إسلام ويب

تفسير سورة طه [95-103]للشيخ : محمد إسماعيل المقدم

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قال فما خطبك يا سامري)

    قال تبارك وتعالى: وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى * قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [طه:90-94] يعني: بتركهم لا راعي لهم، وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي [طه:94] أي: لم تراع قولي في الاستخلاف والوجود بين ظهرانيهم. قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ [طه:95]. بعد هذا الحوار التفت موسى إلى السامري قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ ، أي: ثم أقبل على السامري وقال له منكراً: ما شأنك فيما صنعت؟ وما دعاك إليه؟ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ [طه:96] أي: فطنت لما لم يتفطنوا له، فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا [طه:96] يعني: كنت من قبل قد قبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها، يعني: ألقيتها في الحلي المذاب حتى صار عجلاً حيا، وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي [طه:96] أي: حسنته وزينته، (( قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا )) [ طه:97] يعني: وإن لعذابك موعداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا [طه:97] أي: لنصيرنه رماداً في البحر بحيث لا يبقى منه عين ولا أثر.

    1.   

    تنبيهات متعلقة بقصة عبادة بني إسرائيل للعجل

    وعظ هارون لقومه أحسن الوعظ

    يذكر القاسمي رحمه الله تعالى بعض التنبيهات فيقول: الأول: اعلم أن هارون عليه السلام سلك في هذا الوعظ أحسن الوجوه؛ لأنه زجرهم عن الباطل أولاً بقوله: (( يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ ))، ثم دعاهم لمعرفة الله تبارك وتعالى ثانياً بقوله: (( وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ ))، ثم دعاهم ثالثاً إلى معرفة النبوة بقوله تعالى: (( فَاتَّبِعُونِي ))، ثم دعاهم إلى الشرائع رابعاً بقوله: (( وَأَطِيعُوا أَمْرِي ))، وهذا هو الترتيب الجيد؛ لأنه لابد قبل كل شيء من إماطة الأذى عن الطريق، وهو إزالة الشبهات، ثم معرفة الله تعالى، فإزالة الشبهات في قوله: (( إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ ))، ثم معرفة الله في قوله: (( وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ ))، فمعرفة الله هي الأصل، ثم التي بعدها النبوة في قوله: (( فَاتَّبِعُونِي ))، ثم الشريعة في قوله: (( وَأَطِيعُوا أَمْرِي ))، فثبت أن هذا الترتيب على أحسن الوجوه. وقد برأ الله تعالى بهذه الآيات البينات هارون عليه السلام مما افتراه عليه كتبة التوراة من أنه هو السامري الذي اتخذ العجل وأمر بعبادته. هذا من كذبهم على نبي الله هارون عليه السلام، لأنه قطعاً مثل موسى وسائر الأنبياء معصومون من أدنى من ذلك بكثير، فكيف لا يعصمون من الشرك؟ وكيف لا يعصمون من عبادة العجل؟ فإذاً: ما ادعاه كتبة التوراة من أن السامري هو هارون عليه السلام الذي اتخذ العجل وأمر بعبادته كما هو موجود عندهم، هو من أعظم الفراء بلا امتراء. عندما تقارن بين مواقف القرآن من الأنبياء عليهم السلام، وبين مواقف هؤلاء الذين حرفوا الكلم من بعد مواضعه، تتعجب! فقد ادعوا أن سليمان عليه السلام عبد الأصنام، وما أكثر القبائح التي نسبوها لغيرهم من الأنبياء! وانظر إلى القرآن كيف يعظم هؤلاء الأنبياء كداود وسليمان، وبيان ذلك بالتفصيل في تفسير سورة ص، وهذا من العلامات البينات الدالة على أن القرآن كتاب الله حقاً، وأنه من عند الله عز وجل، وأنه ذكر أحسن المواقف وأعظمها للأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، فهاهم هؤلاء اليهود لعنهم الله ينسبون ويدعون أن هارون هو السامري ، وأنه هو الذي اتخذ العجل، وأنه هو الذي أمر بني إسرائيل بذلك، فانظر كيف يأتي القرآن مهيمناً على ما عندهم من الضلال وحاكياً عن هارون عليه السلام أنه قال: وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي [طه:90].

    المقصود بالرسول في قوله: (من أثر الرسول)

    التنبيه الثاني: عامة المفسرين قالوا: المراد بالرسول في قوله تعالى: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا هو جبريل عليه السلام، و(( أَثَرِ الرَّسُولِ )) يعني: التراب الذي أخذه من موضع حافر دابته، حيث قالوا: إنه لاحظ أن أثر الحافر ينبت فيه نبات، فتفرس وتفطن إلى أن فيه قوة حياتية، فمن ثم قبض هذه القبضة وألقاها في الحلي حينما صهرها؛ ليكون منها العجل. يقول: فعامة المفسرين ذهبوا إلى أن الرسول هو جبريل، والمراد بأثره التراب الذي أخذه من موضع حافر دابته، ثم اختلفوا في السامري متى رآه؟ فقيل: إنما رآه يوم فلق البحر، وقيل: وقت ذهابه بموسى إلى الطور. واختلفوا أيضاً كيف أن السامري اختص برؤية جبريل عليه السلام؟ فقيل: إنما عرفه؛ لأنه رآه في صغره، وحفظه من قتل آل فرعون له، وكان ممن رباه،.و كل هذا ليس عليه أثارة من علم، ولا يدل عليه التنزيل الكريم؛ ولذا قال أبو مسلم الأصبهاني : ليس في القرآن تصريح بهذا الذي ذكره المفسرون، وههنا وجه وآخر وهو: أن يكون المراد بالرسول موسى عليه السلام، (( فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ )) المراد بالرسول موسى عليه السلام، وبأثره سنته، ورسمه الذي أمر به، فقد يقول الرجل: فلان يقفو أثر فلان، وفلان يقبض أثر فلان، إذا كان يمتثل رسمه، يعني يتبع هديه وطريقته، ويقال: فلان يقفو أثر شيخه، يعني: يتبعه، فأثر الرسول هو سنته وهديه ورسمه الذي أمر به، فقد يقول الرجل: فلان يقفو أثر فلان، ويقبض أثره إذا كان يمتثل رسمه، والتقدير: أن موسى عليه السلام لما أقبل على السامري باللوم، والمسألة عن الأمر الذي دعاه إلى إضلال القوم بهذا العجل، فرد عليه السامري قائلاً: (( بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ )) أي: عرفت أن الذي أنتم عليه ليس بحق، وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أيها الرسول، أي: شيئاً من سنتك ودينك، فخالفته أي: طرحته، هذا هو الوجه الذي ذهب إليه أبو مسلم ، وهو متجه؛ لأنه كما قال: لا توجد أدلة على هذا الذي حكوه من أن أثر الرسول هو جبريل، وأنه أثر حافر فرسه.. إلى آخره، فلم نقف على دليل على ذلك عن المعصوم صلى الله عليه وسلم ويمكن أن تفهم الآية بهذا الوجه المستقيم (( بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ )) يعني: هذا من فتنته بالشرك والردة، قال: أنا فهمت شيئاً لم يفهمه الآخرون، وعرفت لفطانتي وبصيرتي أنكم لستم على الحق، وأن الإسلام ليس هو دين الحق. (( بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ )) أي: اعتد برأيه، وظن أن ما عليه موسى وهارون وقومهما ليس هو الحق، وقد كنت من قبل قبضت قبضة من أثرك أيها الرسول، يعني: شيئاً من سنتك ودينك، (( فَنَبَذْتُهَا )) يعني: فقذفته وطرحته ورفضته، كنت متمسكاً بهديك وسنتك بالحق، لكنني عندما بصرت بما لم تبصروا به طرحت ونبذت هذا الشيء، فعند ذلك أعلمه موسى عليه السلام بما له من العذاب في الدنيا والآخرة. وإنما أورد بلفظ الإخبار عن غائب كما يقول الرجل لرئيسه وهو مواجه له: ما يقول الأمير في كذا؟ وبماذا يأمر الأمير؟ وهو يشير إلى قوله: (( فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ )) إذاً: الكلام هنا في سياق الغائب، وإن كنا في التفسير نقول: فقبضت قبضة من أثرك أيها الرسول، لكن لفظ القرآن جاء في سياق الغائب، (( قَالَ )) مخاطباً موسى: (( بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ)) لأنه في حالة خطاب مع موسى عليه السلام. وأما دعاؤه موسى عليه السلام رسولاً مع جحده وكفره، يعني: كيف يخاطبه بقوله: قبضت قبضة من أثرك أيها الرسول، وهو مكذب بموسى؟ فعلى مذهب من حكى الله تعالى عنه قوله: وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الحجر:6]، فهل هم يؤمنون أن النبي أنزل عليه الذكر؟ لا، لكن يقصدون بذلك أنهم لم يؤمنوا بالإنزال، لكن هذا على سبيل السخرية منه: يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الحجر:6-7]. قال الرازي : ما ذكره أبو مسلم أقرب إلى التحقيق مما ذكره المفسرون لوجوه: أحدها: أن جبريل عليه السلام ليس مشهوراً باسم الرسول، فليست (ال) العهدية حتى تنصرف إلى جبريل عليه السلام، خاصة وأن جبريل عليه السلام لم يجر له ذكر فيما تقدم حتى تجعل لام التعريف إشارة إليه؛ فإطلاق لفظ الرسول لإرادة جبريل عليه السلام كأنه تكلف بعلم الغيب. يعني: لا يوجد دليل نقلي يثبت أن الرسول هو جبريل عليه السلام، فجبريل لم يشتهر بلفظ الرسول، بالذات عند الإطلاق كقوله تعالى في سورة المدثر: (( فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ ))؛ لأن السياق يرشدنا إلى أن الرسول المعهود هو موسى عليه السلام، أما هنا لم يجر ذكر جبريل ، وجبريل لا يشتهر باسم الرسول بحيث ينصرف الاسم إليه عند الإطلاق، وأيضاً لم تجر لفظ الإشارة حتى تجعل لام التعريف في كلمة: (( الرَّسُولِ )) إشارة إلى جبريل عليه السلام. إذاً: لا يوجد أي دليل على تفسير الرسول بجبريل، وكأن القول بأنه جبريل من ادعاء علم الغيب، فمن أين لنا أن أنه جبريل؟ هذا غيب، ولا يوجد دليل على تأييد ذلك. ثانيهاً -أي ثاني الوجوه-: أنه لابد فيه من الإضمار، والإضمار بلا شك خلاف الأصل؛ لأننا كما قلنا: الوجه الأول من التفسير المشهور عند المفسرين: (( فَقَبَضْتُ قَبْضَةً )) أي: من أثر حافر فرس جبريل، يعني: نحن نقدر ثلاث كلمات، والإضمار خلاف الأصل، الأصل ألا يكون هناك إضمار، فهذا إضمار فيه كثير من التكلف. ثالثها: أنه لا بد من التعسف في بيان كيف أن السامري كيف اختص من بين جميع الناس برؤية جبريل عليه السلام ومعرفته؟ من أين عرف أنه جبريل؟! ومن أين رآه؟! ولماذا هو بالذات؟! ولماذا لم يره غيره من الناس؟! فنحتاج إلى التعسف في جوابنا على هذه الأسئلة. كيف اختص السامري من بين جميع الناس برؤية جبريل عليه السلام ومعرفته أنه هو جبريل؟ ثم كيف عرف أن لتراب حافر فرسه هذا الأثر؟ والذي ذكروه من أن جبريل عليه السلام هو الذي رباه بعيد. يقولون: إن جبريل هو الذي رباه لما أنقذه من فرعون وهو صغير، ولم يقتله كما كان يقتل صبية بني إسرائيل وهذا احتمال بعيد؛ لأن السامري إن عرف جبريل حال كمال عقله، عرف قطعاً أن موسى عليه السلام نبي صادق، فكيف يحاول الإضلال؟! فلدينا أحد أمرين: إما أن السامري عرف جبريل في حال صغره قبل أن يكتمل عقله، وإما بعد أن اكتمل عقله، فإذا كان عرف جبريل وهو يأتي موسى عليه السلام من عند الله حال كمال عقله، فلا شك أنه سيعرف بذلك أن موسى نبي صادق، حيث هو يرى بعينيه جبريل ملك الوحي الذي ينزل على موسى، فهذا دليل قطعي على نبوة موسى عليه السلام، فكيف يرتد بعد ذلك عن الإيمان بموسى؟! وكيف يحاول إضلال بني إسرائيل؟! ثم إن كان لم يعرفه حالة البلوغ، فأي منفعة لكون جبريل عليه السلام مربياً له حال الطفولية في حصول تلك المعرفة؟ هذه أيضاً أشياء تستوجب قدراً كبيراً من التعسف للإجابة على هذه الأسئلة، والحقيقة أن هذا التفسير تفسير قوي، وله وجه للأسباب التي ذكرنا، فهذه من الفوائد العظيمة في تفسير القاسمي، فعضوا عليها بالنواجذ.

    أوجه تفسير قوله: (لا مساس)

    التنبيه الثالث في قوله: قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ [طه:97] في قوله: (( لا مِسَاسَ )). وجوه: الوجه الأول: لا أَمس ولا أُمس، يعني عوقب السامري بأنه ما دام حياً لا يقربه أحد أبداً، ولا يمس أحداً. الوجه الثاني: أن المقصود من قوله: (( لا مِسَاسَ )): المنع من أن يخالط أحداً، أو يخالطه أحد عقوبة له، هجرة وعقوبة جماعية له، فالناس كلهم يقاطعونه عقوبة له على ما صنع. الوجه الثالث: ما ذكره أبو مسلم أي: ما أريد مس النساء، فيكون من تعذيب الله إياه انقطاع نسله، فلا يكون له ولد يؤنسه، فيحرمه الله تعالى من زينتي الدنيا اللتين ذكرهما بقوله: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الكهف:46]؛ لأن المس يكنى به عن النكاح، كما في قوله تعالى: (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [البقرة:237]، والله تعالى أعلم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ...)

    ولما فرغ موسى عليه السلام من إبطال ما دعا إليه السامري عاد إلى بيان الدين الحق، فقال: إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا [طه:98]. (( إِنَّمَا إِلَهُكُمُ )) أي: المستحق للعبادة والتعظيم اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أي: أحاط علمه بكل شيء. قال الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا : بين جل وعلا في هذه الآية أن العجل الذي صنعه السامري من حلي القبط لا يمكن أن يكون إلهاً؛ وذلك لأنه حصر الإله أي المعبود بحق بـ: (( إِنَّمَا )) -التي هي أداة حصر على التحقيق- في خالق السماوات والأرض. الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [طه:98] أي: لا معبود بحق إلا هو وحده جل وعلا، وهو الذي وسع كل شيء علماً، (وعلماً) تمييز محول عن الفاعل. أي: وسع علمه كل شيء. وما ذكره تبارك وتعالى في هذه الآية الكريمة: من أنه تعالى هو الإله المعبود بحق دون غيره، وأنه وسع كل شيء علماً؛ ذكره في آيات كثيرة من كتابه الكريم، كقوله تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:255]، وقوله: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19]. وقال في إحاطة علمه بكل شيء: وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [يونس:61]، وقوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59]، والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق ...)

    قوله تبارك وتعالى: كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءَِ مَا قَدْ سَبَقَ [طه:99]، هذا السياق -كما بينه القاسمي - إشارة إلى فضل الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فيما قصه عليه من أنباء الأنبياء تنويهاً بشأنه، وزيادة في معجزاته، وتكثيراً للاعتبار والاستبصار في آياته. قال تعالى: كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا . (( ذِكْرًا )) أي: كتاباً عظيماً جامعاً لكل كمال، وسمى القرآن ذكراً؛ لما فيه من ذكر ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم ودنياهم، ومن ذكر آلاء الله ونعمه، ففيه التذكير والمواعظ، ولما فيه من الذكر الخاص له صلوات الله وسلامه عليه. قال الرازي : وقد سمى تعالى كل كتبه ذكراً، فقال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ [النحل:43]. كما بين تعالى نعمته بذلك بين شدة الوعيد لمن أعرض عنه فلم يؤمن به، فقال عز وجل: مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا [طه:100-101]. (( مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ )) أي: عن هذا القرآن، وعن هذا الذكر (( فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا )) أي: إثماً، يعني: عقوبة ثقيلة، شبهت بالحمل الثقيل لثقلها على المعاقب، وصعوبة تحملها أو صعوبة احتمالها. (( خَالِدِينَ فِيهِ )) أي: باحتماله المستمر، (( وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا )). يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا [طه:102-103].

    تفسير الشنقيطي لقوله تعالى: (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق ...)

    يقول الشنقيطي في قوله تعالى: (( كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ )): الكاف في قوله: (( كَذَلِكَ ))[ طه: 99]، في محل نصب على أنه نعت لمصدر محذوف، أي: نقص عليك من أنباء ما سبق قصصاً مثل ذلك القصص الحسن الحق الذي قصصنا عليك عن موسى وهارون ، وعن موسى وقومه والسامري . والظاهر أن (من) في قوله تعالى: (( مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ )) للتبعيض، ويفهم من ذلك: أن بعضهم لم يقصص عليه خبره، وليس المقصود بها البيان؛ لأن الله سبحانه وتعالى أخبر في موضع آخر في القرآن الكريم أنه قص عليه أنباء بعض الرسل، وبعضهم لم يقصه عليه، كما قال تبارك وتعالى في سورة النساء: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [النساء:164]، وقال تعالى في سورة المؤمن: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ [غافر:78] وقال في سورة إبراهيم: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ [إبراهيم:9]. والأنباء: جمع نبأ، وهو الخبر الذي له شأن. وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من أنه قص على نبيه صلى الله عليه وسلم أخبار الماضين. أي: ليبين بذلك صدق نبوته، فالله سبحانه وتعالى من حكمة اشتمال القرآن الكريم على قصص الأنبياء السابقين الماضين: هو تأييد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بهذه المعجزة؛ لأنه أمي لا يكتب ولا يقرأ الكتب، ولم يتعلم أخبار الأمم وقصصهم؛ فلولا أن الله أوحى إليه ذلك لما علمه، وهذا ما بينه تعالى في قوله عز وجل: ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:44] أي: فلولا أن الله أوحى إليك ذلك لما كان لك به علم، وقوله تعالى في سورة هود: تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49]، وقال أيضاً في سورة هود: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [هود:120]، وقال تعالى في سورة يوسف: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف:102]، وقال أيضاً في قصة يوسف: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ [يوسف:3] يعني: لم يكن عندك علم بهذا الذي قصصنا عليك، وقال أيضاً في سورة القصص: وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ [القصص:44]، وقال أيضاً في سورة القصص: وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا [القصص:46]، وقوله أيضاً: وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا [القصص:45]، كل هذه الآيات تؤكد معنى واحد، وهو: أن هذا من معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا من مؤيدات نبوته وأعلامها؛ لأن المقصود أنك لم تكن حاضراً يا نبي الله تلك الوقائع، فلولا أن الله أوحى إليك ذلك لما علمته. وقوله تعالى: (( كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ )) أي: أخبار ما مضى من أحوال الأمم والرسل، وقوله: (( وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا )) أي: أعطيناك من عندنا ذكراً، وهو هذا القرآن العظيم، وقد دلت على ذلك آيات من كتاب الله، كقوله عز وجل: وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ [الأنبياء:50]، وقال تعالى: ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ [آل عمران:58]، فالقرآن يسمى ذكراً، وقال أيضاً: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأنبياء:2]، وقال أيضاً: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص:1]، وقال أيضاً: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف:44]، وقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، إلى غير ذلك من الآيات. قال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية الكريمة: ثم في تسمية القرآن بالذكر وجوه: أحدها: أنه كتاب فيه ذكر ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم ودنياهم. ثانيها: أنه يذكر أنواع آلاء الله ونعمه تعالى، ففيه التذكير والمواعظ. ثالثها: أن فيه الذكر والشرف لك ولقومك كما قال: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف:44] أي: فإنه شرف لك ولقومك. واعلم أن الله تعالى سمى كل كتبه ذكراً، فقال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ [النحل:43]. ويدل على الوجه الثاني في كلامه قوله تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29]، وقوله تعالى: وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا [طه:113].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً)

    قال تعالى: مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا [طه:100]. قال الشنقيطي : ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من أعرض عن هذا الذكر الذي هو القرآن العظيم، أي: صد وأدبر عنه، ولم يعمل بما فيه من الحلال والحرام، والآداب والمكارم، ولم يعتقد ما فيه من العقائد، ويعتبر بما فيه من القصص والأمثال، ونحو ذلك؛ (( فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا ))، قال الزمخشري : يريد بالوزر العقوبة الثقيلة الباهظة، سماها وزراً: تشبيهاً -في ثقلها على المعاقب، وصعوبة احتمالها- بالحمل الذي يفدح الحامل، وينقض ظهره، ويلقي عليه بهره، أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثم. قال الشنقيطي رحمه الله تعالى: قد دلت آيات كثيرة من كتاب الله على أن المجرمين يأتون يوم القيامة يحملون أوزارهم، أي: أثقال ذنوبهم على ظهورهم كقوله تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:31]، وقال في النحل: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [النحل:25]، وقال في العنكبوت: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [العنكبوت:13]، وقال في فاطر: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [فاطر:18]، وبهذه الآيات التي ذكرنا وأمثالها في القرآن تعلم أن معنى قوله تعالى: مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا ، وقوله: خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا [طه:101]: أن المراد بذلك الوزر المحمول: أثقال ذنوبهم وكفرهم يأتون يوم القيامة يحملونها، سواء قلنا: إن أعمالهم السيئة تتجسم في أقبح صورة وأنتنها، أو غير ذلك كما تقدم إيضاحه، والعلم عند الله. قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (( خَالِدِينَ فِيهِ )) يريد: مقيمين فيه أي: في جزائه، وجزاؤه جهنم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذٍ زرقاً ...)

    قال تعالى: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا [طه:102] بدل من يوم القيامة، أو منصوب بمحذوف، والنفخ في الصور تمثيل لبعث الله للناس يوم القيامة بسرعة لا يماثلها إلا نفخة في بوق، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68]، وعلينا أن نؤمن بما ورد من النفخ في الصور، وليس علينا أن نعلم ما هي حقيقة ذلك الصور، والبحث وراء هذا عبث لا يسوغ للمسلم، أفاده بعض المحققين. يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا [طه:102] أي: نسوقهم إلى جهنم، (( زُرْقًا )) أي: زرق الوجوه، والزرقة تقرب من السواد، فتكون وجوههم فيها زرقة قريبة جداً من السواد، فهذا بمعنى قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]. وقال أبو مسلم : المراد بهذه الزرقة شخوص أبصارهم، والأزرق شاخص؛ لأنه لضعف بصره يكون محدقاً نحو الشيء يريد أن يتبينه، وهذه حال الخائف المتوقع لما يكره، وهذا كقوله تعالى: إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ [إبراهيم:42]، نقله الرازي ، والأول أظهر، يعني: أنه فعلاً وجوههم تكون شديدة الزرقة بحيث تقترب من اللون الأسود. يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا [طه:103]. (( يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ )) أي: يتسارُّون من الرعب والهول أو من الضعف، قائلين يهمس بعضهم في أذن بعض، فهم يتخافتون فيما بينهم من الرعب والهول، أو من الضعف الشديد سراً، قائلين: (( إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ))، يعني: في الدنيا لبثتم عشر ليال، يتذكرون المدة التي عاشوها في الدنيا، فيقدرونها ويقولون: نحن عشنا تقريباً في الدنيا عشر ليال فقط، كل العمر الذي عاشوه ستين أو سبعين أو ثمانين سنة يوازي عشر ليال. قال الزمخشري : يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا: إما لما يعاينون من الشدائد التي تذكرهم أيام النعمة والسرور. يعني: الشدائد التي يلقونها يوم القيامة من هولها تنسيهم أيام السرور، وهذا قريب جداً مما ذكرناه في سورة يس: (( قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا )). هل هم كانوا في حالة رقود، أم كانوا يعذبون في القبور؟ يعني: من شدة الأهوال التي عاينوها نسوا العذاب الذي كان في القبر؛ لأنه بالنسبة إليه شيء لا يذكر: قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [يس:52].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشراً)

    قال تعالى: يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا [طه:103]. (( يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ )) أي: يتسارُّون من الرعب والهول أو من الضعف، قائلين يهمس بعضهم في أذن بعض: (( إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا )) يعني: في الدنيا لبثتم عشر ليال، يتذكرون المدة التي عاشوها في الدنيا، فيقدرونها ويقولون: نحن عشنا في الدنيا تقريباً عشر ليال فقط! كل العمر الذي عاشوه ستين أو سبعين أو ثمانين سنة يوازي عشر ليال!! قال الزمخشري : يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا إما لما يعاينون من الشدائد التي تنسيهم أيام النعمة والسرور. يعني: الشدائد التي يلقونها يوم القيامة من هولها تنسيهم أيام السرور، وهذا قريب جداً مما ذكرناه في سورة يس: (( قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا )). فهم كانوا يعذبون في القبور، ومن شدة الأهوال التي عاينوها نسوا العذاب الذي كان في القبر؛ لأنه بالنسبة إليه شيء لا يذكر: قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [يس:52].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    757006877