؛ وهناك كاميرات ومايكروفونات، ويعلن: أنه أسلم.

    طبعاً مجرد إسلام شخص -يا إخواني- هذا يفرح به في الحقيقة، لماذا؟

    لأنها نفس نجت من النار إلى الجنة -بإذن الله عزَّ وجلَّ- إنسان انتقل من الشرك إلى التوحيد .. من الكفر إلى الإسلام .. من المعصية إلى الطاعة، كيف لا نفرح به؟! والرسول عليه الصلاة والسلام كان عنده غلام يهودي يخدمه، فمرض هذا الغلام، وأشرف على الموت، فزاره النبي صلوات ربي وسلامه عليه، ودعاه إلى الإسلام والتوحيد، فكان الولد هذا ينظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وينظر إلى وجه والده، وقد كان أبوه بجواره، فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فيعلن هذا الغلام اليهودي إسلامه، فيخرج النبي عليه الصلاة والسلام متهللاً وجهه، وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار)؟! وهذا الحديث رواه الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه في البخاري .

    فنحن نفرح بإسلام أي شخص.

    لكن أريد أن أقف وقفة مع تصريح هذا المدرب.

    المدرب يقول في تصريحه أمام وكالات الأنباء العالمية: شعرتُ بارتياح نفسي كبير بعد إسلامي، وتخلصتُ من حالة الكآبة التي كانت تطاردني طوال حياتي.

    طبعاً: هذا الكلام موقف لا يحتمل تمثيلاً، بالعكس أكثر الذين حوله نصارى؛ لكنه يعلن أمامهم أن الإسلام هو سبب ارتياحه، وهو سبب تخلصه من الكآبة، وكأنه يقول لهم: لاحظوا! كآبتي أولاً بسبب الدين النصراني المحرف.

    وتصريح هذا المدرب ذكرني بتصريح شاب مسلم هولندي، التقيت به في مجلس من المجالس في الرياض، وكان معي الأخ عبد الله الرقام ، فسألتُ الشاب الهولندي هذا عن سبب إسلامه.

    فقال: يا أخي! أنا درست النصرانية اثنتي عشرة سنة دراسة نظامية -هو أصلاً نصراني، ومع ذلك درس النصرانية دراسة نظامية-.

    يقول: وكنتُ محتاراً جداً في قضية التثليث في العقيدة النصرانية ، يقول: يقولون لي: الإله واحد وثلاثة في نفس الوقت، ويقول: أنا أفهم أن الواحد يساوي واحداً، والثلاثة تساوي ثلاثة، ما يمكن أن الواحد يصير ثلاثة، والثلاثة تصير واحداً، ويقول: فكنتُ محتاراً جداً وأشعر بقلق، ما دخلت عقلي هذه المسألة، فأنا: أسأل أبي في البيت، وأسأل أمي، وأسأل المدرس في المدرسة، وأسأل القسيس في الكنيسة، وأقرأ، يقول: أبداً ما وجدتُ حلاً، الذين أسألهم يتهربون من الجواب، ويقولون: لا تفكر في مثل هذه الأمور، الأمور هذه سلِّم بها، يقول: فأقول لهم: لكن هذه لا تدخل عقلاً، فيقولون: لا. انتبه! لا تدخل في هذه الأمور.

    يقول: اثنتي عشرة سنة وأنا في حيرة.

    يقول: ومرة من المرات قدر الله سبحانه وتعالى أن جاء شاب مسلم للدراسة بـهولندا ، وسكن بجوارنا، وأعطاني نسخة مترجمة لمعاني القرآن الكريم، يقول: فبدأتُ أقرأ، وكان آخر دين أظن أن فيه الحق هو: الإسلام؛ لأن صورة الإسلام مشوهة عندنا في وسائل الإعلام الغربية.

    يقول: فبدأتُ أقرأ، يقول: سبحان الله! لما وصلتُ إلى سورة قصيرة -وهذا شيء عجيب، سورة قصيرة يحفظها عندنا الطلاب في الصف الأول ابتدائي وربما أقل من ذلك -وهي سورة الإخلاص: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4].

    يقول: لما وصلت إلى هذه السورة، ما أدري ما الذي صار في نفسي، فقمتُ أبكي، وأقول: هذا الكلام هو الكلام الذي في نفسي وضميري وعقلي من أكثر من اثنتي عشرة سنة؛ لكني اليوم أقرأ في هذا الكتاب، وأشهد أن هذا الكتاب هو كلام الله عزَّ وجلَّ، وأشهد أن الإسلام هو الدين الحق. فهو أسلم، وتخلص من الحيرة، والكآبة، والقلق؛ لأنه تعرف على الله بأسمائه وصفاته من خلال القرآن.

    فالمدرب الفرنسي برونو متسيو، والشاب الهولندي، ترون -يا إخوان- كيف أنقذهما الله عزَّ وجلَّ بالإسلام، وكيف جاءتهم السعادة لما أسلما وعرفا الإسلام.

    فإذا كان هذا هو الإسلام، وهذا هو واقع الكفار الذي يصرحون به بألسنتهم، فأريد أن أسأل سؤالاً: لماذا بعض شبابنا يقلدون الكفار؟! لماذا أحياناً ترى شاباً مسلماً يحب فلاناً كافراً؟! وبعضهم يلبس ملابس الكفار؟! ومثلما قال بعض العلماء: صار الشباب يتابعون الموضات الغربية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حتى لو دخلوا جُحر ضب لدخلتموه) أي: لو طلعت موضة في الغرب اسمها: موضة دخول جُحر الضب، لوجدتَ بعض الناس يتابعها ويقلدها، ومعروف جُحر الضب برائحته الكريهة، وظلمته، والتوائه؛ لكن لو ظهرت موضة اسمها: موضة جُحر الضب، لوجدتَ بعض الشباب يدخلون هذه الجحور المظلمة المنتنة انبهاراً بالحضارة الغربية.

    فلِمَ يا إخواني هذا التقليد؟!

    1.   

    أهم أسباب تقليد الشباب للكفار

    طبعاً هناك أسباب كثيرة؛ لكن أحب أن أشير لسبب رئيسي ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد ، قال رحمه الله: "وأكمل الناس هداية هم الذين عرفوا الإسلام معرفة تفصيلية، وعرفوا الجاهلية معرفة تفصيلية".

    يعني: الشخص الذي يقلد الكفار، ثق وتأكد إما أنه معرفته التفصيلية بالإسلام ضعيفة، أو معرفته بحقيقة الجاهلية ضعيفة. فهو ما عرف الإسلام على حقيقته، أو ما عرف الجاهلية على حقيقتها؛ لذلك هدايته ضعيفة، بينما الناس الذين عرفوا الإسلام فعلاً، وعرف الجاهلية على حقيقتها، تجده من أقوى الناس إيماناً، كما قال عمر رضي الله عنه، قال: [تُنقض عُرى الإسلام عروة عروة، من عاش في الإسلام ولم يعرف الجاهلية].

    ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله: ولذلك كان الصحابة الذين عاشوا الجاهلية، ثم هداهم الله عزَّ وجلَّ للإسلام أكمل إيماناً، وأقوى إيماناً في الغالب من الصحابة الذين وُلدوا في الإسلام؛ لماذا؟ لأنه عرف الظلمات وعرف النور، عرفوا الفرق، فبضدها تتميز الأشياء، عرفوا الخير والشر، وعرفوا الظلمات والنور؛ لذلك تمسّك بالنور بقوة، وسأل الله الثبات عليه، وسأل الله أن يبعده عن الشر، والفتن.

    عدم معرفة الشباب بحقيقة الحضارة الغربية

    فمشكلة كثير من الشباب اليوم الذين يقلدون هي رؤيتهم الجانب الجميل من الحضارة، الذي يراه -مثلاً- في الأفلام .. في القنوات .. في الإنترنت، فهو يرى الجانب الجميل: الحرية الشخصية .. التقنية .. التعليم المتطور .. النظام الإداري القوي، يرى الأشياء الجميلة؛ لكنه ينسى الوجه الآخر.

    وأعطيك مثالاً: أذكر أنا كنا معسكرين مع نادي الهلال في أسبانيا سنةً من السنوات، وكنا نازلين في فندق بعد عدة أيام من المعسكر، فجاءت فتاتان مع أم إحداهما من بريطانيا؛ لقصد السياحة، ونزلوا في الفندق الذي نحن معسكرون فيه في أسبانيا ، وواحدة من الفتاتين هاتين كانت حريتها زيادة قليلاً، طبعاً عندهم حرية شخصية كما تعرفون؛ لكن هذه كانت بزيادة، أولاً: تسبح أمام الشباب بملابس السباحة، وتغري الشباب وتفتنهم، وتتكلم مع الذي تعرفه والذي ما تعرفه، وتكثر من الضحك.

    فالمهم: أننا خشينا على أنفسنا وعلى الشباب الموجودين معنا، فكان معنا مجموعة من الشباب الطيبين اتفقنا مع بعض، ونزلنا في المكان الذي هي فيه في المسبح، يعني: في بوفيه أو كذا، وجلسنا نتكلم معها، فكنا نسألها أسئلة والشباب يسمعون، فقلنا لها: أنتِ ملحدة أم عندك دين؟

    قالت: لا، أنا عندي دين، أنا كاثوليكية .

    فبدأنا نسألها بعض الأسئلة عن الدين النصراني الكاثوليكي، وما هو الفرق بين الكاثوليك والبروتستانت؟

    المهم: كانت تجيبنا وتضحك، وما هي مهتمة، وغير مبالية بالأسئلة، إلى أن وفق الله وسألناها سؤالاً من ضمن الأسئلة، ونحن ربما كان السؤال عندنا عادياً؛ لكن سبحان الله! كان له وقع عجيب عليها، قلنا لها: عندنا سؤال: في قناعتك الشخصية أنتِ الإنسان إذا مات أين يذهب بعد الموت؟

    السؤال هذا -سبحان الله العظيم!- لَمَّا سَمِعَتْه توقفت عن الضحك، وتغير كلامها من المرح والضحك إلى الجدية، وسكتت قليلاً، ثم قالت: (آي دونت نو) أي: لا أدري، لستُ متأكدة، ثم إني لا أحب أن أفكر في هذه الأمور؛ لأني لو فكرتُ في هذه الأمور أتعب، أنا أريد أن أعيش اللحظة التي أمامي فقط، وأستمتع، وقالت: (جوي ماي سيلف)، أي: أنا أريد أن أستمتع، وأنبسط، لماذا أفكر في هذه الأمور؟!

    فسبحان الله العظيم -يا إخوان- هذه الفتاة ما تعبر عن نفسها فقط، بل هذه تعبر عن واقع الحضارة الغربية اليوم، واقع الكفار اليوم الكفر بالغيب، إذا كان الله عزَّ وجلَّ ذكر أن من أول صفات المؤمنين والمتقين: أنهم يؤمنون بالغيب، الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:1-3].

    فالكفار اليوم ليس عندهم شيء اسمه إيمان بالغيب، بل هم يسخرون من الغيب، ويخافون منه، ويهربون، عندهم اللذة الوقتية، لحظة أستمتع .. أنبسط .. رقص .. ديسكو .. خمر .. نساء .. مخدرات .. شهوات .. أفلام فقط، فلا يفكرون في قضية الموت، بل يخافون منه، ويهربون.

    وأذكر أنه كان عندنا أيضاً مدرب برازيلي، يوم كان زاجالو يدرب المنتخب السعودي، وكان هذا مساعداً لـزاجالو ، اسمه: لويس ، وكان كثير الضحك، ويصل ضحكه إلى درجة السخرية بالآخرين، وأظن أنه غير مهتم بالأديان.

    فأذكر مرة أني أنا والأخ منصور بشير، ناديناهم: لويس، وزاجالو، وأخصائي العلاج الطبيعي، وكل الطاقم البرازيلي هذا مع المترجم، فبدأنا نتكلم معهم عن الإسلام، فرد علينا زاجالو رداً مؤدباً في الحقيقة، ولويس هذا قام يستهتر، قال: (أوه! إسلام إذ فيري جود!) وطبعاً نحن نعرفه ونتعامل معه كل يوم، فبدأنا نشعر أن الرجل يستهتر، فهو لا يقول: إن الإسلام جيد، لا، بل كان يستهتر، والتفت إلى المترجم، قال: قل لهم: لماذا لا تنادون بعض زملائكم الذين هم مقصرون في الصلاة، ليسمعوا هذه المحاضرة الجميلة بدل أن تنادونا نحن؟!

    هذا الرجل الذي عنده ضحك كثير، وعنده استهتار، حتى إنك تراه وتقول: هذا ما همه إلا الدولارات، والكرة، والضحك، والمحادثات.

    وقد حدث له موقف قدر الله عزَّ وجلَّ أن يحدث له وأنا موجود، فقد كنا في دورة الألعاب الآسيوية في الهند ، ونازلون -في الهند - من مصعد، وعندما كان المصعد تقريباً في الدور التاسع توقف، بسبب انطفاء الكهرباء، وكان فيه زاجالو ومساعده لويس ، وأنا ومعنا أخ له عمل بسيط في إدارة المنتخب، وهو رجل متواضع جداً وحبيب ومسلم ويصلي، وعنده بعض القصور -وكلنا ذلك الرجل- فكنا أربعة، ويوم توقف المصعد -سبحان الله العظيم!- انقلب لويس هذا (180) درجة، ذلك الرجل الذي يضحك، ويكثر المرح والمزاح والمحادثات، ويستهتر ويسخر، حتى في الكرة يسخر بغيره، انقلب حال الرجل إلى خوف وهلع عجيب جداً، وبدأ يمسك شعره بيده، ويضرب رأسه بقوة في المصعد، ويصيح: بوها .. بوها .. بوها؛ وهذه: كلمة برازيلية يعرفها الإخوان الرياضيين، فهي تدل على ضيق، وعلى -قد يقال- سب أو شتم أو اعتراض.

    المهم: الأخ السعودي الذي بجانبي -انظر! سبحان الله! أثر التوحيد على الإنسان- التفت إليّ وقال لي بعفوية وبساطة: ماذا جرى له هذا (الخِبْل)؟!

    قلتُ له: أظنه خائفاً من الموت، فهو يظن أن المصعد لن يُفتح.

    قال: الله يجعل له الموت، يا رجل! سيُفتح إن شاء الله.

    وفعلاً، ما جلسنا ربما دقيقة إلا وفتح المصعد.

    فنـزلنا إلى الدور الأرضي، فقام يعانق زاجالو ، وأرى دموعه تنـزل من الفرحة، فأولاً كان يصيح من الهلع والخوف، والآن صار يبكي من الفرحة.

    فتعجبت سبحان الله! وقلت: هذا المدرب راتبه خمسة عشر ضعفاً تقريباً بالنسبة لراتب الأخ الذي كان معنا في المصعد وهو يقول: ماذا جرى له هذا (الخِبْل)؟!

    فهو كان ببساطة ليس مهتماً، ويأمل إن شاء الله أن الأمور عادية جداً، والوضع طبيعي، وبعد دقيقة يفتح المصعد وانتهينا.

    وذلك كان في قمة خوفه وهلعه ورعبه، مع الفارق المادي الكبير بينهم.

    لماذا يا إخوان؟

    لأنهم فعلاً هم عندهم (جوي يور سيلف) هذا هدف كبير وعظيم في حياتهم، أهم شيء عندهم الاستمتاع؛ لكن لا يوجد هدف كبير يعيشون من أجله، بل هو هدف صغير، وهو المتعة واللذة الذاتية، فهو يريد أن يستمتع الآن في الدقيقة هذه .. في اليوم هذا، فقط.

    وسأعطيك مثالاً للحضارة الغربية: ما رأيكم -يا إخوان!- لو شخص عنده سفينة فأوقفها في الشاطئ، وهي جميلة وأنيقة ومغرية، وبدأ ينادي الناس يريدهم أن يركبوا السفينة، فالناس أغرتهم هذه السفينة بجمالها، وأناقتها، وترتيبها، وألوانها، وبهرجها، فأتوه مسرعين، كل واحد يريد أن يركب، حتى إنك لا تجد فيها مكاناً.

    فبدأ صانع السفينة هذا يعلمهم كيف يأكلون، وكيف يشربون، وكيف ينامون، وكيف يلعبون، ويستمتعون، وما هي الأشياء الممتعة والمسلية التي من الممكن أن يقضوا فيها أوقاتهم، والناس مرتاحة.

    فأحد الركاب -سبحان الله!- عند فطنة، وفقه الله عزَّ وجلَّ فوقف، فقال: يا صانع السفينة! سفينتك جميلة وأنيقة ومرتبة، وفيها كل شيء للتسلية والمتعة؛ لكن نحن الآن وسط بحر، والسفينة تمشي، ونحن ندخل في بحر عميق، فإلى أين أنت ذاهب؟ وأين هدفك؟ .. السفينة هذه ما هدفها؟

    قال: هاه! أنا ما أدري عن هذا، أنا أهم شيء عندي أنكم تنبسطون وتأكلون وتشربون وتمرحون وتلعبون؛ لكن الهدف ما أدري عنه، أنا مثلكم ما أدري عن هدفي، نحن ندخل هذا البحر بدون هدف محدد.

    فهذا هو واقع الحضارة الغربية اليوم، ولذلك أنا أريد أن أنتقل وإياك نقلة على الهواء مباشرة.

    وأنا قد ذكرت لك الآن موقف لويس ، وكيف نظرته للاستمتاع الدنيوي، وكيف موقفه عند الموت.

    نماذج من المؤمنين الصادقين

    وأنتقل لأذكر لك نماذج من المؤمنين الصادقين، وكيف كانت مواقفهم عند الموت، هل كان ثَمَّ خوف .. هلع .. رعب .. أو ماذا كان موقفهم؟

    حرام بن ملحان رضي الله عنه:-

    صحابي جليل، أرسله النبي صلى الله عليه وسلم مع مجموعة من القراء لدعوة الكفار إلى الإسلام والتوحيد.

    وحين كان حرام بن ملحان يخاطب الكفار، تآمروا عليه، وجاء أحدهم من ورائه، فطعنه بالرمح، فدخل الرمح في ظهره, وخرج من بطنه، فرأى الدم يفور من بطنه، وهذه لحظة موت، فماذا فعل هذا الصحابي؟!

    هل جلس يبكي؟ هل جاءه الخوف، وأصابته رجفة؟!

    هذا الصحابي رضي الله عنه لما رأى الدم يفور من بطنه رش الدم على وجه القاتل وهو يقول: [الله أكبر! فُزتُ ورب الكعبة] وهو صحابي لا يكذب، فهو يقسم في لحظة الموت أنه من الفائزين، وأنه فاز.

    لماذا يا إخواني؟!

    لأنه يرجو جنة عرضها السماوات والأرض، الدنيا عنده لا تساوي شيئاً، حتى قيل: إن قاتل هذا الصحابي بعد سنوات، وقد جلس يفكر -سنوات طويلة-: كيف أقتل الرجل، ويقول: فُزتُ؟! فاز بماذا؟! قيل: إن كلمة حرام بن ملحان رضي الله عنه كانت سبباً في إسلام قاتله، حيث أسلم وعرف أن الحق هو الإسلام.

    أنس بن النضر رضي الله عنه:-

    فاتته معركة بدر، فقال: [لئن أشهدني الله معركة في سبيله، لَيَرَيَنَّ اللهُ ما أصنع] الله أكبر! فلما تراجع المسلمون، استقبل الأعداء، والصفوف؛ ليواجه الموت، فيراه سعد بن معاذ رضي الله عنه، فيقول له: [إلى أين يا أنس ؟! يقول: إليك عني يا سعد ! إليك عني يا سعد ! فوالله إنِّي لَأجد ريح الجنة دون أحد] الله أكبر!.

    وهذا الصحابي أيضاً يُقسم، وفي لحظة ما تحتمل المزاح أو التمثيل، وهو يواجه آلاف الناس الآن، وأمامه سيوف ورماح وموت، فيقسم أنه يشم رائحة الجنة.

    فيقول ابن القيم رحمه الله معلقاً: هل كان يشم رائحة الجنة فعلاً؟! -أي: شماً حقيقياً؟!-.

    الشاهد: أن أنساً رضي الله عنه يقابل المشركين، فيستشهد رضي الله عنه، ويجدون فيه بعد المعركة أكثر من ثمانين طعنة وضربة، فلا تعرفه أختُه إلا ببنانه، سبحان الله العظيم!

    يقول الراوي: وفي أنس بن النضر وفي أمثاله من المؤمنين نزل قول الله عزَّ وجلَّ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب:23].

    عمير بن الحمام :-

    يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل المعركة: (والذي نفسي بيده! لا يقاتلهم اليوم مؤمن صابر محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله عزَّ وجلَّ الجنة) وهو بيده تمرات -كان يستطيع أن يستمتع ويأكل التمرات؛ لكنه متشوق إلى لقاء الله والجنة- فيقول: (بخٍ بخٍِ، يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: ما الذي حملك على هذه الكلمة، قال: يا رسول الله! ليس بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟! والله إنها لحياة طويلة إن عشتُ حتى آكل هذه التمرات، ثم يلقي التمرات التي في يده، ويدخل المعركة حتى يُقتل رضي الله عنه وأرضاه).

    خبيب بن عدي :-

    له موقف فيه غرابة، قد يُتَصَوَّر أن فيه ضعفاً، حيث تجتمع عليه قبائل الكفار، ويأسرونه، ثم يبدءون يقطعون أوصاله، يقطعون يده اليُمنى، يقطعون يده اليُسرى، رَجُل غريب وحيد فريد أمام قبائل من الكفار، مئات الناس مجتمعة عليه.

    يسأله واحد منهم، ويقول: هل تتمنى أن محمداً مكانك؟ -عليه الصلاة والسلام- فانظر رد العزة والقوة والشجاع والإيمان، يقول: [والله ما أتمنى أنني بين أهلي وأولادي سليماً معافىً ويُصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بشوكة] يقول: لا، ولا شوكة تأتيه، أنا أتحمل كل ما يأتيني، والرسول صلى الله عليه وسلم يكون بعافية. وهذا من حبهم لله ورسوله عليه الصلاة والسلام.

    هذا الصحابي ما خاف من الموت، بل عند الموت كان يقول شعراً:

    ولستُ أبالي حين أُقْتَل مسلماً     على أي جنب كان في الله مصرعي

    وذلك في ذات الإله وإن يشـأ     يبارك على أوصال شُلْوٍ مُمَزَّعِ

    قال: دعوني أصلي ركعتين. فصلى ركعتين، وهو أول من سنَّ صلاة ركعتين قبل الموت، ثم سلم وقال: [لولا أن تظنوا أني أطلت الصلاة خوفاً لكنتُ أطلتها] لكن صليت ركعتين خفيفتين؛ حتى لا يأتي في عقولكم أني خائف من الموت، الله أكبر!

    حنظلة غسيل الملائكة يسمع المنادي: يا خيل الله! اركبي، وكان قد جامع أهله، ولم يغتسل، فيوم سمع المنادي: يا خيل الله! اركبي انطلق مسرعاً، ولسان حاله يقول: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84] فيقاتل في المعركة حتى يُقتل، يقول النبي عليه الصلاة والسلام بعد المعركة: (اسألوا أهل حنظلة ماذا كان يصنع؟ فلقد رأيتُ الملائكة تغسله بصحاف الذهب والفضة بين السماء والأرض، فيسألون أهله قالوا: ماذا كان يصنع حنظلة ؟ قالت: كان جنباً، وسمع المنادي: يا خيل الله! اركبي، فانطلق للجهاد، ولم يغتسل) الله أكبر!

    أي شوق -يا إخوان- كان في قلوبهم لله والدار الآخرة والجنة؟!

    أي عزة كانوا يعيشونها؟!

    أي سعادة كانوا يعيشونها؟!

    1.   

    ضرورة الحذر من تقليد الكافرين ومحبتهم

    وأنا عندما أذكر لك يا أخي الرياضي! ويا أخي الكريم! نماذج من هؤلاء المؤمنين، وأقارن بين هؤلاء وبين الكفار الذين يخافون من الموت، لي هدف: فإني أريد أن أقول لك: إن قدوتنا -السلف الصالح- هم الذين ذاقوا طعم الحياة السعيدة، وهم الذين عرفوا حقيقة هذه الحياة، وعرفوا هدفهم في الحياة، هم الذين ينبغي أن نتشبه بهم، كما قال الشاعر:

    تشبهوا إن لم تكونوا مثلهـم     إن التشبه بالكرام فلاحُ

    فيا أخي الكريم! ويا أخي الرياضي! يا أخي الكريم في نفسه وخُلُقه! يا أخي العزيز بإيمانه وقرآنه! علينا جميعاً أن نحذر من الاقتداء بالنجوم العالمية، وتقليدهم التقليد الساذج البليد، تقليدهم في المظاهر، والاقتداء بهم في التوافه والأشكال، فإن هذا ضعف وانهزامية، ورفض لعزة الإسلام، لا يليق بك يا حفيد الصحابة!

    وقد كان في أحد الأرصفة ثلاثة من الشباب يلعبون بلوت، فزارهم مجموعة من الشباب منهم داعية يقال له: حسن وهو من أهل الكاميرون .

    والأخ حسن هذا -ما شاء الله- خريج الجامعة الإسلامية في المدينة، وهو رجل مهتم بالدعوة، وعنده دُعابة، وسرعة بديهة.

    فقام بزيارة مع بعض الشباب من أبناء هذا المجتمع الطيب، الذين كانوا يزورون الأرصفة، فجاءوا عند ثلاثة شباب يلعبون بلوت، وبدأ الأخ حسن يتكلم معهم، فقال: يا إخوان! نحن زائروكم زيارة في الله سبحانه وتعالى، ونسأل الله أن يزيد الإيمان في قلوبنا وقلوبكم، وحياتنا وحياتكم، ونسأل الله أن يفهمنا وإياكم، وأنتم أبناء التوحيد ... المهم بدأ يتكلم معهم.

    والشباب كانوا مستمرين، في لعب البلوت، يعني: ليسوا ملقين له بالاً.

    فقليلاً، ثم قال الأخ حسن ، لما رآهم ليسوا منتبهين، قال: يا إخوان! أنا أخوكم في الله من الكاميرون ، وزائركم زيارة في الله سبحانه وتعالى، وساعة أن سمع أحد الشباب الذين يلعبون البلوت، كلمة الكاميرون ، رمى الورق، وقفز يسلم على رأس حسن ، وقال: أنت من الكاميرون ؟!

    قال: نعم من الكاميرون.

    قال: هذه القُبلة على رأسك من أجل روجيه ميلا .

    و روجيه ميلا لاعب وهدَّاف مشهور في منتخب الكاميرون ، وهو من أبرز لاعبي الكاميرون، وهو ممثل الكاميرون في كأس العالم أكثر من مرة. الشاهد: أن الأخ حسن استغرب وقال: يا أخي! أنا الآن أكلمك من خمس دقائق أو عشر دقائق عن الإسلام والدين، والمحبة في الله، وقوة الإيمان، وأحسبك ساعة قمت تسلم على رأسي أنك تأثرت بالكلام عن الدين والإيمان، وكأنك تقول: جزاك الله خيراً، حركت فينا مشاعر الإيمان، وحركت فينا أشياء كنا نسيناها، وإذا بك تسلم على رأسي من أجل روجيه ميلا ! ثم يا أخي أنت ما تدري أن هذا لاعب نصراني؟!

    قال له الأخ: والله ما أدري عنه، أنا أعرف أنه لاعب هداف، وما أجمل هدفه الذي عمله ... لا أدري بأي فريق ذاك اليوم، وبدأ يشرح كيف أدخل هذا اللاعب الهدف.

    فالأخ حسن كان سريع بديهة، فقال: إيه! يعني: أنت سلمت عليَّ من أجل هذا اللاعب النصراني! لكن -يا أخي!- أنا أقترح عليك رأياً: روجيه ميلا أكثر أهدافه بالقدم، أليس لاعباً هدَّافاً؟!

    قال: نعم. لاعب هدَّاف.

    قال: هو أكثر أهدافه بالقدم، فما دام أنك سلمت عليَّ من أجل روجيه ميلا فالمفروض أنك ما تسلِّم على رأسي، بل أنك تسلم على قدمي.

    فالحقيقة عندما قال الأخ حسن هذه الكلمة، ضحك الإخوان الذين مع حسن، وضحك الإخوان الذين كانوا مع هذا الشاب.

    فهذا الشاب أُحرِج، وكان الأخ حسن يريد أن يوصل إليه رسالة، وهي أنه لا يقبل رأسه من أجل لاعب كافر، بل يقبل رأسه من أجل كلام الدين .. من أجل العلم الشرعي .. من أجل الدعوة.

    فلنحذر -يا إخوان!- من أن نصير مثل هذا الأخ الذي ضحك عليه الشباب. نسأل الله لنا وله ولكم التوفيق والإيمان والتوحيد.

    1.   

    كلمة مهمة في الولاء والبراء

    والآن أريد أن أختم موضوع الولاء والبراء بكلمة للشيخ صالح الفوزان حفظه الله، فهناك كتيب للشيخ اسمه: الولاء والبراء ، والشيخ ينبهنا لحقيقة العلاقة مع الكفار، وكيف نتعامل معهم، وخاصة الإخوان الرياضيين اليوم؛ فهم يلعبون في الأندية وفي المنتخب، وقد يتعاملون مع الكفار، ويسافرون إلى الخارج، أو يكون لديهم مدرب أو لاعب، فنحتاج إلى فهم هذا المسألة.

    يقول الشيخ حفظه الله: فالصلة والمكافأة الدنيوية شيء، والمودة شيء آخر.

    فننتبه إلى أن هناك فرقاً بين الصلة والمكافأة الدنيوية التي هي: التعامل الظاهر، وهناك شيء آخر الذي هو: المحبة القلبية والمودة.

    يقول الشيخ: لأن في الصلة وحسن المعاملة ترغيباً للكافر في الإسلام، فهما من وسائل الدعوة، بخلاف المودة والموالاة، فهما يدلان على إقرار الكافر على ما هو عليه، والرضا عنه, وذلك يسبب عدم دعوته إلى الإسلام.

    فالمعاملة الظاهرة: نعامل الكافر بلطف، ونصدق معه، ونهديه هدية، ونزوره، ونتحدث معه، وهذه ما فيها إشكال، مع الحرص طبعاً على دعوته، سواء بالقدوة، أو بإهدائه -مثلاً- شريطاً أو كتيباً أو كذا، أو نأتي ببعض الدعاة الذين يحسنون مخاطبته والحديث معه، فليس هناك إشكال في المعاملة الظاهرة، أما المحبة القلبية فنحذر منها، كما يقول الشيخ: فالصلة والمكافأة الدنيوية شيء، والمودة شيء آخر.

    فننتبه لهذا الأمر.

    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحيينا وإياكم بالتوحيد سعداء، وأن يميتنا عليه شهداء.

    1.   

    رسالة إلى المشجعين

    وعندي رسالة أحب أن أوجهها إلىأخي المشجع:

    فالآن كثير من المشجعين اليوم يهتمون بالتشجيع أكثر من اهتمامهم بممارسة الرياضة.

    ونرجع لقاعدة الميمات والنونات التي ذكرناها قبل قليل.

    يعني: أيهما أفضل لك: أنك تهتم بالتشجيع أكثر، أم تهتم بممارسة الرياضة أكثر؟!

    وأنتم تعلمون أن ممارسة الرياضة اليوم أصبحت أكثر أهمية من السابق، لماذا؟

    لأن في السابق كانت وسائل الحياة صعبة، والناس تبذل جهداً بدنياً، حتى يذكرون أن الواحد كان يجلس على الوجبة لجماعة فيأكلها كلها، فتجده يأكل ذبيحة، ويقولون: لأن هناك حركة، وجهداً، وتعباً، فيعوض هذا بالأكل؛ لكن اليوم لا يوجد جهد بدني، بل أكل، ونوم، وإنترنت، والطالب يجلس على الكرسي ست ساعات في المدرسة، ثم يرجع يجلس على الإنترنت ست ساعات كذلك، ثم ينام، والموظف نفس الشيء، جالس على الكرسي في العمل، وعندما يرجع إلى البيت يجلس أمام الإنترنت أو القنوات على الكرسي. فلا يوجد جهد بدني، إذا أراد أن يذهب فإنه يذهب بالسيارة، إذا ذهب السوق السلالم الكهربائية تتحرك نيابة عنه، وفي المطار السلالم الكهربائية تتحرك نيابة عنه. فالجهد البدني المبذول قليل.

    حتى قضية المياه: من نعم الله سبحانه وتعالى علينا اليوم أن الطفل الصغير يقدر أن يفتح صنبور الماء ويأتيه الماء، يقول لي أحد الجيران: في السابق -يا أخ عادل !- كنا نأتي بالماء عن طريق البئر، لا بد أن نذهب لنسحب الماء بالدلو، يقول: ونحن عندما نسحب الماء بالدلو نمارس رياضتين في آن واحد، ما هما الرياضتان يا إخوة؟

    قال: الرياضة الأولى هي: شد الحبل، أن نحتاج رفع الدلو من أسفل البئر.

    والرياضة الثانية هي: رفع الأثقال، يعني: شد حبل، ورفع أثقال، وهم يجيئون بالماء من البئر، وربما يكون هذا بشكل يومي.

    إذاً: هناك رياضة، وهناك جهد بدني؛ لأن وسائل الحياة كانت صعبة.

    لكن اليوم وسائل الحياة تيسرت، وهذه قد تكون نعمة، قد يقال: إنها نعمة؛ لكن ما نعتمد عليها، الذي يعتمد عليها ويركن إليها يبدأ يأتيه الكسل، والفتور، وضعفُ النشاط، والنوم، والخمول، وهذا يُلاحظ في كثير من الناس اليوم.

    المكيفات مثلاً: تجد في السابق الناس تنام في الهواء الطلق -الهواء الطبيعي- لكن اليوم النوم تحت المكيفات فتجد الشخص يصحو من نومه وهو يشكو من آلام في الظهر، وبعض الناس يشكو الروماتيزم، وبعض الناس رُكبه تؤلمه، ومفاصله تؤلمه، لماذا؟

    لأن قضية الوسائل الحديثة لها سلبيات، كما أن لها إيجابيات.

    فلا بد في هذا الواقع بحكم طبيعة أعمالنا، وطبيعة ظروفنا، وتغير وسائل الحياة أن نحرص على ممارسة الرياضة، والرياضة اليوم تعرفون أن لها علاقة بالصحة، يعني: السمنة .. الضغط .. السكر .. سوء الهضم، وكثير من الأشياء، فيذهب الشخص إلى الطبيب فيقول له: يا أخي! لا بد أن تمارس الرياضة. طبعاً الرياضة التي تناسبه، فشخص يناسبه المشي، والثاني الجري، والثالث السباحة، وهكذا، حسب الرياضة التي تناسب سنك وقدرتك، شيء لا يجهدك ولا يضرك، وفي نفس الوقت يفيدك وينفعك.

    حتى أذكر أن الدكتور عمر مديفر كان يتحدث في لقاء تليفزيوني وهو طبيب نفسي، فيقول: إن أحد الناس كان يشكو أن عنده أرقاً، فكان لا ينام في الليل، فهذا الدكتور نصحه بالرياضة، فصار هذا الأخ يمشي لمدة ساعة يومياً، ثم يقول: جاء بعد مدة وقال له: فعلاً صرتُ أرتاح في النوم، بعد أن مارستُ رياضة المشي لمدة ساعة يومياً.

    فالرياضة اليوم مهمة؛ لكن عندنا مشكلة أننا نهتم اليوم بالتشجيع أكثر من اهتمامنا بأن نمارس الرياضة.

    1.   

    نصيحة لمن يمارسون الرياضة

    وعندما نمارس الرياضة أنصح نفسي وإخواني بأمرين:

    الأمر الأول: قضية النية.

    فأنت مارس الرياضة، واجعل نيتك أن هذه الرياضة تعينك على طاعة الله سبحانه وتعالى، هذا النشاط الذي تكتسبه من الرياضة اجعله يعينك على طاعة الله سبحانه وتعالى، وبهذا تكسب أنك تمارس الرياضة التي تحبها، وتستمتع، وفي نفس الوقت يُرجى لك حسنات وأجور عند الله سبحانه وتعالى، وفضل الله سبحانه وتعالى واسع.

    الأمر الثاني: ننتبه بعد قضية النية، إلى أن الرياضة اليوم فيها تركيز على الرياضة الجسدية، والحقيقة أن مفهوم الرياضة في الإسلام أشمل وأوسع:-

    فالرياضة في الإسلام تشمل رياضة الجسد، ورياضة النفس أو الروح، ورياضة العقل.

    فرياضة العقل قد تكون -مثلاً- في علم المواريث والفرائض، فهذه فيها حسابات، وتحريك للعقل، وتشغيل له، وهذه موجودة في الإسلام، وكذلك التفكر في خلق السماوات والأرض، والتفكر في خلق الإنسان، فهذه كلها رياضة عقلية، يعني: تفتح آفاق العقل، وتنمِّي قدرات الإنسان العقلية.

    وهذه في الحقيقة ضعيفة جداً في واقعنا اليوم، فنحن نركز على رياضة الجسم فقط.

    وكذلك رياضة النفس: ومن القديم قال ابن القيم رحمه الله: ورياضة النفوس: بالتعلم، والتأدب، والفرح، والسرور، والصبر، والثبات، والإقدام، والسماحة، وفعل الخير، ونحو ذلك مما ترتاض به النفوس.

    ومن أعظم رياضتها: الصبر، والحب، والشجاعة، والإحسان، فلا تزال ترتاض بذلك شيئاً فشيئاً حتى تصير لها هذه الصفات هيئات راسخة، ومَلَكات ثابتة. انتهى كلامه رحمه الله.

    واليوم تجد لأننا نركز على الجسد فقط، وليس عندنا تمرين للنفس، ولا تربية، ولا تأديب للنفس، ولا عندنا رياضة عقلية، تجد اللاعب مستواه الفني واللياقي الجسمي ممتاز؛ لكن مستوى تفكيره ضعيف، ومستوى نفسيته وضبطه لأعصابه، وتحكمه في إرادته ضعيف.

    فالمشكلة أن اهتمامنا اليوم بالتشجيع أكثر من اهتمامنا بالممارسة، وعندما نمارس نركز على شيء واحد، وننسى أشياء مهمة في الممارسة أيضاً.

    1.   

    قضية التعصب في التشجيع

    ونأتي إلى نقطة يشكو منها الكثير من العقلاء، ليس فقط الناس المتدينون، بل كثير من العقلاء يشكون منها، حتى إنه جاءني رجل عادي يحافظ على الصلاة، فقال: يا أخ عادل! تكلم عن هذا الموضوع، قضية التعصُّب، وإيذاء الناس بالتفحيط في الشوارع، وإغلاق الإشارات، فبعض الشباب يجلس في الإشارة بعد المباراة، وربما يكون هناك إنسان مريض يريد الذهاب إلى المستشفى، وربما يكون هناك طفل يحتاج إلى مساعدة، وربما يكون هناك عائلة، فيجلس الشباب ويغنون ويرقصون، بحجة أن الفريق فائز، ولا يتحركون، ولا يبتعدون إلا إذا جاءت الجهات الأمنية فيبتعدون ويفسحون الطريق للناس.

    فالحقيقة زيادة التشجيع يصل عند بعض الإخوان لدرجة أنه يخرج الرياضة من كونها وسيلة للنشاط، والتعارف بين الناس، وزيادة المحبة بينهم، إلى كون الرياضة تصبح وسيلة للبغضاء، والشحناء، والتفرقة، وأذية الناس.

    وأعطيك أمثلة سريعة: قضية السب والشتم على المستوى الفردي، يعني: نحن كنا نلعب، وكثير من المشجعين تجده إذا رأى لاعباً ضيَّع فرصة بدأ يسب ويشتم، وقد يسبه ويسب والديه.

    وأذكُر من الطُرَف: أني كنتُ مرة في أملج ، وكانت هناك محاضرات تنظمها وزارة الشئون الإسلامية عن طريق مكاتب الدعوة والإرشاد -جزاهم الله خيراً- فكان من ضمن هذا لقاءات رياضية مع الشباب، فكنتُ أتكلم مع الشباب عن الرياضة، والمفهوم الصحيح للرياضة، وأنه نعتدل في تشجيعنا، وما يكون فيه تعصب وغلو وكذا، فجاءني أحد الإخوة بعدما انتهيتُ وسلم عليَّ وقال: الحمد لله أني لقيتُك قبل أن نموت، أو يفرق بيننا الموت، فإني أريدك أن تسامحني وتحللني.

    قلت له: خيراً إن شاء الله.

    قال: والله يوم كنت تلعب كنت أنا مشجعاً متعصباً، والحقيقة أني سبيتك وسبيت والديك أكثر من مرة، فهذا السب والشتم إن ما سامحتَ في الدنيا، قد يكون الحساب بعد ذلك في الآخرة، فأريدك أن تسامحني وتحللني.

    فقلت للأخ مداعباً: أنت تشجع فريقنا أو تشجع الفريق المنافس؟! -أنا تصورتُ أنه يشجع الفريق المنافس، فلذلك يسبنا!-.

    قال: لا، أنا أشجعك أنتَ وأشجع فريقك.

    قلت: كيف تسبنا وأنت تشجعنا؟!

    قال: إذا ما لعبتَ جيداً أو كثَّرت المراوغة أو ضيَّعت فرصة، فإني لا أملك أعصابي وأسبك.

    قلت: والله هذه مشكلة، إن لَعِبْنا جيداً سبنا الفريق المنافس، أو الجمهور المنافس، وإن لم نلعب جيداً سبَّيتمونا أنتم، نحن ما خَلَصْنا، يعني: نحن مشتومون على كل حال.

    فضحك الأخ وقال: المهم هذا في السابق، وعفا الله عما سلف، والمقصود أنك تسامحنا.

    قلت: الله يسامحك ويحللك، وأسأل الله أن يجمعنا وإياك في دار كرامته.

    فالسب والشتم هذا أولاً: يؤثر على قلب الشاتم نفسه، يعني: بدل ما يكون في قلبك محبة لإخوانك المسلمين، يصير في قلبك بغضاء، وسب وشتم ولعن، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ليس المؤمن بالطعَّان، ولا اللعَّان، ولا الفاحش، ولا البذيء) والحديث صحيح.

    واليوم هناك سب في الملعب، وسب في الإنترنت، وقد أراني أحد الإخوة ذات يوم موقعاً رياضياً، وإذا فيه كلام بذيء عن اللاعب الفلاني، يعني: يسبه جمهور الفريق المنافس، وأحياناً يأتون بصور ويركبون وجه اللاعب على صورة معينة؛ للسخرية منه، وأحياناً يتكلمون عن أشياء خاصة.

    وفي الحقيقة ما هكذا تكون العلاقة بين المسلمين، والرياضة نحن قلنا: أنها وسيلة للتعارف، والمحبة، وتقارب القلوب، ولا يصلح أنها تكون وسيلة للبغضاء والشحناء والسخرية والأذية.

    من آثار التعصب في التشجيع على مستوى الأسرة

    خذ على المستوى الأسري، وربما تستغرب؛ لكن هذا واقع، بعض المشجعين المتعصبين تحصل له أضرار من تشجيعه على نفسه، إما بالسب أو الشتم، أو تحصل لأسرته.

    فهذا أب يُسأل وهو مشجع متعصب، فيقال له: لو إن ولدك شجَّع الفريق المنافس لفريقك، ماذا تفعل له؟

    فتصوَّر ماذا كان ردَّ الأب!

    قال: أتبرأ منه!!

    ونحن نقول لمثل هذا الأب: يا أخي الكريم! يا أخي المسلم! يا أخي الفاضل! كم من أب اليوم عنده استعداد ليس للتبرؤ من ابنه، بل لمناصحة ابنه إذا رآه مقصراً في الصلاة؟! نسأل الله أن يكونوا كثيرين؛ لكن أن تتبرأ من ابنك لأجل أنه شجع فريقاً غير فريقك، فهذا فعلاً تعصب -وكما يقال- أعمى.

    زوج مع زوجته، وهذه القصة أخبرتني بها جارة هذه الزوجة.

    تقول: هذا الرجل مشجع متعصب، وهو آتٍ من الملعب، فدخل البيت، وفريقه قد انهزم من الفريق المنافس، أي: قد تلقى ضربة قوية، فدخل الرجل البيت، والدنيا مغلقة في وجهه، نسأل الله السلامة والعافية.

    فتقول: عندما دخل، وإذا بتقدير الله سبحانه وتعالى أن زوجته -وهي امرأة عامية ومستورة، وليس عندها اهتمام أصلاً بالرياضة- تلبس بلوزة، وتنورة على ألوان الفريق الخصم.

    قالت: فعندما رأى هذين اللونين على زوجته، الرجل -سبحان الله!- لا ندري ماذا جرى له؟! قال: لماذا تلبسين هذه الملابس؟

    وزوجته ما تدري ما الموضوع، قالت: وما فيها الملابس؟

    قال: أنتِ قصدك تغيظيني.

    المهم: كلمة منه، وكلمة منها، حتى رمى على زوجته الطلاق، نسأل الله السلامة والعافية.

    وبعد ذلك بدأ يذهب إلى المشايخ، ويقول: أنا يا شيخ كنتُ في حالة غضب، وكان الغضب يعميني، وأنا .. وأنا ..

    وتقول لي الجارة: وهو رجل أبو عيال، أي: عنده أبناء، فنسأل الله أن يهدينا وإياه.

    فقد وصل التعصب إلى هذه المرحلة!

    وذكر لي أيضاً أخ يقول: كان لي ابن عم يشجع فريقاً وأنا أشجع فريقاً آخر، يقول: وكنتُ متعصباً وعندي عاطفة قوية في تشجيع الفريق ومع الوقت -سبحان الله!- صرت أكره ابن عمي، يقول: فعلاً صرتُ أشعر أني أكره ابن عمي، يقول: والحمد لله إني رجل عاقل، لما وصلتُ إلى هذه المرحلة راجعت نفسي، فقلت: ماذا استفدت أنا من هذا التشجيع الذي جعلني أخسر ابن عمي؟!

    يقول: والحمد لله من ذاك الوقت، وأنا اهتماماتي بالمتابعة الرياضية قليلة، عندي البيت، والعمل، والحمد لله، وأؤدي صلاتي وفريضتي وأهتم بأبنائي وبيتي، وقللتُ كثيراً هذا من الجانب.

    من آثار التعصب في التشجيع على المستوى الاجتماعي

    فهذا على المستوىً الأسري، فتعال لنرى تأثيره على المستوى الاجتماعي.

    قلت لك قبل قليل: الشكوى من بعض الشباب وأذيتهم، والتفحيط، حتى إنه يحصل وفيات، فبعض المباريات حصل تفحيط وصار هناك وفيات.

    والأخ خالد الدايل جزاه الله خيراً يقول: أحد الشباب يحب التفحيط، وما له اهتمامات رياضية، فقط يقول: إن الرجل هذا عنده عَلَم في السيارة، عندما جاءت المباريات في الرياض بين النصر والهلال، يقول: عنده علم نصراوي وعلم هلالي، فإذا فاز النصر طلَّع علم النصر، وبدأ يفحِّط، وإذا فاز الهلال طلَّع علم الهلال وبدأ يفحط. يعني: الرجل مفحِّط مفحِّط، فقط إنه استغلال للتجمعات هذه على أساس التفحيط.

    فتعرفون -فعلاً- بعض الشباب توفى، فقد يصير تفحيط، ومع الجمهرة والزحمة والصدام تصير وفيات، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر للأموات، ويهدي الأحياء.

    وأذكر أن أحد الإخوة عندما كنتُ أتكلم مع الشباب عن الرياضة، وهو أخ فوق الأربعين سنة، وبعدما انتهيت قال: والله يا شباب! ليس عندي اهتمامات كروية، منذ الصغر لم يعطني الله متابعة لهذه الكرة.

    يقول: وفي يوم من الأيام صار لي موقف بعد هذا الموقف تغيرتُ، يقول: كان عندي ضيوف، ومُتَّفِقٌ مع المطبخ أن يجهزوا لي ذبيحتين للعشاء، يقول: وأنا لا أعلم أن هناك مباراة مهمة.

    يقول: وعندما ذهبت لآتي بالذبيحتين، وقد استأذنتُ من ضيوفي، فأخذت الذبيحتين ووضعتهما في مؤخرة السيارة، يقول: وأنا راجع وإذا بي في إشارة وعندها شباب يرقصون ويغنون، ولا توجد أي فرصة لكي أمشي، وطبعاً لم أستطع الرجوع، يقول: فانتظرتُ.

    يقول: سبحان الله! بعض الشباب المتجمعين رأوا الذبيحتين في السيارة، فإذا بي أرى ذبائحي تنـزل أمام عيني في الشارع، وإذا بالشباب بدءوا يتعشون، يقول: وبعد ذلك كلما جاءت سيارة شبابية ناداهم هؤلاء وقالوا: تفضلوا، تفضلوا، توجد وليمة، يقول: وهم ينـزلون.

    يقول: وأنا حقيقةً حمدتُ الله تلك الليلة أنه ليس عندي سلاح؛ لأنني كنت صراحة في موقف لا أُحسد عليه، يقول: الحمد لله أن الله أنزل عليَّ السكينة، وانتظرتُ حتى أكملوا الشباب، وأخذت صحوني، وذهبت لضيوفي في وقت متأخر، واعتذرتُ منهم، وقلت: يا إخوان! والله هذا الذي صار، فالعذر والسماح.

    طبعاً إذا صار التشجيع بالصورة هذه، ففي الحقيقة انقلبت الرياضة من كونها وسيلة للتعارف والمحبة، إلى كونها وسيلة للبغضاء، والشحناء، والتفرقة، وأذية المسلمين.

    فالحقيقة أوصي نفسي وإخواني المشجعين:

    أن نحرص على ممارسة الرياضة، وأن نهتم بها أكثر من اهتمامنا بالتشجيع.

    كما أوصيهم بالابتعاد عن التعصب.

    1.   

    أضرار المبالغة في التشجيع

    وتذكر -يا أخي الكريم!- أن اهتمامك المبالغ فيه بالتشجيع يكون على حساب اهتمامك بأشياء أهم، فهو يكون على حساب اهتمامك بتربية نفسك، فنحن نصلي -والحمد لله- ومسلمون، وفي كل صلاة، بل في كل ركعة نقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] لكن الهداية هذه التي تسأل الله عزَّ وجلَّ أن يهديك إياها، تحتاج إلى اهتمام، وجهد، وتفكير، وتحتاج إلى دعاء، ووقت تبذله.

    والشيخ صالح الحمودي يقول: نسأل الله أن يهدينا ما دام يَمْدِيْنا؛ لأنه قد يأتيك وقت ما تستطيع، يعني: ما تأتيك الهداية فيه؛ لكن طالما النَّفَس متردد وأنت حي، فهنا توجد إمكانية في الهداية.

    أنه يكون على حساب الاهتمام بتربية النفس

    فأقول: إذا اهتممنا بالتشجيع أكثر من اللزوم، فثق أنه سيكون على حساب اهتمامك بنفسك وتربية نفسك، وحرصك على الهداية، وأنت تعرف اليوم الفتن كثيرة جداً، وأيضاً سيكون هذا الاهتمام بالتشجيع على حساب حرصك على الثبات، وقد كان من أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (يا مثبت القلوب! ثبت قلبي على دينك)، فلا بد أن يكون عندك اهتمام بقضية الثبات، وقلق، وحرص. أما إذا صرفتَ عواطفك كلها أو أكثرها للتشجيع، فإنه سيصبح اهتمامك بالثبات ضعيفاً، واهتمامك بالهداية ضعيفاً.

    أنه يكون على حساب الاهتمام بتربية الأبناء والأسرة

    أيضاً: يكون اهتمامك المبالَغ فيه بالتشجيع على حساب تربية أبنائك وأسرتك، وأنت تعرف اليوم التغيرات السريعة، والعالم -يقولون- صار ليس قرية واحدة، صار غرفة واحدة.

    فالأبناء والبنات، يحتاجون حواراً، ووقتاً، واهتماماً تبذله، ومتابعة، فالأمور ليست مثل السابق، ففي السابق ربما كان أكثر الأشياء التي تشغل الشباب الكرة، ليس لهم إلا الكرة، لكن اليوم تفتحت وسائل كثيرة، ومشاكل كبيرة وكثيرة.

    فنحتاج إلى وقت، وإلى حوار، ونقاش، لا بد أن نوصل تجربتنا وخبرتنا إلى أبنائنا، وبناتنا، وجيراننا، وأحبابنا، وندلهم، ونختصر عليهم الطريق.

    فإذا كان أكثر اهتمامي بالتشجيع، فلن يصبح عندي اهتمام بهذا الجانب، ولا حتى أفكر فيه أصلاً؛ لأني مشغول بشيء أخذ وقتي وجُهدي، مثل هذا الرجل الذي جاء يطلق زوجته، أو الثاني الذي يقول: أتبرأ من ولدي، هذا كيف يكون عنده اهتمام بتربية الولد، والجلوس معه، ومحاورته، ومناصحته، وتوجيهه؟!

    أنه يكون على حساب الاهتمام بالعمل

    كذلك يا أخي الكريم! مبالغتك في التشجيع تكون على حساب اهتمامك بوظيفتك وعملك، فبعض الموظفين إذا انهزم فريقه فإنه يومان أو ثلاثة أيام لا يأتي إلى الدوام، وهذا واقع ومعروف، وبعضهم صرح:

    قال: أنا واحد من الناس الذين -فعلاً- إذا انهزم فريقي من الفريق الفلاني لا أستطيع أن أداوم.

    لماذا؟!

    قال: لأني يسخر بي الشباب في المكتب، وبعضهم يتصل: وفعلنا لكم، وهزمناكم، فأصبح في ضيق وغضب وحرج.

    فتأثرت الوظيفة، وتأثر العمل، وتأثرت مصالح المسلمين؛ لأن هذا الرجل بالغ في التشجيع، وإعطاء الكرة أكبر من حجمها.

    أنه يكون على حساب الاهتمام بقضايا المسلمين

    كذلك يكون -يا أخي!- في مبالغتك في التشجيع، واهتمامك المبالغ فيه، وتعصبك الزائد هذا على حساب اهتمامك بقضايا إخوانك المسلمين، فاليوم ترى ما يحدث لإخواننا في فلسطين مثلاً، والقتل والتدمير، فتقول: ليس لي شأن بهم؟!

    والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) انظر! أنت رياضي، وتعرف أنه إذا آلمك مفصلك أو ركبتك، وجئت تنام في الليل، ما يمكن أن ينام جسدك والركبة هي التي ساهرة ومتألمة أو المفصل، ما يمكن أن ينام الجسد وفيه جزء منه متألم، بل الجسد كله يسهر، وكله يتألم، هذا هو المثال الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لما يجب أن يكون عليه المسلمون مع بعضهم البعضُ.

    فانظر إلى الشاعر المسلم الذي يحمل هم قضايا الإسلام، وقد جلس ساهراً يقول:

    ما لي وللنجم يرعاني وأرعـاهُ     أمسى كلانا يعاف الغمضَ جفناهُ

    لا تحسبني محباً يشتكي وصبـاً     يهون في سبيل الحب ما يلقاهُ

    إني تذكرتُ والذكرى مـؤرقةٌ     مجداً تليداً بأيدينا أضعناهُ

    أنى اتجهتَ إلى الإسلام في بلدٍِ     تجده كالطير مقصوصاً جناحاهُ

    يا أخي! لا بد أن نهتم بحال إخواننا المسلمين.

    ونحن -والحمد لله- نعيش في نعمة، وفي أمن، وفي رخاء، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يديم الخير في هذا المجتمع، وفي مجتمعات المسلمين جميعاً.

    فمن شكر نعمة الله عزَّ وجلَّ -يا أخي الكريم!- أنا نتفقد حال إخواننا المسلمين، ونعطيهم نصيباً من دعائنا، ومساعداتنا، ومعوناتنا، أقل شيء الدعاء، فنتضرع بصدق: اللهم فرِّج عن إخواننا، اللهم ارفع كربتهم وفرِّج كربتهم، واقضِ حوائجهم.

    وأنت لَمَّا تدعو لأخيك المسلم في ظهر الغيب عندك مَلَك يقول: (ولَكَ بِمِثْل، ولَكَ بِمِثْل) فأنت المستفيد.

    ويدل هذا على أنَّا فعلاً صرنا مثل الجسد الواحد.

    فعلينا ألا ننشغل بالأمور الصغيرة، ونهمل الأمور الكبيرة العظيمة التي أوصانا بها الله سبحانه وتعالى، ورسوله عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    رسالة أخيرة إلى اللاعبين

    عندي رسالة أخيرة إلى أخي اللاعب:

    اللاعب وسط الأضواء، والشهرة، وإقبال الدنيا، وكثرة المعجبين، يشعر بنشوة، وينبهر بالأضواء، وكثرة المعجبين، وهذه المرحلة مرت علينا، وعلى كثير من الإخوة، ولو نَصَحَنا واحدٌ في وقتها، فالغالب أننا ما نسمع، فنسمع من الأذن اليمنى ونخرج الكلام من اليسرى؛ لأن اللاعب وسط الأضواء يشعر أن هذه المرحلة التي هو فيها مرحلة دائمة أو طويلة، لن تنتهي بسهولة؛ لأنه فعلاً ينبهر، الناس الذين يعرفهم والذين ما يعرفهم يسلمون عليه ويحيونه، وإذا راح إلى المطار خدموه، وإذا وقف عند الإشارة سلموا عليه، وإذا راح إلى السوق خفضوا له في الأسعار، طبعاً إذا كانوا يشجعون ناديه، أما إذا كان من النادي المنافس فيختلف.

    فالشاهد أن اللاعب فعلاً ينبهر بالأضواء، وأكثر اللاعبين في هذه المرحلة: إقبال الدنيا، والأضواء، والشهرة، والمعجبون -ونحن منهم وقد مرت علينا هذه- ينسون حقيقة كبيرة ذكرها صحابي جليل وهو أنس بن مالك رضي الله عنه في صحيح البخاري.

    يقول رضي الله عنه: (كانت العضباء -ناقة النبي صلى الله عليه وسلم- لا تُسبَق، فجاء أعرابي ذات يوم وسابق هذه الناقة فسبقها -ذاك اليوم انهزمت العضباء- فشق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ...) قالوا: كيف يأتي الأعرابي هذا ويهزمها، ويسبق بناقته ناقة النبي عليه الصلاة والسلام، فماذا قال لهم المربي العظيم، صلوات ربي وسلامه عليه؟!

    قال حديثاً عظيماً، ودرساً كبيراً، وقاعدة عظيمة، قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري : (إن حقاً على الله ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) انظر! كل شيء يرتفع في الدنيا لا بد أن ينـزل، فالقمة في الدنيا لا تدوم لأحد.

    ولو انتبهنا لمثل هذا الحديث يوم أن كنا نلعب، ولو ينتبه إخواننا الذين يلعبون الآن لمثل هذا الحديث لتغيرت أمور كثيرة، لصار هناك حرص على بناء المستقبل، ولأصبح اللاعب وهو يلعب ينتبه أن الأمور تتغير؛ لذلك يحرص على بناء مستقبله.

    وطبعاً لا إشكال في أنك تحرص -يا أخي الكريم! ويا أخي الرياضي!- على أنك تبني مستقبلك الدنيوي، ولا أحد يلومك في هذا، وهذا بلا شك أفضل من الشخص الذي يبعثر أمواله، وأوقاته في لذات مؤقتة، وينسى أن يبني مستقبله الدنيوي، لكن الإشكال أن تحرص على بناء مستقبلك الدنيوي، وأن يهديك عقلك لبناء مستقبلك الدنيوي، ولا يهديك هذا العقل لأن تفكر في مستقبلك الأخروي.

    نعجب والله يا إخوة! كيف هذه العقول تهدينا لبناء المستقبل الدنيوي الذي ما يستمر أكثر من ستين أو سبعين، أو ثمانين سنة، ولا تهدينا هذه العقول إلى بناء مستقبل يعيش فيه الإنسان خالداً مخلداً.

    يقول بعض السلف: لو كانت الدنيا ذهباً يفنى، والآخرة خزفاً يبقى، لاخترنا الخزف الباقي -لاخترنا الآخرة؛ لأنها مستمرة، ما تنتهي- فكيف والآخرة هي الذهب الباقي؟!

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي فيما يرويه عن ربه: (أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)فهذا المستقبل الحقيقي يا أخي! لا بد أن نحرص عليه، ونستثمر هذه الفترة؛ فترة القوة، والشهرة، والأضواء، وإقبال الدنيا، أن نستثمرها استثماراً ينفعنا في ديننا ودنيانا.

    وأذكر موقفين جميلين للاعبَين مختلفَين:

    الأول: موقف للاعب سلة أمريكي مسلم، اسمه: حكيم الجعوان .

    وهذا اللاعب زارنا في المملكة ، وعَمِل معه برنامج الرياضة والشباب في التليفزيون السعودي مقابلة، وهو لاعب طويل جداً، حتى إني مرة مشيت بجانبه، ورحنا فندق (هوليدي إن) فكان منظرنا ملفتاً جداً، وكل الناس ينظرون؛ لأنه طويل جداً، وأنا لا أصل تقريباً إلى أول فخذه، فبحكم إني رياضي، وجاءني عن طريق بعض الإخوة الرياضيين، كان يبحث عن زوجة، وجلستُ أنا وإياه نتكلم في الفندق، وبعد ذلك رأى عدداً من الأخوات؛ لكن كانت المشكلة في الطول، حيث إن طوله فارع جداً، وإلا فالرجل -ما شاء الله- دخله السنوي ثمانية ملايين دولار، وهو مشهور جداً في أمريكا .

    فالشاهد: أن هذا اللاعب كان في يوم جمعة عنده مباراة سلة في أمريكا ، فخرج يصلي، وإذا بالمصورين والصحفيين أمام بيته، يريدون أن يعملوا معه لقاء، فقال لهم: يا جماعة! أنا مسلم وعندي صلاة جمعة، وهذا يوم عيدنا الأسبوعي، فأنا أذهب لأصلي، وبعد الصلاة نتقابل معكم، فذهب إلى المسجد فلحقوه، وصوروا صلاة الجمعة، ونُقلت على الهواء مباشرة في التليفزيون الأمريكي.

    فهذا اللاعب لحرصه على الصلاة وبسبب شهرته نُقلت هذه الصلاة في التليفزيون، وهذا العمل طيب، فهو استغل الشهرة، ومكانته الرياضية لخدمة دينه.

    وموقف أيضاً جميل للاعب المنتخب الأخ نواف التمياط :-

    الحقيقة قرأتُ عنه، وفرحتُ له، حيث كان يُعالَج في فرنسا ، وجاء عدد من الصحفيين الأجانب ليفعلوا معه مقابلة، وكان معهم صحفي يهودي، فلما عرف أنه يهودي قال له: أنت ما أتقابل معك، أنتم تقتلون إخواننا في فلسطين ، وتأتي لتعمل معي مقابلة! ما أريد أن أتقابل معك، فطُرد هذا الصحفي من القاعة.

    فالحقيقة هذا موقف جميل، ويدل على اهتمام طيب، وعقلية طيبة، وأسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق للأخ نواف ، ولجميع إخواننا الرياضيين، ولجميع إخواننا المسلمين.

    ضرورة الحرص على استثمار فترة الشباب

    فنحرص -يا أخي الرياضي- على أن نستثمر هذا الوقت، وهذه القوة، والشباب، والشهرة، والأضواء، في أمر يخدم ديننا، وينفعنا في ديننا ودنيانا.

    وأقول: نحن سمعنا الآن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن حقاً على الله ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) .

    فلا بد أن ننتبه أن الدنيا متغيرة وسريعة الانتهاء، وأن الموت قد يأتي فجأة.

    وأذكر مرة من المرات: أني ذهبت زيارة للأخ إبراهيم الحلوة في مغسلة الراجحي، وكان الإخوة هناك يغسِّلون جنازة شاب عمره تسع عشرة سنة، توفي في حادث، فقال الإخوة: تعال يا عادل ! نجعلك تتعلم كيف تغسِّل معنا، فوقفتُ لمساعدة بسيطة للأخ الذي يغسِّل.

    فما إن لبثنا قليلاً حتى جاء زملاء هذا الشاب، فجاء زميل له وهو ابن عمه في الوقت نفسه، وهو تقريباً في مثل سنه.

    فالأخ الذي جاء كان مندهشاً، فهو لِتَوِّه سمع خبر الوفاة، فجاء مسرعاً إلى المغسلة، فقال: يا أخي! أكيد يوجد شخص آذاه، فلا بد أن نعمل تقريراً من المرور؛ لأن الرجل كان معنا في البر، وذهب يريد أن يمر إلى البيت ويرجع، وهذه الطلعة لم نره بعدها، وكيف انقلب؟!

    المهم كان الرجل متحمساً ومتأثراً جداً.

    فقال له الأخ الذي يغسٍّل: يا أخي! أولاً: اذكر الله سبحانه وتعالى، وتعوَّذ بالله من الشيطان الرجيم، وخفِّض صوتك، فالآن زميلك قد توفي، فاسأل الله له الرحمة والمغفرة.

    فقال: يا أخي! هذا ما أخذ من الدنيا شيئاً.

    فعندما قال هذه الكلمة قال له الأخ الذي يغسِّل: كم عمر أخيك؟

    قال: أظنه ثماني عشرة سنة أو تسع عشرة.

    قال: وأنتَ؟

    قال: وأنا في العمر نفسه، فهو بينه وبينه سنة.

    قال: إذاً انتبه لنفسك، ولاحظ! أن الذي ذهب وما أخذ من الدنيا شيئاً ربما يقع لك الوضع نفسه.

    قال: لا إله إلا الله!

    قال: إذاً انتبه لنفسك، ولاحظ! أن الموت يأتي فجأة، وأسألك بالله عندما ذهب أخوك من البر هل توقعت أنه يموت؟

    قال: لا. والله ما توقعت.

    قال: هل جاء في بالك أنه سيقع حادث ويتوفى؟

    قال: لا. والله ما توقعت.

    قال: إذاً انتبه، ولاحظ! أن الموت يأتيني ويأتيك فجأة.

    فننتبه يا إخوان!

    والحقيقة: الذي أخشى منه أن هذا اللاعب الذي اغتر بالأضواء، والشهرة، وانبهر بها، ونسي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن حقاً على الله ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) ربما يندم وقت الاعتزال، أو إذا أصيب وهو لم يبن مستقبله، أو جاء لاعبٌ أفضل منه وأخذ خانَتَه، فيقول: والله! أنا ما كوَّنت مستقبلي.

    وأذكر أنه قال لي أحد المشجعين قبل عدة أيام: ذهب إلى لاعب مشهور اعتزل قريباً، يقول: جئته قبل مدة -قبل اعتزاله- وكنت أكرر الزيارة عليه، وكلما جئته وإذا البيت والأنوار مسرجة، والسيارات مزدحمة أمام البيت، وإذا دخلت التليفون لا يتوقف عن الرنين، في كل لحظة يرن، فإذا هو إداري، أو صحفي، أو مشجع، وكذا، والبيت مليء، بالجماهير والمعجبين، ثم يقول: سبحان الله! جئته الآن بعد الاعتزال أريد أن أقدم له كرت زواج لقريب لي، لكي يحضر، وعندما جئت وإذا بالبيت خاوٍ على عروشه، لا أنوار، ولا سيارات، والرجل لوحده في البيت، فقلت: سبحان الله! ما أسرع تغير الدنيا!

    الخسارة الكبرى

    فنقول يا إخواني: هذا اللاعب الذي ما انتبه لنفسه، ولم يكون مستقبله، هذا من الممكن أن يقال: أنه ما خسر كثيراً، إذا كانت المسألة مسألة دنيا؛ لأنه من الممكن أن يستدرك، ومن الممكن أن يعوضه الله سبحانه وتعالى خيراً.

    لكن الشيء الذي أخاف منه، والشيء الذي أنصح نفسي، وإخواني عموم الرياضيين وعموم الشباب به: أنه -يا إخوان!- أنا أخشى أن ننبهر بأضواء الغرب، وقنوات الشر، وحياة الغرب التي الآن تأتينا عن طريق الوسائل الإعلامية: عن طريق الانترنت .. القنوات، أخشى أن ننبهر بهذه الحياة، ونضعف في صلاتنا، ونضعف في علاقتنا بالله عزَّ وجلَّ، ثم يفاجئنا الموت، فلا نصحو إلا إذا وقع الفأس في الرأس، أخشى أن تبهرنا هذه الأضواء فننسى أول ليلة في القبر، الذي سوف نسكنه، أول ليلة في القبر تمر علي وعليك، التي يقول عنها الشاعر:

    فارقتُ موضع مرقدي     يوماًً ففارقني السكونْ

    القبر أول ليلة     بالله قل لي ما يكونْ

    ويقول عن هذه الليلة شاعر آخر:

    والله لو عاش الفتى في دهـرِهِ     ألفاً من الأعوام مالك أمرِهِ

    متلذذاً فيها بكل نفيسةٍ     متنعماً فيها ينعمى عصرِهِ

    لا يعتريه الحزن كـلا     ولا تَرِدُ الهموم ببالِهِ

    ما كان ذلك كله في أن يفـي     بمبيت أول ليلة في قبرِهِ

    فننتبه ألا تشغلنا هذه الأضواء، وحياة الغرب، التي في ظاهرها عسل، وفي حقيقتها سم، ونار، وحيرة، وقلق، وكآبة، لا تشغلنا هذه الأمور الكاذبة عن حقيقة إسلامنا وتوحيدنا وعزنا وسعادتنا.

    وأخاف -والله- أن بعض الشباب ما ينتبه إلا إذا وقع الفأس في الرأس، ووقع في المصيدة؛ لكن هل ينفعه الندم والانتباه في تلك اللحظات؟!

    يقول ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر : أظرف الأشياء إفاقة المحتضر -الذي تأتيه سكرات الموت ينتبه- عند موته، فإنه ينتبه انتباهاً لا يوصف، ويقلق قلقاً لا يُحد، ويتلهف على زمانه الماضي، ويود لو تُرك والتدارك، ويصْدُق توبته على مقدار يقينه بالموت، ويكاد يقتل نفسه قبل موتها بالأسف، ولو وُجدت ذرة من تلك الأحوال في أوان العافية لحصل كل مقصود من العمل بالتقوى.

    فننتبه يا إخوان، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينبهنا وإياكم من رقدات الغفلة.

    نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن رحمه الله عزَّ وجلَّ، وغفر له زلَلَه وإجرامه، وأسعده بطاعته، فاستعد لما أمامه.

    1.   

    إذا أردت أن تكون نجماً لامعاً

    أعد ترتيب الأولويات في حياتك

    أخيراً: أيها الإخوة الكرام! أيها الأخ الرياضي! إذا أردتَ أن تكون نجماً لا معاً فأعد ترتيب الأولويات في حياتك، لا تهتم بالميمات أكثر من اهتمامك بالنونات .. لا تهتم بالدنيا أكثر من اهتمامك بالآخرة .. قال الله عزَّ وجلَّ: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص:77] .

    لا تتشبه بالكفار

    أخي الشاب: إذا أردت أن تكون نجماً لامعاً فلا تتشبه بالكفار في مظهرك ولباسك، ولا تحبهم في قلبك، واحرص على دعوتهم ومعاملتهم بالحسنى، ولا يمنع أنك تستفيد مما عند الكفار من إيجابيات، بشرط أن تتذكر دائماً أن الإسلام يعلى ولا يعلى عليه.

    وإذا أردتُ أن تعرف من هم الرجال الذين يُقتدى بهم، فابحث عن النجوم الحقيقيين، وتشبَّه بهم، إنهم سلف هذه الأمة الصالحون، الذين ذكرتُ لكم بعضاً من سيرهم، وكذلك في واقعنا علماء ودعاة هذه الأمة المباركين، الذين يعيشون بيننا، قال الشاعر:

    وتشبَّهوا إن لم تكونوا مثلهـم     إن التشبه بالكرام فلاحُ

    سخِّر قلمك للحق والعدل

    أخي الإعلامي: إذا أردتَ أن تكون نجماً لامعاً فسخِّر قلمك للعدل والحق، واحرص على توجيه الرياضة توجيهاً سليماً، وتجنب الظلم والإساءة للآخرين، وجرح مشاعرهم، وتذكر قول الشاعر:

    وما من كاتب إلا سيمضـي     ويُفْنِي الدهر ما كتبت يداهُ

    فلا تكتب بكفك غير شـيء     يَسُرُّك في القيامة أن تراهُ

    مارس الرياضة التي تناسبك وابتعد عن التعصب

    أخي المشجع: إذا أردتَ أن تكون نجماً لامعاً فمارس الرياضة التي تناسبك، واهتم بها أكثر من اهتمامك بالتشجيع، وابتعد عن التعصب وانبذه، تكسب سلامة قلبك، وطمأنينة قلبك، ومحبة إخوانك المسلمين.

    سخِّر شهرتك للخير ونصرة الدين

    أخي اللاعب: إذا أردتَ أن تكون نجماً لامعاً فسخِّر شهرتك للخير، ونصرة هذا الدين، واحرص على مستقبلك الأخروي كما تحرص على مستقبلك الدنيوي، واحذر الاغترار بالأضواء، وتذكر دائماً قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن حقاً على الله ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه).

    ولنتذكر أخيراً -أيها الأحبة! أن أعظم ثروة لدينا، وأعز شيء لدينا هو: هذا الدين العظيم، الذي هو تاج على رأسي ورأسك، فغيرنا بروفيسورات ودكاترة وشهادات علمية عالية، وهم -والله- يعبدون البقر، والأصنام، والأوهام، بينما أنعم الله عزَّ وجلَّ علينا بهذا الدين، وهذه العقيدة الصحيحة، وهذا التوحيد، فلنحرص على شكر نعمة الله عزَّ وجلَّ، والترقي في مراتب الإسلام، والإيمان، والتقوى، والإحسان، ولنحرص أن نكون ممن إذا أنعم الله عليه شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر.

    بهذا -أخي الكريم!- تكون نجماً لامعاً، يُرجى لك خير عظيم عند الله عزَّ وجلَّ، تشهد لك الأرض بكلامك الطيب، وعملك الصالح، وتبكي عليك السماء عند موتك، قال مجاهد رحمه الله: إذا مات المؤمن بكى عليه مواضع سجوده، ومصاعد عمله إلى السماء، وذلك عند تفسير قوله تعالى: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ [الدخان:29] . نعم، تشهد لك الأرض، وتبكي عليك السماء، وتستغفر لك ملائكة السماء، وتعيش في سعادة في هذه الدنيا؛ لأن معتقدك صحيح، وهدفك واضح، وسيرك ثابت، وقدواتك هم خير الناس من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والصالحين، والعلماء، والدعاة.

    لا تجزع عند مصيبة، ولا تبطر عند نعمة، ولا تصر على معصية، وكن مباركاً حيثما كنتَ، يذكرك الناس بخير، ويُرجى لك خير أعظم عند الله عزَّ وجلَّ.

    جعلني الله وإياكم نجوماً تدل الحائرين على الطريق.

    اللهم اجعلنا ممن إذا أذنب استغفر، وإذا أُنعم عليه شكر، وإذا ابتُلي صبر.

    اللهم يا حسن التجاوز! يا باسط اليدين بالرحمة! يا أرحم الراحمين! يا أكرم الأكرمين! اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، وارحم غربتنا.

    اللهم أصلح قلوبنا، وأحوالنا، وأحوال المسلمين في كل مكان.

    اللهم أصلح نياتنا، وزوجاتنا، وذرياتنا، وأخواتنا، وإخواننا، ونساء المسلمين، وشباب المسلمين، وردنا جميعاً إلى دينك رداً جميلاً، يا أرحم الراحمين!

    اللهم نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى لإخواننا المستضعفين المسلمين في كل مكان فرجاً عاجلاً، ونصراً قريباً.

    اللهم انصر إخواننا في فلسطين ، وارحم ضعفهم، وشيوخهم، وأطفالهم، ونساءهم، وفرِّج كرباتهم، يا أرحم الراحمين!

    ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله النبي محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756225526