إسلام ويب

شرح أخصر المختصرات [80]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حرم الله سبحانه وتعالى على عباده الخمر؛ لأنها تذهب العقول وتفسدها، وتغير الطبائع، فيترتب عليها من المفاسد وارتكاب المحرمات الشيء الكثير، ورتب الشارع على شرب الخمر حد الجلد، وذلك إذا ثبت شربه بالشهادة أو الاعتراف، ويجلد شارب الخمر على ما يراه الإمام، إن شاء أربعين وإن شاء ثمانين.

    1.   

    مراحل تحريم الخمر

    قال رحمه الله تعالى:

    [فصل:‏

    وكل شراب مسكر يحرم مطلقاً، إلا لدفع لقمة غص بها مع خوف تلف، ويقدم عليه بول. ‏

    فإذا شربه أو احتقن به مسلم مكلف مختاراً عالماً أن كثيره يسكر حد حر ثمانين وقن نصفها. ‏

    ويثبت بإقراره مرةً كقذف، أو شهادة عدلين.

    وحرم عصير ونحوه إذا غلى أو أتى عليه ثلاثة أيام.

    فصل:

    ويقطع السارق بثمانية شروط:‏

    السرقة، وهي أخذ مال معصوم خفيةً، وكون سارق مكلفاً مختاراً عالماً بمسروق وتحريمه، وكون ‏مسروق مالاً محترماً، وكونه نصاباً وهو ثلاثة دراهم فضةً أو ربع مثقال ذهباً أو ما قيمة أحدهما، ‏وإخراجه من حرز مثله، وحرز كل مال ما حفظ به عادةً، وانتفاء الشبهه، وثبوتها بشهادة عدلين ‏يصفانها، أو إقرار مرتين مع وصف ودوام عليه، ومطالبة مسروق منه، أو وكيله أو وليه.

    فإذا وجب قطعت يده اليمنى من مفصل كفه وحسمت، فإن عاد قطعت رجله اليسرى من ‏مفصل كعبه وحسمت، فإن عاد حبس حتى يتوب.

    ومن سرق تمراً أو ماشيةً من غير حرز غرم قيمته مرتين ولا قطع، ومن لم يجد ما يشتريه أو ‏يشتري به زمن مجاعة غلاء لم يقطع بسرقة.

    فصل:

    وقطاع الطريق أنواع:

    فمن منهم قتل مكافئاً أو غيره كولد وأخذ المال قتل ثم صلب مكافئ حتى يشتهر.

    ومن قتل فقط قتل حتماً ولا صلب.

    ومن أخذ المال فقط قطعت يده اليمنى، ثم رجله اليسرى في مقام واحد، وحسمتا وخلي.

    وإن أخاف السبيل فقط نفي وشرد، وشرط ثبوت ذلك ببينة أو إقرار مرتين، وحرز ونصاب.

    ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقط عنه حق الله تعالى وأخذ بحق آدمي.

    ومن وجب عليه حد لله فتاب قبل ثبوته سقط.

    ومن أريد ماله أو نفسه أو حرمته ولم يندفع المريد إلا بالقتل أبيح ولا ضمان.

    والبغاة ذوو شوكة يخرجون على الإمام بتأويل سائغ فيلزمه مراسلتهم وإزالة ما يدعونه من شبهة ومظلمة، فإن فاءوا وإلا قاتلهم قادر].

    من جملة الحدود حد الخمر، أي: حد شرب المسكر. والخمر هي كل ما أسكر، والإسكار هو إزالة العقل بالذي إذا شربه يزول معرفته ويهذي في كلامه، ولا يعرف ما يقول فيتصرف تصرفاً سيئاً، فحرم هذا لأنه يزيل العقل، ويلحق الذي يتعاطاه بالمجانين أو أقل حالة من البهائم.

    وكانت الخمر مشهوراً شربها عند العرب قبل الإسلام، بل قد يفتخرون بها، كما في قول حسان في جاهليته:

    ونشربها فتتركنا ملوكاً وأسداً لا ينهنهنا اللقاء

    فلما جاء الإسلام لم تحرم دفعة واحدة؛ لأنهم منهمكون فيها، بل حرمت على مراتب، حرمت على مرات شيئاً فشيئاً، فأول ما نزل فيها قول الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219] ، قال العلماء أو بعضهم: إن هذه الآية هي التي حرمت بها الخمر؛ لأنه ذكر أن فيها إثماً كبيراً، وإثمها أكبر من نفعها، فيدل على أنها محرمة، والله تعالى قد حرم الإثم في قوله تعالى في سورة الأعراف وهي مكية: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ [الأعراف:33]، فتكون هذه الآية دالة على تحريمها.

    ولكن لم يحرمها الناس لهذه الآية، حيث ذكر أن فيها منافع للناس، إما في التجارة فيها، وإما بالتلذذ بشربها، ولما نزلت تاب كثير وتركوها، وقدر بعد ذلك أن قوماً شربوها من الصحابة، وحصل منهم قتال حتى ضرب بعضهم صاحبه بلحي جمل وشجه، وصلى بعضهم وقرأ في الصلاة: (قل يا أيها الكافرون، أعبد ما تعبدون، أنتم تعبدون ما أعبد) وخلط في قراءته، عند ذلك نزلت آية في سورة النساء: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء:43]، نهاهم أن يصلوا في حالة السكر، وذلك لما يترتب على الصلاة في حالة السكر من الهذيان ومن الكلام السيء، فتاب ناس وتركوها تركاً كلياً، وبقي آخرون يشربونها في الأوقات الطويلة، يشربها بعد الفجر فيصحو قبل أن يدخل وقت الظهر، ويشربها بعد العشاء فيصحو قبل دخول وقت الفجر.

    العشرة الأوجه الواردة في الآيات في تحريم الخمر

    ولما عرفوا آثارها السيئة نزل تحريمها بعد ذلك بالآيات التي في سورة المائدة، وأخذوا تحريمها من الآيات من عشرة أوجه:

    الوجه الأول: أن الله قرنها بالأصنام فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ [المائدة:90] التي هي الأصنام.

    الوجه الثاني: قوله تعالى: (رِجْسٌ)، والرجس هو النجس.

    الوجه الثالث: قوله تعالى: (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ)، والشيطان لا يدعو إلا إلى الحرام وإلى الآثام.

    الوجه الرابع: قوله تعالى: (فَاجْتَنِبُوهُ) والاجتناب هو الابتعاد، فهو أبلغ من قول: اتركوه.

    الوجه الخامس: قوله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي: يتوقف فلاحكم على تركها.

    الوجه السادس قوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ [المائدة:91]، فالعداوة بينكم يوقعها الشيطان بسبب هذا الخمر.

    الوجه السابع قوله تعالى: الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [المائدة:91].

    الوجه الثامن قوله تعالى: وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [المائدة:91] أي: إن مجالسها مجالس باطل تصد عن ذكر الله.

    الوجه التاسع: قوله تعالى: وَعَنْ الصَّلاةِ [المائدة:91] أي أنها تشغل عن الصلاة.

    الوجه العاشر قوله تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91] فقالوا: انتهينا انتهينا.

    فحرمت الخمر بهذه الآية، ووردت الأدلة في عقوبة شاربها، وأن من شربها في الدنيا لم يشربها في الآخرة، مع أن خمر الآخرة ليست مثل خمر الدنيا؛ لقول الله تعالى: لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ [الصافات:47] ، وقوله: وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ [الواقعة:18-19] مما يدل على أنها منزهة عما يكون في خمر الدنيا.

    كذلك ورد في الحديث أن الذي يشربها ويموت وهو يشربها يسقيه الله من طينة الخبال، وهي عصارة أهل النار.

    حد شارب الخمر

    ثم ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما حد لها حداً محدداً، ولكن إذا جيء بشارب الخمر يقول: اضربوه، فمنهم من يضربه بيده، ومنهم من يضربه بنعل، ومنهم يضربه بعصا نحو الأربعين، هكذا كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بسكران، وكذلك أيضاً في عهد أبي بكر يضرب نحو الأربعين، ولما كان في عهد عمر كثر الذين يتعاطون شرب الخمر، ولم تردعهم أربعون جلدة، وتهاونوا بها، فاستشار عمر رضي الله عنه الصحابة فقالوا: إنه إذا شرب هذى، وإذا هذى افترى، وحد المفتري ثمانون جلدة. والافتراء هو الكذب والقذف، فأمر عمر أن يجلد ثمانين، فصار يجلد هكذا، ولو أن ذلك لم يحدد في العهد النبوي؛ لأن هذا من باب التشديد عليه.

    فأكثر الفقهاء على أن حده ثمانون؛ لأن عمر أفتى بذلك ووافقه عليه الصحابة، وذهب بعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن الحد أربعون، وأن الزيادة تعزير تستعمل عند الحاجة، أي: متى تهافت الناس على ذلك وكثر الذين يتعاطونه وتهاونوا بالأربعين زيد إلى الثمانين، وإن لم تردعهم الثمانون وكثروا وتهاونوا بهذه العقوبة زيد إلى المائة، أو إلى مائة وعشرين؛ لتكون الزيادة تستعمل وقت الحاجة عندما يكثرون، ويتمكنون من الشرب، فعند ذلك يجلد إلى ثمانين، ويجلد إلى مائة، ويجلد إلى مائة وعشرين، ولو احتيج إلى الزيادة زيد لأجل أن يرتدع الناس.

    ثم ورد حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شرب أحد الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن عاد الرابعة فاقتلوه) ، هذا الحديث رواه بعض العلماء، وقال بعضهم: إنه منسوخ. وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل شرب الرابعة فلم يقتله، فجزموا بأنه منسوخ، والترمذي لما خرجه قال في آخر كتابه: إنه لم يجد من يعمل به. يعني: لم يكن عليه عمل، ولكن الحديث روي من طرق جمعها الشيخ أحمد محمد شاكر الذي حقق أول المسند، وحقق أول تفسير الطبري، فإنه عندما روى الحديث في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص خرجه وذكر الشواهد عليه، حتى بلغ أحد عشر حديثاً، واستدل به على أنه متواتر.

    ثم إنه أفرد هذا القدر وطبعه في رسالة مستقلة في قتل الشارب بعد الرابعة، وقال: إنه لا عذر لأحد في ترك العمل به، وكون النبي صلى الله عليه وسلم ما قتله بعد الرابعة قد يكون لعذر، وقد يكون ذلك الذي جلده ثلاث مرات أو أربع لم يكن متهاوناً، ولم يكن من المتساهلين، ولعل له عذراً، وهو واحد وقصتة واحدة، ولا يبطل لأجل هذه القصة العمل بأحد عشر حديثاً مروياً من عدة طرق يقوي بعضها بعضاً بمجموعها يكون كالمتواتر، فلا عذر لأحد من المفتين والعلماء أن يتركوا العمل بهذا الحديث، سيما في الأزمنة المتأخرة التي تساهل الناس فيها بشرب الخمر وصاروا لا يبالون، ويجلد أحدهم ثم يعود، ويذكر الآن أن بعضهم جلد عشر مرات، وربما عشرين، ومع ذلك يخلى سبيله، أو يسجن أياماً ثم يخلى سبيله.

    وحيث إن عندنا هذا الحديث الذي أمر فيه بقتله نقول: إن ترك العمل به تهاون وتساهل، حيث وجد سببه، فلا عذر لأحد أن يفتي إذا أفتى بعدم قتله مع وجود الأحاديث، ولو قتل واحد لارتدع الكثيرون، فإنه إذا كان الحد شديداً صار بذلك رادعاً لأولئك الكثير الذين يتعاطون شرب الخمر بالعشرات وبالمئات وبالألوف يومياً أو أسبوعياً ولا يبالون.

    خلاف العلماء في المسكر مم يكون ؟

    يقول: [وكل شراب مسكر يحرم مطلقاً] بشرط أن يكون مسكراً، وذهب الحنفية إلى أن الخمر تختص بعصير العنب، وقالوا: إنه الخمر المعروف. وأما بقية ما يعصر من المأكولات ونحوها فلا يسمى خمراً، ولا يحرم عندهم إلا إذا بلغ حد الإسكار، وخالفهم بذلك الجمهور الذين يرون أنه خمر من أي شيء صنع، وذكر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (إن الخمر من خمسة -يعني: في العهد النبوي- يقول: إن من العنب خمراً، وإن من التمر خمراً، وإن من العسل خمراً، وإن من الشعير خمراً، وإن من الذرة خمراً) يعني: ما عصر من هذه وبلغ حد الإسكار فإنه يسمى خمراً، فلا يجوز شربه ولو كان قليلاً.

    ودليل ذلك أيضاً الحديث الذي يمكن أنه متواتر ولفظه: (كل مسكر حرام) ، (كل مسكر خمر) ، وقصة أبي موسى لما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنواعاً من الأشربة في اليمن، منها ما يسمى (البتع)، ومنها ما يسمى: (المزر)، وذكر لـ عمر شراب يسمى الطلاء يشرب في مصر، فكلها ألحقوها بالخمر، ولما سأل أبو موسى النبي صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال: (أمسكر هو؟ قال: نعم، قال: ما أسكر كثيره فقليله حرام) ، فيحرم شرب المسكر، واستثنوا من ذلك إذا كان [لدفع لقمة غص بها مع خوف تلف] ولم يجد ما يدفعها إلا بكأس خمر [ويقدم عليه بول]، فإذا وجد بولاً ووجد خمراً فأيهما يدفع به هذه الغصة؟ يدفعه بالبول، فإذا لم يجد إلا الخمر دفعها به وعفي عنه، هكذا يمثلون، مع أن هذا نادر، نادر أن لا يجد إلا خمراً؛ لأنه يجد المياه، ويجد الألبان، ويجد العصيرات المباحة يدفع بها هذه اللقمة التي غص بها، وإنما ذكروا ذلك تقديراً، فلو قدر أنه ما وجد إلا خمراً فله أن يشرب منه جرعة يدفع تلك الغصة.

    شروط حد الخمر

    يقول: [فإذا شربه أو احتقن به مسلم مكلف مختاراً عالماً أن كثيره يسكر حد حر ثمانين وقن نصفها].

    الاحتقان كونه يحتقن بها مع أنفه مثلاً أو مع شدقه، يعني: أدخل طرف أو حافة المحقن في شدقه وصبها. ولو أدخلها مع دبره صدق عليه أنه أدخلها إلى جوفه، ويشترط لإقامة الحد عليه شروط:

    الشرط الأول: أن يكون مسلماً. وذلك لأن أهل الذمة يستبيحون شرب الخمر، أي: اليهود والنصارى، كما في قول الأخطل:

    ولكني سأشربها ثمولاً وأسجد عند منبلج الصباح

    يفتخر بأنه سيشربها.

    الشرط الثاني: أن يكون مكلفاً والمكلف: هو البالغ العاقل، فإذا كان صغيراً لا يعرف أو كان مجنوناً لا يعقل فلا حد عليه؛ لأنه غير مكلف.

    الشرط الثالث: أن يكون مختاراً. ويخرج به إذا أكره على شربها وهدد وقيل: إن لم تشربها قتلناك، أو: إن لم تشربها ضربناك ضرباً مبرحاً لا تتحمله. فإن تهاون وشربها مختاراً حد.

    الشرط الرابع: العلم، أن يكون عالماً بالتحريم، فإذا كان جاهلاً لا يدري أنها محرمة فلا حد عليه، وكذلك كونه عالماً أنها تسكر، أو أن الكثير منه يسكر ولو كان القليل لا يسكر، فإذا تمت هذه الشروط أقيم عليه الحد إن كان حراً ثمانون جلدة،وإن كان قناً أربعون جلدة، هكذا يجب عليه.

    ما يثبت به حد الخمر

    الجلد يكون جلداً وسطاً، ليس شديداً وليس خفيفاً وسهلاً، بل يكون جلداً متوسطاً، ذكروا أنه فوق جلد القذف ودون جلد الزنا، ثم لا بد من ثبوت الشرب، وبأي شيء يثبت؟

    بإقراره مرة، أو بشهادة عدلين، فإذا أقر بأنه شرب الخمر التي تسكر ثبت عليه الجلد، وإذا شهد عليه شاهدان بأنه قد اعترف فقالا: نشهد أنه اعترف عندنا أنه شرب الخمر أقيم عليه الحد.

    وذكروا أيضاً أن القذف يثبت بإقراره، فإذا قال: أنا الذي قذفت فلاناً، أنا الذي قلت: إنه زانٍ، أو: إن فلانة زانية. إذا شهد على اعترافه عدلان فإنه يحد.

    وكذلك إذا شهد عدلان على شربه وقالا: رأيناه يشرب فإنه يحد.

    مم يكون الخمر ؟

    كذلك يقول: [وحرم عصير ونحوه إذا غلى أو أتى عليه ثلاثة أيام].

    العصير هو عصير العنب، أو -كذلك- عصير التمر ويسمى النبيذ، فيطرح التمر في الماء إلى أن يكتسب حلاوة، أو يحرك في الماء إلى أن يكسبه حلاوة، وكذلك أيضاً الزبيب إذا خمر في الماء إلى أن يذوب، فإذا غلى ورمى بالزبد فإنه يقرب من الإسكار، وكذلك إذا أتى عليه ثلاثة أيام، ذكرت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له في سقاء، يطرح في ذلك السقاء تمر ويصب عليه ماء، فيشرب منه ثلاثة أيام أو يومين ونصف، وإذا بقي بعد ذلك شيء منه أمر أن يشرب أو يراق، يخشى أنه ينعقد ويبلغ حد الإسكار، ففيه دليل على إباحة النبيذ، وكان قد نهى بعضهم عن الانتباذ في بعض الأسقية، ثم رخص لهم أن ينتبذوا فيما شاءوا، ولا يشربوا مسكراً، ففي الحديث: (نهى عن النبيذ في الحنتم والمزفت والنقير والدباء) ، والدباء هو نوع من القرع رأسه دقيق، إذا يبس فإنهم يأخذون جرمه فيجعلون فيه دهناً يحفظون فيه الدهن أو العصير، وحيث إن رأسه دقيق يسرع إليه التغير، فنهى عن النبيذ فيه، وكذلك الحنتم، ويسمى (الزير) الذي يصنع من الطين ونحوه أو الجرار، وكذلك الذي هو مبني بقار أو زفت يسرع إليه التغير، ولكن إذا تحقق أنه لا يتغير جاز الانتباذ فيه.

    1.   

    أحكام السرقة

    شروط قطع يد السارق

    تقدم من الحدود حد الزنا وحد القذف والتعزير وحد الخمر، وبقي الآن حد السرقة وحد قطاع الطريق، وحد البغاة، وحد المرتد.

    زذكر أن السارق يقطع بثمانية شروط، والسارق: هو الذي يأخذ المال المحترم من حرزه على وجه الخفية. فهو الذي يسمى سارقاً، فإذا أخذ من المال المنشور، كما إذا كان إنسان -مثلاً- نشر بضاعته، وجاء إنسان -مثلاً- تحرى غفلته وأخذ منه شيئاً وهو لا يدري فهذا ليس بسارق، يسمى مختلساً، وكذلك الذي ينهب المال ويهرب به يسمى منتهباً، وكذلك الذي يأخذه قهراً يسمى مغتصباً، فلا يقطع المختلس والمنتهب والمغتصب، وذلك لأن القطع إنما جاء في حق السارق، وغيره يعزرون التعزير الذي يردعهم.

    وأما السارق فيقطع بثمانية شروط:

    الشرط الأول: أخذ مال معصوم خفي. فيخرج مال الحربي، إذا أخذ مال حربي فلا يسمى سارقاً، ولا قطع عليه؛ لأن الحربي حلال قتله وحلال ماله، ويدخل في مال المعصوم المسلم والذمي والمعاهد والمستأمن؛ لأنهم معصومة دماؤهم وكذلك أموالهم.

    ولابد أن يكون الأخذ خفية، ويمكن أن يعد هذا شرطاً تاسعاً، أن يكون أخذه خفية، أما أخذه علانية فلا يسمى سرقة.

    الشرط الثالث: أن يكون السارق مكلفاً مختاراً عالماً بمسروق وتحريمه، فإذا كان صغيراً أو مجنوناً أو مكرهاً على السرقة، أو جاهلاً بتحريم السرقة، أو جاهلاً بأن هذا المال معصوم، أو معتقداً أنه يجوز ولم يعلم أنه محرم فلا يقطع.

    الشرط الرابع: كون المسروق مالاً محترماً. ويخرج به ما إذا سرق أشرطة غناء، أو طبول محرمة، أو أجهزة الدش التي ليست محترمة، أو سرق دخاناً لأنه ليس بمال، أو سرق خمراً، أو سرق مخدرات فلا يقطع؛ لأن هذا ليس بمال محترم.

    الشرط الخامس: أن يكون المسروق نصاباً، وهو ثلاثة دراهم فضة، وربع مثقال ذهباً أو قيمته، فهو ربع دينار أو ثلاثة دراهم، كالدراهم القديمة التي هي من الفضة، ثم مقداره في هذه الأزمنة بهذا النحو، ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده) يعني أنه لا يفكر، والبيضة هي الترس الذي يجعل على الرأس في حالة القتال من حديد أو من صفر أو من نحاس تقي من وقع السلاح، وتسمى أيضاً المجن، وورد (أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم)، وروي أن رجلاً سرق أترجة، والأترجة التي هي شبيهة بالليمون إلا أنها كبيرة، وكانت قيمتها ثلاثة دراهم، فقطع.

    ثم مقدار الذهب في هذه الأزمنة ربع مثقال -أي: ربع دينار- يقارب السبع من الجنيه السعودي، أي: سبع الجنيه، فإذا كان الجنيه -مثلاً- بسبعمائة فبسرق مائة يقطع.

    ومعلوم أيضاً أن الدراهم الفضة قد لا تكون موجودة في هذه الأزمنة، ولكن قيمتها معروفة، فنصاب المال الزكوي من الفضة مائتان من الدراهم، ومقدارها بالريال الفضي السعودي ستة وخمسون ريالاً، فإذا نظرنا في مائتين وقسمناها على ستة وخمسين إذا هي نحو الربع، يدل على أن الدرهم قريب من ربع الريال السعودي، فإذا سرق مثلاً أرباع الريال السعودي، فإن ذلك يقوم مقام ثلاثة دراهم، وصدق عليه أنه سرق نصاباً فيقطع.

    وحيث إن الريال الفضي غير متوفر يرجع إلى قيمته، ويمكن أن تكون قيمة الريال عشرة ريالات ورقاً، فعلى هذا يكون النصاب من الدراهم الورقية نحو ثلاثين، فإذا سرق ثلاثين ريالاً من الأوراق صدق عليه أنه سرق نصاباً فيقطع، وكذلك لو سرق سلعة قيمتها هذا.

    الشرط السادس: إخراجه من حرز مثله. وحرز كل مال ما يحفظ فيه عادة، فإذا كسر الباب ودخل، وأخذ قدراً -مثلاً- مما يوجد في الأسوار ونحوه قطع، أو كيساً لأنه أخذه من حرزه، وهكذا -مثلاً- إذا كسر باب الغرفة وأخذ منها أقمشة تدخر وتجعل في داخل الأسوار صدق عليه أنه أخذ من حرز، كذلك أيضاً لو كسر الصناديق وأخذ من الجواهر أو من الحلي أو من النقود صدق عليه أنه أخذ من الحرز.

    أما إذا وجد هذا المال ملقىً عند الباب، إنسان جعل عند بابه في الطريق أكياساً من الطعام مثلاً، أو ثياباً وأقمشة، فالذي يأخذ منه لا يسمى سارقاً؛ لأنه أخذ من غير حرز، فلا قطع عليه.

    الشرط السابع: انتفاء الشبهة فإذا قال: أنا شريك في هذا المال وكان له شراكة فلا قطع، لأنه يدعي أنه أخذ شيئاً يملكه، وكذلك لو كان المال صدقات مجموعة في بيت وقال: أنا من الفقراء الذين تحل لهم هذه الصدقات، ما أخذت إلا من شيء يحل لي أو كان المال -مثلاً- غنيمة وهو من جملة الغانمين، وقال: أنا لي حق فيه فلا يقطع.

    الشرط الثامن: ثبوت السرقة بشهادة عدلين.

    شهد عدلان بأنا رأيناه قد خرج من هذا ا لباب يحمل هذا الكيس، أو يحمل هذا الثوب، أو يحمل هذا القماش، أو رأيناه خرج من هذا الباب وجاء صاحب البيت وقبض عليه وفتشه فوجد معه هذه الأموال، وعرفنا أنه أخذها ثبتت السرقة، وكذلك الإقرار، إذا اعترف وأقر بأنه أخذ من هذا المال كذا وكذا سرقة، أقر مرتين، ودام على ذلك الإقرار ولم ينكر صدق عليه أنه يعتبر سارقاً.

    الشرط التاسع: مطالبة صاحب المال أو وكيله أو وليه، فصاحب المال المسروق إذا لم يطالب فيمكن أنه أباحه له، قال: هذا أخذ منا ونحن قد سمحنا عنه؛ لأنه قريب لنا أو صديق أو نحو ذلك. ففي هذه الحال يعفى عنه ولا يقطع، وكذلك لو لم يطالب المالك ولكن وكل، أو كان المالك صغيراً، أو محجوراً عليه فطالب به وليه، هذه هي الشروط، فإذا تمت الشروط وجب قطع يده، فيبدأ بقطع يده اليمنى، وتقطع من مفصل الكف، أي: المفصل الذي بين الكف وبين الذراع، وإذا قطعت حسمت، يغلون زيتاً، فإذا غلا ذلك الزيت وقطعوا يده غمسوا رأسها في ذلك الزيت، لتتوقف العروق وتنسد عروق الدم؛ لأنهم إذا لم يغمسوها استمر خروج الدم وأدى ذلك إلى موته، فيغمسونها بعد ذلك ويعالجونها إلى أن يطيب الجرح، ويبقى ليس له إلا يد، فتقطع من مفصل كفه وتحسم، فإذا عاد فسرق مرة ثانية قطعت رجله اليسرى من مفصل كعبه وحسمت، ولا تقطع يده اليسرى، ولا تقطع رجله اليمنى، بل تقطع الرجل اليسرى، حتى لا يكون مشلول الجانب، وتحسم أيضاً رجله إذا قطعت، ويكون القطع من مفصل الكعب، فتقطع القدم.

    فإذا عاد وقدر أنه سرق وقد قطعت يد ورجل فهل يقطع مرة ثالثة؟ الصحيح أنه لا يقطع، وإن كان روي عن بعض السلف أنه قطع ثلاث مرات، أي: يد ثم رجل ثم يد، بل يحبس حتى يتوب أو يموت، وذلك لأنه يعتبر مفسداً.

    ومن سرق تمراً من غير حرز غرم قيمته مرتين، ولا قطع عليه، وكذلك من سرق ماشية، لمن جاء إلى غنم قد باتت في غير حرز وأخذ منها شاة، أو جاء إلى إبل ترعى وأخذ منها جملاً فإنه يغرم قيمته مرتين، سواء ذبحه أو باعه، ولا قطع؛ لأنه أخذه من غير حرز، هكذا ورد عن بعض السلف أنه يغرم ولا يقطع.

    ولا يقطع في زمن المجاعة، إذا اشتد به الجوع ولم يجد ما يشتري به طعاماً، أو ما وجد شيئاً يشتريه، ما وجد خبزاً، ولا وجد تمراً، ولا وجد أرزاً، واحتاج ودخل في بيت وأخذ منه خبزاً ولو أكثر من النصاب فإنه معذور، ولهذا أسقط عمر رضي الله عنه القطع في سنة مجاعة حصلت تسمى (عام الرمادة)، وهي مجاعة اشتدت فسواء لم يجد طعاماً يشتريه أو لم يجد قيمته في زمن مجاعة أو كان ارتفع سعره فلا يقطع والحال هذه؛ لأنه معذور.

    1.   

    أحكام قطاع الطريق

    قطاع الطريق هم الذين يقفون في الطرق، ويقتلون من مر بهم أو ينهبونه أو ما أشبه ذلك، يقفون في بعض الطرق التي هي قليلة السالكين لا يأتيها إلا أناس قليل، فإذا جاء إنسان ليس معه أحد أوقفوه وأكرهوه على أن يأخذوا ما معه من المال، فإن دافعهم قتلوه وأخذوا المال، فإن كانوا جماعة قاتلوهم إلى أن يأخذوا ما معهم من المال، وقد يكون أيضاً قصدهم سيئاً وهو الزنا بمن معهم من النساء، بأن يكرهوه على أن يخلي بينهم وبين النساء ليزنوا بهن، يحدث هذا أيضاً كثيراً، فإما أن يقتلوا الرجل، وإما أن يوثقوه رباطاً ويتمكنوا من المرأة أو من النساء، فيعتبرون قطاعاً، ونزل فيهم قول الله تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ [المائدة:33] .

    وذهب بعض العلماء -كالمالكية- إلى أن الإمام مخيّر؛ لأن الآية فيها لفظ (أو)، فإما أن يقتل، وإما أن يأسر ويوثق ويسجن، وإما أن يقطع، وإما أن ينفي: أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ [المائدة:33]، فدل ذلك على أنه مخيّر؛ لأن لفظة (أو) للتخيير، كما في قوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] .

    وذهب الإمام أحمد إلى أن العقوبة على قدر الذنب، وروي ذلك عن ابن عباس.

    يقول: [من منهم قتل مكافئاً أو غيره كولد وأخذ المال قتل ثم صلب مكافئاً حتى يشتهر].

    قوله: [مكافئاً] يعني: إذا كان حر قتل حراً. يعني: حر مسلم قتل حراً مسلماً. أما إذا قال: أنا ما قتلت إلا عبداً ففي هذه الحال يغرم قيمة العبد، وكذلك إذا قال: أنا ما قتلت مسلماً إنما قتلت كافراً، هذا الذي قتلته ليس بمسلم. نقول: إنه معاهد وقتلك له يعتبر اعتداء، ولكن حيث إنه جاء الحديث: (لا يقتل مسلم بكافر) فإنه -والحال هذه- لا يقتل، ولكن يعزر ويسجن ونحو ذلك.

    فالحاصل أنه إذا كان قتل مسلماً حراً أو قتل ابنه -مثلاً- ولو كان صغيراً أو قتل امرأته أو نحو ذلك فإنه إذا قتل وأخذ المال يجمع له بين العقوبتين، فيقتل ثم يصلب، يصلب على سارية أو على خشبة في السوق يومين أو ثلاثة أيام وهو مصلوب بعدما يقتل حتى يشتهر أمره وحتى يعرفوه.

    ومنهم من ينصب الرأس، فإذا كان -مثلاً- في حر شديد ويخشى أنه ينتن يكتفون بصلب الرأس ويدفنون الجثة، فهذا حكم الذي جمع بين الأمرين: القتل وأخذ المال.

    الثاني: إذا قتل فقط ولم يأخذ المال، فإنه يقتل حتماً، ولا صلب عليه، وذلك لأنه اقتصر على القتل، فيقتل ويدفن بعد قتله، وهل يدخل في العفو؟ لو قال ولي المقتول: أنا أسمح عنه ولا أريد قتله هل يسقط القتل؟ لا يسقط، وذلك لأنه حد من حدود الله، أخاف الطريق وتعدى على المسلمين، فالحد لله تعالى، وبذلك أخبر الله: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ [المائدة:33] يعني: عقوبتهم. فلا يسقط بعفو صاحب المال أو صاحب الدم.

    ويقولون: من أخذ المال فقط -أي: أكرههم وأخذ المال بدون قتل- ففي هذه الحال تقطع يده اليمنى. ثم رجله اليسرى في مقام واحد وتحسمان ويخلى سبيله، يقطع منه رجل من جانب ويد من جانب، اليد اليمنى والرجل اليسرى، كما يقطع السارق إذا سرق في المرة الثانية، وتحسم، ولا يسجن بل يخلى سبيله.

    وكانوا إذا قطعوا السارق أو قاطع الطريق يعلقون يده في عنقه حتى يعرف الناس أنه سارق أو أنه محارب، ولكن في هذه الأزمنة قد يتمكن الأطباء أن يزرعوا يده وأن يعيدوها في مكانها، وكذلك رجله بعملية، يقاربون العروق بعضها إلى بعض، ويخيطون بعضها في بعض حتى يسري فيها الدم وتعود فيها الحياة، ولذلك في هذه الأزمنة لا يمكن من أخذ يده ورجله، بل تدفن، أو تقطع قطعاً متكاثرة، فتقطع الأصابع قطعاً، وتقطع الكف، وتشقق اليد والرجل ونحو ذلك حتى لا يتمكن من أخذها وإعادتها.

    الرابع: إذا أخاف الطريق فإنه ينفى ويشرد؛ لقوله تعالى: أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ [المائدة:33] ، فهذا هو الرابع، فالأول قتل وأخذ المال، والثاني قتل فقط، والثالث أخذ المال فقط، والرابع أخاف السبيل، وأخاف الطريق، بحيث صار الناس يفزعون من سلوك هذا الطريق، فقبض عليه فينفى من الأرض، لكن في هذه الأزمنة قد لا يكون النفي مفيداً لسهولة المواصلات ولقرب الأماكن، فيفتي بعض العلماء بالسجن، يقول: إنه يدخل السجن ويضيق عليه.

    هذه حالاته الأربع.

    ما يثبت به قطع الطريق

    يقول: [وشرط ثبوت ذلك ببينة أو إقرار مرتين، وحرز ونصاب] فإذا أنكر وقال: أنا ما قطعت الطريق فلا بد من بينة، فيشهد شاهدان فيقولان: نشهد أن هذا من الذين وقفوا في طريق آل فلان، وأنه باشر وقتل، وأنه باشر أخذ المال، وكذلك غيره، ولم يذكر الفقهاء ما إذا أكره الرجل على الزنا أو على اللواط، وذلك لأنهم اكتفوا بما تقدم في الزنا أو في اللواط، وقالوا: إذا كان قصده من الوقوف في الطريق فعل الفاحشة بالمرأة أو بالصبي فعل اللواط ففي هذه الحال يحكم عليه بحد الزنا، أو بحد اللواط، فالحد الذي وجب عليه الرجم أو الجلد أو الإحراق أو ما أشبه ذلك، فالحاصل أنه لا بد أن يكون هناك بينة يشهدون بأن هذا قطع الطريق وفعل كذا، أو اعترافه بأن يعترف مرتين فيقول: أنا من الذين قطعوا الطريق وقتلوا وأخافوا ونحو ذلك.

    حكم من تاب قبل القدرة عليه

    يقول: [ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقط عنه حق الله تعالى وأخذ بحق الآدمي] لقول الله تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:34] يعني: جاء قبل أن تقبض عليه السلطة وسلم نفسه وقال: أنا تائب، وهذه توبتي، فيسقط عنه حق الله تعالى، فإذا كان -مثلاً- قد قتل وقال ولي المقتول: أريد القصاص، أو قد قتل وأخذ المال، فقال صاحب المال: أنا أريد حقي من المال، وقال صاحب الدم: أنا أريد حقي من القصاص يقام عليه حق دفع المال، فيغرم دفع المال ولا يقطع، ويقتل قصاصاً ولا يصلب؛ لأن الصلب حق لله، وهذا قد تاب فيقتل حقاً لآدمي ولا يصلب.

    كذلك المال حق لآدمي طالب بالمال وقال: إنه أخذ من أبي كذا وكذا فيطالب بحق دفع المال ولا يقطع، فلو أنه أخذ المال ولم يقتل ثم تاب قبل أن يقدر عليه فلا تقطع يده ورجله؛ لأن هذا حق لله، ولكن حق الآدمي إذا طالبا به يدفع، فلو قال الآدمي: أنا عفوت عنه سقط حقه إذا عفا عنه لأنه حق لآدمي، فإن طالب به فإنه يثبت، فيثبت حق آدمي مثلاً لو قال: إنه قطع يدي، إنه شجني، إنه فقأ عيني، أريد القصاص فيمكن من القصاص، وأما إذا قال: إنه قتل أبي وأخذ مالنا فأطالب بقتله وبالصلب ورد المال. أو: عفوت عن المال ولكن أريد أن يقتل ويصلب، فالصلب حق لله، وقطع اليد والرجل حق لله، والنفي حق لله، ورد المال حق للآدميين، والقصاص في النفس أو فيما دون النفس حق للآدمي، فهذه يطالب بها.

    قال: [ومن وجب عليه حد لله وتاب قبل ثبوته سقط]، يعني: مثل السكر حد لله تعالى إذا تاب سقط عنه، ومثل النهب والتعزير وأشباهه هذه حقوق لله تعالى.

    1.   

    دفع الصائل وأحكامه

    ذكر بعد ذلك دفع الصائل فقال: [من أريد ماله أو نفسه أو حرمته] يعني: جاءه قطاع طريق وقالوا: سلم لنا نفسك لنقتلك فهل يسلم لهم نفسه؟ يقاتل ولو قتلهم، أو: سلم لنا مالك وإلإ قتلناك فهل يسلم لهم؟ يقاتل ولو قتل أو قتل، أو: سلم لنا امرأتك لنزني بها، لا يسلم، ولكن يقاتل ولو قتل، فإذا قتلهم دفاعاً كأن دافعهم لكن لم يندفعوا إلا بالقتل فلا غرامة عليه ولا قصاص؛ لأنه يقول: قاتلتهم أو قتلهم دفاعاً عن نفسي، فأنا مظلوم وأنا معتدىً علي، ففي هذه الحال لا غرامة عليه فيما قتل، فلو أنه قطع يد هذا، أو أنه فقأ عين هذا، أو أنه قطع رجل هذا، ثم بعد ذلك تخلص منهم فطالبوه فلا حرج عليه.

    وفي الحديث: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون نفسه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) معناه أنه يقاتل حتى يقتل ولا يستسلم، ولا يسلم لهم نفسه بأن يفجروا به مثلاً بفعل الفاحشة، ولا يسلم لهم امرأته، ولا يسلم لهم ماله، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال: (يا رسول الله! إن جاءني باغ وقال: أعطني مالك؟ قال: لا تعطه، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: أنت شهيد)، فلا ضمان عليه.

    فهذا ما يتعلق بالبغاة ويتعلق بالقطاع ويتعلق بدفع الصائل.

    1.   

    أحكام البغاة الخارجين على الإمام

    بعد ذلك ذكر البغاة، والبغاة هم الذين يخرجون على الإمام إذا كان لهم شوكة وعندهم قوة، ولهم نوع من التأويل، كأن ينكرون على الإمام فيقولون: إن هذا الإمام أو نحوه كافر لأنه فعل كذا،ولأنه فعل كذا وكذا، فهؤلاء بغاة يخرجون على الإمام ولهم تأويل سائغ، أي: شبهه، فماذا يفعل؟

    يبدأ بمراسلتهم، فإذا كان لهم شبهة أزالها، فيزيل ما يدعونه من شبهة، وإذا ادعوا مظلمة أزالها، وإذا ادعوا شبهة أزالها، فإن فاءوا وإلا قاتلهم، يقاتلهم إذا كان قادراً على قتالهم، كما فعل علي مع الخوارج، فهذا حكم البغاة الذين هم ملحقون بقطاع الطريق، وفيهم كلام طويل مذكور في كتب الفقه، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756889124