إسلام ويب

تفسير سورة البروج (4)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإيمان بالله تعالى له شروط وحقائق، كما أن له في المقابل ثمرات وآثار، ومن أهم شروط الإيمان وأركانه العظام هو العمل الصالح الموافق للكتاب والسنة والمتابعة الصادقة والإخلاص المخلص، كما أن شروط قبول العمل بعد الموافقة والمتابعة للكتاب والسنة لابد أن يراعى فيه الزمان والمكان والهيئة والعدد والصفة، حتى يكون نقياً خالياً من أي رواسب ابتداع أو شائبة هوى.

    1.   

    تابع تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البروج، وإن الآيات المباركات التي ما زلنا نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها؛ إنه قريب مجيب سميع الدعاء.

    قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:11-22].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! في هذا الخبر الإلهي بيان الطريق إلى السماء.. إلى الملكوت الأعلى.. إلى الجنة دار السلام.

    وهذا الطريق عبارة عن أربع خطوات، خطوتان إيجابيتان وخطوتان سلبيتان، فذكر الله في هذه الآية الخطوتين الإيجابيتين، وترك السلبيتين لمعرفتنا بهما من آيات أخر وهما: ترك الشرك والمعاصي. تخل يا عبد الله! عن الشرك بربك، وتخل عن معصيته.

    إذاً: لا تعمل، ولا تكلف نفسك، ولا مشقة، فقط اترك الشرك والمعاصي، لا تدفع ديناراً ولا درهماً، ولا تبت سهران، ولا تظل ظمآن، بل اترك ما حرم الله فإنه يخبث نفسك ويحولها إلى نفس شيطان منتنة لا ترقى إلى السماء ولا تفتح لها أبوابها.

    ألا تستطيع أن تترك الخمر والزنا والربا والجرائم؟

    أنت مكلف بترك أشياء، فاترك ففي الترك راحة.

    أما الخطوتان الإيجابيتان فهما:

    أولاً: أن تحقق لك إيماناً صحيحاً يوافق عليه القرآن ويصدق عليه.

    ثانياً: أن تعمل عملاً صالحاً يوجد لنفسك أنواراً تغمرها طيباً وطهراً تطهر به وتزكو، والذي يعجز عن خطوتين كيف يرتقي إلى السماء وينزل منازل الأبرار؟!

    وفي الدرس الماضي وقفنا طويلاً عند الإيمان، واستعرضنا آيات القرآن، وقلنا: إنا وجدنا أنفسنا بين المؤمنين فهنيئاً لنا.

    وفي العرض الذي رأيتموه لمواكب المؤمنين قلت لكم: من وجد نفسه معهم؛ فليحمد الله، ومن وجد نفسه غائباً فليقرع باب الله وليطلب الطريق، ويقرع أبواب العلماء ويقول لهم: علموني كيف الإيمان؟ هل أنا مؤمن؟ حتى يؤمن.

    ونعيد فقط تلاوة الآيتين لننتقل إلى الخطوة الثانية، قال تعالى من سورة الأنفال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4].

    والآية الثانية من سورة التوبة، قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ [التوبة:71].

    وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ [التوبة:71] بحق. ما لهم؟ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]. أهل القرية في الريف .. في رأس الجبل أو في السهل تدخل عليهم كأنهم أسرة واحدة يتحابون ويتعاونون ويتناصرون أكثر من الأسرة الواحدة.

    وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] وهذه الولاية لا تتحقق إلا بشيئين كما علمتم: الحب والنصرة، فالذي لا يحب المؤمن ليس بمؤمن، والذي يهزم المؤمن ويخذله ولا ينصره ليس بمؤمن، واقرأ: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ [التوبة:71].

    معاشر المستمعين والمستمعات! هل أنتم موجودون في هذه الجماعات؟ اللهم اجعلنا منهم.

    1.   

    حقيقة العمل الصالح وثمراته

    والآن بعد أن حققنا الإيمان ننتقل إلى العمل الصالح، وأفيدكم يا طلاب الهدى! أن الإيمان أولاً، فلا يمكن لغير المؤمن أن يعمل صالحاً، وأتحدى من يقول: لا.

    لا يعمل الصالحات إلا مؤمن، أما الكافر فلا يقوى ولا يقدر ولا يستطيع فهو مصروف عن أن يعمل الصالحات.

    فإذا رأيت عبداً يعمل الصالحات ظاهراً وباطناً، سراً وعلانية، فاشهد له بالإيمان، فلولا الإيمان ما اغتسل من جنابة.

    إذاً: الإيمان بمثابة الروح للجسد، فإذا آمن العبد حيي، والحي يسمع ويبصر، ويعطي ويمنع، ويمشي ويجري؛ لأنه حي.

    أما الميت إذا ناديته: يا عبد القادر! يسمع؟ لا. اطلب منه يعطي؟ لا. حذره يحذر؟ لا. لأنه ميت. فلهذا لا نكلف كافراً بوضوء ولا بصلاة ولا زكاة ولا صيام ولا جهاد ولا إنفاق. لم يا مسلمون؟ لأنه ميت، ويوم أن يحيا بكلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله حينئذٍ يصبح أهلاً لأن تقول: أعط فيعطي.

    العمل الصالح .. ما هو العمل الصالح؟

    قبل أن نشرع في بيان العمل الصالح، نستعجل الثمرة من هذا العمل الصالح!

    لم نعمل الصالحات؟ ما السر؟ آلله في حاجة إلى صلاتنا وصيامنا؟ لا. إذاً: ما هو السر؟ السر يا أبنائي! ويا أيتها المؤمنات! هو أن هذه النفس البشرية التي بين جنبينا والتي بواسطتها نسمع ونبصر ونعي ونفهم ونقوى على المشي والعمل عندما تفارق الجسد يخرب .. قصر رحل منه أهله.

    هذه الروح تزكو بمعنى: تكون رائحتها طيبة زكية، وتطهر فلا يكون فيها دخن ولا ظلمة ولا نتن ولا عفونة، بواسطة العمل الصالح، وبدونه روح الآدمي تتلوث وتصبح كأرواح الشياطين.

    إذاً: العمل الصالح عبارة عن أداة أو آلة لتزكية النفس وتطهيرها، والله الذي لا إله غيره! لكما أقول لكم، فإياكم أن تذهبوا وتقولون: هذه مواعظ وعلوم إلهية. الأعمال الصالحة خاصيتها: أنها تطهر النفس البشرية وتزكيها، فإذا زكت النفس البشرية -أي: طابت وطهرت وأصبحت رائحتها طيبة- تأهلت وأصبحت أهلاً لأن يقبلها الله في الملكوت الأعلى.

    وإذا كانت خبيثة منتنة مظلمة لا يقبلها الله، وعندما ينتزعها ملك الموت وأعوانه يعرجون بها إلى السماء، ووالله لا تفتح لها أبواب السماء ولا تقبل، ارجعوا بها، رائحتها كريهة عفنة منتنة.

    واحفظوا لهذه الحقيقة آية واحدة من ستة آلاف ومائتين وأربعين آية! لم لا نحفظ هذه الآية؟

    لو كنا جادين نريد الوصول إلى السماء لا يبيتن سامع ولا سامعة الليلة إلا وقد حفظ هذه الآية، وإذا لم يتمكن الآن لأني صوتي غير مستقيم يمشي إلى البيت يسأل الزوج أو الزوجة: ما هذه الآية؟ هيا نحفظها الليلة.

    لكن لما لصقنا بالأرض صرنا نسمعها ولا نحفظها فهو غير مهم لنا. نعم غير مهم؛ لأني غير مستعد، ولا أحاول لأن أعرج إلى السماء، أنت راض بالأرض .. بالطين والتراب؛ لأنك إذا حفظت هذه الآية علمت علماً تعجز الدنيا والبشرية أن تعطيك إياه.

    والآية الكريمة من سورة الأعراف، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40] هذه يحفظها الفلاح، وتحفظها الفلاحة والطباخة والكناسة.

    تفهم فقط أن الذي يكذب بآيات الله ويستكبر عنها لا يزكي نفسه ولا يطهرها، فإذا لم يزكها بهذه الصالحات ويطهرها مستحيل في حق هذه الروح أن تدخل الجنة، إلا إذا كان البعير سيدخل في عين الإبرة وهذا مستحيل! الجمل لا يدخل في ثقب الإبرة، فالذين كذبوا بآيات الله الحاملة للشرائع والمبينة للعبادات، والمفصلة للعقائد على أي شيء تزكو نفوسهم وقد كذبوا بالآيات؟

    ومن آمنوا بها .. آيات لله تحمل الهدى والشريعة ثم استكبروا عنها وأبوا أن يقرءوها وأن يحفظوها وأن يفهموا ما فيها وأن يعملوا بها كالمكذبين على حد سواء لم ينتفعوا.

    وكثيراً ما ضربنا لهذا مثلاً في عشرات السنين مضت ما تحرك المسلمون ولا عرفوا الطريق، ولا تساءلوا ولا ولا.. فما هذا المثل؟ مثلاً ألمانيا أو هولندا، كذبت بالقرآن الكريم فلهذا ما صاموا ولا صلوا، ولا اغتسلوا من جنابة ولا تطهروا من درن؛ لأنهم كذبوا بهذه الآيات الحاملة للشرائع والبيانات.

    وشعب مسلم آمن تقدم الكتاب لسيادة الرئيس، يقول للعسكري: ضعه في الرف، مؤمن! تفضل هدية يضعها في الرف .. مؤمن بالآيات، لكن الكبر منعه أن يقول: ما فيها؟ علموني، يا أهل القرآن! اقرءوا علي. ماذا أعمل؟ ماذا أفعل في هذا الكتاب؟ لا يتنازل حتى يقول هذا الكلام: ضعه في الرف.

    إذاً: ما حكمنا الشريعة فساد فينا الباطل والزنا والربا والخنا والكذب والغش والخداع والتدابر والبغضاء والخصومات، فلا تراحم ولا تناصر ولا ولاية.

    لا إله إلا الله! هذه حالنا، فهل نفعنا الإيمان بالكتاب مع الإعراض عن العمل؟ ما نفع؛ لأننا استكبرنا، رأينا أنفسنا أكبر من أن نرجع إلى أهل القرآن: يا أهل القرآن! ما الذي حرمه الله وما الذي أباحه؟ كيف نعامل إخواننا المسلمين في كتاب الله؟ دلونا.

    إذاً: ما أصبح هناك فرق بين هولندا وبين بلد إسلامي، فأولئك الهولنديون كذبوا، وما فتحوا أعينهم ولا عرفوا، ونحن آمنا وما عملنا. أي فارق؟ الفساد في بلادهم كالفساد في بلادنا سواءً بسواء، لهذا أبين: أن الإيمان وحده مع الاستكبار مانع من أن نعمل الصالحات، وإذا لم نعمل الصالحات على أي شيء تزكو أنفسنا؟ على الأسبرين أو على الصابون؟!

    النفس البشرية لا تزكو إلا على كلمات وعلى أعمال وضعها الرب وجعل فيها مادة الإصلاح، وعليها تطيب النفس البشرية، ولا نستطيع أن نخترعه!

    لو يجتمع البشر كلهم الآن في الأمم المتحدة على أن يخترعوا كلمات إذا قالها المؤمن أو المؤمنة أو الكافر أو الكافرة تصبح نفسه كروح الملائكة والله ما يستطيعون ولن يقدروا على هذا.

    لو تضع أنت قصيدة فيها ألف بيت تمدح فيها بما شئت لن تنتج جراماً واحداً من الحسنات؛ لأنك لست بمشرع، فالذي يضع الكلمة ويقول: قولوها مؤمنين تنتج لكم هذا، لا يقدر عليه إلا الله فقط.

    لا يحلم عالم مربي أو عالم فقيه أنه يخترع للمؤمنين في قريته كلمات يقول: من قالها صباح أو مساء زكت نفسه وطابت روحه، وأصبح يتوق إلى السماء. والله لا يقدرون ولا يستطيعون.

    الذي جعل الفيتامينات المغذيات في البيض واللحم والفواكه والخضر والدقيق والشعير والبر هو الذي إذا شرع عملاً أو قولاً أوجد فيه تلك المادة لتعود على النفس البشرية فتغسلها وتطيبها وتطهرها، أما الإنسان فلا يملك ذلك. هل يستطيع علماء الكون وعلماء الاجتماع، وعلماء كذا.. الذين فاضت الدنيا بأكاذيبهم أن يوجدوا لنا مادة أغذية لا توجد في ما وضع الله؟ قالوا: نستغني عن البر أو عن اللحم أو عن البطيخ أو عن الفواكه، ونوجد مادة أخرى نجعل فيها الفيتامينات ونستغني عن هذه المواد؟ هل استطاعوا؟ لا. ولن يستطيعوا.

    1.   

    شروط قبول العمل الصالح

    معشر المؤمنين فتح الله عليكم! من هنا العمل الصالح لا يزكي النفس ولا يطهرها إلا إذا توفرت له أربعة شروط، الذي يعرف هذه الشروط الأربعة ويستعين بالله؛ يزكي نفسه، والذي لا يبالي يقوم الآن من المجلس، غير مهم هذا، ما سمعنا هذا، أو يقول: اتركه يقول. ولا يقف هذا الموقف إلا مريض، بليد كالميت، وأعيذكم بالله من ذلك، فالتزموا الليلة بحفظ هذه الآية حتى تصبحوا قادرين على إصدار الأحكام.

    وهذه المسائل الأربع التي لا بد من توفرها .. لا بد لوجودها وكينونتها في أي عمل إذا كنت تريد أن يزكي نفسك ويطهرها، وهي:

    أولاً: الموافقة للكتاب والسنة

    أولاً: أن يكون القول أو العمل أو الاعتقاد قد جاء به كتاب الله عز وجل. أي: موجود في القرآن الكريم أو في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم المبينة لكتاب الله رب العالمين.

    هذه أول خطوة: أن يكون ما قيل لك: اعتقد كذا تعطى كذا .. قل كذا تثاب بكذا.. اعمل كذا وأجرك كذا.. هذا لا يكون إلا في كتاب الله القرآن العظيم فقط، لا في التوراة ولا الإنجيل؛ فقد نسخا وبطل مفعول ما فيهما بالعهد الجديد.

    لا بد وأن يكون ما قيل لك -قل كذا أو اعمل كذا أو اعتقد كذا تحصل على أجر كذا- موجوداً في القرآن العظيم وفي سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

    هذه سهلة أم صعبة؟ هل يستطيع مالك أو الشافعي أو أبو حنيفة أو الإمام فلان.. فلان.. أن يوجد كلمة فقط ويقول: هذه الكلمة من قالها زكت عليها نفسه؟ لا. حرام عليه ولا يستطيع، وإنما يقول هذا الذي يخلق الأشياء ويوجد خواصها الله جل جلاله.

    وهنا يبين الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة في حديث واحد حفظه المؤمنون والمؤمنات، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) واسترح. لا يجادلك مالك ولا أبو حنيفة .

    ( من عمل عملاً ) سواء من أعمال القلوب أو الألسنة أو الجوارح ( ليس عليه أمرنا ) ليس مختوم بخاتمنا، وما أمرنا به، وما شرعناه، وما أوحيناه إلى رسولنا، وما أمرنا الرسول أن يبلغه عنا لا يوجد طابع القبول فيه ( فهو رد ) أي: مردود على فاعله.

    وإليكم أمثلة: يكتبون لنا أسماء المجاهدين في غزوة بدر ثلاثمائة وأربعة عشر صحابياً، نظموها في قصائد رائعة، ويقولون: هذه يشفى بها المريض. هذه يعالج بها كذا.. هذه من قرأها يحصل على أجر كذا.. ويتغنى بها ويترنم.

    لو يقرأها الإنسان مليون مرة لا تكتب له حسنة. لم؟ هل الله أمر بها؟ لا. هل قال: اتلوها؟ لا. هل الرسول قال: من حفظ أسماء بدر ونظمها ورتبها ونطق بها أعطي من الأجر كذا أو كذا..؟ والله ما قال أبداً، فكيف إذاً تتعب نفسك وتتلو هذه القصيدة عشر مرات أو ساعة كاملة؟ لا تنتج هذه العملية حسنة واحدة؛ إذ ليس عليها أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

    هذا الحديث حفظه عوام عايشناهم سنين فأصبحوا لا يقبلون شيئاً اسمه بدعة أبداً، ولا يضيع فيها دقيقة من الوقت، ولا يقبل مجلس فيه بدعة، ليس عنده فراغ لأن يعمل بلا إنتاج؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( فهو رد ).

    رد: مصدر. بمعنى المفعول مردود عليه.

    ما معنى مردود عليه؟ عملك لك، ليس لك عليه حسنات؛ لأنك ما عملت لنا، وما عملت بإذننا، فهذا العمل لا ينتج لك الحسنات أبداً، ولا يولد لك النور يا من يريد النور لقلبه ونفسه ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).

    ثانياً: عدم الزيادة والنقصان

    ثانياً: لما يكون العمل مشروعاً في الكتاب والسنة قولاً أو عملاً أو اعتقاداً ينبغي ويجب لكي يولد النور وينتج الحسنات التي تزكو بها النفس: أن تراعي فيه كميته.

    إياك أن تزيد أو أن تنقص، فمتى زدت فيه أو أنقصت منه تحلل ولا ينتج شيئاً.

    لم؟ لأن الحكيم العليم واضع هذه العملية، وضعها على أساس أن تنتج لك الحسنات إذا أديت كما وضعت، فإن زدت فيها أو نقصت منها لا تنتج.

    والمثل سهل جداً: أينا يصلي المغرب أربع ركعات ويسأل الفقيه: هل صلاتي صحيحة، ويقول الفقيه: نعم يا ولدي، صلاتك صحيحة؟! هل يمكن هذا؟ والله لا يمكن، ولن تجد فقيهاً يقول: لا بأس، أنت مؤمن، صلاتك صحيحة. وإنما يقول: أعد صلاتك يا ولد.

    وإن قلت له: لم أعيدها؟ يقول: ما أنتجت لك النور. أنت صليت لمن؟ لله. من أجل ماذا؟ من أجل أن تولد أنواراً وحسنات لقلبك ولروحك لتزكو، فهذه العملية باطلة لا تنتج لك النور، فأعد الصلاة. هذه الزيادة في الكمية.

    وأما النقص فكذلك إذا صلى أحدنا الظهر ثلاث ركعات لا تنتج له النور، أما أذن الشارع بصلاة الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين للمسافر فتنتج؛ لأنها وضع الحكيم، لكن مقيم ويصلي الظهر ثلاث ركعات، هل يجد فقيهاً في دنيا المسلمين يقول له: صلاتك صحيحة؟ لا. لا يجد أبداً إلا أعد صلاتك، صلاتك باطلة وما أنتجت لك المراد منها، وما ولدت لك الحسنات. فالمقصود منها: أن توجد نوراً في قلبك يساعدك على أن تعمل وعلى أن تترك. هذا ثانياً.

    وليس ذلك مقصوراً على الركعة فقط بل إذا زيدت سجدة واحدة عمداً بطلت صلاتك، سجدة واحدة نقصتها من العشاء بطلت صلاتك. المهم زيادة ونقصاً، إذا جاء العمل على أنه كمية محدودة، رمضان تسعة وعشرون يوماً أو ثلاثون؛ قال أهل البلاد: لن نصوم هذا العام إلا سبعة وعشرين يوماً أو ثمانية وعشرين يوماً؛ بطل صيامهم. والله لا ينتج لهم طاقة ولا يولد حسنة؛ لأن هذا نقص.

    أما لو قالوا: نصوم واحداً وثلاثين يوماً ما المانع؟ زيادة في العبادة، وقال الفقيه: صوموا واحداً وثلاثين يوماً؛ والله لا يعطون جراماً واحداً، ولا ينتج لهم ذاك الصيام حسنة.

    ما هو السر؟ لأن الشارع لما وضع هذا الصيام ليزكي النفس وضع عدده وكميته فلا يحل للعبد أن يزيد ولا أن ينقص؛ فإن تعمد الزيادة أو النقصان بطل عمله، ولا ينتج له الحسنات، أما من نسي فلا بأس ولا حرج، إن كان في الصلاة يسجد للسهو، وإن كان في رمضان وأفطر يقضي ذاك اليوم ولا حرج، لكن الذي يريد أن يزيد على الشارع كأنه أعلم منه أو أرحم منه أو ينقص، كذلك هذا الذي يرد على صاحبه.

    ثالثاً: مراعاة الزمان

    ثالثاً: الزمان، إذا الشارع ربط العبادة بوقت تقع فيه فإيقاعها في غير ذلك الزمن يفقدها صلاحيتها، ووالله ما تولد حسنة، إذا الشارع عين الزمن وحدده.

    مثلاً: الحج يوم تسعة من شهر ذي الحجة. فلو قالت جماعة: هذا العام نحج يوم عشرة، ووقفوا في عرفات يوم عشرة. قالوا: دائماً تسعة تسعة هذا العام يكون يوم عشرة. هل يكتب لهم حج؟ هل حجهم يزكي نفوسهم؟ والله ما يزكي.

    أيضاً: شهر الصوم في رمضان. فلو قال الزعيم: رمضان في الصيف أرهق الرجال وأتعب العمال فنؤجله إلى البرد. أيها المواطنون! الصيام سيكون في الشتاء؛ لأننا عاملون ونكافح ونجاهد، ولا نريد أن تتعطل طاقاتنا. إذاً: الصيام في الشتاء، وصامت الأمة؛ والله ولا حسنة واحدة، ولن ينتج ذلك الصوم شيئاً اسمه نوراً أو حسنة.

    لم؟ لأن الشارع الذي يودع الأسرار في العبادة حدد شهر رمضان وجعله يدور بدوران السنة، كل خمسة وثلاثين سنة يكون قد دار دورته، فيصومه المؤمن في القيظ والصيف، ويصومه في الربيع، ويصومه في الشتاء، ويصومه في الخريف؛ لأنها عملية لتزكية النفس وتطهيرها.

    أيضاً: لو يقول الإمام هيا نصلي العشاء ويقرأ بـ(البقرة) و(يس). ثم يقول: تعبنا فهيا ننام إلى الضحى ثم نصلى الصبح. هل يوجد تحت الشمس من يقول: الصلاة صحيحة؟ والله ما يوجد، باطلة.. باطلة، ما بطلانها يا شيخ؟ صليناها في المسجد مع الإمام مؤمنين موقنين مصدقين، كيف لا تنتج؟ نقول: لأن الله قال وقوله الحق: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] أين الفجر منا نحن الآن؟ بقي له ست.. ثمان ساعات. إذا حدد الشارع الزمان فإن أوقعت العبادة في غير ذلك الوقت لا تنتج لك نوراً؛ لأنها ليست بعمل صالح.

    رابعاً: مراعاة المكان

    رابعاً: المكان، إذا الشارع حدد للعبادة ظرف مكان فإيقاعها فيه ينتج لك النور، وإيقاعها في مكان آخر والله ما ينتج أبداً.

    المثال: الوقوف بعرفة. فو قال أحدهم: أيهما أفضل: عرفة وإلا أحد؟ جبل أحد أفضل. فإذا قال الزعماء لا قدر الله يمكن يأتي زمان يصابون بالجنون أو سحر اليهود، قالوا: هذا العام نقف بالمدينة في أحد، دائماً نقف بعرفات. فقالوا: يا حجاج! الوقوف في هذه السنة في أحد، ووقفنا في أحد. هل يقال: حجوا؟ لا.

    هل نطمع في أن تكفر سيئاتنا أو يرضى الله عنا؟ والله ما كان. عبث؛ لأن الله عين هذا المكان، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الحج عرفات )، والله يقول: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ [البقرة:198].

    أيضاً: شخص قال: أنا لا أصلين إلا في الحش دخل الحمام، وأخذ يصلي هل يوجد عالماً يقول له: صلاتك صحيحة في المرحاض؟ لا.

    حكم الصلاة في الزنازين

    هنا قد يسأل سائل يقول: الزنزانات في بلاد العرب يدفعون بالرجل في زنزانة يتبرز ويبول وينام ويأكل في مكان واحد، فهل يصلي فيه أم لا؟

    سألونا من عشرات السنين، فنقول: يبتعد ما أمكن ويصلي.

    ماذا يصنع؟ هذا يوجد في بلاد العروبة لما هبطت من علياء كرامتها صح هذا، ودائماً أقول هذا الكلام لعله يبلغ، ولكن لا صحفي يكتب، ولا خطيب مسجد يندد، ولا واعي ولا.. أمة ميتة. لا إله إلا الله!

    نقول اسمعوا: يوجد عذاب في سجون العرب والله ما يوجد في جهنم، ومن يسمعني يندهش! أقول: والله العظيم! لم لا يبك الناس ويقولون: يا رب! كيف هذا؟

    وإن قلتم: ما هذا العذاب؟ أقول لكم: يسلطون الفحول على إخوانهم فيفجرون بهم بالقوة في السجون، ولولا رحمة الله لساخت بنا الأرض، ولهذا لا تعجبوا من البلاء والمحن والفتن، بل استعدوا، فإن بلايا ستنزل ولا تتعجبوا مما سينزل: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14]. سئل أحدهم: أين ربك؟ قال: بالمرصاد.

    وعلى المنبر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن الله ليملي للظالم -يطول له الأيام- حتى إذا أخذه لم يفلته، وقرأ على المنبر: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102] ).

    والمسلمون يعرضون عن كتاب الله ويسخرون من تعاليم الله إلا من رحم الله.

    وقد يقول قائل: يا شيخ! أنت تتشاءم وأنت كذا.. الحمد لله! الصحوة قائمة والأمة في خير. ما الدليل على الذي تقول؟ أنت تخوفنا حتى نبقى نصلي دائماً.

    فهذا أقول: أنا أسأل: هل حكمتنا هولندا؟ هل سادتنا بريطانيا؟ هل دوختنا فرنسا؟ هل سخرت منا إيطاليا؟ هل ضحكت منا إسبانيا؟ هل.. هل.. هل..؟

    كيف هذا يتم؟ أما سمعت الله يقول: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]؟ لكن قوله تعالى: الْمُؤْمِنِينَ [النساء:141] أي: المؤمنين بحق، أصحاب الصفات التي شاهدتموها، فلما تخلخل الإيمان وتناثر وسقط وانطوت القلوب على لا شيء .. على الخرافات والضلالات والشطحات فقط أرانا الله آياته، فسامنا الغرب، وها نحن الآن أسرى لهم، نحن الآن أسرى في أيديهم.

    وإذا كنت واهماً فيما أقول، فليتفضل أحدكم بالرد علي!

    المسلمون لم لا يتعانقون؟ لم لا يقتسمون قرص العيش؟ لم لا تقام الصلاة فيهم؟ لما لا يتحابون؟

    الاستعمار رحل، سلطة الكافر لا وجود لها فما المانع؟ المانع أننا كالحمقى والمجانين والمسحورين ما عرفنا كيف نتآخى ولا نتوالى ولا نتحاب، بل نتحمس لبعضنا البعض، وحسبنا المؤامرة التي دبروها لإطفاء هذه البقية الباقية. ألا يكفي هذا دليلاً؟ أي دليل تريدون إذاً؟ الحمد لله أن هذا النظام يحفظ لكم دويلاتكم، فعيشوا على الدويلات المحمية بالأمم المتحدة.

    كيف نرضى بهذا؟ نرضى:

    أولاً: لأنهم عبثوا بعقولنا وقلوبنا، ومسحوا نور الله من صدورنا. هم الذين فعلوا بنا هذا، أبعدوا عنا القرآن والسنة، وفرضوا لنا فرائض وشرعوا شرائع بالباطل والتراهات، فقسمونا مذاهب وجماعات حتى ضعفنا وأصبحنا تحت أيديهم.

    هم الذين فعلوا بنا هذا، ونقمة الله أن الذي فعلوه بنا سيجزونه يوم القيامة، والله! لولا أنهم ما تألبوا على الإسلام ولا أفسدوا قلوب المؤمنين لدخلت أوروبا والعالم في الإسلام، ولكانوا من أهل النعيم المقيم في الجنة، لكن لما رضوا بتدبير الإسلام وتحطيمه والقضاء عليه حرموا منه ليكونوا من الخالدين في الشقاء الأبدي.

    هم ظنوا أنهم أفلحوا، قضوا على الإسلام وهبطوا به ومزقوه. فهل هذا في صالحهم؟ والله ليس في صالحهم؛ لو بقي الإسلام كالقرون الثلاثة كان ينتشر نوره، والأمم تدخل في رحمة الله، ولكانوا الآن من أهل الجنة، لكن لما ضربوا الإسلام حرموه، حتى أن بعضهم يقول: أي إسلام نقبله؟ نصبح كالعرب الآن في هذه الفتن والضلال والفقر؟ لا نقبل.

    إذاً: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40] .. لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123].

    1.   

    أثر العمل الصالح في زيادة وتقوية الإيمان

    مرت بنا شروط قبول العمل الصالح وهي:

    أولاً: أن تكون العبادة مشروعة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).

    ثانياً: أن تراعي فيها الكمية .. العدد.

    ثالثاً: الكيفية.

    رابعاً: الزمان والمكان وإلا ما تنتج لك حسنة.

    على سبيل المثال: شخص يصلي ولا يحسن الصلاة فيحكم الفقيه ببطلانها، فيقول: يا عبد الله! صلاتك باطلة. لم؟ لأنك ما اطمأننت في الركوع ولا السجود، والركوع والسجود ركنان وأنت ما اطمأننت فصلاتك باطلة. فيقول: خلها باطلة، ويخرج من المسجد يكذب -والله العظيم- يخرج من المسجد يغش .. يخرج من المسجد إلى البنك للربا .. يخرج من المسجد وهو يطالع في وجوه النساء ويتتبعهن.

    أين آثار الصلاة؟ ما أنتجت ولا ولدت النور؛ لأنها باطلة. الفقيه قال: باطلة. ومعنى باطلة: عملية لا تنتج لفسادها كأي آلة من الآلات التي تولد النور أو الكهرباء إذا أصيب جهازها بخلل لا تولد؛ لأنها تعطلت.

    أيضاً: الحج أكبر عملية لتزكية النفس وتطهيرها، لا تساويها عملية، حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ).

    الحاج الذي يحسن حجه ويتقنه يعود إلى بلده أو إلى قريته كأنه ولي الله، لا يعرف يكذب، ولا يسرق، ولا يغش، ولا يخدع، ولا يشح. هذا جربناه، عرفنا حجاجاً حجوا فأصبحوا أولياء، من يوم ما حج ترك كل الباطل، كان يدخن ويلعب.. ويعمل كذا.. يضحك، فأصبح ولياً لله.

    ما السبب؟ زكت نفسه وطهرت، عملية شاقة لاسيما أيام مضت من ميناء جدة إلى مكة تحتاج إلى يومين حتى تصل في الصيف، ليس هناك ثلج ولا مروحة ولا ولا.. حج يخرج العبد كيوم ولدته أمه، تعود نفسه كنفس الملك، لا سرقة ولا خيانة.. يترك كل الذي كان يأتيه، ويصبح في القرية كل من يحتاج شيء عليك بالحاج الفلاني، اذهب لسيدي الحاج الفلاني، كأنه نبي، زكت نفسه وطهرت.

    والآن الذي يحج من جدة يبدأ يدخن. أنا أقول لهم: على الأقل ما دمتم حجاج لا تدخنون.

    من الباخرة يبدأ يقذف ويشتم ويسب، ويعود للمخمرة التي كان فيها.

    أين آثار حجه؟ ولا شيء، ما أنتج شيئاً؛ لأنه ما أداه على الوجه الذي ينتج به، عملية معقدة مركبة نعم، فإذا اختل الأداء لا تنتج. الفقيه يقول: حجك فاسد، هذا الذي يقول فقط، ولكن الواقع ما أنتج، وما نقوله في الحج نقوله في الصيام وفي الصلاة وفي أية عبادة: إذا لم تؤد أداءً صحيحاً لا تنتج.

    انظر إلى أصحاب البدع في أذكارهم وتصوفاتهم وشطحاتهم هل أنتجت لهم تلك العبادة شيئاً؟

    هل صفت نفوسهم؟ هل رقت قلوبهم؟ هل لاحت الأنوار عن وجوههم؟ هل أصبحوا أمثلة للكمال في ديارنا؟

    الجواب: لا. البدع لا تنتج شيئاً، ضياع للوقت والجهد؛ وبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).

    إذاً: العمل الصالح ينتجه الإيمان، المؤمن هو الذي يعمل، فقو إيمانك تقوى على العمل الصالح والعمل الصالح يقوي الإيمان أيضاً ويزيد في طاقته، ومن أراد أن يجرب يقوم في الليل يتوضأ ويصلي ركعتين ويطيلهما ويبكي، يشعر بأن إيمانه ارتفع منسوبه، فقط تأتيه شهوة عارمة يكبح جماحها ويذكر الله، يغمض عينيه يجد لذلك لذة ما عرفها في أكل ولا في شرب نتيجة ذلك.

    إذاً: فائدة العمل الصالح أنه يوجد الطاقة التي تزكي النفس.

    1.   

    وجوب التوبة من الشرك والمعاصي

    المحرمات من الشرك والمعاصي عرفتم أنها توجد النتن والعفونة أو البعد، وإن زلت القدم ووقعت في معصية فعجل بالتوبة، الماء والصابون على الفور، أستغفر الله.. أستغفر الله، أتوب إلى الله سبعة أيام، عشرة أيام، أربعين يوماً فيزول ذاك الأثر وتهدأ النفس وتصفو.

    وهذا سر التوبة، يعجل بها العبد فيزيل ذلك الأثر، وليس بيننا معصوم، والمعصومون هم الرسل، ولكن بيننا المحفوظون الذين يحفظهم الله وإن زلت القدم ووقع في المعصية فإن عبد الله أو أمة الله لا يديمها ولا يستديمها ولا وقت عنده أبداً على الفور يبكي ويصرخ ويعود إلى الله.

    من هنا فهمنا مراد الله من قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ [البروج:11] ماذا لهم من الجوائز؟ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ [البروج:11] لا فوز أكبر منه؛ لأن صاحب الجنة أولاً: نجا من النار، بلايين من إخوانه في جهنم وهو نجا، ثم دخل الجنة فكان الفوز الحقيقي.

    وفي هذا المعنى قول الله تعالى، واسمعوا هذا الخبر العظيم: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185].

    هل هناك من يستثنى؟ على مرور الأعوام والقرون ما استثني أحد.

    كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]. أيتها الشغيلة! يا عملة! يا عمال! واصلوا العمل، لا تطالبوا الآن بالأجر حتى ينتهي العمل. قالوا: لا. الآن أو لا نواصل العمل. مجانين؟! أصحاب المصنع أو الدائرة يعملون كلما يشتغلون ساعة أعطنا، أو لا بد من استيفاء العمل؟ رأس كل شهر مثلاً؟ فهكذا يقول تعالى: وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185] فقد تصوم الدهر وتقوم الليل وأنت فقير، فلا تكرب ولا تحزن ولا تطالب؛ لأن الجزاء ليس في الدنيا.

    وقد ترى الرجل يتمرد على الله ويفسق عن أمره ويفعل الأعاجيب ما يصاب بألم ضرس فلا تقل: لم؟ لأن هذه الدار ليست دار جزاء، إنما هي دار عمل.

    وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ [آل عمران:185] متى؟ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185].

    وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185] ما نوع الأجور؟ قال: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].

    والله أسأل أن يتوب علينا وعلى سائر المؤمنين والمؤمنات.

    وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756009409