إسلام ويب

مجالس رمضان شهر القرآنللشيخ : أحمد فريد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • وصف الله عز وجل شهر رمضان بأنه شهر القرآن، وهذا يدل على فضل القرآن في هذا الشهر، ومدى ارتباطه به، فشهر منوط بكلام الله عز وجل حري بالمؤمن أن يعتني به، وأن يستغله في فهم كتاب الله تعالى وكثرة تلاوته فيه مع التدبر والتعقل، ثم إتباع ذلك بالعمل.

    1.   

    خصوصية شهر رمضان بالقرآن

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    ثم أما بعد:

    فشهر رمضان ليس شهر الصيام والقيام فحسب، ولكنه كذلك شهر القرآن، فله خصوصية بالقرآن، قال الله عز وجل: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]، فأنزل القرآن الكريم جملة في هذا الشهر المبارك، وفي ليلة مباركة وهي ليلة القدر، كما قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا [القدر:1-4].

    فالله عز وجل أنزل هذا القرآن قيل: جملة واحدة، في مكان يسمى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك منجماً على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وقيل: ابتدأ نزول القرآن في ليلة القدر من رمضان، والقرآن كله يسمى قرآناً، والآية الواحدة تسمى قرآناً. وقيل: ابتدأ نزول القرآن في هذا الشهر المبارك، وفي الليلة المباركة ليلة القدر، فالشهر له خصوصية بالقرآن.

    وروى الشيخان من حديث ابن عباس : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعارض جبريل القرآن كل ليلة في رمضان).

    فكان يعرض القرآن على جبريل عليه السلام، وعارضه القرآن مرتين في السنة الأخيرة من عمره صلى الله عليه وسلم، وأسر إلى فاطمة الزهراء بحديث فبكت رضي الله عنها، ثم أسر إليها بحديث آخر فضحكت، فلما سألت عائشة رضي الله عنها فاطمة الزهراء عما أسر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها قالت: (ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما لحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، أخبرت بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها بأن جبريل كان يعارضه القرآن مرة واحدة، وأنه في هذه السنة عارضه القرآن مرتين، وقال: ما أرى ذلك إلا لقرب أجلي، فبكت فاطمة رضي الله عنها، ثم أسر إليها بأنها أول أهله لحوقاً به فضحكت رضي الله عنها، وتوفيت فاطمة الزهراء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، فكانت أول أهله لحوقاً به).

    فهذا الشهر له خصوصية بالقرآن.

    كان الإمام مالك إذا دخل الشهر الكريم يترك الحديث ومجالسة أهل العلم، ويقبل على قراءة القرآن من المصحف.

    وكان سفيان الثوري يقول: إنما هو إطعام الطعام وقراءة القرآن، فينبغي على المسلم أن يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يدارس القرآن من هو أحفظ له منه في هذا الشهر المبارك.

    وكان من السلف من يختم القرآن كل عشرة أيام، ومنهم من يختم كل سبعة أيام، ومنهم من يختم في ثلاثة أيام، ورخص بعض العلماء في أن يختم القرآن في أقل من ثلاث في رمضان، لخصوصية يعني هذا الشهر الكريم بالقرآن.

    والقرآن جعله الله عز وجل هدى للمتقين كما أخبر الله عز وجل.

    والمؤمنون يزدادون إيماناً بسماع القرآن، ولا يزداد الذين في قلوبهم مرض إلا شكاً واضطراباً، كما قال الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2].

    فمقياس الإيمان الصحيح والصدق في الإيمان أن المسلم عندما يسمع القرآن يزداد إيماناً.

    وكما قال الله عز وجل: وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:124-125].

    فأهل الإيمان الذين في قلوبهم صدق وإيمان ومحبة وإخلاص لله عز وجل عندما يستمعون للقرآن يزدادون إيماناً، والذين في قلوبهم ريب وشكوك ونفاق لا يزدادون إلا شكاً واضطراباً، فهذا القرآن هدى للمتقين، والله عز وجل جعله شفاء لما في الصدور.

    وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء:82].

    فهو شفاء لما في الصدور.

    1.   

    أنواع الأمراض وعلاج القرآن لها

    والقلوب تصاب بنوعين من الأمراض: أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات.

    الأول: أمراض الشبهات كما قال الله عز وجل: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا [البقرة:10].

    قال مجاهد وغيره: شك، فالمرض هنا: هو الشك، أي: عندهم شك في صدق القرآن وفي وعد الله عز وجل، وفي صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    والنوع الثاني من الأمراض: أمراض الشهوات، كما قال الله عز وجل آمراً أمهات المؤمنين وبالأولى نساء الأمة: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32].

    فالمرض هنا هو مرض الشهوة؛ لأن المريض يضره ما لا يضر السليم، والسليم يدفع بصحته وسلامته أضعاف ما يمكن أن يتحمله المريض.

    فالقرآن يعالج أمراض الشبهات ويعالج أمراض الشهوات.. يعالج أمراض الشبهات بما فيه من أدلة قطعية وبراهين ساطعة، كما قال الله عز وجل: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:78-79]، قيل: نزلت هذه الآية في أحد الكفار، أتى بعظمة بالية ففركها ونفخها وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أويحيي هذا الله بعد أن رم؟ قال: نعم ، ويدخلك النار).

    أي: بعد أن صار رميماً وتراباً قال: (نعم ويدخلك النار).

    ونزلت هذه الآية الكريمة: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ [يس:78]، أي: نسي هذا الكافر الجاحد أن الله عز وجل خلق الإنسان ولم يكن قبل ذلك شيئاً مذكوراً، فالذي يأتي إلى عمارة أو إلى منزل ويقول: لو سقط هذا المنزل لا يستطيع أحد أن يقيمه مرة ثانية، لاتهمه الناس بالخبل؛ لأن الذي أقامه في المرة الأولى قادر ولا شك على إقامته في المرة الثانية، وهو أهون عليه، أي: أسهل عليه، وكل شيء هين على الله عز وجل: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان:28].

    فإماتة الخلق جميعاً وإحياء الخلق جميعاً سهل وهين على الله عز وجل، كإماتة نفس وإحياء نفس، فكل شيء هين على الله عز وجل.

    فعندما يسمع الإنسان هذه الآية الكريمة فإن أي شك في نفسه من البعث لا بد وأن يذهب، ولا بد أن يطمئن إلى صدق الله عز وجل: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:78-79].

    أما علاج القرآن لأمراض الشهوات فيكون بالتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة، فعندما نقرأ القرآن لا نجده يحدثنا عن المشاكل الحياتية اليومية التي نعيشها، بل يأتي على الدنيا فينسفها نسفاً: أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ [الحديد:20]، فالقرآن يأتي على الدنيا فينسفها نسفاً ويصور لنا الآخرة أنها هي الحياة الباقية: وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:64].

    فعندما يسمع المسلم القرآن أو يقرأ القرآن لا بد أنه يزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة، فإن حب الخطير هو الذي يمحو عن القلب حب الحقير.

    فبذلك يعالج القرآن أمراض الشبهات وأمراض الشهوات؛ ولذلك عندما نستمع للقرآن نجد راحة في قلوبنا، ونجد اطمئناناً في نفوسنا؛ لأن القرآن يزيل الشبهات والشهوات من القلوب، وعندما تستريح القلوب من الشبهات والشهوات لا بد أن تطمئن، وأن تسعد وتفرح بالله عز وجل.

    قال الله عز وجل: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21].

    فنسأل الله تعالى أن يوفقنا في هذا الشهر الكريم لتلاوة القرآن وتدبره، والاتعاظ بمواعظه، والقيام به بالليل، والعمل به بالنهار.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756232559