إسلام ويب

شرح العبودية [10]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المنحرفون في باب القدر ليسوا على مرتبة واحدة في الضلال والانحراف، فمنهم من نفى القدر وأنكره، وهم القدرية والمعتزلة، ومنهم من نفى اختيار العبد في الفعل تماماً، وهم الجبرية، ويدخل تحتهم طوائف من الصوفية وهم من يسمون بغلاة الحقيقة الكونية الذين يحتجون بالقدر في كل ما يخالفون فيه الشريعة.

    1.   

    قراءة في كتاب حلية طالب العلم

    أهمية الآداب والأخلاق في حياة المسلم

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

    اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، إنك أنت العليم الحكيم.

    أيها الإخوة الكرام! سنبدأ -إن شاء الله- في هذا الدرس أولاً بقراءة شيء من كتاب (حلية طالب العلم) للشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد ، ثم بعد ذلك نبدأ بقراءة كلام شيخ الإسلام رحمه الله وشرحه حسب القدرة والمستطاع.

    وهذا الكتاب -وهو حلية طالب العلم- موضوعه الآداب والأخلاق، والآداب والأخلاق لهما أهمية كبرى في ميزان الشريعة، حيث إن العبد يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مدح الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالأخلاق فقال سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، فالأخلاق الكريمة والآداب الفاضلة مهمة جداً لكل المسلمين ولطلاب العلم على وجه الخصوص، فطلاب العلم بحاجة إلى الأدب وبحاجة إلى الأخلاق، وينبغي لطالب العلم أن يفهم أنه كما ينبغي عليه أن يتعلم الأحكام الشرعية والعقائد الصحيحة ينبغي عليه - أيضاً - أن يتعلم الآداب، وأن يتعلم الأخلاق الكريمة، فلا فائدة من علم بلا أدب، والأدب له أهمية كبرى، وقد كان السلف رضوان الله عليهم يبدءون بتدريس الأدب قبل العلم، والأدب من الإيمان، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الإيمان بضع وستون -وفي لفظ: بضع وسبعون- شعبة، فأعلاها: قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)، والحياء لا شك في أنه من أعظم الآداب والأخلاق الكريمة، وقد قال الصحابة رضوان الله عليهم: (تعلمنا الإيمان قبل القرآن) أي: تعلمنا الأدب والأخلاق والعمل الصالح والتقوى والإخلاص لله عز وجل قبل العلم، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً، وهذه قضية مهمة، وهي أنه ينبغي على طالب العلم أولاً أن يبدأ بالآداب والأخلاق والإيمان والتقوى والإخلاص لله سبحانه وتعالى قبل أن يبدأ بالمعلومات المجردة، فإن العلم له ثمرة وله مقصود، وهذا المقصود هو العمل، فإذا كان العلم لا يوصل صاحبه إلى العمل والأخلاق الكريمة والآداب الفاضلة فإنه لا خير فيه ولا نفع، فليس العلم معلومات مجردة يتلقاها الإنسان ويحفظها ويذاكرها مع أقرانه ليبرز فضله ويتميز على الآخرين، وإنما العلم أكبر من ذلك بكثير، فالعلم ينبغي على الإنسان أن يدرك أنه يهذب الأخلاق والطباع، ويربي النفس، وينمي الإيمان في القلب، وتنمو به شجرة التقوى في قلب الإنسان، فتثمر الأعمال الصالحة، واليقين، والصبر، والتوكل على الله سبحانه وتعالى، والإنابة إليه، والخشية، والخوف من الله سبحانه وتعالى، والمحبة له ولأوليائه، والبغض لأعدائه، فكل هذه الأعمال الإيمانية الكريمة التي هي ثقيلة في ميزان العبد يوم القيامة هي ثمرة العلم الذي يتعلمه، فإذا عرف الإنسان وإذا عرف طالب العلم أن العلم ليس مجرد حشد المعلومات وحفظها، وإنما هو العمل، والصبر، والأدب، والأخلاق العالية، والتصرف الحكيم، إذا عرف هذا الأمر فإنه سيهتم بالأدب وسيهتم بالإيمان، كما أنه سيهتم بالعلم، وحفظ الأدلة، وترتيب المسائل وفقهها.

    أهمية الأدب والأخلاق في حياة طالب العلم

    ومن الأمور التي يندى لها الجبين وجود طائفة من المشتغلين بالعلم الشرعي في الظاهر، فيشتغلون في العلم الشرعي بجمع المعلومات والاهتمام بالكتب ومعرفة أسمائها ومعرفة مصنفيها، وتكوين المكتبات في البيوت والحرص عليها، وحضور حلق العلم، والجلوس بين أهل العلم وطلابه، ثم يوجد من هؤلاء من يفتقد كثيراً من الآداب الشرعية التي ينبغي أن يهتم بها، وقد ألف السلف الصالح رضوان الله عليهم كتباً خاصة في آداب طالب العلم، فـالبخاري رحمه الله عندما ألف الصحيح أفرد كتاباً سماه (كتاب الأدب)، وأفرد كتاباً خاصاً سماه (كتاب العلم) أيضاً، وذكر في كتاب العلم الآداب التي ينبغي أن يتأدب بها طالب العلم، وكذلك الخطيب البغدادي رحمه الله ألف كتاباً سماه (الجامع في آداب الراوي والسامع)، وأبو سعد السمعاني ألف كتاباً سماه (أدب الإملاء والاستملاء)، وألف كذلك ابن مفلح الحنبلي رحمه الله كتاباً سماه (الآداب الشرعية) وكذلك ألف شمس الدين المرادي منظومة في الآداب وشرحت في كتاب عظيم في مجلدين، وهكذا اهتم السلف الصالح رضوان الله عليهم بهذا الموضوع، حتى قال بعضهم: من قعد به حسبه نهض به أدبه. يعني: قد يكون الإنسان من قبيلة ليست مشهورة بحسب، أو قد لا يكون له قبيلة، أو قد يكون إنساناً ضعيف الحسب والنسب، لكن يرتفع به أدبه، وعندما سأل عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين في زمانه الزهري رحمه الله عن أهل العلم والأدب في كل قطر فإذا هم الموالي، فتعجب عبد الملك بن مروان أن يكون الموالي هم أهل الأدب والعلم، فـعطاء بن أبي رباح كان عبداً مولى أسود قبيح المنظر، لكن كان يزدحم عليه الناس في مكة لأدبه وعلمه، فالقضية ليست قضية مناصب وليست قضية أشكال، وليست قضية أحساب وأنساب، بل القضية أكبر من ذلك، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، ولهذا قال الأول:

    ما وهب الله لامرئ هبة أفضل من عقله ومن أدبه

    هما حياة الفتى فإن فقدا ففقد الحياة أحسن به

    فإذا فقد الإنسان العقل والأدب ففقد الحياة خير له وأفضل.

    وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحرى الخير يعطه)، يعني: الذي يبحث عن الخير يعطه، (ومن يتوق الشر يوقه)، فالذي يتوقى الشر ويحرص على البعد عنه سيوقيه الله سبحانه وتعالى، والذي يحرص ويتحرى الخير فإنه سيعطاه بإذن الله تعالى.

    وهذا الكتاب هو كتاب جمع فيه الشيخ بكر أبو زيد مجموعة من الآداب والأخلاق الكريمة، ذكر فيها آداب الطالب في نفسه، وأدبه مع أستاذه وشيخه، وأدبه في حياته العلمية، وهو كتاب نافع ومختصر ولطيف.

    من أقوال السلف في الأدب وفضله

    وقبل أن نبدأ في قراءة المقدمة لا بأس أن أشير إلى بعض كلام السلف رضوان الله عليهم في فضل الأدب.

    يقول أبو زكريا العنبري رحمه الله: علم بلا أدب كنار بلا حطب، وأدب بلا علم كروح بلا جسد.

    وقال مخلد بن الحسين بن المبارك : نحن إلى كثير من الأدب أحوج منا إلى كثير من الحديث.

    ويقول ابن سيرين رحمه الله: كانوا يتعلمون الهدي -يعني الآداب والأخلاق والأعمال الكريمة- قبل أن يتعلموا العلم. فالعلم بعد الهدي وبعد الأخلاق.

    وقال مالك بن أنس لفتى من قريش: يا ابن أخي! تعلم الأدب قبل أن تتعلم العلم.

    ويقول ابن المبارك رحمه الله تعالى: من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن، ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة.

    فللأدب أهمية كبرى في حياة السلف رضوان الله عليهم، وسنتناول الفصل الأول من الكتاب في درس قادم بإذن الله تعالى.

    1.   

    موجز لما سبق شرحه من كتاب العبودية

    حقيقة العبودية

    أما كتاب العبودية فقد انتهينا فيه إلى موضوع مراتب الضالين في الحقيقة الكونية، وقد سبق أن عرَّفنا أولاً بالعبودية، وقلنا: إن العبودية والعبادة في اللغة هي الذل والخضوع، ولهذا يقول العرب: طريق معبد أي: مذلل ذللته الأقدام بالسير عليه.

    والعبودية في الشرع: هي الذل والخضوع لله سبحانه وتعالى، لكن في الاصطلاح الشرعي يضاف إلى الذل والخضوع المحبة، فلا عبودية بدون محبة؛ لأنه قد يذل الإنسان ويخضع لطاغوت متجبر وهو كاره له، فلا يقال: إنه عابد له. وأما المحبة وحدها فليست هي حقيقة العبودية؛ لأنه قد يحب الإنسان من لا يذل ويخضع له، كمحبته لزوجته أو لأولاده أو لقبيلته ووطنه أو نحو ذلك من أحوال محبة الإنسان العادية والطبيعية.

    فحقيقة العبودية وحقيقة العبادة الشرعية هي الذل والخضوع مع المحبة، فإذا اجتمع الذل والخضوع مع المحبة حصلت حقيقة العبادة، وقد سبق أن شرحناها بالتفصيل، ونقدنا بعض الطوائف في تعريف العبودية وشرحنا ذلك مفصلاً.

    أقسام العبودية

    ثم بينا أن العبودية تنقسم إلى قسمين: عبودية اختيارية، وعبودية جبرية قهرية.

    فأما العبودية الاختيارية فهي العبودية التي تنبع من اختيار الإنسان.

    وأما العبودية الجبرية والقهرية فهي ذل الإنسان وخضوعه لله عز وجل الذل المطلق والخضوع المطلق.

    وقد سبق أن بينا أن العبودية الاختيارية هي مقتضى توحيد الإلهية، والعبودية الجبرية القهرية هي مقتضى توحيد الربوبية، وبينا الفرق بين توحيد الإلهية وتوحيد الربوبية بشكل مفصل.

    المنحرفون في باب العبودية والآثار المترتبة على هذا الانحراف

    وبينا أن المنحرفين في موضوع العبودية هم طوائف، فبينا انحراف المرجئة، وهم أهل الكلام من الأشاعرة والماتريدية، وبينا سببه، وبينا الآثار المترتبة على هذا الانحراف، كما أننا بينا انحراف طائفة أخرى في هذا الموضوع، وهي الصوفية، وقلنا: إن الصوفية انحرفت في مبدأ العبودية وفي المنتهى، في الوسيلة وفي الغاية، فأما المبدأ فإنها انحرفت في مسألة كيفية السلوك إلى الله سبحانه وتعالى، حيث اختطت الصوفية منهجاً بدعياً في السلوك إلى الله عز وجل عن طريق الخلوات، وعن طريق الأذكار والأوراد البدعية التي تكون بترديد الاسم المفرد (الله) أو الاسم المضمر مثل: (هو، هو، هو، هو..) وهكذا حتى يصل الإنسان إلى الكشف، فهم في مبدأ العبودية انحرفوا، وفي طريق السلوك إلى الله عز وجل انحرفوا، وكذلك انحرفوا في النتيجة، وانحرافهم في النتيجة هو أنهم تصوروا أن النهاية والغاية التي يصل إليها السالك هو أن يعرف أن الله هو خالق هذا الكون، ويشهد خلقه سبحانه وتعالى، ومعنى الشهود هو رؤية الخلق أعياناً، ومعنى رؤية الخلق أعياناً عندهم أن يشعر الإنسان شعوراً لا يخالطه شك بأنه لا يوجد ذرة من ذرات هذا الكون إلا والله عز وجل وراءها، وهذا الكلام حق، لكنهم وقفوا عنده، فظنوا أن المطلوب من العباد هو هذا الاعتقاد فقط، وأنه إذا اعتقد الإنسان أنه لا يوجد شيء في هذا الكون إلا والله وراءه فقد وصل إلى نهاية العبودية، وهذا خطأ؛ لأن كفار قريش كانوا يعلمون أن الله هو الخالق الرازق، وما نفعهم هذا العلم، ويؤمنون بذلك، وما نفعهم هذا الإيمان، كما قال الله عز وجل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25]، فهم يعرفون أن الله هو الخالق الرازق، وما نفعهم ذلك؛ لأنهم جعلوا في أعمالهم وأقوالهم وأفعالهم وسائط بينهم وبين الله عز وجل يعبدون غير الله عز وجل بها، ولهذا يقول الله عز وجل: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106]، فأثبت لهم الإيمان في الأولى، وهي توحيد الربوبية وإثبات الخلق والرزق والإحياء والإماتة ونحو ذلك، ونفى عنهم توحيد الإلهية الذي هو الغاية القصوى من خلق الخلق ومن بعثة الرسل، كما قال الله عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وكل رسول يرسله الله سبحانه وتعالى إلى قومه يقول لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59].

    إذاً: النهاية التي عند الصوفية غير النهاية التي عندنا، فنهاية التعبد عندهم هي إثبات توحيد الربوبية، ونهاية العبودية عندنا هي إفراد الله عز وجل بالعبادة خالصة له.

    وسبق أن بينت الآثار العظيمة المترتبة على هذا الأمر، وقلت: إن الخلاف في الواقع المعاصر بين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وبين الصوفية في زماننا ليس خلافاً همجياً، وليس خلافاً صورياً، وإنما هو خلاف حقيقي، والذين قالوا: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب من الخوارج أو من التكفيريين، أو أنه يكفر المسلمين بالذنوب أو نحو ذلك ما قالوه اعتباطاً، بل قالوه بناء على عقيدة فاسدة موجودة عندهم، فنسبوا الشيخ - مع أنه على السنة المحضة الواضحة - إلى عقيدة التكفير وعقيدة الخوارج لينفروا الناس منه، وهذا سبق أن بيناه بشكل مفصل، ولما تكلمنا عن الصوفية قلنا: إنهم غلوا في توحيد الربوبية، وذلك أنهم غلوا في الإرادة الكونية التي هي موافقة للخلق.

    1.   

    المنحرفون في باب القدر ومراتبهم

    في هذا الدرس -إن شاء الله- سنبدأ بالكلام على مراتب الضالين في موضوع الإرادة الكونية، فالضالون في موضوع القدر - وهو الإرادة الكونية - ليسوا على مرتبة واحدة وليسوا على طريقة واحدة، وهذا مما ينبغي أن يعرفه طالب العلم، فإن طالب العلم ينبغي ألا يحاكم الناس جميعاً إلى رأي واحد، فلا نقول مثلاً: إن الصوفية كفار، ولا نقول: إن الصوفية من أهل السنة. فكلا هذين الطريقين باطل، لكن الصحيح أن نقول: إن الصوفية درجات وأنواع، وكل نوع له حكم خاص، فينبغي أن يفهم هذا طالب العلم، ولهذا نلحظ أن السلف كانوا يسمون الفرق الضالة أصحاب المقالات، أي أنهم يحاكمون كل صاحب مقالة إلى مقالته، ولو رجعنا إلى كتب المقالات السابقة لوجدنا أنهم يقولون: مقالة فلان كذا، ومقالة فلان كذا، ومقالة فلان كذا، وقد يكون الثلاثة هؤلاء جميعاً من طائفة واحدة، ومع هذا يفصلون المقالات؛ لأن كل مقالة لها حكم خاص بحسب مناقضتها للقرآن والسنة، وبحسب قربها من القرآن أو السنة أو بعدها عن القرآن والسنة أيضاً.

    فالضالون في موضوع القدر وفي موضوع الإرادة والحقيقة الكونية على مراتب، ويجمع هذه المراتب جميعاً وصف الجبرية، وقد سبق أن أشرنا إلى عقيدة الجبرية، وقلنا: إن المنحرفين في القدر طائفتان: الطائفة الأولى: المعتزلة.

    والطائفة الثانية: الجبرية.

    المعتزلة القدرية

    أما المعتزلة فهم القدرية، حيث نفوا القدر، وقالوا: إن الله عز وجل لم يكتب شيئاً عن العباد، وإنما الأمر مستحدث، والعبد يفعل الفعل وهو غير مكتوب عليه سابقاً، ويقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه ويحذف فعل نفسه، وينفون أن يكون الله عز وجل كتب مقادير العباد قبل أن يخلق الناس، ويقولون: إن العبد هو الذي ينشئ فعل نفسه، ولهذا يعاقب عليه أو يثاب عليه، وأما أن يكتب عليه العمل ثم يعاقب ويثاب فهذا مستحيل في أذهانهم وفكرهم، فقابلتهم طائفة أخرى على الضد والعكس -وهم الجبرية- فقالوا: العبد مثل الريشة في مهب الريح، فلا شيء له من الأفعال، وأفعاله كلها مخلوقة لله سبحانه وتعالى، وهو غير مسئول عن أي عمل من الأعمال.

    والحق وسط، وهو أن يقال: إن الله سبحانه وتعالى كتب مقادير العباد قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وإن العبد قبل أن يولد ويخرج من بطن أمه إلى هذه الدنيا مكتوب عليه أنه شقي أو سعيد، وهذا أمر مقرر في القرآن والسنة بشكل واضح، وكذلك نؤمن بأن العبد له إرادة وله اختيار، والمكتوب هو ما علمه الله سبحانه وتعالى مما سيفعله العبد قبل أن يفعله، فإن الله يعلم ما سيفعله العبد قبل أن يفعل الفعل، فكتب الله عز وجل ما علم من فعل العبد واختياره قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ثم العبد إذا جاء وقت الفعل سيختار، فإذا اختار لن يختار إلا ما علمه الله سابقاً، لكن هل علم الله السابق لاختيار العبد جبر له؟! ليس جبراً، وإنما هو علم؛ لأن الله عز وجل علمه ليس كعلم الآدميين، فعلمه ليس كعلمي وعلمك، وإنما هو - سبحانه وتعالى - يعلم كل شيء، وعلمه محيط بكل شيء، فالمكتوب هو علم الله سبحانه وتعالى بما سيختاره العبد، وأفعال العبد مرتبطة بإرادته، فإن حقيقة الفعل تكون بإرادة من الإنسان مع القدرة على العمل، فإذا وجد الهم من العبد نفسه والقدرة نتج الفعل مباشرة، فالفعل نتيجة للإرادة ونتيجة للقدرة، وهذه الإرادة والقدرة خلقها الله سبحانه وتعالى، فإن الإنسان لا يقدر على شيء، والله عز وجل يخلق فيه القدرة والإرادة، فهو سبحانه وتعالى خالق لفعل العبد على الحقيقة، ونحن - أهل السنة - نؤمن بأمرين: كتابة الله عز وجل لشقاوة الإنسان وسعادته قبل أن يولد، والأمر الثاني: إرادة العبد واختياره، وهو أمر يشعر به الإنسان في حياته.

    أما أهل البدع فإن بعضهم ضل في الأمر الأول، وبعضهم ضل في الأمر الثاني.

    الجبرية وأنواعها

    وقد سبق أن أشرت إلى أن الجبرية على نوعين: جبرية أهل الكلام، وجبرية الصوفية، فأما جبرية أهل الكلام فهم على نوعين أيضاً:

    الأول: الجهمية، وهم الغلاة الذين يجعلون فعل العبد الاختياري والاضطراري واحداً، وهم أتباع جهم بن صفوان ، وهؤلاء كفرهم السلف رضوان الله عليهم لمخالفتهم لصريح القرآن وتكذيبهم له.

    النوع الثاني: الجبرية المتوسطة، وهم الأشاعرة، فإن الأشاعرة قالوا بعقيدة الكسب، وحقيقة عقيدة الكسب هي الجبر، فإنهم يسمون العبد كاسباً لفعله مجرد اسم، وأما ثمرة الفعل فهي ليست للعبد، وأما الصوفية فإنهم جبرية أيضاً، وسبق أن أشرت أن هؤلاء جميعاً ليسوا على مرتبة واحدة، وليسوا على طريقة واحدة، ويمكن أن نقرأ كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لنتبين طريقة هؤلاء، وسنقرأ عن فرقتين من فرق الجبرية.

    1.   

    غلاة شهود الحقيقة الكونية وضلالهم في التكليف

    يقول الشيخ: [وهؤلاء الذين يشهدون الحقيقة الكونية - هي ربوبيته تعالى لكل شيء - ويجعلون ذلك مانعاً من اتباع أمره الديني الشرعي على مراتب الضلال: فغلاتهم يجعلون ذلك مطلقاً عاماً].

    يعني أنهم يقولون: إن العبد مجبور على فعل نفسه بشكل مطلق وبشكل عام، وكل العباد مجبورون على أفعالهم.

    [فيحتجون بالقدر في كل ما يخالفون فيه الشريعة].

    فأي عبد يزني فإنه يقول: هذا مقدر علي! أو يفعل الفواحش يقول: هذا مقدر علي! أو يأكل الربا، ويشرب الخمر، ويطوف حول القبور، ويعمل أي عمل من الأعمال المخالفة للشرع إذا حاسبه أحد وقال له: اتق الله! قال: هذا مقدر علي قبل أن أخلق! ونقول: صحيح أنه مقدر عليك، لكن أنت لديك اختيار، وستأتي شيء من تنبيهات شيخ الإسلام في الرد على هؤلاء.

    يقول: [وقول هؤلاء شر من قول اليهود والنصارى].

    لأن اليهود والنصارى يؤمنون بالأمر والنهي، وحقيقة قول هؤلاء إبطال الدين كله، بحيث لا يبقى عند الإنسان دين؛ لأن عندهم أن اليهودي معذور؛ لأن هذا قدر الله له، والنصراني معذور؛ لأن هذا قدر الله له، والبوذي معذور، والعلماني الملحد معذور، وكل أمم الأرض معذورة، ومن ثم سيدخلون هؤلاء بهذا الخليط العقائدي الفاسد في الجنة حسب فهمهم، وهذا لا شك في أنه شر من قول اليهود والنصارى، فاليهود والنصارى يميزون بين الناس، فيقولون: هؤلاء من أهل الجنة وهؤلاء ليسوا من أهل الجنة، ولا يقولون: كل الناس معذورون.

    يقول: [وهو من جنس قول المشركين الذين قالوا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:148].

    وقالوا: لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ [الزخرف:20] ].

    وهذه الطائفة سماهم شيخ الإسلام رحمه الله في غير هذا الكتاب: القدرية المشركية أو الشركية، وهم الجبرية الذين كانوا على طريقة المشركين الذين يقولون بأن العبد مجبور على فعل نفسه، وإن ملل الأرض كلها معذورة.

    الرد على غلاة شاهدي الحقيقة الكونية

    قال: [وهؤلاء من أعظم أهل الأرض تناقضاً، بل كل من احتج بالقدر فإنه متناقض؛ فإنه لا يمكنه أن يقر كل آدمي على ما يفعل].

    أي: لا يمكن أن يقر كل الناس على ما يفعلون، فلو نظرنا في الحياة لوجدنا أن هؤلاء يحاربون أولئك، وأن هذا يغتصب مال غيره، وهذا رجل قوي يقتل ضعيفاً، فكل هؤلاء معذورون، وما هو معنى العدل حينئذٍ؟ وماذا يعني اسم الله عز وجل العدل؟!

    إنه لا يمكن أن يكون هؤلاء جميعاً على حق، فأولئك يعبدون صنماً، وأولئك يعبدون نملاً وبقراً، وأولئك يعبدون الشمس، وأولئك يعبدون الله، فهل كل هؤلاء على حق؟! لا، فهذا لا يمكن من الناحية النظرية، ومن الناحية العملية لا يمكن أن يقر كل الناس على ما يفعلون، فهناك ظالم ومظلوم، وهناك أمم ظالمة تأكل أمماً أصغر منها، فالأمم التي أصغر منها مظلومة، وهناك أشخاص أقويا يعتدون على الضعفاء، ولا يمكن أن يقر الناس على هذا ويقال: إن هذا هو مقتضى القدر وإنهم معذورون، وإلا فما هو معنى الظلم في قاموس هؤلاء؟! فلا شك في أنهم سيحتارون، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: إنهم متناقضون. وتناقضهم واضح وظاهر.

    يقول: [فلا بد إذا ظلمه ظالم].

    يعني: هذا الرجل الذي يؤمن بهذه العقيدة إذا ظلمه ظالم.

    [أو ظلم الناس ظالم، وسعى في الأرض بالفساد، وأخذ يسفك دماء الناس ويستحل الفروج ويهلك الحرث والنسل ونحو ذلك من أنواع الضرر التي لا قوام للناس بها أن يدفع هذا القدر].

    ولا يقول: إنه حق؛ لأن الله قدره.

    [وأن يعاقب الظالم بما يكف عدوانه وعدوان أمثاله].

    وما هو معنى قول الله عز وجل: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:179]، فلماذا إذا قتل شخص شخصاً يقاد به؟! وهل يصح أن نقول: إن الله كتب عليه أن يموت وأن هذا يقتله، فنعذره على قول هؤلاء؟! إن هذا قول باطل لا تستقيم به إنسانية أبداً، وإنما قدر الله عز وجل يدفع بقدر الله.

    يقول: [فيقال له: إن كان القدر حجة فدع كل أحد يفعل ما يشاء بك وبغيرك].

    فإذا اعتدى عليك أحد ونهب مالك فارض، وإذا اعتدى أحد على أهلك فارض، وإذا قُتلت ظلماً وبهتاناً وعدواناً مع أن الحق معك فارض؛ لأن هذا القدر، ولا يمكن أن يقر على هذا.

    قال: [وإن لم يكن حجة بطل أصل قولك].

    ثم يقول شيخ الإسلام : [وأصحاب هذا القول الذين يحتجون بالحقيقة الكونية].

    يعني: بالربوبية العامة، وأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت.

    [لا يطردون هذا القول].

    يعني: لا يلتزمونه في كل أمورهم، وإنما هم يتبعون آراءهم وأهواءهم، ففي أشياء يقولون: هذا من قدر الله، وفي أشياء لا يقولون: هذا من قدر الله. فهؤلاء يتبعون أهواءهم، كما قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ [الجاثية:23].

    يقول: [كما قال فيهم بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري، وعند المعصية جبري أي مذهب وافق هواه تمذهب به].

    يعني: إذا طلبت منه الطاعة يقول: الله ما كتبها علي، وأنا حر أفعل ما أشاء وأترك ما أشاء، وعند المعصية يقول: أنا مجبور على هذه المعصية! فانظر إلى التناقض في مثل هؤلاء.

    فهذه هي الطائفة الأولى من طوائف الجبرية، وهم الجبرية المطلقة، وهؤلاء أقل كفراً من أهل وحدة الوجود الذين سبق الحديث عنهم.

    1.   

    المفرقون بين العامة والخاصة في التكليف

    يقول: [ومنهم صنف يدعون التحقيق والمعرفة، ويزعمون أن الأمر والنهي لازم لمن شهد لنفسه فعلاً وأثبت له صنعاً، أما من شهد أفعاله مخلوقة أو أنه مجبور على ذلك وأن الله هو المتصرف فيه كما يحرك سائر المتحركات؛ فإنه يرتفع عنه الأمر والنهي والوعد والوعيد].

    هذه الطائفة الثانية يفرقون بين صنفين من الناس: صنف غير معذورين، ويسمونهم العامة، ويقولون: هؤلاء يلزمهم الأمر والنهي، فإذا أمر الله بأمر لزمهم أن يفعلوه، وإذا نهاهم عن نهي لزمهم أن يتركوه، وهؤلاء يسمونهم العامة، أو أصحاب الشريعة.

    وصنف آخر عندهم يسمونهم الخاصة الذين شهدوا الحقائق الغيبية والأسرار المخفية، وهؤلاء الخاصة تسقط عنهم التكاليف، فلا يلزمهم أمر ولا يلزمهم ترك النهي، وهذه الطائفة الخاصة يقولون: عنهم إنهم تسقط عنهم التكاليف بشكل عام، فلا يلزمهم أي شيء، فلا تلزمهم صلاة ولا صيام ولا قراءة قرآن ولا جهاد في سبيل الله، ولا يلزمهم شيء من أعمال الإسلام مطلقاً، وأما الطائفة الأولى العامة فتلزمهم، وهؤلاء أقل من أولئك الذين يقولون: كل الناس - عامتهم وخاصتهم - مجبورون. فهؤلاء يقولون: هناك طائفة وصلت إلى مرحلة الجبر، وهي أن الله عز وجل أسقط عنها كل شيء، فكل ما يفعله الواحد منها من أفعال فهو من فعل الله عز وجل، وكل ما يقوله من أقوال فهي من قول الله سبحانه وتعالى، وحينئذ تسقط عنه كل التكاليف.

    وقد سبق أن أشرنا في الكلام عن الصوفية أن الصوفية عندهم ما يسمى بالحقيقة والشريعة، فعندهم أصحاب الشريعة هم العامة، وأصحاب الحقيقة هم الخاصة، وهؤلاء هم الذين تسقط عنهم التكاليف، وهؤلاء لا شك في أنهم كفار، أي الذين يقولون بأن هناك طائفة من الناس - ولو قل عددها - تسقط عنهم التكاليف، فهذا كفر بالله رب العالمين؛ لأنه تكذيب لقوله سبحانه وتعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فلم يستثن الله أحداً، وعندما ذكر الله عز وجل الأنبياء قال: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا [الأنبياء:90]، وهم أعلى من وصل في مرتبة العبودية، قال عنهم: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]، وحينئذ يقال: إن كلام من قال بهذا القول من الصوفية كفر يخرج عن الإسلام، وهذه هي إحدى نواقض الإسلام التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في نواقض الإسلام، فإنه قال: من اعتقد أن هناك طائفة غير مخاطبة بالأمر والنهي، أو يسقط عنها شيء من أحكام الشرع فقد كفر.

    شَبَهُ العلمانيين بهذه الطائفة

    ومثل هؤلاء من يعتقد أن الشريعة غير صالحة في هذا الزمان، ويقول: إن الشريعة نشأت في مجتمع بدوي، فالمجتمع البدوي الذي نشأت فيه الشريعة أول مرة كانت المواصلات فيه هي الحمار والجمل والبغل ونحو ذلك، وكانت الاتصالات عن طريق الأشخاص الذين يذهبون هنا وهناك، أما نحن الآن ففي زمن التطور، وفي زمن الثورة الصناعية التي لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، وفي زمن الكمبيوتر والإنترنت، وفي زمن الإعلام العالمي الضخم، وفي زمنٍ المواصلات فيه هي الطائرة، والأسلحة ليست هي السكين والسيف والدرع، وإنما هي الدبابات والصواريخ عابرات القارات، فنحن في زمن آخر متغير، وما دمنا في زمن متغير وفي حياة متغيرة، فلا بد من أن نخترع لأنفسنا منهجاً متغيراً، هذا المنهج لا دخل للشريعة فيه. فهؤلاء يشبهون أولئك، فأولئك أسقطوا التكاليف عن طائفة من أتباعهم، وهم الذين وصلوا إلى الحقيقة - كما يتصورون - من خلال الأعمال التعبدية الفاسدة التي يقومون بها، مثل الأذكار البدعية والخلوات التي يقومون بها.

    وهؤلاء ظنوا أن الشريعة لا يمكن أن تواكب العصر، وحينئذ نكتفي بالتاريخ المجيد والفترة الذهبية لهذه الشريعة، لكننا الآن نحن في زمن آخر لا حاجة لنا فيه إلى هذه الشريعة، وهذا كفر ولا شك فيه، ولا يخالف فيه أحد من أتباع الأديان جميعاً.

    ولهذا ينبغي أن يدرك الإنسان الربط بين عقائد الفرق الضالة مثل الصوفية وغيرهم وبين عقائد المعاصرين اليوم، وهم دعاة العلمنة والتغريب في حياة المسلمين.

    قولهم بأن من شهد الإرادة سقط عنه التكليف

    يقول الشيخ: [وقد يقولون - يعني هؤلاء الذين يسقطون التكاليف عن طائفة دون طائفة - من شهد الإرادة سقط عنه التكليف].

    يعني: من كان من أتباعه، أما العامة أمثالكم فالتكليف لازم عليهم.

    [ويزعم أحدهم أن الخضر سقط عنه التكليف لشهوده الإرادة].

    والخضر تعتبر قصصه وأخباره في الفكر الصوفي خرافة من الخرافات، فهم يعتقدون أن الخضر ما زال حياً إلى الآن، وأنه يلتقي بأئمتهم، ويلتقي بزهادهم وأوليائهم الكبار، وأنهم يتلقون عنه التوجيهات من العلم اللدني الذي عند الخضر، وهذا من خرافاتهم، فالخضر مات عليه السلام ورضي الله عنه، كما يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة).

    [فهؤلاء يفرقون بين العامة والخاصة الذين شهدوا الحقيقة الكونية، فشهدوا أن الله خالق أفعال العباد، وأنه مريد ومدبر لجميع الكائنات، وقد يفرقون بين من يعلم ذلك علماً وبين من يراه شهوداً، فلا يسقطون التكليف عمن يؤمن بذلك ويعلمه فقط، ولكن يسقطونه عمن يشهده، فلا يرى لنفسه فعلاً أصلاً، وهؤلاء لا يجعلون الجبر وإثبات القدر مانعاً من التكليف على هذا الوجه، وقد وقع في هذا طوائف من المنتسبين إلى التحقيق والمعرفة والوحيد].

    أي: هؤلاء ليسوا مثل الأوائل الذين جعلوا الجبر مانعاً من التكليف عموماً، ولكن هؤلاء خصوه بطائفة دون طائفة.

    سبب ضلال من ضل في التكليف

    يقول: [وسبب ذلك أنه ضاق نطاقهم عن كون العبد يؤمر بما يقدر عليه خلافه، كما ضاق نطاق المعتزلة ونحوهم من القدرية عن ذلك].

    ففي بعض الأحيان يكون أساس شبهة فرقتين متناقضتين واحداً، فقد تجد فرقتين متناقضتين أخذت كل واحدة منها شطراً ومكاناً آخر، وتجد أن المنبع والمنبت واحد عند الجميع، وهذا ما حصل عند القدرية وعند الجبرية، فالقدرية نفوا كتابة الله عز وجل لمقادير العباد، والجبرية أثبتوها إلى درجة إبطال الأمر والنهي، وجعلوا العباد مجبورين، والأساس واحد، وهو أن هؤلاء وهؤلاء لم يفهموا كيف أن الله عز وجل يقدر على العبد الشقاوة ثم يأمره بتحصيل السعادة شرعاً، فيقولون: لا يمكن أن يقدر الله عز وجل على عبد شيئاً ثم يأمره بخلافه، وحينئذ جاءت المعتزلة فقالت: ما دام أنه لا يمكن أن يقدر الله عز وجل على العبد شيئاً ثم يأمره بخلافه فمعنى هذا أنه ما قدر شيئاً، وإنما أمره بتحقيق السعادة، والعبد هو الذي يخرج عن نطاق هذا الأمر ويقع في المعصية.

    وجاءت الجبرية فقالوا: لا، بل العبد ليس له فعل، وإنما الله عز وجل هو الذي قدر عليه، وأساس منبت الشبهة واحد كما أشار إليه الشيخ، وهذا يحصل عند كثير من الفرق الضالة.

    ففي مسألة الإيمان تجد أن الخوارج والمرجئة مذاهبهم متعارضة ومتناقضة، وأساس شبهتهم واحدة، فالخوارج يكفرون من ترك جزءاً يسيراً من العمل، كمن ترك صلة الرحم مثلاً، ومن ترك صلة الرحم كافر عند الخوارج، وعند المرجئة أنه لو ترك جميع الأعمال فليس بكافر، فانظر إلى الفرق، وأساس الشبهة واحدة عند هؤلاء وعند هؤلاء، وهي أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فلما تقرر عند الخوارج أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص قالوا: إذا ذهب جزؤه ذهب كله، والعمل جزء منه، فقالوا بعقيدتهم الفاسدة، وجاءت المرجئة فقالوا: ما دام أنه لا يزيد ولا ينقص فالعمل لا يدخل فيه مطلقاً، وإنما حقيقته التصديق فقط، وحينئذ وصلوا إلى العقائد التي توصلوا إليها، فبعض الأحيان يكون أساس الشبهة واحداً ثم كل طائفة تتجه إلى طرف غير الطرف الذي تتجه إليه الطائفة الأخرى.

    1.   

    المعتزلة والجبرية بين الأمر والنهي والقضاء والقدر

    يقول: [ثم المعتزلة أثبتت الأمر والنهي الشرعيين دون القضاء والقدر اللذين هما إرادة الله العامة وخلقه لأفعال العباد].

    وذلك لئلا يحصل التناقض بين أمره للعباد بخلاف ما قدره عليهم.

    [وهؤلاء - يعني الجبرية - أثبتوا القضاء والقدر ونفوا الأمر والنهي في حق من شهد القدر، إذ لم يمكنهم نفي ذلك مطلقاً، وقول هؤلاء شر من قول المعتزلة].

    يعني: أن قول الجبرية المطلقة شر من قول المعتزلة.

    [ولهذا لم يكن في السلف من هؤلاء أحد، وهؤلاء يجعلون الأمر والنهي للمحجوبين الذين لم يشهدوا هذه الحقيقة الكونية].

    يعني أن قول الجبرية شر من قول المعتزلة، فإن أساس خلق الله عز وجل للناس في الأرض هو الأمر النهي، وبعثة الرسل مبنية على الأمر والنهي، والجنة والنار مبنيتان على الأمر والنهي، ولا شك في أن العقائد الصحيحة جزء من الأمر والنهي، لكن إذا كانت الموازنة بين فرقتين ضالتين ففرقة المعتزلة أقل ضلالاً من فرقة الجبرية، وإن كان الجميع ضالاً ومنحرفاً؛ لأن المعتزلة عظمت الشريعة فيما تظن، لكن بإبطال العقيدة، وأولئك عكسوا، فعظموا عقيدة القضاء والقدر بإبطال الأمر والنهي.

    وهؤلاء الجبرية من هذا الصنف الثاني الذين قسموا الناس إلى عامة وخاصة، وجعلوا الجبر مخصوصاً بالخاصة فقط، وأما العامة فليست بمجبورة، وإنما هي مطلقة في الأمر والنهي، هؤلاء يجعلون الأمر والنهي للمحجوبين الذين لم يشهدوا هذه الحقيقة الكونية، فعندهم أن الذي يجري عليه الأمر والنهي هو المعاقب المسكين من الذين لا يشهدون الحقيقة الكونية، لكن الأشخاص المتميزين الذين أكرمهم الله عز وجل بسقوط التكاليف عنهم هم أولئك الذين شهدوا الحقيقة الكونية، فجعلوا الأمر والنهي الذي هو عماد الدين عقوبة للعامة، وهذا من أعظم فساد العقائد الذي يوجد عند هؤلاء.

    يقول: [ولهذا يسقطون عمن وصل إلى شهود هذه الحقيقة الأمر والنهي].

    فيكرمونه إذا أسقطوا عنه الأمر والنهي، ويعاقبونه بجريان الأمر والنهي.

    1.   

    حجة القائلين بسقوط التكليف

    يقول: [وربما تأولوا على ذلك قوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]].

    فإنهم فسروا (اليقين) بالعلم، فظنوا أن اليقين هو العلم، فكأنهم فهموا أن الآية معناها: واعبد ربك حتى يأتيك العلم، والعلم يحصل عن طريق الكشوفات التي تحصل له، وعن طريق الأوراد، فإذا وصل إلى العلم قالوا: إن الله عز وجل أمر بالعبادة إلى غاية محددة، فقال: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، و(حتى) من معانيها الغاية، وفهموا (اليقين) بأنه العلم، فقالوا: اعبد الله حتى يأتيك العلم.

    ومتى يأتيك العلم؟ يأتيك العلم إذا توصلت إليه عن طريق الأوراد التي توصلك إلى الكشوفات فتصير من الخاصة، وحينئذ تسقط عنك العبادة هكذا فهموا، وهو فهم ضال منحرف، وإنما المقصود باليقين في قوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] هو الموت ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان بن مظعون : (أما هذا فقد جاءه اليقين من ربه) يعني: جاءه الموت، فسمى الموت اليقين، فمعنى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] اعبد الله عز وجل حتى تموت، ولهذا فإن الأنبياء وصلوا غاية العلم وما سقطت عنهم التكاليف، فلما عرض على هؤلاء الضالين هذا القول - وهو أن الأنبياء وصلوا إلى غاية فما سقطت عنهم التكاليف - قال: الأولياء أفضل من الأنبياء! حتى قال بعضهم:

    مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي

    فعندهم أن النبوة أقل من الولاية، والولاية أعظم منها، هكذا يتصورون.

    1.   

    حكم القول بسقوط التكليف

    يقول الشيخ: [فجعلوا اليقين هو معرفة هذه الحقيقة، وقول هؤلاء كفر صريح، وإن وقع فيه بالتقليد طوائف لم يعلموا أنه كفر].

    وهذا يدل على أنه قد يقع الإنسان في الكفر في بعض الأحيان وهو لا يعلم أنه كفر.

    يقول: [فإنه قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن الأمر والنهي لازمان لكل عبد ما دام عقله حاضراً إلى أن يموت، لا يسقطان عنه لا بشهوده القدر ولا بغير ذلك، فمن لم يعرف ذلك عُرِّفه وبين له، فإن أصر على اعتقاد سقوط الأمر والنهي فإنه يقتل كفراً].

    إذاً: الأمر والنهي لا يسقط في الحال العادي، وإنما يسقط إذا كان الإنسان مجنوناً، أو إذا كان صغيراً، أو إذا كان له عذر من الأعذار الشرعية المعروفة، أما السقوط العام بهذه الطريقة فهو كفر صريح، وهو - كما قلت - مثل مقالة من يقول: إن الشريعة لا تصلح في هذا الزمان، فنحن في زمان متطور والشريعة لا تصلح فيه، وكلاهما كافر وعلى عقيدة واحدة حقيقتها إلغاء لدين الأنبياء، وإلغاء للإسلام، فما دام أنه لا يصلح في هذا الزمان فقد انتهى الإسلام، وليس هناك داع لانتسابنا إليه، لكن هؤلاء - ليضحكوا على الناس - ينتسبون إلى الإسلام اسماً، ثم يأتون بهذه المقالات التي هي نسف للإسلام كله، فتجد أحدهم قد يسمى باسم المسلمين، فيكون اسمه عبد لله، ومع هذا تجد أنه يقول بمثل هذه المقالات؛ لأنه أخذ الدين وراثة، ولم يأخذ هذا الدين عن قناعة وعن فهم لحقائقه الشرعية.

    قال: [وقد كثرت مثل هذه المقالات في المتأخرين، وأما المتقدمون من هذه الأمة فلم تكن هذه المقالات معروفة فيهم، وهذه المقالات هي محادة لله ورسوله].

    وذلك لأن الله أمر بالشريعة عموماً، وهكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

    [ومعاداة له، وصد عن سبيله، ومشاقة له، وتكذيب لرسله، ومضادة له في حكمه، وإن كان من يقول هذه المقالات قد يجهل ذلك ويعتقد أن هذا الذي هو عليه طريق الرسل وطريق أولياء الله المحققين، فهو في ذلك في منزلة من يعتقد أن الصلاة لا تجب عليه لاستغنائه عنها، لما حصل له من الأحوال القلبية، أو أن الخمر حلال له].

    وعند كل الطوائف - حتى المرجئة - أن من استحل المحرمات فهو كافر، فهؤلاء العلمانيون الذين يرون أن الإسلام لا يصلح للتطبيق في هذا الزمان، وكذلك الحداثيون الذين يريدون هدم القديم بما فيه الأديان، هؤلاء كفار حتى عند المرجئة لا عند أهل السنة فقط، كفار عند أقل طائفة من طوائف المسلمين الذين حصروا الأيمان في مجرد التصديق فقط، فهم يكفرون هؤلاء العلمانيين ويكفرون هؤلاء الذين يسقطون التكاليف عن العباد بهذه الطريقة.

    قال: [لكونه من الخواص الذين لا يضرهم شرب الخمر، أو أن الفاحشة حلال له لأنه صار كالبحر لا تكدره الذنوب، ونحو ذلك].

    1.   

    الأسئلة

    حكم الاستغاثة بغير الله والرد على من يقول إنها ليست شركاً

    السؤال: بعض الإخوة يقول: إن من استغاث بغير الله من الأموات لا يكفر، ولا يرى أن في ذلك شركاً، ويحتج بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا أخاف على أمتي الشرك...) ويحتج بقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب)، ورتب على هذا أن الاستغاثة بغير الله ليست شركاً، فما قولكم؟

    الجواب: هذا القول باطل لأن من الحقائق الشرعية أن الدعاء - وأهمه الاستغاثة في حالة الكرب وفي حالة الحاجة - من العبادة، فإذا صرف لغير الله فهو شرك بإجماع المسلمين، وليس في هذا خلاف أبداً عند المسلمين، وقد بين الشرع كفر كفار قريش بأنهم يدعون غير الله عز وجل، ولهذا يقول الله عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، ويقول الله سبحانه وتعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ [الزمر:38] إلى آخر الآية، وهذا المقصود منه الدعاء، فلا شك في أن من استغاث بغير الله فهو مشرك.

    وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم) فيحمل على عدة معان:

    المعنى الأول: أن يتفق أهل الجزيرة كلهم على عبادة الشيطان، وهذا مستحيل.

    الأمر الثاني: أن تكون العبادة عبادة للشيطان نفسه، أي أن الشيطان يئس أن يعبد هو ذاته، فلا يمكن أن يكون في جزيرة العرب كلها من يعبد الشيطان في ذاته، وبناء على هذا فلا يكون في هذا الحديث أي إشكال على القاعدة الشرعية أن صرف العبادة لغير الله عز وجل يكون شركاً أكبر.

    الجمع بين إخباره صلى الله عليه وسلم بموت كل نفس بعد مائة سنة والخبر عن حياة الدجال

    السؤال: كيف نجمع بين الحديث: (ما من نفس منفوسة...) وعيش الدجال؟

    الجواب: الصحيح أن الدجال يموت ثم يأتي مرة أخرى في آخر الزمان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من نفس منفوسة).

    حكم قيادة المرأة للسيارة

    السؤال: ما حكم قيادة المرأة للسيارة؟

    الجواب: معروف أن قيادة المرأة للسيارة من أعظم الفتن التي لو حصلت لأحلت في حياة المسلمين ألوان الفساد والانحرافات، فكشف الوجه لم يعد خلافاً فقهياً، وإنما أصبح مسألة يريد أعداء الإسلام من دعاة تحرير المرأة أن يلجوا إلى إفساد المجتمع من خلالها، والقائلون بأن كشف الوجه واليدين جائز ما قالوا: إنه يستحب أن تكشف وجهها، والذين يلتزمون الآن كشف الوجه واليدين كأنه مستحب عندهم، فلم يعد الموضوع دائراً بين أن يرى المرء الشيء جائزاً فيفعله متى شاء ويتركه أحياناً، وبين أن يلتزم الإنسان الجائز طول عمره، فلماذا يلتزمون الجائز بهذه الطريقة؟! فإذا كان كشف الوجه واليدين جائزاً على قول من يقول به؛ فلماذا يلتزمونه بهذه الطريقة، بحيث أن المرأة لا تكاد تغطي وجهها أبداً، وتحتج بأن هناك من يفتي بأنه يجوز كشف الوجه؟! فهؤلاء في قلوبهم فتنة، وهم لا يقصدون فتوى من يقول بجواز كشف الوجه، ولا يريدون هذا الأمر، وإنما يحتجون بها من أجل أن يدفعوا الشناعة عن أنفسهم، وإلا فإن القائلين بأن كشف الوجه جائز يقولون بأنه عند الفتنة لا بد من أن تغطي، ولا يوجد أحد أبداً من علماء المسلمين يقول: إنه يجوز كشف الوجه بحيث ينشر صورةً على مجلة، ومع الأسف أن بعض المنتسبين إلى الدعوة الإسلامية أصبح يأتي بمجلات نسائية تكون فيها صورة لامرأة كاشفة لوجهها في المجلة، فمن قال من أهل العلم: إنه يجوز كشف المرأة لوجهها ثم تصبح صورة دائمة للنظر فيها؟! فهذا لا شك في أنه خطأ، وإذا كان الوجه يجوز كشفه فما هو الذي يميز الإنسان عن غيره؟! وفي أي شيء يكون الحسن؟! أيحرم على المرأة أن تكشف ساعدها وذراعيها ويحل لها أن تكشف وجهها؟! إن الحسن لا يتميز إلا بكشف الوجه، وإلا فبقية الأعضاء متشابهة عند الناس، لكن الوجه هو الذي يميز، ولهذا فإن قضية وجوب ستر الوجه أمر إجماعي متفق عليه، والذي يقول بجواز كشف الوجه قوله شذوذ ولا يجوز أن يقال به أبداً، حتى إن الحجاب -وهو تغطية الوجه- كان موجوداً عند أهل الجاهلية، يقول النابغة :

    سقط النصيف ولم ترد إسقاطه لما رأتنا فاتقتنا باليد

    يعني: وضعت اليد بيننا وبينه.

    فكيف يتميز النساء بعضهن عن بعض؟ وكيف تُعرف المرأة البيضاء من السمراء من السوداء مثلاً؟ وكيف تعرف المرأة واسعة العيون من ضيقة العيون؟ وكيف تعرف المرأة الجميلة من القبيحة؟ إن ذلك كله لا يعرف إلا بكشف الوجه، وهذا أمر معروف، لكن هؤلاء لا يريدون لهذه الأمة السلامة، بل يريدون لها أن تتبع سنن اليهود والنصارى في الاجتهاد في نشر الفاحشة ونشر الفساد في حياة الناس، ولا أظن أن أحداً من المسلمين اليوم يجهل أن هناك من يخطط لنساء المسلمين، لكن القضية المهمة التي ينبغي أن نهتم بها جميعاً هي قضية ما قدمناه نحن -الدعاة إلى الله عز وجل- لأسرنا أولاً، فالمتزوج منا ماذا قدم لزوجته من العلم والهداية؟ وماذا قدم لأخته؟ وماذا قدم لأمه من الدعوة إلى الله عز وجل والإصلاح والتوجيه؟ ولماذا الإهمال كائن عندنا - نحن الدعاة - في أسرنا؟!

    فهذه هي القضية هي التي تحتاج إلى بحث، وأما أعداء الإسلام فسيعملون وسيجتهدون، ولن يردهم إلا التزام الناس بدين الله عز وجل والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ومجرد الكلام عنهم ومعرفة خططهم صحيح أنه طيب، وأنه من استبانة سبيل المجرمين لكن لا يكفي هذا وحده، فلا بد من العمل الدءوب لنصرة هذا الدين، ومن الاجتهاد الدائم لتوجيه الناس لرب العالمين.

    أسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياكم بالعلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756356726