إسلام ويب

مقدمة في التفسير - أسماء سورة الفاتحة وآياتها [1]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الموصوف إذا زاد خيره أو شره كثرت أسماؤه الدالة على وجود الخير فيه أو الشر، وعلى هذا فكثرة الأسماء في جانب الخير تدل على شرف المسمى ورفعة منزلته، وبما أن سورة الفاتحة هي أفضل سور القرآن، فأسماؤها كثيرة فاضلة، فمن أسمائها: سورة الأساس، والواقية، والكافية، والوافية، وسورة الشكر والدعاء، وأيضاً سورة الصراط المستقيم، وسورة الكنز، كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحيحة، وغيرها من الأسماء التي تحمل دلالات ومعانٍ تبين عظم منزلة هذه السورة.

    1.   

    تابع أسماء سورة الفاتحة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

    سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    أخواتي الكريمات! لا زلنا نتدارس مقدمة تفسير سورة الفاتحة، وهذه المقدمة قلت: بمثابة معالم واضحة في تفسير سورة الفاتحة، وتدور على ستة أمور:

    أولها: نزولها. أين نزلت سورة الفاتحة.

    وثانيها: موضوعها.

    وثالثها: فضلها. وهذه الأمور الثلاثة مضى الكلام عليها مفصلاً.

    ورابع الأمور: أسماء سورة الفاتحة، وهذا ما كنا نتدارسه في الموعظة الماضية، وسأكمله وما بعده إن شاء الله في هذه الموعظة الحاضرة إن شاء الله.

    والأمر الخامس: آيات سورة الفاتحة.

    والسادس: صلة سورة الفاتحة بما قبلها وما بعدها، وما الحكمة من وضعها في المكان الذي وضعت فيه في المصحف الشريف.

    أخواتي الكريمات! كنا نتدارس أسماء سورة الفاتحة، وقلت: إن المسمى .. إن الموصوف .. إن الشيء إذا زاد خيره أو شره كثرت أسماؤه الدالة على وجود الخير فيه أو على وجود الشر فيه، فكثرة الأسماء تدل على منزلة المسمى خيراً أو شراً، فالشرير له أسماء كثيرة تدل على رسوخه في الشر، وهكذا الخير الطيب الفاضل له أسماء كثيرة تدل على رسوخه في الخير والفضيلة، وبما أن سورة الفاتحة هي أفضل سور القرآن على الإطلاق فينبغي أن يكون لها أسماء كثيرة فاضلة تدل على منزلتها. وقلت: قد أحصى أئمتنا أسماءها فأوصلها الإمام السيوطي في الإتقان في الجزء الأول (ص:53) أوصلها إلى خمسة وعشرين اسماً، وكما وعدت أنني سأذكر منها خمسة عشر اسماً فقط ومن أراد المزيد فعليه بالرجوع إلى كتاب الإتقان للإمام السيوطي.

    غالب ظني أخواتي الكريمات أننا تدارسنا في الموعظة الماضية سبعة أسماء من أسماء سورة الفاتحة:

    أولها: سورة الفاتحة ويدخل في هذا فاتحة الكتاب، وفاتحة القرآن.

    ثانيها: أم الكتاب ويدخل في هذا أم القرآن.

    ثالثها: القرآن العظيم.

    رابعها: السبع المثاني.

    خامسها: الصلاة فهي سورة الصلاة.

    سادسها: سورة الحمد، ويدخل في هذا الحمد، الحمد لله، الحمد لله رب العالمين، ويدخل في هذا أيضاً: سورة الحمد الأولى وسورة الحمد القصرى.

    والاسم السابع وهو آخر شيء تدارسناه: سورة الرقية، فيقال لها: الرقية للآثار التي تقدمت معنا وأنه يرقى بها السقيم فيبرأ بإذن رب العالمين.

    تابع الثامن: سورة الشفاء

    الاسم الثامن أخواتي الكريمات من أسماء سورة الفاتحة فهو: الشفاء، سورة الشفاء وقد ثبت تسميتها بذلك في الآثار المروية عن نبينا صلى الله عليه وسلم، ففي مسند الإمام الدارمي من رواية أبي سعيد الخدري، والحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان، وأبي الشيخ في كتاب الثواب، وسعيد بن منصور في سننه وفي إسناده شيء من الضعف، لكن روي من عدة طرق ويشهد له الأحاديث المتقدمة عند بيان الاسم السابع من أسماء سورة الفاتحة، ولفظ الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( فاتحة الكتاب شفاء من كل سم )، وتقدم معنا أخواتي الكريمات أن الله أنزل كتابه شفاء لأمراض القلوب ولأمراض الأبدان: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً [الإسراء:82]، وهذا الأثر المنقول في هذه الكتب من رواية أبي سعيد الخدري رواه البيهقي في شعب الإيمان من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين، ورواه البيهقي أيضاً في شعب الإيمان من رواية عبد الملك بن عمير، وهو من التابعين مرفوعاً إلى نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام، وعليه فالحديث مرسل في هذه الرواية ولفظه باللفظ المتقدم: ( فاتحة الكتاب شفاء من كل سم ).

    أخواتي الكريمات! هذا الأمر ينبغي أن نعتني به عند هذا المبحث ألا وهو معالجة أبداننا بكلام ربنا جل وعلا، وهذه المعالجة تحتاج إلى صدق التجاء من المخلوق إلى الخالق، من العبد الضعيف إلى الله القوي، ومن التجأ إليه وتلا بعد ذلك كلامه على دائه يبرأ بإذن الله، والله على كل شيء قدير، وهذا ينبغي أن نعتني به، فبدلاً من أن نسارع إلى معالجة أبداننا بالأدوية الحسية ثم بعد ذلك بالذهاب إلى أطباء وصيادلة وقد يكون بعض هؤلاء لا يتقون الله ولا يخافونه أقول: بدلاً من أن نلجأ مباشرة إلى معالجة أبداننا عند هؤلاء فلنعالج أبداننا بكلام رب الأرض والسماء، الذي أنزله الله جل وعلا شفاء لقلوبنا ولأبداننا، شفاء لنا من مرض الشهوات والشبهات، وشفاء لنا من الأسقام وسائر الآفات التي تصاب بها الأبدان والأجسام، فهو حقيقة كلام الرحمن، ويحصل به الشفاء على التمام، شفاء القلوب وشفاء الأبدان، وهذا ما كان يفعله نبينا عليه الصلاة والسلام، والسلف الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

    ثبت في الصحيحين والحديث رواه الإمام مالك في الموطأ، وأبي داود والترمذي في السنن من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه -عليه صلوات الله وسلامه وفداه أنفسنا وآبائنا وأمهاتنا- فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيمينه رجاء بركتها ).

    إذاً: نبينا عليه صلوات الله وسلامه كان إذا اشتكى وأصابه سقم في بدنه . علة .. ضعف .. مرض يداوي بدنه عليه صلوات الله وسلامه بالمعوذات، بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، وكان عندما يقرأ هذه السور ينفث، والنفث هو ما بين النفخ والبصاق والبزاق، أي: أن ينفخ الإنسان ويخرج مع نفخه شيء من ريقه بحيث تصبح اليد إذا نفثه الإنسان فيها شيء من الرطوبة، لا بصاق ولا هواء فقط، إنما هواء معه رطوبة الفم.. شيء قليل، هذا يقال له: نفث، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ المعوذات ثم يمسك بكفيه الشريفين الطاهرين ثم يمسح بعد ذلك عليه صلوات الله وسلامه جسده وبدنه. تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: ( فلما اشتد وجع النبي عليه الصلاة والسلام كنت أقرأ عليه بالمعوذات وأمسح بيمينه رجاء بركتها )، يعني: أمسح على بدنه بيده ولا تمسح بيدها، ويديها مباركة قطعاً وجزماً، ويد كل مؤمن مباركة، لكن يد النبي عليه الصلاة والسلام فيها بركة وخير على التمام، فمن أجل تقديم بركة يد النبي عليه الصلاة والسلام على البركة الموجودة في يد أمنا عائشة كانت تأخذ يد نبينا على نبينا وآل بيته وأزواجه الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه كانت تأخذ يده الشريفة وتمسح بها جسده، تقرأ هي ثم تنفث بعد ذلك في يدي النبي عليه الصلاة والسلام وتمسح جسده بيده الشريفة على نبينا وآله صلوات الله وسلامه.

    إذاً: هذه معالجة وهذا تداو، ويحصل به شفاء .. تداوٍ بكلام رب الأرض والسماء، والأحاديث والآثار في ذلك كثيرة أخواتي الفاضلات، وهذه الآيات وهذه السور: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] كما ينبغي للإنسان أن يقرأها إذا اشتكى ومرض وأصيب بعلة في بدنه وجسمه فينبغي أن يقرأها كل ليلة إذا أوى إلى فراشه كما تقدم معنا أنه يقرأ آية الكرسي أيضاً، وقد ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما أيضاً عن أمنا عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة -سواء كان في البدن علة ومرض أو لا- إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفخ فيهما وقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] ثم يمسح بهما بكفيه الشريفتين، ثم يمسح بهما ما استطاع بهما من جسده يبدأ بهما على رأسه ويده وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات )، يعني: يفعل هذا ثلاث مرات بأن يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] ويمسح جسده الشريف .. وجهه ورأسه وما أقبل من جسده وما تصل يداه وكفاه إليه، ثم بعد ذلك يقرأ مرة أخرى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] ويمسح بدنه الشريف ثم يقرأ ثالثة، يفعل ذلك ثلاث مرات.

    أخواتي الكريمات! لابد إذن من التداوي والمعالجة بكلام رب العالمين، فهو شفاء من جميع الوجوه، وقد أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا في أحاديثه الكثيرة فلنحرص على ذلك، وهذا من تعظيم القرآن أن نعالج أبداننا به قبل أن نلجأ إلى غيره من أنواع العلاجات.

    ثبت في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وإسناد الحديث صحيح من رواية عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال: ( خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة -وكانوا في سفر- نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي بنا، قال: فأدركناه. يقول: فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم -أي: لـعبد الله بن خبيب -: قل. فلم أقل شيئاً، فقال: قل فلم أقل شيئاً، فقال: قل، فلم أقل شيئاً، قال: قل: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، قل: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] والمعوذتين حين تصبح وحين تمسي ثلاث مرات تكفيك من كل شيء ) قال الإمام الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

    ( قل: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ) أي: اقرأ سورة الإخلاص والمعوذتين: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] حين تصبح وحين تمسي ثلاث مرات تكفيك من كل شيء. أي: تكفيك من كل مكروه ومن كل بلاء ومن كل ضر، وفاجعة تنزل، فإذا قلت هذا ترد عنك كل مصيبة، وهذه الأذكار تغنيك عما سواها إذا قلتها فاحرص عليها قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] تقرأ ثلاث مرات صباحاً وثلاث مرات مساء، ويتداوى الإنسان بها ويعالج نفسه بها، وهذه الرقى الشرعية والأدعية الشرعية ينبغي أن يحافظ عليها المسلمون دائماً، وإذا حافظ عليها الإنسان ليس للشيطان عليه سبيل، ولا للضر إليه وصول، وقد ثبت في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة والحديث رواه ابن حبان والحاكم في مستدركه وصححه وأقره عليه الذهبي وهو حديث صحيح من رواية أبان مولى عثمان رضي الله عنهم وأرضاهم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قال حين يمسي: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يصبه فجاءة بلاء حتى يصبح ) وفي رواية: ( لم يصبه فجأة بلاء حتى يصبح ).

    ( ومن قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء ثلاث مرات حين يصبح لم يصبه فجاءة بلاء - وفي رواية: لم يصبه فجأة بلاء- حتى يمسي ).

    إذا قال هذا الدعاء: ( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ) عند المساء.. عند غروب الشمس يحفظ من كل بلاء ينزل في تلك الليلة حتى الصباح، وإذا قال هذا في الصباح ثلاث مرات يحفظ من كل بلاء ينزل في ذلك اليوم حتى المساء، فمن واظب على ذلك صباحاً ومساء كان في كنف الله وحفظه ورعايته.

    يقول أبان: فلما حدثت بهذا الحديث بعض المسلمين الكرام بدأ ينظر إلى يدي وكانت يد أبان قد أصيبت بالفالج والشلل، فينظر إلى يده ويتعجب من إصابته بهذا البلاء.. بهذا المرض وهو الذي يقول: من قال هذا الدعاء في الصباح يحفظ حتى المساء، ومن قاله في المساء يحفظ حتى الصباح، فقال له أبان: مالك تنظر إلى يدي؟ والله ما كذبني عثمان . يعني: عندما نقل هذا الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا كذبت عليه، لا أنا كذبت الحديث وافتريته ولا عثمان رضي الله عنه وأرضاه افترى هذا الحديث واختلقه من نفسه ونسبه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، لكن أخبرك أنني نسيت في اليوم الذي أصبت فيه -أي: بالفالج والشلل في يده- أن أقول هذا الدعاء، فأصابني ما أصابني ليمضي الله قدره.

    يقول له: أنا على علم أن اليوم الذي أصبت به بهذا الفالج .. بهذا الشلل في يدي نسيت أن أقول هذا الدعاء وأنا أحصن نفسي دائماً به لكن في هذا اليوم نسيت.

    يقول: اعلم أني ما كذبت على عثمان ولا كذبني عثمان، وهذا كلام النبي عليه وعلى أصحابه وآله الصلاة والسلام، وإذا رأيت في يدي آفة واسترخاء فهذا من تقصيري، فأنا في ذلك اليوم لم أقل هذا الدعاء ليمضي الله قدره فوقع في يدي ما قدر، ولو قلت ذلك الدعاء لكان هذا سيكون غير مقدر ويرفع عني بعلم الله وتقديره وقدرته وفضله سبحانه وتعالى.

    أخواتي الكريمات! هذا الذي ينبغي أن نلجأ إليه تمام اللجوء لا سيما في هذا الوقت الذي أصيب فيه الناس بالهلع والجزع وامتلأت المستشفيات وغصت بهم في النهار وفي المساء، وكأنه ما عندهم شيء يداوون به أبدانهم إلا أن يلجئوا إلى هؤلاء الذين لا يملكون لأنفسهم فضلاً عن غيرهم ضراً ولا نفعاً، والذين أحياناً يخطئون أكثر مما يصيبون، وكل علاج يأخذه الإنسان يسبب في بدنه أضراراً أخرى، فهو يتداوى من داء بدا، بخلاف كلام رب الأرض والسماء، يتداوى به من داء بشفاء لا يعقبه داء آخر، ولا يترك في بدنه آثراً سيئاً، إنما يقوي قلبه ويحفظ بدنه ويصل هذا الإنسان بعد ذلك بخالقه، فلنكثر من الرقى الشرعية وخاصة بكلام رب البرية بفاتحة الكتاب و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] والمعوذتين وآية الكرسي وسائر كلام الله القوي سبحانه وتعالى. إذاً: الاسم الثامن من أسماء سورة الفاتحة: سورة الشفاء.

    التاسع: سورة الأساس

    الاسم التاسع من أسمائها: أساس القرآن، ويدخل فيه: سورة الأساس. نقل هذا الإمام الشعبي من التابعين عن ابن عباس رضوان الله عليهم أجمعين، قال: سورة الفاتحة أساس القرآن. قال ابن عباس رضي الله عنهما: وأساسها بسم الله الرحمن الرحيم.

    والأساس أخواتي الكريمات يأتي في اللغة لمعنيين اثنين يدل عليهما لفظ الأساس:

    الأول: بمعنى أصل الشيء، يقال له أساس، وأصله: قاعدته التي يبنى عليها بعد ذلك يقال لها لهذه القاعدة للأصل أساس.

    والثاني: أوله إذاً: الأساس أصل وأول، وفاتحة الكتاب هي أول الكتاب، وهي أصل له، فهي حاوية لسائر علومه ومعالمه، فيقال لها: سورة الأساس، أساس القرآن، فاتحة الكتاب.

    العاشر: الواقية

    الاسم العاشر: نقل عن الإمام سفيان بن عيينة عليهم جميعاً رحمة الله، قال: تسمى سورة الواقية وسميت بذلك لأنها تقي من قرأها الآفات والمكروهات وتحفظه من جميع البليات فمن قرأها وقى نفسه بها بفضل الله وكرمه.

    الحادي عشر: الكافية

    الاسم الحادي عشر: ونقل عن يحيى بن أبي كثير، قال: هي الكافية، سورة الكافية، وسميت بذلك لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي عداها عنها، فهي عوض عن غيرها ولا ينوب غيرها عنها، فلو قرأ الإنسان القرآن من أوله إلى آخره إلا الفاتحة في صلاته لما أجزأه ذلك ولما تمت صلاته، ولو قرأ الفاتحة دون أن يقرأ غيرها معها فقد أجزأه وتمت صلاته.

    إذاً: هي الكافية كما أنها هي الواقية.

    الثاني عشر: الوافية

    الاسم الثاني عشر: يقال لها: الوافية، لأنها تفي بمعاني القرآن وتجمع مقاصده على التمام؛ ولأنها أيضاً جمعت بين ما لله وما للعبد، حيث أخبرنا ربنا أن هذه السورة قسمها نصفين نصف لله ونصف للعبد وللعبد ما سأل، فإذاً: هي الوافية، وفت وحوت معاني القرآن، جمعت جميع الحقوق، والحقوق لا تخرج عن حقين اثنين: حق لله وحق للعبد، فالفاتحة جمعتهما، ولأنها أيضاً لا تقبل التنصيف، فيقال لها: وافية لا تقبل التنصيف أي: التجزئة والتشطير، لا يجوز أن يقرأ الإنسان شطرها أو جزأها أو نصفها في صلاته بينما سائر السور لو قرأ جزأها أجزأه، لو قال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:1-2] صحت صلاته بعد الفاتحة، وأما إذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4] الله أكبر، ما صحت صلاته.

    إذاً: هي الوافية لا تقبل التشطير ولا التجزئة والتنصيف، ولابد من الإتيان بها كاملة!

    هي الوافية لأنها بينت حقوق الله وحقوق العبد وجمعت جميع الحقوق مع وجازتها واختصارها!

    هي الوافية لأنها جمعت جميع معاني القرآن. إذاً: قيل لها: الوافية لهذه الأمور الثلاثة الحسان.

    الثالث عشر: سورة الشكر

    الاسم الثالث عشر: يقال لها: سورة الشكر، وهذا قريب من الاسم السادس أنها سورة الحمد، الحمد لله، الحمد لله رب العالمين، الحمد الأولى، الحمد القصرى، وهنا: سورة الشكر لحصول الشكر بها، فمن حمد الله فقد شكره.

    الرابع عشر: سورة الدعاء

    الاسم الرابع عشر: يقال لها: سورة الدعاء. قال أئمتنا: لاشتمالها على أبلغ صيغة من صيغ الدعاء، يقولها العبد ويلتجئ بهذه الصيغة إلى رب الأرض والسماء، وهذه الصيغة هي: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] والعباد بحاجة إلى هذه الدعوة بعدد أنفاسهم، ولذلك أمرنا الله جل وعلا أن نقول هذه السورة المشتملة على هذه الدعوة .. أن نقولها في كل ركعة من ركعات صلاتنا لعظيم نفع هذه الدعوة لنا: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6].

    أخواتي الكريمات! لا يظنن ظان أن هذه الدعوة يسيرة، لا، فهي دعوة عظيمة عظيمة عظيمة، والعباد بحاجة إليها أكثر من احتياجهم لطعامهم وشرابهم، وهم بحاجة إليها بعدد أنفاسهم، وينبغي أن تخرج هذه الجملة من جميع ذراتهم اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6].

    ونحن عندما نسأل هذه الهداية نسأل هداية مفقودة لا موجودة كما توهم بعض المفسرين فقالوا: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] ثبتنا، قالوا: لأن المؤمن مهتد، فهو عندما يسأل الهداية يطلب الثبات عليها، وهذا حقيقة كلام من لم يع معنى الهداية على وجه الكمال والتمام.

    أخواتي الكريمات! هذه الهداية لا تتصور في مخلوق على وجه التمام على الإطلاق، والعبد ما دام حياً هو بحاجة إلى أن يسأل ربه الهداية إلى الصراط المستقيم، والهداية إلى الصراط المستقيم لابد لها من عدة أمور:

    أولها: العلم النافع بكل ما يحبه الله ويرضاه، ليفعله وبكل ما يكرهه الله ويسخطه ليتركه.

    إذاً: ينبغي أن يعلم ما أنزل الله مما أحل وحرم في جميع أمور التشريع من العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق والآداب والحدود والعقوبات، علم هذا على وجه التمام علم نافع تام كامل، فإذا حصل هذا حصل جزءاً من الهداية.

    وهداية ثانية تترتب عليها أن يعمل بكل ما يحبه الله ويرضاه على وجه التمام، وأن يترك كل ما يسخطه الله ويكرهه على وجه التمام، فإذا فعل هذا حصل فيه جزء ثان من أنواع الهداية.

    وجزء ثالث: أن يريد العمل أيضاً بكل ما شرعه الله وأحبه، وأن يريد الترك لكل ما يكرهه الله ويبغضه وإذا وجد هذا وجد جزء ثالث من الهداية، وبقي الجزء الرابع وهو الهداية لدخول الجنة، هذه الهدايات الأربع لا تكتمل في مخلوق كما قال أئمتنا، ووجه ذلك أن ما نجهله مما ينبغي أن نعلمه أكثر ما نجهله أكثر مما نعلمه، فالهداية ما اكتملت فينا.

    الأمر الثاني: ما لا نريد فعله مما نعلمه أكثر مما نريد فعله مما نعلمه. كم من إنسان يعلم الخير لكنه لا يريد أن يعمل به، وليس عنده إرادة ولا رغبة، ولابد من أن يعرف الحق وأن يكون عنده عزيمة على فعله، وأن يتمكن من فعله بعد ذلك.

    الأمر الثالث: ما نريد أن نفعله مما يحبه الله ولا نتمكن من فعله أكثر مما نريد أن نفعله ويحبه الله ونتمكن من فعله، كم من إنسان يعلم أن بناء المساجد خير وأن الجهاد في سبيل الله طاعة، وأن مساعدة المساكين قربة، لكن ما عنده ما يفعل هذه الأمور، هو يعلم أن هذه طاعات ويريد أن يعمل، لكن إما أن بدنه ضعيف، وإما أنه لا يملك مالاً لأجل أن يشارك في أمور الخير، فما تمكن من العمل مع علمه وإرادته.

    إذاً: نسأل الله بقولنا: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] علماً نافعاً، وإرادة جازمة للعمل بشرعه الذي يحبه ويرضاه، وأن يمكننا ويقدرنا على العمل بما علمناه وأردنا العمل به.

    وبقي بعد ذلك الهداية الرابعة: أن يتمم علينا هدايته بدخول الجنة، وأن يمن علينا بذلك بفضله ورحمته من غير حساب ولا عذاب إنه كريم وهاب.

    هذه الأمور الأربعة أخواتي الكريمات لا تجتمع في مخلوق على الإطلاق، ولذلك أمرنا أن نطلب من ربنا الهداية للصراط المستقيم الذي هو علم نافع، وإرادة جازمة للعمل بهذا العلم النافع، وبعد ذلك قدرة على العمل بتلك الإرادة الجازمة بذلك العلم النافع، وبعد ذلك قبول من الله ليمن علينا بدخول الجنة إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، فالله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار، والله جل وعلا يمن عليهم بذلك إنه واسع الفضل والمغفرة.

    هذه الأمور الأربعة كلها يشملها قول الله: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، وعليه عندما نقول: (اهدنا) نطلب -كما قلت- شيئاً مفقوداً لا شيئاً موجوداً فنقول: ثبتنا، وليس المعنى ثبتنا، اهدنا أي: من علينا بالهداية الكاملة التي هي علم نافع وإرادة جازمة وعمل تام كامل نتمكن ونقدر عليه وقبول من الله ليوصلنا ذلك إلى الجنة بفضل الله.

    إذاً: يقال لها: سورة الدعاء لاشتمالها على أفضل صيغة من صيغ الدعاء اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6].

    الخامس عشر: الكنز

    وآخر الأسماء يقال لها: سورة الكنز، وتقدم معنا أخواتي الكريمات في فضل سورة الفاتحة الحديث الثابت في صحيح مسلم وسنن النسائي تقدم معنا عن ابن عباس رضي الله عنهما عند مجيء ملك إلى نبينا صلى الله عليه وعلى أنبياء الله ورسله وملائكته وسلم تسليماً كثيراً، لما جاءه ملك وقال: ( أبشر بنورين قد أوتيتهما: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ بحرف منهما إلا أوتيته ) والحديث ثابت في صحيح مسلم وسنن الإمام النسائي من رواية ابن عباس .

    إذاً: هذه كما قلت خمسة عشر اسماً من أسماء سورة الفاتحة، ومن أراد بقية الأسماء فلينظرها في كتاب الإتقان.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756698191