إسلام ويب

شرح فتح المجيد شرح كتاب التوحيد [114]للشيخ : عبد الله بن محمد الغنيمان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من طبيعة الإنسان إنكار نعمة المنعم سبحانه وتعالى، وإضافة النعمة إلى نفسه، وأنه اكتسبها بجهده وعلمه وذكائه، ولا شك أن هذا كفر بالنعمة وبالمنعم، وهو منقص للتوحيد، والواجب على الإنسان تجاه نعم الله تعالى أن يشكر الله تعالى عليها، وأن يستعملها في طاعته، وأن يضيفها إلى الله تعالى لا إلى نفسه، ومما يبين هذا الأمر بوضوح حديث الثلاثة النفر من بني إسرائيل: الأبرص والأقرع والأعمى.

    1.   

    باب قول الله تعالى: (ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب قول الله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ [فصلت:50].

    قال مجاهد : هذا بعملي وأنا محقوق به. وقال ابن عباس : يريد من عندي.

    وقوله: قَاْلَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78] قال قتادة : على علم مني بوجود المكاسب. وقال آخرون: على علم من الله أني له أهل. وهذا معنى قول مجاهد : أوتيته على شرف ].

    مقصود الباب وجوب الشكر على النعم

    مقصود الباب: وجوب الشكر على النعم، وأن الذي لا يشكر نعمة الله جل وعلا يكون ناقص التوحيد، فهو لم يأت بالتوحيد الذي يجب عليه، وكذلك إذا وقع في كفران النعمة فإن هذا نوع من كفر الربوبية، وهو منقص للتوحيد وإن لم يكن ذاهباً به بالكلية، وهذا من تفسير شهادة أن لا إله إلا الله.

    وقوله: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ) الضمير هنا في (أذقناه) يرجع إلى جنس الإنسان، فكل إنسان هذه طبيعته، إذا وقع في النعمة والسراء نسي ما حدث له من الكرب والضراء، وربما نسب ما وقع له من النعم إلى نفسه، وقال: هذا أنا حصلته بعملي، أو بسببي، أو بحسن تصرفي، أو بكوني ذكياً أعرف كيف أتصرف، أو بكوني أعرف طرق المكاسب، أو ما أشبه ذلك مما يضيفه الإنسان إلى نفسه، فإن هذا كله من كفر النعم.

    والواجب على العبد إذا وقعت له نعمة من النعم، سواء كانت في بدنه أو في ماله أو في أولاده أو نعمة عامة، فيجب أن يضيفها إلى الله، وأن يشكره عليها، وأن يعلم أنه ليس له في نفسه قوة بأن يحصل هذه النعمة لولا أن الله جل وعلا تفضل بها عليه، وإن كان لها أسباب فإن الله هو الذي يخلق الأسباب ويهيئها، ولو شاء لعطل الأسباب، ولو شاء لم تأت النعم مع وجود الأسباب، ولهذا يذكر الله جل وعلا ذلك كثيراً، كما قال جل وعلا: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة:63-65] أي: يكون يابساً ليس فيه أي منفعة، ولكنها نعم الله جل وعلا.

    وكذلك لما ذكر الماء الذي نشرب أخبرنا أنه هو الذي أنزله من المزن -من السحاب- وأنه لو شاء لجعله أجاجاً، يعني: مالحاً لا نستطيع شربه، وكذلك ما يتغذى به الإنسان، الشيء الذي يدخله في فمه لو شاء الله جل وعلا لم يأكله، ولم ينتفع به، ولو شاء لوقف في مكانه ولم يتفرق، فكل نعمة تصيب الإنسان يجب أن يعلم أولاً من قلبه أنها من الله، ثم يعمل جوارحه على شكر الله جل وعلا عليها، وأن يضيفها إلى ربه جل وعلا، وأن لا يضيف ذلك إلى نفسه، فإن إضافة النعم إلى النفس من شأن الكفار الذين ذكرهم الله جل وعلا، كما في هذه الآية وغيرها، الذين يكفرون بالله وبنعمه، ويضيفون ما يحصل لهم من النعم إلى صنعتهم، وإلى قوتهم، وإلى حسن تصرفهم، وينسون ربهم جل وعلا.

    وقد جرت سنة الله جل وعلا في عباده أن الإنسان إذا اعترف بنعمة الله عليه وشكره عليها، وأثنى بها عليه، واستعملها في طاعته أن الله يزيده نعمةً على نعمة، أما إذا صرفها في المعصية، أو نسي المنعم بها، أو استعملها في المعاصي، وتقوى بها على معصية الله جل وعلا، وإن استمر على ذلك وقتاً فإن الوقت قليل وقصير، ولو كان عمر الإنسان كله فإن الله جل وعلا يعقبه سوءاً في حاله عاجلاً، وعذاباً في الآجل.

    ومقصود الباب بذكر الآية: وجوب إضافة النعم إلى مسديها، ووجوب شكره عليها بالعمل بها في الطاعة، ومن لم يفعل ذلك لا يخلو: إما أن يكون جاحداً بالكلية، ومستعملاً النعمة في المعصية والكفر، فيكون خارجاً من الدين الإسلامي، أو يكون أقل من ذلك؛ لأنه لم يؤد شكر النعمة، ولم يستعملها في طاعة الله على ما ينبغي، وإن استعملها في شيء منها أو أنه يضيف منها في ذلك شيئاً إلى نفسه، فإنه يكون ناقص التوحيد، ويكون واجباً عليه أن يتوب من ذلك، ويشكر ربه جل وعلا ويعبده ويخضع له.

    معنى قول الله تعالى: (ولئن أذقناه رحمة منا...)

    وقوله: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا [فصلت:50] من المعلوم أن إذاقة الشيء يقصد بها الطعم الذي يذوقه، مثل الذي يأكل الطعام ويتذوقه، وذلك أن النعم مآلها إلى هذا، وقد يكون ذوقها ذوقاً معنوياً، ويكون أعظم لذةً من الحقيقي، وكل النعم مصدرها من الله جل وعلا، فعلى هذا وجوب شكر نعم الله جل وعلا، وقبل ذلك يجب على الإنسان أن يعلم أن كل ما وقع له من خير فهو من الله، أما إذا وقع له ضد ذلك فسببه معصيته، كما قال جل وعلا: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22]، وقوله: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، وقال جل وعلا: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79] يعني: السيئة تقابل الحسنة، والحسنة المقصود بها النعم التي ينعم الله جل وعلا بها على الإنسان.

    وقوله: (من نفسك) يعني: نفسك هي سبب عملك، ثم كون الإنسان يدعي بأنه محظوظ ولهذا حصل له كذا وكذا، أو أنه كريم عند الله؛ ولهذا حصل له كذا وكذا، هذه دعوى على الله، وربما يكون الأمر بالعكس؛ لأن الله جل وعلا يبتلي بالنعم الذي يحبه والذي لا يحبه، الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولكنها ابتلاء واختبار؛ لينظر من يشكر ومن يكفر، فمن شكر زيد نعمة، ومن كفر فإنه لا يعجز الله، ويعاقبه الله جل وعلا، ويسلب نعمته؛ لأن الله جل وعلا يقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].

    والأقوال التي ذكرها السلف متقاربة، قوله: أنا حقيق به، أو أنا حصلته بكسبي وبعملي، أي: بحسن تصرفي، أو بكوني علمت كيفية طرق المكاسب، أو بقوله: هذا أعطاني الله جل وعلا لأنني محظوظ عنده، أو قوله: أنا مستحق لذلك، أو قوله: أنا شريف، أو قوله: أنا عند الله جل وعلا محبوب أو كريم فأعطاني ذلك.. كل هذه من أعمال وأقوال الكفار التي لا يجوز للمسلم أن يقول شيئاً منها، ويجب عليه أن يجعل النعم مستعملةً في طاعة الله، ويعترف بأنها من عند الله جل وعلا، حتى يكون عبداً لله.

    ومعلوم أن معنى الرب جل وعلا: رب العالمين، أي: الذي يربيهم بنعمه، ويقوم على مصالحهم، فهو ربهم الذي يربيهم بما يصلح حياتهم، وهذه التربية قد يعترف بها من يعترف من المؤمنين، ويشكر الله عليها، وقد لا يعترف بها أكثر الناس، فيكون ذلك وبالاً عليهم، ويكونون من أهل العذاب، نسأل الله العافية.

    قال الشارح رحمه الله تعالى: [ قوله: باب قول الله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ ... [فصلت:50] الآية.

    ذكر المصنف رحمه الله تعالى عن ابن عباس وغيره من المفسرين في معنى هذه الآية وما بعدها ما يكفي في المعنى ويشفي. قوله: قال مجاهد : هذا بعملي وأنا محقوق به، وقال ابن عباس : يريد من عندي، وقوله: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78] قال قتادة : على علم مني بوجوه المكاسب ..].

    قول مجاهد وقول ابن عباس : على علم مني بوجوه المكاسب، وعلى علم عندي يعني: أني أعلم ذلك، أعلم كيف أكتسب، أعلم كيف أتصرف، وهو في الواقع مسكين! إذ لو أن الله منعه نعمته لما استطاع أن يسقي نفسه شربة ماء.

    قال الشارح رحمه الله: [ وقال آخرون: على علم من الله أني له أهل، وهذا معنى قول مجاهد : أوتيته على شرف.

    يعني: أن الله جل وعلا شرفني على كثير من الناس فأعطاني ذلك؛ لأني شريف أو كريم عنده.

    وليس فيما ذكروه اختلاف وإنما هي أفراد المعنى ].

    فتنة السراء والضراء وبيان أيهما أعظم

    قال الشارح رحمه الله: [ قال ابن كثير رحمه الله في معنى قول الله تعالى: ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ [الزمر:49] ].

    (خولناه) يعني: أعطيناه وخصصناه، فكل نعمة تقع للإنسان فهي من الله، وأكبر نعم الله وأعظمها على العبد أن جعله مسلماً، فهذه النعمة أعظم النعم على الإطلاق.

    أما كونه يكون صحيحاً معافىً واجد المال والمتاع والمسكن والزوجة وما أشبه ذلك، فهذه تزول بسرعة ولا تبقى، ولكن نعمة الإسلام هي التي تستمر معه إلى أن يحصل له بسببها الحياة السرمدية، والنعيم عند الله جل وعلا، ولهذا لا يستطيع الإنسان أن يقوم بشكر هذه النعمة، ولا غيرها من النعم، وإنما إذا اعترف لربه جل وعلا بالتقصير، وخضع له، ونسب له الفضل، واستعمل ذلك في طاعته، فإن الله كريم يقبل اليسير ويعفو عن الكثير.

    [ يخبر أن الإنسان في حال الضر يضرع إلى الله تعالى، وينيب إليه ويدعوه، ثم إذا خوله نعمةً منه طغى وبغى وقال: (إنما أوتيته على علم)، أي: لما يعلم الله من استحقاقي له، ولولا أني عند الله حظيظ لما خولني هذا.

    قال الله عز وجل: (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) أي: ليس الأمر كما زعم، بل إنما أنعمنا عليه بهذه النعمة لنختبره فيما أنعمنا عليه ..].

    المقصود بالفتنة هنا: الاختبار، أي: يعطى النعم ليظهر شكره من كفره، وإلا فالله علام الغيوب لا يخفى عليه شيء، يعلم أن هذا المخلوق سوف يكفر وهذا سوف يشكر، لا يخفى قبل وجود ذلك، ولكن من فضله وكرمه وتمام عدله أنه لا يؤاخذ بمجرد علمه، وإنما يؤاخذ بالعمل الظاهر الذي يبرز ويظهر، ويكتب في الصحف، وتشهد عليه الملائكة وتعمله الجوارح، هذه الفتنة فتنة النعم.

    وفتنة النعمة أعظم من فتنة الضراء؛ لأن الإنسان كما قال الله جل وعلا: كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، إذا وجد الغنى تكبر وطغى، أي: ارتفع على غيره، فالطغيان المقصود به: الارتفاع والعلو على أبناء جنسه، فيتعالى عليهم بما أعطي من النعم، وهذه طبيعة الإنسان إلا من مَنّ الله جل وعلا عليه بالهداية.

    وأما الضراء فغالباً أنه يستكين، ويذل ويخضع، ويعرف قدره، فيكون هذا طريقاً لمعرفة الله جل وعلا، فلهذا صارت فتنة السراء أشد من فتنة الضراء، وفتنة الضراء قد يكفر بعض الناس بسببها ويتسخط أمر الله وقدره ويقول: أنا ما أستحق هذا، أنا مظلوم، يعني: أن الله ظلمه، نسأل الله العافية! فإذا وصل إلى هذا الحد فمعنى ذلك أنه كفر بالله جل وعلا، ورأى أن الله يظلم عبده، وهو يزكي نفسه على ربه، ويرى أنه مطيع وقائم بالواجب، وهذه نهاية الكفر نسأل الله العافية.

    فالمقصود: أن الابتلاء لابد منه، إما أن يكون بهذا أو بهذا، حتى يتبين عمل الإنسان ظاهراً، يتبين لكل من يرى، يتبين للملائكة، ويتبين له هو، ويتبين لمن يكون مشاهداً له، فهذا الذي يؤاخذ عليه، فكونه جل وعلا يبتليهم بهذا ليظهر ذلك الذي هو كامن في نفوسهم، وقد علمه الله جل وعلا قبل وجودهم، وكتبه، ولكنه لا يقع إلا بعملهم وبتصرفهم.

    عاقبة التكبر على الله وعلى الخلق بالنعم

    [ قال الله عز وجل: بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ [الزمر:49] أي: ليس الأمر كما زعم، بل إنما أنعمنا عليه بهذه النعمة لنختبره فيما أنعمنا عليه أيطيع أم يعصي؟ مع علمنا المتقدم بذلك، (بل هي فتنة) أي: اختبار، (ولكن أكثرهم لا يعلمون)، فلهذا يقولون ما يقولون، ويدعون ما يدعون.

    قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الزمر:50] أي: هذه المقالة، وزعم هذا الزعم، وادعى هذه الدعوى كثير ممن سلف من الأمم.

    فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الزمر:50] أي: فما صح قولهم، ولا نفعهم جمعهم، وما كانوا يكسبون، كما قال تعالى مخبراً عن قارون: إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ [القصص:76-78].

    وقال تعالى: وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [سبأ:35] انتهى].

    القصص التي يذكرها الله جل وعلا لنا في القرآن مثل قصة قارون وعاد وفرعون وبني إسرائيل، وكذلك القصص التي يذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الحديث الذي ذكره المصنف، المقصود بها: الاعتبار، فنحن المقصودون منها، وليس معنى ذلك أنه مجرد أخبار وقعت فمضت، فيأخذها الإنسان من باب التسلي أو التفكر، وكونه يذكر هذا تاريخاً مضى لأناس مضوا، بل المقصود نحن أن نعتبر نحن بذلك، وألا نقع في مثل ما وقعوا فيه، حتى لا يصيبنا ما أصابهم، هذا هو مغزى القصص وهو المقصود منها.

    وفي قصة قارون الذي جمع الأموال وكنزها، ثم نصحه من نصحه من المؤمنين وقالوا: لا تبغ الفساد بأموالك هذه، ولا تنس نصيبك من الدنيا، ولكن أحسن كما أحسن الله إليك، فنصحوه النصيحة التي لو أخذ بها لاجتمعت له نعمة الدنيا والآخرة، ولكنه تكبر وقال: إنما أوتيته على علم عندي، ومعنى (علم عندي) مثل ما قال قتادة : محظوظ عند الله، علم الله أني له أهل وأني أفضل منكم، فزعم أنه يستحق ذلك وجحد نعمة الله، فأخذه الله وخسف به وبداره الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، نسأل الله العافية.

    وأخبر جل وعلا أن من قبله من القرون من هو أكثر منه جمعاً وأقوى منه، وأخذوا بكفرهم وظلمهم، وعادة الإنسان الكافر أنه لا يعتبر بما مضى، ولا بما يجري حوله، إذا كثرت نعمه وكثر ما لديه فإن ذلك يدعوه إلى التكبر والبغي.

    1.   

    شرح حديث الأبرص والأقرع والأعمى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن ثلاثة من بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكا،ً فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به، قال: فمسحه؛ فذهب عنه قذره، فأعطي لوناً، وجلداً حسناً، قال: أي المال أحب إليك؟ قال: الإبل أو البقر -شك إسحاق - فأعطي ناقة عشراء، فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به، فمسحه فذهب عنه، وأعطي شعراً حسناً، فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: البقر أو الإبل، فأعطي بقرة حاملاً، فقال: بارك الله لك فيها، فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله علي بصري؛ فأبصر به الناس، فمسحه فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والداً، فأنتج هذان، وولد هذا، فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغنم، قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين وابن سبيل، قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيراً أتبلغ به في سفري، فقال: الحقوق كثيرة! فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرصاً يقذرك الناس، فقيراً فأعطاك الله عز وجل المال؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر، فقال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد عليه هذا، فقال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت، قال: وأتى الأعمى في صورته فقال: رجل مسكين، وابن سبيل، قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري، فقال: قد كنت أعمى، فرد الله إلي بصري، فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله، فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم، فقد رضي الله عنك، وسخط عن صاحبيك) أخرجاه ].

    هذا الحديث في الصحيحين، وقوله: (إن ثلاثة من بني إسرائيل) إسرائيل: هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، وبنوه هم الذين ذهبوا إلى مصر لطلب الطعام، وترددوا بعدما عملوا ما عملوا بأخيهم يوسف عليه السلام، وحصل ما حصل، ومكنه الله جل وعلا، ثم في النهاية استجلبهم إلى مصر هم وأهليهم، فكثروا وصاروا أمة كبيرة، فسلط عليهم فرعون في تقتيل أبنائهم ذكورهم، وإبقاء نسائهم للخدمة، وسبب ذلك كما قيل: إنه قيل له: إن في العلم الذي ورث عن إبراهيم أن زوال ملكك على يد رجل من بني إسرائيل، فصار يذبح كل مولود ولد منهم، والقصة معروفة ذكرها الله جل وعلا في القرآن.

    والمقصود: أن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق، فهو نبي كريم من أنبياء الله جل وعلا، واليهود هم من ذريته، ولكن اليهود الآن من أكفر عباد الله، ولا يجوز أن نسميهم بني إسرائيل، وإنما نقول: دولة اليهود مثلاً، ولا نقول: دولة إسرائيل؛ لأن إسرائيل نبي كريم من الأنبياء، يجب أن ينزه عن هذا، فيجب أن نقول لهم: اليهود.. دولة اليهود.. وهم يفرحون عندما تسمى دولتهم بإسرائيل، ثم كأنه كان فيهم العجائب، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحدث عنهم كثيراً، والأحاديث المروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم كثيرة، وقد ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه كتاباً مستقلاً سماه: (حديث بني إسرائيل)، فذكر جملاً منها، وكذلك غيره من العلماء، وأحاديث بني إسرائيل التي تذكر عنهم قسمها العلماء إلى أقسام ثلاثة: قسم منها ثبت، مثل الذي يذكره الله جل وعلا في كتابه، والذي يذكره الرسول صلى الله عليه وسلم ويصح عنه، ومثل هذا لا إشكال فيه فيصدق ويؤمن به، وهذا الذي اختلف أهل الأصول هل هو شرع لنا أم لا؟ أي: شرع من قبلنا شرع لنا أم أنه ليس شرعاً لنا؟ والصواب أنه إذا كان أقر من شرعنا فهو شرع لنا، أما إذا لم يقر فليس شرعاً لنا، ولكن الكلام في الشيء الذي سكت عنه.

    القسم الثاني: ما جاء في كتاب الله أو في أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم ما يكذبه ويبطله، فهذا يجب أن نكذبه، مثل دعوى اليهود بأن سليمان ملك ساحر، أو أن لوطاً عليه السلام ضاجع بنتاً من بناته فحملت منه، وغير ذلك من الأمور المنكرة التي ينسبونها إلى الأنبياء وهي كذب صريح، القرآن يبين كذب ذلك ويوضحه، وهذا كثير، وقد يذكره بعض المفسرين في تفاسيرهم، وهو من الخطأ الذي يجب أن ينزه تفسير كتاب الله عنه.

    القسم الثالث: ما لم يأت في كتاب الله ولا عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا تصديقه ولا تكذيبه، أي: مسكوت عنه، فمثل هذا الحكم فيه أن يقول الإنسان: آمنا بما أنزل الله علينا وعلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وسائر الأنبياء، أي: أنه لا يكذب ولا يصدق، يؤمن بكل ما أنزله الله إجمالاً، أما هذا بعينه فيتوقف فيه، إذا كان مما أنزله الله فنحن نؤمن به، وإذا لم يكن فهو لا يضر الإنسان كونه تردد فيه.

    وهؤلاء الثلاثة النفر جاء في صحيح البخاري ثلاث روايات:

    أحدها: (أراد الله أن يبتليهم)، والأخرى: (بدا لله أن يبتليهم)، وقد اغتر بهذه الكلمة بعض الذين كتبوا من المعاصرين كلاماً سيئاً في هذا وقال: إن هذا خطأ، وإن صحيح البخاري فيه أخطاء في العقيدة، فينبغي للإنسان أن يكون متنبهاً، وهذا من قلة معرفة اللغة؛ لأن (بدا) تأتي بمعنى: أراد، ومعلوم أن الرواة قد يعبر بعضهم بالمعنى ولو لم يكن هذا تعبير رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه عرف مراد الرسول صلى الله عليه وسلم فعبر به، وهذا كثير جداً، فإذا جاء حديث بلفظين مثلاً أو ثلاثة ألفاظ فأحدها يفسر الآخر، إذا كان فيها شيء غريب يرجع إلى الشيء الواضح، فيكون هذا هو المعنى.

    ومن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفصح الناس، وهو صلوات الله وسلامه عليه أقدرهم على البيان والبلاغ، وهو كذلك أنصح الخلق للخلق، وهو كذلك أغير الخلق على الله جل وعلا، فلا يجوز أن يأتي من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء باطل؛ لأن هذا الذي قال هذا القول بأن (بدأ) من الابتداء، وأنه يقتضي قبل ذلك أنه لم يكن عالماً، فمعلوم أن هذا ينافي صفات الله جل وعلا، ولكن ليس هذا المراد في قوله: (بدأ)، وإنما المراد به مثل ما في الروايات الأخرى: (أراد الله أن يبتليهم)، والإرادة سبق الكلام عليها، والابتلاء هنا هو الاختبار، أي: أن يختبرهم بحالهم، وهؤلاء الثلاثة: أبرص، وأقرع، وأعمى، فهم أهل أمراض وعاهات معروفة في الناس.

    أما البرص: فهو من الأمراض التي تغير لون الجلد، وتجعله مكروه النظر إليه، وقد كان ولا يزال في الغالب مرضاً إلى الآن لم يستطع الأطباء أن يصلوا إلى دواء له، وقد يشفى الإنسان من هذا كما هو معروف، ولكن الغالب أنه يبقى، وإنما كثير من الأطباء لا يستطيع أن يتوصل إلا إلى إيقافه فقط، يوقف بحيث لا يزداد؛ لأن العادة أنه يزيد حتى يشمل الجلد كله، ويصبح جلد الإنسان كله بهذا اللون، ولكن يمكن أن يشفى الإنسان، وقد شفي خلق من هذا المرض، وقد جعل الله جل وعلا الشفاء منه آيةً لعيسى عليه السلام، إذا مسح بيده الأبرص شفي وزال برصه.

    أما القرع: فهو مرض وقروح تكون في الرأس يتساقط بسببها الشعر، ثم يحدث الصلع، وقد تكون له رائحة كريهة ويتقذر منه من قارب هذا المريض.

    أما العماء: فهو معروف، كونه فقد بصره، وأصبح لا يبصر شيئاً.

    فهؤلاء بعضهم قريب من بعض، فأرسل الله جل وعليه إليهم ملكاً، وهذا الملك جاءهم بصورة بشر من الناس يظنون أنه مثلهم، فبدأ بالأبرص فقال له: أي شيء تود وتحب وتريد؟ فقال: أحب أن يذهب عني هذا المرض، وأن أعطى جلداً حسناً، ولوناً حسناً؛ لأن جلده مريض، ولونه سيئ، فمسحه فزال المرض، وأعطي جلداً حسناً، ولوناً حسناً، وهذا مجرد مسح، ولو كان عنده مثلاً اعتبار لاعتبر أن هذا من الأمور العظيمة، ومن آيات الله ونعمه، ثم قال له: أي المال أحب إليك؟ فقال: الإبل أو قال: البقر، شك إسحاق أحد الرواة، فأعطي ناقة عشراء، والناقة العشراء: هي التي قاربت الولادة، أي: أتى عليها عشرة شهور وهي ستلد قريباً، وبعض أهل اللغة يقول: إذا أتى عليها ثمانية شهور تكون عشراء، والناس يختلف اصطلاحهم في هذا، فكثير من العرب إذا تبين لقاح الناقة سموها عشراء، ولو لم يأت عليها شهور، ولكن المقصود الاستعمال القديم، ثم قال له: بارك الله لك فيها، فدعا الله جل وعلا له بالبركة فيها، ودعوة الملك الغالب أنها مستجابة، وقد أراد الله جل وعلا ذلك.

    ثم ذهب إلى رفيقه الثاني فقال له: أي شيء تحب؟ فقال: أن يذهب عني هذا الذي قذره الناس، وأحب شعراً حسناً، فمسح رأسه؛ فذهب مرضه، ونبت شعره وصار حسناً، وقال له: أي المال أحب إليك؟ فقال: البقر، فأعطي بقرة حاملاً، ثم ذهب إلى الثالث الأعمى فقال له: أي شيء تود وتريد؟ فقال: أن يرد الله علي بصري، فأبصر به الناس، ومعنى قوله: أبصر به الناس أي: أبصر به الأشياء التي يبصرها الناس، ولكن قصر ذلك على الناس؛ لأن اختلاطه بهم، وحاجته إليهم أكثر من غيرهم، فمسح على عينيه، فرد الله عليه بصره، ثم قال له: أي المال أحب إليك؟ قال:الغنم، فأعطي شاةً حاملاً.

    (فأنتج هذان وولد هذا) المنتج: هو الذي يتولى ولادة الناقة أو البقرة، والمولد: كذلك الذي يتولى ولادة الشاة، مثل القابلة من النساء للمرأة.

    فطال الوقت، وصار للأول واد من الإبل، وللثاني واد من البقر، وللثالث واد من الغنم، أي: أن هذه الناقة بارك الله فيها، وصار منها شيء كثير من الإبل، وكثر المال ونما، وكذلك صاحب البقرة، وكذلك صاحب الشاة، فلما كثر المال وصار أودية مملوءة منها، جاء ذلك الملك، وبدأ بالأبرص وجاء بصورته، أي: أنه جاء بصورة رجل أبرص وفقير حتى يذكره بحاله السابقة، وهذا معنى (جاءه بصورته) أي: بصورة الأبرص نفسه، فقال له: (إني رجل مسكين، وابن سبيل)، وابن السبيل: هو الملازم للسفر.

    قال: (وقد انقطعت بي الحبال في سفري) يعني: الأسباب التي توصلني إلى مرادي، (ولا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، فأسألك بالذي أعطاك الجلد الحسن، واللون الحسن، والمال، بعيراً أتبلغ به في سفري) أمور كلها تذكره بحاله، أولاً: أنه جاءه بصورته التي كان عليها هو، أي: بصورة رجل فقير أبرص، ثم سأله بالله، وأبدى له حاجته، وأنه مضطر إلى السؤال، ثم ما سأله شططاً، وإنما سأله بعيراً واحداً فقط ليركب عليه، ومع ذلك قال له: (الحقوق كثيرة!) يعني: لا أستطيع أن أعطيك هذا الحق؛ لأني لو أعطيتك لجاءني غيرك وقال: أنا لي حق، والثاني يقول: لي حق، والثالث.. وهكذا، فيذهب مالي، وإنما أمتنع من أول الأمر، فما أعطيك أي شيء، وعند ذلك قال له الملك: (كأني أعرفك، ألم تكن أبرص فقيراً يقذرك الناس؟) فكفر وأنكر وكذب، وقال: كلا! بل هذا المال ورثته كابراً عن كابر، يعني: أن آباه وأجداده هم الذي ورثوه هذا المال، وهذا فيه دليل على أن الوراثة معروفة في القديم، فكون الولد يرث المال الذي يخلفه والده، والقريب يرث قريبه، هذا شيء معروف، فأنكر، فقال له الملك: (إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت)، أي: صيرك الله فقيراً أبرص، وقوله: (إن كنت كاذباً)، ليس معنى ذلك الشك من الملك بأنه كاذب، ولكن هذا من باب التنزل في خطابه، ثم تركه، وصار إلى ما كان عليه عقاباً من الله جل وعلا.

    ثم ذهب إلى الأقرع وقال له مثل ذلك، وجاءه بصورة رجل أقرع مريض الرأس، يتقذر الناس من منظره ومن قربانه، وبصورة مسكين فقير، أي: أنه جاء بالصورة التي كان عليها قبل أن يمسح رأسه الملك، وقبل أن يعطيه البقرة، فقال له: (رجل مسكين وابن سبيل، قد انقطعت بي الحبال، ولا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك الشعر الحسن، وأذهب عنك ما قذرك الناس به، وأعطاك المال، بقرةً أتبلغ بها في سفري هذا)، فقال له مثل ما قال صاحبه: الحقوق كثيرة، ولو فتحنا باب الحقوق يمكن أن ينتهي المال، فامتنع، فقال له مثل ما قال لصاحبه: (إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت عليه).

    ثم ذهب إلى الأعمى فقال له مثل ما قال لمن قبله، وهدى الله جل وعلا الأعمى إلى أن يعترف بالنعمة، فقال الأعمى: قد كنت أعمى فقيراً فرد الله علي بصري، وأعطاني هذا المال، فخذ ما شئت ودع ما شئت فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله تعالى، ( أجهدك ) يعني: لا ألومك ولا أتعبك في رد ما أخذته، فالذي تأخذ أحب إلي من الذي تترك، ثم لا أتبعك في ذلك ولا أطالبك، عند ذلك قال له الملك: أمسك عليك مالك، إنما ابتليتم، فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك.

    وفي هذا دليل على أن النعم إذا شكرت فإنها تستقر وتزداد، ويكون في ذلك رضى الله جل وعلا، وإذا كفرت فإنها تنفر وتذهب، ويكون في ذلك سخط الله جل وعلا، ويعود الذي كفر بالنعمة إلى حالة سيئة مع سخط الله جل وعلا، هذا هو مغزى الحديث، ومقصوده وجوب شكر النعم، وكذلك نسبتها إلى المنعم، والاعتراف بها، ثم يستعملها في الطاعة، وهذه أركان الشكر.

    شكر النعم

    أركان الشكر ثلاثة:

    الأول: أن يعلم أن النعمة من المنعم، والمنعم هو الله جل وعلا، وأنها فضل منه بلا استحقاق.

    الثاني: أن يضيفها إلى المنعم، ويذكرها له، ويشكره بلسانه عليها.

    الثالث: أن يستعملها في طاعة الله جل وعلا، اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا [سبأ:13]، فالعمل من الشكر، وكذلك من العمل: الثناء، ومنه قبل ذلك: أن يعلم أنها من الله، فكل نعمة ينعم الله جل وعلا بها على عبده يجب أن يقوم بهذه الأمور الثلاثة حتى يؤدي شكر الله عليها، وحتى تستقر، وواضح في الحديث السابق أن شكر النعمة يقتضي استقرارها وزيادتها، وكفرها يقتضي نفورها وذهابها، ومع ذلك يعذب؛ لأنه كفر، والكفر أصله مأخوذ من التغطية؛ ولهذا يسمى الزارع حارث الأرض كافراًً؛ لأنه يغطي البذر في الأرض، وإذا غطاه قيل: كفره، إذاً: أصل الكفر التغطية، فإذا غطى نعمة الله فهو كافر لها، وأعظم النعم التي يجب أن تبرز وتظهر ويعمل بها: عبادة الله جل وعلا، ثم يتبع ذلك سائر النعم، وعبادة الله هي الأصل في هذا، فإذا آمن الإنسان بالله جل وعلا وعبده، فهذا يقتضي أن يشكره على كل نعمة من نعمه، وقد يكون كفر النعمة داعياً إلى الكفر الأكبر، فقد يكون سبباً إلى ذلك، كما حصل لهؤلاء الاثنين اللذين جحدا وكفرا نعمة الله، فعاقبهما الله جل وعلا في العاجل قبل الآخرة، وما أعده الله جل وعلا لهم في الآخرة أعظم وأشد.

    ابتلاء الله تعالى لعباده

    هذا الابتلاء ليس المقصود به ذواتهم، المقصود أن يعتبر به غيرهم، أما هم فواحد منهم نجا، والآخران هلكا، وهذا فيه دليل على أن الغالب على الإنسان الكفر؛ لأن الثلاثة شكر منهم واحد، واثنان كفرا، مع قرب العهد، والتذكير بالحالة التي سبقت لهما، وكونهما يعلمان ذلك، فقال لهم: العهد قريب، والمال جاءكم بنعمة الله، وكذلك ما منّ الله جل وعلا به من إزالة المرض وإنعامه بالعافية عليكم، ومع ذلك جحدا هذا، وهما يعلمانه حقيقةً، فهذا يدلنا على أن الغالب على الإنسان هو الكفر، وهذا ظاهر في الناس، فالغالب عليهم الكفر، فيجب على العبد أن يحذر أن يقع في شيء من ذلك، فقد يكون الإنسان مبتلىً بالمال، أو مبتلىً بالجاه، حتى الجاه قد يبتلى به العبد، يكون له جاه عند الناس فيكون له بلوى: هل يستعمل ذلك في طاعة الله أو يغتر بنفسه ويقول: أنا فلان بن فلان، وأنا الذي فيه كذا وكذا؟ فيهلك، فالناس كلهم سواء، ولكن يتميزون بطاعة الله جل وعلا، ومن كان لله أطوع فهو أحب إلى الله جل وعلا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، والابتلاء والاختبار لابد أن يقع أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2]، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة:214]، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142]، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31]، وآيات كثيرة يخبر الله جل وعلا فيها أنه لابد من البلوى، والبلوى قد تكون كبيرة وقد تكون صغيرة، ولكن يكفي بها أن يتبين هل الإنسان شاكر أم كافر، والله جل وعلا كلما أعطى الإنسان نعمة فهي من باب الاختبار؛ ولهذا كان السلف يحذرون هذه الأمور كثيراً، فيقول أحدهم: إذا رأيت الإنسان مقيماً على معصية، ونعم الله عليه متوالية من صحة ومن مال وغير ذلك فإنه يمكر به؛ لأن العادة أن الإنسان إذا كان في النعمة ينسى، ويتمادى فيها، ويفرح بها، ثم يأتيه الأمر بغتة، وهناك لا ينفعه الندم.

    قال الشارح رحمه الله تعالى: [قوله: وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن ثلاثة .. ) الحديث أخرجاه أي: البخاري ومسلم .

    و(الناقة العشراء) بضم العين وفتح الشين وبالمد: هي الحامل.

    قوله: (أنتج ) وفي رواية: (فنتج) معناه: تولى إنتاجها، والناتج للناقة كالقابلة للمرأة.

    قوله: (ولّد هذا) بتشديد اللام، أي: تولى ولادتها، وهو بمعنى: أنتج في الناقة، فالمولد والناتج والقابلة بمعنى واحد، لكن هذا للحيوان وذلك لغيره.

    قوله: (انقطعت بي الحبال) بالحاء المهملة والباء الموحدة، أي: الأسباب.

    قوله: (لا أجهدك) معناه: لا أشق عليك في رد شيء تأخذه أو تطلبه من مالي، ذكره النووي .

    وهذا حديث عظيم، وفيه معتبر، فإن الأولين جحدا نعمة الله، فما أقرا لله بنعمة، ولا نسبا النعمة إلى المنعم بها، وما أديا حق الله، فحل عليهما السخط.

    وأما الأعمى فاعترف بنعمة الله ونسبها إلى من أنعم عليه بها، وأدى حق الله فيها، فاستحق الرضا من الله بقيامه بشكر النعمة لما أتى بأركان الشكر الثلاثة التي لا يقوم الشكر إلا بها وهي: الإقرار بالنعمة، ونسبتها إلى المنعم، وبذلها فيما يحب ].

    وجوب شكر النعم وقلة الشاكرين

    أركان شكر النعمة ثلاثة: الأول: الاعتراف أن الله هو المنعم، والاعتراف مصدره القلب ثم يأتي على الجوارح، فلابد من شكر اللسان وغيره من الجوارح.

    الثاني: أن تنسب النعمة إليه ولا تنسب إلى الأسباب.

    الثالث: أن يستعمل النعمة في طاعته.

    فهذه إذا أتى بها العبد فقد شكر نعمة الله، والله جل وعلا يقول: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13]، فقليل من عباد الله هم الذين يشكرون الله جل وعلا، وأكثرهم وإن اعترفوا بأن النعمة من الله، فلا يخلو هذا الاعتراف من النظر إلى الأسباب والاعتماد عليها، والاعتماد على السبب نوع من أنواع الشرك، وكونه يعطل السبب ولا يلتفت إليه قدح في الشرع وفي العقل أيضاً، فلابد من السبب، ولكن السبب جعله الله سبباً، وإذا شاء عطله وأصبح مفعوله لا أثر له، وإذا شاء أتى بالموانع.

    فعلى العبد أن يستعمل النعمة في طاعة الله جل وعلا، ويتقوى بها على طاعته، وهذا من الشكر، أما إذا تخلف واحد منها فلم يأت الإنسان بالشكر الذي يجب عليه، فيجب على عباد الله أن يشكروه على نعمه، ونعم الله كثيرة جداً، لا يستطيع الإنسان أن يقوم بشكرها، ولكن من رحمة الله جل وعلا أنه يقبل القليل، ويعفو عن الكثير، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة)، والسلامى: المفصل الذي في الجسد، يعني: العظم الذي إذا فصله فاصل انفصل، فهذا يسمى سلامى، وذكر أن في الجسد ثلاثمائة وستين مفصلاً، فيصبح عليه كل يوم ثلاثمائة وستون صدقة بقدر هذه النعم؛ لأن هذه كلها نعم من الله جل وعلا، ولما استكثر الصحابة هذا وقالوا: كيف يقوم الإنسان بهذه الصدقات الكثيرة؟ قال صلى الله عليه وسلم: (أمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، والكلمة الطيبة صدقة) فأعمال الخير كثيرة جداً، وبعض الناس يبخل على نفسه في بذل الخير الذي يعود نفعه إليه.

    فهذا كله مما يدل على وجوب الشكر لله جل وعلا، فيشكر الإنسان نعمة الله، وقد سبق أن قلنا: إن أكبر هذه النعم وأعظمها أن جعل الله جل وعلا عبده من المسلمين، فهذه هي أعظم النعم التي يجب على الإنسان أن يشكر الله جل وعلا عليها، ويقوم بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، حتى تبقى نعمة الله عليه؛ لأنه بالشكر تستقر النعم، وبكفر النعمة تزول وتهرب، كما في قصة الثلاثة، فعندما شكر الأعمى أقرت النعمة عنده، وازدادت، وتحصل على الرضا، وأما صاحباه فكفرا النعمة وجحداها، فزالت نعمتهما، وعادا إلى ما كانا عليه، وهذا عذاب عاجل، والعذاب الآجل أشد وأبقى.

    أصل الشكر

    قال الشارح رحمه الله: [ قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: أصل الشكر هو الاعتراف بإنعام المنعم على وجه الخضوع له والذل والمحبة، فمن لم يعلم بالنعمة بل كان جاهلاً بها لم يشكرها، ومن عرفها ولم يعرف المنعم بها لم يشكرها أيضاً، ومن عرف النعمة والمنعم لكن جحدها كما يجحد المنكر النعمة المنعم عليه بها فقد كفرها، ومن عرف النعمة والمنعم بها وأقر بها ولم يجحدها ولكن لم يخضع له ولم يحبه ويرضى به وعنه؛ لم يشكره أيضاً، ومن عرفها وعرف المنعم وأقر بها وخضع للمنعم بها وأحبه ورضي به وعنه، واستعملها في محابه وطاعته؛ فهذا هو الشاكر لها.

    فلابد للشكر من علم القلب، وعمل يتبع العلم، وهو الميل إلى المنعم ومحبته والخضوع له.

    قوله: ( قذرني الناس ): بكراهة رؤيته وقربه منهم].

    1.   

    مسائل باب قوله تعالى: (ولئن أذقناه رحمة منا...)

    حال الإنسان مع نعم الله

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فيه مسائل:

    الأولى: تفسير الآية ].

    ليست آية واحدة، بل عدد من الآيات في القرآن تبين جحود الإنسان، كما قال الله جل وعلا: إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:20-21] فهذه حقيقة الإنسان، فأخبر الله جل وعلا أنه إذا أنعم على الإنسان فإنه يتكبر، ويتجافى عن طاعة الله، وينسى الاعتراف بها، وإذا مسه الضر فإنه يكون جزوعاً، وفي هذه الآية أنه ينسبها إلى نفسه: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي [فصلت:50]، والرحمة عامة تشمل صحة البدن، وتشمل كثرة المال، وغير ذلك من نعم الله جل وعلا، فربما يقول: هذه أنا أستحقها، أو ربما يقول: أنا حصلتها بكسبي وبعملي وبقوتي، فيكون بذلك كافراً بنعم الله، وهذا جاء في آيات كثيرة في القرآن، كقوله تعالى: وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [الزمر:8]، وهذا يبين طبيعة الإنسان التي خلق عليها، وجنس الإنسان، وهكذا إلا من استثناهم الله جل وعلا من أهل الإيمان وأهل الطاعة، فهم قد خرجوا من هذا، أما من عداهم فإنه موصوف بذلك.

    [ المسألة الثانية: ما معنى: (ليقولن هذا لي)؟ ].

    سبق كلام السلف فيها، فمنهم من قال: (هذا لي) يعني: حصلته بكسبي وبقوتي، أو بمعرفتي بطرق الكسب، ومنهم من قال: أي: أنا مستحق له، ومنهم من قال: أي: أنا شريف وأنا حظيظ، فالله أعطاني لشرفي أو لحظي عنده، أو أنا محظوظ عند الله، وكل هذه الأقوال تعود إلى معنى واحد وهو أن ينسب النعمة إليه، ويجحد نسبتها إلى ربه جل وعلا.

    [ المسألة الثالثة: ما معنى قوله: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78]؟ ].

    (أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) إما أن يكون المعنى: علم صدر مني بوجوه المكاسب ومعرفتها، فأنا أستطيع أن أتصرف وأستطيع أن أعمل كذا، أو يكون المعنى: أن الله علم أني أهل لذلك فأعطاني هذا، إما هذا أو هذا.

    العبر العظيمة في قصة الثلاثة النفر

    [المسألة الرابعة: ما في هذه القصة العجيبة من العبر العظيمة ].

    يعني: قصة الثلاثة من بني إسرائيل: الأبرص والأقرع والأعمى، وملخصها كما سبق: أن الله ابتلاهم، والابتلاء المقصود: هو الاختبار، وعند الابتلاء والامتحان يكرم المرء أو يهان، إما أن يكرم في النهاية أو يهان نتيجة لذلك، فابتلاهم الله وأعطاهم الدنيا، وأعطاهم ما كانوا يتمنونه من صحة في أبدانهم من المرض الذي وقع فيهم، وأعطاهم من المال ما اشتهوه وأرادوه، ثم كثر ونما، وهذا ابتلاء ظاهر جداً؛ لأنه في النهاية أتى إليهم الملك بصورة الشخص الفقير في المرض الذي كان هو فيه، حتى يذكره بذلك، فأتى إلى الأبرص بصورة رجل أبرص فقير، وأيضاً زيادة على الفقر عابر سبيل، وليس معه شيء، فهو في حاجة شديدة جداً، ثم زيادةً على ذلك سأله، وما اكتفى بالحال؛ لأن مثل هذا إذا رآه بعض أهل الخير يكفيه منظره ولا يتركه إلى أن يسأل، ولكن مع ذلك سأله، وسأله بالله وقال: أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، وأعطاك المال بعد الفقر، أسألك بعيراً أتبلغ به في سفري هذا، فقد انقطعت بي الحبال أي: الأسباب، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، فهو سؤال بإلحاح، وبإظهار الحاجة الملحة، ومع ذلك أبى وقال: الحقوق كثيرة، ولو أعطيتك فيمكن أن أعطي الآخر والآخر ثم ينتهي المال، ولما قال له: كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟ ألم تكن فقيراً؟ فقال: لا، هذا المال ورثته كابراً عن كابر، يعني: ورثه عن أجداده.

    وهكذا بالنسبة للأقرع، وعند كل واحد يقول الملك: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت عليه، وفعلاً صير كليهما إلى ما كانا عليه؛ لأنهما كفرا بالله جل وعلا، ومن كفر نعمة الله عاقبه الله جل وعلا عاجلاً، وهذا هو العذاب العاجل.

    أما الثالث فإنه شكر الله، واعترف بالنعمة وقال: كنت أعمى فرد الله علي بصري، وكنت فقيراً فأغناني الله جل وعلا، انظر هذا المال، فخذ منه ما تشاء، والله! لا أجهدك في شيء أخذته اليوم لله، يعني: إذا أخذت شيئاً فأنا لا أطلب منك رده أو أن تترك بعضه، بل خذ ما تشاء، وعند ذلك قال له: أمسك عليك مالك، إنما ابتليتم، فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك.

    فهذه القصة من الأمور الظاهرة الجلية التي فيها الآيات الذي يعرفها كل من سمعها، والمقصود أن يعتبر بها الإنسان، وكل إنسان لا يخلو من نعم الله جل وعلا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756002460