إسلام ويب

تفسير سورة الأعراف (35)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما أعرض فرعون وقومه عن دعوة الحق أرسل عليهم آيات مفصلات يبتليهم بها، وكانوا في كل مرة يفزعون إلى موسى ليدعو ربه أن يكشف ما بهم على أن يؤمنوا به ويصدقوه، فإذا كشف عنهم ما هم فيه عادوا إلى سابق عهدهم ونكثوا ما وعدوا به في كل مرة، عند ذلك انتقم الله عز وجل منهم فأغرقهم في اليم لإصرارهم على الكفر وبقائهم على الشرك.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة الأعراف المكية المباركة الميمونة، فلنستمع إلى الآيات التي ندرسها مرتلة مجودة ثم بعد ذلك نتدارسها، والله نسأل أن يفتح علينا فيها ويرزقنا العلم والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ [الأعراف:134-137].

    أنواع الرجز الذي نزل بفرعون وقومه

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! ما زال الحديث مع موسى الكليم عليه السلام ومع فرعون وملئه من الكافرين، فقول ربنا جل ذكره: وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ [الأعراف:134] الرجز: العذاب الذي تتقزز منه النفوس، وهذا العذاب سبق في الآيات قبل هذه وأنه سبعة أنواع من العذاب، في قوله تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ [الأعراف:133] أمطار أغرقتهم أو كادت تغرقهم، فلجئوا إلى موسى: يا موسى! ادع لنا ربك لئن كشفت عنا هذا العذاب لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل، فيرفع كفيه إلى ربه ضارعاً يسأل، فيستجيب الله، فينتهي ذاك النوع من العذاب وتعود الحياة كما هي، فيطالبهم بالإيمان وبإرسال بني إسرائيل فيرفضون، فيدعو الله تعالى عليهم، فيصيبهم بالجراد، وهكذا القمل والضفادع والدم في فترة من الزمان لا يعرف عددها إلا الله، كلما يصابون يفزعون إلى موسى، وحين يدعو الله ويكشف عنهم يعودون إلى غيهم وشركهم وباطلهم وإصرارهم على الكفر وعلى عدم إرسال بني إسرائيل مع موسى ليذهب بهم إلى بيت المقدس، سبعة من أنواع العذاب كلها رجز.

    وعود قوم فرعون لموسى لكشف الرجز

    قال تعالى: وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ [الأعراف:134]، والذي عهده عنده إما أنه دعاء يدعو به موسى فيستجيب الله له، أو بما عهد عنده من أنه إذا كشف عنا العذاب نؤمن به ونرسل بني إسرائيل معه، عهد الله له بذلك.

    إذاً: قالوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ [الأعراف:134]، والعجب أنهم لم يقولوا: ادع لنا ربنا؛ لأن ربهم فرعون، هذا ربهم الأعلى وأصنامهم كلها خاضعة تابعة له، فقالوا: ربك يا موسى، وهذا منتهى الجهل، ما دمتم تؤمنون أن لموسى رباً يتصرف في الكون فلم ما يكون ربكم أنتم؟ ألستم مخلوقين مثل موسى؟ ولكنها ظلمة الكفر وإغواء الشياطين.

    ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ [الأعراف:134] هذا في كل حادثة من السبع يعدون هكذا ويخلفون، لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ [الأعراف:134]، وهذا دال على قسم، حلفوا بآلهتهم ولم يذكرها القرآن لعدم صلاحيتها.

    لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ [الأعراف:134] أي: نؤمن بما تأمرنا، نؤمن به بأنه لا إله إلا الله. وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف:134] تذهب بهم إلى أرض الشام والقدس، ولا شك أن بني إسرائيل عرفتم أنهم أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ويعقوب يكنى بإسرائيل، بمعنى: عبد الله أو عبد الرحمن، وأولاده الذين انحدروا من صلبه بعد قرون هم بنو إسرائيل، وعما قريب يصبحون اليهود لفعلة فعلوها فأطلق عليهم لفظ اليهود.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون)

    قال تعالى جل جلاله وعظم سلطانه: فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ [الأعراف:135] أي: ذلك العذاب الشديد المزري المقلق إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ [الأعراف:135] إلى فترة معينة ثم يعودون إلى الباطل.

    إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ [الأعراف:135] يعطيهم موسى ستة أشهر أو سنة إذا تابوا يرفع الله العذاب، وحين تنتهي الفترة تلك يعودون إلى الباطل، إذا هم ينكثون ما ربطوه وعقدوه بينهم وبين موسى، والنكث: الحل والنقض بعد الإبرام.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم ...)

    قال تعالى: فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الأعراف:136]، انتقم الله ممن؟ من فرعون وملئه، وملأ فرعون -كما علمتم- أعيان البلاد من أهل الحل والعقد من وزراء ورجال جيش ومال.. وما إلى ذلك.

    فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ [الأعراف:136]، وكيفية الإغراق معروفة، لما أمر الله تعالى نبيه موسى أن يستقل ببني إسرائيل فنزل في منطقة ودعا بني إسرائيل إلى الالتحاق به، يخرجون من العواصم من الحواضر ويلتحقون بموسى، ويتهيأ للخروج بهم، وهذا جاء مبيناً في سورة يونس: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً [يونس:87]، أي: متقابلة حتى ما يدخل دخيل بينكم لأنكم تشاهدونه، وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [يونس:87]، واستجابوا فتجمعوا كلهم وأقاموا الصلاة وإمامهم موسى وهارون انتظاراً للأمر بالخروج من الديار المصرية، فلما اكتمل جمعهم وتمت كلمتهم مشى موسى وهم وراءه ستمائة ألف، ما إن وصلوا إلى شاطئ البحر الأحمر وهو اليم المالح حتى جمع فرعون رجاله وجيشه، وتقول الأخبار -وليس بباطل-: كانوا مائة ألف فارس، جيش مكون من مائة ألف، فمعنى هذا: أن كل أهل الباطل والشر والعناد والكفر كانوا معه ومشوا وراء موسى يطلبونه، لما انتهى موسى إلى البحر قالوا: يا موسى! إلى أين تأخذنا: البحر أمامنا والعدو وراءنا، فكيف سنعيش؟ فطمأنهم أن الله أمره بأن يسلك بهم البحر: فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ [الشعراء:63] فضرب، فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء:63]؛ لأن الذين معه كانوا اثنتي عشرة قبيلة، كلهم بنو إسرائيل، لكن قبائل ينتسبون إلى آبائهم، فلما استجاب موسى وضرب العصا انفلق البحر وانشق إلى اثنتي عشرة طريق بحيث كل قبيلة تمشي وحدها في ذلك الطريق الموجود في الماء، فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء:63]، كالجبل العالي، الماء انقسم اثنتي عشرة طريقاً، فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ [الشعراء:63-64].

    ووصل فرعون وجيشه، وخرج موسى وآخر رجل من بني إسرائيل، فلما توغل فرعون وجيشه ولم يبق منهم أحد وصاروا كلهم في البحر أطبق الله عليهم البحر فأغرقهم أجمعين، فعل من هذا؟ فعل الله عز وجل، هذا تدبيره وهذه آياته، هذه معجزات أنبيائه يؤيدهم بها ليؤمن الناس بهم فيعبدوا الله وحده.

    قال تعالى: فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ [الأعراف:136]، وليس بشرط أن يكون اليم هو النيل؛ لأن لفظ اليم يطلق على الماء، ولكن في الغالب أن يكون بحراً مالحاً وهو البحر الأحمر. ‏

    سبب حلول النقمة بفرعون وملئه

    وعلل لذلك -وهو الحكيم- لننتفع بكتابه فقال: بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأعراف:136]، لم أغرقناهم؟ مائة ألف فارس بخيولهم وعلى رأسهم ملكهم فرعون، بسبب ماذا؟ قال: بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف:136].

    كيف حال المسلمين من قرون، أما هم بغافلين عن آيات الله؟ وإن لم نقل: كذبوا ولا صرحوا بالتكذيب، لكن عدم الاجتماع عليها وتلاوتها وتدبرها وفهم معانيها وتطبيق ما فيها من الهدى، هذا دليل عدم الإيمان، علامة واضحة كالشمس، أنك تعيش ستين سنة ما تقرأ هذا الكتاب ولا تعرف ما فيه ولا تسأل عنه ولا تطبق وتعمل ما جاء فيه، كيف تقول: أنا مؤمن؟ هذه هي الغفلة أم لا؟

    فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف:136] بسبب تكذيبهم بآياتنا، تسع آيات شاهدوها وما آمنوا، كذبوا بما جاء به موسى وما دعاهم إليه باسم الله وعن الله، وكانوا غافلين غفلة كاملة غير مبالين؛ فلذلك انتقمنا منهم بظلمهم وبذنبهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ...)

    ثم قال تعالى: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا [الأعراف:137]، هذا فعل الجبار، هذا فعل الرحمن، وَأَوْرَثْنَا [الأعراف:137] من الإرث، وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ [الأعراف:137] في الديار المصرية، يذبح أولادهم وتستحيا نساؤهم دهراً من الزمن، يعذبون ويسخر منهم ويستهزأ بهم، أورثهم الله مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا [الأعراف:137] مشارق الأرض الشام بكامله أصبح ملك بني إسرائيل، والمغارب مصر، والمصريون ما بقيت لهم دولة ولا سلطان فحطموا، دخل بنو إسرائيل وحكموا البلاد مرة ثانية على عهد يوشع بن نون أو من دونه، وهذا كلام الله: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ [الأعراف:137] ومن كان يستضعفهم وينظر إليهم على أنهم ضعفة مساكين فينكل بهم ويعذبهم؟ فرعون وملؤه، أورثناهم ماذا؟ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا [الأعراف:137]، لم قال: (وأورثناهم) ما قال: ملكناهم؟ لأنهم ورثوا من كان قبلهم، كان المشرق يملكه الناس ويحكمون أهله، فورثوهم، وورثوا المصريين الأقباط؛ لأن الإرث الانتقال من يد إلى يد.

    وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا [الأعراف:137] والتي بارك فيها هي أرض الشام؛ ولذلك آيات كثيرة تدل على هذا، وفلسطين جزء من الشام، سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ [الإسراء:1] تلك المناطق -لبنان وسوريا والأردن- كلها داخلة في هذا اللفظ: بَارَكْنَا حَوْلَهُ [الإسراء:1].

    إذاً: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ [الأعراف:137] أورثناهم ماذا؟ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا [الأعراف:137] في زروعها وضروعها وأموالها وأهلها.

    معنى قوله تعالى: (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا)

    وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى [الأعراف:137] وهي لمن؟ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا [الأعراف:137]، وعدهم وعد الصدق، فآمنوا بموسى ومشوا وراءه فأورثهم وأنجز لهم ما طلبوا، وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف:137] بسبب ماذا؟ بصبرهم، ما هو بشرف آبائهم وأجدادهم، بِمَا صَبَرُوا [الأعراف:137].

    إذاً: الصبر له قيمته، لو أنهم ما صبروا وفرعون ينكل بهم ويعذبهم فارتدوا وكفروا لما كانوا يستحقون هذا الكمال، لكن صبروا على ما أصابهم ومشوا مع موسى، مشوا معه سنوات عديدة أكثر من أربعين سنة وهم يلاقون العذاب، فبذلك جزاهم الله هذا الجزاء بسبب صبرهم، ما كفروا ما فسقوا ما ارتدوا ما تلوثوا بالباطل، بل بقوا صادقين في إيمانهم مع نبي الله موسى وهارون.

    قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى [الأعراف:137] التي وعد بها موسى وبني إسرائيل، عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا [الأعراف:137].

    حقيقة الصبر وأنواعه

    هل تعرفون الصبر هذا ما معناه؟ هل هو أكلة تؤكل، أو ثوب يلبس، أو دار تسكن؟ الصبر -معاشر المستمعين- في ثلاثة مواطن:

    صبر على فعل أوامر الله تعالى، نفعلها صبراً ولو كان البرد ولو كان الجوع ولو كان العذاب، ما نترك ما أوجب الله عز وجل، وصبر على ترك مناهيه ومحرماته وما نهى عباده عن فعله، وصبر على ما يجري به القضاء من مرض أو تعب أو آلام أو فقر.. أو ما إلى ذلك.

    وهو حبس النفس على ما تكره في ثلاثة مواطن، يحبسها وهي كارهة على العبادة، لا يترك فريضة أبداً ولا واجباً، يحبسها بعيدة كل البعد عن كل معصية لله ورسوله ويضغط عليها ويشدد حتى لا يفعل محرماً أو يقوله.

    والموطن الثالث صبر بحبس النفس على ما كتب الله في القضاء والقدر من أن يصيب المؤمن مرض.. فقر.. عذاب، يصبر لا يجزع ولا يسخط ولا يقول إلا: الحمد الله .. الحمد لله .. الحمد لله على ما أصابني.

    فقوم موسى صبروا على العذاب الذي كانوا يتلقونه من فرعون ورجاله، صبروا مع موسى، والآن جزاهم الله عز وجل فأغرق عدوهم وهم يشاهدون.

    الحيلولة بين فرعون والشهادة حال الغرق

    ومن اللطائف: أن فرعون ما غرق بدنه في داخل البحر، بقي على سطح الماء، وذكر تعالى لطيفة أخرى في سورة يونس: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ [يونس:92]، قبل هذه الآية: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90]، لم يقل: آمنت بالله، فهذا ممنوع عليه، آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ [يونس:90] كأنه لا يعرف شيئاً من مكره ودهائه، قال تعالى: آلآنَ [يونس:91] أهذا وقت الإيمان؟ فمن تاب حين غرغرت نفسه في حلقه لا تقبل له توبة، ففرعون الآن كاد الماء يخنقه، إذاً: أعلن عن توبته: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلآنَ [يونس:90-91] أهذا وقت الإيمان؟ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:91].

    اللطيفة التي ذكرناها في الحرب العالمية الأخيرة هذه: أنه كانت طائرات ألمانيا تأتي تحلق على المستعمرات الفرنسية ومنها الجزائر، فإذا جاءت الطائرة -سواء إيطالية أو ألمانية؛ لأن إيطاليا كاليابان في التضامن الألماني أو الاتحاد الألماني-، إذا جاءت وصفرت الصفارة ذات البوق يهرب الناس إلى بيوتهم إلى السراديب والأنفاق ويقولون: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، النساء والرجال، حتى إذا ماتوا يموتون على الشهادة ولهم الحق، فكان الفرنسي يقول: ماووسي ماووسي، يعني: وأنا كذلك، ما يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله كالمسلمين، بل يقول: ماووسي ماووسي، أي: وأنا كذلك، يظن أنه ينجو بهذه الكلمة، فسبحان الله!

    ففرعون لما كاد يغرق: قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90]، رد الله عليه بقوله: آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:91]؛ فلهذا إذا غرغرت النفس وتحشرجت في الصدر لا تقبل توبة للعبد، تقبل توبة العبد ما لم يغرغر، أما إذا غرغر فما بقي شيء، والغرغرة صوت معروف، صوت المريض عند الوفاة.

    والشاهد عندنا في فرعون أنه وبخه الله: آلآنَ [يونس:91] أهذا وقت الإيمان؟ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ [يونس:91-92] لا بروحك، فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ [يونس:92]، فبقي على سطح الماء، فبنو إسرائيل ضعفة مساكين عاشوا مضطهدين، لولا أن الله أظهره لهم وشاهدوه ميتاً لخافوا أن يأتي من أمامهم أو يأتي من ورائهم فما يستطيعون أن يصبروا، فأراهم الله وهم يضحكون عليه ميتاً فاطمأنت نفوسهم، تدبير الله عز وجل، ولعل فرعون الآن يوجد فيما يسمى بالمتحف.

    معنى قوله تعالى: (ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون)

    قال تعالى: وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ [الأعراف:137] دمرنا تلك الصوامع والقصور والمباني فخلت من أهلها، وكل ما كانوا يعرشون ويبنون ويرفعون حتى للعنب يجعلون له عرائش، إذ دمرت البلاد تماماً بعدما مات رجالها وسلطانها وما بقي عمل، وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ [الأعراف:137]، والعرش: هو رفع البناء كالعروش، حتى التعريش للعنب ليكون أيضاً فوق العريش.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات

    معاشر المستمعين! هيا بنا ندرس هذه الآيات في الكتاب، وتأملوا يفتح الله عليكم.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ معنى الآيات:

    ما زال السياق ] سياق الحديث [ في قصص موسى مع فرعون وقومه، وهذه هي الآيات الأخيرة في هذا القصص، إنه لما وقع عليهم الرجز وهو العذاب المفصل: الطوفان فالجراد، فالقمل، فالضفادع، فالدم ] كما تقدم، ما هو في يوم واحد، بل في السنة، فما يتوبون فيزيد الله عليهم العذاب، [ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ [الأعراف:134] أي: من كشف العذاب عنا إن نحن آمنا بك وبما جئت به وبما تطالب به من إرسال بني إسرائيل معك. وحلفوا ] بأيمانهم [ وقالوا: لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف:134]، قال تعالى: فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ [الأعراف:135] أي: العذاب، إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ [الأعراف:135] إلى وقت ينتهون إليه ]، حدده الله، وهل هو ستة أشهر.. سبعة.. ثمانية، الله أعلم.

    قال: [ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ [الأعراف:135] عهودهم ] التي يعطونها، [ ولم يؤمنوا ولم يرسلوا بني إسرائيل ] مع موسى كما يريد، [ وكان هذا ما بين كل آية وآية ]، ما بين الضفادع والدم، ما بين الدم والجراد، ما بين كل آية وآية يعطون هذا العهد، وحين يدعو موسى وينكشف عنهم العذاب يعودون لما كانوا عليه.

    قال: [ وكان هذا ما بين كل آية وآية ]، الآيات التسع: الجراد والقمل والضفادع والدم، كل واحدة آية على وجود الله وعلمه وقدرته، وعلى أن موسى رسوله وعبده، وعلى أن ما جاء به هو حق، هذه هي الآية تدل على هذه الحقائق كلها؛ لأن الآية: العلامة الدالة على الشيء، أليس كذلك؟

    قال: [ وكان هذا ما بين كل آية وآية حتى كانت الخمس الآيات، ودقت ساعة هلاكهم، قال تعالى: فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ [الأعراف:136] وهو البحر الملح، أي: أغرق فرعون وجنده ورجال دولته وأشراف بلاده ]؛ إذ الكل خرجوا في طلب بني إسرائيل.

    [ ثم ذكر تعالى علة هذا الهلاك الذي حاق بهم ليكون عبرة لغيرهم، وخاصة قريش التي ما زالت مصرة على الشرك والتكذيب ]، وهو يتناول -والله- العالم الإسلامي منذ قرون، من يوم أعرض عن كتاب الله وعطل حدود الله وأقبل على الشرك والباطل، فهم تحت النظارة: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14].

    وإن قلت: كيف؟ قلنا: أما سلط الله عليهم أوروبا وداستهم بنعالها؟ ممالك الهند الإسلامية حكمتها بريطانيا، أين رجالات المغرب الإسلامي؟ داستهم فرنسا وإيطاليا وأسبانيا، فهل ظلمهم الله؟ والله! ما كان وحاشا لله، ظلموا أنفسهم أعرضوا عن كتاب الله، وهاهم الآن معرضون ولا حول ولا قوة إلا بالله، أنجاهم الله من الاستعمار وحررهم وأعتقهم وتخلصوا منه، فبدل أن يشكروا الله ويحمدوه ويثنوا عليه ويطرحوا بين يديه يطبقون شرعه رغبوا عن ذلك وعزفوا متكبرين، لا توجد دولة تأمر بإقامة الصلاة إلزاماً قط، ثلاثة أرباع جيوشها ما يصلون ولا يبالون، لا توجد دولة إسلامية -باستثناء هذه البقعة- تجبي الزكاة وتلزم المواطن بدفعها أبداً، بل عوضوها بالضرائب وتركوا الزكاة كفراً.

    قد تقول: يا شيخ! كيف تقول هذا؟ وأقول: والله! إنه الحق، يضربون الضرائب على المواطنين ولا يذكرونهم باسم الزكاة حتى لا يذكروا الإسلام.

    ومن العجيب واللطائف: أنه أيام كانت فرنسا تحكم شمال إفريقيا ونحن صغار نقرأ كانت تأتينا الغرامة -والله- بعنوان الزكاة، حتى ما تؤلمنا بالضريبة؛ كأنهم يقولون: لأنها زكاة وأنتم تؤمنون بالزكاة، يذكروننا بالزكاة لأننا مسلمون والزكاة قاعدة الإسلام الثالثة، وهؤلاء الحاكمون من يوم الاستقلال في أي بلد -باستثناء هذه المملكة- ما يذكرون الزكاة، نسوا الزكاة، أرادوا أن ينسلخوا من الإسلام، فإن لم يتدارك الله هذه الديار في الشرق أو في الغرب بتوبة لنزل بهم بلاء لا نظير له وهم متهيئون له، فربنا بالمرصاد، ( يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ).

    قال: [ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ [الأعراف:135] عهودهم ولم يؤمنوا ولم يرسلوا بني إسرائيل، وكان هذا ما بين كل آية وآية، حتى كانت الخمس الآيات ] التي تقدم ذكرها، [ ودقت ساعة هلاكهم قال تعالى: فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ [الأعراف:136] وهو البحر الملح، أي: أغرق فرعون وجنده ورجال دولته وأشراف بلاده، ثم ذكر تعالى علة هذا الهلاك الذي حاق بهم ليكون عبرة لغيرهم ]، ليكون عبَّارة يعبر عليها العقلاء من لجة الخطر إلى شاطئ السلامة، هذه هي العبرة والعبَّارة، والعرب والمسلمون يشاهدون هذا ولا عبرة أبداً، لو لم يشاهدوا دولة تطبق الشريعة فقد يعذرون، لو لم يشاهدوا دولة تأمر بالصلاة وتفرضها على مواطنيها جيشاً ومدنيين لكانوا معذورين، لو لم يشاهدوا دولة تأخذ الزكاة وتجبيها لكانوا معذورين، ولكن جاء الله بدولة عبد العزيز -والله- آية، من أجل أن تقوم الحجة لله علينا، دليل واضح، طبقت الشريعة فساد الأمن والطهر، والله! ما عرفت هذه الأرض طهراً ولا أمناً كما عرفته على يد عبد العزيز وأبنائه إلا على عهد القرون الثلاثة بتطبيق الشريعة، لا بشيء آخر، لا بالجيوش والجرارات، ولم يفيقوا ولم ينتبهوا، فهم سكارى والعياذ بالله تعالى.

    فهي آتية يا أبنائي، أنا إن شاء الله أموت قبلها، في ديارنا الجزائرية الآن ستون ألفاً ماتوا ظلماً وعدواناً، وأكثر من عشرة آلاف امرأة، هذا نقمة الله، أم يجري هذا بدون إرادة الله؟ أعوذ بالله، والله! لبإذن الله وتدبيره.

    وفي بلاد الأفغان كذلك، كنا نبكي للأفغان نجمع لهم الأموال والجهاد فيه دخن، عرضنا عليهم الهداية وسافرنا إلى ديارهم وقلنا: عجلوا قبل أن تفوت الفرصة، فرفعوا رءوسهم يضحكون، ماذا حل بهم من البلاء؟ النار تأكلهم ليل نهار وانتهى أملهم وتم كل البلاء فيهم، ووالله! لتنتقلن من بلد إلى آخر، ولا يحمى إلا الذي حماه الله بأن رجع إلى الله وآمن به وصدق بشرعه وطبقه وعمل بما فيه، أما دويلات من حفنات مستقلة لا تأمر بصلاة ولا زكاة، فهذه والله ما تبقى، وسوف ينزل بها العذاب.

    قال: [ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ [الأعراف:136] وهو البحر الملح، أي: أغرق فرعون وجنده ورجال دولته وأشراف بلاده، ثم ذكر تعالى علة هذا الهلاك الذي حاق بهم ] وأحاط [ ليكون عبرة لغيرهم وخاصة قريش التي ما زالت مصرة ] على عهد رسول الله [ على الشرك والتكذيب، فقال تعالى: بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف:136] كما هي الحال في قريش ومشركي العرب وكفارهم.

    وختم تعالى هذا القصص -قصص موسى مع فرعون- بقوله: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ [الأعراف:137] وهم بنو إسرائيل حيث استعبدهم فرعون الظالم وآله زمناً غير قصير، مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا [الأعراف:137] وهي أرض مصر والشام؛ إذ الكل مما بارك الله تعالى فيه، إلا أن أرض الشام أولاً ثم أرض مصر ثانياً، إذ دخل بنو إسرائيل أرض فلسطين بعد وفاة موسى وهارون حيث غزا بهم يوشع بن نون العمالقة في أرض فلسطين وفتح البلاد وسكنها بنو إسرائيل.

    وقوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا [الأعراف:137] والمراد من كلمة الله ] الحسنى [ قوله في سورة القصص: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ [القصص:5] ]، صار بنو إسرائيل أئمة، فمئات الأنبياء خرجت منهم بعد استقلالهم.

    قال: [ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ [القصص:6]، وقوله تعالى: وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ [الأعراف:137] ] أي: [ من سلاح وعتاد ومبان شداد وقصور رفيعة البنيان، وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ [الأعراف:137] ويرفعون ويعلون من صروح عالية، وحدائق أعناب زاهية زاهرة، وأورث أرضهم وديارهم وأموالهم قوماً آخرين غيرهم، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

    إلى هنا انتهى قصص موسى عليه السلام مع فرعون وملئه، وكانت العاقبة له والحمد لله ].

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: ضعف الإنسان يظهر عند نزول البلاء به حيث يفزع إلى الله تعالى يدعوه ويضرع إليه، وعند رفعه حيث ينسى ما نزل به ويعود إلى عاداته وما كان عليه من الشرك والمعاصي، إلا من آمن وعمل صالحاً فإنه يخرج من دائرة الضعف حيث يصبر عند البلاء ويشكر عند النعماء ].

    عادت حليمة إلى عادتها القديمة، لما جاءت حرب اليهود أصبحت إذاعات العروبة كلها قرآناً، والله! لا مزمار ولا أغنية ولا عاهرة تغني، وما إن أعلن عن وقوف القتال حتى عادت كلها إلى الأغاني والباطل، فقلنا: عادت حليمة إلى عادتها القديمة، هل يضحكون على الله؟ أيام الخوف كنا معك، والآن وقع الصلح بيننا وبين اليهود فنفرفش وننسى كل شيء، لا إله إلا الله! ربنا يعلم هذا، وهو الذي قدره وهو ينظر إليه، وسوف تأتي النقمة الإلهية إلا أن يتدارك الله عباده بالمؤمنين الصالحين فيتوبون ويتوب عليهم.

    [ ثانياً: سبب العذاب في الدنيا والآخرة التكذيب بآيات الله بعدم الإيمان والعمل بها، والغفلة عنها حيث لا يتدبر ولا يفكر فيها وفيما نزلت لأجله.

    ثالثاً: مظاهر قدرة الله، وصادق وعده، وعظيم منته على خلقه، وحسن تدبيره فيهم، فسبحانه من إله عليم حكيم رءوف رحيم ].

    وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756686284