إسلام ويب

تفسير سورة لقمان [28 - 31]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من آيات الله الدالة على قدرته وعظمته ووحدانيته: تعاقب الليل والنهار، الناتج عن دوران الأرض حول نفسها، والشمس والقمر يجريان بنظام موزون وتقدير محكم، فيشرقان من المشرق ويغربان من المغرب، إلى أن يأتي اليوم الموعود فيختل نظام الكون وتشرق الشمس من مغربها، وذلك يوم لا ينفع نفساً إيمانها، وكل ذلك دليل على أن الله هو الحق سبحانه وتعالى.

    1.   

    كلمات الله لا تحصى

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة لقمان: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [لقمان:28-31].

    يخبرنا الله سبحانه وتعالى عن عظيم قدرته التي بين شيئاً منها في هذه الآيات وما قبلها، فيخبر أنه سبحانه وتعالى يتكلم بما يشاء من حكمته، ومن علمه سبحانه، فيكلم عباده، وينزل عليهم كتبه، ولو أن كلام الله سبحانه سجل وكتب بأقلام، وهذه الأقلام من جميع أشجار الأرض، ولو أن كل ما في الأرض من شجرة صارت جميعها أقلاماً، والبحر كله صار مداداً وحبراً تمد به هذه الأقلام ويكتب به، والبحر ليس وحده ولكن من ورائه سبعة أبحر تمده، وتكلم الله سبحانه بأمره ونهيه، وشرعه سبحانه، وعلمه، وحكمته، لنفد هذا كله من أشجار وأقلام، ومن مداد وغيره، ولا تنفد كلمات الله سبحانه وتعالى، فالله عزيز غالب سبحانه، وهو حكيم لا يفعل شيئاً إلا بحكمة منه سبحانه وتعالى، يتكلم وقتما يشاء سبحانه بما يشاء، كيفما يشاء، بحكمته وبعلمه، وبقدرته سبحانه وتعالى.

    ويسمع من يشاء، فقد أسمع في هذه الدنيا موسى النبي عليه وعلى نبيا الصلاة والسلام، فكلمه سبحانه، وأسمع نبينا صلى الله عليه وسلم وهو فوق السماوات، وهو عند سدرة المنتهى، ويوم القيامة يكلم خلقه سبحانه، ويدخل المؤمنين الجنة ويرونه ويكلمهم بما يشاء سبحانه وتعالى، فالله عزيز وحكيم سبحانه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة...)

    يقول الله تعالى: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان:28]، فالله القدير سبحانه، والسميع البصير، خلق العباد ثم يبعثهم، خلق آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ونفخ فيه من روحه سبحانه، ثم جعل من ذريته هذا الكم الهائل العظيم الذي بثه ونشره وذرأه سبحانه على هذه الأرض، ثم وقتما ما يشاء يقبض الجميع، ثم يأمر بالنفخ في الصور ويقول: كُنْ فَيَكُونُ [البقرة:117]، فيرجع العباد مرة ثانية على وجه الأرض ليسألهم ربهم سبحانه، ويجازيهم على أعمالهم.

    وقد تعجب الكفار من ذلك: كيف يبعثهم الله مرة واحدة؟ فقال الله سبحانه: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان:28]، أي: أن الأمر هين على الله، وكم يرى الإنسان من خلق الله بالليل والنهار! فالله يخلق ما يشاء، وفي اليوم الواحد يولد على وجه الأرض آلاف من البشر، ويموت الألوف والألوف من البشر، فالذي أحيا هؤلاء وأمات هؤلاء أليس قادراً على أن يحييهم مرة ثانية بعد أن يهلكهم سبحانه؟ فالله سميع لما يقوله هؤلاء المكذبون لرسل الله عليهم الصلاة والسلام، والله بصير بأعمالهم وما يفعلون وما يكيدون لرسل الله عليهم الصلاة والسلام، وسوف يأتون إلى ربهم ليسألهم بعد أن يبعثهم يوم القيامة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ...)

    أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ [لقمان:29] فمن خلقه العظيم البديع أنه يولج أي: يدخل الليل في النهار، وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [لقمان:29]، فهذه قدرة عظيمة من الله سبحانه وتعالى، وهذه تعبيرات دقيقة في كلامه سبحانه وتعالى، وقد جاء هذا القرآن على النبي صلوات الله وسلامه عليه والعرب لا يفهمون أن يقال لهم: الأرض كالكرة، ولو قيل لهم ذلك لم يصدقوا هذا الشيء، ولسان حالهم: كيف تكون كرة ونحن نراها مبسوطة أمام أعيينا؟ هذا بعيد.

    والكتب التي نزلت على أهل الكتاب من عند رب العالمين قد حرفت، ولا يذكر فيها أن الأرض كروية، فيجيء أهل الكتاب ويكذبون ويقولون: الأرض ليست كروية، ويجيء العرب ويقولون: نحن لا ننظر هذا الشيء، والتعبير القرآني لا يقول: الأرض كرة، ولكن يسوق لنا آياته لتفهم، وكلما جد قرن من القرون كلما جاء أناس وفهموا ما لم يفهمه السابقون، ووجدوا في هذا القرآن الدليل على صدق ما يقول الله سبحانه، وكلما اكتشفوا شيئاً وجدوه في القرآن، وذلك في تعبيرات عظيمة من كلام رب العالمين سبحانه تصدق الأولين ولا تخالف ما وجده واكتشفه المتأخرون، بل يجدون ذلك الذي اكتشفوه في كتاب ربهم سبحانه وتعالى.

    وهنا آية من آيات الله سبحانه يقول فيها: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ، وفي آية أخرى يقول: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ [يس:37]، وفي آية أخرى يقول: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا [الشمس:1-3]، وفي آية أخرى يقول: لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس:40]، وفي آية أخرى يقول سبحانه: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62].

    فالذي ينظر إلى هذه الآيات يرى أن الأرض بحسب هذه التعبيرات جميعها لا تكون إلا كرة، ومن المستحيل أن تكون ثابتة، فلا بد أنها تتحرك في هذا الكون، فينتج عن حركتها الليل والنهار، ولا بد أن يخلف أحدهما الآخر، وليس معنى ذلك أن يأتي الليل والنهار، بل هم مع بعض في وقت واحد يتعاقبان، فهذا يخلف هذا، وهذا يخلف ذاك، وهذا ينسلخ من هذا، والآخر ينسلخ منه، فالتعبيرات القرآنية جميعها تدل على أن هذه الأرض عبارة عن كرة في هذا الفلك الدوار الذي خلقه الله سبحانه.

    قال تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا [يس:38]، والأرض تدور في هذا الفلك حول الشمس، الشمس مع مجموعة تجري في هذا الكون، فالأرض تدور حول نفسها، وتجري في هذا الكون بقضاء الله عز وجل وقدره سبحانه، ويجيء الليل والنهار ويتعاقبان فيها كما يشير الله سبحانه وتعالى بقوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ، فالأرض هي بشكلها الكروي، يأتيها الليل ثم يدخل فيه النهار، والنهار يأتي على منطقة أخرى، ويسلخ الليل خلفه، يقول العلماء: إن الكون كله مظلم، إلا المنطقة التي من الأرض المقابلة للشمس، وهي الغلاف الخارجي الذي خلق الله فيه أشياء تعكس ضوء الشمس على هذه المنطقة فقط، فالقشرة الخارجية من الأرض حين تقابل الشمس إذا بالشمس تتضح عليها.

    وانظر إلى التعبير الدقيق في قوله سبحانه: وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا [الشمس:3]، فالذي لا يفهمه قد يقول: إن الشمس هذه تجلي النهار، وتوضحه، والعجيب أن التعبير القرآني يدل على أن النهار يجلي الشمس؛ لأن النهار عبارة عن غلاف رقيق حول الكرة الأرضية، فيه أتربة، وأشياء دقيقة، فإذا واجه الشمس انعكست عليه وظهرت الشمس في هذا المكان، فهو الذي يجليها، ولذلك هذا الغلاف نفسه عندما يتحرك مع حركة الأرض يكون بعيداً عن الشمس، فلا تظهر الشمس في هذا المكان وإنما يظهر الليل الذي حوله، ولذلك فالمراكب والسفن الفضائية عندما تخرج خارج غلاف الأرض يجد من بداخلها أن الكون كله مظلم، وكأن هذا الغلاف هو الذي وضح الشمس بداخل الأرض، فإذا خرجوا عنه يرون كوناً مظلماً.

    قال الله سبحانه: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ [يس:37]، فالكون كله ظلمة ليل، والجزء المواجه للشمس -وهو الغلاف الجوي- يظهر هذه الشمس فتنعكس عليه فيأتي النهار، فإذا دارت الأرض إذا بها تتحرك ويبتدئ المكان يظلم شيئاً فشيئاً إلى أن يصير ليلاً مظلماً، والجزء الآخر المواجه لهذه الشمس مضيء، ولا يزال الأمر على ذلك، يخلف أحدهما الآخر، فالأرض تدور حول نفسها، ويكون الليل في المكان البعيد عن الشمس، والنهار في الوجه المواجه لهذه الشمس، ولا يزال الأمر هكذا، فقد جعل الله تعالى الليل والنهار خلفة، أي: يخلف أحدهما الآخر.

    قال الله تعالى: لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس:40].

    تحرك الكون ودورانه

    فالله عز وجل يخلق في هذا الكون ما يشاء، والكون يتحرك وكل شيء متحرك فيه بحركة عجيبة، فالكواكب تدور حول نفسها بحركة معينة، وحول مركز الكون بحركة معينة، وكل الكون يدور بطريقة لا يشبهه فيها إلا المسلمون فقط، وذلك عند الكعبة، فالطواف حولها عكس حركة الساعة، وكل الكون يدور بهذه الطريقة؛ الشمس والقمر والنجوم، وكل شيء، فإذا انعكس هذا النظام عرف أن آية من الآيات الكونية ستكون قريبة، وهي شروق الشمس من مغربها، بعد أن كانت كل يوم تشرق من المشرق، وتغرب من المغرب، وبعد أن كانت الأرض تدور عكس عقرب الساعة سيجيء في يوم من الأيام تقل سرعة الأرض إلى أن تقف في مكانها، وبعد ذلك تتحرك بعكس ما كانت تتحرك عليه، في هذا اليوم تشرق الشمس من مغربها كما أخبر النبي صلوات الله وسلامه عليه.

    وهذه الآية العجيبة التي لم يصدقها البعض قد اكتشفها علماء الفلك، حيث يقولون: إنه في يوم من الأيام ستقل سرعة الأرض، وهذا قد حدث لكوكب المريخ حيث أشرقت الشمس من مغربه، وهذه آية من آيات الله سبحانه، فالمريخ يدور بطريقة معينة كالأرض، ثم قلت سرعة دورانه حتى وقف في مكانه، وانعكست حركته فلف حول نفسه من الناحية الأخرى يوماً واحداً ورجع ثانية إلى الحركة الأولى، فكذلك يوم القيامة تكون من علاماته الكبرى أن تشرق الشمس من مغربها، فكل يوم تستأذن الشمس ربها أن تشرق من المشرق، وفي هذا اليوم الوحيد تأتي الشمس ويؤخرها الله عز وجل، ولا يأذن لها، فإذا بالشمس تقف في مكانها، فتقل سرعة الأرض، ثم تدور إلى الناحية الأخرى فيكون مشرق الشمس من مغربها، وفي هذا اليوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانا خيراً، وهذه علامة من العلامات الكبرى للساعة، وبعد ذلك تشرق الشمس من مشرقها كالعادة، فهو يوم واحد يحدث فيه هذا الشيء، فآمن من آمن، وكفر من كفر، وعلم الناس أن هذا مؤمن، وهذا كافر، وانتهى أمرهم على ما طبع الله عز وجل عليهم، ثم تقوم الساعة بعد ذلك حسب ما يشاء الله سبحانه وتعالى.

    والغرض: بيان أن الله يرينا قدرته العظيمة، فيأتينا بالليل ويأتينا بالنهار سبحانه وتعالى: لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ [يس:40].

    وآية النهار هي الشمس، وآية الليل القمر، وكل في فلك يسبح، ويمشي في المكان الذي قدر له، حتى يأتي يوم القيامة فإذا بالشمس تكور وإذا بالقمر يخطفه الله سبحانه وتعالى، وإذا بالنجوم تنكدر وتأتي الآيات الكبرى للساعة.

    قال الله تعالى: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ التسخير: هو تسيير جبري، فالله سخر الشمس، فهي في مدارها الذي خلقها الله عز وجل فيه، تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا [يس:38]، حتى يأتي أمر الله سبحانه وتعالى في يوم من الأيام، وسخر القمر، فجعله يدور مع الأرض حول هذه الشمس، ويدور حول الأرض، فيأتي الليل ويأتي النهار، ونرى آية الليل وآية النهار.

    حال الشمس والقمر يوم القيامة

    قال الله تعالى: كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [لقمان:29]، أي: ليس إلى الأبد بل إلى أجل مسمى، وإلى أن تأتي القيامة، والشمس قد عبدها أناس، والقمر عبده أناس، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (الشمس والقمر ثوران عقيران في النار)، فالشمس تكون يوم القيامة كالثور المعقور المذبوح في نار جهنم، والقمر كذلك، والشمس هذا الكوكب المشتعل الملتهب الذي تبلغ درجة حرارة غلافه الخارجي فوق الستة آلاف درجة، وفي باطنه تتجاوز الستة ملايين درجة، فهذه الشمس المشتعلة وهذا القمر سيكونان يوم القيامة مشتعلين في نار جهنم، زيادة في التسعير على أهل النار من الكفار الذين عبدوا الشمس والقمر.

    فيقال لهم: من كان يعبد شيئاً فليتبعه. فيقولون: بلى، فإذا بالله عز وجل يصور لهم هذه الشمس فيرونها فتجري ويجري عبادها وراءها إلى نار جهنم، فيحرقون بها وبنار جهنم والعياذ بالله، والقمر كذلك، يجري ويجرون وراءه إلى النار، وهذا ليس تعذيباً للشمس ولا القمر، بل هو تعذيب لمن كان يعبدهما.

    قال تعالى: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ [لقمان:29]، تقول: هذا مسخر، أي: ذليل خاشع مطيع مسير، لا يقدر أن يعترض، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ [لقمان:29] منهما يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [لقمان:29]، إلى أن يأتي يوم القيامة، قال تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ [التكوير:1-3]، إلى آخر الآيات التي ذكرها الله عز وجل فيما يكون في يوم القيامة.

    قال تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [لقمان:29]، الخبرة: دقة العلم، فالله سبحانه خبير بما تعلمون، فهل عبدتم الله أم عبدتم الشمس والقمر؟

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ذلك بأن الله هو الحق...)

    قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ [لقمان:30] أي: ذلك الذي ذكرناه من فعل الله سبحانه وتعالى، ومن قدرته وعظمته سبحانه وتعالى، وقوله: (بأن الله)، الباء هنا للسبب؛ أي: لأنه سبحانه وتعالى هو الحق، وما سواه باطل، فهو الإله الحق، الخالق، الرب وحده لا شريك له، وكل آلهة من دون الله عز وجل باطلة، وقوله: وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ [لقمان:30]، أي: ما يعبدون من دون الله عز وجل باطل، وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [لقمان:30]، سبحانه، فالإنسان عندما ينظر إلى الشمس وهي عالية، فالله أعلى وأجل سبحانه وتعالى.

    في يوم أحد لما وقف أبو سفيان يشمت بالمسلمين ويقول: اعل هبل، اعل هبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين: (ألا تجيبون؟)، هذا الكافر المجرم يقف في هذا اليوم ويقول ما يقول -وهذا قبل إسلامه- فيقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: (ماذا نجيبه؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل)، سبحانه وتعالى.

    إذا نظر الإنسان إلى آية من الآيات سيجد أنها كبيرة جداً، ولكن الله أكبر سبحانه وتعالى، ولذلك تدخل في صلاتك بقول: الله أكبر، لتقطع كل شواغل الدنيا عن نفسك، فإذا كان من مشاغل الدنيا شيء كبير كالعمل والتعب والمصائب فاقطعها عن نفسك، وكان من الحكمة إذا صعدت جبلاً والكون يصغر من حولك فتقول: الله أكبر، فكان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد مكاناً مرتفعاً أن يقول: الله أكبر، وهذا مناسب لهذه الحال، فالإنسان يرى الجبل عالياً كبيراً، والله أكبر، وإذا نزل الإنسان من مكان منحدر إلى أسفل يستشعر أنه ينخفض فيقول: سبحان الله، فكل شيء في الكون يعلو وينخفض، ولكن الله العلي الكبير سبحانه منزه عن أي نقص سبحانه وتعالى، قال: وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ والْعَلِيُّ: البائن من خلقه، المستوي على عرشه سبحانه، فوق سماواته وفوق خلقه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله....)

    يقول الله لعباده: أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ [لقمان:31].

    وهنا آية من آيات الله سبحانه وتعالى، كقوله تعالى: وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ [غافر:81] أي آية من هذه الآيات تنكرونها؟ فقوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي الفلك: هي السفن، تجري في البحر بنعمة الله، أي: بفضله سبحانه سيرها، وسخرها، وسخر الماء، وسخر الرياح، وسخر العقول التي يخترعون بها هذه الآلات، وهذه نعمة من نعم الله عز وجل.

    قال سبحانه: تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ أي: آية الليل والنهار وآية البحار والرياح والسحاب والاهتداء في الطريق في البر والبحر، وآية العقول التي تصنع بها هذه الأشياء، ويسخر الله عز وجل بها ما يشاء، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لمن؟ لمن يتدبر الآيات، لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [لقمان:31]، فالإنسان المتهور المندفع لا يفهم، يتكلم كلاماً ولا يفهم ما يقول، كما كان الكفار يفعلون، لكن الإنسان الذي يصبر ويفكر ويتأمل يصل في النهاية إلى حب الله سبحانه، وإلى عبادة الله، وإلى شكر الله، فالصبار من كان عنده صبر ويقين بالله سبحانه وتعالى، وعنده شكر؛ لأنه رأى النعم فشكر الله عز وجل على نعمه.

    نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755939122