إسلام ويب

تفسير سورة الأعراف (30)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أرسل الله عز وجل نبيه وكليمه موسى عليه السلام إلى فرعون وملئه يدعوهم إلى الإيمان بالله رب العالمين، لكن فرعون مع ما عرف عنه من التكبر والطغيان لم يقبل من موسى ذلك، فتارة يهدده بالقتل، وتارة يطالبه بالآيات الدالة على صدق نبوته، وتارة يتحداه ويجمع له أعظم سحرة البلاد ليبارزوا سحره بسحر مثله، فيؤيد الله عز وجل نبيه بالمعجزات الباهرات، لكن الظالمين في غيهم يترددون.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، ومعنى: حفتهم الملائكة: طافت بهم.

    وها نحن مع سورة الأعراف المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي تعالج أعظم العقائد، تعالج عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأنه لا مشرع إلا الله، وأن الدار الآخرة دار الجزاء على الكسب والعمل في هذه الدنيا.

    وها نحن مع هذه الآيات، فلنصغ مستمعين لتلاوتها مرتلة مجودة، وبعد ذلك نتدارسها، والله أسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ * وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ إِنْ كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ [الأعراف:103-108].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ [الأعراف:103]، أي: من بعد تلك الأمم التي أرسل الله تعالى إليها رسله فكذبوا وتكبروا وعاندوا، وأهلكهم الله إلا من آمن منهم بالله ورسوله، إذ قص تعالى علينا في هذه السورة قصص قوم نوح، قوم هود، قوم صالح، قوم ثمود، قوم شعيب، ودرسناها ووقفنا عليها كأننا ننظر إليها بأعيننا، فقال عز من قائل: ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى [الأعراف:103].

    تكليم الله تعالى لموسى عليه السلام

    من موسى؟ هذا نبي الله ورسوله وكليمه، ويعرف بكليم الله، أي: الذي كلمه الله كفاحاً بلا واسطة، وفي الأرض لا في الملكوت الأعلى، ولهذا يقال: موسى الكليم، عند جبل الطور من أرض سيناء المقدسة تم كلام الله لموسى، حتى تاقت نفسه واشتاقت إلى رؤية الله عز وجل، وقال: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي [الأعراف:143] أي: ما أنت بأهل لذلك، ما تقدر، فخلقك وبصرك ما هو بأهل لهذا، بدليل أن أهل الجنة يقدرون على رؤية الله عز وجل، فيكشف الحجاب عن نفسه، ويكلمهم وهم ينظرون إليه يقظة، والجنة ما فيها منام.

    سبب تسميته عليه السلام بموسى

    وموسى قيل: هذا الاسم مركب من الماء والشجر، (مو): الماء بالعبرية، و(شي): الشجر، ماء وشجر، هذا موسى، وعلة ذلك أو سببه: أن فرعون عليه لعائن الله لما قال له رجال السياسة الهابطين: هذه الثلة وهذه الجماعة من بني إسرائيل كان لهم سلطان ودولة وعز وكمال، فلا يؤمن أن يطالبوا به في يوم ما. إذاً: ماذا أصنع؟ قالوا له: تقتل الأطفال الذكور وتترك الإناث، وصدر الأمر إلى نساء بني إسرائيل، فكل من حملت فقبل وضعها تتصل بالشرطة أو بالمسئولين وتعلمهم، ما إن تضع من بطنها الولد فإن كان ذكراً ذبحوه ودفنوه في مكانه، وإن كان أنثى أبقوها للخدمة والعمل، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم.

    إذاً: ومضت سنون تقل أو تكثر فقال الاقتصاديون من الساسة: الآن اليد العاملة ستنتهي، فماذا نصنع يا رجالنا؟! قالوا: تقتل الأولاد الذكور سنة وتعفو عنهم سنة. وسنة العفو يولد فيها عدد، ودبر الرحمن عز وجل وهو العليم الحكيم، فحملت أم موسى بأخيه هارون عليه السلام، وهو نبي ورسول، أرسله الله مع أخيه موسى لما كبرا وأصبحا رجالاً، وفي السنة التي هي سنة الذبح لا العفو ولد موسى، لا إله إلا الله! فهتف بأم موسى هاتف، أوحى الله إليها أن: إذا وضعته فاجعليه في تابوت من خشب وألقيه في اليم في نهر النيل. وعرفت أن هذا أمر الله، فقبل أن تضع أعدت الصندوق من الخشب، ما إن وضعته حتى وضعته في الصندوق وقالت لأخته: ارمي به في النيل، وتتبعيه من بعيد إلى أين يصل؟ من يأخذه؟ واستجابت أخته لأمها وتتبعته، فشاء الله أن يكون نساء لفرعون في النيل، وإذا بالصندوق يعثرن عليه، فأخذنه وذهبن به إلى امرأة فرعون، وكشفت الصندوق عنه فإذا به لؤلؤة وكله نور، كما قال تعالى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه:39].

    وشاء الله أن يمنعه عن الرضاع من أية امرأة، وهو يبكي طول النهار، والملكة تطلب له الرضع، والوزراء والأغنياء والأشراف كل يريد أن تصبح امرأته مرضعاً لابن الملك، فرفض، وكانت أخته تتتبع الأحداث، فقالت: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ [القصص:12]؟ فقالوا: كيف كانوا ناصحين له؟ استنطقوها واستجوبوها وحفظها الله فقالت: هذا الذي أعرف، أن هذه الأسرة طيبة طاهرة تكفل لكم هذا الولد.

    إذاً: فردوه إلى أمه بتدبير الله عز وجل، ردوه بأمر الله إلى أمه المكلومة المجروحة المتألمة، فانشرح صدرها وطابت نفسها وسعدت، رد الله إليها ولدها مع مغنم من المال، يغدقون عليها ما شاء الله؛ لأنها مرضعة لابن الملك!

    موقف في صبا موسى عليه السلام مع فرعون

    ولما أخذ الولد يحبو بعد الفطام شاء الله أن يحاول أن يقف بين يدي السلطان فرعون، وإذا به يمسك بلحية فرعون ليقف، ومعنى هذا: أن فرعون كانت له لحية، فالبشرية كلها مفطورة على اللحى، ومن حلق لحيته خرج عن الفطرة، ففرعون كان بلحيته!

    فلما أمسك موسى بلحيته تألم فرعون وقال: هذا هو الذي نصحني رجال العلم بقتله، فاذبحوه. وأنطق الله تلك المؤمنة آسية بنت مزاحم ، فاعترضت على قوله فقالت: لماذا لا نربيه ونتخذه ولداً؟ قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا [القصص:9]، وهدأ الوليد ، وفرعون اسمه الوليد بن الريان ، وإنما كلمة فرعون علم على ملوك الديار المصرية منذ زمن طويل، كهرقل علم على ملوك الروم والرومان، ككسرى علم على ملوك فارس، أما اسمه فالوليد بن الريان .

    إذاً: عفا عنه وتركه، وتربى في حجر فرعون، وكان ابن الملك، لا يعرف إلا بابن الملك.

    سبب خروج موسى عليه السلام إلى مدين

    وكانت له قوة، وشاء الله عز وجل وهو في طريقه في تجوله أن يعثر على اثنين يتقاتلان يتضاربان في البلد، فلما رآه الإسرائيلي الذي كان يتضارب مع القبطي استصرخه واستغاث به، فجاء موسى ليخلصه، فلكم القبطي بمجمع كفه فأصاب القلب فمات القبطي، ونجا الإسرائيلي، وأخذت الحكومة تبحث عن القاتل هذا، رجال الشرطة والأمن، وهل تظنون الحياة الأولى كانت ليس فيها شيء؟ كان شرطهم أكثر من شرطكم.

    فبحثوا فما عثروا، وبقوا يطلبون هذا القاتل، وخرج موسى عليه السلام يتجول كأنه متضايق من ذلك البيت الذي فيه الشرك والكفر، وإذا باثنين يتقاتلان، وإذا بأحدهما يستغيثه ويستصرخه، فلما جاء خاف الإسرائيلي أن يقتله، فقال: أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ [القصص:19] فتركه، والآن ضبط موسى، علم أنه هو الذي قتل، فما كان منه إلا أن خرج من البلاد إذ جاءه رجل من خيرة الرجال، وقال: يا موسى! أنصح لك أن تخرج من البلاد: وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ [القصص:20] والملأ: أعيان البلادت، ورجالها وحكومتها، فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ [القصص:20-21] وترك مصر ومن فيها وأمه وأخاه وأسرته.

    والشاهد عندنا قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ [الأعراف:103] إلى من بعثه؟ إلى فرعون، وبعثه بمعنى: أرسله، إلا أن البعث أعظم من الإرسال، أرسل إلى فرعون الوليد بن الريان ملك مصر سيد الأقباط، وملئه: رجاله الذين يملئون العين بجمالهم وكمالهم وقوتهم.

    معنى قوله تعالى: (فظلموا بها)

    قال تعالى: فَظَلَمُوا بِهَا [الأعراف:103] أي: بالآيات التي جاء بها موسى، بعثه الله بآياته إلى فرعون يطالبه أولاً بأن يرسل معه بني إسرائيل، آن أوان بني إسرائيل أن يخرجوا من الاستعمار والاسترقاق والاستعباد الذي تسلط عليهم، أراد الله أن ينقذهم فيخرجهم من الديار المصرية بالمرة.

    وشيء ثاني: أن يعترف فرعون بأنه عبد الله ويعبده، لا يدعي الإلهية والربوبية ليعبد بين الناس.

    وجاءه بالآيات، فهو الذي طلب الآيات فأعطاه الله تسع آيات، ما هي آية واحدة، ولم يستجب فرعون لآية من التسع.

    قال تعالى: ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا [الأعراف:103] أنكروها وجحدوها وفعلوا الأعاجيب.

    معنى قوله تعالى: (فانظر كيف كان عاقبة المفسدين)

    فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف:103]يا رسول الله، فَانظُرْ [الأعراف:103] أنت أيها السامع كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف:103]، دمر الله فرعون وملأه، فأغرقه ومعه مائة ألف فارس في البحر، فكيف كان عاقبتهم؟ الدمار، الهلاك، الخسران الأبدي في الدنيا والآخرة.

    ثم رجع موسى عليه السلام من مدين بعد أحداث مرت به وتزوج وأنجب، ومدين قريبة من أرض القدس ومصر، فلما كان هناك أوحى الله عز وجل إليه ونبأه وأرسله، وقال: ائت فرعون وملأه، فعاد وهو كهل من الرجال، وطالب فرعون مطالبة رسمية بأن يرسل معه بني إسرائيل، وسأل الله أن ينبئ أخاه هارون ويرسله معه، واستجاب الله له عز وجل، وهذه غريبة في الحياة البشرية، كونه يطلب لأخيه النبوة والرسالة، واستجاب الله.

    ولما طلب منهم الإيمان وإرسال بني إسرائيل قالوا: هات الآيات التسع، الآية الأولى التي بين أيدينا: فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ [الأعراف:107-108] كفلقة القمر، آيتان عجيبتان.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين)

    إذاً: وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:104]، هو الذي أرسلني، وهذه العبارة فيها نوع من التلطف، ما تشدد: رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:104] من هو رب العالمين؟ الله. وفرعون يعرف ذلك، ولا يوجد على الأرض في ذلك الزمان إلى اليوم من ينكر وجود الله عز وجل، كيف ينكر وجود الله والموجودات كلها هو موجدها؟! ما يعقل أبداً أن تقول: لا إله! وهذه الكلمة الشيوعية الممقوتة التي وضعها اليهود الآن انكشفت عوراتها، ما بقي من يقول: لا إله والحياة مادة! أما يستحي؟ من خلقك؟ واستبدلوها بالعلمانية، فالعلمانيون هم وضع الملاحدة الشيوعيين، سواء بسواء، كل من ينتسب إليهم فهو كافر، وليس بمؤمن، بل هو شر الكفار، لأن الكفار ما ينكرون وجود الله عز وجل، والعلمانيون الشيوعيون يقولون: لا إله، العلم هو الذي يوجد ويعطي ويمنع ويعز ويذل ويغني ويفقر! ليس إلا العلم.

    من وضع هذه الكلمة؟ كبراء الماسونية وطغاتها، الذين درسوا البشرية دراسة كاملة وعرفوها كيفما كانت.

    قال تعالى: وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:104] إليك لترسل معي بني إسرائيل، أولاد الأنبياء والصلحاء يبقون دهوراً مستعبدين مستذلين؟! أعطني هذه الجماعة نخرج بها إلى أرض القدس، وهذا الطلب ما هو بشيء، ما فيه صعوبة، لكن الساسة والمحنكون يقولون: سيتجمعون في الخارج ويقاتلونك، وإذا خرجوا أقفرت البلاد، فمن يسقي؟ من يزرع؟ من يحصد؟! لا تعطه إياهم أبداً.

    وشاء الله أن يخرج موسى ببني إسرائيل، فلما بعدوا ووصلوا إلى البحر الأحمر جاء فرعون بجيشه العرمرم، مائة ألف فارس على الخيول

    وأغرقهم الله في البحر أجمعين بعد صراع دام سنوات.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (حقيق على ألا أقول على الله إلا الحق ...)

    والشاهد عندنا: إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ [الأعراف:104-105]، وفي قراءة: ( حقيق علي ألا أقول على الله إلا الحق ) والمعنى واحد، لا أكذب، لا أقول إلا الحق، لولا أنه أرسلني ما قلت لكم: أرسلني رب العالمين، ومن الواجب وسابق الحق علي ألا أقول على الله إلا الحق، فكيف لا يرسلني وأقول: أرسلني؟! أأكذب؟!

    قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف:105] إلى أين؟ إلى فلسطين، إلى أرض القدس أرض إبراهيم الخليل، والبينة: الحجة القوية الظاهرة، وما هي واحدة، بل هي تسع بينات.

    قال: قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف:105] كم كان عددهم؟ تقول الروايات: حوالي ستمائة ألف، نصف مليون ومائة ألف من نساء ورجال وأطفال، ما سبب بقائهم؟ سبب بقائهم أن يوسف عليه السلام كان ملك مصر والسلطان عليها، وآمن الخلق، وتناسل بنو إسرائيل؛ لأن موسى بن عمران عليه السلام من ولد يوسف عليه السلام، من ذرية يوسف.

    حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:105] إذاً: فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف:105] إلى أين؟ إلى أرض القدس.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قال إن كنت جئت بآية فائت بها إن كنت من الصادقين)

    قال تعالى: قَالَ إِنْ كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا [الأعراف:106] هات هذه الآية. وإنما قال موسى: جئتكم بآية؛ لأن الله عز وجل علمه ذلك قبل وصوله إلى مصر، ففي سورة القصص: فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ [القصص:29] الذي كان بينه وبين شعيب، فعشر سنوات وهو يرعى الغنم، فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ [القصص:29-31]، فهو جاء ببينة من عند الله، وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ [النمل:12] ما هو ببرص، يدخلها في جيبه كما هي فتخرج كأنها فلقة قمر! آيتان جاء بهما، هذا معنى قوله: قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:105].

    قال: فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الأعراف:106] موسى عليه السلام ماذا قال؟ قال: قد جئتكم يا فرعون ويا آل فرعون ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل، قَالَ [الأعراف:106] فرعون إِنْ كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الأعراف:106].

    والشاهد عندنا: أن موسى قال: قد جئتكم بآية لأن الله أعطاه إياها وهو في أرض مدين، أعطاه أـالعصا واليد وأرسله بذلك، وباقي السبع الآيات ستأتي في وقتها.

    قَالَ إِنْ كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الأعراف:106] فيما تدعي وتقول: إنك جئت بآية من الله، هات هذه الآية إذا كنت صادقاً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين)

    قال: فَأَلْقَى عَصَاهُ [الأعراف:107] هذه العصا هي التي كان يسوق بها الغنم، ويرعى بها في أرض مدين، والآثار والأخبار تقول: هذه العصا نزل بها آدم من الجنة وتوارثها الأنبياء ولا عجب، فسيف النبي صلى الله عليه وسلم موجود في دار الآثار في تركيا.

    إذاً: لما أراد أن يرعى الغنم طلب عصا فجيء بالعصا، وهي عصا كانت عند نبي الله شعيب ورسوله موروثة من نبي إلى نبي، هذه هي العصا الحقيقية.

    إذاً: فَأَلْقَى عَصَاهُ [الأعراف:107] التي يملكها وهي بيده فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ [الأعراف:107] واضح لا شك فيه، انقلبت العصا إلى ثعبان تهتز كأنها جان، فولى موسى مدبراً وخاف لما كان الله عز وجل يدربه عليها، دربه وروضه الله عز وجل على العصا قبل أن يأتي إلى فرعون؛ ولهذا فكلما يجد من السلاح بين الناس يجب أن نتدرب عليه أولاً حتى نقوى على استعماله، لا أن تعطيني مدفعاً وأنا ما أعرف كيف أصنع به! فموسى تدرب بين يدي الله، فلا إله إلا الله!

    لما انقلبت إلى جان تهتز فزع موسى ورجع للوراء، فقال تعالى: لا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى [طه:21] كما كانت عصا.

    قال: فَأَلْقَى عَصَاهُ [الأعراف:107] أين ألقاها؟ في أمة حاضرة شاهدة، لأن فرعون جمع رجال السحر ورجال العلم ورجال السياسة والأمة كاملة في مشهد عظيم، جاء هذا في سورة طه.

    إذاً: فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ [الأعراف:107]، عصا تقول: إن الله بعث موسى إلى فرعون ليرسل معه بني إسرائيل، هذا لسانها، وإلا فكيف تنقلب العصا إلى ثعبان؟!

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين)

    وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ [الأعراف:108] فقط، بيضاء لمن ينظر إليها بياض القمر في شدة ضوئه، فهل استجاب فرعون؟ كلا.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات

    نسمعكم شرح الآيات من الكتاب.

    قال المؤلف غفر له ولكم ورحمه الله وإياكم والمؤمنين:

    [ معنى الآيات.

    قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى [الأعراف:103] هذا شروع في ذكر القصص السادس مما اشتملت عليه سورة الأعراف ]، خمس قصص تقدمت، وهذا القصص السادس [ مما اشتملت عليه سورة الأعراف، وهي قصص موسى عليه السلام مع فرعون وملئه، قال تعالى وهو يقص على نبيه ] محمد صلى الله عليه وسلم [ ليثبت به فؤاده ]، لماذا قص الله هذا القصص على رسولنا؟ ما فائدة ذلك؟ ما الغرض؟ ما الحكمة؟ ليثبت قلب رسول الله أمام ما يلاقيه ويعانيه ويواجهه من أولئك الطغاة المشركين، هذا يكفر وهذا يلعن وهذا يهدد، وهو مأمور بأن يبلغ رسالة الله، فسر هذا القصص: تثبيت قلب الرسول صلى الله عليه وسلم على مضيه في دعوته ونشرها، وهو أيضاً علة كل داع إلى الحق في العالم، هذا القصص يثبت قلبه ويدعمه فلا يهرب ولا يتراجع عن دعوة الحق.

    قال: [ وهو يقص على نبيه ليثبت به فؤاده ويقرر به نبوته، ويعظ أمته ويذكر به قومه ] كل هذه فوائده.

    قال: [ قال تعالى وهو يقص على نبيه ] محمد صلى الله عليه وسلم [ ليثبت به فؤاده ]، والفؤاد: القلب، والقلب يضطرب ويخاف صاحبه، يموت، ينهزم.

    [ ويقرر به نبوته ] بهذا القصص يقرر الله نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لو لم يكن نبياً فمن أين يأتي بهذا الخبر؟

    قال: [ ويذكر به قومه ] المشركين حين يسمعون هذا القصص، وقد أسلم عليه الآلاف.

    قال: [ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ [الأعراف:103] أي: من بعد نوح وهود وصالح ولوط وشعيب، بعثنا موسى بن عمران إلى فرعون وملئه من رجالات ملكه ودولته ]، وهم الملأ.

    [ وقوله تعالى: بِآيَاتِنَا [الأعراف:103] هي تسع آيات لتكون حجة على صدق رسالته وأحقية دعوته ]، أي: رسالة موسى ودعوته.

    [ وقوله تعالى: فَظَلَمُوا بِهَا [الأعراف:103] أي: جحدوها ولم يعترفوا بها؛ فكفروا بها، وبذلك ظلموا أنفسهم بسبب كفرهم بها، واستمروا على كفرهم وفسادهم حتى أهلكهم الله تعال بإغراقهم.

    ثم قال لرسوله: فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف:103] أي: دماراً وهلاكاً، وهي عاقبة كل مفسد في الأرض بالشرك والكفر والمعاصي ]، والله! إنها عاقبة كل مفسد في الأرض بالشرك والكفر والمعاصي لله والرسول، [ هذا ما دلت عليه الآية الأولى.

    وأما الآيات بعدها فإنها تفصيل أحداث هذا القصص العجيب، وأتى موسى فرعون وقال ] له: [ يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ [الأعراف:104-105] أي: جدير وخليق عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:105] دالة على صدقي شاهدة بصحة ما أقول، فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف:105] لأذهب بهم إلى أرض الشام التي كتب الله لهم، وقد كانت دار آبائهم ] وأجدادهم.

    [ وهنا تكلم فرعون وطالب موسى بالآية التي ذكر أنه جاء بها فقال: إِنْ كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الأعراف:106] أي: فيما تدعيه وتقول به وتدعو إليه ] من إرسال بني إسرائيل معه.

    [ وهنا ألقى موسى عصاه، أي: أمام فرعون المطالب بالآية فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ [الأعراف:107] أي: حية عظيمة تهتز أمام فرعون وملئه كأنها جان، هذه آية، وزاده أخرى: فأدخل يده في جبيه كما علمه ربه ] وهو قادم إلى الديار المصرية، [ ونزعها فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ [الأعراف:108] ]، أما في الأساس فما هي بيضاء، يده هي هي، لكن من يراها لا يرى إلا البياض.

    قال: [ بيضاء بياضاً غير معهود مثله في أيدي الناس. هذا ما تضمنته هذه الآيات الخمس في هذا السياق ] والقصص يأتي فيما بعد.

    هداية الآيات

    والآن معاشر المستمعين هداية الآيات الخمس، هذه الآيات لها هداية، والهداية بمعنى العلامة حين تضعها في الطريق تهدي إلى المكان الفلاني أم لا؟ كل آية هي هادية الخلق إلى ربهم ليعبدوه ويسعدوا.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: بيان سوء عاقبة المفسدين بالشرك والمعاصي ]، بالدمار والخراب.

    [ ثانياً: تذكير موسى فرعون بأسلوب لطيف بأنه ليس رباً، بل هناك رب العالمين وهو الله رب موسى وهارون والناس أجمعين.

    ثالثا: تقرير مبدأ الصدق لدى الرسل عليهم السلام ]، لا كذب.

    [ رابعاً: ظهور آيتين لموسى: العصا واليد ].

    معاشر المستمعين والمستمعات! هيا نحمد الله، أما دعوناه واستجاب لنا؟ أما نشكر؟ أعوذ بالله! قولوا: الحمد لله.. الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، ربنا لقد دعوناك فاستجب لنا؛ فلك الحمد ولك الشكر يا ربنا.

    اللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، اللهم لك الحمد على آلائك وإنعامك وإفضالك، وعلى الاستجابة لدعائنا يا رب العالمين، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، الحمد لله، الحمد لله، والحمد لله، والشكر لله، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755897102