إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. أحمد حطيبة
  5. شرح رياض الصالحين
  6. شرح رياض الصالحين - وداع المسافر والدعاء له وطلب الدعاء منه

شرح رياض الصالحين - وداع المسافر والدعاء له وطلب الدعاء منهللشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من السنة توديع المسافر، والدعاء له، وطلب الدعاء منه؛ لأن السفر من مواطن قبول الدعاء، كما أن المسافر محتاج للوصية والدعاء من غيره، والسفر قد يكون من بلد إلى بلد، وقد يكون من دار الدنيا إلى دار الآخرة.

    1.   

    وصايا الأنبياء عند وداعهم وسفرهم إلى الآخرة

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    أما بعد:

    قال الإمام النووي رحمه الله: باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفر وغيره والدعاء له وطلب الدعاء منه.

    قال الله تعالى: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:132-133].

    وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم، الله في أهل بيتي) رواه مسلم .

    إن الإنسان إذا كان مسافراً أو مفارقاً الفرقة الكبرى فرقة الموت فإنه يودع ويوصي، فيدعو للمسافر ويطلب من المسافر أنه يدعو له.

    والوصية من الدين وكذلك النصيحة، فالإنسان يوصي أهله بتقوى الله سبحانه وتعالى، شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى:13].

    لقد شرع لنا ربنا سبحانه وتعالى هذا الدين الذي وصى به نوحاً على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وأولي العزم من الرسل، وصاهم بهذا الدين، أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ [الشورى:13] أي: أقيموا دين الله سبحانه وتعالى في أنفسكم وبين الناس وفي مجتمعكم، وكونوا مجتمعين على أمر الله ولا تختلفوا ولا تتفرقوا.

    وصية إبراهيم ويعقوب لأبنائهما

    قول الله سبحانه وتعالى وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ [البقرة:132]، وصى بها أي: بكلمة التوحيد فإنه وصاهم بأن يديموا إقامة دين رب العالمين وشرعته ومنهاجه سبحانه وتعالى، قال: يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ [البقرة:132] أي: اختار لكم دين الإسلام، فهو نعمة عظيمة وهدية من الله فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132].

    ودين الإسلام هو دين الرسل جميعهم عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، فقد اختار الله عز وجل للخلق هذا الدين العظيم (الإسلام)، اختار لهم أن يسلموا وجوههم وأن يسلموا قلوبهم وأبدانهم لله سبحانه وتعالى ليحكم فيهم بما يشاء فقال: وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، وأخبر أنه دين الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنهم كانوا يوصون أبناءهم به: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132].

    ووصى بها إبراهيم بنيه، ووصى بها يعقوب الذي هو: أبو يوسف على نبينا عليه الصلاة والسلام وصاهم أن يموتوا على هذا الدين العظيم، فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ [البقرة:132-133]، غيعقوب أبو يوسف الذي لقبه إسرائيل، لما حضرته الوفاة: قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي [البقرة:133]، وأبناؤه فيهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فجمع أبناءه وأحفاده وأوصاهم بتقوى الله سبحانه، وسألهم: من الذي ستعبدونه من بعدي؟ إنكم كنتم تعبدون الله وحده لا شريك له، فهل ستتمسكون بهذا الدين أم تتركون هذا الدين؟ وهو يعلم الجواب: قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ [البقرة:133]، الإله الواحد سبحانه، وَإِلَهَ آبَائِكَ [البقرة:133]، الذين هم: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحد لا نشرك به شيئاً سبحانه، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:133].

    فهذه الوصية ينبغي لكل مسلم أن يوصي بها نفسه وأن يوصي بها أهله وبنيه وغيرهم بأن يديموا عبادتهم لله سبحانه وأن تأتيهم الوفاة وهم متمسكون بهذا الدين.

    وإذا أردت أن تأتيك الوفاة وأنت على هذا الدين فتمسك به من الآن؛ لأنك لا تدري متى تأتيك الوفاة، فالمسلم مستحضر أنه ربما يموت الآن أو بعد قليل، فيكون متمسكاً بالدين لا يتركه أبداً إلى الموت.

    وصية النبي بكتاب الله وأهل بيته

    ومن الأحاديث ما رواه زيد بن أرقم قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر)، وكانت خطب النبي صلى الله عليه وسلم كلها مواعظ، فقد كان يعظ المؤمنين ويذكرهم بالله سبحانه وتعالى ويعلمهم.

    ثم قال: (أما بعد ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب)، وهذا فيه التذكير بالموت، وقد قال له ربه سبحانه: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30]، وقال له سبحانه وتعالى وللمؤمنين: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144].

    فأخبر عن نبيه صلى الله عليه وسلم أنه ميت كما أنهم ميتون، وأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنكم تزعمون أني آخركم موتاً بل سأموت قبلكم عليه الصلاة والسلام، ومات قبلهم صلوات الله وسلامه عليه، وهذه من معجزاته عليه الصلاة والسلام أن يخبر بأمر غيبي أخبره به الله عز وجل فكان على ما أخبر به عليه الصلاة والسلام.

    وطالما أنه ميت عليه الصلاة والسلام فكان يوصيهم بذلك، وكان من المواعظ ما يذكره أصحابه رضوان الله عليهم فقد قالوا: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، (قلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا).

    فالصحابة كانوا يفهمون من مواعظ النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد اقترب أجله عليه الصلاة والسلام فكان يعظهم ويذكرهم عليه الصلاة والسلام، إني مفارق لكم فاحذروا أن تفرطوا واحذروا أن تضيعوا قد تركت فيكم الثقلين، قال: (إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، كتاب الله وأوصيكم بأهل بيتي)، وكتاب الله يأمر بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بسنته عليه الصلاة والسلام، فهو وصى بالشريعة التي هي: كتاب وسنة، وأيضاً: وصى بأهل بيته، أي: لا تظلموهم ولا تبخسوهم حقوقهم، فلعل الناس يجاملونه في حياته صلى الله عليه وسلم، فإذا توفي نسي الناس أهل بيته وأزواجه صلى الله عليه وسلم، فيذكرهم أن يتقوا الله فيهم.

    فعرف الصحابة قدرهم وعرفوا قدر نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا يذهبون إلى نساء النبي صلى الله عليه وسلم ويتعلمون منهن ما كان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وغير ذلك من أحكام هذه الشريعة.

    فالنبي صلى الله عليه وسلم وصى بالقرآن يعني: بشرع الله الذي هو: كتاب وسنة، ووصى الناس بأهل بيته ألا يظلموهم، قال صلى الله عليه وسلم: (كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به)، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: (وأهل بيتي) يعني: أذكركم بأهل بيتي فلا تظلموا أهل بيتي، والغرض من الحديث أنه وصى صلوات الله وسلامه عليه الناس بكتاب الله وبأهل بيته عليه الصلاة والسلام.

    وصية النبي لمالك بن الحويرث وأصحابه

    عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة قال: وكان رسول صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقاً فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا!)، والنبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره الله عز وجل بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وكل إنسان يحافظ على نفسه، والنبي صلى الله عليه وسلم أكثر محافظة عليكم منكم على أنفسكم فهو: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، عليه الصلاة والسلام.

    ونجد هذا في وصاياه وتأديبه لأصحابه رضوان الله تبارك وتعالى عليهم، فقد كانوا يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة وعلى أثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله، فيقول لهم: (قولوا: ما استطعنا)، فيأخذ عليهم البيعة وهو أرحم بهم من أنفسهم فيقول: (قولوا: ما استطعنا) أي: لعلكم لا تقدرون على بعض هذه الأشياء فيكون لكم عذر عند الله سبحانه وتعالى.

    وهنا كذلك فإن مالك بن الحويرث ومعه أقارب له قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وهم شببة متقاربون، أي: شباب قد تركوا أهلهم وتركوا بلادهم وقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ليتعلموا منه، ومكثوا عنده عشرين ليلة، فلما أقاموا عنده كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقاً خلقه الرحمة والرفق، قال: فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا أي: فظن صلى الله عليه وسلم أنهم يريدون الرجوع؛ لذلك لم يتركهم حتى يقولوا: نريد أن نرجع، ولكن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم جعلته هو الذي بدأ فسألهم عمن تركوا وراءهم، فكأنه يذكرهم ارجعوا إلى أهليكم يكفيكم ما قد تعلمتم، وهذا من رحمته صلى الله عليه وسلم بهؤلاء وبغيرهم.

    قال: فأخبرناه فقال: (ارجعوا إلى أهليكم)، أي: الذي تعلمتموه هنا اذهبوا وعلموه أهليكم؛ ليكون لكم الثواب في ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: (ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم وأمروهم، وصلوا صلاة كذا!) في حين كذا! وربما أنه ظن أنهم غير متقنين لمواقيت الصلاة فعلمهم صلاة كذا! في حين كذا! وصلاة كذا في حين كذا، قال: (وصلوا كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم).

    يجوز (وليؤُّمكم أكبركم) ويجوز (وليؤَّمكم أكبركم) والأولى أوجه في اللغة لأن أصلها من أممه ففيها ميمان يأمم والجازم وقع على الثانية والأولى ما زالت مرفوعة فلذلك حركتها أولى بالبقاء هنا، فإن قيل: لماذا يؤمهم أكبرهم والمعروف أنه يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله؟ لماذا لم يقل: يؤمكم أعلمكم بكتاب الله وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم؟

    الجواب لا يصح هذا في هذه الحالة؛ لأنهم مكثوا عشرين يوماً مع النبي صلى الله عليه وسلم ولو حفظوا سيحفظ جميعهم مثل بعض، ولم يحاول أن يحفظ أحدهم أكثر من الثاني، فلم يبق تفاضل بينهم إلا بالسن، فطالما أنهم كلهم ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في وقت واحد وأخذوا العلم وحفظوا من القرآن خلال عشرين ليلة مثل بعض فلم يبق إلا (وليؤمكم أكبرهم)، وهذا لا يعارض ما جاء في أحاديث أخرى عنه صلى الله عليه وسلم قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإذا كانوا فيها سواء فأقدمهم هجرة).

    فيقدم الأحفظ لكتاب الله ثم الأعلم والأفقه بدين رب العالمين ثم الأقدم هجرة والأكبر سناً، لكن إذا لم يوجد إلا خيار واحد بأن يكونوا متساويين في القرآن والسنة والهجرة لم يبق إلا بالسن، قال: (وصلوا مثلما رأيتموني أصلي)، والغرض هنا بيان وصية النبي صلى الله عليه وسلم.

    ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم التوديع للمسافر وقد وصاهم حين ودعهم وأمرهم أن يرجعوا إلى أهليهم بالصلاة وهي آخر ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وقبل وفاته صلى الله عليه وسلم فإن آخر ما سمعوا منه: (الصلاة وما ملكت أيمانكم) أي: الزموا الصلاة، واحرصوا على الصلاة، لا تتركوا الصلاة، (الصلاة وما ملكت أيمانكم)، وملك اليمين هم: العبيد أي: احذروا أن تفرطوا في حق العبيد فإن الله عز وجل يقتص لهم يوم القيامة.

    1.   

    مشروعية طلب الدعاء من المسافر

    روى الإمام الترمذي من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإسناد فيه ضعف قال: (استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن وقال: لا تنسنا يا أُخيّ من دعائك، قال عمر : فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا)، في رواية قال: (أشركنا يا أخي في دعائك) يا أُخيَّ تصغير يا أخي، قال الترمذي : حسن صحيح، وفي إسناده عاصم بن عبد الله العمري ، قال الحافظ ابن حجر : ضعيف، فإسناد هذا الحديث ضعيف، لكن يجوز للإنسان إذا كان يودع إنساناً مسافراً أن يطلب منه الدعاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المسافر، ودعوة الصائم، ودعوة الوالد على ولده أو لولده)، ومن هذا الباب نقول للمسافر: لا تنسنا من دعائك.

    1.   

    دعاء المقيم للمسافر

    روى سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم جميعاً كان يقول للرجل إذا أراد سفراً، وكان من أشد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يحاول أن يقتدي به في كل شيء لآية: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21].

    حتى إنه إذا علم بالمكان الذي نزل فيه النبي صلى الله عليه وسلم وتبول فيه ينزل في هذا المكان أيضاً ويتبول فيه، يريد أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم راكباً على ناقته فجذب زمامها في مكان في الطريق لتقف أو لوى رقبتها لتقف فـابن عمر كان يفعل هذا الشيء ولو كان غير محتاج إليه، فقد كان يفعله اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فكان من أكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم واقتداءً به.

    فـعبد الله بن عمر كان يقول للرجل الذي يريد أن يسافر: ادنو مني حتى أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا.

    فكان ابن عمر رضي الله عنه يأتسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في توديع الإنسان المسافر ويعلمه السنة في ذلك، ويقول: (استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك).

    1.   

    شرح حديث: (أستودع الله دينك ...)

    كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول للمسافر: (استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك)، وهذا الحديث العظيم معناه جميل جداً لمن يتدبره

    يقول صلى الله عليه وسلم: (أستودع الله) يعني: أجعل هذه الأشياء التي تخصك وديعة عند الله أي: أسأل الله وأدعوه أن يحافظ لك على هذه الأشياء كما يحافظ المودع الأمين على الوديعة التي عنده، ولله عز وجل المثل الأعلى.

    (أستودع الله دينك) يعني: ما أنت عليه من دين الإسلام والمعنى: أدعو الله ألا يضلك وأن تظل ثابتاً على هذا الدين.

    (وأمانتك) سواء كانت الأمانة مع الله أو مع الخلق، فأسأل الله عز وجل أن يحافظ لك على أمانتك جميعها فتؤدي التكاليف الشرعية ولا تضيعها، فتحافظ على الصلوات في وقتها، وتحافظ على صومك، وتحافظ على ما تؤديه من أمانة الله وكذلك أمانات الخل.،

    (وخواتيم عملك)، وفي الحديث: (الأعمال بالخواتيم)، فقد يكون الإنسان على عمل صالح وفي آخر حياته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)، والعياذ بالله.

    وقد يكون على عمل غير صالح وفي آخر حياته يسبق عليه كتاب الله فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، فكأنه يودع هذا الإنسان ويسأل من الله عز وجل أن يحافظ له على هذا العمل حتى يختم له به.

    فتدعو للإنسان المسافر وتوصيه بتقوى الله لأنه سيكون غريباً في بلاد أخرى لست فيها، وليس هناك من يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر؛ لذلك توصي الإنسان حين يسافر إلى مكان بقولك: اتق الله سبحانه وتعالى، واحذر الفتن، واحذر النساء، واحذر أهل الفسق وأهل الضلال، واحذر الكفار؛ فلعله يرجع ولعله لا يرجع فتدعو له بقولك: (استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك).

    1.   

    ما يقال في توديع الجيش

    عن عبد الله بن يزيد الخطمي قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يودع الجيش قال: استودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم)، حتى الجيش الذي يسافر مجاهداً في سبيل الله يحتاج لهذه النصيحة ويحتاج لهذه الوصية ولهذا الدعاء، وهذا أولى من أن يذهب الإنسان إلى المسافر فيقول له: أعطني كذا وكذا! انتبه لنفسك من كذا! فأنت تجعل الله سبحانه وتعالى هو الذي يرعاه حين تدعو لهذا الإنسان المسافر، ولا مانع من أن تقول للإنسان المسافر: أعطني كذا وكذا! ولا مانع إن كان متهوراً أن تقول له: انتبه من نفسك، ولكن لا تنسى أن تدعو له بهذا الدعاء العظيم (أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك).

    1.   

    شرح حديث: (زودك الله بالتقوى...)

    روى الإمام الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أريد سفراً فزودني) أي: أعطني زاداً في هذا السفر، والله يقول: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197]، يعني: أعطني ما أستعين به في هذا السفر من نصيحة، فقال صلى الله عليه وسلم: (زودك الله بالتقوى)، زودك يعني: أسأل الله عز وجل أن يعطيك التقوى ويجعل التقوى زادك، ففرح بذلك وقال: زدني أيضاً، قال صلى الله عليه وسلم: (وغفر ذنبك).

    قال الرجل: زدني قال: (ويسر لك الخير حيثما كنت)، وهذا دعاء جامع لخير الدين والدنيا والآخرة، ماذا تريد بعد التقوى؟ وإذا كان زادك التقوى فاعمل أي عمل لله عز وجل، فإن الله يتقبله منك؛ لأن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27].

    وإذا كنت قد زودك الله التقوى فكل الأعمال الصالحة لن يدخلها رياء، فكلها ستكون لله وكلها يقبلها الله عز وجل، وإذا زودك الله التقوى سييسر لك الخير في كل مكان؛ لأن الله عز وجل يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].

    والتقوى رأس مال المؤمن، وهي عظيمة جداً وهي تفتح لك أبواب السعادة في الدنيا وفي الآخرة، وإذا زودك الله التقوى تقبل منك عملك ورزقك من حيث لا تحتسب وجعل لك مخرجاً، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:2-3]، وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5]، وتقوى الله جمعت كل خير في الدنيا وفي الآخرة.

    قال: (وغفر ذنبك)، فدعا له بالمغفرة، فإذا غفر الله عز وجل له انتظر الجنة من رب العالمين.

    قال: (ويسر لك الخير حيثما كنت) يعني: في أي مكان تكون أسأل الله أن ييسر لك الخير.

    وهنا ما قال له: الله يعطيك الذي تتمناه مع أن الإنسان يتمنى لنفسه خيراً كثيراً لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، وقد يتمنى الشيء ويأتي بغير حينه، فلا يكون له عند الإنسان منزلة، والإنسان قد يتمنى المال فحين يأتيه المال يفرح به، وقد يأتيه المال فتكون تعاسته هي أن يأتي له المال!

    والإنسان الذي كان مسافراً في الصحراء ثم ضلت ناقته فظل في الصحراء تائهاً لا يعرف أين يذهب وعطش عطشاً شديداً وأخذ يبحث عن ماء وحفر بئراً وحصل على كنز في الداخل فهل ينفعه هذا الكنز الآن؟ لا ينفعه بشيء، فهل هذا الكنز خير في مكان لا ينتفع به؟! يقول هذا الإنسان:

    أريد من زمني ماءً فيمنحني مالاً فما ذلك التنغيص يا زمن

    أينفع المال والإنسان في غصص تأتي عليه فلا قبر ولا كفن

    لا ينفع المال عند الموت صاحبه تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن

    فجاءت له الريح بالذي لا يشتهيها ربان السفينة.

    فهذا الإنسان في مكان لعله في غيره قد يطلب المال ويكون خيراً عظيماً له، فكان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يسر لك الخير حيثما كنت، أي: الخير الذي يناسبك في هذا المكان ييسره الله عز وجل لك، ولذلك ينبغي على المسلم أن يسأل الله عز وجل الخير في سفره، وأن يدعو للمسافر: (زودك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسر لك الخير حيثما كنت).

    نسأل الله عز وجل أن يزودنا التقوى في سفرنا للآخرة، وأن ييسر لنا الخير حيثما كنا، وأن يغفر لنا ذنوبنا.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755771281