إسلام ويب

شرح صحيح مسلم - كتاب الحدود - إذا زنت الأمة فتبين زناهاللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أوجب الإسلام حد الزنا على الزاني سواء كان حراً أم عبداً، إلا أنه خفف الحكم في حق العبد فجعله نصف ما على الحر، وأسقط عنه حد الرجم، فيجلد نصف الحد خمسين جلدة، ولا يرجم لأن في رجمه إهداراً لمال سيده، كما أباح الدين للسيد إقامة الحد على عبده أو أمته إذا ثبت منهما الزنا، ونهى عن التثريب، كما أمر أيضاً بتأخير الحد على النفساء والمريضة إلى البرء.

    1.   

    تابع باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنا

    إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وبعد فما زلنا في باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنا.

    شرح حديث أبي هريرة: (إذا زنت أمة أحدكم ... فليحدها الحد ولا يثرب)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثني عيسى بن حماد المصري أخبرنا الليث -وهو ابن سعد المصري- عن سعيد بن أبي سعيد ] وهو المقبري . لقبه: المقبري ، وكذلك هذا اللقب ثابت لأبيه، قيل: لأنه كان بين بيته وبين المسجد مقبرة، فكان إذا ذهب إلى المسجد مر بها، وقيل: لأنه كان يسكن بجوار المقابر فلقب بـالمقبري تمييزاً لمن سمي (سعيد) في ذاك الزمان، وفي ذلك المكان، فهو سعيد بن أبي سعيد المقبري [ عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمعه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها -يعني: ثبت زناها بالبينة- فليجلدها الحد ولا يثرب عليها) ] يعني: لا يشتمها ولا يسبها ولا يعيرها ولا يفضحها؛ ولذلك قال يعقوب عليه السلام لبنيه: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ [يوسف:92] يعني: لا لوم ولا توبيخ ولا مؤاخذة ولا عتب، فكذلك هذا السيد إذا زنت أمته فتبين له زناها -أي: ثبت بالبينة- فما عليه إلا أن يجلدها الحد.

    قال: [ (ثم إن زنت -أي الثانية- فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت -الثالثة- فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر) ].

    شرح حديث أبي هريرة في بيع الأمة إذا تكرر زناها

    وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم جميعاً عن ابن عيينة -وهو سفيان (ح) -يبدأ إسناد جديد- وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا محمد بن بكر البرساني أخبرنا هشام بن حسان كلاهما عن أيوب بن موسى ]. كلاهما أي: ابن عيينة وهشام بن حسان ، ابن عيينة في الإسناد الأول، وهشام بن حسان في الإسناد الثاني، كلاهما يروي عن أيوب بن موسى. انتبه إلى هذين الإسنادين، فقد التقيا عند أيوب بن موسى ؛ لأن أيوب بن موسى سيتابعه كثرة من الرواة.

    قال: [ (ح) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة -حماد بن أسامة- وابن نمير ] محمد بن عبد الله بن نمير، ومن قبل قلت: إذا قال مسلم : حدثنا ابن نمير فهو محمد بن عبد الله بن نمير ، وإذا كان ابن نمير في طبقة شيوخ الإمام مسلم سيكون

    هو الوالد، هو اسمه عبد الله بن نمير.

    قال: [ عن عبيد الله بن عمر ]. وهذا هو الثاني المتابع لـأيوب بن موسى. إذاً أيوب بن موسى في الإسنادين الأولين وأنهما التقيا عنده، وفي الإسناد الثاني عبيد الله بن عمر العمري.

    قال: [ (ح) وحدثني هارون بن سعيد الأيلي حدثنا ابن وهب حدثنا أسامة بن زيد الليثي ]. وهذا هو الثالث.

    إذاً: أيوب وعبيد الله العمري وأسامة بن زيد الليثي .

    قال: [ (ح) وحدثنا هناد بن سري وأبو كريب -محمد بن العلاء الهمداني- وإسحاق بن إبراهيم -المعروف بـابن راهويه- عن عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق ] الإمام الكبير صاحب المغازي. هؤلاء الأربعة: أيوب وعبيد الله العمري وأسامة بن زيد الليثي ومحمد بن إسحاق إمام المغازي قال الإمام: كل هؤلاء -أي: الأربعة الذين ذكرناهم- عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة . يعني: بالإسناد الثالث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وهو معروف بـسعيد بن أبي سعيد المقبري أو يدعى سعيد المقبري ، وأحياناً يقول الرواة: حدثنا المقبري. فإن كان في طبقة نازلة فهو سعيد، وإن كان في طبقة عليا فهو أبو سعيد.

    قال: [ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن ابن إسحاق -أي: كل هؤلاء يروون الحديث على نحو واحد إلا ابن إسحاق- قال في حديثه عن سعيد عن أبيه -فـسعيد بن أبي سعيد يروي عن أبيه- عن أبي هريرة ]، ويروي عن أبي هريرة ، وهذه في الحقيقة مسألة قد أخذها علماء النقد وانتقدوا هذه الروايات، هل هي راوية سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ، أم روايته مباشرة عن أبي هريرة ؟ فرواية سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ، أو روايته عن أبي هريرة مباشرة محل نزاع بين أهل العلم؛ ولذلك هذا الإسناد ليس على شرط البخاري إنما هو على شرط مسلم ، ولو رجعت لترجمة سعيد ، أو ترجمة أبيه عن أبي هريرة لوجدت تفصيلاً يغني طالب العلم فيما يتعلق بروايته والحكم عليها، وعلى أية حال هي في مرتبة الحسن لذاته ولا تقل عن ذلك.

    قال: [ غير أن ابن إسحاق قال في حديثه: عن سعيد عن أبيه -ولم يقل: عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال في جلد الأمة إذا زنت ثلاثاً: (ثم ليبعها في الرابعة) ].

    إذاً: هذه رواية أيوب بن موسى ورواية عبيد الله العمري ورواية أسامة بن زيد الليثي ورواية الليث بن سعد ، فهذه الرواية الأولى في الحديث من طريق الليث بن سعد ، والليث بن سعد متابع لهؤلاء الأربعة.

    فـأيوب والليث بن سعد وعبيد الله وأسامة بن زيد هؤلاء جميعاً قالوا: (فليبعها ولو بحبل من شعر) بعد الثالثة، وابن إسحاق قال: (فليبعها ولو بظفير بعد الرابعة)، فظن بعض الناس أن ابن إسحاق وهم في ذلك، وزعموا أن ابن إسحاق تفرد بهذه الزيادة، أن البيع بعد الرابعة، والحقيقة أن ابن إسحاق لم يتفرد بذلك، ولو تفرد ابن إسحاق بهذه الرواية لكان الحديث شاذاً، وربما يكون منكراً، أي: ربما تكون هذه الزيادة منكرة؛ لأن الحديث الشاذ هو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، أو مخالفة الثقة لمجموع الثقات، وهذه مخالفة من ابن إسحاق لمجموع الثقات بل هم أوثق منه، إذا إن الليث بن سعد أوثق من ابن إسحاق ، ولذلك لو خالف ابن إسحاق الليث فقط لاعتبرنا أن حديث ابن إسحاق شاذ، وكذلك عبيد الله إمام كبير لو خالفه ابن إسحاق لكان حديثه شاذاً، وغير هؤلاء، فـابن إسحاق لم يتفرد بهذه الزيادة.

    والإمام الزهري نفسه على جلالة قدره قال لما روى هذا الحديث: لا أدري يبيعها بعد الثالثة أم الرابعة؟ فهذا لا يُعد تفرداً من ابن إسحاق فضلاً أنه قد تابعه أكثر من راو بغير شك؛ ولذلك قال مسلم : حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا مالك وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ له قال: (قرأت على مالك عن ابن شهاب -أي: الإمام الزهري- عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن).

    على أية حال كلمة (ولم تحصن) لها دلالة مع قول الله عز وجل: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25] فالعلماء يقولون: إنما ذكر الله تعالى قوله: (فإذا أحصن) للتأكيد والتنبيه، إذا إن حد الأمة محصنة وغير محصنة سواء، وسنتعرف على هذا الكلام الآن بإذن الله.

    قال: [ (إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير)، والضفير هو: الحبل، يقال له: ضفير؛ لأنه يضفر تضفيراً، قال ابن شهاب : (لا أدري: أبعد الثالثة أو الرابعة)، وقال القعنبي في روايته: قال ابن شهاب : (والضفير الحبل) ].

    والقعنبي من كبار التابعين، يروي لـابن الزهري ، ويروي لـابن مسعود .

    قال: [ حدثنا أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب -عبد الله- قال: سمعت مالكاً يقول: حدثني ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة -وهو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة المسعودي وليس العمري- عن أبي هريرة رضي الله عنه وزيد بن خالد الجهني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة بمثل حديثهما -أي: السابق- ولم يذكر قول ابن شهاب : والضفير: الحبل.

    حدثني عمرو الناقد حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد المدني حدثني أبي -أي: إبراهيم بن سعد المدني- عن صالح -وهو ابن كيسان المدني- (ح) وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر بن راشد الصنعاني كلاهما -يعني: معمر وصالح بن كيسان- عن الزهري عن عبيد الله عن أبي هريرة وزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث مالك ، والشك في حديثهما جميعاً في بيعها في الثالثة أو الرابعة ].

    1.   

    كلام النووي في أحاديث حد الأمة إذا زنت فتبين زناها

    إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وبعد فما زلنا في باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنا.

    اشتراط الرؤية أو الثبوت لإقامة الحد على الأمة

    قال الإمام النووي رحمه الله: (قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها) التثريب: التوبيخ واللوم على الذنب، ومعنى (تبين زناها) أي: تحققه، إما بالبينة وإما برؤية أو علم عند من يجوز القضاء بالعلم في الحدود).

    بعض الناس يقول: الحد يثبت بالعلم مطلقاً ولا يلزم فيه الرؤية، فإذا كان المراد بالعلم الإقرار فهذا كلام مستقيم، وإذا كان المراد بالعلم: غير الإقرار -أي: مجرد الأخبار التي تتناقل هنا وهناك واستقرار ذلك وقيامه مقام البينة- فهذا كلام غير سديد؛ ولذلك من قال: إن الحدود تثبت بالعلم مطلقاً فكلامه يحتاج إلى نظر؛ لأنه كلام غير صحيح ولا دليل عليه، والنبي عليه الصلاة والسلام لما سمع بإشاعة الناس عن فلانة أنها بغي وأنها زانية قال: (لو كنت مقيماً الحد على أحد بغير بينة لأقمت الحد على فلانة -أو قال-: على هذه) أي: على هذه المرأة التي تتحدثون عنها ويتحدث الناس كلهم عنها أنها زانية؛ وذلك لأن هذا العلم قام حتى استفاض وتواتر واشتهر بين الناس أن هذه المرأة بغي وزانية، وأنتم تعلمون أن البغايا في زمن الجاهلية وقبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام -كما هو الشأن في بيوت الدعارة في هذه الأيام- يطلبن الرجال صراحة، بل كانت عناقاً في زمن الجاهلية تقف وتضع علماً على صدرها، ويعرف أهل مكة أن عناق إذا وضعت العلم فإنما تطلب رجلاً، فإن استعصى عليها الرجال دعتهم إلى ضيافتها وإلى الوقاع بها صراحة. هذا الكلام ليس غريباً أن يكون في الجاهلية؛ لأنه مجتمع جاهلي، وهذا الكلام يدار في هذا الزمان -لا أقول: في بلاد أوروبا وبلاد الكفر- بل في بلاد المسلمين، بل أكثر من ذلك أن هذه البيوت وهذه الخرابات مرخصة، وقد اتخذت لها الاحتياطات الكاملة للتأكد من سلامة وصحة هذه البغي.

    قال: (تحققه إما بالبينة أو بالرؤية). هل يشترط في رؤية الزنا بالإماء أربعة؟ الجواب: لا يشترط ذلك، بل لو رآها سيدها فقط ولم يرها معه أحد كان له أن يقيم عليها الحد، وهذا معنى قوله: (فتحقق -أي: زناها- إما بالبينة وإما بالرؤية)؛ لأن بعض الناس يتصور أن أحكام الإماء كأحكام الحرائر سواء بسواء، فالأمة والحرة بينهما فروق، من هذه الفروق: أن الأمة إذا رآها سيدها تزني أقام عليها الحد، وهو الذي يقيم عليها الحد، ولا بأس أن يقيم السلطان الحد عليها، لكن لو أقام السيد على عبده أو أمته الحد فهذا ليس مخالفاً للسنة، وإذا رآها غير سيدها إن أنكرت لا يقام عليها الحد، وإن أقرت فيقام عليها الحد بإقرارها. هذا كلام الإمام ابن قدامة في المغني.

    وجوب إقامة حد الزنا على الإماء والعبيد

    قال: (وفي هذا الحديث دليل على وجوب حد الزنا على الإماء والعبيد).

    وقد كان العرب يعتبرون زنا الإماء والعبيد ليس شيئاً؛ بخلاف الحرائر، فالحرة لا تزني لأن هذا عين العيب، لكن لو رأوا أمة تزني فكأنهم لم يروا شيئاً؛ لأن الأمة ليست كالحرة، ولذلك كان زنا الحرائر عيباً شديداً جداً بخلاف زنا الإماء والعبيد.

    حكم إقامة السيد الحد على أمته

    قال: (وفيه أن السيد يقيم الحد على عبده وأمته. وهذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم. وقال أبو حنيفة في طائفة ليس له ذلك). أي: ليس للسيد أن يقيم الحد على عبده وأمته.

    سقوط عقوبة الرجم عن العبد والأمة

    قال: (وهذا الحديث صريح في الدلالة للجمهور) أي: والرد على أبي حنيفة : (إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها) أي: فليجلدها هو الحد.

    قال: (وفي هذا الحديث دليل على أن العبد والأمة لا يرجمان سواء كانا مزوجين أو لا؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها) ولم يفرق بين مزوجة وغيرها). وربنا يقول: فَإِذَا أُحْصِنَّ [النساء:25] يعني: تزوجن فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ [النساء:25] يعني: زنين بعد هذا الإحصان الذي هو الزواج فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25] فكيف ينصف الرجم والرجم موت؟ وهل يمكن أن يموت الشخص نصف موت؟ إذاً: الذي ينصف هو الجلد.

    وذكر أن مصطفى محمود جاء مرة وكتب عدة مقالات في الجريدة. قال: أخبروني عن تفسير هذه الآية: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25] قال: فأنا أريد أن أفهم هذا الكلام، وهو لا يريد أن يفهم بل هو يتحدى، ويشكك في السنة، فأسياده في الغرب انتهى معين بحورهم النكدة إلى توجيه الشبه لسنة النبي عليه الصلاة والسلام وتفكيك المسلمين والشباب في دينهم وعقيدتهم، فلم يبق أمام مصطفى محمود إلا كلام الله عز وجل، وصدق الله إذ يقول: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82] فلما انتهت حججه وشبهه في سنة النبي عليه الصلاة والسلام استدار بعد ذلك إلى كتاب الله عز وجل. قال: هذه الآية تقول: إن الإماء إذا أحصن تزوجن فعليهن نصف ما على المحصنات الحرائر من العذاب فكيف ذلك؟

    الجلد ينصف؛ لأن الحرة البكر إذا زنت تجلد مائة جلدة وتغرب أو لا تغرب على الخلاف المشهور الذي أخذناه من قبل. هب أن الراجح: الجلد دون التغريب. إذاً: الأمة إذا زنت وهي بكر فعليها نصف ما على المحصنة من العذاب، فتجلد خمسين، وإذا أحصنت الأمة وزنت فكيف يكون عليها نصف عذاب الحرة؟ لأن الحرة المحصنة إذا زنت رجمت حتى الموت، فكيف ينصف هذا بالنسبة للأمة المحصنة المزوجة؟

    فأراد مصطفى محمود أن يشكك في هذه الآية، وما علم أن إجماع الأمة منعقد على أنه لا رجم على الأمة ولا على العبد، إنما عليهما الجلد، والجلد إما أن يكون قبل الإحصان، فتجلد الأمة، ويجلد العبد بغير عدد ولا يبلغ الخمسين، فإذا أحصن العبد وأحصنت الأمة وزنيا فعليهما نصف ما على الأحرار والحرائر من العذاب، فإذا كانت الحرة قبل الإحصان تجلد مائة فالأمة بعد الإحصان تجلد خمسين، وإذا زنت الأمة قبل الإحصان والزواج فلا عذاب عليها إلا من باب اللوم والتوبيخ والتعزير لا من باب الحد، وهذا التأديب والتعزير يصدر من السيد إلى عبده وأمته، فلا يكون الحد في حق الإماء والعبيد إلا بعد الإحصان، ولا يزيد عن خمسين جلدة. هذا في المرة الأولى والثانية والثالثة واختلف في بيعها بعد ذلك. هل تباع بعد الثالثة أم بعد الرابعة؟ على الشك الوارد في الروايات هنا، فإذا قلنا: تباع بعد الثالثة فهذا ظاهر الروايات وإذا قلنا: تباع بعد الرابعة فهذا أمر يرجع إلى اجتهاد السيد وأخذه بأحد القولين، وإذا باعها يبيعها بأبخس الأثمان ويعرِّف المشتري ببيعها.

    قال: (وفي هذا الحديث دليل على أن العبد والأمة لا يرجمان سواء كانا مزوجين أم لا، لقوله عليه الصلاة والسلام: (فليجلدها الحد) ولم يفرق بين مزوجة وغيرها. وفي هذا الحديث أنه لا يوبخ الزاني بل يقام عليه الحد فقط)، لا يوبخ أياً كان حراً أو عبداً لا يوبخ؛ لأنها معصية ارتكبها في وقت غفلة، وهي من باب إعانة الشيطان عليه، وأنتم تعلمون أن النبي عليه الصلاة والسلام لما رجم الغامدية سبها خالد وقال فيها قولاً شديداً، وفي إحدى الروايات لما رجع عليه الدم قال: يا زانية! فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تفعل) أي: لا تقل ذلك، فإنها تابت توبة لو تابها سبعون من أهل المدينة لوسعتهم. ففي هذا: إثبات رحمة النبي عليه الصلاة والسلام لأصحاب المعاصي واحترام آدميتهم وكرامتهم وتقدير توبتهم، وأنهم يغسلون من هذا الذنب غسلاً كأنه لم يكن، وأن الله تعالى لا يحاسبهم على ذلك يوم القيامة؛ لأنكم تعرفون أن مرتكب الكبيرة ليس كافراً كما هو مذهب الخوارج، بل لا تسلب عنه الأخوة الإيمانية؛ لأن الأخوة الإيمانية ثابتة للفاسق الملي كما عبر بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الواسطية فقال: (لا يسلب اسم الإيمان عن الفاسق الملي) أي: على من كان على ملة النبي عليه الصلاة والسلام ودينه، فإنه يفسق بكبيرته، ويثبت له الإيمان على قدر ما عنده من إيمان، فمرتكب الكبيرة عند أهل السنة مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، خلافاً للمعتزلة الذين جعلوه في الدنيا في منزلة بين منزلتين لا هو مؤمن ولا هو كافر ومع ذلك فإنهم يخلدونه في الآخرة في النار، يسوون بينه وبين الكفار الأصليين. وهذا كلام في غاية التخبط والضلال.

    حكم من تكرر منه ما يستوجب الحد

    قال: (قوله عليه الصلاة والسلام: (إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر) فيه أن الزاني إذا حد ثم زنا ثانياً يلزمه حد آخر). وهذا في كل الحدود، فالسارق إذا سرق تقطع يده اليمنى، فإذا سرق الثانية تقطع اليسرى، فإذا سرق الثالثة تقطع رجله اليمنى، فإذا سرق الرابعة تقطع اليسرى، وكالذي شرب الخمر مرة وجاء وأقر أو رآه الناس يشرب الخمر فأقيم عليه حد الخمر، فرجع فشرب مرة أخرى فأقيم عليه مرة ثانية، ورجع فشرب ثالثاً فأقيم عليه الحد، وفي الرابعة خلاف بين أهل العلم، وأرجح الأقوال فيه: أنه إذا شرب الرابعة يقتل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا شرب فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه)، وأنتم تعرفون الشيخ أحمد شاكر عليه رحمة الله، له كتاب رائع جداً، اسمه: (قتل مدمني الخمر) واعتبر أن العود للسكر والشرب مرة ثالثة ورابعة إدمان، والنص صريح في مسند الإمام أحمد : (إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا عاد فاجلدوه، ثم إذا عاد فاجلدوه، ثم إذا عاد في الرابعة فاقتلوه).

    والشيخ أحمد شاكر صحح هذه الرواية، ثم انطلق بعد ذلك إلى الحياة العملية للإفتاء، وأنتم تعرفون أن الرجل هذا كان قاضياً شرعياً، وكان من القضاة المرموقين في زمانه، وكان جريئاً في الحق لا يخشى في الله لومة لائم، فقال: الحكم الشرعي في مدمن الخمر: القتل وهذا الذي تطمئن إليه النفس لصحة الدليل وقوته وصراحته؛ لأنه لا يحتاج إلى تأويل، فكذلك الذي يرتكب أي حد من حدود الإسلام يطبق عليه فإن عاد يطبق. فإن قيل: شخص زنا ثم زنا ثم زنا ثم أتى فأقر بين يدي القاضي قال: أنا يا سيدي القاضي! زنيت مائة مرة، فهل نقيم عليه الحد مائة مرة؟ إذا جاز هذا عقلاً في غير المحصن؛ فإنه لا يجوز عقلاً ولا شرعاً في المحصن، فالمحصن لو جاء وقال: أنا متزوج، وقد زنيت أربع مرات فهل يقول القاضي: نرجمك أربع مرات؟

    فلما اتفق أهل العلم على أن من ارتكب ما يستوجب الحد أقيم عليه فإن عاد أقيم عليه ثانياً، لكن إذا ارتكب ما يستوجب الحد عدة مرات فلا يقام عليه الحد إلا مرة واحدة، سواء كان محصناً أو غير محصن.

    قال: (الزاني إذا حد ثم زنا ثانياً يلزمه حد آخر، فإن زنا ثالثة لزمه حد ثالث، فإن حد ثم زنا لزمه حد رابع وهكذا أبداً، قال: وأما إذا زنا مرات ولم يحد لواحدة منهن فيكفيه حد واحد للجميع، فإذا شرب مراراً ولم يحد في واحدة فإنما يلزمه حد واحد).

    الحث على ترك مخالطة الفساق

    قال: (وفي هذا الحديث ترك مخالطة الفساق وأهل المعاصي وفراقهم؛ وهذا البيع المأمور به مستحب ليس بواجب عندنا وعند الجمهور). أخذنا هذا من قوله: (فإذا زنت الثالثة فليبعها ولو بضفير) يعني: يتخلص منها، وأنتم تعلمون أن مرتكب الكبيرة فاسق، وهذا الحديث يقول: وفي هذا استحباب التخلص من صحبة ومخالطة الفساق بترك صحبتهم وفراقهم، وهناك آيات وأحاديث كثيرة جداً تحث على صحبة أهل الإيمان، وعلى ملازمة أهل الإيمان وخاصة أهل العلم؛ لأنهم أعلم الناس بالله وأعلم الناس بكلامه وبكلام رسوله عليه الصلاة والسلام وأحواله وسننه وأيامه، وهم الذين يناط بهم في الدرجة الأولى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلاح العباد والبلاد وغير ذلك، فمخالطتهم أنفع لمن خالطهم.

    حكم بيع الأمة إذا تكرر زناها

    قال: (وهذا البيع المأمور به مستحب، وليس بواجب عندنا وعند الجمهور. وقال داود الظاهري: هو واجب). ولم يصرفه صارف.

    والصارف عند الجمهور: أن هذا العبد أو تلك الأمة ملك لسيدها، والمعلوم أن المالك لا يحمل على بيع ما يملك؛ لأن هذا أمر مستقر، فأنت تملك الكتاب الذي معك وليس لأحد قط أن يحملك على بيع هذا الكتاب الذي معك؛ لأنه ملكك، ولو كانت ملكيتك للكتاب مشروطة بأن تبيعه لأول آمر يأمرك ببيع هذا الكتاب فلا تكون الملكية لهذا الكتاب ملكية حقيقية؛ ولذلك حمل الجمهور الأمر للسيد ببيع أمته الزانية على أنه أمر استحباب وندب، وليس أمر وجوب؛ حتى لا يتعارض هذا مع الملكية الحقيقة لهذه الأمة. والله أعلم.

    قال: (وفي هذا الحديث جواز بيع الشيء النفيس بثمن حقير)، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (فليبعها ولو بضفير). أي: بعها ولو ببسيط. يعني أي: أنصحك تتخلص منها ولو بأقل الأثمان.

    قال: (وفيه جواز بيع الشيء النفيس بثمن حقير، وهذا مجمع عليه إذا كان البائع عالماً به). يعني: البائع يعرف أنه يبيع سلعة غالية فيبيعه بأبخس الأثمان؛ إذلالاً واحتقاراً لهذا الشيء رغم أنه في نفسه ثمين.

    قال: (فإن كان جاهلاً فعند الجمهور جهله وعلمه سواء). واحد اشترى أمة بـ(100) جنيه، ولما فعلت فعلتها كان ثمنها عند الناس (1000) جنيه، وهو لا يعرف شيئاً عن هذا الغلاء. فلما باعها بـ(100) جنيه فوجئ بعد بيعها أنها صارت عند الناس بألف، فعند الجمهور سواء، سواء علم بغلائها أو برخصها أو جهل غلاءها.

    قال: (ولأصحاب مالك فيه خلاف). أي: في هذه المسألة لـمالك خلاف مشهور معروف (وهذا المأمور به يلزم صاحبه أن يبين حالها للمشتري؛ لأن هذا عيب في السلع)، فالعبيد والإماء يملكها الأسياد، ومن أراد أن يبيع سلعة يجب أن يبين عيبها إذا كان يغلب هذا العيب على السلعة، وهذا ليس فيه فضح للأمة إذا زنت؛ لأنه يخبر المشتري الذي تكون له ولاية عليها بعد الشراء، فلابد أن يعلم عيبها، إذا إن عيبها عيب خفي والعيب الخفي حكمه: أن يبينه البائع، فإن قبل المشتري أن يشتري السلعة بهذا العيب فليس للمشتري أن يرجع ويقول: أنت أعطيتني أمة زانية؛ لأن البائع قد أخبره أنها زانية، فليس للمشتري أن يرجع، لكن إذ كان هذا العيب خفياً وأخفاه البائع، ثم تبين للمشتري بعد ذلك أن هذه الأمة زانية أو أنها صرحت لسيدها الثاني أن سيدها الأول باعها لأجل الزنا، فله أن يرجع؛ لأن البائع أخفى عيباً لا يظهر في الغالب، لكن إنما إذا كان العيب من العيوب الظاهرة فليس من حقه أن يرجعه، كالعبد الأعمى الذي يباع، فليس للمشتري حق في إرجاعه وإلا أصبح أعمى مثله! لأنه كيف يشتري عبداً من غير أن ينظر فيه؟

    قال: (فإن قيل: كيف يكره شيئاً ويرتضيه لأخيه المسلم؟) يعني: كيف يكره لنفسه أن يمسك هذه الأمة عنده ويبيعها له؟ مع أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وهو نفسه الذي يقول: (فإن زنت الثالثة فبعها ولو

    الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرنا بالبيع، لكن بشرط إظهار العيب، فالناس درجات ومراتب.

    بيان معنى إحصان الأمة والرد على شبهة مصطفى محمود في ذلك

    قال: (وفي الحديث الآخر: (أن علياً رضي الله تعالى عنه خطب فقال: (يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهن ومن لم يحصن).

    قال الطحاوي : وفي الرواية الأولى لم يذكر أحد من الرواة قوله: (ولم يحصن) غير مالك وأشار بذلك إلى تضعيفها. وأنكر الحفاظ هذا على الطحاوي. قالوا: بل روى هذه اللفظة أيضاً: ابن عيينة ويحيى بن سعيد عن ابن شهاب كما قال مالك ، فحصل أن هذه اللفظة صحيحة، وليس فيها حكم مخالف؛ لأن الأمة تجلد نصف جلد الحرة، سواء كانت الأمة محصنة بالتزويج أم لا. وقوله هنا: (محصنة بالتزويج) من أجل أن يبين أن الإحصان المذكور في الآية وهو التزويج؛ لأن بعض أهل العلم قال: الإحصان هو الإسلام، فبين هنا أن القول الراجح من أقوال المفسرين: أن الإحصان المقصود به: التزويج.

    قال: (وفي هذا الحديث بيان من لم يحصن، وقوله تعالى: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25] فيه بيان من أحصنت، فحصل من الآية الكريمة والحديث بيان أن الأمة المحصنة بالتزويج وغير المحصنة تجلد -إذاً: الأمة سواء كانت محصنة أو غير محصنة فالحكم فيها الجلد- وهو معنى ما قاله علي رضي الله عنه وخطب الناس به قال: (أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهن ومن لم يحصن) -أي: الاثنين سواء- فإن قيل: فما الحكمة في التقييد في قوله تعالى: (فإذا أحصن) مع أن عليها نصف جلد الحرة سواء كانت الأمة محصنة أم لا؟ فالجواب: أن الآية نبهت على أن الأمة وإن كانت مزوجة لا يجب عليها إلا نصف جلد الحرة). يعني: ألا تعرفون أن الأمة إذا لم تتزوج تجلد على النصف من جلد الحرة؟! وهذا أحد المناهج، فإذا كنتم تعلمون ذلك فاعلموا أن هذا حكم جار حتى في حق الإماء بعد الإحصان، وهذا الذي نبهت عليه الآية.

    قال: (لأنه الذي ينتصف -أي: الجلد دون الرجم- وأما الرجم فلا ينتصف، فليس الرجم مراداً في الآية بلا شك، فليس للأمة المزوجة الموطوءة في النكاح حكم الحرة الموطوءة في النكاح، فبينت الآية هذا؛ لئلا يتوهم أن الأمة المزوجة ترجم). وبهذا نكون رددنا على شبهة مصطفى محمود.

    قال: (وقد أجمع أهل العلم على أنها لا ترجم سواء كانت محصنة أو غير محصنة، وأما غير المزوجة فقد علمنا أن عليها نصف جلد المزوجة بالأحاديث الصحيحة، منها حديث مالك هذا، وباقي الروايات المطلقة: (إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها) وهذا يتناول المزوجة وغيرها. وهذا الذي ذكرناه من وجوب نصف الجلد على الأمة سواء كانت مزوجة أو لا، وهو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد وجماهير علماء الأمة. وقال جماعة من السلف: لا حد على من لم تكن مزوجة من الإماء والعبيد، ممن قاله: ابن عباس وطاوس وعطاء وابن جريج وأبو عبيدة). إذاً: الأمة غير المحصنة إذا زنت عقابها توبيخ ولوم وتأديب -أي: من باب التعزير- وهذا مذهب ثالث. وهذه المذاهب الثلاثة قد ذكرها الإمام ابن كثير عليه رحمة الله بالتفصيل في شرح هذه الآية من سورة النساء، فيمكنك الرجوع إليها.

    1.   

    باب تأخير الحد عن النفساء

    قال: (باب: تأخير الحد عن النفساء) النفساء هي: المرأة حديثة الولادة، أو المرأة التي وضعت. والنفاس يختلف عن الحيض، إذ إن الحيض: هو العادة الشهرية التي تحدث للمرأة، أما النفاس: فهو المدة الزمنية التي تقضيها المرأة غير طاهرة بعد الولادة، وأقصاها عند عامة النساء: أربعون يوماً، كما في حديث أم سلمة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن مدة النفاس أربعون يوماً)، وهذا الأصل العام لا يمنع أن يقل النفاس عن هذه المدة أو يزيد أو ينقطع في أثناء هذه المدة ثم يعود، لكن الغالب عند عامة النساء أن هذه المدة أربعون يوماً.

    قال الإمام: (باب تأخير الحد عن النفساء).

    يعني: لا تحد الزانية في نفاسها، كما أنها لا تحد في أثناء حملها، وهذا بالاتفاق، أما الحد في الرضاع فمحل نزاع، فبعضهم يعتمد على حديث الغامدية ويقول: لا تحد في الرضاع مطلقاً. والبعض يقول: تحد في الرضاع إذا كان هناك من يرعى هذا الرضيع.

    قال: [ حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا سليمان أبو داود الطيالسي حدثنا زائدة بن قدامة عن السدي عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن . قال: خطب علي رضي الله عنه فقال: (يا أيها الناس! أقيموا على أرقائكم الحد. من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها؛ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنت) إذاً: الحجة في تقرير النبي عليه الصلاة والسلام.

    قال: [ وحدثناه إسحاق بن إبراهيم أخبرنا يحيى بن آدم حدثنا إسرائيل عن السدي بهذا الإسناد، ولم يذكر: (من أحصن منهم ومن لم يحصن). وزاد في الحديث: (اتركها حتى تماثل) ] يعني: تعافى من هذا الداء ويذهب داؤها وعلتها.

    قال الإمام النووي: (في هذا الحديث: أن الجلد واجب على الأمة الزانية، وأن النفساء والمريضة ونحوهما يؤخر جلدهما إلى البرء، والله أعلم). وأنتم تعلمون أن الغرض من الجلد ليس الموت، وإنما هو تطهير المرء من الذنب.

    1.   

    الأسئلة

    تقييم كتاب الروح لابن القيم

    السؤال: ما رأيك في كتاب الروح لـابن القيم وهل تنصح بقراءته؟

    الجواب: الحقيقة الكتاب ممتع جداً في الجملة، وذكر مسائل في غاية الأهمية، لكنه خلط وأساء غاية الإساءة في مواطن في أثناء الكتاب، ولذلك العلماء يقولون: هذا الكتاب ليس شبيهاً بكلام الإمام ولا بقلمه ولا بعلمه الراسخ، فمنهم من يقول: ابن القيم ألفه في أول عمره العلمي. وفي هذا إشارة إلى أن الطالب في أول الطلب لا ينبغي له أن يكتب، وكثير من الشباب يتفرع جداً في هذا الباب، ويكتب كلاماً، ويتصور أن هذا دين ربنا تبارك وتعالى، وأن هذا ليس باباً من أبواب الهوى. ولا يزال الشيطان ينفخ فيه حتى يطبع ما كتب ويعرض فيه عقله، فعندما يكبر ويعرف العلم على حقيقته يأتي فينظر لكتبه فيتمنى لو أن الأرض تنشق وتبلعه، وقد قعد سنين يعادي من نصحه في أول الأمر بألا يطبع. وأذكر في هذه المناسبة قصة للشيخ الألباني سنة (1985م): دفع إلينا كتاباً فيه ثمانون ورقة، وقد ألفه وله من العمر ثمانية عشر عاماً. فسألناه: لم لم تطبعه يا شيخ؟! قال: تركته من أجل أن أريكم وأقول لكم: إنه من العيب على الشخص أن يؤلف كتاباً وهو ما زال عظمه طرياً، فلا بد أن يجيزك أهل العلم أولاً؛ لأن ما كتبت سيقابل ملايين العقول، وكل عقل له منهج في طريقة تفكيره، فكتابك هذا سيمر على كل هذه العقول، فكيف تسوغ لنفسك أن تكتب وأنت ما زلت في مقتبل العمر؟

    إذاً: العلماء يقولون: إن صح نسبة كتاب الروح لـابن القيم فهو من أخطائه العظيمة جداً، وأحسن العذر أنه ألف ذلك في أول حياته وما طُبع ونشر للناس إلا بعد موته؛ لأن معظم كتب أهل العلم ما طبعت إلا بعد موتهم، فأنا في الجملة لا أنصح بقراءة هذا الكتاب مطلقاً إلا لطالب علم راسخ في عقيدة السلف، خاصة الطالب الذي قرأ في كتب الاعتقاد، وعلم أين مستقر أرواح الكافرين وأرواح المؤمنين وأرواح الشهداء وأرواح الأنبياء، فإذا استقرت هذه العقيدة فلا حرج حينئذ أن تقرأ في كتاب الروح، فإنك بعد استقرار العقيدة في هذه المسألة ستعرف مباشرة أن هذا غلط، لكن حينما يأتي شخص لا يعرف أي شيء عن الروح ويقرأ هذا الكتاب فإنه سيقع في المحذور.

    الحكم على حديث: ( الكيس من دان نفسه ) وحديث: ( الحجر الأسود يمين في الأرض )

    السؤال: بالنسبة لحديث: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) وحديث: (الحجر الأسود يمين الله في الأرض) أرجو الإفادة في درجة هذين الحديثين وجزاكم الله خيراً، علماً بأن الشيخ الألباني ضعفهما؟

    الجواب: في الحقيقة الشيخ محمد عمرو عبد اللطيف عمل رسالة لطيفة جداً منذ حوالي (15) سنة تقريباً اسمها (القسطاس في تصحيح حديث الأكياس)، والمقصود به: جمع كيس، وقد صحح هذا الحديث. وهذا الكتاب قد أتى فيه الشيخ بقواعد حديثية تنبئ عن تبحره في هذا الفن، لكن للأسف الشديد أن هذه الفرحة لم تستمر؛ لأن الشيخ غير منهجه في مبدأ ترقية الحديث الضعيف إلى الحسن، فبعد أن صنف هذا الكتاب وأثبت أن هذا الحديث صحيح ذهب مرة أخرى إلى ما يخالف ذلك، ورأينا أن الحجج التي انقلب بها الشيخ على هذا الأصل حجج غير قوية، وأن الحجج الأولى أقوى مما هو عليه الآن؛ ولذلك نحن لا زلنا نعتقد أن حديث: (الكيس من دان نفسه) حديث حسن. أما حديث: (الحجر الأسود يمين الله في الأرض) فهو ضعيف. وأنا أنسحب من كلامي عندما قلت: إنه حديث صحيح أو حسن؛ وذلك لأنني ذهبت إلى مكتبتي وبحثت الحديث بجدية فإذا بالحديث لا يرتقي قط إلى الحسن.

    حكم البحث عن الزاني إذا أقرت المرأة بالزنا

    السؤال: هل يقاطع الناس المرأة الزانية ويبحثون عمن زنى بها حتى يقام عليه الحد؟

    الجواب: أنتم تعلمون أن المرأة الغامدية لما اعترفت بالزنا لم يسألها النبي صلى الله عليه وسلم عمن زنى بها، وإنما أخذها بإقرارها على نفسها لا على غيرها، لكن إذا اتفق عند القاضي إقرار بذكر اسم الزاني طالبه القاضي بالإقرار، فإن أقر أقام عليه الحد، وإن أنكر لم يقم عليه الحد، وإنما يقيم على من أقر.

    وأنتم تعلمون أن رجلاً كان له ولد أجير عند فلان فزنى بامرأته، فأفتوه أناس بفتاوى، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: اقض فينا بكتاب الله عز وجل قال: (نعم. الغنم والوليدة رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة والرجم، واذهب يا أنيس إلى امرأة هذا فإن هي اعترفت فارجمها، فذهب أنيس إليها فاعترفت فرجمها). ومفهوم المخالفة: فإن لم تعترف لا ترجمها. ومن هنا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أرسل إلى هذه المرأة إلا لما ذكر له أن الزنا وقع بها، وأنها امرأة هذا الرجل الذي جاء إليه يطلب قضاءه، فعندما يذهب شخص إلى القاضي ويقول: أنا زنيت، فيقول له: بمن؟ فهذا قاضٍ جاهل لا يعرف شيئاً عن القضاء.

    حكم الأخذ من اللحية

    السؤال: هل يجوز الأخذ من اللحية؟

    الجواب: من حيث الجواز يجوز، وقد فعله كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كـأبي هريرة وسلمان وأبو الدرداء وعبد الله بن عمر ، وكان عبد الله بن عمر إذا حج أو اعتمر -وهو راوي أحد الأحاديث في وجوب إطلاق اللحية- قبض على لحيته فأخذ ما فضل. وكان هذا يعرف من ابن عمر ؛ ولذلك الشيخ الألباني رحمه الله كان يذهب في أول الأمر إلى وجوب إطلاق اللحية وحرمة الأخذ منها.

    وأنا ليس لي علاقة بفعل عبد الله بن عمر ؛ لأن السنة تقول: أطلقوا.. أعفوا.. أرخوا.. وهذه كلها تدل على الإطلاق بلا قيد، حتى اللغة تدل على عدم الأخذ، إنما كون عبد الله بن عمر خالف ذلك بأن أخذ من لحيته ففعله هذا يدخلنا في مسألة أصولية وهي: لو أن صحابياً روى شيئاً فخالفه فالحجة بروايته أم بفعله؟ الجواب: الحجة في روايته. ومذهب آخر يقول: الحجة في فعله. قالوا: لأنه لابد أن يكون عنده ناسخ لهذا القول أو مبيح أو مجيز، وإلا فظاهر الصحابة أنهم لا يخالفون سنة النبي عليه الصلاة والسلام. ورد الجمهور عليهم وقالوا: لا. ما خالف روايته إلا لغلبة الظن أنه قد نسي الرواية فعمل بخلافها، والنسيان لا يقدح في عدالة الراوي.

    فأقول: هذه محل نزاع بين أهل العلم، والشيخ الألباني رحمه الله بعدما كان متشدداً جداً في حرمة الأخذ من اللحية الآن يذهب إلى وجوب الأخذ من اللحية، والعجيب أنه يذهب للوجوب، فلو قال: (الجواز فقط) لا بأس؛ لأن الوجوب يقتضي إثم من لم يأخذ من لحيته شيء فلو قال الشيخ الألباني بجواز الأخذ من اللحية لكان الكلام مستقيماً، لكن الشيخ يقول بالوجوب وهذا ما لم يوافقه عليه أحد، وله حجج كلها عقلية، وأما حجة شرعية، أو نص ثابت في إثبات الوجوب وحرمة الإطلاق فهيهات أن يكون هناك دليل على هذا الكلام!

    حكم من دخل المسجد وصلى وهو جنب

    السؤال: ما حكم الدين في رجل دخل المسجد وهو جنب، وهو يعلم ذلك، وصلى مخافة أن يقول عليه الناس: (إنه لا يصلي)، فهل عليه كفارة لهذا الذنب؟

    الجواب: هذا قد جعل الله تعالى أهون الناظرين إليه، يخاف من الناس ولا يخاف من الله، ويقف بين يديه وهو جنب! هذا الفعل محرم، وعلى صاحبه أن يتوب إلى الله عز وجل منه.

    وقد استقر في أذهان العوام: أن الشخص لو ذهب إلى بيت واحد من أصحابه وأجنب يصلي وهو جنب ولا يطلب الغسل؛ لكي لا يسيء صاحب البيت به الظن!! وهذا لا يصح، فهذه حدود وهذا شرع ربنا تبارك وتعالى.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755956569