إسلام ويب

أمراض القلوبللشيخ : صالح بن حميد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذه الخطبة يتحدث الشيخ عن مرض خطير من أمراض القلوب ألا وهو قبول أكل الحرام. وقد حذر فيها من أكل الحرام، وبين أضراره وبعض صوره في زماننا هذا.

    وأوصى الأمة بتقوى الله في المأكل والمشرب والملبس، كما تعرض لبعض صفات القلب السليم، وذكر بعض ثمرات أكل الحلال.

    1.   

    صفات القلب السليم وفضل أكل الحلال

    الحمد لله رب العالمين؛ ربانا وربى جميع الخلائق بنعمه، لا إله غيره، ولا معبود بحقٍ سواه، أحمده سبحانه وأشكره، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أسبغ علينا نعمه، وأغنانا برحمته من واسع فضله، أحل لنا الطيبات، وحرم علينا الخبائث، وهو طيبٌ لا يقبل إلا طيبا.

    وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، فبشر وأنذر وبلغ البلاغ المبين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    أيها المسلمون! اتقوا الله ربكم، وأخلصوا دينكم لله، واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، ادعوه مخلصين له الدين، فبالدين الخالص، والعمل الصالح؛ تصلح الحياة وتزكو النفوس، ويستقيم أمر الدنيا والآخرة.

    الدين الخالص والعمل الصالح يثمر سلامة القلب، وإذا سلم القلب استقامت الجوارح، وصلح الجسد كله.

    القلب السليم مملوءٌ بمحبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، والرغبة في الطاعة، والنفور من المعصية.

    صاحب القلب السليم يسير على نورٍ من الله مجتنبٌ للمحرمات، متوقٍ للشبهات، يترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس، وبالمقابل فبمرض القلوب وفسادها؛ يغلب الهوى، وتنبعث النفوس إلى المعاصي وتغرق بالشهوات، وتضل بالشبهات، فيحل الضعف، وينتشر الفساد، ويعم التحلل والانحلال، وإن مما يتميز به مرضها وسلامتها واعوجاج الجوارح واستقامتها مسائل الحلال والحرام، أكلاً وشرباً، ولبساً وتعاملاً.

    ولقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ) وماذا بعد ذاك أيها المسلمون؟ يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ) رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.

    أيها المؤمنون: الحلال بَيِّن، وطلب العيش مشروع، وأبواب الحلال واسعة، ونعم الله متكاثرة، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وكرهت أن يطلع عليه الناس.

    ولكن قوماً يأبون إلا عبادة الدرهم والدينار، يستمرئون أكل أموال الناس بالباطل، من غير ورعٍ ولا حياء، ولا مروءة ولا كرامة، فويلٌ لهم مما يكسبون، الرزق مكتوب، والأجل محتوم، ومصير هذه الدنيا إلى الزوال، والمآل إلى الحساب، إذا استغنى العبد بالحلال عن الحرام، فالله يكلؤه برعايته، ويحفظه بعنايته، يحفظه في نفسه، ويحفظه في عقبه وذريته، ويحفظه في ماله، ويبارك له في سعيه، يقول ابن المنكدر : [[إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده والدويرات التي حوله، فما يزالون في حفظٍ من الله وستر ]] .

    جاء عن بعض السلف : خمس خصال بها تمام العمل: "الإيمان بالله، ومعرفة الحق، وإخلاص العمل، والعمل على السنة، وأكل الحلال، فإن فقدت واحدة؛ لم يرتفع العمل".

    ومن تعفف عن الحرام والمشتبه؛ أمده الله بتوفيق من عنده، وجعل غناه في قلبه، وأصلح له شأنه، أما من ركبه الشيطان وساقه الهوى، وقادته النفس الأمارة بالسوء، فاقترف المحرمات، وخاض في الشبهات، ودخل مواطن الريب؛ فقد فتح على نفسه أبواب الشر والهلكة، ولا يلومنَّ من أساء الظن به، ومن وقع في الشبهات؛ وقع في الحرام، ومن تهاون بالمحقرات؛ اجترأ على الكبائر.

    عباد الله: إن من ضيع أمر الله؛ ضاع بين خلقه، بل يدخل عليه الضرر والأذى ممن يرجون نفعه وفضله، يتسلط عليه أقرب قريب من أهله وعشيرته.

    1.   

    أكل الحرام.. خطره وأضراره وبعض موارده

    أيها المسلمون: أكل الحرام وشربه ولبسه والتغذي به موجبٌ لسخط الله في الدنيا والآخرة، تمحق به البركات، وتخرب به عامر الديار، وتتفرق بسببه البيوتات، ورد عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل الله منه عملاً أربعين يوماً، وأيما عبدٍ نبت لحمه من سحت فالنار أولى به ) فالله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً: وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26].

    ولقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟! ) خرج ذلك الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

    وأخرج الطبراني من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه بسندٍ رجاله رجال الصحيح سوى رجلين لكنهما وثقا، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يؤتى يوم القيامة بأناسٍ معهم الحسنات كأمثال جبال تهامة، حتى إذا جيء بهم جعلها الله هباءً منثوراً، ثم يقذف بهم في النار، فقيل: يا رسول الله! كيف ذلك؟ قال: كانوا يصلون ويصومون، ويزكون ويحجون، غير أنهم إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه، فأحبط الله أعمالهم ) وفي صحيح البخاري رحمه الله، من حديث خولة الأنصارية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ).

    أمة الإسلام: متى يرجى العز ومتى يؤمل النصر وكثيرٌ من الناس قد بارزوا الله بالمعاصي في أموالهم وطرق اكتسابهم؟ إن العبد مسئول عن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وإن وجوه التعامل بالحرام كثيرة، والطرق المؤدية إليه واسعة، ومدخل الشيطان وجنوده فيها عريق، وكلها أكلٌ لأموال الناس بالباطل، التعامل بالربا من آكله وموكله، وكاتبه وشاهديه.. الارتشاء من الراشي والمرتشي والرائش.. الخيانات والسرقات.. القمار والميسر.. شهادة الزور.. الأيمان الكاذبة في الأموال.. أكل أموال اليتامى.. كتمان العيوب في البضائع.. السحر والكهانة والشعوذة والتنجيم.. التصوير المحرم وأدوات اللهو المحرمة، وما يُدفع في الزنا والنياحة، والكذب في الأسعار، والغش في المقاولات والتجارات، واحتكار الأقوات، كل هذه أنواع من الكسوب المحرمة، كلها موارد من موارد الحرام.

    أيها الإخوة في الله: أيها التجار! كيف يستجاب الدعاء؟ ولماذا تنزع البركات؟ ومتى يهدأ اضطراب الأحوال في أمة الإسلام؟ يقول وهر بن الورد : لو قمت في العبادة مقام هذه السارية لن ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل في بطنك: حلالٌ هو أم حرام".

    وقيل لـسفيان رحمه الله: لو دعوت الله؟ فقال: إن ترك الذنوب هو الدعاء.

    ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [[بالورع عما حرم الله يقبل الدعاء والتسبيح ]].

    وقد استبعد نبيكم صلى الله عليه وسلم إجابة دعاء ذلك الرجل المسكين المسافر الأشعث الأغبر وهو يمد يديه، ويلح في الدعاء: يا رب يا رب، لكن مطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذاؤه حرام، فأنى يستجاب لذلك!

    فاتقوا الله أيها المؤمنون في أنفسكم، واتقوا الله في أهليكم، أصلحوا فساد القلوب بالكف عن الحرام وطلب الحلال، والعمل الصالح، فأي لحمٍ نبت من سحت فالنار أولى به.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96]

    نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ورزقنا الاستقامة على هديه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

    1.   

    حث على تقوى الله في المأكل والمشرب

    الحمد لله؛ يغفر الذنوب، ويستر العيوب، ويجزي الشاكرين، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمي، أحل لنا الطيبات، وحرم علينا الخبائث، ووضع الإصر والأغلال عنا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد: فاتقوا الله ربكم وأطيعوه، وعظموا أمره ولا تعصوه، ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، واعلموا أن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب. فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه، والمال الحرام لا بركة في إنفاقه، ولا قبول في الصدقة منه، وإذا تركه خلف ظهره كان زاده إلى النار، ولتعلموا أن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، فاجتهدوا رحمني الله وإياكم في المطعم الحلال، والملبس الحلال، والمعاملة الحلال، يقول بعض السلف : "إن الرجل إذا تعبد، قال الشيطان لأعوانه: انظروا من أين مطعمه، فإن كان مطعم سوء، قال: دعوه يتعب فقد كفاكم نفسه".

    فالاجتهاد مع أكل الحرام لا ينفع، فاتقوا الله في أنفسكم وما وليتم.

    ثم صلوا وسلموا على الهادي البشير، والسراج المنير، فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير، فقال سبحانه قولاً كريماً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً ).

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد نبي الرحمة والهدى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك وإحسانك يا أرحم الراحمين!

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واخذل اليهود والنصارى ومن شايعهم وسائر الكفرة والملحدين برحمتك يا أرحم الراحمين.

    الله آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيدهم بالحق، وأيد الحق بهم، وارزقهم البطانة الصالحة، واجمع بهم كلمة المسلمين يا أكرم الأكرمين!

    اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.

    اللهم وأبرم لهذه الأمة أمر رشدٍ يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.

    اللهم انصر دينك وكتابك، وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم يا أرحم الراحمين.

    اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان، اللهم أيدهم بتأييدك، وانصرهم بنصرك، اللهم قوِّ عزائمهم، وسدد سهامهم وآراءهم، واجعل اللهم الدائرة على أعدائهم يا قوي يا عزيز.

    ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

    ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

    عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون .

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755994000