إسلام ويب

تفسير سورة الواقعة [15-67]للشيخ : محمد إسماعيل المقدم

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    تفسير قوله تعالى: (على سرر موضونة)

    قال تعالى: عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ [الواقعة:15-16]. قوله تعالى: (عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) أي: مصفوفة. أو مشبكة بالدر والياقوت والذهب. والوضن هو التشبيك والنسج. يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: السرر جمع سرير، وقد بين الله تعالى أن سررهم مرفوعة في قوله تبارك وتعالى: فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ [الغاشية:13]. وقوله تعالى: عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ، فموضونة أي: منسوجة بالذهب. وبعضهم يقول: منسوجة بقضبان الذهب مشبكة بالدر والياقوت. وكل نسج أحكم ودوخل بعضه في بعض تسميه العرب وضناً -بالضاد- وتسمي المنسوج به موضوناً ووضيناً، ومنه الدرع الموضونة: إذا أحكم نسجها ودوخل بعض حلقاتها في بعض. ومنه قول الأعشى : ومن نسج داود موضونة تساق مع الحي عيراً فعيراً وهذه السرر المزينة هي المعبر عنها بالأرائك في قوله تعالى: مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ [الكهف:31]، يعني: على هذه السرر المزينة الموضونة، وقال تبارك وتعالى: هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ [يس:56].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (متكئين عليها متقابلين)

    قال عز وجل: مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ [الواقعة:16]. ((مُتَّكِئِينَ)) حال من الضمير في قوله: ((عَلَى سُرُرٍ))، والتقدير: استقروا على سرر في حال كونهم متكئين عليها. وما ذكره الله جل وعلا هنا في هذه الآية الكريمة من كونهم: مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ، أي: ينظر بعضهم في وجوه بعض، كل يقابل الآخر بوجهه، ذكره في قوله تعالى في سورة الحجر: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47]، وقوله تعالى في الصافات: أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الصافات:41-44]. والمعنى: أنهم متقابلون بوجوههم، وهذا يكون أكمل في الأنس والسرور، بخلاف ما يحصل في الدنيا، فالإنسان إذا ركب بعض وسائل المواصلات -كالسيارات- فإنه يجلس وظهره إلى من خلفه، لكن هؤلاء لتمام السرور والأنس بينهم يكونون متقابلين، فالأخوة تكمل حينما تقع هذه المواجهة. ((مُتَقَابِلِينَ)) أي: بوجوههم متساوين في الرتب لا حجاب بينهم أصلاً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يطوف عليهم ولدان مخلدون ... مما يشتهون)

    قال تعالى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ [الواقعة:17-20]. ((يَطُوفُ عَلَيْهِمْ)) يعني: للخدمة. ((وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ)) أي: مبقون على سن واحدة لا يموتون؛ لأن هؤلاء الولدان في الجنة سيبقون ولداناً إلى الأبد، بمعنى أنهم لا يزيدون في العمر ولا يشيبون ولا يهرمون بمرور الزمن. وهذه الآية كما قال تعالى: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ [الطور:24]. (( بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ )) يعني: حال الشرب يطوفون عليهم بأكواب وأباريق، والكوب هو إناء لا عروة له ولا خرطوم، وأما الإبريق فهو إناء له عروة وله خرطوم. (( وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ )) أي: خمر جارية. ثم أشار إلى أنها لذة كلها لا ألم معها ولا خمار؛ لأنها ليست كخمر الدنيا النجسة الخبيثة التي تذهب العقول، وإنما هي لذة؛ فقال: ((لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا)) يعني: لا يصدر عنها صداعهم لأجل الخمار كخمور الدنيا، والصداع هو وجع الرأس، وقرئ بالتشديد من التفعل: ((لا يصَّدَّعون)) أي: لا يتصدعون عنها، أي: لا يتفرقون عنها، من التصدع وهو التفرق. ((وَلا يُنزِفُونَ)) تقرأ بكسر الزاي وفتحها ((وَلا يُنزِفُونَ)) أي: لا تذهب عقولهم بسكرها. وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ أي: مما يختارون ويرتضون، وأصله أخذ الخيار والخير. وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ، أي: مما يتمنون.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وحور عين... جزاء بما كانوا يعملون)

    قال تعالى: وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الواقعة:22-24] أي: أزواج بيض واسعة الأعين. عطف على ولدان، فقال: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ [الواقعة:17]، ثم قال بعد ذلك: وَحُورٌ عِينٌ والحور: جمع حوراء، فهو عطف على ولدان، أو مبتدأ محذوف الخبر، أي: وفيها. أو: ولهم حور عين. كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ أي: صفاؤهن كصفاء الدر في الأصداف الذي لا تمسه الأيدي، وأصل المكنون الذي صين وحفظ في كن -أي: مكان- يخبأ فيه ويصان ويحمى. جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أي: من الأعمال الصالحة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً ... سلاماً)

    قال تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا [الواقعة:25-26]. لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا أي: هذياناً وكلاماً غير مفيد، وباطلاً من القول. وَلا تَأْثِيمًا أي: ما يؤثم من الفحش والكذب والغيبة وأمثالها. إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا أي: قولاً هو سلام في نفسه، منزه عن النقائص، مبرأ عن الفضول والزوائد. وقيل: قولاً يفيد سلامة السامع من العيوب والنقائص، ويوجب سروره وكرامته، ويبين كماله وبهجته؛ لكون كلامهم كله معارف وحقائق وتحيات ولطائف. وهذا على اختلاف وجهي الإعراب، أي: من كون (سلاماً) بدلاً من (قيلاً) أو مفعوله، فـ(سلاماً) قد يكون مفعول المصدر (قيلا)، وقد يكون بدلاً منه. والتكرير للدلالة على فشو السلام بينهم وكثرته، كما تقول: قرأت النحو باباً بابا. أي: باباً بعد باب، فيدل على تكرره وكثرته. فهكذا السلام تحية أهل الجنة، وهذه من فضائل السلام، ولا توجد في العالم كله تحية هي أفضل من تحية (السلام عليكم ورحمة الله) التي شرف الله بها أهل الإسلام، ولذلك يحسدنا اليهود على السلام وعلى التأمين، وكان الفاسق أو الفاجر أو المبتدع فيما مضى يعاقب بأن يحرم من إلقاء السلام عليه، أو من أن يرد عليه السلام، والآن صار بعض السفهاء من الناس يتكبرون عن أن يحيي بعضهم بعضاً بالسلام، ويؤثرون على ذلك تحية الأنجاس من المشركين والكفار على اختلاف أنواعهم، وربما ينظرون باحتقار إلى من يقول لهم: (السلام عليكم)، فهذا من الهوان الذي صبغ الناس وهم لا يشعرون بما هم فيه. فعدم التسليم كان عقوبة أساساً، عقوبة يعاقب بها من يخالف الشرع بالمجاهرة بالفسق، أو ببدعة أو ضلالة أو نحو ذلك، فيهجر بأن لا يسلم عليه. وصار بعض الناس يتأذى حين تسلم عليه، ويريد أن تحييه بأية تحية أخرى من تحايا أولئك القوم، فهم الذين زهدوا فيما شرفهم الله به من تحية أهل الجنة -السلام-، فهل توجد تحية في العالم أفضل من تحية (السلام عليكم)؟! فـ(السلام عليكم) فيها إشاعة السلام والطمأنينة، فكونك تلقي السلام معناه أنك تؤمنه من شَرِّك. وليس السلام محدداً بوقت كـ(صباح الخير) أو (مساء الخير) في الصباح فقط أو في المساء فقط، كما هي تحية الجاهلية (أنعم صباحاً) و(أنعم مساء)، فهذه تحية أهل الجاهلية، فكيف لعاقل أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويزهد في السلام الذي هو تحية أهل الجنة؛ راغباً في تحية المغضوب عليهم والضالين ممن أبغضهم الله سبحانه وتعالى؟!

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وأصحاب اليمين... ولا ممنوعة)

    قال تبارك وتعالى: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ [الواقعة:27-33]. وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ أي: أي شيء هم؟ أي: هم شرفاء عظماء كرماء، يتعجب من أوصافهم في السعادة. فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ أي: لا شوك له. أو موقر بالثمار، مثقل من الثمار التي يحملها، والسدر شجر معروف في الدنيا. وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ الطلح هو شجر الموز، والمنضود: الذي نضد ثمره من أسفله إلى أعلاه. قال مجاهد : كانوا يعجبون بود من طلحه وسدره. و(ود) مكان -أحسبه- كان في الطائف، فكانوا يعجبون من طلحه وسدره؛ لأن فيه شجر الطلح وشجر السدر. وشجرة الموز ثمرتها حلوة دسمة لذيذة لا نوى لها. وَظِلٍّ مَمْدُودٍ أي: ممتد منبسط لا يتقلص، كالظل الذي يكون في الدنيا ويتبعه الحر والشمس. وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ أي: مصبوب دائم الجريان لا ينقطع. وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ أي: لا تنقطع عنهم متى أرادوها، لكونها غير متناهية. ((وَلا مَمْنُوعَةٍ)) أي: لا تمنع عن طالبها. والقصد بيان أن فاكهتها مغايرة لفاكهة الدنيا؛ لأن فاكهة الدنيا موسمية، توجد في موسم ولا توجد في موسم آخر، فيأتي عليها وقت تنقطع فيه تماماً ولا تكون موجودة، كفاكهة الصيف تطلب في الشتاء، وتمتنع أحياناً لعزتها، لكونها غير متوفرة في الأسواق فهذا نوع من الامتناع، بل أحياناً تمتنع بسبب الجدب أو القحط أو الجفاف أو نحو ذلك، وقد تطرأ عليها جائحة أو سبب يترتب عليه أنها تمتنع، أما فاكهة الجنة فلا يعرض لها شيء من هذه الطوارئ والجوائح والانقطاع.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وفرش مرفوعة... ثلة من الأولين وثلة من الآخرين)

    قال تعالى: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ [الواقعة:34-40]. وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ أي: مرتفعة في منازلها، أو: فرش مرفوعة على الأرائك للرقود والمضاجعة، وقد يؤيده تأكده بوصف من يضاجع فيها، وهو قوله تعالى: إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً إشارة إلى الحور العين. فهي إما فرش مرفوعة أي: الفرش نفسها مرتفعة في منازلها، أو الفرش مرفوعة فوق الأرائك، وهي تلقى من أجل الرقود عليها. إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً أي: إنشاء بديعاً فائق الوصف. فالضمير يعود على ما فهم من السياق؛ لأن الحور لم يسبق ذكرهن في السياق القريب، وإنما فهم من السياق أن المقصود بهن الحور العين. وقيل: قد يكنى عن الحور بالفرش، فقوله تعالى: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ قد يكون استعملت فيه الكناية عن الحور بالفرش. فقوله تبارك وتعالى: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إذا كان معناه: مرفوعة على الأرائك كآية: هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ [يس:56] فليس فيه كناية. وقوله تعالى: فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا يعني: لم يُطمثن. ((عُرُبًا)) جمع عروب، والعروب: هي المتحببة إلى زوجها المحبوبة لتبعلها. ((أَتْرَابًا)) يعني: على سن واحدة. والترب: هو الموافق لك في السن. لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ يعني: أنشأناهن إنشاء لأصحاب اليمين، وجعلناهن أبكاراً لأصحاب اليمين. ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ [الواقعة:39-40] أي: جماعة وأمة من المتقدمين في الإيمان وممن جاء بعدهم من التابعين لهم بإحسان من هذه الأمة، والكثرة ظاهرة لأصحاب اليمين في أواخرهم دون السابقين كما بينا أولاً عند الكلام في تفسير قوله تبارك وتعالى: ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ [الواقعة:13-14]، وذكرنا الخلاف في تفسير هذه الآية.

    تفسير العلامة الشنقيطي لقوله تعالى: (إنا أنشأناهن إنشاءً)

    يقول العلامة الشنقيطي في قوله تعالى: إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً : الضمير في (( أَنشَأْنَاهُنَّ )) قال بعض أهل العلم: هو راجع إلى مذكور. وقال بعض العلماء: هو راجع إلى غير مذكور، إلا أنه دل عليه المقام. فمن قال إنه راجع إلى مذكور قال: هو راجع إلى قوله تعالى: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ قال: لأن المراد بالفرش النساء، والعرب تسمي المرأة لباساً وإزاراً وفراشاً .. إلى آخره. انتهى كلامه. وعلى هذا فالمراد بالرفع في قوله تعالى: (( مَرْفُوعَةٍ )) رفع المنزلة والمكانة. ومن قال إنه راجع إلى غير مذكور قال: إنه راجع إلى نساء لم يذكرن ولكن ذكر الفرش دل عليهن؛ لأنهن يتكئن عليها مع أزواجهن. وقال بعض العلماء: المراد بهن الحور العين، واستدل من قال ذلك بقوله: إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً [الواقعة:35]؛ لأن الإنشاء هو الاختراع والابتداع. وقالت جماعة من أهل العلم: إن المراد بهن بنات آدم اللاتي كن في الدنيا عجائز شمطاً، وجاءت في ذلك آثار مرفوعة عنه صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا القول فمعنى قوله تعالى: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ نساء الدنيا، أي: زوجاتهم اللائي هن من نساء الدنيا. فيكون قوله تعالى: إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا أي: خلقناهن خلقاً جديداً. فاللتي شمطت وصارت عجوزاً شمطاء في الدنيا وبلغت من الكبر عتياً، حينما تدخل الجنة ينشئها الله سبحانه وتعالى خلقاً جديداً، فتعود إلى شرخ الشباب. ويكون قوله تعالى: فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا يعني: فصيرناهن أبكاراً. وهو جمع بكر، وهي ضد الثيب. عُرُبًا أَتْرَابًا ، والعروب هي المتحببة إلى زوجها الحسنة التبعل، التي تجتهد في إرضاء زوجها. أَتْرَابًا: جمع ترب، والترب هي المرأة الموافق سنها سن من تضاف هي إليه من النساء. ومعناه في الآية أن نساء أهل الجنة على سن واحدة ليس فيهن شابة وعجوز، ولكنهن كلهن على سن واحدة في غاية الشباب، ودليل ذلك في الحديث في مزاح النبي صلى الله عليه وسلم مع المرأة العجوز حينما قال لها: (لا تدخل الجنة عجوز) وكان إنما يقصد بهذا المعنى أنها ستعود إلى شبابها ولن تبقى عجوزاً بعد ذلك إذا دخلت الجنة. وبعض العلماء يقول: إنهن ينشأن مستويات في السن على قدر بنات ثلاث وثلاثين سنة. وكون الأتراب بمعنى المستويات في السن مشهور في كلام العرب، كما قال عمر بن أبي ربيعة : أبرزوها مثل المهاة تهادى بين خمس كواعب أتراب وهذه الأوصاف الثلاثة التي تضمنتها هذه الآية الكريمة من صفات نساء أهل الجنة جاءت موضحة في آيات أخر. أما كونهن يوم القيامة أبكاراً فقد أوضحه قوله تعالى: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56]، لأن قوله: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ نص في أنهن أبكار. وأما كونهن (عُرُبًا) -أي: متحببات إلى أزواجهن- فقد دل عليه قوله تعالى: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ [الصافات:48]، لأن معناه أنهن قاصرات العيون على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم لشدة محبتهن لهم واقتناعهن بهم، ولا شك أن المرأة التي لا تنظر إلى غير زوجها متحببة إليه حسنة التبعل له. وقوله تعالى في (ص): وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ [ص:52]، وقال تعالى في سورة الرحمن: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56]. وأما كونهن أتراباً فقد بينه قوله تعالى في آية (ص): وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ [ص:52]، وفي سورة النبأ: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا [النبأ:31-33]، يعني: في نفس السن من الشباب. قوله تعالى: لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ [الواقعة:38] يعني: إنا أنشأناهن لأصحاب اليمين، فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا .. لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ .

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وأصحاب الشمال ... ولا كريم)

    قال الله تبارك وتعالى: وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ* فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ [الواقعة:41-44]. قوله: ((في سموم)) أي: حر نار ينفذ في المسام. ((وَحَمِيمٍ)) هو الماء المتناهي الحرارة. وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ أي: من دخان أسود طبق أهويتهم المردية وعقائدهم الفاسدة، فهذا الدخان الأسود يكون موافقاً لطباعهم السوداء، وعقائدهم الفاسدة، وهيئات نفوسهم المسودة بالصفات والهيئات السود الرديئة. لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ أي: ليس له صفة الظل الذي يأوي إليه الناس للراحة، فالناس تأوي إلى الظل لالتماس الراحة، للتفريج على أنفسهم من شدة الحر، فالظل الذي يرغب فيه يكون بارداً ويكون كريماً، أما هذا فهو ظل من يحموم من دخان أسود. يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: قد قدمنا صفات ظل أهل النار وظل أهل الجنة في سورة النساء في الكلام على قوله تعالى: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء:57] وبينا هناك أن صفات ظل أهل النار هي المذكورة هنا في هذه الآية: وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ وقال في المرسلات: انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ [المرسلات:30-31]. وقوله: ((مِنْ يَحْمُومٍ)) أي: من دخان أسود شديد السواد، ووزن (يحموم) (يفعول) وأصله من الحمم أو الحمم وهي الفحم، وقيل: من الحم، وهو الفحم المسود لاحتراقه بالنار.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنهم كانوا قبل ذلك مترفين ... الحنث العظيم)

    قال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ [الواقعة:45-46] أي: كانوا قبل ذلك منهمكين في اللذات والشهوات، منغمسين في الأمور الطبيعية والغواشي البدنية، فبذلك اكتسبوا هذه الهيئات الموبقة والتبعات المهلكة. وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ الذنب العظيم من الأقاويل الباطلة والعقائد الفاسدة التي استحقوا بها العذاب المخلد والعقاب المؤبد. وفسره السبكي بالقسم. يعني أن السبكي فسر الحنث العظيم بالقسم على إنكار البعث في حينما كانوا يحلفون في الدنيا، كما قص الله تعالى عنهم: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ [النحل:38] فهذا هو الحنث العظيم. قال الشهاب : وهو تفسير حسن. قال: لأن الحنث وإن فسر بالذنب مطلقاً أو بالذنب العظيم، فالمعروف استعماله في عدم البر بالقسم. فكلمة الحنث تستعمل في معنى الذنب العظيم أو الذنب مطلقاً؛ لكنها -أيضاً- تستعمل بصورة مشهورة في عدم البر بالقسم، فيقال: (حنث في يمينه)، أي: لم يبر بقسمه. ولذلك فسره بما كانوا يعتقدونه من إنكار البعث، فهذا يقوي تفسير قوله تعالى: وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ أنه القسم الذي كانوا يقسمونه في الدنيا، كما أخبر الله تعالى عنهم: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ [النحل:38] ولذلك أتبع الله قوله: وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ بقوله: وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ [الواقعة:47-48] فهذا فيه ربط بين الحنث العظيم وهو القسم المذكور في سورة النحل وشرح له. يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: لما ذكر جل وعلا ما أعد لأصحاب الشمال من العذاب بين بعض أسباب هذا العذاب، فذكر منها أنهم كانوا قبل ذلك في دار الدنيا مترفين، أي: متنعمين. وقد قدمنا أن القرآن دل على أن الإتراف والتنعم والسرور في الدنيا من أسباب العذاب يوم القيامة؛ لأن صاحبه معرض عن الله لا يؤمن به ولا برسله، كما دلت عليه هذه الآية الكريمة إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ [الواقعة:45] وقال تعالى: فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا [الانشقاق:11-13]، أي إنه كان يعيش مترفاً ويعيش للتمتع بالدنيا فحسب. إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا [الانشقاق:13] ما بين النوادي والملاهي والأفلام وشرب الخمر والكوميديا وكذا وكذا، يقولون لهم: الفلم الفلاني فيه ساعتان ضحك متواصل، والمسرحية هذه سوف تضحك فيها وتضحك وتضحك حتى يموت قلبك. وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إياكم وكثرة الضحك؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب) ما كان فرحهم كما قال الله عز وجل: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس:58] بالقرآن وبالعلم وبالإيمان! لا. بل كان فرحهم بمتاع الدنيا، بالمناصب وبالجاه وبالأموال وبالثروات وبالقصور، بهذه الأحوال المعروفة، فلذلك قال تبارك وتعالى: فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا [الانشقاق:11-12] ثم ذكر الأسباب: إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا [الانشقاق:13]. فإذاً الإنسان لا ينبغي له أن ينهمك في الدنيا في مظاهر السرور والابتهاج، وينسى أنه يتقدم نحو نهاية الرحلة. فالإنسان لابد من أن يصل إلى محطة معينة سوف ينزل فيها، فهو غافل، لكنه ليس مغفولاً عنه، فليحذر الإنسان من الانهماك في متاع الدنيا والانشغال به عن الآخرة، والدليل هذه الآيات الكريمات التي تحتاج منا إلى كثرة تأمل. فالله تعالى يقول: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا [الانشقاق:11-12] يعني: يقول: واثبوراه، واثبوراه. والثبور الهلاك. يعني: واهلاكاه، ثم قال تعالى: إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ [الانشقاق:13-14].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وكانوا يقولون أئذا متنا ... أو آباؤنا الأولون)

    قال تعالى: وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ [الواقعة:47-48]. دلت هذه الآية الكريمة على كون إنكار البعث سبباً لدخول النار؛ لأن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أنهم فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ [الواقعة:42-43] بين أن من أسباب ذلك أنهم قالوا: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ [الواقعة:47-48] كما قال تبارك وتعالى: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الرعد:5]. ثم بين عز وجل لهم أنه يبعث الأولين والآخرين، فعند الله لا فرق بين الأولين والآخرين، فقال تعالى: قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الواقعة:49-50]. وبين عز وجل أن البعث الذي أنكروه سيتحقق في حال كونهم أذلاء صاغرين حينما قال في الصافات: وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ * قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ [الصافات:15-18] يعني: وأنتم أذلاء صاغرون. فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ [الصافات:19] نفخة واحدة فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ [الصافات:19] رغماً عنهم.

    التحذير من قلب همزة (أئنا) هاءً.

    العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى عقد بحثاً متوسطاً حول قول الله تبارك وتعالى هنا: وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [الواقعة:47] * أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ [الواقعة:48] فقد أجمع عامة القراء على إثبات همزة الاستفهام في قوله تعالى: (( أَئِذَا مِتْنَا )). وأثبتها أيضاً عامة السبعة غير نافع والكسائي في قوله: أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [الواقعة:47]. وقرأه نافع والكسائي : (إنا لمبعوثون). وتعرض رحمه الله تعالى لنوع من الابتداع في القراءة، فقال: اعلم -وفقني الله وإياك- أن ما جرى في الأقطار الأفريقية من إبدال الأخيرة من هذه الهمزة المذكورة وأمثالها في القرآن هاء خالصة. فبدل (أئنا) يقولون: (أهنا) بهاء خالصة، يقول: فهذا من أشنع المنكر وأعظم الباطل، وهو انتهاك لحرمة القرآن العظيم وتعد لحدود الله، ولا يعذر فيه إلا الجاهل الذي لا يدري، وإنما قلنا هذا لأن إبدال الهمزة فيما ذكر هاء خالصة لم يروه أحد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم ينزل عليه به جبريل البتة، ولم يرو عن صحابي، ولم يقرأ به أحد من القراء، ولا يجوز بحال من الأحوال. فالتجرؤ على الله بزيادة حرف في كتابه -وهو هذه الهاء التي لم ينزل بها الملك من السماء البتة- هو كما ترى. وكون اللغة العربية قد سُمع فيها إبدال الهمزة هاء لا يسوغ التجرؤ على الله بإدخال حرف في كتابه لم يأذن بإدخاله الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ودعوى أن العمل جرى بالقراءة بالهاء لا يعول عليها؛ لأن جريان العمل بالباطل باطل، ولا أسوة في الباطل بإجماع المسلمين، وإنما الأسوة في الحق، والقراءة سنة متبعة مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا خلاف فيه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم)

    قال تعالى: قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الواقعة:49-50]. لما أنكر الكفار بعثهم وآباءهم الأولين في الآيات المتقدمة أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم خبراً مؤكداً بأن الأولين والآخرين كلهم مجموعون يوم القيامة للحساب والجزاء بعد بعثهم، كما وضحه قوله تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [التغابن:9] وقال تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [النساء:87] وقال تعالى: رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ [آل عمران:9] وقال تعالى: ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ [هود:103] وقال تعالى: هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ [المرسلات:38] وقال تعالى: وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا [الكهف:47]. وقوله تعالى: لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ أي: معين عند الله تعالى، وهو يوم القيامة، يوم معلوم عند الله لكن لا يعلم حقيقته ومتى هو إلا الله تبارك وتعالى.

    1.   

    تفسر قوله تعالى: (ثم إنكم أيها الضالون... شرب الهيم)

    قال تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ [الواقعة:51-55]. ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ [الواقعة:51]. أي: أيها الجاهلون المصرون على جهالاتهم والجاحدون للبعث لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ وهو من أخبث شجر البادية في المرارة وبشاعة المنظر ونتن الريح، فما يرجى من الشجر والثمر هو إما حلاوة الطعم، وهذا فيه مرارة، وإما المنظر الجميل وهذا بشع المنظر، وإما الريح الطيبة وهذا نتن الريح، فهذا وصف شجر الزقوم. وإذا قلنا: هو من أخبث شجر البادية فليس المقصود أن هذا هو الموجود في النار، فكما أنه ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء كذلك -أيضاً- ليس في النار مما في الدنيا إلا الأسماء، فالنار فيها شجر الزقوم لكن شتان بين شجر الدنيا وشجر النار، فهذا مجرد اسم فقط، لكن في الحقيقة هناك تفاوت لا يعلم مداه إلا الله سبحانه وتعالى. فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ أي: من ثمراتها الوبيئة البشعة المحرقة. فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ الإنسان حين يأكل يستسيغ الأكل عن طريق الشراب، أما هؤلاء فإذا أكلوا من شجر الزقوم فوقفت في حلوقهم فإنهم يستسيغونها ويبتلعونها عن طريق الحميم، وهو الماء الذي انتهى حره وغليانه. فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ يعني الإبل التي بها الهيام، وهو داء لا ري معه لشدة الشغف والكلب فهو داء يصيب البهيمة فتظل تشرب وتشرب ولا ترتوي مهما شربت.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (هذا نزلهم يوم الدين)

    قال تعالى: هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ [الواقعة:56]. أي: هذا جزاؤهم في الآخرة، وفيه مبالغة بديعة؛ لأن أصل النزل ما يعد للضيف من الإكرام والطعام والشراب. فهذا جزاؤهم في الآخرة، فالنزل ما يعد للقادم عاجلاً إذا نزل، أو الضيف حين يصل، فأول شيء يقدم إليه ويعد له ويهيأ له هو النزل لتكريمه به. فالنزل هو أول ما يعد للقادم عاجلاً إذا نزل، ثم يؤتى بعده بما هو المقصود من أنواع الكرامة، كالذبيحة أو غيرها من الأمور التي تحتاج إلى وقت للإعداد. فجعل الله تبارك وتعالى ما مر وصفه في قوله تبارك وتعالى:ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ [الواقعة:51-55]؛ كل هذا جعله نزلاً. فانظر إلى دقة التعبير في قوله تعالى: هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ فهذا هو الترحيب الأولي بهم. فلما جعل هذا أمراً هيناً كالنزل دل على أن ما بعده لا يطيق البيان شرحه، ولا يمكن أن تتسع لغة لوصف ما يكون بعده من الأهوال، والعياذ بالله. وجعله نزلاً مع أن النزل هو ما يكرم به النازل؛ تهكماً، كما في قوله: وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا جعلنا القنا والمرهفات له نزلاً يعني: حييناه بالسيوف وقاتلناه. يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ النزل -بضمتين- هو رزق الضيف الذي يقدم له عند نزوله إكراماً له، ومنه قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف:107] وربما استعملت العرب النزل في ضد ذلك على سبيل التهكم والاحتقار. وجاء القرآن باستعماله فيما يقدم لأهل النار من العذاب، كقوله هنا في عذابهم المذكور في قوله: لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ [الواقعة:52-56] أي: هذا العذاب المذكور هو ضيافتهم ورزقهم المقدم لهم عند نزولهم في دارهم التي هي النار. يعني أن المقصود به التهكم، كما تقول: هذه تحيتهم. فهذا تهكم؛ لأن التحية في الأصل إكرام، وهنا نزلهم فيه إهانة وعذاب أليم، كما قال تعالى في حق الكافر الحقير الذليل: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:49]. وقال تعالى في آخر سورة الكهف: إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا [الكهف:102] ونظير ذلك من كلام العرب قول أبي السعدي الضبي : وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا جعلنا القنا والمرهفات له نزلاً وقوله تعالى: هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ أي: يوم الجزاء.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (نحن خلقناكم فلولا تصدقون)

    قال تعالى: نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ [الواقعة:57]. نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ أي: نحن خلقناكم -يا معشر قريش- والمكذبين بالبعث فأوجدناكم بشراً ولم تكونوا شيئاً. فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ أي: بالخلق. وهم وإن كانوا مقرين به لقوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزمر:38] إلا أنه نزل منزلة العدم والإنكار. أي: فقوله: (( فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ )) يعني: بأنا خلقناكم. وقد يقول قائل: فهمنا من آيات أخر أن مشركي قريش كانوا يقرون بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقهم، فما وجه هذا التفسير؟ والجواب: أنه لما كان هذا الإقرار بالخالق لم تترتب عليه العبودية له صار بمنزلة العدم. ففهم أنه يصفهم هنا بأنهم لا يصدقون بأن الله هو الذي خلقهم، ولكن دلت بعض الآيات على أنهم يصدقون بأن الله تعالى خلقهم، فنزل تصديقهم الذي لم يثمر الطاعة والانقياد وتوحيد الله منزلة العدم. وهناك تفسير آخر، وهو أن المعنى: نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ أي: بقدرتنا على بعثكم وإعادتكم مرة أخرى؟! فإن من قدر على الإنشاء قادر على الإعادة. يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: لما أنكر الكفار بعثهم وآباءهم الأولين وأمر الله رسوله أن يخبرهم أنه تعالى باعث جميع الأولين والآخرين، وذكر جزاء منكري البعث بأكل الزقوم وشرب الحميم أتبع ذلك بالبراهين القاطعة الدالة على البعث فقال: نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ أي: هذا الخلق الأول، فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ أي: فهلا تصدقون بالبعث الذي هو الخلق الثاني؟! لأن إعادة الخلق لا يمكن أن تكون أصعب من ابتدائه كما لا يخفى. وهذا البرهان على البعث بدلالة الخلق الأول على الخلق الثاني جاء موضحاً في آيات كثيرة جداً، كقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:27] ولا شك في أن إعادة الخلق هينة على الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:27] أي: هين عليه. وليس معنى قوله تعالى: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:27] أنه أسهل عليه. وإنما هو من باب مخاطبة الناس بما هو معروف لديهم. لكن ليس هناك سهل وأسهل على الله؛ لأنه سبحانه قادر على كل شيء قدرة متساوية. فاستعمال هذا التعبير (( وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ )) إنما هو بالنسبة لما هو معهود عندكم أنتم أيها المخلوقون، فمن ابتدأ من الخلق شيئاً فلا شك في أن إعادته أسهل عليه من ابتدائه؛ لأنه أعرف بدروبه وبمسالكه. أما الله سبحانه وتعالى فالكل في قدرته سواء، وليس هناك سهل وأسهل، وإنما كله على الله هين. قال تبارك وتعالى: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:104] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ [الحج:5] .. إلى آخر الآية، وقال تبارك وتعالى: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس:79] وقال تبارك وتعالى: فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الإسراء:51]. وقوله: (فلولا) في قوله تعالى: نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ حرف تحضيض، ومعناه الطلب بحض وشدة، فالآية تدل على شدة حث الله للكفار على التصديق بالبعث لظهور برهانه القاطع الذي هو خلقه لهم أولاً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون)

    قال تبارك وتعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ [الواقعة:58-62]. أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أي: ما تقذفونه في الأرحام من النطف. ((أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ)) بجعله بشراً سوياً. ((أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ)) أي: بإضافة الصورة الإنسانية عليه. يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ [الواقعة:58] يعني: أفرأيتم ما تصبونه من المني في أرحام النساء، فـ(ما) هنا موصولة، يعني: الذي تمنون. والعائد ضمير محذوف تقديره (تمنونه). وقوله تعالى: أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ هذا استفهام تقرير، ولماذا استفهام تقرير؟ لأنه لا يمكن أن يكون جوابهم: نحن الخالقون، بل لابد لهم من أن يقولوا: الله سبحانه وتعالى هو الخالق، وهم ما ادعوا أبداً أنهم خلقوا شيئاً. وحينئذ سيكون الجواب: أنتم الخالقون. خطاباً لله سبحانه وتعالى على التعظيم! فيقال لهم: إذا كنا خلقنا هذا الإنسان الخصيم المبين من تلك النطفة التي تقذف في الرحم، فكيف تكذبون بقدرتنا على خلقه مرة أخرى وأنتم تعلمون أن الإعادة لا يمكن أن تكون أصعب من الابتداء؟! والضمير المنصوب في قوله تعالى: (( أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ )) الهاء فيه عائدة على الموصول، أي: أأنتم تخلقون ما تمنونه من النطف علقة ثم مضغة.. إلى آخر هذه المراحل؟! وهذا المعنى مبين في آيات كثيرة توضح أطوار خلق الإنسان. يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: هذا البرهان الدال على البعث الذي هو خلق الإنسان من نطفة من مني تمنى، يجب على كل إنسان النظر فيه. يعني أن التفكر في هذا الدليل واجب وفريضة وحتم على كل إنسان، فهو فريضة مثل الصلاة، فشأنه شأن كل الواجبات والفرائض. يقول: هذا البرهان الدال على البعث الذي هو خلق الإنسان من نطفة تمنى يجب على كل إنسان النظر فيه؛ لأن الله جل وعلا وجه الأمر بالنظر فيه إلى مني الإنسان، والأصل في صيغة الأمر على التحقيق الوجوب إلا لدليل صارف عنه، وذلك في قوله تعالى: فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ [الطارق:5]. ففي الآية أمر؛ إذ الأمر يأتي بصيغ شتى، من ضمنها صيغة فعل مضارع ومعه لام الأمر، كما هنا (فَلْيَنظُرِ) فهذا أمر، والأمر على التحقيق يفيد الوجوب إلا لقرينة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (نحن قدرنا بينكم الموت... فلولا تذكرون)

    قال تعالى: نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ *عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ [الواقعة:60-62]. قوله تعالى: ((نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ)) أي: كتبنا على كل نفس ذوق الموت. كما قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]. ومن كان سبيله ذلك، وكان موقناً بأنه -لابد- ميت، فشأنه أن يرهب من نزوله، ويتأهب لما يخوف به من بعده، فيستعد للمخاوف التي تكون بعد الموت. والجملة مقررة لما قبلها بإيذان أنهم في قبضة القدرة. أي: فالله الذي خلقكم من نطفة من مني يمنى هو سبحانه وتعالى -أيضاً- سوف يقبض أرواحكم بقدرته، فلا تغتروا بالإمهال بدليل ما قدره عليكم من الموت. وقوله: (بَيْنَكُمُ) فيه زيادة تنبيه، كأن الموت بين ظهرانيكم، فهو موجود في وسطكم قريب جداً منكم. ثم أكد ما قرره في قوله تعالى: (( وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ )) يعني: بمغلوبين. (( عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ )) أي: بعد مهلككم فنجيء بآخرين من جنسكم. (( وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ )) من صور وأشكال أخرى، فكيف نعجز عن إعادتكم؟ فإذا كانت هذه مظاهر من قدرة الله تبارك وتعالى، وهي أنه كتب عليكم الموت، وهو مميتكم لا محالة، وقادر على إماتتكم جميعاً، وأن يستبدل بكم قوماً غيركم، وأن يقلبكم في أطوار وفي أحوال وفي صور وأشكال؛ فكيف يعجز عن إعادة خلقكم مرة ثانية؟! قال الشهاب : والظاهر أن قوله: (( وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ )) المراد به: إذا بدلناكم بغيركم. لا في الدار الآخرة كما توهم، وهذا كقوله تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ [النساء:133]. قوله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى . أي أنه أنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئاً مذكوراً، فخلقكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، كما قال تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1] فـ(هَلْ) هنا بمعنى (قد)، أي: قد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً. وقوله تعالى: (( فَلَوْلا تَذكَّرُونَ )) أي: فتعرفون أن الذي قدر على هذه النشأة وهي البداءة، قادر على النشأة الأخرى وهي الإعادة، وأنها هينة عليه تبارك وتعالى.

    كلام الشنقيطي على قوله تعالى: (نحن قدرنا بينكم الموت...)

    قوله تعالى: نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ . يقول الشنقيطي قرأ هذا الحرف عامة القراء السبعة غير ابن كثير : (( نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ )) وقرأ ابن كثير بتخفيفها: (نحن قَدَرْنا بينكم الموت). وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن الآية الكريمة قد يكون فيها وجهان أو أكثر من التفسير، فيكون كل ذلك صحيحاً، وكله يشهد له القرآن، فنذكر الجميع وأدلته من القرآن، ومن ذلك هذه الآية الكريمة. فالإيضاح في ذلك أن قوله تعالى: (( نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ )) في تفسيرها وجهان من التفسير، وأيضاً فيما يتعلق به قوله تعالى: (( عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ )) وجهان من التفسير. فقال بعض العلماء -وهو اختيار شيخ المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى- قالوا: إن قوله تبارك وتعالى: (( نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ )) أي: قدرنا لموتكم آجالاً مختلفة وأعماراً متفاوتة، فمنكم من يموت صغيراً، ومنكم من يموت شاباً، ومنكم من يموت شيخاً. فقوله تعالى: (( بَيْنَكُمُ )) يعني: بين شتى أصنافكم وأعماركم. ودل على هذا قوله تعالى: ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ [الحج:5] وقال تعالى: ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ [غافر:67] يعني: قبل فترة الشيخوخة، فتشمل الشباب وتشمل الطفولة وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [غافر:67] وقال تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ [فاطر:11] وقال تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [المنافقون:11]. وقوله تعالى: (( وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ )) أي: ما نحن بمغلوبين. والعرب تقول: سبقه على كذا، أي: غلبه عليه وأعجزه عن إدراكه. والمعنى: وما نحن بمغلوبين على ما قدرنا من آجالكم وحددناه من أعماركم. بمعنى أنه لن يقدر أحد على أن يقدم أجلاً أخرناه ولا أن يؤخر أجلاً قدمناه. وهذا المعنى دلت عليه آيات كثيرة، كقوله تعالى: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]. وقال تبارك وتعالى: إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ [نوح:4] وقال تبارك وتعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا [آل عمران:145] إلى غير ذلك من الآيات. على تفسير الآيتين السابقتين بالتفسير الذي ذكرناه يكون قوله تعالى: (( عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ )) لا علاقة له بقوله تعالى: (( بِمَسْبُوقِينَ )) بل هو متعلق بقوله: (( نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ))؛ لأن الجملة لها ثلاثة أجزاء: الأول: قوله تعالى: (( نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ )). والثاني: قوله تعالى: (( وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ )). والثالث: قوله تعالى: (( عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ )). فكأن المعنى: نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ. أي: نبدل من الذين ماتوا أمثالاً لهم نوجدهم. وعلى فمعنى تبديل أمثالهم إيجاد آخرين من ذرية أولئك الذين ماتوا. وهذا المعنى تشهد له آيات كثيرة من كتاب الله تعالى، كقوله تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ [الأنعام:133] وهذا التفسير هو اختيار ابن جرير ، وقراءة (( قَدَّرْنَا )) مناسبة لهذا الوجه، وكذلك قوله تعالى: (بَيْنَكُمُ). أما الوجه الثاني في تفسير الآية فهو أن (قَدَّرْنَا) بمعنى: قضينا وكتبنا على جميع الخلق. وهذا الوجه تشهد له آيات من كتاب الله، كقوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88] . وقوله: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185] وقال تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ [الفرقان:58]. وعلى هذا القول فقوله تعالى: عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أمثالكم [الواقعة:61] متعلق بقوله تعالى: (( وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ )) أي: ما نحن بمغلوبين. والمعنى: وما نحن بمغلوبين على أن نبدل أمثالكم إن أهلكناكم لو شئنا، فنحن قادرين على إهلاككم، ولا يوجد أحد يغلبنا ويمنعنا من خلق أمثالكم بدلاً منكم. وهذا المعنى كقوله تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا [النساء:133] وقوله تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ [الأنعام:133] وقوله تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [إبراهيم:19-20] وقوله تعالى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38]. قوله تعالى: (وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ) قال بعضهم: وننشئكم بعد إهلاككم فيما لا تعلمونه من الصور والهيئات، كأن ننشئكم قردة وخنازير كما فعلنا ببعض المجرمين قبلكم. وقال بعضهم: ننشئكم فيما لا تعلمونه من الصفات فنغير صفاتكم، فنجمل المؤمنين ببياض الوجوه، ونقبح الكافرين بسواد الوجوه وزرقة العيون. إلى غير ذلك من الأقوال.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أفرأيتم ما تحرثون... بل نحن محرومون)

    قال تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ [الواقعة:63-67]. ثم انتقل الاستدلال إلى دليل آخر من أدلة البعث والنشور، فقال عز وجل: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ [الواقعة:63] يعني: أفرأيتم ما تحرثون الأرض لأجله ((أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)) والهاء في قوله: (تَزْرَعُونَهُ) عائدة على (ما تحرثون) وهل نحن نحرث الأرض أم نحرث الحب؟! نحرث الأرض، لكن من أجل أن نضع فيها الحب، فلذلك نقول في التفسير: أفرأيتم ما تحرثون الأرض لأجله، وهو الحب؟! فقوله تعالى: أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أي: هذا الحب. لأن قائلاً قد يقول: لماذا ذكر الحب؟ فنحن في التفسير نقول: المعنى: أفرأيتم ما تحرثون الأرض لأجله وهو الحب. ثم أتى السياق يتكلم عن الحب نفسه، فقال تعالى: أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ والحرث شق الأرض للزراعة وإثارتها وإلقاء البذر فيها. وقوله تعالى: (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ) أي: تنبتونه (أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) يعني: أم نحن المنبتون. وعن بعض السلف أنه كان إذا قرأ هذه الآية وأمثالها يقول: بل أنت -يا رب- الذي تزرع، وأنت الذي تنميه. (لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا) يعني هذا الزرع، أي: أيبسناه قبل استوائه واستحصاده، وأصل الحطام ما تحطم وتفتت لشدة يبسه وجفافه. وقوله تعالى: (فَظََلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) أي: تتعجبون من هلاكه ويبسه بعد خضرته. أي: تندمون على اجتهادكم الذي ضاع فيه. أو: (تَفَكَّهُونَ) على ما أصبتم لأجله من المعاصي فتتحدثون فيه، والتفكه: التنقل بصنوف الفاكهة، وقد استعير للتنقل بالحديث لأنه ذو شجون. فالتفكه هنا مقصود به تناقل الحديث في الكلام وفي الحوار. (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) يعني: تقولون: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ، فهذا مقول قول مقدر. ومعنى (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) أي: ملزمون غرامة ما أنفقنا. أو: مهلكون لهلاك رزقنا. من الغرام بمعنى الهلاك؛ قال الشاعر: إن يعذب يكن غراماً وإن يعـ ط جزيلاً فإنه لا يبالي ومن الأول قوله تعالى: إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [الفرقان:65] أي: ملازماً. ومعنى قوله تعالى: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أي: حرمنا رزقنا.

    دلائل البعث في إنبات الزرع

    يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى في قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ [الواقعة:64] * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة:63-65]. يقول: تضمنت هذه الآيات الكريمة برهاناً قاطعاً ثانياً على البعث وامتناناً عظيماً على الخلق بخلق أرزاقهم لهم، فقوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ يعني: أفرأيتم البذر الذي تجعلونه في الأرض بعد حرثها. (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ) أأنتم تجعلونه زرعاً ثم تنمونه إلى أن يصير مدركاً صالحاً للأكل. (أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) له. وهذا المعنى لا يتفطن إليه إلا الإنسان المؤمن العاقل، لكن الكافر يعمى عن رؤية قدرة الله على إنبات هذه البذرة، فنحن -البشر- ما علينا غير الأخذ بالأسباب، لكن هل الأسباب حتماً تؤدي إلى النتائج؟! إن القوة التي تنمي وتنبت هي قوة الله سبحانه وتعالى، فنحن إنما نأخذ بالأسباب، نوجد الماء والبذرة، ونحرث الأرض، ونسقي الزرع، لكن من الذي ينبت؟ إنه الله سبحانه وتعالى. ولا شك في أن الجواب الذي لا جواب غيره هو أن يقال: أنت -يا ربنا- الزارع المنبت، ونحن لا قدرة لنا على ذلك، فيقال لهم: كل عاقل يعلم أن من أنبت هذا السنبل في هذا البذر الذي تعفن في باطن الأرض قادر على أن يبعثكم بعد موتكم. وكون إنبات النبات بعد عدمه من براهين البعث قد جاء موضحاً في آيات كثيرة، كقوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى [فصلت:39] وقال تعالى: فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ [الروم:50] ورحمة الله هي المطر؛ لأن المطر أحياناً يسمى رحمة، كما قال تعالى: أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [النمل:63] وهي المطر. وانظر إلى قوله تعالى: (( آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ )) فكلما ترى زرعاً أو نباتاً أو شجرة فقل: هذا هو أثر رحمة الله، لقوله: فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الروم:50]. وقال تعالى: حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأعراف:57]. إذاً: الفائدة من الزرع والنبات ليس الأكل أو رؤية مناظر الجنات الجميلة فحسب، وإنما هناك غاية أساسية من خلقها، وهي أنها تدلنا على قدرة الله على البعث والنشور، كما أحيا هذه الأرض بعد موتها. ثم يقول الشيخ الشنقيطي أيضاً: اعلم أنه يجب على كل إنسان أن ينظر في هذا البرهان الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة؛ لأن الله جل وعلا وجه في كتابه صيغة أمر صريحة عامة في كل من يصدق عليه مسمى الإنسان بالنظر في هذا البرهان العظيم المتضمن للامتنان لأعظم النعم على الخلق، وللدلالة على عظم الله وقدرته على البعث وغيره، وشدة حاجة خلقه إليه مع غناه عنهم، كما في قول الله تبارك وتعالى: فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [عبس:24-33].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755913232