إسلام ويب

التعرف على الله في الرخاءللشيخ : عبد الله حماد الرسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الإنسان في حال الرخاء يستطيع أن يعمل ما لا يمكنه القيام به في حال الشدة، والإنسان لا يعيش في رخاء دائم ولا شدة دائمة وإنما تتقلب عليه الأمور، فمرة في شدة ومرة في رخاء، فحري بالمسلم العاقل إذا كان في رخاء أن يتعرف إلى الله ويكثر من طاعته والقيام بأمره؛ لأن من تعرف إلى الله في الرخاء تعرف الله إليه في الشدة.

    1.   

    تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة

    الحمد لله ذي الفضل العظيم، والخير الواسع العميم، أنعم على عباده بنعم لا تحصى، ودفع عنهم من النقم ما لا يعد ولا يستقصى، وتفضل عليهم بالعمل الصالح، وجازاهم عليه أفضل الجزاء.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك العلي الأعلى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي وصل بفضل ربه إلى أعلى مكانٍ يصل إليه الورى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن بهداهم اهتدى، وسلَّم تسليماً.

    أما بعد:

    أيها المؤمنون! اتقوا الله تعالى، وتعرفوا إلى ربكم في الرخاء يعرفكم في الشدة، تعرفوا إلى الله عز وجل بالقيام بطاعته رغبة في ثوابه، وابتعدوا عن معصيته خوفاً من عقابه؛فإنه أليم شديد.

    أيها المسلمون! أيها المؤمنون بالله حقاً! اعلموا أن رخاء العيش وطيب الحال من النعم التي تستوجب الشكر على العباد، وتستوجب القيام بطاعة المنعم الجواد جل وعلا.

    أيها المؤمنون بالله! اعلموا أن الإنسان في حال الرخاء يستطيع أن يعمل ما لا يمكنه القيام به في حال الشدة، ويستطيع أن يعمل في سن الشباب ما لا يمكنه القيام به في حال الكبر والهرم، ويستطيع أن يعمل في زمن الأمن والطمأنينة ما لا يمكنه القيام به في حال الخوف، ويستطيع أن يعمل وهو صحيحٌ ما لا يمكنه القيام به وهو مريض.

    نعم. إذا امتحن الإنسان هذه الحياة، وفكر فيها جيداً؛ عرف حقاً أن العافية في البدن، والأمن والترف لا يدوم، فقد يعقبها شدة ومرض وخوف وجوع؛ لكن المؤمن بالله حقاً الذي قوى صلته بربه جل وعلا، وقام بحق الله تبارك وتعالى، وتعرف للحي القيوم في حال الرخاء، فإن الله تبارك وتعالى يعرفه في حال الشدة، وفي حال الضيق، فيلطف به ويعينه على الشدائد، وييسر أمره، قال جل وعلا: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ * وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:2-4] هكذا يعد الله عباده المؤمنين، والله لا يخلف الميعاد.

    فاتقوا الله عباد الله! وإليكم هذه القصة التي تبين عاقبة الأعمال الصالحة، وتبين أن من تعرف إلى الله في الرخاء عرفه في الشدائد وأنجاه:

    يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم، حتى آواهم المبيت إلى غارٍ، فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل، فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجلٌ منهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي طلب الشجر يوماً، فلم أُرِح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما، حتى برق الفجر -الله أكبر!- والصبية يتضاغون عند قدمي، فاستيقظا، فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه.

    وقال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي -وفي رواية: كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء- فأردتُها على نفسها، فامتنعتْ مني، حتى ألَمَّت بها سنة من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلتُ، حتى إذا قدرتُ عليها -وفي رواية: فلما قعدت بين رجليها- قالت: اتقِ الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.

    وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء، وأعطيتهم أجرهم غير رجلٍ واحد، ترك الذي له وذهب، فثمَّرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حينٍ فقال: يا عبد الله! أدِّ إليِّ أجري فقلت: كل ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق أجرك، فقال يا عبد الله! لا تستهزئ بي! فقلت: لا أستهزئ بك، فاستاقه فلم يترك منه شيئاً، اللهم إن كنت فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، فخرجوا يمشون) لا إله إلا الله! فخرجوا يمشون! متفق على صحة هذا الحديث.

    أمة الإسلام! تلكم القصة التي أخبر بها أصدق الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

    فالأول من أولئك الثلاثة: ضرب مثلاً عظيماً في البر بوالدَيه، بقي طوال الليل والإناء على يده، لم تطب نفسه أن يشرب منه، ولا أن يسقي أولاده وأهله، ولا أن ينغص على والدَيه نومهما حتى طلع الفجر.

    وأما الثاني: فضرب مثلاً بالغاً في العفة الكاملة، حيث تمكن من حصول مراده من هذه المرأة التي هي أحب الناس إليه، ولكن لما ذكرته بالله، وقالت له: اتق الله، فتركها وقام ولم يعمل الفاحشة، ولم يأخذ شيئاً مما أعطاها.

    وأما الثالث: فضرب مثلاً في غاية الأمانة والنصح؛ حيث نَمَّى للأجير أجره فبلغ ما بلغ، وسلَّمه إلى صاحبه، ولم يأخذ على عمله شيئاً، فكان من جزاء هذه الأعمال الصالحة التي تعرفوا بها إلى الله في حال الرخاء أن تعرف الله عليهم في حال الشدة.

    نعم يا أمة الإسلام! هكذا كان جزاؤهم على هذه الأعمال الصالحة التي تعرفوا بها إلى الله في حال الرخاء، أن الله عرفهم في حال الشدة، فأنقذهم من الهلاك.

    وهذه سنة الله في خلقه إلى يوم القيامة، أن من تعرف إلى الرب جل وعلا في حال الرخاء عرفه في حال الشدة، كما أوصى بذلك رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: (تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة).

    اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما تبغضه وتأباه يا رب العالمين.

    وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الزمر:61-63].

    اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما صرَّفت فيه من الآيات والذكر الحكيم.

    اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

    أعظم الشدائد ما يكون عند الموت

    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

    وأشهد أن لا إله لنا ولا رب سواه، وهو الذي له القدرة التامة على خلقه أجمعين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إمام المتقين، وسيد ولد آدم أجمعين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً.

    أما بعد:

    فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه، فقد سمعتم ما في القصة السابقة الذكر من الأمر العجيب لمن أطاع الله واتقاه.

    أيها المسلمون! إن الشدائد أنواعٌ منوعة، وإن أعظم شدة يقع فيها الإنسان ما يكون من شدة الموت عند فراق المألوف، واستقبال المخوف.

    فإذا كان العبد ممن تعرف إلى الله في حال صحته، وحياته، ونشاطه، وأمنه، واستقراره، عرفه الله سبحانه في حال شدته، وعند حضور ملك الموت إذا نزع الروح من القصب والعصب واللحم، فإن الله يهون عليه الأمر فيحسِّن له الخاتمة، وينتقل من هذه الدنيا على أحسن حال.

    إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32] هكذا تبشر الملائكة أولياء الرحمن، الذين تعرفوا إلى الله في الرخاء، تبشرهم عند الشدائد، وعند سكرات الموت.

    وأما إن كان معرضاً عن الله مشتغلاً بدنياه عن طاعة الله، مشتغلاً بآلات لهوه، وبمسكراته ومخدراته ومفتراته، لم يزده الرخاء إلا بطراً وبُعداً عن الله تعالى، فحريٌ بأن يكله الله إلى نفسه، ويتخلى عنه في حال شدائده، فتحيط به السيئات والأوزار، ويموت على أسوأ حال وأخبث مآل.

    اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

    وصلوا وسلموا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة؛ صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد. وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك يا أرحم الراحمين.

    اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام.

    اللهم قَوِّ إيماننا بك، وبملائكتك، وبكتبك، وبرسلك، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.

    اللهم املأ قلوبنا من محبتك، ومن خشيتك، ومن معرفتك في الرخاء والشدة.

    اللهم املأ قلوبنا من الإيمان والحكمة يا رب العالمين.

    اللهم نور قلوبنا بالإيمان، اللهم نور قلوبنا بالإيمان.

    اللهم ارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة يا رب العالمين.

    اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين.

    اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، من اليهود والنصارى المبشرين والشيوعيين يا رب العالمين.

    اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.

    اللهم أدِرْ على أعداء الإسلام وأعداء المسلمين دائرة السوء.

    اللهم مزقهم كل ممزق. اللهم عليك بأعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء الإسلام وأعداء المسلمين.

    اللهم خذهم أخذ عزيزٍ مقتدر. اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

    اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين.

    اللهم وفقنا وإياهم جميعاً لما تحبه وترضاه، وجنبنا وإياهم ما تبغضه وتأباه.

    اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا.

    اللهم أقر أعيننا بصلاحهم يا رب العالمين.

    اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع إخواننا المسلمين يا رب العالمين.

    اللهم إنا نعوذ بك من الجنون، والجذام، والبرص، وسيء الأسقام.

    اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحوُّل عافيتك، ومن فجاءة نقمتك. اللهم إنا نعوذ بك من جميع سخطك.

    اللهم اغفر لنا، اللهم اغفر لنا. اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الرحمين.

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا.

    واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755771544