إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد الرحيم الطحان
  5. سلسلة مباحث النبوة
  6. مباحث النبوة - أحداث في بيت النبي صلى الله عليه وسلم [2]

مباحث النبوة - أحداث في بيت النبي صلى الله عليه وسلم [2]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كانت عائشة رضي الله عنها حبيبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يصدر منها مثل ما يصدر من الزوجات تجاه الضرائر، فكان صلوات الله وسلامه عليه يتعامل مع كل ذلك بسعة صدر وعفو وإحسان ورحمة، مراعاة منه عليه الصلاة والسلام لما جبلت عليه المرأة من الغيرة وحب الانفراد بالزوج دون سائر أزواجه، ولكن ذلك كله لم يمنعه من العدل والإنصاف وأخذ الحق ممن توجب عليه منهن ورده إلى صاحبته صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً.

    1.   

    كيفية تعامل النبي مع ما وقع من عائشة من كسرها لقصعة ضرتها وإراقة ما فيها من طعام

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً, وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا, وعلمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين! اللهم زدنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين! سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك! سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك! اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد: إخوتي الكرام! لازلنا نتدارس خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أهله الكرام، وتقدم معنا أن خير الناس خيرهم لأهله، ونبينا عليه صلوات الله وسلامه هو خير المخلوقات، فهو خير المخلوقات إذاً لأهله عليه صلوات الله وسلامه في جميع الأحوال والأوقات، وقد تقدم معنا شيء من معاملة نبينا عليه صلوات الله وسلامه وخلقه مع أهله، فبينت أنه كان في كل يوم يمر نبينا عليه صلوات الله وسلامه على نسائه أمهاتنا الطيبات الطاهرات، ويتفقد أحوالهن ويؤانسهن، كما كان عليه صلوات الله وسلامه يخلص في حبهن, ويحفظ ودهن في حياتهن وبعد موتهن, على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه.

    كما تقدم معنا الأمر الثالث, ألا وهو حسن عشرته وكريم معاشرته لهن عليه وعليهن صلوات الله وسلامه.

    والأمر الرابع قلت: وبه يتجلى حسن الخلق على وجه التمام والكمال: كان يتحمل تقصيرهن ويصبر على قصورهن عليه وعليهن صلوات الله وسلامه.

    وقلت إخوتي الكرام: ما جرى من تقصير وقصور من أمهاتنا نحو نبينا عليه صلوات الله وسلامه قلت: إن هذا يسير وعدده محصور. وقلنا: إذا أردنا أن نستقصي ما جرى في بيت نبينا عليه صلوات الله وسلامه من نسائه مما يمكن أن يعتبر قصوراً وتقصيراً، فتقدم معنا أنه لا تصل الحوادث في ذلك إلى عدد أصابع اليدين، فهي دون العشر كما تقدم معنا ذلك، وذكرت خمس حوادث مما جرى من أمهاتنا أزواج نبينا فيما بينهن وفيما بينهن وبين نبينا عليه صلوات الله وسلامه. وبينت أن ذلك القصور والتقصير لا تنفك عنه طبيعة البشر، وإذا جرى على حسب ما ركز في الإنسان من غفلة وغضب وقصور وتقصير, فلا يدل إلا على أن الإنسان فيه هذه الصفات, فينبغي أن يجاهد نفسه، ويدل أيضاً على أن هذه الحياة لا تخلو من المعكرات والمكدرات، فالقصور إذا لم يكن متعمداً ولم يكن دافعه خبث القلب وفساد النفس فلا يضر، فلا يدل كما تقدم معنا إلا على قصور هذا البشر، وأنه ما دام في هذه الحياة ما يمكن أن يكون كاملاً مكملاً, إنما دار الآخرة هي دار الكمال, وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:64]. هي الحياة الكاملة التي لا تنغيص فيها بوجه من الوجوه، كما تقدمت معنا الإشارة إلى ذلك. فنبينا عليه صلوات الله وسلامه خير خلق الله, وقد أدبه ربنا فأحسن تأديبه, وأثنى عليه بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]. فهو الذي لا يصدر منه القصور والتقصير عليه صلوات الله وسلامه، وأما من عداه فالأمر كما قال أئمتنا:

    من الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط

    محمد الهادي الذي عليه جبريل هبط

    هذا الذي ما ساء قط, وهذا الذي يتصف بالحسنى فقط عليه صلوات الله وسلامه, فلا يجري منه القصور ولا التقصير عليه صلوات الله وسلامه، وأما من عداه - فكما قلت- إذا جرى منه القصور والتقصير دون أن يكون ذلك متعمداً، ودون أن يكون الدافع لذلك خبث القلب وفساد ونجاسة النفس, فلا يضر الإنسان, إنما يدل فقط على أن الإنسان في هذه الحياة مجبول على القصور والتقصير، وما عليه إلا أن يلجأ إلى الله الجليل سبحانه وتعالى في جميع أحواله، وأن يقلع عن قصوره, وأن يندم على ما جرى من تقصيره، هذا الذي ينبغي أن يتصف به الإنسان.

    ولذلك إخوتي الكرام! ما جرى من شوائب من أمهاتنا أزواج نبينا الطيبات الطاهرات المطهرات على نبينا وعلى آل بيته وصحبه صلوات الله وسلامه، فقلت: ما نذكره من باب تعييرهن, فحاشاهن من أن يعيرن! إنما نذكر ذلك لبيان ما حصل في بيت النبوة، وكيف عولج من قبل نبينا الحليم الرحيم عليه صلوات الله وسلامه؛ لنقتدي به في معالجة هذه الأحوال التي تطرأ في بيوتنا بعد نبينا عليه صلوات الله وسلامه، فهو أسوتنا وقدوتنا كما تقدم معنا فيما نحب وفيما نكره، فينبغي أن نقتدي به في الشدة كما نقتدي به أيضاً في الرخاء، ونقتدي به فيما نحبه عندما نعاشر الزوجة وتطيعنا، ونقتدي به فيما نكرهه أيضاً عندما نعاشر الزوجة, وأحياناً تقصر في حقنا، وهكذا إذا نحن قصرنا فهي تتحمل. ونسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من ذوي الأخلاق الحسنة الطيبة الهينين اللينين, إنه أرحم الرحمين وأكرم الأكرمين.

    سأذكر إخوتي الكرام في هذه الموعظة ثلاث حوادث أيضاً مع الخمس فيصبح المجموع ثمان، ولا يمكن أن يزاد على ذلك شائبة من الشوائب. وكما قلت: جمعتها وحقيقة غير محمود أن يجمع الإنسان هذه السلبيات في مكان واحد، لكن لنقطع ألسنة الذين يتكلمون بالباطل, ويقولون: كان يجري في بيت النبي عليه الصلاة والسلام ويجري، وهذا يدل على أنه إذا حصل تعدد سيترتب عليه مشاكل، قلت: لا ثم لا، هن تسع نسوة في تسع سنوات ما جرى في هذه السنوات التسع سوى تسع حوادث، وعلى سبيل الاستقصاء ثمان حوادث وقعت في بيت نبينا عليه صلوات الله وسلامه، عولجت بعد ذلك بهذه المعالجة الحكيمة الحليمة الرحيمة.

    فاستمعوا إخوتي الكرام! للحادثة السادسة التي جرت في بيت نبينا عليه الصلاة والسلام، أوردها مختصرة، ثم أذكر الروايات والدلالات عليها، تقدم معنا أنه ركز في طبيعة النساء الغيرة، فنبينا عليه صلوات الله وسلامه كما تقدم معنا كان يعدل في القسم, ولم يوجب الله عليه ذلك، وكان يقوم به على وجه التمام، فهو في بيت عائشة رضي الله عنها وأرضاها تكررت ثلاث حوادث, الحادثة الأولى: أرسلت أمنا حفصة رضي الله عنها وأرضاها إلى النبي عليه الصلاة والسلام طعاماً وهو مع أصحابه في بيت أمنا عائشة.

    حادثة ثانية: أرسلت أمنا أم سلمة طعاماً إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو مع أصحابه, وأمنا عائشة تصنع طعماً على عجل.

    حادثة ثالثة: أرسلت أمنا صفية طعاماً إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وهو مع أصحابه أيضاً في بيت أمنا عائشة.

    الحوادث الثلاث في بيت أمنا عائشة وفي قسمها ونصيبها، فما تحملت أمنا الطيبة الطاهرة المباركة, فأخذتها الغيرة ضربت القصعة فكسرتها، وتناثر الطعام, فجمعه نبينا عليه الصلاة والسلام, ولا أظهر تأففاً ولا غضباً ولا انفعالاً، والصحابة حضور, فماذا قال؟ يلتمس عذراً لأمنا عائشة قال: ( غارت أمكم ), يعني: التمسوا لها العذر، ما أحد يتكلم, الذي يتكلم نقطع الآن لسانه هذه جاءتها غيرة البشر، ولذلك ليس هذا من باب خبث القلب ولا فساد النفس. ثم جمع عليه الصلاة والسلام هذا الطعام وحبس الرسول الذي جاء من قبل حفصة وأم سلمة كما قلت وصفية في الحوادث المتعددة، حتى جاءت قصعة أمنا عائشة , فأرسلها إلى التي كسرت قصعتها، فقال: ( إناء كإنائها وطعام كطعامها ). وانتهت المشكلة، هذه الحادثة جرت في بيت النبي عليه الصلاة والسلام، ولا أريد أن نقول: يا ليتها لم تجر! لا، إنما جرت ولله الحكمة فيما شاء وقدر لنقتدي بهذا الفعل، وإن هذا لا يعتبر تعييراً في الرجل, ولا منقصة فيه إذا جرى هذا بين أزواجه حتى أمام ضيوفه، لا حرج، ونلتمس العذر, ( غارت أمكم ), أي: لا أحد يتكلم؛ لأنها في وقت انفعال، والإنسان بعد أن يهدأ يندم، لذلك تقول أمنا عائشة كما سيأتينا في الروايات التي سأذكرها: ( فنظرت إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقلت: أعوذ برسول الله أن يلعنني هذا اليوم )، يعني: أنا أغضبته الآن وكسرت القصعة وتناثر الطعام، كما سيأتينا والروايات صحيحة. فقال: لا ألعنك ولا ألعن أحداً، وما لعن عليه الصلاة والسلام أحداً من خلق الله حتى يلعن زوجه أم المؤمنين، قال: ( أو لا، إناء كإنائها، وطعام كطعامها ). دع المشكلة تزول، ولا داعي للعن ولا للانفعال ولا للغضب، لا بد من معالجة هذه القضية، فنلتمس لك عذراً.

    فاستمع لهذه الحوادث الثلاث التي جرت في بيت نبينا عليه الصلاة والسلام.

    أما الحادثة الأولى: قلت حفصة أوليس كذلك؟ بدل حفصة زينب رضي الله عنها وأرضاها، زينب وأم سلمة وصفية .

    الحادثة الأولى: رواها الإمام البخاري في صحيحه، وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم، فهي في صحيح البخاري والسنن الأربع إلا سنن ابن ماجه , عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه ). أبهمها أنس تفخيماً لشأنها، فكأنه يقول: هي أفضل نساء النبي عليه الصلاة والسلام, وهي معلومة, قال: ( فأرسلت إليه إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام ), والصحفة كالقصعة، والقصعة كما قال علماء اللغة: إناء من خشب، وأما الصحفة فهي قصعة مبسوطة, قد تكون من خشب وقد تكون من غيره. إذاً: أرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، هذه المرسلة هي زينب بنت جحش كما ثبت ذلك في المحلى لـابن حزم بإسناده: ( أن زينب رضي الله عنها أهدت إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو في بيت عائشة رضي الله عنهم أجمعين جفنة من حيسٍ )، والحيس: الطعام المتخذ من تمر وأقط وسمن، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق، يعني: تمر وسمن لا بد منه، وقد يكون معه أقط وقد يكون دقيق، تمر وسمن ودقيق، أو تمر وسمن وأقط، يعجن مع بعضه، والأقط هو اللبن المجفف، هذا يقال له: حيس. أرسلت أمنا زينب جفنة من حيس، وكما قلت: هو في بيت أمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين.

    قال: ( فأرسلت إليه إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام, فضربت التي هو في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: غارت أمكم، غارت أمكم، ثم حبس الخادم حتى أوتي بصحفة من عند التي هو في بيتها -يعني: من عند أمنا عائشة - فدفعها إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرتها ). وزالت المشكلة من أولها لآخرها. فانظر لهذا النبي الحليم الكريم عليه صلوات الله وسلامه، كيف عالج هذا دون أن يتكلم كلمة عتاب، لا لمن كسرت ولا لغيرها, ولا لتلك لما أرسلت، وتلك في الحقيقة أيضاً على حسب موازين الغيرة أيضاً تعتبر تجاوزت حدها، ينبغي أن تستأذن من صاحبة القسم، هل ترسل أم لا؟ فكأن أمنا عائشة رضي الله عنها ترى أن تلك تجاوزت الحد, وأنها ما تقوم نحو النبي عليه الصلاة والسلام بما يجب حتى أرسلت تلك طعاماً، وطعام أمنا عائشة قد تأخر، فإذاً: كأنها مقصرة، فهذا الذي دعاها للانفعال فضربت القصعة، والنبي عليه الصلاة والسلام ما عاتب هذه ولا عاتب تلك, فكأن المسألة سهلة ولا داعي للتعليق عليها ولا ببنت شفة، فأجلس الخادم حتى أتي طعام أمنا عائشة فأرسله بصحفته إلى أمنا زينب , وانتهت المشكلة.

    حقيقة الحادثة كما جرت ليس فيها لغط ولا سباب كما تقدم معنا ولا مهاترات، كما يجري من البشر في هذه الأوقات. نعم هي شائبة, لكن لا بد من معالجتها بالحكمة. هذه القصة الأولى كما قلت, وهي في بيت أمنا عائشة رضي الله عنها, والمرسلة هنا زينب .

    وفي رواية الترمذي : قال: ( أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى النبي طعاماً في قصعة, فضربت عائشة القصعة بيدها فألقت ما فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: طعام بطعام، وإناء بإناء ).

    1.   

    خروج النبي إلى البقيع وخروج عائشة في أثره وما جرى بينهما في ذلك

    جاء في بعض روايات النسائي ، وحقيقة في الرواية شيء من العجب, لكن هذا حال الغيرة عندما تحصل في نفس المرأة، وكما قلت: هذه ذكرت من أجل أن نعالج ما في بيوتنا، لا من أجل أن نعير أمهاتنا على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه. الحديث رواه الإمام النسائي في سننه ضمن الروايات في باب الغيرة من كتاب النكاح، عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( ألا أحدثكم عني وعن النبي عليه الصلاة والسلام؟ -يعني: أحدثكم حديثاً يتعلق بي وبه- قلنا: بلى، قالت: لما كانت ليلتي التي هو عندي -تعني: النبي صلى الله عليه وسلم- انقلب فوضع نعليه عند رجليه, ووضع رداءه, وبسط طرف إزاره على فراشه، فلم يلبث إلا ريثما ظن -أي: قدرما ظن- أني قد رقدت )، يعني: عليه صلوات الله وسلامه خلع النعلين واضطجع مع أمنا عائشة مقداراً يظن أنها رقدت، قالت: ( ثم انتعل رويداً, وأخذ رداءه رويداً, وهي تراقبه، ثم فتح الباب رويداً, وخرج وأجافه رويداً -يعني: رد الباب برفق دون أن تسمع أمنا عائشة -، فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت وانطلقت في إثره حتى جاء البقيع, قالت: فرفع يديه ثلاث مرات, وأطال القيام، ثم انحرف فانحرفت -يعني: انتهى وأراد أن ينحرف ليعود إلى حجرته المباركة- فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت -يعني: بدأ يركض عليه صلوات الله وسلامه، وهذا في الليل لا حرج- قالت: فسبقته فدخلت إلى الحجرة قبله، فليس إلا أن اضطجعت فدخل )، يعني: ما بيني وبينه إلا أنني دخلت ومباشرة استلقيت على الفراش، لكن سيظهر الآن الأثر، انحراف وإسراع وهرولة وعدو, القلب سيخفق خفقاً, فانتبه! قالت: ( فدخل فقال: ما لك يا عائشة ؟!) وفي الرواية الأولى في سنن الترمذي : ( يا عائش ! ) من باب الترخيم للتحبب. ( ما لك يا عائش ! حشيا رابية؟ ) حشيا أي: مرتفعة النفس، رابية: بطنك تنتفخ وتنزل, والنفس يتردد وله صوت, قالت: (لا)، وهي لا تكذب رضي الله عنها وأرضاها، يعني: ما يوجد شيء، قال: ( لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! بأبي أنت وأمي, فأخبرته الخبر، كيف خرج وتبعته إلى البقيع والعودة، قال: فأنت السواد الذي رأيته أمامي؟ قالت: نعم ) وما عرفها نبينا عليه صلوات الله وسلامه.

    وهذا حال النساء, تخبرني الوالدة, أسأل الله أن يحفظها ويحفظ المسلمين أجمعين بفضله ورحمته، تقول لي: في أول زواجها كانت تتعرض لوالدي، هي تخبرني عن ذلك، لتعلم هل إذا تعرضت له امرأة يجيبها أم لا؟ فتقول لي: كنت مراراً أقابله في السوق وأضرب يدي بيده، تقول لي: والله ما ينتبه ولا يشعر, ولا يعلم أن امرأة أصابته، وهو لا يعرفها، يعني: متحجبة لكن تتعمد، يعني: هذا حال النساء, تريد أن تعلم أن زوجها يلتفت إلى غيرها أم لا؟ فتذهب وتعطيه هذه الحركة، تقول لي: ولا يعلم من الذي أصابه رجل أو امرأة, لا يلتفت وما يعلم بهذا.

    وهنا قال: أنت السواد الذي رأيته أمامي تركضين، يعني: اتجهت فاتجهتي، أسرعت فأسرعت، هرولت فهرولت، بدأت أعدو فبدأت تعدين وتسرعين, أنت السواد الذي كنت أراه في ظلام الليل؟ ( قالت: نعم، قالت: فلهدني )، أي: دفع في صدري بشدة عليه صلوات الله وسلامه من باب المداعبة والمؤانسة لا من باب الضرب، وتقدم معنا أنه عليه صلوات الله وسلامه ما ضرب امرأة قط ولا أمة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله، لكن هذا من باب المداعبة، يعني: أنت وصل بك الأمر إلى هذا الحد؟ قالت: ( فلهدني في صدري لهدة أوجعتني، ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ ) وأدخل الله في الخبر, ولا علاقة لله في هذه القضية، فالأصل أن يقول: أن يحيف رسول الله عليه صلوات الله وسلامه عليك، إنما يخبرها قائلاً: إنني أنا رسول الله ولا يمكن أن يجري مني الحيف ولا ظلم ولا تقصير في حق واحدة، فأفعالي كلها مسددة على حسب توجيهات الوحي، ولذلك إذا صدر حيف مني فالحيف ينسب إلى الله، وهذا نقص في الله جل وعلا عندما يظلم رسوله ويجور رسوله, ولا يمكن أن يؤيد الله رسولاً ظالماً جائراً, لا يمكن، فالطعن في الرسول طعن في المرسل. ولذلك قال: ( أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت: مهما يكتم الناس فقد علمه الله؟ ) يعني: هذا شيء في قلبي وإذا أنا كتمته يعلمه الله سبحانه وتعالى، وهو لا تخفى عليه خافية، وأمنا عائشة رضي الله عنها ضمن ما يقال في بيان قولها هذا لا تجهل هذا، إنما تريد فقط أن تقرر هذا وأن تثبته, وأن تأخذ دليلاً عليه من النبي عليه الصلاة والسلام, والله بكل شيء عليم، وإنما في هذه الحالة تقول: إن ما كتمته في نفسي أنك يمكن أن تكون ذهبت إلى بعض نسائك هذا علمه الله؟ إذا كتم الناس شيئا يعلمه الله؟ قال: ( نعم. فإن جبريل عليه السلام أتاني فيما رأيت, ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، فناداني فأخفى منك، فأجبته فأخفيت منك -يعني: هو ناداني خفية وأجبته خفية- فظننت أن قد رقدت وخشيت أن تستوحشي )، يعني: إذا أيقظتك وقلت: أنا سأذهب إلى البقيع، فقلت: أتركك نائمة, يعني: في أمان الله وحفظه, ( فأمرني أن آتي أهل البقيع فأستغفر لهم ).

    إخوتي الكرام! هذه الحادثة كما قلت تفصيل للحادثة الأولى التي في رواية مسلم أنها غارت، أي: ظنت أن النبي عليه الصلاة والسلام ذهب إلى بعض أزواجه، ثم ذهب عليه الصلاة والسلام إلى البقيع، ثم حصل ما حصل. ومثل هذا كان يقع في صدر أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها, فيتسع صدر نبينا عليه الصلاة والسلام لتلك الغيرة، ولا يحصل فيها تأنيب ولا توبيخ, ولا زجر ولا غلظة, إنما توجيه بالتي هي أحسن.

    مثل هذه الحادثة ما رواه الإمام البيهقي في سننه في الجزء الثالث صفحة واحدة وستين وأربعمائة، والحديث ذكره الإمام المنذري في الترغيب والترهيب في الجزء الثاني صفحة تسعة عشرة ومائة، لكن الأثر مرسل, فهو من رواية العلاء بن الحارث , ولم يسمع من أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، والعلاء بن الحارث صدوق ربما وهم كما قال أئمتنا, توفي سنة بضع وثلاثين بعد المائة، وحديثه في صحيح مسلم والسنن الأربع، وقد أخرج له البخاري لكن في جزء القراءة خلف الإمام، وهو تابعي روى عن ابن عمر وعن أنس رضي الله عنهم أجمعين، لكن لم يسمع من أمنا عائشة , فالأثر منقطع لكن بإسناد جيد, يشهد لمعناه في الجملة ما تقدم معنا من رواية الإمام أحمد وصحيح مسلم والسنن الأربع.

    عن العلاء بن الحارث عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فصلى, فأطال السجود حتى ظننت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قبض, فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت بإبهامه عليه صلوات الله وسلامه فتحرك, فرجعت -أي: تأكدت أنه لم يمت عليه صلوات الله وسلامه ولم يقبض- فسمعته يقول في سجوده: أعوذ بعفوك من عقابك، وبرضاك من سخطك، وبك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك. فلما رفع عليه صلوات الله وسلامه رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال: يا عائشة ! أو: يا حميراء )! وتقدم معنا هذا اللفظ, والروايات التي ورد بها وهي ثابتة, والروايات التي لا صحة لها عند ترجمة أمنا عائشة رضي الله عنها, وقلت: هي تصغير الحمراء، وسميت بذلك لبياضها مع حمرتها وشقرتها رضي الله عنها وأرضاها. قال: ( أظننت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خاس بك -بمعنى: غدر وقصر ونقض- حتى جئت تتفقدينه أين هو؟ قلت: لا والله يا رسول الله عليه الصلاة والسلام! ما أظن هذا، ولكني ظننت أنك قبضت لطول سجودك، فقال عليه الصلاة والسلام: يا عائشة ! أتدرين أي ليلة هذه؟ قالت: الله ورسوله أعلم، قال: هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله يطلع فيها على عباده فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم ). وتقدم معنا ما يتعلق بليلة النصف من شعبان في موعظة كانت فيما مضى.

    إخوتي الكرام! إذاً: هذه هي الحادثة الثامنة كما قلت, جرت في بيت النبوة على نبينا صلوات الله وسلامه, وعولجت بهذه المعالجة الحكيمة الحليمة المحكمة الرحيمة.

    1.   

    معنى قوله: (إلا أن الله أعانني عليه فأسلم)

    إخوتي الكرام! ما يتعلق بمعنى الحديث الذي معنا: ( إن الله أعانني عليه فأسلم )، و( حتى أسلمَ ), حتى أسلمُ، والحديث روي عن غير أمنا عائشة رضي الله عنها, أذكر روايات الحديث منها ما في المسند وصحيح مسلم , والحديث رواه البيهقي في دلائل النبوة، والدارمي في سننه، ورواه الإمام الطحاوي في شرح مشكل الآثار في الجزء الأول صفحة ثلاثين، وهو - كما قلت- في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة، قالوا: وأنت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام؟! قال: وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلمَ أو فأسلمُ )، بالرفع وبالنصب، أما الرفع فأسلمُ بذلك ضبطه ابن عيينة, وقال معناه: أنا أسلم منه، وقال ابن عيينة : إن الشيطان لا يسلم، وهذا ثابت في سنن الترمذي عن ابن عيينة , قال: ( وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلمُ )، أي: أسلمُ من شره وضره ووسوسته وإغوائه، فهو إن وسوس لا يؤثر فيّ، أسلمُ من وسوسته, ( إلا أن الله أعانني عليه فأسلمُ )، أي: أسلمُ من وسوسته وإغوائه. وهذا الذي اختاره الإمام الخطابي . والإمام ابن أبي العز في شرح الطحاوية ادعى وزعم أن الضبط بذلك تحريف لفظي, وهذا مردود، فقد قاله كما قلت أمير المؤمنين في الحديث أبو محمد سفيان بن عيينة , فقال: (فأسلمُ) بالرفع, وقال: الشيطان لا يسلم، إنما أسلمُ أنا من شره وإغوائه, فلا يؤثر فيّ، والضمير يعود إلى النبي عليه الصلاة والسلام, ( إلا أن الله أعانني عليه فأسلمُ ) من شره .. من وسوسته. هذا الضبط الأول.

    والضبط بالنصب ( إلا أن ألله أعانني عليه فأسلمَ )، حتى أسلمَ، رواية النصب فسرت بأمرين، قيل: فأسلم الضمير يعود على الشيطان، أسلمَ بمعنى: استسلم وانقاد لي دون أن يدخل في الإيمان وأن يكون من أتباع النبي عليه الصلاة والسلام. وهذا التفسير الأول لرواية النصب، والمعنى الثاني لهذه الرواية: (فأسلمَ) أي: دخل في الإسلام وصار مسلماً من أتباعي، وهذا من خصوصيات النبي عليه الصلاة والسلام. والمعنى الثاني للضبط الثاني رده شارح الطحاوية أيضاً, وزعم أن هذا تحريف معنوي, فقال عن ضبط الرفع: (فأسلمُ) تحريف لفظي، وعن تفسير ضبط النصب بأنه صار الشيطان مسلماً قال: إن هذا تحريف معنوي للمعنى, وتفسير لهذا اللفظ بما لا يدل عليه. وكلامه بشقيه مردود عليه رحمة الله ورضوانه عليه وعلى أئمتنا أجمعين. وكما قلت: ضبط الرفع ثابت، وهو منقول عن ابن عيينة , ومال إليه الخطابي , وإن رده بعض الأئمة، وضبط النصب ثابت, وفسر بالأمرين.

    أما تفسير فأسلمَ أي: بمعنى صار الشيطان مسلماً منقاداً لي من أتباعي هذا الذي عليه الجمهور، وهذا هو الذي رده الطحاوي , وقال: إنه تحريف معنوي، وكما قلت: هو الذي عليه الجمهور, وهو ما ذهب إليه الإمام ابن حبان في صحيحه، وجعل ذلك من خصائص النبي عليه الصلاة والسلام، وقال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم في الجزء الثاني عشر صفحة ثمان وخمسين ومائة: هذا هو الظاهر، وإليه ذهب الإمام الطحاوي في شرح مشكل الآثار في المكان المشار إليه في الجزء الأول صفحة ثلاثين. وقول من قال كما تقدم معنا عن سفيان بن عيينة : إن الشيطان لا يسلم، وهذا يقوله أيضاً الإمام ابن أبي العز , وقالوا: كيف يسلم الشيطان؟ وهنا ( وأنت معك شيطان؟ قال: نعم, لكن الله أعانني عليه فأسلمَ )، قالوا: إن الشيطان لا يسلم، فالمعنى إذاً: استسلم وانقاد لي دون أن يكون مسلماً.

    الشيخ أحمد شاكر أيضاً تبع الإمام ابن أبي العز عليهم جميعاً رحمة الله في تخريج هذا الحديث، لكنه وهم لعدم تتبع روايات الحديث، فقال: من قال: إن الشيطان لا يسلم وهم؛ لأن الكلام ليس في ذكر الشيطان إنما قرينه من الجن وقرينه من الملائكة، قال: والجني يمكن أن يسلم، فقال: ما ورد التصريح بلفظ الشيطان، ( ما منكم أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة، قالوا: وإياك؟ وأنت؟ قال: وإياي ), وأنا, ( إلا أن الله أعانني عليه فأسلمَ أو فأسلمُ ). فالشيخ أحمد شاكر يقول: الرواية عن قرينه من الجن. كما قلت هذا لقصوره في تتبع الروايات، فقد تقدمت معنا رواية صحيح مسلم : ( أقد جاءك شيطانك؟ ) ثم قالت: ( يا رسول الله عليه الصلاة والسلام! وأنت معك شيطان؟ قال: نعم، لكن الله أعانني عليه حتى أسلم ). وخلاصة الكلام: الضبط بالرفع صحيح، وبالنصب صحيح، ونجمع بين هذه المعاني فنقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام سلم من وسوسة الشيطان وإغوائه، والشيطان قد استسلم للنبي عليه الصلاة والسلام وانقاد له، على رواية: ( فأسلمَ )، لماذا؟ لأنه صار من أتباعه, فصارت المعاني الثلاثة موجودة ضمن هذا الضبط الذي نقل عن أئمتنا. ( إلا أن الله أعانني عليه فأسلمُ )، أسلمُ من وسوسته وإغوائه، ما سبب استسلامه وانقياده؟ صار من أتباع النبي عليه الصلاة والسلام، فهو آمن بالنبي عليه الصلاة والسلام، فلما آمن استسلم وانقاد له، فلما استسلم وانقاد أمن نبينا عليه الصلاة والسلام من وسوسته وإغوائه.

    خلاصة الكلام إخوتي الكرام! الضبطان ثابتان عن أئمة الإسلام، والمعاني الثلاثة كلها مقبولة حسان, ( لكن الله أعانني عليه فأسلمُ )، أي: أسلم من شره وإغوائه ووسوسته، وقلنا: ضبطه بالرفع ثبت عن ابن عيينة , ورجحه الإمام الخطابي , فنعتبر هذا الضبط والمعنى الذي يدل عليه. ( لكن الله أعانني عليه فأسلمَ )، أي: استسلم الشيطان وانقاد لي, كما فسره بذلك شارح الطحاوية الإمام ابن أبي العز وغيره عليهم جميعاً رحمة الله، هذا ثابت, لكن لا داعي لرد المعاني الأخرى، لم استسلم وانقاد لي؟ لأنه صار من أتباعي، يدل على هذا تكملة الرواية: ( فلا يأمرني إلا بخير ). لو لم يسلم الشيطان هل يأمر نبينا عليه الصلاة والسلام بالخير؟ لا، لو لم يسلم لما أمره بالخير، إذاً هنا: ( لا يأمرني إلا بخير )، أي: صار من أعواني, ويشير عليّ بما فيه منفعة ومصلحة، وهذا من طبيعة المسلم، وليس فقط كف أذاه عن النبي عليه الصلاة والسلام, بل ( لا يأمرني إلا بخير ).

    1.   

    الروايات الواردة في حديث: (إلا أن الله أعانني عليه فأسلم)

    وهذا الحديث إخوتي الكرام! حديث أمنا عائشة المتقدم - كما قلت- في المسند وصحيح مسلم وغيرهما حديث صحيح، فهو في صحيح مسلم من رواية عبد الله بن مسعود وغيره, وهنا سأبين روايات الحديث بإذن الله:

    أما هذه الرواية وهي رواية أمنا عائشة فقد وهم فيها الإمام ابن الجوزي فعزاها إلى الإمام البخاري في صحيحه, وليست في صحيح البخاري , لكن - كما قلت- الرواية ثابتة, وهي في صحيح مسلم كما تقدم معنا، وفيها دلالة على أن شيطان النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي أسلم, وليس القرين الجني كما في رواية عبد الله بن مسعود , وهذا فيه رد على تأويل الشيخ أحمد شاكر ؛ لأن الإسلام حصل هنا لقرين النبي عليه الصلاة والسلام الجني, لا للشيطان العاتي، ورواية مسلم تصرح بأنه شيطان، وقد ثبت ما يقرر هذا في سنن الترمذي أيضاً من راوية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تلجوا على المغيبات )، يعني: التي غاب عنهن أزواجهن في غزو .. في سفر .. في حج .. في غير ذلك. ( لا تلجوا على المغيبات؛ فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم، قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! ومنك -أي: ومنك يجري الشيطان؟ ويتجول أيضاً في بدنك مجرى الدم؟- قال: ومني؛ لكن الله أعانني عليه فأسلم ). وعليه كان شيطان النبي عليه الصلاة والسلام كافراً ثم هداه الله للإسلام، وهذا من خواص نبينا عليه الصلاة والسلام. وقد ذكر أئمتنا هذا في كتاب الخصائص، فالإمام السيوطي في الجزء الثاني صفحة تسعٍ وثمانين ومائة عد من خصائص نبينا عليه الصلاة والسلام التي خصه الله بها وميزه على سائر الخلق الأنبياء فمن دونهم، من خصائصه: أن قرينه من الشياطين آمن به وصار من أتباعه.

    هذه الرواية كما قلت ثابتة, وورد بمعناها روايات أخرى من رواية عبد الله بن مسعود وغيره, فاستمعوا لهذه الروايات إخوتي الكرام! والحديث ثابت ثبوت صحةٍ كالشمس في رابعة النهار.

    أما رواية عبد الله بن مسعود فقد كنت أشرت إليها في المسند وصحيح مسلم وسنن الدارمي , وقلت: رواها البيهقي في دلائل النبوة، ورواها أيضاً الطحاوي في شرح مشكل الآثار، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة، قالوا: وإياك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام! قال: وإياي, إلا أن الله أعانني عليه فأسلمُ أو فأسلمَ )، كما تقدم معنا بالضبطين والمعاني الثلاثة. فكل إنسان له قرين مثبت, وهو من الملائكة، وقرين مثبط, وهو من الجن، هذا يثبتك, وهذا يثبطك، هذا يدعوك إلى الخير, وهذا يحضك على الشر، والمعصوم من عصمه الله, الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا [البقرة:268] سبحانه وتعالى. ( وللشيطان لمة بقلب ابن آدم كما أن للملك لمة بقلب ابن آدم، أما لمة الملك فإيعاز بالخير وتصديق للحق، وأما لمة الشيطان فإيعاز بالشر وتكذيب بالحق ). والحديث ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام في صحيح ابن حبان وسنن الترمذي وغيرهما, وإسناده صحيح.

    وثبت الحديث أيضاً من رواية شريك بن طارق , وهو من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين, وقد أورد أئمتنا في ترجمته هذا الحديث في كتب تراجم الصحابة، كأسد الغابة وغير ذلك، والحديث رواه عنه الطبراني في معجمه الكبير والبزار في مسنده بسند رجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد للإمام الهيثمي في الجزء الثامن صفحة خمس وعشرين ومائتين، وبوب على هذا الحديث والأحاديث التي تشبهه قال: باب عصمة النبي عليه الصلاة والسلام من القرين، وفيه المعنى المتقدم أن كل إنسان وكل به شيطان، وشيطان النبي عليه الصلاة والسلام قد آمن وأسلم وانقاد لنبينا عليه الصلاة والسلام.

    والحديث أيضاً روي من رواية أسامة بن شريك , وهذه الآن عندنا رواية رابعة, والروايات هي رواية أمنا عائشة وعبد الله بن مسعود وشريك بن طارق وأسامة بن شريك , رواها الطبراني في معجمه الكبير، لكن في الإسناد المفضل بن صالح , قال عنه الهيثمي في المجمع: ضعيف، وهو من رجال الترمذي فقط، وقد حكم عليه بذلك الإمام ابن حجر أيضاً في التقريب, فقال: ضعيف, وهو المفضل بن صالح الأسدي الكوفي . لكن هذه الرواية يشهد لها ما تقدم.

    وهناك رواية خامسة رواها البزار في مسنده من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، وفي الإسناد إبراهيم بن صرمة بكسر الصاد, إبراهيم بن صرمة , قال عنه الهيثمي في المجمع: ضعيف أيضاً، ولذلك ذكره عليه الإمام الذهبي في المغني في الضعفاء, ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة، ورواية أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( فضلت على الأنبياء بخصلتين: كان شيطاني كافراً فأسلم، قال: ونسيت الأخرى )، نسيت الخصلة الأخرى يقول الراوي, وكما قلت رواه البزار , وفيه إبراهيم بن صرمة , وهو ضعيف، وبذلك حكم عليه الإمام الذهبي أيضاً في المغني.

    وهناك رواية سادسة، وهي رواية المغيرة بن شعبة , رواها الطبراني في معجمه الكبير, وفي الإسناد أبو حماد المفضل بن صدقة , قال الهيثمي : أيضاً ضعيف، إذاً: المفضل بن صالح وإبراهيم بن صرمة وأبو حماد المفضل بن صدقة كلهم ضعفاء، وترجمه الإمام الذهبي في المغني وفي الميزان، فنقل عن النسائي : أنه متروك, وعن ابن عدي : أنه ليس في روايته بأس، والذي يظهر والعلم عند الله أنه ضعيف، وبذلك حكم عليه أئمتنا, كما هو كلام الهيثمي وغيره عليهم جميعاً رحمة الله، لكن يشهد لهذه الرواية ما تقدم معنا، ثم هذه الرواية في الطبراني عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من أحد إلا جعل معه قرين من الجن، قالوا: ولا أنت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام؟! قال: ولا أنا, إلا أن الله أعانني عليه فأسلم, فلا يأمرني إلا بخير ). رواه الطبراني , وفيه أبو حماد المفضل بن صدقة , وهو ضعيف.

    والرواية السابعة وهي آخر الروايات: رواها الإمام أحمد في المسند، والطبراني في معجمه الكبير، والبزار في المسند، ورجال الإسناد رجال الصحيح غير قابوس بن أبي ظبيان , قال الإمام الهيثمي : وثق على ضعفه، وقد حكم عليه الإمام ابن حجر في التقريب بأن فيه لين, وهو من رجال البخاري في الأدب المفرد، وأخرج له أهل السنن الأربعة إلا الإمام النسائي عليهم جميعاً رحمة الله، والرواية هنا من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الشياطين، قالوا: وأنت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام؟! قال: نعم، ولكن الله أعانني عليه فأسلم ).

    هذه سبع روايات فيها هذا المعنى, وتقدم معنا رواية أمنا عائشة , ورواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين في صحيح مسلم , والرواية الأولى عن شريك بن طارق ثابتة صحيحة, كما قلت: رجالها رجال الصحيح، وبقية الروايات حولها شيء من الكلام, تتقوى بما تقدم. وهذا المعنى ثابت وهو أنه كان للنبي عليه الصلاة والسلام قريناً قرين من الجن كما هو في غيره، لكن الله أكرم نبينا عليه الصلاة والسلام بإسلام قرينه فلا يأمره إلا بخير.

    1.   

    رغبة أمهات المؤمنين في تزويج النبي من بعض قرابتهن ودلالة ذلك

    هذا فيما يتعلق إخوتي الكرام! بهذه الروايات، قبل أن ننتهي من هذا البحث وندخل بعد ذلك في ترجمة أمهاتنا أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام، والحكمة من اقتران نبينا عليه الصلاة والسلام بهن، وإكرام الله لهن بصحبة نبينا عليه وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، أحب أن أختم هذه السلبيات التي ذكرت, وهي -كما قلت- تدل في الجملة على قصور البشر وتقصيرهم، ومع ذلك فيها دلالة واضحة على نبل من جرى منه خطأ محصور معدود في هذه الحياة. قبل أن أختم هذا المبحث أحب أن أبين أخوتي الكرام! أن ما جرى من شوائب في بيت النبوية عليه وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ومن قصور وتقصير أحياناً من أمهاتنا أزواج نبينا عليه وعليهن صلوات الله وسلامه قلت: هذا لا يعكر على صفو الحياة، وهي حوادث يسيرة معدودة, دافعها فقط القصور البشري والانفعال الإنساني, ليس هناك في القلب خبث, وليس هناك خطأ متعمد مقصود، ويدل على هذا أن كل واحدة من أمهاتنا على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه كانت تفدي نبينا عليه الصلاة والسلام بروحها, وترى أن ذلك هو أقل ما تبذله نحو النبي عليه الصلاة والسلام، وتتمنى لو شاركها أقرب الخلق إليها في النبي عليه الصلاة والسلام؛ لما في صحبته من الخير والبركة في الدنيا والآخرة.

    فاستمع لتقرير هذا؛ لتكون على علم وبصيرة بهذا الأمر، ثبت في الكتب الستة إلا سنن الترمذي من رواية أمنا أم حبيبة رضي الله عنها وأرضاها قالت: ( دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم, فقلت له: هل لك في أختي بنت أبي سفيان )؟ ووردت تسميتها بأنها عزة في رواية صحيح مسلم وسنن النسائي وابن ماجه , وإلى ذلك ذهب أبو موسى المديني , فقال: هذا هو الأشهر في تسميتها. وورد تسميتها بـدرة في مسند الحميدي وسنن البيهقي وكتاب دلائل النبوة للإمام أبي نعيم , وورد تسميتها بـحمنة في رواية معجم الطبراني الكبير, وإلى ذلك ذهب ابن حزم وبعده الإمام المنذري عليهم جميعاً رحمة الله.

    إذاً: إما عزة .. درة .. حمنة والعلم عند الله, لعله لها أكثر من اسم، أو بعضه مشتهر وبعضه غير مشتهر، أو عرضت على نبينا عليه الصلاة والسلام أكثر من أخت لها, والعلم عند الله جل وعلا، قالت: ( هل لك في أختي عزة بنت أبي سفيان ؟ فقال نبينا عليه الصلاة والسلام: أفعل ماذا؟ قلت: تنكحها )، تتزوجها معي، كما أكرمني الله بصحبتك أريد أن تنال أختي هذه الكرامة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أوتحبين ذلك؟ ) يعني: أن يأتي معك شريكة أخرى؟ وطبيعة النساء تنفر من هذا، ( فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! لست لك بمخلية )، يعني: أنا لن أكون - يعني- مستأثرة بك ومنفردة بك, لي شريكات أخريات، ( وأحب من شركني في خير أختي )، يعني: أنا لا يمكن أن أنفرد بك، ولك زوجات، وبما أن التعدد قد حصل وأنا لست واحدة فأريد أن يحصل الخير لأختي كما حصل لي، فقال عليه الصلاة والسلام: ( إنها لا تحل لي ). لا يجوز أن نجمع بين الأختين. فأمنا أم حبيبة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أرادت أن تستفسر: لمه، وأنت لك خواص كثيرة، ونحن بلغنا أنك تتزوج أيضاً امرأة من النساء من باب الخصوصية, وهذه اجعلها خصوصية؟ فاستمع ماذا قالت، قالت: ( فإني أخبرت أنك تخطب درة بنت أبي سلمة, فقال عليه الصلاة والسلام: بنت أم سلمة؟ ) يعني: التي أمها أم سلمة, وهي زوجتي؟ ( قلت: نعم، قال: لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي )، يعني: هذه بنت زوجتي، وأنا دخلت بأمها, فكيف أتزوجها؟ ( لو لم تكن ربيبتي لما حلت لي )، يعني: لو لم تكن أم سلمة أماً لها لما حلت لي, لم؟ قال: ( إنها ابنة أخي من الرضاعة )، يعني: أبو سلمة الذي هو زوج أم سلمة أخ لنبينا عليه الصلاة والسلام من الرضاعة، ونبينا عليه الصلاة والسلام يكون عماً لـدرة بنت أبي سلمة من الرضاعة, قال: ( إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأباها ثويبة ), وهي جارية أبي لهب , وقد أعتقها عندما بشرته بولادة نبينا عليه الصلاة والسلام, ومع موته على كفره وضلاله أكرم بعتق ثويبة من أجل النبي عليه الصلاة والسلام كما سيأتينا إن شاء الله.

    ( أرضعتني وأباها ثويبة , فلا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن ), يعني: يا زوجاتي أمهات المؤمنين! الواحدة منكن لا تعرض عليّ أختها ولا بنتها، وإذا تحبين الخير لغير بناتك وأخواتك ممن يحل لي اعرضي عليّ, فالمجال مفتوح، أما أختك لا يجوز، ابنتك لا يجوز، كيف أتزوج بنت أم سلمة وأمها عندي؟ لو لم تكن أمها عندي لما حلت لي لأنها ابنة أخي من الرضاعة، وأنت كيف تعرضين عليّ أختك عزة أو درة أو حمنة ؟ فأمنا أم حبيبة وهي مصيبة فيما عرضت، تعلم أن الله خص نبيه عليه الصلاة والسلام بخصائص، وقد بلغها خبر -وما عينت المبلغة- أن النبي عليه الصلاة والسلام يمكن أن يتزوج درة بنت أم سلمة , قالت: إذاً: نعمة, أنا أعرض عليه أيضاً أختي، انظر لهذا التعلق بنبينا عليه صلوات الله وسلامه.

    فبقي ما تقدم معنا من شوائب -قلنا- انفعالات ظاهرية، زالت عند انقضائها وانتهى الأمر.

    إخوتي الكرام! ثبت في الكتب المتقدمة في صحيح البخاري وغيره في قصة عتق أبي لهب لـثويبة قال عروة : فأرضعت ثويبة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله, قيل: هو العباس على نبينا وعمه وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، أريه العباس بشر حيبة، أصلها حويبة, فسكنت الواو وانكسر ما قبلها فقلبت ياءً, حِيبة، وضبطت بالفتح حَيبة، وضبطت بالخاء المعجمة خيبة، حِيبة .. حَيبة .. خَيبة، بشر خَيبة، بشر حِيبة، بشر حَيبة، وهي سوء الحال ونكد المسكن والضر الذي يجده الإنسان, حِيبة .. حَيبة .. خَيبة، فلما رئي في تلك الحالة والذي رآه على ذلك وهو أخوه قيل له: ماذا لقيت؟ قال: لم ألق بعدكم خيراً، غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة . وأشار إلى النقرة التي تحت الإبهام بينها وبين الأصابع، أي: كأنه يقول: يخرج لي ماء من هنا بين الإبهام وبين الأصابع في هذه النقرة، وهذا مكان ضيق صغير يذب بالماء ويخرج، يقول: أنا أسقى فقط من هذه، وهذه السقيا تحصل له يوم الإثنين، في اليوم الذي ولد فيه سيد الكونين عليه صلوات الله وسلامه، ولما بشر أبو لهب بذلك أعتق ثويبة , فمن أجل عتق ثويبة ما ضيع الله جل وعلا لهذا الكافر هذا الإحسان, فكان يسقيه بعد موته في اليوم الذي فرح بنبينا عليه الصلاة والسلام من هذا المكان ماء قليلاً. النقرة التي بين الإبهام وبين الأصابع يسقى منها.

    إخوتي الكرام! هذا الأثر - كما قلت- ثابت في هذه الكتب المتقدمة في صحيح البخاري وغيره، قد يقول قائل: إنه يتعارض مع قول الله جل وعلا: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ [الفرقان:23] في حق الكفار، فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]. ولذلك قال بعض أئمتنا: أثر عروة مرسل، وما رفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام, فلا يعارض هذه الآية, فهو مطروح، وقال بعض أئمتنا: إنه رؤيا منام, ولا يثبت به حكم من الأحكام. والذي يظهر والعلم عند ذي الجلال والإكرام أنه على تقدير القبول -وإلى ذلك ذهب عدد من أئمتنا الفحول- لا معارضة بين هذا الأثر الثابت وبين الآية الكريمة؛ لأن هذا من باب خصوصيات ما يتعلق بنبينا عليه الصلاة والسلام، وسيأتينا أن نبينا عليه الصلاة والسلام من خصوصياته أنه يشفع لعمه أبي طالب , لا بالخروج من النار, إنما بأن يخرج من غمرات نار جهنم إلى ضحضاح، فيوضع بعد ذلك في أخمصيه جمرتان من نار جهنم يغلي منهما دماغه، وهو أهون أهل النار عذاباً، ويرى نفسه أنه أشد أهل النار عذاباً. هذا من باب خصوصيات نبينا عليه الصلاة والسلام, وهنا خصوصية لـأبي لهب أنه في يوم الإثنين يشرب ماء من النقرة التي بين الإبهام وبين سائر الأصابع التي تليه؛ لأنه فرح بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال الإمام البيهقي مؤيداً هذا التعليل يقول: البطلان وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23] هذا خاص في الخلاص من النار، ويجوز فيما عداه، يعني: لا يمكن لكافر أن يخرج من النار، إنما إذا عمل عملاً أن يثاب عليه بغير الخروج من النار, لا مانع، كما أن أبا طالب نصر النبي عليه الصلاة والسلام فكوفئ دون أن يخرج.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755955206