إسلام ويب

خلق الحياءللشيخ : سيد حسين العفاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن لكل دين خلقاً، وخلق دين الإسلام الحياء، والحياء له فضل ومنزلة عظيمة عند الله عز وجل، وهو على أقسام أعلاها حياء العبد من ربه، فيقلع عن المعصية، وبالحياء يرزق المؤمن الخوف منه سبحانه لا من غيره، وحياء الأنبياء والصالحين نبراس لنا في ترك معاصيه سبحانه، والائتمار بأوامره.

    1.   

    خلق الحياء ومنزلته في شعب الإيمان

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين، ثم أما بعد:

    حديثنا اليوم بعون الله وتوفيقه إليكم عن العلم الأكبر كما قال ابن عطاء ، وعن رأس مكارم الأخلاق كما قالت السيدة عائشة ، عن خلق الإسلام: الحياء.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لكل دين خلقاً، وإن خلق الإسلام الحياء)

    والحياء تعبد لله عز وجل بأسمائه: الحيي والرقيب والعليم والخبير والشهيد.

    وهي حالة تنشأ كما قال الجنيد رحمه الله من رؤية الآلاء ورؤية التقصير، أي: رؤية نعم الله تبارك وتعالى عليك، وتقصيرك ومعاصيك، فتنشأ بينهما حالة تسمى الحياء.

    قال الله تبارك وتعالى: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14].

    وقال تعالى: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المجادلة:6].

    وقال تعالى: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا [الأحزاب:52].

    وقال تعالى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:80].

    وقال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16].

    وروى الإمام أبو داود في سننه بسند فيه انقطاع، ووصله الطبراني في الصغير والبيهقي في سننه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث من فعلهن فقد طعِم طَعْم الإيمان: من عبد الله وحده، وعلم أنه لا إله إلا هو، وأدى زكاة ماله طيبة بها نفسه، رافدة عليه كل عام، ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة، ولكن من أوسط أموالكم)، وزاد البيهقي : (وزكى نفسه، فقال رجل: وما زكى نفسه يا رسول الله؟! قال: أن يعلم أن الله معه حيث كان).

    وقال سيدنا عبد الله بن عمر : لن يجد العبد صريح الإيمان حتى يعلم أن الله معه حيث كان، فلا يعمل بسر يفتضح به يوم القيامة.

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء خير كله).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء لا يأتي إلا بخير).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من شعب الإيمان).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء والعي شعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق).

    والعي: هو عدم الخوص باللسان كثيراً؛ مخافة أن يقع الإنسان في الباطل.

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما كان الحياء في شيء إلا زانه، وما كان الفحش في شيء إلا شانه).

    فعكس الحياء: القحة والبذاءة.

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله حيي ستير يستحيي أن يرفع إليه العبد يديه فيردهما صفراً خائبتين).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله حيي ستِّير، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر).

    قال الإمام ابن القيم : وحياء الله عز وجل حياء لا تكيفه العقول، ولا تدركه الأفهام، فإنه حياء بر وجود وكرم، يستر على العاصي وهو يعلم أنه من عصاه.

    قال: والحياء صفة من صفات الله عز وجل، ومن تقرب إلى الله عز وجل بصفة من صفاته مما ينبغي أن يتقرب بها أدخلته على الله عز وجل، وقربته من الله عز وجل، وأدنته من الله عز وجل، وصيرته محبوباً، فإن الله عز وجل عليم يحب العلماء، رحيم يحب الرحماء، جواد يحب الجود.

    فالإنسان يتخلق بهذه الصفة من صفات الله عز وجل على معنىً يليق به، وليست كل صفات الله عز وجل مما ينبغي للعبد أن يتخلق بها، فصفة الكبرياء خاصة بالله تبارك وتعالى، وينبغي للعبد ألا يتخلق بها، وأما صفة الرحمة وصفة الحياء فينبغي للعبد أن يتخلق بهما على معنى يليق بالعبد، فالعبد عبد والرب رب.

    1.   

    أقسام الحياء

    والحياء يأتي على أقسام عشرة: حياء الجناية، وحياء التقصير، وحياء الإجلال، وحياء الحشمة، وحياء الكرم، وحياء استصغار النفس،وحياء المحبة، وحياء العبودية، وحياء الشرف والعزة، وحياء المستحيي من نفسه.

    حياء الجناية

    أما حياء الجناية: فهو ناشئ عن اعتراف العبد بذنبه، فيعلم العبد أنه أذنب، ويعلم أن له رباً فيستحيي منه، كحياء آدم عليه السلام بعد أن فعل المعصية وفر في الجنة، فقال له الله عز وجل: أفراراً مني يا آدم؟! قال: لا يا رب! بل حياء منك.

    وروى الإمام البخاري ومسلم عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن الناس إذا اجتمعوا في عرصات القيامة وهالهم الموقف، رجعوا إلى الأنبياء، فذهبوا إلى آدم أبي البشر، وقالوا له: يا آدم! أنت أبو الخلق خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة أن يسجدوا لك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا تستشفع لنا إلى ربنا، قال: فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته، فيستحيي منها ويقول: اذهبوا إلى نوح) وهكذا مع كل نبي إلى سيدنا عيسى فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته فيستحيي منها.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومذهب السلف -وليس لهم مذهب سواه- جواز الصغيرة على الأنبياء، ولكن هناك فرق بينهم وبين بقية البشر، وهو أنهم إذا فعلوا الصغيرة تابوا منها في الحال وأقلعوا عنها، وكان حالهم بعد التوبة أكمل من حالهم قبل التوبة.

    ومن هذا الحياء حياء الفضيل بن عياض رحمه الله، حيث قال: لو خيرت أن أبعث فأدخل الجنة وبين ألا أبعث لاخترت ألا أبعث. فقيل لـمحمد بن أبي حاتم : هذا من الحياء؟ قال: نعم، من حيائه من الله عز وجل.

    وشهد الفضيل بن عياض موقف الناس في عرفات، فأمسك بلحيته وتساقطت دموعه على وجنتيه، وهو يقول: واسوءتاه منك وإن عفوت، واخجلاه منك وإن عفوت.

    و الأسود بن يزيد لما احتضر وجاءه الموت، بدا عليه الجزع، قالوا: ولم الجزع؟ قال: ومن أحق مني بالجزع، ومن أولى مني في هذا الموقف بالجزع، إن العبد ليذنب الذنب فيعلم أن الله غفره له، فيستحيي من موقفه بين يدي الله تبارك وتعالى.

    يا خجلة العبد من إحسان سيده يا حسرة القلب من ألطاف نعماه

    فكم أسأت وبالإحسان قابلني واخجلتي واحيائي حين ألقاه

    يا نفس كم بخفي اللطف عاملني وقد رآني على ما ليس يرضاه

    يا نفس كم زلة زلت بها قدمي وما أقال عثاري ثم إلاه

    دخل أبو حامد الخلقاني على الإمام أحمد إمام أهل السنة، فقال له: يا إمام! ما تقول في شعري؟ قال: مثل ماذا؟ قال: مثل قول القائل:

    إذا ما قال لي ربي أما استحييت تعصيني

    وتخفي الذنب من خلقي وبالعصيان تأتيني

    فما قولي له لما يعاتبني ويقصيني

    فأمره الإمام أحمد أن يكررها، ثم أمسك بطرف ثوبه وأخذ نعله، ثم أغلق الباب، وسمع نحيبه من خلف الباب وهو يقول:

    إذا ما قال لي ربي أما استحييت تعصيني

    وتخفي الذنب من خلقي وبالعصيان تأتيني

    فما قولي له لما يعاتبني ويقصيني

    قال الحسن البصري : لو لم يكن من البكاء إلا على هذا الموقف، لكان حرياً أن يطول بكاؤنا.

    حياء التقصير

    أما النوع الثاني من الحياء فهو: حياء التقصير، كحياء الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ثم إذا رفعوا رءوسهم يوم القيامة قالوا لله عز وجل: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91].

    وأي ذنب يرتكبه العبد دائر بين أمرين كما قال ابن القيم، فإذا قال العبد -حتى ولو ارتكب صغيرة-: إني أفعل هذا الذنب والله عز وجل لم يرني، ولا يطلع علي، ولا يعلم بخطيئتي، ولا يعلم بقبحي، فهذا خرج من الإسلام بالكلية، حتى ولو ارتكب خطيئة.

    وأما إذا قال: إني أفعل هذا الذنب وأعلم أن الله تبارك وتعالى يراني من فوق سبع سموات، وأعلم أنه مطلع علي، فهذا يدل على قمة الحياء.

    وفي ذلك يقول سيدنا عبد الله بن عباس: يا صاحب الذنب لا تأمن عاقبته، فما بعد الذنب أهون من الذنب، حزنك على الذنب إذا فاتك وأنت على الذنب أعظم من الذنب، وفرحك بالذنب إذا عملته أعظم من الذنب، وقعودك وإصرارك على الذنب وأنت على الذنب أعظم من الذنب، وامتناع فؤادك إذا حركت الريح ستر بابك، ولا ينخلع قلبك ويضطرب لنظر الله عز وجل إليك من فوق سبع سماوات أعظم من الذنب.

    يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي عامر الألهاني : (إني أعلم أناساً يأتون يوم القيامة بحسنات مثل جبال تهامة بيضاء يجعلها الله هباء منثوراً، فقال ثوبان : يا رسول الله! جلهم لنا، أي: صفهم لنا نعرفهم لئلا نكون منهم، قال: هم أناس من جلدتكم، ويأخذون من الليل مثلما تأخذون، ويصلون كما تصلون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها).

    وكم ذي معاص نال منهن لذة ومات فخلاها وذاق الدواهيا

    وتصرم لذات المعاصي وتنقضي وتبقى تباعات الذنوب كما هيا

    فيا سوأتا والله راءٍ وسامعٌ لعبد بعين الله يغشى المعاصيا

    حياء الإجلال

    وهذا الحياء يكون على قدر المعرفة بالكيف، مثل حياء سيدنا عمرو بن العاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاءه الموت قال: والله ما كان شيء أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كنت أملأ عيني من رسول الله حياءً منه، ولو قلتم لي: صفه، لا أستطيع أن أصفه.

    أي: لم يكن يستطيع أن يملأ عينيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم حياءً منه وإجلالاً لمقامه العظيم، كما يقول الشاعر:

    أشتاقه فإذا بدا أطرقت من إجلاله

    لا خيفة بل هيبة وصيانة لجماله

    الموت في إدباره والعيش في إقباله

    وأصد عنه إذا بدا وأروم سبط خياله

    وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه جالساً في مجلس أبي بكر وعمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من الشجر شجرة مثل المؤمن لا يسقط ورقها، فوقع في الناس أنها شجر البوادي، ووقع في نفسي أنها النخلة، فلم أتكلم إجلالاً لمكانة أبي بكر وعمر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هي النخلة) فحدث عبد الله بن عمر والده بعد ذلك، فقال: يا بني! لئن كنت قلتها أحب إلي من كذا وكذا.

    وقال سيدنا عبد الرحمن بن مهدي تلميذ سفيان الثوري : والله ما كنت أستطيع أن أنظر إلى سفيان الثوري حياءً منه وهيبة.

    وقيل عن سفيان الثوري : كان أصفق الناس وجهاً في الله عز وجل، يعني: لا يستحيي من أحد في الحق، وهذا من غاية الحياء وكماله: ألا تستحي من مقارعة المبطلين لمقام الله عز وجل، وترفع حياءك من الله عز وجل فوق حيائك من الخلق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا لا يمنعن أحد هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه أو شهده أو سمعه).

    ولذلك لما دخل سفيان الثوري على المهدي أغلظ له في القول وهو خليفة المؤمنين، فقال له عبيد الله وزير المهدي : لقد أسأت وتعديت، قال: اسكت فما أهلك فرعون إلا هامان ، فلما ولى وانصرف قال عبيد الله للخليفة المهدي : يا أمير المؤمنين! ائذن لي أن أضرب عنقه، قال: اسكت! وهل بقى في الأرض من يستحيى منه غير سفيان .

    حياء الكرم

    مثلما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم حين أكرم ضيوفاً له فأبوا إلا الجلوس، فعاتبهم الله عز وجل: وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [الأحزاب:53].

    ومثال ذلك أيضاً: أن تأتي إلى أخ لك فيصنع لك حق الضيف، وحق الضيافة ثلاثة أيام، فلا تنتظر حتى تأخذ متاع البيت على كتفيك وترحل، وإنما تتقي الله تبارك وتعالى في إخوانك.

    حياء الحشمة وحياء استصغار النفس وحياء عزتها

    هذا الحياء اختفى من بين الناس، كحياء سيدنا علي بن أبي طالب، حيث قال: كنت رجلاً مذاءً فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لمكانة ابنته، فأمرت المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فما بال الناس قد ارتفع هذا من دنياهم، فيجلس الرجل ويحدث بهذا وبجواره ابنته ولا يستحيي، بل ويكلم الرجل حميه ونسيبه في المسألة مما يتعلق بابنته ولا يستحيي منه.

    ومثل الرجل يستحيي أن يسأل ربه الدنيا وهو يعلم أنها لا تساوي عند الله عز وجل جناح بعوضة، يقول أحد العباد: إني لأستحيي أن أسأل ربي الدنيا وهو مالكها، فكيف أسألها من غير مالكها؟!

    حياء عزة النفس وشرفها، كالرجل الكريم الجواد العظيم في هباته لله، إذا صدر منه ما هو أقل من قدره فإنه يستحيي من هذا وكأنه هو الآخذ، ولا ينظر إلى عيني الآخذ؛ لأنه يعلم كثرة السؤال، فإذا كنت مثلاً متعوداً أن تعطي أحداً من إخوانك كلما قابلته جنيهين، وفي يوم من الأيام قابلته ولا يوجد معك سوى ربع جنيه، فتعطيه هذا الربع وأنت مستحي منه تغض بصرك إلى الأرض، وكأنك أنت الذي أخذت، ومن آداب الأعطية ألا تنظر إلى عيني الآخذ، فللسؤال كسرة، نسأل الله تبارك وتعالى أن ينجينا وإياكم من هذا.

    حياء العبودية

    هو حياء كما قال ابن القيم : ممتزج بين خوف وبين حب، ويدفعك هذا إلى استصغار ما يصدر منك في حق الله عز وجل، فتقول في نفسك: بمثل هذه العبودية أقابل الله عز وجل! ولذلك فإن العباد الصالحين دائماً يستغفرون الله عز وجل عند كل طاعة، ويقولون: مثل هذه الطاعة لا تليق بمقام الله عز وجل، فالعبد إذا تحلل من صلاته قال: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر؛ لأن مثل هذه العبادة لا تليق بمالك الملوك سبحانه رحمان الدنيا والآخرة، وتستقل هذا من نفسك، فهذا حياء العبودية.

    حياء المحبة

    أما حياء المحبة فمثاله في البشر أن الرجل مثلاً إذا عقد على امرأة ولم يدخل بها، ثم ذهب إلى بيت أبيها فمجرد أن تخرج عليه تجد أن الدم يتصاعد إلى جبينه من غير أن يدري، أو يتلعثم في كلامه إذا رآها أول مرة بعد العقد، وهذه حالة يعرفها كل الناس، قال الشاعر:

    فما هو إلا أن أراها فجاءة فأبهت حتى ما أكاد أجيب

    وإني لتعروني لذكراك هزة لها بين جلدي والعظام دبيب

    وأما حياء المحبة بالنسبة لله تبارك وتعالى فهذا يدفعك إلى كره المخالطة للخلق، فإذا أحببت الله عز وجل، وعلمت أن الله عز وجل قريب منك، فهذا يدفعك إلى حب الله عز وجل، وهذا الحب يدفعك إلى الأنس بالله عز وجل، ويكره إليك مخالطة الخلق، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية كان إذا أصحر يقول:

    وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك القلب بالسر خاليا

    وما بقى من زمان الدنيا إلا الخلوة بالله تبارك وتعالى، قيل للإمام أحمد بن حنبل : ما تشتهي؟ قال: سرداب أخلو بالله تبارك وتعالى فيه.

    فإذا أبعدك الله عز وجل من مخالطة الخلق، وأنعم عليك بجواره ومحبته والأنس به، فقد اجتباك الله تبارك وتعالى، ولذلك مما يقسي القلب فضول مخالطة الناس ومجالستهم، وقد نهي عن السمر بعد العشاء إلا مع زوج، أو في مطالعة العلم، لكن الناس الآن تبدأ أمورهم بعد صلاة العشاء، وجلساتهم لا تطيب ولا يحلو لهم الجلوس إلا بعد صلاة العشاء، ثم بعد ذلك يضيع عليهم الفجر، فبالله عليك هل العدد الكبير الذين يصلون في العشاء يصلون الفجر؟

    فلو أقللت من مخالطتك للناس، وعلمت أن لله حقاً في حرمات الليالي لما كان هذا حالنا مطلقاً.

    حياء المستحيي من نفسه

    الرجل الذي يستحيي من الناس ولا يستحيي من نفسه ليس لنفسه عنده قدر، فهو يفعل في السر ما يستحيي أن يطلع عليه الناس في العلانية، فليعلم أن نفسه عنده هينة، ولو كان لنفسه عنده قدر لاستحيا منها، فيجعل من نفسه نفسين: نفساً تفعل معصية، ونفساً تحاسبها وتعاتبها.

    الحياء من الله سبحانه

    والحياء على أنواع أعلاه وأفضله الحياء من الله تبارك وتعالى؛ لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس استحيوا من الله حق الحياء، قالوا: يا رسول الله! إنا لنستحيي من الله حق الحياء، قال: ليس ذاكم، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء).

    فقوله: (فليحفظ الرأس وما وعى) أي: حتى الوساوس.. حتى خطرات النفس تحفظها لله عز وجل.

    وقوله: (وما وعى) أي: العين والشم والسمع تحفظه لله تبارك وتعالى، وقال أهل العلم: أعلى من هذا درجة حديث السر الذي ينشأ في رأسك، قال ثور بن عبد الله التستري : أول خيانة الصديقين حديثهم مع أنفسهم، أي: من العمل السيء.

    وقوله: (والبطن وما حوى) أي: ينظر من أين طعامه، ومن أين شرابه، فلا تكن الرجل الذي طعامه من حرام، وشرابه من حرام، ويطيل السفر أشعث أغبر، ثم يقول: اللهم ارزقني، لا يستحيي من الله تبارك وتعالى، فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى.

    قال بشر بن الحارث الحافي : لو صفا لي درهم من حلال لاشتريت به دقيقاً، ولصنعت منه خبزاً، ثم دققته، ثم مررت به على المرضى أداويهم به.

    قوله: (وليذكر الموت والبلى) فمن ذكر الموت هانت عليه شهواته، ومن تذكر عذاب القبر ومنكراً ونكيراً، هانت عليه شهواته.

    قوله: (ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا) فاستحي من الله عز وجل أن يراك ماضياً إلى الدنيا بقلبك، والله عز وجل لم ينظر إليها، فقد قال النبي صلى الله علي وسلم: (لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء).

    الحياء من الله عز وجل يتولد من معرفة العبد لمقام الله عز وجل، ولذلك قال بلال بن سعيد : لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى كبرياء من واجهته بها.

    وقال أحدهم: يا رب! أتراك ترحم من لم تكن عيناه للمعاصي، حتى علم ألا عين تراه غيرك.

    فيا أخي المؤمن لم جعلت الله أهون الناظرين إليك؟ لم لا تستحيي من الله عز وجل؟ يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: (أوصيك أن تستحيي من الله عز وجل كما تستحيي من الرجل الصالح من قومك).

    يا من يشير إليهم المتكلم وإليهم يتوجه المتظلم

    وشغلتم كلمي بكم وجوارحي وجوانحي أبداً تحن إليكم

    وإذا نظرت فلست أنظر غيركم وإذا سمعت فمنكم أو عنكم

    وإذا نطقت ففي صفات جمالكم وإذا سألت الكائنات فعنكم

    وإذا رويت فمن طهور شرابكم وبذكركم في خلوتي أترنم

    فعليك أن تجعل الله عز وجل أعظم ما تحن إليه.

    كان عمرو بن عبد القيس ينام في البراري، وهو من دهاة العرب، فقالوا له: أما تخشى من السبع؟ قال: إني لأستحيي من الله عز وجل أن أخشى غيره وأنا في سلطانه.

    مع أن هذا خوف جبلّي، والإنسان يخاف من الأسد، ولكن هذا كان خوفه من الله أعلى مما جعله لا يخاف من الأسد.

    وسيدنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديث حسنه الشيخ الألباني أنه وقع في أسر الروم، ففر من الأسر، فبينما هو على الطريق إذ لقيه الأسد فقرب منه وقال له: يا أبا الحارث! -وهذه كنية الأسد- أنا مولى رسول الله، وكان من أمري كذا وكذا وكذا، وجلس يحكي للأسد، قال: فبصبص الأسد -أي: حرك ذنبه يميناً ويساراً- حتى أوصله إلى مأمن الجيش.

    وهذا عمرو بن عتبة بن فرقد الإمام التابعي العظيم كان والده قائداً لجيش من جيوش المسلمين، هذا الرجل الصالح ما كان يتحرك في صلاته، وفي ذات ليلة أتى السبع ففر الجيش وهو واقف في صلاته فما انصرف، فلما انصرف قال: ابحث عن رزقك في مكان آخر، فقالوا له: أما خفت السبع؟ قال: إني أستحيي من الله عز وجل أن أخاف غيره وأنا بين يديه.

    وبنان الحمال دخل على أحمد بن طولون أمير مصر فأمره ونهاه ووعظه، وأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، فأتى بسبع وألقاه إلى بنان وهو في السجن، فإذا بالسبع يشم بناناً ، فقالوا له: أين كان قلبك والأسد يشمك؟ قال: إني كنت أفكر في اختلاف العلماء في سؤر السباع.

    فهؤلاء قوم لا تخطر لهم المعصية على بال؟ لأن الإنسان قد يترك المعصية خوفاً من الوعيد وخوفاً من النار، ومقام أعلى منه أن يقلع عن المعصية حياءً من الله عز وجل، فيعلم بقرب الله عز وجل فيقلع عن المعصية، وأعلى منه أن يقلع عن المعصية حباً لله عز وجل، وأن يعظم حياؤه من الله عز وجل أن يعصيه وهو يحبه.

    يقول عمر بن الخطاب: (من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه).

    ويقول مقدم الجيوش الجراح بن عبد الله: تركت الذنوب أربعين سنة حياءً من الله عز وجل، ثم أدركني الورع.

    يعني: ظللت أجاهد نفسي وأترك الذنوب حياءً من الله أربعين سنة، ثم بعد ذلك أدركني الورع.

    الحياء من الملائكة

    الحياء من الملائكة صفة من صفات الصالحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وأصدق أمتي حياءً عثمان).

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة)، فسيدنا عثمان كان لا يفيض الماء إلا وهو متستر بثوبه، وكان يغتسل ولا يقيم صلبه؛ حياء من الله عز وجل.

    وما أكذب عبد الرحمن الشرقاوي حين قال: إن سيدنا عثمان قص على الصحابة ما كان بينه وبين زوجه!

    فهذا الرجل قد يكذب على أي شخص، لكن على أحيا الأمة عثمان بن عفان فهذا مستحيل!

    فالحياء من الملائكة واجب، قال الله تبارك وتعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ [الانفطار:10-11]، أي: فاستحيوا منهم.

    ولا أقبح ممن لا يستحيي من الجليس، ولذلك يقول عبد الرحمن بن أبي ليلى : ما على أحدكم إذا خلا بنفسه أن يقول لملكيه: اكتبوا على بركة الله، ثم يفعل الخير.

    وكان أبوه يستشعر قرب الملائكة من مجلسه فيقول: يا ملكي ادعوا الله لي، فأنتما أطوع لله مني.

    فالإنسان يستشعر قرب الملائكة الأقران فيكرمهم؛ لأنهم أحق بالكرم.

    الحياء من الناس

    قالوا: أحي حياءك بمجالسة من يستحيا منه.

    وقال مجاهد : لو لم يكن من مصاحبتك للصالحين إلا أنهم يمنعونك من المعاصي حياءً لكان في هذا خير.

    أي: أنك لو لم تستفد من جلوسك وصحبتك للصالحين إلا أن تقلع عن الذنوب حياءً وخجلاً منهم لكفى.

    ومن الناس من يتساهل، فإذا نسيت نفسك ونسيت أهلك وزوجك وأولادك، فلا تنس ثلاثة مواقف: موقفاً بين يدي الله عز وجل ليس بينك وبينه ترجمان، فعن عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد إلا سيخلو بربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشام منه فلا يرى إلا ما قدم).

    يوم يعاتبك الله عز وجل على سيئاتك ويذكرك بها: أتذكر ذنب كذا يوم كذا وكذا، هذا الموقف لا تنساه أبداً، فإذا نسيت كل من حولك فلا تنس أنك ستخلو بربك يوماً من الأيام.

    والموقف الثاني: وأنت على الحوض وتنظر إلى رسول الله لأول مرة، وما نظرت إليه قبلها، انظر بحياء المحبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكيف تخاطبه وكيف تكلمه حين يسألك عن ميراثه، ماذا فعلت به؟ موقف عظيم تتقطع دونه القلوب حسرة.

    والموقف الثالث: حين يصاح بك على رءوس الخلائق: فلان بن فلان، وتتشابه الأسماء، فوالله ما يستقر في قلبك إلا أنك أنت المراد، فتصرخ على رءوس الأشهاد، يقول صلى الله عليه وسلم: (يرفع لكل غادر لواء غدره يوم القيامة عند استه، يقال: هذه غدرة فلان بن فلان) هذا في غدر الناس بالناس، فكيف في قلبك مع ربك، وفي نقضك لعهدك مع الله عز وجل، وكيف بميثاق الفطرة الذي أودعه فيك، ماذا تقول لربك؟!

    قال تعالى: هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18]، وقوفك بين يدي الله عز وجل ووقوفك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقوفك على رءوس الأشهاد.

    فيا سوأتا والله راءٍ وسامع لعبد بعين الله يغشى المعاصيا

    1.   

    نماذج من حياء الأنبياء والصالحين

    إن سيدنا موسى عليه السلام أعلى الله مقامه بجهاده لليهود الذين كانوا لا يتناهون عن منكر يأتونه، وكان موسى عليه السلام حيياً ستيراً، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كان لا يرى شيء من جلده حياءً، فقال اليهود عنه: إنه آدر، وبينما كان يغتسل ذات مرة إذ أخذ الحجر ثوبه، فأخذ يطارد الحجر ويقول: ثوبي يا حجر! وظل يضرب الحجر حتى بان أثر الضرب ندباً على الحجر).

    وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياءً، إذ كان أشد حياءً من العذراء في خدرها، وكان إذا رأى شيئاً يكرهه عرف الصحابة ذلك في وجهه.

    فمن حيائه أن امرأة أتت تسأله عن الغسل، فقال: اغتسلي لكذا وكذا، وضعي فرصة من المسك، فقالت: كيف أتطهر؟ فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على وجهه، وعلمت السيدة عائشة ، فجذبت المرأة ثم جعلت تعلمها كيفية الغسل وكيفية الطهارة.

    وأما حياؤه من ربه فقد ورد في حديث مالك بن صعصعة لما قال له موسى: (سل ربك التخفيف؛ فإن أمتك لا تقدر، قال: لقد سألت حتى استحييت، ولكني أرضى وأسلم).

    وحياء ابنة الرجل الصالح الذي يسميه العامة شعيباً، وهو ليس نبي الله شعيباً، قال تعالى: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ [القصص:25] يعني: كأن الأرض زرعت حياءً وهي تمشي عليه.

    وقالت هذه المرأة الصالحة لأبيها: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ [القصص:26]، وهي تريد أن تطلبه لنفسها، ولكنها تستحيي من والدها.

    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس للنساء أن يحققن الطريق).

    وجاءت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد أن تسأله خادماً، قال: ما أتى بك يا بنية؟! قالت: جئت أسلم عليك، ولم تخبره بما تريد حياءً، ولما كان اليوم القادم فعلت ما فعلت، فأتاها النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها وهي في مخدعها، فأدخلت نفسها في الغطاء حياءً من والدها.

    وأما حياء الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما فقالت: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي أبو بكر كنت أدخل واضعة ثوبي وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما مات عمر ما كنت أدخل إلا في كامل ثوبي؛ حياءً من عمر ، وهذا بعد موته.

    1.   

    دعوة إلى التمسك بخلق الحياء

    وقد كان من قبل تمشي المرأة في الشارع وتعلم أن عمها -مثلاً- في نهاية الشارع، فتراها تضع الخمار على وجهها، ولكن بعد دخول التلفاز مات كل شيء، فما يفعل في المدن يفعل في القرى على قدر ما عند الناس من مال.

    ومن العجيب أن الرجل يأتي بزوجته معه في حفل فيقولون: لن تكون رجلاً متحضراً إذا لم ترقص أنت وزوجتك أمام المدعوين.

    فعلامة موت القلب والروح فقدان الحياء، أو قلة الحياء.

    وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان

    فاستحيي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني

    فكيف وقد مات الحياء؟! فما بعد التلفاز إلا موت القلب، وذهاب الحياء، وضياع الأمة.

    ولما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم العهد على النساء المسلمات من قريش قال: ولا تسرقن ولا تزنين، فجاءت هند بنت عتبة وقالت: أو تزني الحرة يا رسول الله؟!

    ووضعت فاطمة بنت عتبة يدها على رأسها حياءً، فقالت لها عائشة: أقري أيتها المرأة! فوالله ما بايعنا إلا على هذا.

    يقول الله تعالى: وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26]، لباس التقوى: هو الحياء كما قال علماء التفسير، والتبرج ثمرة المعصية، قال تعالى: فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا [طه:121]، فبدو عورة آدم وزوجه كان من ثمرات المعصية.

    فالحياء زينة الرجال، ولكل دين خلق وخلق هذا الدين الحياء، فاستحيوا من الله عز وجل أن يرى منكم ريبة، واستحيوا من الله أن يراكم على غير هدي الإسلام، فالإنسان قد يصد عن دين الله وهو لا يدري، فليستح من الله في معاملاته مع ربه ومع الناس أجمعين.

    فاستح من الله تبارك وتعالى، واستح من الناس، واستح من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    اللهم ارزقنا الحياء، واسترنا بالعافية، واجعل تحت الستر ما تحب؛ فربما سترت على ما تكره، اللهم أنت أصلحت الصالحين فاجعلنا من الصالحين.

    اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك، اللهم وما أعطيتنا مما نحب فاجعله قوة لنا فيما تحب، اللهم أحيي قلوبنا بحبك.

    ربنا اجعلنا لك ذكارين، لك شكارين، إليك أوابين منيبين، وتقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، واسلل سخائم صدورنا.

    إلهي ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله وتكن دليلاً له، إلهي ما أوحش الطريق على من لم تكن أنيسه وتكن أنيساً له.

    اللهم داو أمراض قلوبنا، اللهم ارزقنا لذة العيش بعد الموت، وحب النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك.

    اللهم احشرنا مع نبينا غير خزايا ولا نادمين، ولا شاكين ولا مفتونين.

    اللهم ارزقنا شهادة في سبيلك، وتقبلنا في عداد عبادك الصالحين، واستر علينا يا أرحم الراحمين، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا.

    اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، اللهم أحي قلوبنا، اللهم ارزقنا جواب السؤال عند لقياك، اللهم ارزقنا جواب السؤال عند لقيا رسولك،اللهم لا تفضحنا يوم يقوم الأشهاد، سترت علينا في الدنيا فاستر علينا في الآخرة، وعاملناك بالخيانة وعاملنا عبادك بالأمانة، فاستر علينا يا أرحم الراحمين، استر علينا يا أرحم الراحمين.

    اللهم نج إخواننا المسلمين المشردين في فلسطين، عليك باليهود، عليك باليهود، عليك باليهود خذ لدينك منهم حتى ترضى، خذ لأطفال المسلمين منهم حتى ترضى، خذ لعورات المسلمين منهم حتى ترضى، ونج إخواننا في كل مكان، وائذن لشريعتك أن تحكم الأرض وأن تسود.

    اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.

    عبد الله! (عش ما شت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به).

    البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756194954