إسلام ويب

الدفاع عن الله ورسوله وشرعه - الرد على كتاب عمر أمة الإسلام [2]للشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الابتعاد عن فهم أهل العلم سبب للوقوع في الخطأ والزلل، وفيما لا يحمد عقباه، وهذا هو ما وقع فيه مؤلف كتاب عمر أمة الإسلام، فقد خالف منهج العلماء في الفهم والاستدلال، وخاض في قضايا الغيب وما لا علم له به، وحاول تطويع النصوص لمراده، فأبان بذلك عن فساد منهجه وفهمه، ووقع فيما نهي عنه من الخوض في الغيبيات.

    1.   

    سبب الرد على كتاب عمر أمة الإسلام

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

    وبعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    الله تبارك وتعالى علمنا العدل والإنصاف، والنبي عليه الصلاة والسلام أمرنا بالنصح، فقد ثبت في حديث تميم الداري رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟! قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).

    ويعلم الله أننا ما تطرقنا للرد على هذا الكتاب، وما فكرنا في هذا إلا من باب النصيحة بعد أن عم خطره في نظرنا، ولما كان الإنصاف والعدل من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه نقول: إن الله تبارك وتعالى لما ذكر أهل الكتاب -خاصة اليهود وهم شر خلق الله على الإطلاق، بل شر من الخنازير والقردة- أثنى على بعضهم ونعى على الكثرة، فقال الله تبارك وتعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمران:75]، فذكر محاسنهم أولاً، ثم ذكر مساوئهم فقال: وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا [آل عمران:75].

    وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ [النحل:90]، وقال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8].

    فهذه الآيات والنصوص توقفنا عن أن نظلم أو نجور، فليس قصدنا فضح الكاتب، ولا سبه والشماتة فيه، وإنما هي محاولة لإظهار الحق في نظرنا.

    هذا الكتاب لم يخل من فوائد، ولما سألنا الكثير من الطلاب عن هذا الكتاب قلنا: هو في الجملة كتاب جيد، إلا الفصل الفلاني وإلا الباب الفلاني، فلم نعمم الحكم ولم نطلقه، وإنما قيدنا كلامنا بما هو منتقد عند أهل العلم. وهذا الكتاب -بلا شك- قد حمل التخويف والتهديد، كما أنه رغب في الآخرة بعمل الصالحات والطاعات، وحذر من قرب الفتن والساعة، وهذا باب في التخويف جيد، فلا شك أنه يزهد الناس في دنياهم ويقربهم من رب العالمين، ومن كل طاعة تؤدي إلى مرضاته سبحانه وتعالى، ولا شك أن هذا قصد عظيم للمصنف، وهو حسنة للمصنف.

    وكذلك من الحسنات أنه نبهنا على أن العدو متربص بنا في كل وقت وحين، وهذا لفت نظر منه جيد ومتين؛ لأن الخير والشر يتناطحان إلى يوم القيامة، فلا يمكن أن يسكت عنك الشيطان، ولذلك حذرك إلى ما يحاك من حولك خاصة من جهة اليهود والنصارى، وعلى جهة الخصوص من جهة اليهود.

    1.   

    أدلة مصنف عمر أمة الإسلام على قرب الساعة وتحديد وقوعها

    وأما المثالب فإنه لما أراد المصنف الاستدلال على قرب الساعة اعتمد في ذلك على حديثين أخرجهما البخاري في صحيحه:

    الحديث الأول: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا). والعجز هنا بمعنى الترك والإباء والعناد وعدم الإيمان، (فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا إلى صلاة العصر، ثم عجزوا -أي: ثم كفروا- فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين، فقال أهل الكتاب)، والراجح أنهم اليهود؛ لأنه في رواية البخاري في كتاب التوحيد قال: (فقال أهل التوراة)، (فقال أهل الكتاب: أي ربنا! أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين، وأعطيتنا قيراطاً قيراطاً، ونحن كنا أكثر عملاً؟ قال: قال الله عز وجل: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا: لا، قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء).

    والحديث الثاني: حديث أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله عنه، قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوماً يعملون له عملاً إلى الليل -يعني: من أول النهار إلى الليل- فعلموا إلى نصف النهار)، وهذا تبينه الرواية الأولى: (فعجزوا)، أي: لما بلغوا إلى منتصف النهار عجزوا وامتنعوا عن العمل: (فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك -أي: ننصرف ولا نريد أجراً- ولكن دعنا ننصرف، فاستأجر آخرين، فقال: أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت، فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا: لك ما عملنا -أي: عجزوا، وامتنعوا عن العمل، وقالوا للذي استأجرهم: لك ما عملنا- ولا نريد أجراً، ولكن دعنا ننصرف، فاستأجر قوماً فعملوا بقية يومهم -أي: على الشرط الذي شرط عليهم- حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين)، أي: وأخذوا أجر الفريقين الذين شرط المؤجر لهم من أول الأمر.

    1.   

    ذكر الأبواب التي أخرج فيها البخاري الحديثين اللذين استدل بهما المصنف على قرب الساعة

    قبل أن نتطرق لفهم المصنف أو الكاتب إلى المعنى العام والشرح العام لهذين الحديثين لابد أن نعرج على هذين الحديثين كما أخرجهما البخاري في صحيحه في أي الكتب والأبواب أخرجهما، وقيمة هذه الفائدة أن أهل العلم قالوا: إن وضع الحديث تحت باب معين يدل على أنه من جنس ذلك الباب، ومن الخبل وضع الحديث تحت باب لا يناسبه.

    فلو أنك أردت أن تبحث -مثلاً- عن حديث وصف عثمان رضي الله عنه لصفة وضوء النبي عليه الصلاة والسلام لبحثت عنه في باب الوضوء، ولو بحثت عنه في كتب الفتن أو الفضائل فليس عندك رائحة العلم؛ لأن هذا الحديث لا علاقة له بالفتن ولا بالفضائل، وإنما علاقته بأحكام الوضوء، فأول ما يتبادر إلى الذهن هو أن تبحث عنه في كتب الوضوء من كتب السنة.

    والإمام البخاري الذي استدل أهل العلم على عظيم فقهه من مجرد تبويبه ووضعه الأحاديث تحت الأبواب المناسبة لها لم يفهم من هذه الأحاديث ما فهمه المصنف، فالإمام البخاري روى الحديث في أبواب متعددة، فرواه في كتاب مواقيت الصلاة، باب: من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب، وعلاقة الحديث بهذا الباب واضحة، فوقت العصر ممتد إلى غروب الشمس، ويبينه قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)، فالإمام البخاري لم يورد هذا الحديث في كتاب الفتن، وإنما أورده في كتب الفقه، وأورده في كتاب الإجارة، باب: الإجارة إلى نصف النهار، وباب: الإجارة إلى صلاة العصر، وباب: الإجارة من العصر إلى الليل، وهذا هو الذي يدل عليه ظاهر حديث أبي موسى الأشعري الحديث الثاني.

    وأورده كذلك في كتاب الأنبياء، باب: ما جاء عن بني إسرائيل. فأورد الحديث هناك ليدل على أن بني إسرائيل قوم غدر وخيانة وظلم وتعد واستنكاف وامتناع عن الائتمار بأوامر الله عز وجل، ويدل عليه قوله: (فعجزوا)، فاليهود عجزوا في منتصف النهار، والنصارى عجزوا في العصر، بمعنى: امتنعوا ولم يؤمنوا، وأورده كذلك في كتاب فضائل القرآن، باب: فضل القرآن على سائر الكلام، أي: فضل القرآن على التوراة والإنجيل.

    قال الحافظ ابن حجر في الجزء التاسع صفحة (67): وهذا الحديث يدل على ثبوت فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم، وثبوت الفضل لها إنما ذلك بما ثبت من فضل كتابها الذي أمرت بالعمل به، كما أورده كذلك في كتاب التوحيد، وهو في المجلد الثالث عشر، باب في المشيئة والإرادة؛ لقول الله عز وجل: (إنما هو فضلي أوتيه من أشاء)، ولما اعترض اليهود على أن الله تبارك وتعالى كافأ أمة محمد عليه الصلاة والسلام بما لم يكافئهم به مع أنهم أطول في الزمن من أمة محمد قال: (هل غمصتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: هو فضلي أوتيه من أشاء). ولذلك أورده البخاري في كتاب التوحيد، في المشيئة والإرادة.

    قال الحافظ ابن حجر في المجلد الثالث عشر صفحة (451): وفي قوله: (ذلك فضلي أوتيه من أشاء) إشارة إلى جميع الثواب، لا إلى القدر الذي يقابل العمل كما يزعم أهل الاعتزال.

    فوضع الكاتب والمصنف هذه الأحاديث في باب الفتن وأشراط الساعة وقربها فهم غير مستقيم، ولو كان مستقيماً لسبقه إليه سلف الأمة، وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لا يتصور أن هذا المعنى قد خفي عليه عليه الصلاة والسلام، أو على أصحابه أو على التابعين أو أتباعهم، أو علماء الأمة على وجه العموم، وظهر للأخ المصنف الذي صنف كتاب (عمر أمة الإسلام).

    1.   

    تأويلات العلماء لمعنى الحديثين اللذين استدل بهما المصنف على قرب قيام الساعة

    من الأصول الثابتة عندنا أننا نقول: إننا -كسلفيين- نعمل بكتاب الله وسنة رسوله على فهم سلف الأمة، وجميع الناس يقولون: إنهم يعملون بكتاب الله وسنة رسوله، فنقول: الفرق بيننا وبينكم أننا نعمل بالنصوص من خلال فهم سلفنا لهذه النصوص، وسلفنا لم يفهموا هذين النصين كما فهمهما الأخ أمين، بل إن السلف أولوا الأحاديث التي ظاهرها يدل على تحديد حساب زمني لقيام الساعة أو قرب الأشراط أو حدوثها، ولم يستنبطوا من هذه الأدلة مفهوم العدد الحسابي، وإنما استنبطوا عدة مفهومات، وهي:

    أن مدة هذه الأمة إلى مدة من تقدم من الأمم مثل ما بين صلاة العصر وغروب الشمس، ولا يدري أحد عمر الأمم السابقة كلها، وقد علمنا من خلال كتب أهل الكتاب أعمار بعض الأمم وليس كلها.

    فقال في الحديث: (مثل ما بين صلاة العصر وغروب الشمس إلى بقية النهار)، أي: أن ما بقي من الدنيا شيء يسير بالنسبة لما مضى؛ لأن ما بقي كمثل ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، ولا شك أن هذه الحقبة الزمنية بالنسبة لبقية النهار قليلة نسبياً، ولكن مقدار القلة والكثرة لا يعلمه إلا الله.

    التأويل الثاني لهذه الأحاديث عند أهل العلم: الاستحقاق بعمل البعض أجر الكل، وهذا بين في هذه الأحاديث، فالله تبارك وتعالى ضاعف الثواب لهذه الأمة ما لم يضاعفه لغيرها من الأمم، ووقت العمل من العصر إلى غروب الشمس، ولو استأجرت رجلاً يعمل لك في النهار فتوقف عن العمل عند العصر فلك أن تحتج عليه بأن العمل والشرط الذي بينكما لم يتم؛ لأن إطلاق لفظ النهار يعني أن آخره غروب الشمس، وليس المراد أن العمل خاص بهذا الوقت.

    التأويل الثالث: من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب استحق أجر من أدرك الصلاة من أولها.

    التأويل الرابع: أن هذه الأحاديث إنما هي لضرب الأمثال، يعني: أراد الله تبارك وتعالى وأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يضربا لنا مثلاً يقرب المفهوم، ولذلك كثر ضرب الأمثال في الكتاب والسنة، ضرب الأمثال يكون للعظة والعبرة والاتعاظ والتخويف والترغيب والترهيب وتقريب المفهوم، وفي بعض الأحيان قد لا تدرك المقصود في مسألة من المسائل إلا بضرب مثال يوضح المقال، ولذلك العرب يقولون: بالمثال يتضح المقال.

    فهذه الأحاديث إنما هي لضرب الأمثال التي تقرب المفهوم والمراد، وليست مرادة لحقيقتها، يعني: ليس هذا التحديد من الصبح إلى الظهر، ثم من الظهر إلى العصر، ثم من العصر إلى المغرب مقصوداً لذاته، وليس فيه تحديد الوقت، بقدر ما هو ضرب مثال فقط لتقريب المفهوم.

    ومعلوم قطعاً عند أهل العلم جميعاً أن الأحكام لا تؤخذ من ضرب الأمثال، ولا يلزم من التمثيل والتشبيه التسوية من كل وجه.

    التأويل الخامس: أن المراد كثرة العمل وقلته، لا طول الوقت وقصره، وإنما كثرة العمل، فإن الشخص قد يعمل في الوقت القليل ما لا يعمله غيره في الوقت الكثير، وكذلك هذه الأمة عملت من العصر إلى المغرب أكثر مما عملته اليهود من الصبح إلى الظهر، والنصارى من الظهر إلى العصر.

    التأويل السادس: أن المراد الإيمان بما أمرهم الله به، فإن الله تبارك وتعالى لما بعث موسى أمر بني إسرائيل أن يؤمنوا به وأن يتبعوه، فإذا ما جاء عيسى وجب عليهم أن يتخلوا عن شريعة موسى ويتبعوا شريعة عيسى ويؤمنوا به عليه السلام، فلما جاء عيسى عليه السلام كفر به اليهود ولم يؤمنوا به، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (حتى إذا انتصف النهار عجزوا -أي: لم يؤمنوا بعيسى- وعمل النصارى)، حتى إذا جاء محمد عليه الصلاة والسلام وقد أمروا جميعاً أن يؤمنوا به عجزوا وكفروا به وردوا دعوته وجحدوها.

    ولذلك قال أهل العلم: معنى هذه الأحاديث: هو الإيمان بما أمرهم الله به، فكفر اليهود بعيسى ومحمد، وكفر النصارى بمحمد، وآمن المسلمون بمحمد وعيسى وموسى، فلا شك أن الذي يؤمن بجميع الأنبياء يستحق جميع الأجر، بخلاف من كفر بنبي أو باثنين أو أكثر؛ فإن الأصل الأصيل في الإيمان بالأنبياء أن من آمن بني واحد وكفر بجميع الأنبياء لا شك أنه كافر بجميعهم، بما فيهم ذلك النبي الذي ادعى أنه قد آمن به، فلو أن واحداً من أمة محمد الآن قال: أنا أكفر بعيسى وموسى، ولكن أؤمن بمحمد فإننا نقول له: إنك قد كفرت أولاً بمحمد؛ لأنه هو الذي أمرك أن تؤمن بجميع الأنبياء، فأنت قد رددت أمره وخالفته.

    التأويل السابع: شدة اقتراب الساعة، يعني: هذه الأحاديث لا تدل على قرب الساعة فقط، وإنما على شدة اقترابها، ولذلك عبر الله تبارك وتعالى عنها بلفظ الماضي فقال: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل:1] تعبيراً عن شدة قربها، فقال: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ، وكذلك هذه الأحاديث تدل على قرب الساعة.

    التأويل الثامن: تحديد عمر الأمة حسابياً، وأول من ابتدع القول بالحساب في عمر الأمم هو إمام المفسرين وسيد المؤرخين ابن جرير الطبري عليه رحمة الله، وتبعه السهيلي ، ثم لما ثبت بطلان ما ذهب إليه ابن جرير الطبري أراد السهيلي أن يفر منه إلى مذهب آخر وإلى طريقة أخرى، ولكنه لما كان قد اقتنع من داخله بصحة العد الحسابي هرب من حساب الزمن إلى حساب الساعة عن طريق الحروف المقطعة في أوائل السور، وهذا هو التأويل التاسع.

    التأويل التاسع: العد عن طريق حروف القرآن في أوائل السور.

    هذه تسعة تأويلات لأهل العلم فيما يتعلق بالأدلة التي يدل ظاهرها على حساب عمر الأمم، وخاصة حساب عمر أمة الإسلام.

    والسؤال هو: لماذا لم يبين المصنف أقوال أهل العلم كما تقتضيه الأمانة العلمية؟ فمن الأمانة العلمية أنك إذا وقفت على دليل حمال أوجها -أي: له عدة تأويلات- فلا أقل من أن تذكر جميع تأويلات أهل العلم، ثم إن أردت أن ترجح تأويلاً بعينه كان لك ذلك بشرط أن تسوق الدليل على رجحانه، وإن لم يكن معك دليل على رجحان رأي من الآراء بقي كغيره من الاحتمالات المطلقة، ولا يجوز ترجيحه على الآراء الأخرى.

    1.   

    شرح المصنف للحديثين اللذين استدل بهما على قرب قيام الساعة والرد عليه

    وقال المصنف في شرح هذه الأحاديث في صفحة (46): يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين عن مدة بقاء أمة الإسلام في هذه الحياة الدنيا بالنسبة للأمم قبلها، وأنها تمتد من صلاة العصر إلى غروب الشمس.

    وهذا أحد التأويلات التسعة، وليس هو قول أهل العلم قاطبة، ومدة اليهود هي الفترة من الفجر إلى صلاة الظهر، أي: نصف النهار. ومدة النصارى من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، أي: أن مدة اليهود نظير مدتي المسلمين والنصارى مجتمعين؛ لأن نصف النهار من الفجر إلى الظهر، والنصف الثاني من الظهر إلى المغرب. فعمر اليهود يساوي عمر النصارى زائداً عمر المسلمين.

    وقال في صفحة (48): قال الحافظ ابن حجر في كتابه القيم فتح الباري تعليقاً على أحاديث عمر الأمم ما نصه: واستدل به -أي: بالحديثين المذكورين، حديث ابن عمر وحديث أبي موسى - على أن بقاء هذه الأمة -أي: أمة الإسلام- يزيد على ألف.

    وقول الحافظ ابن حجر واستدل كأنه للتمريض، وكأنه قال: وقيل: إن هذا الحديث فيه من الفوائد أن مدة عمر المسلمين ما بين صلاة العصر إلى المغرب، وهذه تدل على أن عمر أمة الإسلام يزيد على ألف؛ لأنه يقتضي أن مدة اليهود نظير مدتي النصارى والمسلمين.

    وقال: وقد اتفق أهل النقل على أن مدة اليهود إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكثر من (2000) سنة.

    هذا الكلام مردود غير مقبول؛ لأن اتفاق أهل النقل والإخباريين على أمر بغير دليل قول مردود، وإن قبلناه فإننا نقبله من باب الاستئناس به، ولا يدري أهل النقل بالأخبار عن عمر الدنيا السابق، أو عن عمر الأمم السابقة أو حتى عن عمر أمة اليهود شيئاً؛ إذ كل ذلك ليس مسطوراً ولا منصوصاً عليه.

    وهب أن مدة اليهود إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكثر من ألفي سنة، فألف سنة صارت الآن في عداد اليقين، ولكنه لم يقل: ألفا سنة، وإنما قال: أكثر من ألفي سنة، فما هي هذه المدة التي عبر عنها بلفظ أكثر، هل هي ألفان ومائة أو ومائتان أو وثلاث أو وأربع أو وخمس أو وست، كل هذا يحتاج إلى دليل. وقد رجح أن هذا الأكثر مائة عام فقط بدون دليل.

    قال: ومدة النصارى من ذلك ستمائة سنة.

    وقال أيضاً: إن مدة عمر اليهود نظير -أي: تساوي- مدتي عمر النصارى والمسلمين مجتمعة.

    وقال في صفحة (49): وحيث إن مدة عمر اليهود والنصارى تزيد على ألفي سنة، ومدة عمر النصارى هي ستمائة سنة، فإذاً: بالطرح الجبري يكون عمر أمة اليهود ألف وأربعمائة سنة؛ لأنه قال: إن عمر أمة اليهود زائد عمر أمة النصارى ألفي سنة، فلما ثبت أن عمر أمة النصارى ستمائة سنة بقى لليهود ألف وأربعمائة سنة.

    وقال: وذكر أهل النقل وكتب التاريخ العام أن هذه الزيادة تزيد عن مائة سنة قليلاً.

    ولم يبين مدة هذا القليل، وهذا القول قول مردود، وأحق منه بالرد أن هذا إنما جاء في كتب التاريخ فقط، وكتب التاريخ لا علم لها بأعمار الأمم، فيبقى الموضوع من أصله ساقطاً وهابطاً.

    قال: إذاً: عمر أمة اليهود (1500)؛ لأن (1400) زائد (100) وزيادة قليلاً يساوي أن عمر أمة اليهود (1500) سنة وتزيد قليلاً، وحيث إن عمر أمة الإسلام يساوي عمر أمة اليهود الذي هو (1500) سنة ناقص عمر النصارى الذي هو (600) سنة، فإذاً: عمر أمة الإسلام يساوي (900) سنة.

    وهذا ما ذهب إليه أن عمر أمة الإسلام (900) سنة.

    وقد وقع الإمام الطبري في هذا الفخ؛ لأنه أول من عد عمر الأمة بالحساب، واليهود هم أول من اخترع العد الحسابي في عمر الأمم، وتبعهم بعض أهل على التاريخ وعلى رأسهم الطبري فوقعوا في المحظور.

    يقول الكاتب بالعنوان العريض: إذاً: عمر أمة الإسلام يساوي (1400) سنة تزيد قليلاً، وقد أتى بـ(1400) سنة من حديث سعد بن أبي وقاص ، فإنه لما قال: إن عمر أمة الإسلام بالحساب مع عمر أمة اليهود والنصارى (900) سنة ضم إلى هذه (900) سنة (500) سنة أخرى من حديث سعد بن أبي وقاص الذي فيه: (لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم)، فقال عن اليوم: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج:47]، ونصف اليوم عند الله عز وجل يساوي خمسمائة سنة، فبإضافة (500) سنة إلى (900) سنة يساوي (1400) سنة، قال: تزيد قليلاً؛ لقوله: إن عمر أمة اليهود يزيد عن (1400) سنة قليلاً، فسحب هذا القليل كذلك على عمر أمة الإسلام حتى يستقيم له الحساب الجبري.

    ثم قال: مضى من هذا القليل (30) عاماً.

    وللسيوطي رسالة بعنوان: (الكشف عن تجاوز هذه الأمة الألف)، ورغم أنه إمام وعلم مبجل إلا أنه في السنة على جهة الخصوص حاطب ليل، فهو جمّاعة، وليس من المحققين، وقال في رسالته (الكشف): الذي دلت عليه الآثار أن مدة هذه الأمة تزيد على الألف ولا تبلغ الزيادة (500) أصلاً، والسيوطي مات في القرن العاشر سنة (911هـ).

    وقد عضد المصنف كلامه بكلام الحافظ السيوطي في رسالة الكشف، فقال: إن الإمام السيوطي قال: إن هذه الأمة عمرها لا يتعدى (1500) ولا ينزل عن الألف.

    والإمام السيوطي قال هذا من باب الاحتمال، وله ذلك، ولو ساق الشيخأمين كلامه على سبيل الاحتمال لقلنا: له ذلك؛ لأن الاحتمال لا يعاقب ولا يعاتب صاحبه، ولو ثبت فشله لم يلم، وأما إيراده ذلك على سبيل الجزم فهذا هو الذي يرد ولا كرامة.

    ولو قرأت رسالة الكشف كلها لعلمت أن السيوطي قال هذا من باب الاحتمال، ولكن المصنف انتقى من كلام الحافظ ابن حجر ومن كلام السيوطي ما يتناسب مع ما ذهب إليه من صحة العد الحسابي، ولو نقل كلام الحافظ برمته، أو نقل كلام السيوطي بتمامه لما سلم له مراده ومقصوده.

    قال: مضى من هذا القليل ثلاثون عاماً، أي: الزائدة على (1400).

    واعتمد رأي السيوطي أن هذه الزيادة القليلة هي (100) عام، وبنى عليها حسابه، فقال: مضى من هذا القليل (30) عاماً، ونحن الآن في عام (1417 هجرية)، فإذا أضفنا إليها (13) سنة التي هي قبل بداية التقويم الهجري التي كانت في مكة يكون المجموع (30) سنة، و(30) سنة زائد (1400)، فيبقى من (1500) التي حددها السيوطي 70 سنة، إذاً: القيامة -إن شاء الله- ستقوم بعد (70) سنة!

    فعام (1500) هجرية يدل عند المصنف على انتهاء الدنيا، وأما ظهور العلامات الكبرى فمحتمل ظهورها ذاك الوقت، ومحتمل قبل ذلك، بل يمكن أن تظهر في عام (1300هـ)، وقد بين المصنف في صفحة (43): أن عمر أمة الإسلام هو منذ بعثة النبي عليه الصلاة والسلام وإلى أن تقوم الساعة.

    وهناك من يقول: أنتم فهمكم خاطئ، وكل العلماء والمشايخ والدعاة قد فهموا هذا الكتاب خطأً، ولم يفهمه على وجهه الحق إلا المصنف! وهذا مما يعاب في التصنيف كذلك؛ لأن طالب العلم إنما يحاسب بألفاظه وعباراته، فطالب العلم إذا تكلم بكلمة فلا بد أن تكون محمولة على وجه مراد، وأما عامة الناس فإنما يحاسبون على مقاصدهم، ولذلك لو سب رجل من أهل العلم دين الله عز وجل كفرناه بلا توقف؛ لأنه يعلم مدلول اللفظ، ومدلول اللفظ كفر بالله العزيز، ولو سب الدين أحد العوام لتوقفنا وقلنا: ماذا تقصد يا فلان؟! فلو قال: أقصد دين الله لاستوى مع العالم، ولو قال: أقصد المسلك والخلق السيء لم يبلغ الكفر.

    فالعوام يحاسبون على المعاني والمقاصد، وأما أهل العلم فيحاسبون على الألفاظ، فالكاتب فعندما كتب هذا الكتاب فهو حر في أن يفهمه كيف شاء مادام في بيته، فأما إذا خرج إلى حيز الطباعة والعرض على عقول الآخرين فلا يجوز للكاتب أن يقول: أنا أقصد كذا في هذه الجزئية وأقصد كذا في الجزئية الثانية؛ لأن الكتاب بمجرد أن يخرج من عنده فلابد أن يكون محدد الفائدة والقصد والإرادة عند القارئ والمستمع، ولذلك الكلام الذي يتكلم به الواعظ هو من فهمه؛ لأنني لا يمكن أن أفهم مراد زيد من عمرو، وإنما أفهم مراد زيد من زيد نفسه، وكذلك أفهم مراد المصنف من هذا الكتاب، فإذا كان أهل العلم المعاصر جميعاً قرءوا هذا الكتاب ولم يوافق أحد منهم المؤلف على هذا الكتاب فيصعب جداً أن نقول: إن أهل العلم جميعاً لا عقول لهم ولا فهم عندهم، وإنما الفهم عند المصنف وحده، كأنه يتكلم باللوغاريتمات! هذا كلام مردود، وإلا لقلنا: لا يجوز لأحد أن يقرأ لأحد؛ لأن مراد المؤلف لا يعرفه إلا المؤلف. فهذا الكلام ليس سديداً.

    1.   

    تحديد المصنف لعمر أمة الإسلام والرد عليه

    قال: إن عمر أمة الإسلام هو منذ بعثة محمد وإلى أن تقوم الساعة.

    فلو قلت: إن سنة (1500هـ) هي لحظة قيام الساعة فهذا هو معنى كلام المصنف في صفحة (43): إن عمر أمة الإسلام هو منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وإلى أن تقوم الساعة.

    ثم يضرب ضربة أخرى حتى لا تمسك عليه الضربة الأولى فيقول: أو بالتحديد إلى أن تأتي ريح لينة من قبل اليمن فتقبض نفس كل مؤمن، ويكون ذلك بعد موت عيسى بن مريم عليه السلام.

    وهذه الريح اللينة من علامات الساعة الكبرى، وهي من علم الغيب، فتحديد الزمن من زمن البعثة إلى وقت هذه الريح اللينة التي تقبض كل عبد مؤمن بـ(1500) سنة هذا كلام في الغيب، وهذا لا يجوز.

    ونقول له: هذه الريح اللينة هي أول العلامات أو وسطها أو آخرها؟ فلابد أنه سيقول: إنها ليست آخر العلامات؛ لأن هذه الريح اللينة لا تقبض جميع الخلق ثم تقوم الساعة بعد ذلك، وإنما تقبض روح كل عبد مؤمن فقط، ويبقى شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة.

    ثم كلمة (يبقى شرار الخلق)، كم يبقون؟ الله أعلم.

    وهو قد اعتمد على حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : (المدة بين أن تطلع الشمس من مغربها وإلى قيام الساعة مائة وعشرون عاماً). فنقول: هل هذه الأعوام كأعوامنا، وأيامها كأيامنا؟! وعلى افتراض أنها كذلك فهل صح هذا الخبر مرفوعاً؟ الجواب: لا. وقد رجح المؤلف هنا أنه من قول عبد الله بن عمرو ؛ لأنه اطلع على نقد أهل الحديث لهذا الحديث، وأنه لم يصح مرفوعاً، فقال بوقفه على عبد الله بن عمرو بن العاص .

    ونقول له: وعلى فرض صحته موقوفاً على عبد الله بن عمرو فإن أهل العلم يقولون: لا يجوز الاعتماد على خبر في الغيبيات -أي: في العقائد- موقوفاً إلا بشرط أن يكون الآخذ أو الراوي لهذا الحديث ليس من أحبار ورهبان أهل الكتاب ثم أسلم بعد ذلك؛ لأن غالب الظن أنه ينقل عن أهل الكتاب، وألا يكون ممن أخذ عن أهل الكتاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص معروف أنه كان يروي عن أهل الكتاب كـكعب الأحبار ووهب بن منه وعبد الله بن عباس ، وغيرهم، فالجميع كان يروي عن أهل الكتاب.

    فلا يؤمن أن يكون عبد الله بن عمرو بن العاص أخذ هذا التحديد الزمني عن أهل الكتاب، فضلاً أنه لم يصح فيه خبر في كتاب الله ولا في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فيكون هذا الدليل الذي اعتمد عليه المؤلف دليلاً ساقطاً لا يجوز اعتباره والاحتجاج به في هذا المقام.

    1.   

    مثالب كتاب عمر أمة الإسلام

    إبراز الأمور الظنية في صورة اليقين

    ومن المساوئ والمثالب التي يمكن أن توجه على سبيل الإجمال لهذا الكتاب: أن الكاتب ذكر فيه أموراً ظنية وأبرزها في صورة اليقين، وأن الحرب التي تكلم عنها في صفحة (35) إلى (37)، وهي المعروفة بحرب هرمجدون تكلم عنها كأنها واقع مشاهد الآن، وأنها تسبق السلام المشوه المزعوم الذي نسمع عنه الآن مع اليهود والنصارى، فقال: هذه الحرب إنما يسبقها ذلك السلام المشوه.

    ونقول له: وما علمك بهذا؟

    ويقول: حرب هرمجدون هذه حرب عالمية مدمرة، وهي حرب تدور على أرض فلسطين في واد يسمى وادي مجيدو، وبعضهم يسميه وادي عبد المجيد.

    وهذه الحرب يسميها المؤلف الحرب المدمرة التي لا تبقي ولا تذر.

    ثم يقول بعد ذلك: إنها الحرب التي يسبقها السلام المشوه -أي: الآن- الذي نسمع عنه في كل وقت وحين. ثم يقول: إن هذه الحرب هي حلقة الوصل بين الحقبة الزمنية التي نعيشها وبين ظهور المهدي .

    وكأنه يريد أن يقول: بعد هذه الحرب مباشرة سيظهر المهدي المنتظر .

    ثم يقول: إنها بداية النهاية.

    فجعلها من العلامات الكبرى التي تساوي الخسف والزلازل التي تسبق قيام الساعة.

    فهذه الحرب لما تكلم عنها تكلم عنها وكاد أن يحدد وقتها؛ لأنه حدد أنها بعد السلام المشوه وقبل ظهور المهدي ، أو أن المهدي يظهر بعدها، ويشعرك كأن هذه الحرب في هذه الأيام، وإبراز هذه الحرب في صورة يقينية أمر يعاب الكاتب عليه؛ لأنها كلها ظنون؛ لأنها محل اجتهاد، وهو لم يعبر عنها بالظن، وإنما عبر عنها بألفاظ تدل على اليقين.

    والاحتمال واسع يقبل ويرد كما ذكرنا ولا يعاقب صاحبه، فلو أخبرك شخص أن حرباً ستدور غداً، وقال: أنا أتوقع أن تدور على أرض فلان حرب في الغد لقلنا: يحتمل أن تقع ويحتمل ألا تقع، وأما هو فقد أكد أن هذه الحرب ستدور في واد مجيدو، وأنها ستدور بين فلان وفلان، وهذا على سبيل الجزم، وهو مما يعاب عليه.

    ثم لما تكلم في أمر المهدي المنتظر قال: المهدي عليه السلام. وأهل العلم لا يقولون المهدي عليه السلام؛ لأن إطلاق لفظ عليه السلام يدل على أنه نبي مرسل، وليس الأمر كذلك، بل هو رجل من الصالحين يصلح الله تبارك وتعالى به الدنيا والدين.

    ولما تكلم المصنف عن المهدي تكلم بكلام في غاية الخطورة، فقد نفى أن يكون هناك خير قبل ظهور المهدي ، وكأنه أراد أن يقول لك: أرح نفسك، فلا يوجد خير قبل وجود المهدي ، فلا تنتظر خلافة ولا تمكيناً ولا عملاً للإسلام ولا شيء من هذا.

    ثم يقول في مكان آخر: ولست بهذا أقول، ولا أدعو أن ندع العمل، بل لابد من العمل، وكل ميسر لما خلق.

    وهذا الكلام الذي قاله محتمل، يعني: يحتمل ألا يكون هناك خير بمعنى الخلافة الراشدة إلا في ظل المهدي ، ويحتمل أن يكون ذلك قبل ظهور المهدي ، ولكنه في معظم مواطن الكتاب يائس تماماً من حصول الخير والرشاد والخلافة الراشدة في الأرض إلا على يد المهدي ، وكأنه يريد أن يقول لك: أرح نفسك لا يوجد خير أبداً، ولا تنتظر شيئاً؛ لأن ذلك لا يكون إلا بظهور المهدي ، ثم يقول لك: ولكن انتبه، فلا يحملك هذا على ترك العمل، بل اعمل حتى تعذر.

    تبني الأقوال الضعيفة في تفسير الأحاديث

    الأمر الثاني: أنه لما سرد أحاديث عمر أمة الإسلام بزعمه تبنى في تأويلها أضعف الأقوال وأخفى أقواها، وهذا ليس من الأمانة العلمية في شيء، فقد تبنى التأويل الحسابي، وجعله راجحاً بدون مرجح، في حين أن الصواب عندما يكون عندي في دليل واحد عدة آراء واحتمالات، وأردت أن أختار رأياً منها، فلابد أن يكون هذا الرأي من الآراء الراجحة أو -على أقل- أن يكون رأياً من الآراء غير المنقوضة، ولا يجوز لي أن أقول: إن هذا الرأي بعينه هو الرأي الراجح إلا إذا كان هناك مرجح يؤيد كلامي. والترجيح بغير مرجح عند أهل العلم تحكم بلا دليل، والتحكم بغير دليل ساقط لا عبرة به.

    والكتاب فيه أمور ظنية كثيرة، وقد جعلها المصنف يقينية قطعية، كهرمجدون وتأويل النصوص وقيام حرب قبل الساعة وانتهاء أشراط الساعة الصغرى، وكاد المؤلف أن يجزم أن كل أشراط الساعة قد ظهرت، مع أن أهل العلم لا يزالون يعتقدون أن العلامات الصغرى منها ما قد ظهر ومنها ما لم يظهر، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يحدد في حديث واحد أن العلامات هي كذا، ثم كذا ثم كذا، ولا حتى وردت نصوص في العلامات الكبرى فضلاً عن الصغرى، فكيف يجزم هو بأن جميع العلامات الصغرى قد ظهرت وفرغ من أمرها، حتى ننتظر بعد ذلك العلامات الكبرى؟! وما هي المدة الزمنية بين انتهاء العلامات الصغرى والعلامات الكبرى؟! هذا أيضاً غيب لا يعلمه إلا الله عز وجل.

    وظهور العلامات الكبرى من جنس الغيب، فإذا قال المؤلف: إنني أتكلم عن عمر أمة الإسلام قلنا له: هذا من الغيب، فلا يجوز لك أن تتكلم عن الساعة ووقتها وتحديدها، وهو ينفي في مواضع من كتابه أن يتكلم عنها، ثم يقرر ذلك، كما قرأت عليكم قوله: (إن عمر أمة الإسلام إنما هو بظهور تلك الريح التي تقبض روح العبد المؤمن)، وهذا كلام أيضاً ساقط وهابط؛ لأن عمر الأمة لا ينتهي عند هذا الحد؛ لأنك إذا قلت هذا يلزمك أن تقول: إن شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة ليسوا من أمة محمد، وعلى هذا يلزمك أن تعتقد أن الله تبارك وتعالى خلق خلقاً ولم يبعث إليهم رسولاً ولا نبياً، فهم معذورون؛ لأن الله تبارك وتعالى لم يرسل إليهم رسولاً ولا نبياً، والحديث قد وصفهم أنهم من شرار الخلق، وليس هناك من أهل العلم من يقول بهذا، فلابد أن تقول: إن هؤلاء القوم الأشرار هم من أمة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وليسوا من أمة اليهود؛ لأن المؤلف ذكر أن حرب هرمجدون ينتهي فيها ثلثي اليهود والنصارى، ثم بظهور المهدي يتخلص من الثلث الثالث.

    إذاً: شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة هم من أمة محمد، وأما القول بأنهم ليسوا من أمة محمد فهذا يلزم منه الدور، وهذا أمر بعيد.

    تعويل المصنف على أقوال أهل الكتاب

    ثالثاً: وما يعاب على الكتاب: أنه عول في المسألة التي ظهر له فيها الخلاف أو الاحتمال على أقوال أهل الكتاب، فلو أنك نظرت وقرأت في الكتاب بعين الفحص والتمحيص لوجدت أنه في غالب الأبواب يعتمد على كلام أهل الكتاب، وهذا عيب أيما عيب؛ لأن اللجوء إلى الاعتماد على كلام أهل الكتاب مثلبة عظيمة جداً لكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، والنبي عليه السلام لما وجد الصحابة يتحرزون كل التحرز من نقل كلام أهل الكتاب أو أنهم امتنعوا أن يروون أي شيء عنهم.

    قال: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، فلما رآهم متحرجين قال: (لا حرج) في التحديث عنه، ولكنه قيد ذلك بقيد أهم من الإباحة، فالأولى ألا نصدقهم وألا نكذبهم، فقال: (إذا حدثتم عن بني إسرائيل فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم). (فلا تصدقوهم) لاحتمال أن تكون هذه الرواية مما دخلها التبديل والتحريف الذي صنعه أهل الكتاب. (ولا تكذبوهم) لاحتمال الصدق، فنفى أن نصدقهم ونفى أن نكذبهم.

    والمؤلف هنا في أغلب الأبواب يستشهد بكلام أهل الكتاب، ونحن نقول: إنه لا يجوز له أن يستشهد بكلام أهل الكتاب ولا يستأنس به، ولو قرأت في حرب هرمجدون وحساب عمر أمة الإسلام فإنك تجد عجباً، فقد كاد المؤلف يعتمد اعتماداً كلياً على كلام أهل الكتاب، فمثلاً: في كتاب حرب هرمجدون يقول في صفحة (36): وجمعت الأرواح الشيطانية جيوش العالم كلها في مكان يسمى هرمجدون. هذا في الإنجيل صفحة (388) .

    وجاء في كتاب البعد الديني في السياسة الأمريكية أن سبعة من رؤساء أمريكا يؤمنون بمعركة هرمجدون.

    ويقول رونالد ريجان الرئيس الأمريكي الأسبق: إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيرى هرمجدون.

    ويقول: كل شيء سوف ينتهي في بضع سنوات، وستكون المعركة العالمية الكبرى معركة هرمجدون أو سهل مجيدو.

    ويقول جيمي سواجارت وهو من القساوسة الكبار: كنت أتمنى أن أستطيع القول إننا سنحصل على السلام، ولكني أؤمن بأن هرمجدون مقبلة، إن هرمجدون قادمة وسيخاض غمارها في وادي مجيدو، إنها قادمة، إنهم يستطيعون أن يوقعوا على اتفاقيات السلام التي يريدون، إن ذلك لن يحقق شيئاً، هناك أيام سوداء قادمة.

    وغير ذلك من الأقوال، وينقل عقائد اليهود وعقائد النصارى، ويعتمدها في هذه الأمور التي اعتبرها هو يقينية وليست ظنية.

    وذهب إلى ذلك أيضاً في حساب عمر أمة الإسلام، في صفحة (51) يقول: جاء في الإنجيل الرسالة الأولى أما مسألة الأزمنة والأوقات المحددة فلستم في حاجة لأن يكتب إليكم فيها؛ لأنكم تعلمون يقيناً أن يوم الرب سيأتي كما يأتي اللص في الليل، فبينما الناس يقولون: حل السلام والأمن، ينزل بهم الهلاك المفاجئ كالمخاض الذي يدهم الحبلى، فلا يستطيعون أبداً أن يفلتوا.

    ويقول نيكسون الرئيس الأمريكي الأسبق: في عام (1999م) نكون قد حققنا السيادة الكاملة على العالم، وبعد ذلك يبقى ما بقي على المسيح.

    فالنصارى واليهود يؤمنون الآن بما يسمى العيد الألفي، ويعتقدون أن عيسى عليه السلام حي في السماء وسينزل على رأس كل (1000) عام فيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً وظلماً، فلما خذلهم عيسى عليه السلام، بل خذلهم الله تبارك وتعالى في الألف الأول فهم يستعدون لنزول عيسى على رأس الألف الثانية، أو في نهاية الألف الثانية، وهذا يسمى عند اليهود والنصارى بالعيد الألفي، ومعناه عندهم: أن عيسى ينزل على رأس كل (1000) سنة، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

    ويقول روبارت ديسون : إن إعادة مولد إسرائيل هي الإشارة الوحيدة إلى أن العد التنازلي لنهاية الكون قد بدأ، كما أن مع مولد إسرائيل أخذت بقية التنبؤات تتحقق بسرعة.

    وهذا الكلام الذي ساقه المؤلف هنا وغيره يدل على خطورة عظيمة جداً، وهي أن الكاتب اعتمد على كلام أهل الكتاب واستشهد به.

    وكلام أهل الكتاب لا يعد باباً من أبواب الحكم أو الدلالات، وليس مصدراً من مصادر التشريع ولا مرجحاً عند النزاع.

    والكاتب اعتبر أن كلام أهل الكتاب مرجح عند النزاع، ولذلك لما ذكر حديث أبي موسى الأشعري وحديث عبد الله بن عمر قال: ومن العجب أنك تجد في التوراة والإنجيل ما يوافق هذين الحديثين! فجعل كلام أهل الكتاب مرجحاً لما اختاره هو من بين الآراء التسعة لأهل العلم.

    وهذا كلام ساقط وهابط، ولا يمكن أبداً اعتماده، ولا يصح أن يقال هنا: إنه اعتمد على ما في كتب أهل الكتاب على سبيل الاستئناس لا الاستشهاد؛ لأنه احتج به واعتبره في معرض الترجيح بين عدة تأويلات في المسألة الواحدة، ورجح من هذه التأويلات التأويل الحسابي مع أنه أضعف التأويلات عند أهل العلم، وإن أردت الإجمال والتفصيل في تأويلات أهل العلم فارجع إلى فتح الباري الجزء الرابع صفحة (448-449)، ومن أنفع ما كتب في هذا الأمر هو كلام الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه (فتح الباري) (الجزء الرابع) من صفحة (333) حتى صفحة (357).

    وأيضاً ارجع كذلك إلى فتح الباري كتاب الرقائق المجلد (11) صفحة (350)، في شرح حديث: (بعثت أنا والساعة كهاتين)، والمنار المنيف للحافظ ابن القيم صفحة (80)، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية الجزء الرابع صفحة (342)، ورسالة الإمام الصنعاني في الرد على ابن جرير الطبري صفحة (38)، وإن شئت فاقرأ الرسالة كلها، وهي حوالي خمسين صفحة.

    وأما العد عن طريق حروف المعجم أو حروف القرآن الكريم وأوائل السور فارجع كذلك إلى رسالة الإمام الصنعاني ، والمجلد الحادي عشر صفحة (351).

    وهذه التأويلات التسعة منها سبعة تأويلات محل احترام واعتبار، فقد اعتبرها أهل العلم ولم يرفضوها، فقد قالوا: يفهم من هذه الأحاديث كيت وكيت وكيت وكيت، ونقضوا احتمالين اثنين: احتمال العد الحسابي، واحتمال العد عن طريق أوائل السور، أي: الحروف المقطعة.

    ولما اعتمد المؤلف العد الحسابي كان عليه أن يسوق الدليل على رجحانه، خاصة وأنه قد أعرض عن كل الآراء التي ليست محلاً للنقد، واختار رأياً قد انتقده أهل العلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755781277