إسلام ويب

شرح أخصر المختصرات [7]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد فرض الله علينا الصلاة، وأمرنا بها وحثنا عليها، وحذر من تركها والتهاون بها، وقد دلنا النبي صلى الله عليه وسلم على صفة أدائها فقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، فعلى المرء أن يتعرف على صفة الصلاة حتى يؤديها كاملة بصفتها الصحيحة.

    1.   

    باب صفة الصلاة

    آداب وسنن الخروج إلى الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [باب صفة الصلاة

    يسن خروجه إليها متطهراً بسكينة ووقار مع قول ما ورد، وقيام إمام فغير مقيم إليها عند قول مقيم: "قد قامت الصلاة" فيقول: (الله أكبر) وهو قائم في فرض رافعاً يديه إلى حذو منكبيه، ثم يقبض بيمناه كوع يسراه ويجعلهما تحت سرّتِه، وينظر مسجده في كل صلاته ثم يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك) ثم يستعيذ ويبسمل سراً، ثم يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية، وفيها إحدى عشرة تشديدة، وإذا فرغ قال: (آمين) يجهر بها إمام ومأموم معاً في جهرية، وغيرهما فيما يُجهر فيه، ويُسن جهر إمام بقراءة صبح وجمعة وعيد وكسوف واستسقاء وأوليي مغرب وعشاء، ويكره لمأموم ويُخيَّر منفرد ونحوه، ثم يقرأ بعدها سورة في الصبح من طوال المفصل والمغرب من قصاره والباقي من أوساطه.

    ثم يركع مكبراً رافعاً يديه، ثم يضعهما على ركبتيه مفرجتي الأصابع، ويسوِّي ظهره ويقول: (سبحان ربي العظيم) ثلاثاً، وهو أدنى الكمال، ثم يرفع رأسه ويديه معه قائلاً: (سمع الله لمن حمده) وبعد انتصابه: (ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيءٍ بعد) ومأموم: (ربنا ولك الحمد) فقط، ثم يكبر ويسجد على الأعضاء السبعة، فيضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه، وسُن كونه على أطراف أصابعه ومجافاة عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه وتفرقة ركبتيه ويقول: (سبحان ربي الأعلى) ثلاثاً، وهو أدنى الكمال، ثم يرفع مكبراً ويجلس مفترشاً ويقول: (رب اغفر لي) ثلاثاً، وهو أكمله، ويسجد الثانية كذلك، ثم ينهض مكبراً معتمداً على ركبتيه بيديه، فإن شق فبالأرض، فيأتي بمثلها غير النية والتحريمة والاستفتاح والتعوُّذ إن كان تعوّذ ثم يجلس مفترشاً، وسُن وضع يديه على فخذيه، وقبض الخنصر والبنصر من يمناه، وتحليق إبهامها مع الوسطى، وإشارته بسبابتها في تشهد ودعاء عند ذكر الله مطلقاً، وبسط اليسرى، ثم يتشهد فيقول: (التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، ثم ينهض من مغرب ورباعية مكبراً ويصلي الباقي كذلك سراً مقتصراً على الفاتحة، ثم يجلس متوركاً فيأتي بالتشهد الأول ثم يقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم على آل إبراهيم إنك حميد مجيد).

    وسُن أن يتعوذ فيقول: (أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم) وتبطل بدعاء بأمر الدنيا، ثم يقول عن يمينه ثم عن يساره: (السلام عليكم ورحمة الله) مرتِّباً معرِّفاً وجوباً.

    وامرأة كرجل لكن تجمع نفسها وتجلس متربعة أو مسدلة رجليها عن يمينها وهو أفضل، وكُره فيها التفات ونحوه بلا حاجة، وإقعاء وافتراش ذراعيه ساجداً، وعبث وتخصُّر وفرقعة أصابع وتشبيكها، وكونه حاقناً ونحوه تائقاً لطعام ونحوه، وإذا نابه شيءٌ سبّح رجل وصفّقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى، ويزيل بصاقاً ونحوه بثوبه، ويباح في غير مسجد عن يساره، ويكره أمامه ويمينه.]

    نبدأ الآن في باب صفة الصلاة، ويذكرون قبل ذلك آداب الخروج إليها: فيسن أن يخرج إليها متطهراً إذا تيسر له الطهور وإلا فله أن يؤخر الطهور ويتطهر من الأماكن المعدة عند المساجد.

    ويسن أن يمشي من بيته إلى المسجد بسكينة ووقار، فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا). السكينة. يعني: التؤدة في المشي. والوقار: الهيبة.

    ويسن أن يقول ما ورد من الأدعية التي وردت وهي كثيرة ومذكورة في آداب المشي إلى الصلاة، منها:

    - أن يقول: (بسم الله، آمنت بالله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله)، ويقول: (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم)، ويقول: (اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا)..إلى آخر الأدعية.

    - إذا دخل إلى المسجد والصلاة لم تقم فإنه يصلي، فإن كان وقت راتبة كالظهر والفجر صلى الراتبة القبلية، وإن لم يكن وقت راتبة صلى تحية المسجد ركعتين قبل المغرب وقبل العشاء وقبل العصر مع أنه ورد أيضاً الأمر بحقه.

    وقت القيام إلى الصلاة

    متى يقوم إلى الصلاة؟

    أما المقيم فإنه يقوم إذا أمره الإمام، وأما غيره فيقومون إذا قال المؤذن: (قد قامت الصلاة) صحيح أنه لا حرج في التقدم أو التأخر، لو قام عند أول تكبيرة، أو قام بعد التحليلة حصل المقصود، كلمة (قد قامت الصلاة) كأنها إشارة لهم أي: قد قامت فقوموا، لذلك خصها الفقهاء بأنهم يقومون عند (قد).

    افتتاح الصلاة بالتكبير

    افتتاح الصلاة بالتكبير (الله أكبر) ركن من أركان الصلاة، ولا يجزئ غيرها، ولا يكفي أن يقول: الله أعظم، أو الله أجل أو ما أشبه ذلك، فالتكبيرة التي هي تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة يأتي بها الإمام وهو قائم في الفريضة.

    وفي صفة الصلاة التي ذكر المؤلف رحمه الله: الفرائض والنوافل والسنن والأركان والواجبات على ترتيب حركات الصلاة، فبدأ بالتكبيرة، وهي ركن ثم بالقيام في قوله: (وهو قائم)، وهو ركن، وخصه في الفرض لأن القيام إنما يجب في الفرض، وأما النفل فيجوز أن يصليها وهو قاعد، وله نصف أجر القائم، وكذلك العاجز إذا عجز عن القيام سقط عنه وصلى وهو جالس، واختلف فيما إذا كان إماماً: هل يصلون خلفه قعوداً أو قياما؟

    والأرجح أنه إذا ابتدأ بهم وهو قائم ثم اعتل أتموا خلفه قياماً، وأما إذا ابتدأ بهم وهو جالس، فالأرجح أنهم يتمون خلفه جلوساً جمعاً بين الأدلة.

    رفع اليدين عند التكبير

    قوله: (رافعاً يديه إلى حذو منكبيه):

    رفع اليدين إلى محاذاة المنكبين سنة ثابتة بأدلة قوية، متفق عليها عند الأئمة الأربعة، وخالف في ذلك: الرافضة والإباضية ونحوهم، وعلتها كما ذكرها بعض العلماء: أنه إشارة إلى رفع الحجاب بينه وبين ربه؛ فيرفعهما يحاذي منكبيه، وقيل: حد الرفع أن تكون الكف حذاء المنكب والأصابع حذاء الأذن.

    وضع اليمنى على اليسرى تحت السرة

    قوله: (ثم يقبض بيمناه كوع يسراه ويجعلهما تحت سرته):

    من السنن: أن يقبض اليد اليمنى باليسرى، ويكون القبض على الكوع، والكوع: هو المفصل الذي بين الكف والذراع، فيقبض كوع اليسرى بكفه اليمنى.

    أما كونه يجعلهما تحت سرته فهذا نظراً إلى المشهور عند الفقهاء الحنابلة، رووا في ذلك حديثاً عن علي : (من السنة قبض الكف على الكف في الصلاة تحت السرة) ولكنّ الحديث ضعيف، لم يثبت عند بعض العلماء موضع لهذا المكان، والترمذي رحمه الله مع سعة اطلاعه وكثرة ما يذكر من الأحاديث أو يشير إليها، لم يذكر في الباب شيئاً، وكأن الأمر عنده واسع، أن يضعهما على الصدر أو على البطن أو على السرة أو تحتها، ولكن الشارح الذي هو المباركفوري توسع في هذا المكان ورجح أنه يجعلها على الصدر، وروى أو ذكر في ذلك حديثين:

    - حديث في مسند أحمد وحديث في صحيح ابن خزيمة ، ولو كانا غريبين وقال: إنهما أولى وأصح من حديث علي.

    وقد صنف في هذه أحد علماء الهند رسالة طبعت قديماً ويمكن أنها جددت بعنوان: (شرح الصدور في وضع الأيدي على النحور) حتى أنه استدل بقوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]أن بعض العلماء أو بعض المفسرين قال: (صل وانحر) يعني: اجعل يديك على نحرك، ولكنه قول شاذ.

    وبكل حال فوضعهما تحت السرة جائز لنص كثير من الفقهاء عليه، والأفضل فوق السرة أو على الصدر.

    النظر إلى موضع السجود

    قوله: (وينظر مسجده في كل صلاته):

    من السنن أن ينظر إلى موضع سجوده في كل صلاته. يعني: أن يقصر نظره على موضع مسجده. أي: موضع جبهته. لماذا؟ ليجتمع عليه قلبه؛ لأنه إذا نظر يمنة ويسرة تشوش عليه فكره، وقد ورد أيضاً النهي عن الالتفات في الصلاة، وورد الوعيد على رفع البصر إلى السماء: (لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء أو لتخطفن، أو لا ترجع إليهم)

    الاستفتاح

    وبعد ذلك يستفتح، واختار الإمام أحمد هذا الاستفتاح: (سبحانك اللهم وبحمدك) إلى آخره؛ وذلك لأنه ثناء، والثناء على الله يقدم على الدعاء، ولا شك أن حديث أبي هريرة الذي في الصحيحين: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي..) إلى آخره أصح إسناداً، أما هذا الحديث فمروي في صحيح مسلم عن عائشة ومروي أيضاً عن عمر أنه كان يجهر به، فاختاره الإمام أحمد ؛ لأنه ثناء على الله تعالى.

    والتسبيح: هو التقديس والتنزيه. و(بحمدك) يعني: متلبساً بحمدك. البركة: كثرة الخير، (تعالى جدك) يعني: لك جميع أنواع العلو. والجد: الحظ والنصيب. يعني: حظك من التقديس، كلمة التوحيد: (لا إله غيرك) كلمة الإخلاص.

    يجوز أن يستفتح مثلاً: بـ(اللهم باعد بيني وبين خطاياي)، ويستفتح بحديث علي الذي في السنن: (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض... إلى آخره)، وهو طويل مذكور في سنن أبي داود وفي غيره، وكذلك أيضاً يجوز أن يستفتح بالحديث الذي فيه: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، عالم الغيب والشهادة..) إلى آخره، ولـشيخ الإسلام رسالة مطبوعة في المجلد الثاني والعشرين في أنواع الاستفتاحات، يعني أن أنواع الاستفتاحات كثيرة، وبيّن أسانيدها وتكلم عليها وبيّن أصحها.

    وتكلم ابن القيم أيضاً في زاد المعاد عن الاستفتاح وقال: إن الذين يستفتحون بالاستفتاحات الطويلة لا يكملونها وإن هذا أخصرها وأجمعها.

    الاستعاذة

    وبعد ذلك يستعيذ ويبسمل سراً، والاستعاذة أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والأفضل أن يقول: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) حتى يجمع بين الأمرين: الأمر الذي في سورة فصلت: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت:36] ، وفي سورة النحل: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] فيقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

    البسملة

    والبسملة اختلف فيها: هل هي من الفاتحة أو ليست من الفاتحة؟

    والشافعية يرون أنها من الفاتحة ولذلك يجهرون بها، والمالكية لا يقرءونها لا سراً ولا جهراً، والحنابلة يرون أنها ليست من الفاتحة ولكنها آية من القرآن، ولأجل ذلك يقرءونها سراً، ولا يقولون: إنها من الفاتحة وإنما تكتب أمام كل سورة. يعني: تكتب للتبرك في أول كل سورة.

    قراءة الفاتحة

    وقراءة الفاتحة ركن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ، والمشهور أنها ركن في حق الإمام والمنفرد، وأما المأموم فإنها مستحبة في سكتات الإمام وفيما لا يجهر به، وإذا لم يقرأ بها فإن صلاته تصح ويحملها عنه الإمام، وفيها أيضاً خلاف طويل، وقد ألف فيها البخاري رسالة -يعني: قراءة المأموم- مطبوعة بعنوان: (جزء القراءة خلف الإمام)، ورجح أنها لازمة للمأموم كما أنها لازمة للإمام والمنفرد، واستدل بعمومات، وناقش من قال: إنها لا تجب على المأموم.

    وقراءتها لا بد أن تكون مرتبة، فلا يقدم آية على آية، فلو قال: الحمد لله، الرحمن الرحيم، رب العالمين، أو قال: الحمد لله رب العالمين، مالك يوم الدين، الرحمن الرحيم، بطلت، ولا بد أن تكون مرتبة آياتها، فلابد أن تكون متوالية، فلا يفرق بينها تفريقاً طويلاً.

    ويسن أن يقف عند كل آية انتظاراً لجواب الله تعالى، فإذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] سكت قليلاً ينتظر قول الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] سكت قليلاً ينتظر قوله: مجدني عبدي، إذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] سكت ينتظر قول الله: أثنى عليّ عبدي، إذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] سكت ينتظر قول الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، هكذا ورد في الحديث، والحديث مشهور عن أبي هريرة .

    وورد أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم كان يقف على رءوس الآي، واستحب أكثر العلماء أن يقف في قراءته على رأس كل آية؛ وذلك لأنها فصلت عما قبلها، واختلفوا فيما إذا كانت الآية متصلة بما بعدها، ويرجح بعضهم كالشيخ ابن قاسم في حاشيته على الروض: أنه يقف ولو كانت متصلة بما بعدها. يعني: بعض الآيات لا يصح الوقوف عليها عند القراءة المستمرة، ولكن أحياناً يجب الوقوف عليها للنفس أو نحو ذلك، مثل قوله: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ [التكوير:1-2] يقولون: لا يقف عليها إلا لضيق النفس، ومثل قوله تعالى في سورة التين: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [التين:5-6] منع بعضهم الوقوف على (أَسْفَلَ سَافِلِينَ)، ويقول: لا بد من الاستئناف، وأما قوله: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [العصر:1-3] يرخص في ذلك، وبكل حال: الوقوف على رءوس الآية هو الأفضل.

    وذكروا أن في الفاتحة إحدى عشرة شدة غير البسملة، فلا بد أن يأتي بالتشديد؛ لأن الشدة تعتبر حرفاً، فلو قال: مالك يوم الْدِيِنْ، أو قال: إيَاَكَ، أو قال: اهدنا الْصِرَاطَ، فإنها لا تنعقد، ويعتبر أخل بالقراءة وترك منها حرفاً.

    التأمين بعد الفراغ من الفاتحة

    بعد الفاتحة يؤمن: (آمين)، فإذا كانت الصلاة جهرية جهر بها الإمام والمأمومون، ومعناها: اللهم استجب، وفيها فضل: (إذا قال الإمام: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] قولوا: آمين، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)، وأما إذا كان في سرية فإنه يسر في التأمين.

    الجهر في الصلاة الجهرية

    يسن الجهر في الصلاة الجهرية، ولو لم يجهر صحة صلاته، والجهر يكون في صلاة الصبح والجمعة والعيد والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، فهذه صلوات جهرية يسن أن يجهر فيها، فلو ترك الجهر صحة صلاته، ولو نسي الجهر لم يلزمه سجود سهو، وكذلك صلاة الخسوف والاستسقاء وصلاة العيد يجهر فيها أيضاً بالقراءة بالفاتحة وبالسورة التي بعدها.

    والمأموم يسر ولا يجهر؛ وذلك لأنه مأمور بالإنصات، وإذا قرأ مثلاً في سكتات الإمام فإنه يسر؛ لأنهم لو قرءوا وهم مثلاً مائة أو مئات شوشوا على المصلين، فيسرون بقراءتها.

    والمنفرد يخير بين السر والجهر، فإن كان هناك من يستمع له إذا كان يقرأ، فيستفيدون من قراءته جهراً في ليل أو نهار، في تطوع أو فرض، , وإن كان هناك من يتأذى بجهره فإنه يسر كنائمين أو متحدثين ونحوهم.

    السكتة بعد الفاتحة

    وبعدما يفرغ من قراءة الفاتحة فإنه يسكت، وقد اختلف في السكتة التي بعدها، فمن العلماء من ذكر أنه يسكت بعد الفاتحة سكتة ينتظر فيها المأمومين ليقرءوا الفاتحة، ومنهم من لم يذكر هذه السكتة، ومنهم من أنكرها، ورجح أنه لا يسكت كما ذكر ذلك ابن القيم في زاد المعاد.

    والأشهر أنه يسكت، وورد في ذلك الحديث الذي في سنن الترمذي، وفيه ذكر سكتتين ثم قال: وإذا قال: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] العادة أنه يسكت حتى يرجع إليه نفسه، وحتى يتفكر فيما يقرأ بعد الفاتحة، وحتى لا يصل القراءة بالقراءة.

    قراءة سورة بعد الفاتحة وصفة القراءة

    ولا خلاف أنه يقرأ بعد الفاتحة سورة في الصبح وفي الأوليين من المغرب، وفي الجمعة ونحوها.

    وذكروا أنه يقرأ سورة، وهذا هو الذي اشتهر في كثير من المؤلفات، وهو دليل على أن قراءة سورة كاملة أفضل من قراءة بعض سورة، كأول السورة أو وسطها أو آخرها.

    وهو الذي حدث من النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أحياناً يقرأ سورة في كل ركعة، وأحياناً يقرأ في الركعة سورتين من المفصل، فيقرأ في الركعتين أربع سور في الفجر، والمشهور أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر من طوال المفصل، والمغرب من قصاره، والعشاء من أوساطه.

    وطواله من سورة (ق) إلى سورة (عمّ)، وأوساطه من (عمّ) إلى سورة (الضحى)، ومن الضحى إلى آخره قصاره.

    ويستحب أن يقرأ في المغرب أيضاً من طواله، فقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قرأ فيها بسورة الأعراف، قسمها في الركعتين، وكذا أيضاً في غيرها من الصلوات تجوز الإطالة أحياناً لمناسبة.

    والقراءة معلوم أيضاً أنها ترتل كما أمر الله: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4] وفي حديث عائشة كان صلى الله عليه وسلم يرتل القراءة حتى تكون السورة أطول من أطول منها، ومع ذلك فإنه كان يطيل، فالثابت أنه كان يقرأ في الفجر ما بين ستين آية إلى مائة آية، وإذا كان من السور القصار فإنه يقرأ بقدرها. يعني: من سورة البقرة نحو ثلثها؛ لأن البقرة مائتان وست وثمانون آية، يعني: إذا قرأ ثلثها صدق عليه أنه قرأ ما فوق الستين ودون المائة.

    وكذلك مثلا:ً إذا قرأ سورة الأنبياء وسورة الحج، فهذه السور دون المائة، وسورة الأحزاب آياتها ثلاث وسبعون فهذه دون المائة، ومعناه أن إذا قرأها فلا يستنكر عليه، وكذلك إذا قرأ سورة النمل أو سورة العنكبوت أو سورة الروم أو سبأ، هذه كلها فوق أو قريب من بعضها وهي أقل من الخمسين، وبعضها فوق الستين، وكذلك سُور آل حميم، فلا ينكر على الإمام الذي يقرأ من هذه السور، لا سيما وقد أثر عن الصحابة رضي الله عنهم.

    فقد كان عمر رضي الله عنه غالباً يقرأ بالسور الطويلة كسورة النحل وهي فوق المائة وسورة يوسف.

    وثبت أن أبا بكر رضي الله عنه صلى بهم بسورة البقرة كلها، ولما انصرف قالوا: (كادت الشمس أن تطلع، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين). رواه مالك في الموطأ، وكانوا مع ذلك يتحملون ويألفون الصلاة ويحبونها.

    الركوع

    فإذا انتهى من القراءة وسكت قليلاً حتى يرجع إليه نفسه ركع، ويرفع يديه كرفعه الأول إلى منكبيه، ويكون تكبيره في حالة انحنائه. أي: حالة ما يتحرك منحنياً يأتي بلفظة: (الله أكبر).

    ثم يضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع ويسوي ظهره، أي: يلقم كل ركبة يداً، قالوا: لا يسن تفريج الأصابع في الصلاة إلا في الركوع، أما البقية فإنه يسن ضمها، ويجعل ظهره مستوياً فلا يجعله محصوراً منحنياً، بل يجعله وسطاً مستوياً، حتى قالوا: إنه لو وضع عليه قدح لركد، ويجعل رأسه بحياله فلا يخفض رأسه ولا يرفعه.

    الدعاء والتسبيح في الركوع

    وبعدها الدعاء في التسبيح أن يقول: (سبحان ربي العظيم ثلاثاً، وهو أدنى الكمال) وإن زاد إلى عشر فله ذلك، فأعلاه في حق الإمام عشر في حديث أنس ، أنه لما صلى خلف عمر بن عبد العزيز وهو على المدينة قال: (ما رأيت أحداً أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى).

    يقول ابن حجر : يعني: تسبيحه في الركوع والسجود عشراً عشراً.

    بعد ذلك يرفع من الركوع، فيرفع يديه إلى حذو منكبيه، ويقول: (سمع الله لمن حمده)، ويسرع فيها، حتى لا يسبقه المأمومون، فالمأمومون يبقون راكعين حتى يفرغ من التسميع، ولا يتحركون حتى يفرغ من قوله: (سمع الله لمن حمده)، ويقولها في حالة حركته مرتفعاً.

    وبعدما ينتصب يقول: (ربنا ولك الحمد) أو: (اللهم ربنا لك الحمد -روايتان- ملء السموات وملء الأرض وملئ ما شئت من شيء بعد، وإن زاد بقوله: أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، لا ينفع ذا الجد منك الجد، فإن ذلك وارد، وورد أيضاً: أنه عليه السلام أقر الذي قال: (ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه)، وروي أيضاً أنه قال: (حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله) يقول ذلك أو ما أمكنه، والمأموم لا يسمع، أي: لا يقول: (سمع الله لمن حمده).

    والحديث فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا، وإذا رفع وقال: سمع الله لمن حمده، فارفعوا وقولوا: ربنا ولك الحمد)، روي عن الشافعية أن المأموم يسمّع أيضاً، ولا دليل لهم إلا عموم قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي).

    ومعلوم أن هناك فرقاً بين الإمام والمأموم، وأن الحديث إنما هو في الرؤية لا في السماع، وأن المأمومين لا يقرءون والإمام يقرأ، وأنهم لا يجهرون كما يجهر الإمام، فعرف أن هناك فرق بين المأمومين وبين إمامهم.

    السجود

    قوله: (ثم يكبر ويسجد على الأعضاء السبعة، فأول ما يضع على الأرض ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه)، هذا هو المختار وهو أن يقدم ركبتيه على يديه، وهذا هو الذي تدل عليه السنة النبوية من فعله صلى الله عليه وسلم، والأحاديث الصريحة كحديث وائل بن حجر وأنس وغيرهما: (أنه كان إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه)، ودل على ذلك أيضاً: أن هذه هي جلسة النشاط، وأن تقديم اليدين جلسة العاجز؛ لأنه معروف أنه إذا قدّم يديه اعتمد عليهما، فيكون ذلك من جلسة المتثاقل العاجز، ومعلوم أن الإنسان إذا دخل في مجلس، وأراد أن يجلس على الأرض وهم جلوسٌ على الأرض، فإنه عادة لا يقدم يديه إلا إذا كان مريضاً أو كان كبير السن فيعتمد على يديه، أما إذا كان نشيطاً فإنه يجلس جلسته العادية ويحني رجليه ويجلس على الأرض، وهذا هو الصحيح.

    وقد نصره ابن القيم رحمه الله في كتبه الثلاثة: في زاد المعاد واستوفى الكلام حوله، وفي كتاب الصلاة وأطال فيه، وفي شرحه أو حاشيته على سنن أبي داود لما أتى على الحديث عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)، فبين أن هذا الحديث فيه انقلاب، وأن الصواب أن يضع ركبتيه قبل يديه، وبتتبع طرق الحديث وجد أن في الحديث ضعفاً، واضطراباً، وأشار إلى اضطرابه في زاد المعاد، وبيّن الضعف، وكذلك أيضاً في كتاب الصلاة أطال في ذلك ورجح أنه ضعيف.

    ثم بيّن أيضاً أن أوله يخالف آخره، فإن البعير يبدأ بيديه قبل رجليه، وأما قولهم: إن ركبة البعير في يده، فهذا غير صحيح، والأصل أن الركبة إنما هي في الرجل في كل شيء، ولو كانت صورة ركبة البعير في يديه صورةً فإنها لا تسمى ركبة بل تسمى كما في اليد مرفقاً. يعني: يرتفق به، فالبعير مشاهد أنه يقدم يديه قبل رجليه، فإذا قدم إنسان يديه أشبه البعير في بروكه، وهذا هو الصحيح، ثم وردت أيضاً أحاديث تؤيد حديث وائل في أنه يقدم يديه قبل ركبته.

    وورد أيضاً حديث أبي هريرة في شرح معاني الآثار للطحاوي ، وفي مصنف ابن أبي شيبه ، وفيها: (فليضع ركبتيه قبل يديه، ولا يبرك كما يبرك الفحل) ولو كان في الإسناد راوٍ ضعيف لكنه يتقوى ببقية الروايات، وهذا هو القول الصحيح، ولا عبرة بمن رد على ابن القيم وأنكر ما قاله، حتى المحقق الذي حقق زاد المعاد ضعف رأي ابن القيم ولم يجب عن كل الاعتراضات التي ذكرها.

    وألف بعض تلامذة الألباني رسالة في تأييد تقديم اليدين بعنوان: (نهي الصحبة عن تقديم الركبة) ولكنه تكلف في رده، وأتى بأدلة لا تنهض له.

    وقد ألف فيها الفريح البهلال ، الشيخ المعروف في الزلفى، وأيد ابن القيم وانتصر للحق، وبين أن الحديث الذي عن أبي هريرة خطأ ولا دلالة فيه، وأن الحديث الثاني الذي استدلوا به ضعيف، وأنه إنما صح من فعل ابن عمر، وابن عمر فعل ذلك لما كبر سنه، وكان يقدم يديه قبل ركبتيه لعجزه عن ذلك.

    وقد بين ذلك أيضاً الشيخ خليل إبراهيم الذي حقق رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الأحاديث، وطبعت مع مجموعة رسائل الشيخ، ورجح ما رجحه ابن القيم ، وبين الأدلة الواضحة على ذلك، وذكرنا ذلك أيضاً في تحقيقنا لشرح الزركشي ، وبينا الأدلة، هذا هو الذي يترجح لنا، ومن قرأ كلام ابن القيم بإنصاف عرف موافقته، فالحاصل: أنه ذكر أنه يقدم ركبتيه ثم يديه ثم جبهته ثم أنفه.

    ويسن كونه على أطراف أصابعه. يعني: سجوده على أطراف أصابع رجليه، ويجعل رءوسها إلى القبلة، وبطونها إلى الأرض منبسطة، ويجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذه، فلا يلصق عضده بالجنب، بل يفرج إذا استطاع ما لم يضايق الذي إلى جانبه، ويرفع بطنه عن فخذيه ويرفع فخذيه عن ساقيه، ولا يلصق بطنه بفخذيه؛ فإن هذا كأنه غير ساجد، ويفرق بين ركبتيه، وكذلك يفرق بين رجليه فلا يلصقهما، وذلك بأن يجعل بينهما مثلاً نحو شبر، وقد استدل البعض على إلصاق القدمين بحديث عائشة : (فوقعت يدي على رجليه أو على قدميه وهما منصوبتان) .

    نقول: هذا لا يدل على أنهما ملتصقتان فإنها قد تمس أصابعها قدماً وأسفل الكف قدماً. وقد تكون مسحتهما مسحاً وبينهما فاصل فوقعت يدها على الرجل ثم على الرجل مع وجود الفرجة التي بينهما.

    الدعاء في السجود

    الدعاء في السجود مندوب، والتسبيح كتسبيح الركوع سبحان ربي الأعلى -ثلاثاً- وهو أدنى الكمال، وأعلاه عشر، ويسن فيه الإطالة: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) ، فيسن أن يكثر فيه من الدعاء لقوله: (فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم) .

    وبعد ذلك يرفع مكبراً، ويجلس مفترشاً، والافتراش أن يفرش رجله اليسرى ويضع عليها إليتيه وينصب اليمنى، ويضع بطون أصابعها إلى الأرض، ويقول: رب اغفر لي ثلاثاً، ويزيد أيضاً، ويطيل هذا الركن أيضاً.

    كان أنس إذا جلس بين السجدتين أطال حتى يقول القائل: قد نسي.

    ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى، وبعد ذلك ينهض مكبراً معتمداً على ركبتيه بيديه، وينهض مكبراً معتمداً على ركبتيه بيديه، ولا يجلس بعد الركعة الأولى جلسة الاستراحة؛ وذلك لأن جلسة الاستراحة ما رويت مرفوعة صريحة، إنما رويت من فعل رجل من التابعين وكان شيخاً كبيراً.

    في حديث أبي قلابة يقول: جاءنا مالك بن الحويرث ، فقال: إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة، أصلي كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فقيل لـأبي قلابة : كيف كان يصلي؟ فقال: مثل صلاة شيخنا هذا، قال: وكان ذلك الشيخ إذا رفع من الركعة الأولى لم يقم حتى يستوي جالساً.

    ذلك الشيخ يقال له عمرو بن سلمة الجرمي وليس صحابياً على الصحيح، ولو كان أدرك عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، وهو الذي قدمه قومه يصلي بهم وهو صغير كما في صحيح البخاري ولم تثبت صحبته، فجلسته هذه كانت لعجزه ولكبر سنه، وكان يجلس بعد الأولى وبعد الثالثة.

    أما مالك بن الحويرث فلم يذكر أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم يقم حتى يستوي جالساً، وهذه الرواية ليست في الصحيح، فيدل على أنها رويت بالمعنى، وأنها كانت من فعل عمرو بن سلمة، وهذا الذي يترجح لنا أنها ما رويت إلا من فعل هذا الرجل.

    وأما حديث أبي حميد الساعدي الذي بعضه في الصحيح، فلم تذكر أصلاً في صحيح البخاري، وذكرت في سنن الترمذي، ولكن الصحيح أنه غلط من الراوي، وأنها تكرر عليه ذكرها؛ ولأجل ذلك ذكر أن جلسته بين السجدتين وجلسته بعد السجدتين على حد سواء، وهذا ليس بصحيح.

    فالحاصل أن ذكرها في حديث أبي حميد غير ثابت. يعني: أن العبرة بما في حديث أبي حميد عند البخاري، وأما ذكرها في حديث المسيء صلاته فلم تذكر إلا في رواية وقعت خطأ في صحيح البخاري نبه البخاري على أنها خطأ، ووقعت في كتاب الاستئذان.

    وذهبت الشافعية إلى استحباب هذه الجلسة وبالغوا في ذلك، وأنكرها الحنفية، ولما كانوا ينكرونها ذكر بعض الاعتراضات عليها الطحاوي في شرح معاني الآثار، وابن حجر لما كان شافعياً تكلف في إجابته على تلك الإيرادات التي أوردها الطحاوي في فتح الباري، ولكلٍ اجتهاده.

    وما روي أن الإمام أحمد رجع إليها فلعله رجع إليها بالفعل لما أسن، ولما كبر سنه وتجاوز السبعين، وكان مما يشق عليه أن يقوم بسرعة معتمداً على ركبتيه أو معتمداً على صدور قدميه فكان يجلس ثم يعتمد ويقوم، وقد تكلمنا أيضاً عليها في تعليقنا على شرح الزركشي.

    فالحاصل أنه ذكر أنه ينهض مكبراً معتمداً على ركبتيه بيديه، فإن شق عليه القيام لكبر أو مرض فله أن يعتمد بيديه على الأرض.

    قوله: (فيأتي بمثلها غير النية والتحريمة...) أي: الركعة الثانية يأتي بها كالأولى إلا أنه لا يأتي بالتحريمة، ولا بالاستفتاح ولا بالتعوذ ولا بتجديد النية إلا إذا لم يتعوذ في الركعة الأولى.

    قوله: (ثم يجلس مفترشاً):

    أي: بعد الركعتين يجلس مفترشاً. فيفرش رجله اليسرى كجلسته بين السجدتين ويجلس عليها.

    قوله: (وسن وضع يديه على فخذيه، وقبض الخنصر والبنصر من يمناه، وتحليق إبهامها مع الوسطى): أي: يسن أن يضع يديه على فخذيه، ويقبض من اليمنى الخنصر والبنصر، ويحلق بإبهامه والوسطى، أي: يجعلهما كالحلقة.

    الإشارة بالسبابة وتحريكها

    ويشير بالسبابة: أي يشير بها عند التشهد إشارة إلى الوحدانية، وعند الدعاء، وعند ذكر الله مطلقاً.

    وقيل: إنه يشير بها كلما أتى بذكر (الله)، أو عند الدعاء إذا قال: (السلام عليك)، (السلام علينا)، أو عند الشهادة: (أشهد)، أو عند الدعاء مطلقاً إذا دعا في آخر صلاته.

    أما تحريكها دائماً فليس بسنة، إنما يشير بها أحياناً، وبعد ذلك يبسط اليسرى على ركبته، وبعد ذلك يتشهد بهذا التشهد، واختار الإمام أحمد هذا التشهد؛ لأنه مروي عن ابن مسعود بأسانيد صحيحة، ولم ينقل عنه اختلاف فيه.

    التشهد الأوسط

    وبعدما يتشهد إذا كان في ثلاثية كالمغرب أو رباعية كالعشاء أو كظهرين نهض مكبراً، بعد قوله: (وأن محمداً عبده ورسوله)، وصلى ما بقي سراً ويقتصر على الفاتحة ولا يجهر.

    التورك

    وبعدما يأتي بالباقي يجلس متوركاً إذا تيسر كالإمام والمنفرد، وأما المأموم فإذا شق عليه بأن لم يجد متسعاً فله أن يجلس مفترشاً؛ لأنه قد يكلفه إلى إخراج رجله إلى من بجانبه وكذا الثاني والثالث فيحصل مضايقة.

    التشهد الأخير

    يجلس متوركاً ويأتي بالتشهد المذكور، ثم بعد ذلك يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر في هذا إلا الصلاة على إبراهيم، وفي بعض الروايات أنه يجمع بين إبراهيم وآله، وأنكر بعض العلماء وقالوا: لم يرد الجمع، بل إما أن يقول: كما صليت على إبراهيم، أو كما صليت على آل إبراهيم، والأكثر: (كما صليت على آل إبراهيم)، والإشارة إلى ذكر ذلك في سورة هود في قوله: رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [هود:73].

    التعوذ بعد التشهد

    عدم الدعاء بأمر من أمور الدنيا

    ولا يدعو بدعاء يخص الدنيا، بل يكون دعاؤه للآخرة، فلا يدعو بدعاء خاص كربح تجارة مثلاً أو مال كثير أو أواني أو أمتعة أو ما أشبه ذلك، بل يدعو بدعاء عام كأن يقول: (اللهم ارزقني، أو أغنني بحلالك عن حرامك، أو هيئ لي من أمرك رشداً).

    التسليم

    وبعد ذلك يسلم فيقول: (السلام عليكم ورحمة الله) عن يمنيه وكذلك عن يساره، مرتباً معرفاً السلام، ولا يقول: (سلام)، وزيادة: وبركاته رويت في سنن أبي داود، والظاهر أنه عليه السلام ما كان يقولها إلا قليلاً.

    وذكر ابن القيم في كتاب الصلاة أن الذين رووا (ورحمة الله) خمسة عشر صحابياً.

    1.   

    صلاة المرأة

    والمرأة صلاتها كالرجل وذكروا أنها تجمع نفسها. يعني: أنها تضم نفسها ولا تنفرج ولا تجافى العضد عن الجنب، وذكروا أنها تجلس متربعة أو مسدلة رجليها، والأولى أنها تسدل رجليها بجانب يمينها، ويجوز أن تفترش، وهو أيضاً معتاد.

    1.   

    مكروهات الصلاة

    وهنا: مكروهات الصلاة:

    الأول: الالتفات وهو أشدها، ولا تبطل الصلاة فيه إلا إذا انحرف عن القبلة انحرافاً كلياً، فإذا كان لحاجة وكان يسيراً فلا بأس.

    الثاني: الإقعاء: هو أن ينصب قدميه ويجلس على أليتيه ويضع أليتيه على عقبيه.

    الثالث: الافتراش: أن يفرش ذراعه على الأرض، ونهى أن يفترش الرجل ذراعيه كانبساط الكلب.

    الرابع: العبث: وهو كثرة الحركة.

    الخامس: التخصّر: أن يضع يديه على خاصرته.

    السادس: فرقعة الأصابع. أي: معالجتها حتى تصوّت، كذلك تشبيكها؛ لأنه عبث.

    السابع: ولا يصلي وهو حاقن؛ لأن ذلك يشوّش عليه صلاته.

    الثامن: ولا بحضرة طعام يشتهيه، وقد ورد في الحديث الذي في العمدة: (لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافع الأخبثين).

    1.   

    التسبيح للرجل والتصفيق للمرأة

    قال: (وإذا نابه شيء في صلاته سبح رجل وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى)، يعني: تضرب ظهر الكف ببطن الكف، ولا يجوز لها أن تسبح؛ لأن ذلك فيه إشهار لها.

    وإذا كان نابه بصاق فإنه يبصق في ثوبه أو في منديله ويزيله، وأما في غير المسجد فإنه يبصق عن يساره ويكره بصقه أمامه أو عن يمينه.. والله أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755960835