إسلام ويب

شرح العبودية [12]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الصوفية وأهل الكلام المذموم كالجهمية والمعتزلة وضعوا لأنفسهم قواعد، ثم حاكموا النصوص إليها، فما وافق قواعدهم أخذوا به، وما خالفها ردوه إما بالتأويل أو التحريف أو التكذيب، وهذا هو سبب ردهم للعقائد الصحيحة واعتقادهم ما يخالف الكتاب والسنة من الأهواء والبدع.

    1.   

    العلاقة بين جبرية الصوفية والمتكلمين

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، أما بعد:

    فقد سبق الحديث عن طائفتين من طوائف الجبرية، وهم من الضالين في الحقيقة الكونية، وبينا سبب ضلال الطائفة الثانية، وهي التي قسمت الناس إلى عوام وخواص، وأن العوام ملزمون بالأحكام الشرعية العامة، والخواص تسقط عنهم التكاليف إذا وصلوا إلى نهاية المطاف وهي الكشوفات والحقائق كما يقولون.

    ثم ربط الشيخ بين هذه الطائفة من الصوفية وبين أهل الكلام المذموم، ووجه الربط بين الصوفية وبين أهل الكلام: هو أن الصوفية يقعدون قواعد يسمونها حقائق وكشوفات لا تقبل الجدل ولا النقاش، ثم يحاكمون النصوص الشرعية إلى هذه القواعد، وأهل الكلام من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية كذلك يقعدون قواعد يسمونها عقليات، ثم يحاكمون النصوص الشرعية إلى هذه القواعد العقلية، ولهذا عبث الصوفية بكثير من النصوص الشرعية بهذه الطريقة الفاسدة، وكذلك أهل الكلام عبثوا بكثير من النصوص الشرعية بناء على هذه الطريقة الفاسدة أيضاً، فتجد أن الصوفية -مثلاً- يفسرون الآيات الواردة في القضايا السلوكية بتفسير منحرف، وكذلك تجد أولئك يفسرون الآيات الواردة في إثبات الصفات لله عز وجل بتفسير منحرف، فإذا لم يستطيعوا تفسيرها فإنهم يتركونها ويقولون: (نمرها كما جاءت)، ويقصدون بذلك إلغاء المعنى التي تضمنته، وطي بساط معناها، والاعتماد على ما أصلوه وقعدوه من الحقائق عند الصوفية، أو من العقليات عند أهل الكلام.

    تشابه الصوفية والمتكلمين في تأويل النصوص

    وسبق أن تحدثنا عن تأويل الصوفية لقوله سبحانه وتعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، وأنهم فسروه تفسيراً بعيداً كل البعد عن منهج السنة، حيث قالوا: إن معناه: اعبد الله عز وجل حتى يسقط عنك التكليف، فإذا عبدت الله عز وجل سنين طويلة، ثم وصلت إلى الكشوفات سقط عنك التكليف، وهذا فهم باطل لكتاب الله عز وجل؛ فإن المقصود باليقين الموت، فقوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، يعني: حتى يأتيك الموت. ولهذا فإن أفضل الناس عبادة هم الرسل الكرام، ولم يسقط عنهم التكليف، والرسول صلى الله عليه وسلم الذي ربى أصحابه على يديه وعبدوا الله عز وجل في حياته لم يصل أحد منهم إلى هذا اليقين الذي زعموه، فلم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لـأبي بكر : سقط عنك التكليف، فلا تعمل شيئاً، ولم يقل لـعمر ولا لـعثمان ولا لـعلي بن أبي طالب ذلك، وهؤلاء هم أفضل الصحابة على الإطلاق.

    فإذاً: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات ولم يسقط عن أحد من أصحابه التكليف الذي ظنوه اليقين في الآية، فكيف يأتي هؤلاء بهذه البدعة المنكرة المخالفة لأصول الشريعة من أساسها؟!

    وهكذا أهل الكلام في مسائل العقليات يؤولون النصوص ويلعبون بها، فمثلاً: إذا استدل عليهم مثبت الصفات من أهل السنة بقوله سبحانه وتعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، قالوا: معناها: (استولى)، مع أن (استوى) إذا جاءت معداة بـ(على) فإنه لا يكون معناها: الاستيلاء، وإنما يكون معناها: الارتفاع والعلو، كما يليق بجلاله سبحانه وتعالى، ثم إنهم يحارون مع بعض الآيات الأخرى، مثل قول الله عز وجل: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] فهل المعنى: ثم استولى على العرش؟! أي: قبل أن يستولي عليه كان العرش خارجاً عن ملكه؟!

    إذاً: هذا تأويل باطل للنصوص الشرعية.

    وهكذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله العلاقة الفكرية بين الصوفية وبين أهل الكلام، وأن الجميع يتفقون في عدم الأخذ من النصوص الشرعية أخذاً مستقيماً.

    يقول الشيخ: [وأصل كل ضلال من ضل إنما هو بتقديم قياسه على النص المنزل من عند الله، وتقديم اتباع الهوى على اتباع أمر الله عز وجل].

    تأويل الباطنية للبقرة

    لا شك أن من يتبع هواه يقدمه على النصوص الشرعية، كما هو حال الصوفية فيما ذكرنا، وكما هو حال المتكلمين فيما أسلفنا، وكذلك الباطنية عندما يقولون في قوله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67]، قالوا: هي عائشة ! فهذا اتباع للهوى.

    والقضية عندهم قبل أن ينظروا إلى الآية هي أنهم كرهوا عائشة رضي الله عنها لسبب أو لآخر، لأنه ثبت أن أصل دينهم مأخوذ من اليهود عن طريق عبد الله بن سبأ الذي أراد أن يعمل في الإسلام ما عمله بولس شاول في المسيحية والنصرانية، لكنه ما استطاع، فأتى بعقائد بدعية شركية, وهذه العقائد التي جاء بها عبد الله بن سبأ اليهودي الذي تظاهر بالإسلام هي نفسها العقائد التي يدندن حولها الباطنية اليوم، وهي نفسها العقائد التي يدندن حولها الرافضة في هذا الزمان.

    إذاً: القضية هي أنهم كرهوا عائشة رضي الله عنها لأي سبب من الأسباب، فلما كرهوا عائشة بدءوا يتلمسون النصوص الشرعية ويلعبون بها، كما يلعب الأطفال بالكرة والعياذ بالله، فقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67]، هذه قصة واضحة في بني إسرائيل في زمن موسى عليه السلام، حيث يبين لقومه أن الله أمرهم أن يذبحوا بقرة، والبقر معروف، فقالوا: المقصود بها عائشة . فكيف يذبح بنو إسرائيل الذين في زمن موسى عائشة وهي لم تولد بعد؟!

    فالمهم عندهم هو اللعب بالنصوص، وليس المهم هو القناعة، وهذه هي طريقة أهل البدع، سواء أكانوا من الغلاة الزنادقة الذين يخرجون عن الإسلام، أم من أهل البدع الذين شأنهم أقل بحيث إنهم ما زالوا في دائرة الإسلام ولم يخرجوا عن الإسلام، مثل الأشاعرة فيما يؤولونه مثلاً.

    تأويل المالكي لإقرار المشركين بالربوبية

    وهنا مثال آخر: فمن الحقائق القرآنية المقررة في كتاب الله عز وجل أن كفار قريش يقرون بالربوبية، كما هو نص الآية: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزمر:38]، فهذا نص واضح في أن كفار قريش يقرون بالربوبية كما دلت عليه هذه الآية، فجاء من يسمى بالسيد محمد علوي المالكي فقال: إن كفار قريش ما كانوا يقرون بالربوبية، فلما اعترض عليه بهذه الآية، قال: كفار قريش كانوا يكذبون! والجواب: هل الله عز وجل لا يعرف أنهم يكذبون؟! ولماذا لم يقل: قالوا هذا القول وهم كذبة؟!

    فالمهم هو اللعب بالنصوص، وهذا أحرجه نص فأراد أن يخرجه في أي واد من الأودية، فالمهم ألا يُحرج في عقيدته التي يدندن حولها ويدافع عنها.

    وهكذا عامة أهل البدع، وهذه طريقتهم، لا يقيمون وزناً للنصوص الشرعية؛ لأنها ليست هي المنطلق التي بنيت عليه العقائد عندهم، وإنما المنطلق: الأهواء، ثم بعد ذلك إذا أحرجوا بالنصوص يختلفون في كيفية تخريجها واللعب بها، فبعضهم يردها مطلقاً، وبعضهم يفسرها تفسيراً أعوج، وبعضهم يحاول أن يجتهد في محاولة تحريفها وإخراجها بأي مخرج من المخارج.

    إذاً: ليس الهدف الأساسي هو العمل بالنصوص, وليس المنطلق الأساسي أن العقيدة تكون مبنية على ما أخبرنا الله به في كتابه وأخبرنا به رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما هي عقيدة وراثية مأخوذة عن أجيال سابقة، فإذا أحرج دافع عنها كما هو الحال عند هؤلاء، وهكذا عباد القبور الذين يطوفون حولها، ويذبحون لها، وينذرون لها، ويستغيثون بها عندما يستدل عليهم بقول الله عز وجل: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الزمر:38]، يقولون: المقصود بالدعاء هنا العبادة، يعني: لا ما تعبدوهم وتصلوا لهم! مع أن الآية في الدعاء، والدعاء يشمل الاستغاثة، فيشمل قولهم: (مدد يا عبد القادر )، (مدد يا عيدروس )، مدد يا ست زينب )، يشمل هذا كله، وليس هناك مبرر لأن تحذف الآية هذا الحذف وأن تلغي منها نصف الدلالة تقريباً.

    إذاً: اللعب بالنصوص بهذا الأسلوب هو طريقة أهل البدع، والسبب في ذلك هو تقديم أهوائهم وقياساتهم العقلية على النصوص الشرعية.

    1.   

    الذوق والوجد عند المتبعين والمبتدعين

    يقول شيخ الإسلام رحمه الله: [فإن الذوق والوجد ونحو ذلك هو بحسب ما يحبه العبد ويهواه، فكل محب له ذوق ووجد بحسب محبته وهواه].

    الذوق المراد به أن العبد من خلال التعبد يصل إلى أذاوق ورغبات معينة، وهذه الرغبات ليست عقائد، ولا قضايا يقينية, وليست أموراً متفقاً عليها لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها كما هو حال القرآن الكريم، وإنما هي أذواق بحسب هوى الإنسان ورغبته، وبحسب شهوته النفسية في تلك الفترة التي جاءه فيها هذا الذوق.

    يقول: [فأهل الإيمان لهم من الذوق والوجد مثل ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الصحيح: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار).

    وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً)].

    فكل هذا الذوق لا يبنى عليه عقائد، وإنما هي أذواق إيمانية جاءت للإنسان من جراء العمل الصالح الذي قام به.

    وهذا ذوق أهل التوحيد، وهو أن يجد نشوة في نفسه من العبادة فيفرح بها وتستقر بها نفسه، وهذا من نعمة الله عز وجل وكرمه وجوده، ومن خيره وبركته التي أعطاها لهذا العبد الصالح، وأما أهل الكفر والبدع والشهوات فكل بحسب حاله ووضعه وحياته التي يعيش فيها.

    1.   

    رقص الصوفية وصياحهم في مواجهة الهدي النبوي

    ولهذا فإن الصوفية صوروا الإسلام بصورة بعيدة كل البعد عن جيل الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقته, فتجد أن الصوفية يطبلون، ويرقصون، ويصيحون، ويسقطون على وجوههم, فهل كان الصحابة يعملون هذا العمل؟! وهل عند الصوفية دليل على أن الصحابة كانوا يعملون هذا العمل؟! وما الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يترك هذا العمل؟! لو كان هذا العمل فيه خير لجمع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه الذين قاتلوا في بدر، وأعطى كل واحد منهم طبلاً وعوداً، وبدءوا يغنون ويرقصون ويزمرون ويلعبون، والرسول صلى الله عليه وسلم سيكون أول من يفعل ذلك منهم. ثم ذاك يقول: جاءني الوجد، وذاك يقول: جاءني الكشف!

    هل كان الصحابة رضوان الله عليهم عندما يقاتلون الروم يأتون إلى القبور ويتبركون بها؟! وهل كانت مقبرة البقيع في زمن عمر بن الخطاب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بفترة هل كانت مثل المقابر التي هي في غالب العالم الإسلامي اليوم؟! تأتي فتنظر إلى مقبرة فتظن أنها حي من الأحياء السكنية لكثرة القباب والبيوت الموجودة فيها، ولا تتصور أبداً أن هذه مقبرة، فإذا لم يقل لك أحد من أهل البلاد: هذه مقبرة فإنك تظن أنها حي سكني، وأن الناس يسكنون فيها. بل في بعض المقابر أناس يعيشون فيها، ويقولون: نسكن هنا لتأتينا نفحات الصالحين والأولياء الذين في هذه المقابر. وما كان هذا عمل الصحابة رضوان الله عليهم.

    فهل سكن أحد من الصحابة في البقيع؟! وهل بنوا عليها بنياناً؟

    ما ظهرت هذه الأمور إلا بعد أن ظهرت البدع والخرافات في أزمان متأخرة، فالصوفية غيروا معالم الإسلام العامة.

    1.   

    توقف الصوفية عن الجهاد

    ولا يعرف أن للصوفية دعوة جهادية قاتلت أعداء الله عز وجل في زمن من الأزمان.

    وقد يقول قائل: إنه من خلال التاريخ نجد أن هناك دعوات صوفية قاتلت الاستعمار في الأوقات المتأخرة، مثل المهدية مثلاً.

    وأقول: هذا ليس لكون الصوفية لديها منهج جهادي، بل يجاهدون لمسألة سياسية، كما يوجد -مثلاً- أشخاص من أهل السنة، وينتسبون إلى السنة، ويتركون الجهاد في سبيل الله في زمن من الأزمان وهو منهجهم، فالصوفية الأصل عندهم ترك الجهاد، وإنما يجاهدون لحاجة من الحاجات السياسية.

    إذاً: الصوفية خالفت معالم الرسالة وطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته التي كان يعيشها عندما كان في المدينة في تلك الفترة.

    1.   

    تعلق أهل الأهواء بأهوائهم

    يقول شيخ الإسلام رحمه الله: [قيل لـسفيان بن عيينة : ما بال أهل الأهواء لهم محبة شديدة لأهوائهم؟! فقال: أنسيت قوله تعالى: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ [البقرة:93] أو نحو هذا الكلام].

    يقول: هذه فتنة، وهي أن الإنسان يتعلق بهواه كما أشرب أهل العجل العجل بكفرهم، أو نحو هذا من الكلام.

    قال: [فعباد الأصنام يحبون آلهتهم، كما قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]].

    يعني: أشد محبة لله من محبة المشركين لأصنامهم، فالمشركون يحبون أصنامهم، ومحبتهم لأصنامهم محدودة، ومحبة المؤمنين لله عز وجل أكثر من محبة هؤلاء لأصنامهم, فأثبت في الآية أن المشركين يحبون أصنامهم، وذلك بسبب هذا الابتلاء، وهو أنهم أشربوا في قلوبهم هذه البدع.

    [وقال تعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ [القصص:50]، وقال: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ [النجم:23] يعني: ما ترغبه، وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23].

    ولهذا يميل هؤلاء ويغرمون بسماع الشعر والأصوات والآلات الموسيقية التي تهيج المحبة المطلقة التي لا تختص بأهل الإيمان، بل يشترك فيها محب الرحمن، ومحب الأوثان، ومحب الصلبان، ومحب الأوطان، ومحب الإخوان، ومحب المردان، ومحب النسوان، وهؤلاء هم الذين يتبعون أذواقهم ومواجيدهم من غير اعتبار لذلك بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة].

    وهذا مشاهد، فالحضرات عند الصوفية فيها رقص، وصياح، وعويل، وبكاء، وترديد الأشعار التي تكون في المحبة وفي العشق وفي الغرام وفي الهجران، كقوله:

    بنا وبنتم فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا

    ويحاولون أن يأتوا بالأبيات التي يكون فيها نوع من البعد والأسى والحرقة, وهذا شغل المغنين.

    فالمغنون يغنون بأن الهجران مؤلم، وأنهم يلقون التعب لعدم اللقاء بالمحبوب ونحو ذلك، ويغنون على هذه الطريقة.

    لكن بعض الصوفية يحاول أن يجعل المقصود بذلك الله سبحانه وتعالى, تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، وهذا لا يعني أننا لا نثبت المحبة لله عز وجل، بل المؤمن يحب الله سبحانه وتعالى، وهذا ما سبق أن بينه الشيخ حيث قال: إن لأهل السنة ذوقاً ووجداً ومحبة خاصة تكون مرتبة على الإيمان بالله، كما في الحديث: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً).

    فالرضا من أعمال القلب الإيمانية يورث هذا الذوق الرفيع عند الإنسان والمحبة الصادقة لله عز وجل، وكذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)، وهذا غاية التوحيد، وهو أن يكون الله عز وجل ورسوله هو المحبوب إليه، ولهذا لا يقدم كلام أحد على كلامه، ولا تفسره حسب هواك.

    والتوحيد والإيمان والتقوى توصل الإنسان إلى هذا الذوق الصحيح، لكن الرقص والطبل والغناء الذي عليه عامة الصوفية في عامة البلاد الإسلامية هو الذي يورث هذه الوجدانيات العامة التي ليست محددة لجهة معينة، فمحب النسوان ومحب المردان كل منهما يتكلم في الهوى والحب، ومحب الأوطان -كما ذكر الشيخ- ومحب الصلبان كل منهما يتكلم في الهوى والحب، وهؤلاء يتكلمون في الهوى والحب، فهؤلاء هواهم عام ليس محدداً ولا موجهاً، ولهذا يميل هؤلاء.

    1.   

    المخالف لما بعث الله به رسوله لا يكون متبعاً للدين

    قال شيخ الإسلام رحمه الله: [فالمخالف لما بعث الله به رسوله من عبادته وحده وطاعته وطاعة رسوله لا يكون متبعاً لدين شرعه الله أبداً].

    فالمخالف لا يمكن أن يكون متبعاً لدين شرعه الله عز وجل، كما قال تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا [الجاثية:18] هذا نوع، وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الجاثية:18] وهذا في المقابل، إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ [الجاثية:19]، بل يكون متبعاً لهواه بغير هدى من الله، قال الله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21].

    فلا يمكن أن يجتمع محبة الله مع محبة غيره في قلب عبد، والمقصود بالمحبة: المحبة العبادية التي تدل على التعظيم كما سبق أن بينا.

    قال: [وهم في ذلك تارة يكونون على بدعة يسمونها حقيقة يقدمونها على ما شرعه الله، وتارة يحتجون بالقدر الكوني على الشريعة، كما أخبر الله به عن المشركين كما تقدم، وقد سبق أن شرحنا كلامه هذا فيما سبق.

    وبهذا نكون قد انتهينا من الكلام على الطائفة الثانية من مراتب الضالين في الحقيقة الكونية.

    1.   

    الأسئلة

    الرد على المحتج ببشارة الرسول لأصحابه بالجنة على سقوط التكليف

    السؤال: كيف نرد على من يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل لأحد من الصحابة: إنه سقط عنه التكليف، لكن قد بشرهم بالجنة؟!

    الجواب: لما بشرهم الرسول بالجنة لم يتركوا العمل؛ لأنهم لم يفهموا من بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة أنه سقط عنهم العمل، وفي قصة حاطب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وما أدراك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شتم فقد غفرت لكم)، فليس المقصود بقوله: (اعملوا ما شئتم) فيما سيأتي، وإنما المقصود أن هذا العبد بلغ من التوحيد والإيمان ما لو عمل من المعاصي غير الكفر لكانت هذه المعاصي لا تزن شيئاً مع أعماله الصالحة، ولهذا فإن من قال لهم رسول الله هذا القول -مثل: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - ما تركوا الصلاة، ولا تركوا الصيام، ولا تركوا الحج، وما فهموا أن كلام الرسول عندما بشرهم بالجنة: اتركوا هذه الأعمال، أو: إنها ليست واجبة عليكم، أو: إن التكليف سقط، فلم يفهموا هذا، وإنما فهموا أنهم بعملهم الصالح سيصلون إلى الجنة بإذن الله تعالى.

    حكم الإشارة باليد عند ذكر الصفات

    السؤال: هل يجوز للمتكلم عن أسماء الله وصفاته أن يحرك يديه للإشارة إلى موضع الصفات، مثل أن يقول: إن لله عينين ويشير إلى عينيه؟ وهل ورد أن السلف كانوا إذا تكلموا في الأسماء والصفات قبضوا أيديهم حتى لا يمثلوا كلامهم، وإذا حكي الحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقبلها كيف يشاء) فما حكم من حرك إصبعه يقلبها عند الكلام؟

    الجواب: إذا كان يقصد التشبيه أثناء التحريك أو نحو ذلك فلا شك في أنه مبتدع وضال، وإن كان لا يقصد التشبيه فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرك يديه عندما يقول: إن لله عينين ويشير إلى عينيه.

    الموقف الشرعي من المالكي

    السؤال: ما موقفنا من المدعو محمد علوي المالكي ؟

    الجواب: محمد علوي المالكي قضيته معروفة سابقاً, ألف كتاباً سماه (مفاهيم يجب أن تصحح)، وقبله كتاب اسمه (الذخائر المحمدية)، وقد رد عليه هيئة كبار العلماء في المملكة، وبينوا أن ما في هذه الكتب عقائد كفرية تخرج الإنسان من الإسلام إلى الكفر، وبُلَِّغ ذلك، ونهي عن هذه العقائد الكفرية، وكان من هؤلاء المشايخ الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله تعالى رئيس مجلس القضاء الأعلى قبل الشيخ صالح اللحيدان حفظه الله، ومنهم -أيضاً- الشيخ سليمان العبيد ، وكان رئيساً لشئون الحرمين، وغيرهم من المشايخ الذين اجتمعوا -ومنهم الشيخ ابن باز - وقرءوا كتب المالكي وقرروا أن المالكي عنده عقائد كفرية تخرج عن الإسلام؛ لأنه يبيح الاستغاثة بغير الله، والتبرك، والطواف حول القبور، والنذر لها، لاسيما الرسول صلى الله عليه وسلم، ونقل في كتبه قواعد من القواعد التي هي من عقائد القبوريين, كما نقل أشعاراً وأقرها وسكت عنها. فيها استغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم، وطلب المدد منه، فلا شك أن هذا الرجل لا يستفاد منه البتة.

    ترك الصلاة كفر بالنص وليس تركاً لجزء العمل

    السؤال: من خلال تعريفكم للإيمان، والتفريق بين تعريف أهل السنة وتعريف الخوارج اتضح أن من ترك الصلاة ليس بكافر؛ لأنه ترك جزءاً من العمل، ولكن له أعمال أخرى، مثل الصوم، وصلة الرحم وغيرها من الأعمال؟

    الجواب: ليس المقصود هذا، فتارك جزء العمل عند أهل السنة هو الذي يترك بعض الأعمال الواجبة التي لم يترتب عليها تكفير في النصوص الشرعية، لكن ترك الصلاة ترتب عليه تكفير في النصوص الشرعية، فلو أتى بعامة الواجبات وترك الصلاة فليس بمسلم؛ لأن تارك الصلاة نص النبي صلى الله عليه وسلم على كفره بشكل واضح، وأجمع على ذلك الصحابة رضوان الله عليهم، كما نقل شقيق بن عبد الله وغيره أنه ما كان الصحابة رضوان الله عليهم يرون من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة.

    وصل الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756225862