إسلام ويب

مشاكل الأطفال النفسيةللشيخ : محمد إسماعيل المقدم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مشاكل الأطفال النفسية كثيرة جداً، ومنها: السرقة، وظاهرة السرقة لدى الأطفال تنشأ عن دوافع عديدة، وهناك عوامل تساعد على ظهورها واستمرارها. فينبغي للوالدين -إذا رأيا هذه الظاهرة متفشية في أحد أولادهما- أن يسعيا في معالجتها بالوسائل النافعة؛ حتى لا تشب معه فيصعب بعد ذلك انفكاكه عنها!

    1.   

    السرقة عند الأطفال

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    أما بعد:

    فقد وردت في الحقيقة عدة أسئلة من بعض الإخوة، وفيها شكوى من حصول صورة من صور خيانة الأمانة بالنسبة لبعض الأطفال، وانتشار ظاهرة السرقة عندهم، فرأينا أن نصرف الدرس حول هذه الظاهرة؛ لأنها مفيدة للجميع في الحقيقة، سواء من كان عنده أطفال قد يكونون يعانون من هذا الوصف -السرقة- أو من عنده أطفال عوفوا من ذلك أو لما يكبروا حتى يفهم كيف يمكنه وقاية أطفاله من تلبسهم بهذه الصفة.

    فالسرقة بالنسبة للأطفال هي امتلاك الطفل شيئاً ليس من حقه بعيداً عن عيون أصحاب هذا الشيء وبدون إذنهم، لكن أهم شيء لا بد أن نلتفت إليه في هذا الموضوع منذ البداية أن السرقة صفة مكتسبة، يعني: ليس هناك طفل يولد وهو مائل إلى السرقة، لكن البيئة التي يتربى فيها، أو يتلقى فيها ويتفاعل معها هي التي تُرسِّخ فيه هذا النوع من الخيانة أو هذا النوع من تضييع الأمانة عن طريق السرقة، فلا بد أن ننظر في الأسباب والدوافع التي تؤدي بالأطفال إلى التلطخ بصفة السرقة.

    1.   

    أسباب وجود ظاهرة السرقة عند الأطفال

    الأسباب المباشرة للسرقة لدى الأطفال

    هناك أحياناً أسباب مباشرة تدفع الطفل إلى السرقة، فيمكن أن يكون الطفل فقيراً، وتنقصه الاحتياجات الأساسية.. جوعان.. عطشان.. يحتاج إلى شيء من هذه الاحتياجات، فهو يسرق ليأكل بالذات إذا كان هذا الطفل الفقير يخالط أطفالاً من أبناء الأثرياء، فيشعر بالحرمان إذا قرن حاله بحالهم، وهو لا يجد الأكل أو الشراب أو الأشياء الأساسية، فيرى أن السرقة في هذه الحالة تشبع احتياجاً أساسياً، إذاً: السرقة هنا لسبب مباشر كما ذكرنا.

    قد يكون من دوافع السرقة إشباع رغبة أو عاطفة أو هواية عند الطفل، فمثلاً: يريد أن يلعب وليس عنده لعبة، أو عنده رغبة في اللعبة التي في يد الطفل الفلاني فيسرقها ليشبع رغبة اللعب، أو يكون الدافع عاطفياً كأن يكون ارتكب خطأً تافهاً، فعاقبه أحد الوالدين عقوبة شديدة لا تتناسب مع حجم هذا الخطأ، فيبدأ يسرق كوسيلة من الانتقام من الوالدين، أو وسيلة انتقام من المدرس إن كان هو الذي عاقبه بأكثر مما يستحق.

    وقد يكون الدافع الهواية.

    ومن الدوافع: فقدان حب الأسرة؛ لأن الأسرة تخل في إشباع هذا الطفل من الناحية العاطفية بالحب والحنان ونحو ذلك، كأن تكون الأسرة لا تتمنى وجود هذا الطفل في الحياة لسبب أو لآخر، فإذا كان الطفل غير مرغوب فيه فهذا ينعكس على سلوكيات الآباء نحو هذا الطفل بالذات، وبالتالي لا يبذلون له الحب أو الحنان أو العاطفة التي هي من حقه، فيشعر الطفل بأنه منبوذ.

    قد يكون من الدوافع أيضاً: شعوره بأنه قادر على النيل من أعدائه، أو الأولاد الذين يغيظونه أو يعادونه، فعندما يسرقهم يشعر بالانتصار؛ لأنه استطاع أن ينال منهم ويدعم توكيد ذاته، وخاصة إذا كان غير محبوب من زملائه.

    أحياناً: لما يكون زملاؤه لا يحبونه ويؤذونه وهو مستضعف بينهم، فربما يسرق ليهدي إليهم الهدايا، فيحصل على حبهم أو على عطفهم، فيمكن أن يكون الدافع: أن يرغب في كسب زملائه، فيسرق كي يعطيهم الهدايا.

    ويمكن أن يكون هذا الطفل فاشلاً من الناحية الدراسية، فيبدأ يسرق كنوع من التعويض عن هذا الفشل.

    قد يكون هناك نوع من سوء التوافق الاجتماعي؛ لأن سلوك (الشلة) المحيطة به من أصدقائه منحرف، فيأخذ منهم هذه الأخلاق.

    العوامل المساعدة على تفشي السرقة لدى الأطفال

    إلا أن هناك عوامل مساعدة بجانب هذه العوامل التي أشرنا إليها، ومنها: نقص شعور الطفل بالأمن والاستقرار، وهذه طبعاً تكون بسبب تغير في معاملة الوالدين أو تفكك الروابط الأسرية كأن يولد أخ أو أخت لهذا الطفل، فيرى أن الاهتمام كله انتقل منه إلى هذا الأخ الجديد المولود حديثاً؛ فيبدأ يغار منه بسبب ما يلحظه من التغير في معاملة الوالدين مما يؤثر في شعوره بالأمن والاستقرار.

    كذلك أيضاً: تفكك روابط الأسرة التي تجعل الطفل يبدأ يشك في حب الوالدين له، وبالتالي تحصل السرقة كرد فعل لهذا الحرمان، أو يفعل ذلك محاولاً استعادة الشعور بالأمان الذي فقده في هذه الأم أو هذا الأب.

    هناك عوامل أيضاً مساعدة على سلوك السرقة كالتدليل الزائد، كأن يكون الطفل الأول أو يكون الطفل الوحيد فيتعود بسبب التدليل الزائد على أن كل طلباته تجاب، فيصبح الطفل الصغير هذا ملكاً غير متوج، فيبقى هو الآمر الناهي، وكأن من علامات الحب له أن تكون كل طلباته مجابة، التدليل لا بد منه، لكن نتكلم عن الغلو فيه أو الإفراط فيه، طبعاً الطفل في هذه الحالة يصل إلى مفهوم معين فيفهم أن كل شيء يطلبه يناله، ففي هذه الحالة يفهم أن الحياة والتعامل مع الناس قائم على الأخذ فقط، فإذا كبر يصطدم بأن الحياة هي في الحقيقة أخذ وعطاء وربما كان العطاء أكثر من الأخذ.

    نلفت النظر لشيء مهم جداً، بالذات حينما توجد المشاكل بين الزوجين وتكون العلاقات متوترة، والنزاعات مستمرة ولا يوجد تفاهم بين الزوجين، وبالذات حينما تظهر هذه الأشياء أمام الأطفال، فيكونون ضحية، ويدفع الجميع الثمن، وأولهم الطفل الذي هو ضحية النزاعات بين الأبوين، أو تضارب في القيادة التربوية، الأب يقول له: اعمل كذا، والأم -لكي تعاند الأب- تقول: لا تعمل، وطبعاً يحصل الخلاف وشعور الطفل بهذه الأوضاع، فنقول: إن نفس هؤلاء الآباء أحياناً إذا طلب منه أن يضحي بأي شيء مادي في سبيل إسعاد هذا الطفل البائس فهو يقول: أنا مستعد أن أدفع أموال الدنيا، نقول له حتى لا يشقى ابنه ويصبح ضحية: لن يكلفك الأمر أموال الدنيا، بل لن يكلفك أموالاً على الإطلاق، لكن يكلفك أن تتغلب على المشاكل بينك وبين زوجتك لمصلحة هؤلاء الأولاد، قد يصل العناد أحياناً ببعض الآباء إلى أنه لا يكون مستعداً لمثل هذه الخطوة، ولا يدرك خطورة الثمن الفادح الذي سوف يدفعه هؤلاء الأولاد.

    إذا كان الأبوان مستعدين للتضحية بأي شيء في سبيل إسعاد الابن والابنة، فالأولى أنهما يضحيان بعلاج هذه المشاكل بسلوك مسلك سليم في التعامل أمام الأولاد، وإصلاح ما بينهما من التفكك حتى لا ينعكس على نفسية هؤلاء الأولاد، فهذا هو لب العلاج بالذات في الأسرة التي توجد فيها مشاكل بين الأبوين، وبالتالي يكون الأولاد هم الضحية!

    1.   

    أنواع السرقة

    عند الكلام عن السرقة من المهم الكلام عن أنواعها؛ لأن السرقة تكون لها أنواع كثيرة، فهناك سرقة ذكية وسرقة غبية، فالذكية يصعب كشفها، لكن السرقة الغبية فهي التي تكون نتيجة لكون الطفل مبتدئاً في هذا الموضوع وصغيراً، فيبدأ يسرق بطريقة غبية بحيث تكتشف السرقة بسهولة.

    أيضاً: يجب أن نفرق بين السرقة العارضة والسرقة المعتادة، فالسرقة العارضة تنشأ نتيجة تحريض على السرقة أو قليل من الإغراء فيقدم على هذا السلوك ثم يرجع عنه؛ لأن هذا نتيجة شيء عارض، لكن السرقة المعتادة فهي أن تصبح السرقة عنده عادة متكررة ولا يرجع عنها.

    فإذاً: نحتاج إلى أن ندرك ما هو نوع السرقة؟ هل يسرق لإشباع حاجة أساسية كأن يكون جائعاً وليس معه مال ليأتي بطعامه فيدخل محلاً -مثلاً- ويسرق شيئاً يأكله؟ فهل السرقة للحاجة أم هي سرقة للمباهاة؟

    طبعاً حين نعرف السبب فإن ذلك يساعدنا على علاج هذه الظاهرة، فإذا كانت السرقة نتيجة أنه لا يأخذ المصروف مثلا أو لا يأخذ طعاماً. فإذاً: لابد أن توفر له الاحتياجات الأساسية؛ حتى لا يسلك هذا المسلك، فهناك سرقة للحاجة، وهناك سرقة للمباهاة، أي أنه يريد فقط أن يفتخر أمام أصدقائه، فهذا نوع من حب الظهور عند الطفل بأن يظهر أنه استطاع أن يفعل هذه السرقة.

    هناك سرقة فردية وسرقة جماعية، الجماعية: أن يشترك مجموعة في السرقة، والفردية: أن يسرق بمفرده، لكن السرقة الجماعية يكون جزء من عصابة من الأطفال السراق طبعاً هذا معه عصابة وعمل جماعي، كل واحد له دور محدد يؤديه.

    أيضاً: هناك فرق بين السارق المحترف والسارق الماهر، فالسارق الماهر يتميز بالذكاء والمهارة واللباقة وسرعة البديهة، أما السارق المحترف فهو يكون عنده مهارات مميزة جداً في الناحية العقلية والجسمية والحركية، كخفة اليد والأصابع وسرعة حركتها... إلى آخره.

    كذلك يكون عنده هدوء أعصاب، وهذه تكشف أنه محترف ومتمكن جداً في السرقة، بل ربما يتظاهر بالأدب والتأنق والمودة والاحتشام ومساعدة الغير؛ حتى يسهل وقوع الفريسة في الفخ!

    1.   

    أسباب نشوء ظاهرة السرقة عند الطفل

    السرقة كسلوك منحرف تبدأ في سنوات الطفولة المبكرة، لكن ذروتها تكون في سن خمس إلى ثمان سنوات، ففي الخمس السنوات الأولى من الخطأ الشديد أن تعامل الطفل بعقليتك أنت؛ لأنه في البداية لا يدرك أنها سرقة، وأيضاً من الخطر الشديد أن تدعو الطفل بلقب أو تعلق له شارة: حرامي، لص، وتناديه: يا حرامي! يا لص! فإن إخوانه سيعيرونه به، وهذا الأمر له أضرار في غاية الشدة.

    عدم فهم الطفل في سنه المبكرة لمفهوم الملكية الخاصة

    وننبه هنا على نقطة مهمة جداً وهي أن طفلك ليس مثلك، يعني: عقلك ليس كعقله، أي أن المفاهيم التي عندك ليست هي نفس المفاهيم التي عنده، ففي الخمس السنوات الأولى من عمر الطفل تسمى السرقة سرقة بريئة، ففي الخمس السنوات الأولى الطفل يستحوذ على الأشياء التي لا تخصه بصورة تلقائية، يرى اللعبة في يد واحد آخر، أو يعجبه شيء فيريد أن يكون بحوزته، وهذا نوع من التلقائية في التصرف. هو ليس قاصداً السرقة، ولا يعرف أن هذه سرقة ولا شيء من هذا، فهو يستحوذ على ما لا يخصه تلقائياً بسبب أنه لم يحقق النضج العقلي والنضج الاجتماعي الذي وصله إلى عملية التمييز بين ملكيته الخاصة وبين ملكية غيره.

    ففي الخمس السنوات الأولى أصلاً لم يقف على هذا المفهوم، وهو معرفة حدود الملكية وأن هناك شيئاً يخصني وشيئاً يخص غيري، وعليّ أن أحترم ملكيته بحيث لا آخذه قصراً، وإن كان لابد فأستأذن صاحبه.

    المشكلة تكمن فيما لو بدأ بالسرقة بعد سن خمس سنوات؛ لأن هذا يعد سلوكاً مرضياً ولا بد من مواجهته.

    إذا استمرت بعد خمس سنوات حتى امتدت لسن العاشرة فغالباً يكون هناك اضطراب انفعالي ولا بد أن يعالج هذا الطفل.

    أسباب السرقة: أول سبب، هو: جهل الطفل بمعنى الملكية الخاصة، وبالتالي ما دام ليس عنده مفهوم الملكية الخاصة، فإنه لن يستطيع أن يميز بين ما يملكه، وبين ما لا يملكه.

    جهل الطفل بمعنى الملكية الخاصة

    من أسباب السرقة: هو جهل الطفل بمعنى الملكية الخاصة، وبالتالي أنه ما دام ليس عنده مفهوم الملكية الخاصة، فإنه لن يستطيع أن يميز بين ما يملكه وبين ما لا يملكه.

    عدم اهتمام الطفل في سنه المبكرة بنظرة المجتمع إليه

    أيضاً: هو لا يدرك أن هذا أمر سوف يحاسب عليه.

    كذلك لا يكون عنده نضج بحيث لا يعنيه نظرة المجتمع لسلوكه، طبعاً هذا السبب حينما نفهمه نستطيع أن نعالجه بطريقة صحيحة؛ لأننا ننمي فيه أنه سيحاسب على السرقة، وأنه آثم والأمانة فضيلتها كذا وكذا، فنبدأ بالعلاج أننا نغرس فيه خلق الأمانة، والترغيب في الأمانة والترهيب من الخيانة ومن السرقة، وإيقاظ الشعور بأن الإنسان محاسب على تصرفاته.

    كذلك نغرس فيه العناية بنظرة المجتمع إليه؛ حتى ينمو اجتماعياً بطريقة سليمة، ويضع في اعتباره أيضاً رد فعل الناس من هذا السلوك، بحيث لا يتبجح بالخروج على المعايير الصحيحة في المجتمع.

    أحياناً تكون السرقة عملية رمزية يعوض فيها عن حرمانه من الحب أو الحنان الأبوي؛ لأنه لا يحس بأن أحداً يهتم به أو يحترمه أو يوده.

    أثر الوالدين وعلاقتهما بالطفل على نشوء ظاهرة السرقة عنده

    قد يكون أحد الأسباب التي تدفع الطفل إلى عملية تعويض الحرمان غياب أحد الأبوين؛ كأن يسافر مثلاً فترة طويلة أو يُسجن، أو يتوفى أحد الوالدين أو نحو ذلك. أيضاً: قد يكون السبب الحاجة أو الفقر أو الحرمان، فيسرق ليسد رمقه، وفي هذه الحالة الدافع يكون قوياً بحيث لا يدعه يفكر في عاقبة السرقة، فهو يريد أن يأكل فقط؛ لأنه جائع وليس مستعداً لأن يفكر في العاقبة. أحياناً تكون السرقة علامة تكشف عن وجود توتر داخلي في هذا الطفل، غالباً يكون اكتئاباً من شيء معين، كأن يكون ناتجاً عن كثرة الصراع بين الأبوين، واستمرار المشاكل بينهما، واطلاع الطفل على هذه الأشياء، وهو لو لم يطّلع فإنه يُحس بها على الأقل.

    الجو الأسري المتقلب والمضطرب

    أيضاً من هذه الأسباب: الجو الأسري المتقلب والمضطرب؛ لأن جو الأسرة حين يكون متقلباً ومضطرباً نتيجة العلاقة السيئة بين الوالدين؛ فمن المتوقع أن الرقابة الأسرية تنعدم، ويحصل فيه تساهل من النواحي التربوية، وبالتالي فلا يستطيع الطفل في ظل هذه البيئة المريضة أن يتعلم التحكم في رغباته، وبالتالي يفقد الأمن والحنان.

    سلبية الأبوين وأثرها في تكريس ظاهرة السرقة عند الطفل

    أحياناً يكون هناك إقرار من الوالدين أو أحدهم على سلوك السرقة، كأن تعرف الأم أن الولد سرق شيئاً فلا تبالي -علماً بأن سلوك السرقة عند الطفل يبدأ من داخل البيت، قبل أن يخرج للمجتمع- وتقول: ما دام يسرق في البيت فليست مشكلة، المهم ألا يفضحنا أمام الناس، ولا يشوه سمعة الأسرة، فعدم المبالاة هذه تدعم فيه هذا السلوك المنحرف.

    أحياناً يأتي الطفل وقد سرق شيئاً من زميله: كقلم، أو مسطرة، أو كراسة، فيقابل في البيت بنوع من الدعابة والمزاح والاستحسان أحياناً، فطبعاً هذا سيدعم فيه هذا السلوك، فهو في أول الأمر يؤخذ بصورة الدعابة ثم ينتهي بأنه يصبح عادة متأصِّلة في هذا الطفل.

    أثر الممارسات الخاطئة عند الأبوين على نمو ظاهرة السرقة عند الطفل

    أيضاً: من هذه الأسباب: البيئة المتصدعة، فبعض الأسر يكون فيها نوع من التصدع واهتزاز القيم، فالأب مدمن منحرف السلوك، أو محترف للسرقة، فهذه البيئة يتشرب منها استحسان هذا الفعل، وأنه إذا نجح في السرقة سيشعر بلذة القوة ونشوة الانتصار.

    ومن الأسباب أيضاً: سلوك الوالدين -وكلمة الوالد تطلق على الأب وعلى الأم على حد سواء- فإذا بالغ الوالد في الاحتياطات الأمنية لحفظ الأشياء، سواء أكانت غالية أو رخيصة، فإن ذلك سيثير عند الطفل حب الاستطلاع والحرص على اكتشاف السر، فالتكتم الشديد أو الاحتياط الشديد حتى في الأشياء التافهة يعطي الطفل دافعاً على أنه استطاع أن يصل إلى الشيء المخبأ سواء كان طعاماً أو كذا، ويجد في ذلك نوعاً من اللذة الكبيرة، وبالتالي تزرع فيه نواة (أيدلوجية) السرقة بدون قصد، لأنه إذا حرص على حب الاستطلاع والاستكشاف والاجتهاد في كشف هذا السر، وإذا استطاع أن يسرق هذا الشيء سيعاقب، فإذا عوقب يعود من جديد للسرقة، لكن هذه المرة بدافع الانتقام والتشفِّي، ولسان حاله يقول: سأثبت لكم أني أستطيع أن أسرق مرة ثانية.

    المبالغة في الاحتياطات الأمنية لحفظ الأشياء مما يثير حب الاستطلاع لدى الطفل

    من الأسباب أيضاً: سلوك الوالدين -وكلمة الوالد تطلق على الأب وعلى الأم على حد سواء- فإذا بالغ الوالد في الاحتياطات الأمنية لحفظ الأشياء سواء كانت غالية أو رخيصة، فإن ذلك سيثير عند الطفل حب الاستطلاع والحرص على اكتشاف السر، فالتكتم الشديد أو الاحتياط الشديد حتى في الأشياء التافهة يعطي الطفل دافعاً على أنه استطاع أن يصل إلى الشيء المخبأ سواء كان طعاماً أو غيره، ويجد في ذلك نوعاً من اللذة الكبيرة، وبالتالي تزرع فيه نواة (أيدلوجية) السرقة بدون قصد، لأنه إذا حرص على حب الاستطلاع والاستكشاف والاجتهاد في كشف هذا السر .. وإذا استطاع أن يسرق هذا الشيء سيعاقب، فإذا عوقب يعود من جديد للسرقة، لكن هذه المرة بدافع الانتقام والتشفِّي، ولسان حاله يقول: سأثبت لكم أني أستطيع أن أسرق مرة ثانية.

    القدوة السيئة وأثرها في ممارسة الطفل للسرقة

    كذلك القدوة السيئة كالأب أو الأصدقاء أو الإخوة كأنموذج مستحسن، ويكون أحدهم سارقاً، ثم يجيء فيحكي أمام الأولاد كيف أنه خدع صاحبه، أو كيف أنه أخذ منه شيئاً من غير أن يحس، ففي هذه الحالة طبعاً سيقدِّم أنموذجاً يحتذى به، كذلك رد فعل الأسرة حينما يسرق الطفل شيئاً من أحد زملائه في المدرسة فمن المفترض أن يقوم الوالدان بالتحري عن هذا الأمر، واغتنام تلك الفرصة لتفهيمه حدود ملكيته وملكية غيره، وتحريضه على إعادة هذا الشيء إلى صاحبه.

    قد يكون أحياناً من أسباب السرقة الابتزاز، خاصة إذا كان للطفل قدرات عقلية فوق المتوسط، فبعض الناس قد يبتزونه حتى يقوم بالسرقة ويؤدي إليهم ما يسرقه.

    كذلك إسراف المربي في العقوبة دون النظر إلى الدوافع التي دفعت هذا الطفل إلى السرقة، وفضيحته أمام الناس وأمام الآخرين: هذا حرامي، هذا لص، هذا سارق، طبعاً إذا كان هذا الطفل عنيداً سيستمر في التحدي، ويتمادى في هذا السلوك.

    إذاً: السرقة أو الأمانة هي في الحقيقة سلوك اجتماعي مكتسب، لا يمكن أبداً أن يظهر بدون سبب! هذه فطرة سليمة، صعب جداً أن يصدر منها شيء تلقائي مثل هذا، لكن هي ستكتسب من الجو المحيط بهذا الطفل والذي ينشأ فيه.

    إسراف الوالدين في العقوبة دون النظر إلى دافع السرقة

    كذلك إسراف المربي في العقوبة دون النظر إلى الدوافع التي دفعت هذا الطفل إلى السرقة، وفضيحته أمام الناس وأمام الآخرين: هذا حرامي .. هذا لص .. هذا سارق فإذا كان هذا الطفل عنيداً سيستمر في التحدي، ويتمادى في هذا السلوك. إذاً: السرقة أو خيانة الأمانة هي في الحقيقة سلوك اجتماعي مكتسب لا يمكن أبداً أن يظهر بدون سبب! هذه فطرة سليمة، صعب جداً أن يصدر منها شيء تلقائي مثل هذا، لكن هي ستكتسب من الجو المحيط بهذا الطفل والذي ينشأ فيه.

    1.   

    وسائل علاج ظاهرة السرقة عند الأطفال

    ترسيخ مفهوم الملكية الخاصة والعامة في محيط الطفل

    من أهم العلاجات في هذه الحالة: تكوين اتجاه إيجابي واتجاه سلبي، اتجاه إيجابي من ناحية الأمانة، ترسخ فيه مفهوم الأمانة وندعمه، وفي نفس الوقت ننشئ عنده اتجاهاً سلبياً من ناحية السرقة، وذلك يكون باحترام حقوق الطفل فيما يملكه من لعب ومن أدوات خاصة.

    ومن الخطأ التربوي أن تكون الأشياء مشاعة في البيت للجميع، فلا نقول للطفل: العب أنت وإخوانك، وهذه اللعبة لكم كلكم، بل يجب أن نخصه بلعبة حتى ننمي فيه احترام الملكية الخاصة وملكية الآخرين، وبالمقابل يمكن أن تكون هناك أشياء مشتركة لا يستطيع أن يلعبها إلا بمشاركة الآخرين، مثلاً: الأرجوحة التي يلعب فيها اثنان لن يقدر أن يلعب بها إذا كانت بمشاركة آخرين، وهذه اللعبة تعتبر تربوية؛ لأنها تنمي الروح الجماعية عند الطفل.

    فمن الأمور المهمة جداً أننا نحترم حقوقه فيما يملكه، سواء كانت لعباً أو أدوات خاصة، أو فرشاة أسنان أو ملابس خاصة به.

    كذلك عندما يأتي الأب ويفتح حصالة ابنه، ويأخذ منها المال بدون إذنه، وبدون أن يردها إليه، طبعاً في هذه الحالة هذا الطفل أتوقع أنه سيكره الأمانة، ويمكن أن يفهم أن السرقة شيء مشروع إذا كان أبوه أخذ منه ماله، ففي هذه الحالة إن كان ولا بد فعلى الوالد أن يستأذن الولد أولاً كنوع من التدريب، ويعده أنه سوف يرد إليه هذا المال ثم يرده بالفعل؛ حتى يشعره أن هذه ملكيته الخاصة وأنه ليس هناك مَنْ سيعتدي عليه.

    وجود القدوة الحسنة في حياة الطفل والمتمثلة في الوالدين

    أيضاً: كما أشرنا إلى أن الوالدين هما قدوة حسنة وأسوة يحتذي بها الطفل، فهو يمتص من الوالدين مواقفهما، إذ ليس هناك شيء اسمه حصة التربية، ولن يحضر الوالد في وقت معين ويقول لولده: تعال لكي أربيك، فهو في الليل والنهار يتربى ويتكون سلوكيات الأب وسلوكيات الأصدقاء، وسلوكيات الإخوة، والإعلام كلها تصنع الطفل، فالتربية ليست وظيفة لها وقت دون وقت آخر، لكن في كل السلوكيات هو يتربى، لذلك ينبغي للأب والمربي أن يكون في غاية الحذر من تصرفاته أمام الأطفال؛ لأنهم يتلقنون منه سلوكياتِهِ شاء أم أبى، يعني: لما يأتي واحد يتصل بالتلفون فيقول الوالد: قل له: ليس هنا، فيقول: أبي يقول لك: ليس هنا، فنكون حذرين جداً من هذه الحيثية!!

    إن الطفل يمتص من خلال السلوكيات التي يراها أمامه أسوة فيرى موقف الأب والأم من احترام حقوق الآخرين ويقلد ذلك السلوك، لو يسمع مثلاً أن أباه هذا استولى على أموال إخوانه الصغار بعدما مات جده مثلاً، وأنه تمكن من نهب هذه الأموال، ويحكيها كذكاء أو مكسب، فهذا يعتبر درساً والوالد هنا قدوة فلا يعاتبه بعد ذلك إذا فعل نفس الشيء.

    إشاعة روح التعاون والتضحية في حياة الطفل

    كذلك بجانب تنمية الشعور بالملكية الخاصة لا بد أن ينمى في الطفل أيضاً روح التعاون والأخذ والعطاء مع الآخرين، صحيح أنت تقول له: هذه الأشياء ملكك أنت، هذه لعبك.. هذه ملابسك.. هذه أدواتك، لكن في نفس الوقت تقول له: عندما يحتاج أخوك منك شيئاً ويستأذنك عليك أن تعطيه، أو تقول له: حين تجد صاحبك محتاجاً لشيء كطعام مثلاً أو أدوات فعليك أن تعطيه.

    كل هذا حتى ننمي فيه روح التعاون مع الآخرين بحيث لا يتطور موضوع الملكية الخاصة إلى درجة من درجات الأنانية، فلابد أن يتدرب على التمييز بين الشيء الذي يملكه، والشيء الذي يملكه غيره، ونحن نعرف أن هناك غريزة حب التملك، وهي غريزة من غرائز البشر، فهذه الغريزة قوية في كثير من الأطفال، بل لديهم ميل إلى ادعاء ملكية أي شيء يحبونه، يقول: هذا لي، بالرغم من أنه ليس ملكه، لكن لأنه أحبه فهو يريد أن يستحوذ عليه، لكن يجب أن نضع له الحدود ونقول له: ليس كل ما تحبه يكون ملكك، بل لا بد أن تنظر هو ملك من؟ وكيف يمكنك امتلاك هذا الشيء؟

    مثال في إشاعة روح التعاون بدل الأنانية: إذا أراد الطفل أن يلعب بلعب أخيه، نقول: استأذن أخاك أولاً؛ لأنها ملكه هو، فإن أذن لك العب معه، وبالمقابل شجع أخاه وقل له: أعطه تعطيه اللعبة لأنكم إخوة وأنت كذا... إلى آخره، فهو لن يتنازل عن ملكيته الخاصة قهراً، وإنما سيتعود على الأخذ والعطاء بالتراضي بين الاثنين، لكن لو أن كل الأشياء ملكيتها مشاعة بين الأولاد كلهم، سيحصل اختلاط الأدنى والأقصى، وسيختلط عليه الأصل، وبالتالي السلوك الذي تعلَّمه داخل البيت أنه ليس هناك شيء اسمه ملكية خاصة، سينقله إلى خارج المنزل في المجتمع، فيكون كلما أراد شيئاً يأخذه، حتى لو لم يكن ملكاً له؛ لأنه لم يتعود في البيت على احترام الحدود بين ما يملكه هو وما يملكه الآخرون.

    عدم التعجل في اتهام الطفل بالسرقة وتقصي ملابسات قيامه بهذا الفعل

    الأمر المهم ألا نتعجل في وصم طفل بالسرقة، ولا ينفع أن تعلق عليه وتصفه بالكذب، وتقول: تعال يا كذاب، اذهب يا كذاب، فأنت بهذا تحطمه، فكل طفل يخطئ، أنت لما كنت في نفس سنه أكيد أنك كنت ترتكب نفس الأخطاء، فكوننا نصم الطفل بالسارق وهو في مرحلة التكوين هذا فيه نوع من الظلم وزيادة المشكلة وليس حلها، فالسرقة لما تحصل من الأطفال -كما قلنا- قبل سن الخامسة لا تكون في مفهومه سرقة بالمعنى المفهوم عندنا، فإذا حصل عندنا شك في أن هذا الطفل يسرق فلا بد أولاً: أن يحصل نوع من المراقبة لسلوكه لبضعة أيام؛ حتى نحدد متى يسرق، وماذا يسرق؟ وهل يأخذ الشيء معه لما يسرق أم يتركه؟ هل يحتفظ به أم يجلس بجانبه؟ لما يسرق هل ينظر إن كان أحد يراه أم لا؟ هل يضع الشيء المسروق في جيبه أم يمسكه في يده؟ هل يخفي الشيء المسروق في مكان معين؟ هل يعترف بالسرقة عندما يستجوب أم أنه ينزعج؟ هل يقول: هذا ملكي يخصني، أم أنه يقول: إنما أخذته بالصدفة؟ وهل لما يأخذ شيئاً يعيده إلى صاحبه أم يرفض؟ وهل يسرق أشياء صغيرة تدخل في الجيب أم أشياء كبيرة، أم يسرق أجزاء من أشياء كبيرة؟ هل يسرق ممتلكات زملائه أم أدواتهم المدرسية أم يسرق طعاماً أم نقوداً.

    وكما أشرنا لا بد أن نعرف هل السرقة عارضة أم أنها متكررة؟ لأنها لو كانت متكررة فستكون بداية احتراف، ويكون هذا الطفل مشروع مجرم.

    هل هو في سلوك السرقة يقلد آخرين أم لا يقلد؟ هل السرقة تؤدي وظيفة نفسية معينة أم تسد بعض احتياجاته التي أشرنا إليها من قبل؟

    عدم المبالغة في ترك المال في متناول الطفل

    بعض الناس يجعل المال متاحاً للطفل ليسهل عليه الوصول إليه، حتى إن بعض الآباء -جهلاً منهم- يقول: أنا أرمي المال تحت قدميه؛ كي يتحصن من السرقة ولا يفكر فيها. طبعاً هذا خطأ، المثل العامي يقول: المال السائب يعلم السرقة، فالمال المتاح يكون فيه نوع من الإغراء، والطفل ليس عنده النضج الكافي ليقاوم إغراء المال خاصة إذا كان محتاجاً إليه، ففي هذه الحالة المال يوضع في مكان محفوظ.

    وهذا لا يتعارض مع ما قررناه سابقاً من خطأ بعض الآباء عندما يبالغون في حفظ كل شيء حتى الأشياء التافهة، لأن ذلك يغرس فيه حب الاستطلاع ليستكشف هذا الشيء، لكن كلامنا هنا على أن المال يكون متاحاً بصورة سهلة جداً، والذي يقول: أنا أرمي المال تحت رجليه؛ حتى يتحصن ضد السرقة، هذا سوف يؤدي إلى انعدام الدافعية لتحصيل المال عندما يكبر؛ لأن المال تحت رجليه طوال العمر، فإذا كبر سينعدم الدافع لكي يجتهد في تحصيل المال، ويؤدي أيضاً إلى أنه يستهين بصرف المال في الأوجه المفيدة.

    والطفل إذا رأى المال أمامه طوال الوقت فإنه في هذه الحالة ستدخل عليه الوسوسة ليقدم على السرقة بطريقة تدريجية.

    في بعض الأحيان يحصل نوع من التدعيم للسلوكيات المنحرفة، فمثلاً يعود الطفل على الغش في حياته اليومية، كما حصل من بعض المدرسين: حيث قام الأولاد يغشون في الامتحان، ويتناقلون الأوراق مع بعضهم البعض، والمراقب يقول لهم: لا بأس! لا بأس! فنحن كنا نعمل مثلكم، فطبعاً هذا تدعيم للسلوك المنحرف، فالولد يرجع إلى البيت ويقول: كان هناك غش في اللجنة، فيستحسن الوالدين ذلك باعتبار أنه فك الأزمة التي هو فيها عن طريق الغش، فهذا تحطيم للطفل، بل بالعكس يجب أن تقول له: إذا سقطت في الامتحان أهون عندي من أن تغش؛ لأنك ستحترم نفسك وأنت كذا وكذا!!

    فمن وسائل تدعيم سلوك التعود على الغش في الحياة اليومية أن يقوم الأب بمدح ابنه لمهارته في الغش في الامتحان أو ما شابه ذلك.

    تكوين صفة الأمانة يتم في السنوات الأولى من حياة الطفل، فنستغل دائماً أي فرصة يعتدي فيها الطفل على ملكيات الآخرين ونوجهه إلى ما يجب عمله في مثل هذه المناسبات: هذه ليست ملكك، هذا ملكه هو، ولا بد أن تذهب إلى زميلك وترجع إليه المسطرة أو ترجع إليه القلم... إلى آخره.

    معرفة أسباب نشوء ظاهرة السرقة عند الطفل تساعد على منع تفاقمها

    بالنسبة لعلاج السرقة إذا كان السبب واضحاً فعلاجه يكون سهلاً جداً، كأن تكون السرقة ناشئة عن وجود خلاف بين الأبوين، فيحصل عند الطفل اكتئاب، وكثير من الآباء يظنون أن هذا الطفل لا يفهم شيئاً، بل بالعكس فإن الطفل يدرك وجود خلاف بين الوالدين، وكذلك فإن وجود خلاف بين الوالدين وبين الطفل وسوء معاملته يعد من الأسباب، فإذا حددنا السبب سهل العلاج عن طريق علاج السبب نفسه.

    طبعاً إذا استمرت السرقة بعد سن العاشرة فهذه مصيبة كبيرة؛ لأن هذا سلوك مرضي منحرف، فالطفل بعد سن العاشرة المفروض أنه يبدأ عنده نمو الوازع الخلقي، أما قبل ذلك فإن موضوع الوازع لا يكون قوياً عنده، وفي نفس الوقت الطفل يبدأ بالابتعاد عن أن يتمركز حول نفسه، ويبدأ يمتنع عن الإشباع الفوري للدوافع إذا وصل إلى مرحلة النضج، وبالتالي: فيفترض أن تقل السرقة بعد سن العاشرة أو تنعدم، لكن إذا استمرت السرقة مع نمو الوازع في نفسه ومع القدرة على الامتناع عن الإشباع الفوري للدوافع وعدم التمركز حول الذات، فهذا مؤشر في غاية الخطورة كما ذكرنا سابقاً.

    فمن الأمور المهمة جداً غرس القيم الإسلامية والخلقية والتفريق بين الحلال والحرام وتنمية هذا الوازع.

    1.   

    ملخص لوسائل علاج ظاهرة السرقة عند الأطفال

    نلخص باختصار شديد العلاجات المفروضة لمن لاحظ موضوع السرقة في الطفل:

    معالجة الحرمان المادي وترسيخ مفهوم الملكية الخاصة والعامة

    معالجة الحرمان المادي بتوفير الضروريات اللازمة لهذا الطفل؛ كالأكل والشرب والملابس وغيرها من الاحتياجات الأساسية التي لابد من توفيرها له.

    أيضاً: إشباع ميله إلى التملك والاستحواذ، وهذه يسمونها: (غريزة حب التملك) وهي فطرة في الإنسان، فيجب أن تشبع عنده غريزة حب التملك، بأن تبين له أن هذا الشيء ملكه وأنه ليس مشاعاً بينه وبين إخوانه، فكما أنه يوجد أشياء مشاعة فأيضاً لابد أن يكون له أشياء خاصة به، فلا بد من علاج الحرمان المادي بتوفير الضروريات اللازمة للطفل وإشباع ميله إلى التملك والاستحواذ.

    أيضاً: احترام ملكية الطفل وتعليمه احترام ملكية الغير، فإذا ظهرت ظاهرة السرقة لا بد من التعامل الحازم والمباشر والسريع معها، فإذا أحضر شيئاً من صاحبه ليس ملكه، أو أحضر معه شيئاً من المحل رغم أنه ليس معه مال، فلا بد من تنبيهه إلى الخطأ الذي عمله، فنقول له: هذا خطأ، ولا بد أن تعيد هذا الشيء إلى صاحبه، وإن أخذ شيئاً من المحل وأكله مثلاً، فلا بد أن يأخذ المال بنفسه ويعطيه لصاحب المحل.

    أيضاً: يمكن أن نعلمه الاحترام لملكية الآخرين بأن نأخذ شيئاً من خصوصيات -لعبة مثلاً- ونعطيها لطفل آخر، طبعاً سيثور، فعندها نفهمه ذلك قائلين: إنك غضبت لأننا أعطينا غيرك ما هو ملكك من غير أن نستأذنك، فنفس الشيء بالنسبة لك، فإذا أخذت من أحد من الناس أو من أحد أصحابك أو من أحد إخوانك شيئاً يملكه هو فتكون بذلك أخذت ما لا تملكه، لكن هناك طريقة للحصول على الأشياء: إما أن يعمل الإنسان لما يكبر ويحصل على المال ويبدأ يشتري الذي يريده، أو أنه يستأذن صاحب هذا الشيء في استعماله.

    في نفس الوقت يمكن أن تكافئه إذا أنجز عملاً ما، كأن تقول: أنت عملت الشيء الفلاني أنا أكافئك بأن أشتري لك هذه اللعبة؛ حتى تحسسه أن هناك مقابلاً، ليس مجرد أخذ وأخذ وأخذ، بل هناك أخذ وعطاء، فيمكن أن تطلب منه فعل شيء كأن تقول له: ساعد والدتك في الشيء الفلاني، أو اقضي المشاوير الفلانية، وتذكر له مهمة بسيطة لمجرد أن تفهمه أن هناك مقابلاً، يعني: الإنسان حين يحب أن يحصل على شيء فليس بمجرد أنه يتمناه يحصل عليه، أو يستولي عليه، لابد أن يتعب للحصول عليه.

    أيضاً: لا بد من ممارسته الملكية الفردية والعطاء لأقربائه، يعني نقول له: (السندويش) ملكك، لكن إذا وجدت صديقك جائعاً، أو يريد أن يأكل معك أعطه منها، أو تعطيه شيئاً من الحلوى وتقول: هذه لأجل أن تعطي صديقك، وهذا الفعل من الوالد حتى يتعود الطفل على العطاء، فلا بد من أن يمارس الطفل الخصوصية في الأكل، والملابس، واللعب، لكن لا تصل الخصوصية إلى حد الأنانية والجشع، وكذلك نعوده أنه إذا أراد شيئاً من خصوصيات الآخرين أنه يستأذن صاحبه، هناك طفل أحياناً تكون الأنانية متمكنة منه بحيث إنه يأخذ أشياء الآخرين، فتقول: لا بد أن ترجعها لصاحبها، فيغضب وينفعل ويبكي فلا تبال، وإنما تصر على موقفك وتقول: هذه ملكه هو وليست ملكك، وأنت أخذتها، كنت معتدياً وظالماً في هذا، فالمفروض أن تستأذنه، فيذهب يستأذنه، وهو عندما يستأذن فإنما يريد من صاحب الشيء أن يوافق، وإذا لم يوافق يعمل نفس المشكلة، فنفهمه أن الاستئذان ليس من شرطه أن يقول صاحب الحق: نعم، أو أن يقول: لا، وكذلك هو أيضاً إذا استؤذن إن شاء يمكن أن يقول: نعم، أو يقول: لا.

    الجمع بين الحب والحزم في التعامل مع الطفل وتنمية مفهوم الأمانة عنده

    عموماً التعامل مع الطفل لا بد فيه أمرين: الحب والحزم، لابد في هذه القضية أن يكون هناك اتصاف بالحزم الممزوج بالعاطفة والتفهم.

    أيضاً: عندما تكلم الطفل لابد أن تكون هادئاً، ويكون كلامك واضحاً جداً، ولا يكون فيه نوع من الغموض دون عنف وإثارة، ودون تردد وضعف أمام بكائه أو دموعه؛ لأنه سيفهم أنه لو صرخ ورمى بنفسه على الأرض ستكون وسيلة للحصول على ما يطلبه.

    أيضاً: من المهم تنمية سلوك الأمانة عند الطفل، فيمكن أن تعلق له في حجرته حديث: (لا دين لمن لا أمانة له) أو تشرح له حديثاً في الأمانة، كذلك تمارس أنت الأمانة أمامه قولاً وفعلاً، أو تحكي له حكايات عن أناس أنت لا تكذب عليه، هذه قصص كان عندهم أمانات فردوها طواعية ولم يخضعوا لإغراء الأشياء التي وجدوها، ولا رقيب عليهم إلا الله سبحانه وتعالى، فلا بد من ممارسة الأمانة أمام الطفل قولاً وفعلاً، وكلما كان كلامنا غير مباشر كلما كان أفضل وله تأثيره في الطفل، فمثلاً في الجلسة العائلية العادية ينتهز الأب أي فرصة ويحكي قصة واحد أمين على سبيل الاستحسان: يا سلام! انظر كيف الالتزام، انظر كيف مراقبة الله سبحانه وتعالى، فقد حصل كذا وكذا وكذا، فالطريقة غير المباشرة تكون أوقع مع الأطفال.

    تفعيل مبدأ الثواب والعقاب في التعامل مع الطفل

    أيضاً: ممارسة مبدأ الثواب والعقاب، فإذا عمل عملاً يدل على الأمانة تثيبه عليه، وإذا ارتكب خيانة لا بد من عقاب، ولا بد أن يكون الثواب والعقاب فورياً، لا يكون مؤجلاً، فإذا رأت الأم من طفلها عملاً جيداً فلا تقول: حين يأتي والدك بالليل سأجعله يشتري لك كذا. وإنما لابد أن تكون المكافأة فورية، لماذا؟ حتى يربط الطفل بين إتيانه السلوك الجيد وأخذه للمقابل الجيد، لكن لما تؤجلها تفقد معناها، فيجب أن يكون الربط مباشراً بين العمل وبين الثواب أو العقاب.

    الكلام عن السرقة، وبيان أنه لا يليق بالمسلم أن يسرق، وأضرار السرقة على المجتمع، ولو أبيح لكل الناس أخذ ممتلكات الآخرين فكيف يعيش الناس؟ وكيف تستقيم أمورهم؟!

    وبيان أن هذا السلوك مرفوض من الناحية الدينية الإسلامية والأخلاقية والاجتماعية، وأن نفهمه أن المجتمع يرفض هذا السلوك، وهذا شيء مهم.

    توفير الجو الأسري الملائم للطفل وعدم التمييز بين الإخوة

    أيضاً من العلاجات: الدفء العاطفي بين الآباء والأبناء، وذلك بأن تشعر الطفل بأنك تحبه، إذ لابد أن يشعر بالأمن والطمأنينة والاحترام؛ لأن الطفل إذا أحب شخصاً فإنه غالباً لا يسرق منه، خاصة إذا فهم أن هذه سرقة.

    لابد أن نزرع الثقة في نفس الطفل ولا نشعره بالنقص، لا نقول له في لحظة انفعال: يا حرامي! أتجرؤ على الكلام بعد فعلتك التي فعلت؟! هذا أسلوب يحطم الطفل، فالوالد يتصور أنه بهذا يؤدبه، لكن في الحقيقة هذا يفقده الثقة بالنفس ويشعره بالنقص والدونية، وأنه غير قادر على التماسك، وأنه غير أهل للاحترام أو الحب أو نحو ذلك.

    أيضا: عدم التمييز بين الإخوة، بحيث يميز ابناً على أبنائه الآخرين فيحس الآخر أنه محروم؛ لأن هذا يمكن أن يشجع على سلوك الانحراف.

    أيضاً يفضل أن يندمج الطفل في جماعات سوية من الأطفال المهذبين الأمناء ليتعلم من خلال الجماعة نفس القيم.

    من الأمور المهمة جداً: عدم الضعف أمام رغباته الأنانية، بأن لا يجاب إلى كل ما يطلبه، فنزيل الأنانية بعدم الاستجابة لكل طلباته.

    التصرف بحكمة عند اكتشاف سرقة الطفل أول مرة

    إذا حصل شك في أن الطفل يسرق لا بد أن نتجنب الإلحاح عليه؛ كي يعترف بالسرقة، لأنك إذا ألححت عليه فإنك ستفتح له باب الكذب، فإذا كذب ونجا من العقاب فإنه سيظن أنه نجح في تضليلك، ونجّى نفسه من العقاب، وبالتالي فسيتمرن على السرقة والكذب معاً، فكلما سرق سيكذب. كذلك أيضاً: لو أن الاعتراف استخدم معه العنف فهذا سيؤدي به إلى التمادي في السرقة، بالإضافة إلى أنه كل مرة خبرته ستزيد، وسيبدأ يأخذ خبرات، ويعرف ما هي نقاط الضعف التي كشفتها في المرة التي فاتت، وسيحكم الخطة كي لا يكتشف في المرة التالية. كذلك من الأمور المهمة: عدم تأنيبه على السرقة أمام الآخرين، فلا ينبغي أن تفضح الطفل وتصفه بأنه حرامي ولص أمام الآخرين، وإلا سيشعره ذلك بالنقص، وشعوره بالنقص سيؤدي إلى الانزواء من البيئة الاجتماعية، وليس هذا فحسب، بل قد يتعود على هذا اللقب، ولسان حاله: ما دام أن الجميع يصفني بأني حرامي ولص فليكن ذلك، وربما أنه يرى هذا اللقب رمز للانتصار على الآخرين، وعلى الكبار خاصة، لكن الصحيح أن نعامله بحب وصداقة مع حزم، أي: بحزم فيه نوع من المرونة، وإذا لم نعامل هذه المشكلة بهدوء واتزان فنحن نصنع منه فعلاً لصاً حقيقياً. أيضاً: نجتنب العبارات التي تضر بالطفل، كأن نقول له: أنت ألحقت بنا العار.. لوَّثت سمعة الأسرة أو العائلة.. إن كان ولا بد فاسرق من البيت، وليس من بيوت الآخرين، فمثل هذه العبارات تضر بالطفل! أيضاً: توافر القدوة الحسنة أمامه في سلوك الراشدين نحو الأمانة. أيضاً: نختار له ما يقرؤه وما يشاهده، والإعلام الذي يمكن أن يتعرض له، والكتب التي يمكن أن يقرأها بحيث تغذي فيه هذه المفاهيم.

    مراقبة مصروف الطفل والمسارعة في معالجة ظاهرة السرقة في بداية ظهورها عنده

    أيضاً: لو أنه يأخذ مصروفاً فإنه في هذه الحالة لا بد أن يكون هناك نوع من المراقبة على المصروف، ولابد أن يتناسب مع سنه والوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه ومع البيئة المدرسية، وتكون هذه المراقبة عفوية، يعني: تكون المراقبة دون التسلط عليه، ودون أن يشعر.

    ولابد أن تعالج هذه الظاهرة في سن مبكرة قبل أن تتفاقم؛ لأن محترفي الإجرام والسرقة بالإكراه والبلطجة والتزييف والنشل وكل هذه الأشياء غالبهم بدأ في هذا السلوك منذ طفولته، فلا يجوز أبداً تجاهل المشكلة، لا بد من التشديد من الناحية التربوية، بحيث يكون هناك خطوات حاسمة لعلاج هذه الظاهرة؛ لأن القاعدة أن الذي يسرق البيضة سيسرق بعد ذلك الجمل، ومن سرق مال أخيه بعد ذلك سوف يسرق مال الناس أجمعين.

    أما التساهل في هذا الموضوع فإنه يؤدي إلى التشجيع على امتداد السرقة إلى خارج الأسرة، لا بد من إجراءات فورية لعلاج السرقة إذا حصلت، وأول خطوة هي أن يفهم الأبوان هذا السلوك وأن يواجهاه مواجهة صحيحة، لا بد من إشباع احتياجات الطفل المتعددة عن طريق مصروف منتظم يعطى له مع الإشراف المباشر عليه دون تسلط.

    حماية الطفل من وسائل الإعلام التي تفيض في وصف حوادث السرقة

    وسائل الإعلام لها دور كبير في توجيه سلوك الطفل، فيجب حجبه عن الوسائل الإعلامية التي تفيض في وصف حوادث السرقة والنصب والاحتيال، وقد قرأت في بعض الكتب أن التلفاز أتى بإعلان مفاده أن رجلاً أعطى الطفل زجاجة شراب ليحافظ عليها، فالتفت الرجل فرأى الزجاجة فارغة، فقال: أين الشراب؟ قال الطفل: تبخرت، بينما في الحقيقة كان قد شربها، فهذا الإعلان يلقن مبدأ هداماً، وهو أن السرقة حل، والكذب حل سهل جداً وحل ظريف، ومقابل هذا كان المتفرجون يشاهدون هذا المشهد ويضحكون وكأنهم يستحسنون هذا السلوك، وجاء هذا التصرف بعفوية وتلقائية من قبلهم، فلما يجد الطفل أن ذلك الولد ظريف والناس يستحسنون سلوكه فإن ذلك يمثل بالنسبة له نوعاً من القدوة!! فلنحذر من وسائل الإعلام التي تفيض في وصف السرقة سواء من خلال المجلات والكتب والأفلام والتلفزيونات إلى آخر هذه الأشياء التي قد تبرز البطل في صورة نصَّاب ومحتال وتاجر مخدرات إلى آخر هذه الأشياء.

    إن هذه أشياء لا تستنكر اجتماعياً، فبالتالي: لماذا هو لا يسرق؟ الذي ينصب على الناس ويسرق ويكون مجرماً هو الذي يصبح غنياً ويحقق أغراضه.. إلى آخر هذه الأشياء.

    الحديث عن الأمانة وذكر القصص المتعلقة بها أمام الطفل

    علينا أن نربط الطفل دائماً بالقصص التي فيها تعظيم للأمانة, وتنمية الوازع الديني في قلبه، والترهيب من السرقة من جهة أخرى، بأن نبين له عقوبة السارق في القرآن الكريم، وأن الله سبحانه وتعالى يبغض هذا الخلق ويبغض أهله؛ ولذلك قال في القرآن الكريم: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ [المائدة:38] ونقص عليه قصة المرأة المخزومية التي قطعت يدها، ونفهمه أن الناس كلهم أمام الله سواء، وكلهم لهم حرمة في أموالهم وممتلكاتهم فلا نعتدي عليها، وأن الناس لو لم يلتزموا بهذا الأمر ولم تقم حدود الله على السارق فهذا سيؤدي إلى الخيانة في ممتلكات الآخرين.

    فالكلام عن الأمانة -كما أشرنا من قبل- من الوسائل الرائعة جداً في التأثير على الأطفال؛ لأن الطفل في مرحلة معينة مفهومه مادي، تلقيه للمفاهيم يكون من الناحية المادية، فلو جئت إلى طفل عمره أربع سنين وكلَّمته عن النزاهة والعدالة والأمانة والتسامح وغير ذلك من المعاني المجردة فإنه لن يستوعبها، فلو قلت له: الصلاة ركن الدين وكذا وكذا، فلن يستوعب، لكن صلِّ أمامه فإنه عندئذ سيستوعب ذلك؛ لأنه إنما يستوعب الأمور التي يدركها بالحواس -المشاهدة والسماع- وهي تؤثر فيه جداً، إذا رآك تصلي يقلدك تماماً في الصلاة، هو لا يعرف ما هي الصلاة، لكن هو يمتص منك السلوكيات عن طريق المحاكاة، هذه هي الوسيلة البدائية الأولى، فقط عن طريق المحاكاة الحسية والتفكير المادي، فإذا رأى منك سلوكاً فيه أمانة، أو حكيت أمامه قصصاً عن الأمانة فلا شك أنه سوف يتقمص هذه الأشياء، ويمتص هذه المسائل.

    فإذاً: القدوة من أهم وأخطر وسائل التربية وتنمية الطفل، وكذلك التخويف من مراقبة الله سبحانه وتعالى وأنه مطلع علينا في كل مكان.

    كذلك سرد القصص التي تجسد مبدأ الأمانة كقصة الرجل الذي استدان من رجل ديناً، ووضع المال في لوح خشب، واستودعه الله؛ لأنه لم يستطع أن يسافر، هي قصة موجودة في القصص النبوي، فهذه من أفضل الوسائل؛ لأنك تعطيه أنموذجاً حياً أمامه.

    وعامة الناس والحمد لله يستطيعون أن يدركوا بعض السلوكيات التي بتفاديها يكتسب الأطفال نوعاً من الوقاية من الوقوع في السرقة.

    التصرف بحكمه عند اكتشاف سرقة الطفل أول مرة

    أيضاً: إذا حصل شك في أن الطفل يسرق لا بد أن نتجنب الإلحاح عليه كي يعترف بالسرقة، لأنك إذا ألححت عليه فإنك ستفتح له باب الكذب، فإذا كذب ونجا من العقاب فإنه سيظن أنه نجح في تضليلك ونجّى نفسه من العقاب، وبالتالي فسيتمرن للسرقة والكذب معاً، فكلما سرق سيكذب.

    كذلك أيضاً: لو أن الاعتراف استخدم معه العنف فهذا سيؤدي به إلى التمادي في السرقة، بالإضافة إلى أنه كل مرة فترته ستزيد، وسيبدأ يأخذ خبرات ويعرف ما هي نقاط الضعف التي كشفته في المرة التي فاتت، وسيحكم الخطة كي لا يكتشف في المرة التالية.

    كذلك من الأمور المهمة: عدم تأنيبه على السرقة أمام الآخرين، فلا ينبغي أن تفضح الطفل وتصفه بأنه حرامي ولص أمام الآخرين، وإلا سيشعره ذلك بالنقص، وشعوره بالنقص سيؤدي إلى الانزواء من البيئة الاجتماعية، وليس هذا فحسب، بل قد يتعود على هذا اللقب، ولسان حاله: ما دام أن الجميع يصفني بأني حرامي ولص فيكن ذلك، وربما أنه يرى هذا اللقب رمز للانتصار على الآخرين، وعلى الكبار خاصة، لكن الصحيح أن نعامله بحب وصداقة مع حزم، أي: بحزم فيه نوع من المرونة، وإذا لم تعامل هذه المشكلة بهدوء وباتزان فنحن نصنع منه فعلاً لصاً حقيقياً.

    أيضاً: نجتنب عبارات تضر بالطفل، كأن نقول له: أنت ألحقت بنا العار.. لوَّثت سمعة الأسرة أو العائلة.. إن كان ولا بد فأسرق من البيت، وليس من بيوت الآخرين، فمثل هذه العبارات تضر بالطفل!

    أيضاً: توافر القدوة الحسنة أمامه في سلوك الراشدين نحو الأمانة.

    أيضاً: نختار له ما يقرؤه وما يشاهده، والإعلام الذي يمكن أن يتعرض له، والكتب التي يمكن أن يقرأها بحيث تغذي فيه هذه المفاهيم.

    1.   

    الأسئلة

    الكلام على كتاب تربية الأولاد في الإسلام لعبد الله ناصح علوان

    السؤال: هل تنصحنا باقتناء كتاب تربية الأولاد للدكتور عبد الله بن ناصح علوان رحمه الله؟

    الجواب: بعض الإخوة قدح فيه وخاصة في باب العقيدة، فأقول: قال الله سبحانه وتعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]أي كتاب غير الوحي الشريف لابد أن يكون عليه مؤاخذات، فلا عصمة إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، لكن أريد أن أنبه إلى أن كتاب (تربية الأولاد في الإسلام) هو من مجلدين، والدكتور عبد الله بن ناصح علوان من الأفاضل وله إسهامات كبيرة جداً في الدعوة، ولا نجحد أبداً أن هذا الرجل له دور ريادي في هذا المجال، فهو تقريباً من أوائل الكتب المنهجية التي صدرت في موضوع تربية الأولاد، فريادته في هذا المجال لا يجوز أبداً أن نجحدها؛ لأن هذا الكتاب في وقته كان هو الشيء المتاح، فلا نأتي الآن وقد أنعم الله علينا بكتب أحسن منه وأكثر تخصصاً وأكثر تنقيحاً ونقول: إن هذا كتاب سيئ ويشطب عليه، مثل ما حصل مع كتاب (فقه السنة) -للأسف الشديد- الذي كان في وقت من الأوقات كان أفضل كتاب يدرس في فنه، إذ لم يكن هناك غيره، وأثر في أجيال كثيرة جداً، ثم إذا بنا لما تعاملنا مع الكتاب بطريقة فيها نوع من الجور والجحود لفضل هذه الريادة بدأنا نقارن بينه وبين غيره من الكتب.

    فالشاهد: يجب أن نتعامل بإنصاف، بحيث نعترف أن الجهد البشري لا بد فيه من القصور ثم ننتفع بما فيه من الخير، وإذا كان عند بعض الناس انتقادات فعليهم طرحها بطريقة مهذبة مع التحذير من الخطأ بأدب وبإنصاف مع الاعتراف لصاحبه بموضوع الريادة،فالشيخ عبد الله بن ناصح علوان رحمه الله هو أول من كتب دراسة علمية حول موضوع تربية الأطفال فيما نعلم، ثم بعد ذلك جاءت كتب أخرى مثل: (المنهج النبوي لتربية الطفل) لـمحمد نور سويد ، وهذا الكتاب أيضاً أشبع نقداً، وكان الناقد محقاً؛ لأن الكتاب حافل بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، ثم بعد ذلك استفاد المؤلف من هذا النقد وصدرت طبعة في مجلدين أفضل من السابقة، فالذي أريد أن أقوله: لا ينبغي انتقاص العالم لمجرد وجود بعض الأخطاء في كتاب له، هذا من الغلو في التعامل مع العلماء، والخطأ ينبه عليه، وينصح باجتنابه، وإن وجد بديل صاف 100% فأهلاً وسهلاً، أما إن لم يوجد بديل فلا ينبغي أن نهدم ونحطم بدون أن نوجد البديل فهذا ليس من الإنصاف.

    عادة مص الأصابع عند الأطفال

    السؤال: كيف يمكن منع الطفل من إدمان عادة مص الأصابع؟

    الجواب: المشكلة في الحقيقة تكثر عند بعض الأسر في بعض أطفالهم، فنلقي الضوء عليها في دقائق معدودة.

    أولا:ً بالنسبة لعادة مص الأصابع عند الأطفال تكون في فترة معينة سلوكاً عادياً ينبغي تقبله، لكن هذه العادة تنتهي ما بين 18-24 شهراً في الوضع الطبيعي العادي، يعني: إلى سنة ونصف أو إلى سنتين، وقد لا تختفي تماماً إلا عند ثلاث سنوات.

    وإذا استمر الطفل في مص إصبعه بعد السنة الرابعة ولكن عند اقتراب وقت النوم فهذه ليست مشكلة ولا تستدعي القلق على الإطلاق.

    مما ينبغي أن ندركه أن موضوع مص الأصابع بالنسبة للأطفال علاجه ينبني على معرفة السبب؛ لأن بعض الأطفال يمص أصابعه بطريقة تنتهي بتشويه الإصبع، فالعلاج أساسه هو معرفة سبب هذه العادة، وبالتالي إذا عرفنا السبب نزيل السبب دون اضطراب أو دون قلق.

    أحد الأسباب لوجود هذه الظاهرة عند الطفل هو سلوك الوالدين وظروف البيئة المحيطة بالطفل، وسلوك الوالدين يشمل سلوكهما مع أشقائه، وسلوكهما مع الطفل نفسه، كأن يحصل تمييز بين الأولاد والبنات، بحيث يفضل الولد على البنت، فتبدأ البنت تبالغ في مص الإصبع نتيجة التوتر الذي تعانيه، فسلوك الأبوين أو ظروف البيئة تكون هي السبب في هذا الأمر.

    لكن لا بد أن نفهم أن مص الطفل لأصابعه هي وسيلة لتخفيف حالة توتر يعيشه، فقد يكون عنده نوع من التوتر ونوع من القلق، ولجوءه لمص الأصابع هو وسيلة ليخفف حالة التوتر التي يعيشها إما مؤقتاً أو دائماً.

    ويوجد شيء يشبهه عند الكبار وهو السجائر، فبعض الناس إذا تضايق فزع إلى السجائر حتى يذهب التوتر الذي عنده، أو يكون لتخفيف حالة إحباط، يعني: هذا الطفل يشعر أنه لا يستطيع أن يحقق ما يريده فيمكن أن يحصل له إحباط فيبدأ يفزع إلى هذه العادة، أو يكون بسبب الغيرة؛ كأن يكون له أخ جديد أو أخت جديدة فينصرف عنه الاهتمام ويصير الطفل المولود الجديد هو بؤرة الاهتمام فيبدأ يفزع إلى هذه العادة.

    أو يمكن أن يكون بسبب التعب أو شعور الطفل بالوحدة فيلجئه إلى هذا الشيء.

    كيف نتعامل مع هذه الحالة؟ أهم شيء أن نتجنب مسالك معينة يسلكها الآباء أو المربون، أولها: التوبيخ، فيجب أن يتجنب توبيخه بكثرة على هذه العادة؛ لأن ذلك غير مجدٍ، بل يزيد الحالة سوءاً.

    أيضاً: من الخطأ أننا كلما رأيناه يضع إصبعه في فمه نشد يده ونبعد إصبعه عن فمه، هذا علاج غير صحيح، أو بعض الناس يلفون يدي الطفل بشاش أو يلبسونه قفازاً أو يربطون يديه، وللأسف هناك سلوكيات أخرى وحشية، فبعض الناس تضعون على إصبعه مادة مقززة كالفلفل أو الشطة أو الصَّبِر المر جداً، وهذا سلوك غير صحيح، فعملية التوبيخ أو إبعاد الإصبع عن الفم أو ربطها أو وضع قفاز أو مادة منفرة عليها؛ كل هذه الأشياء تدفعه إلى الاستمرار، وتزيد شعوره بالإحباط.

    أيضاً من الوسائل التي ينبغي سلوكها في هذه الحالة: أن يوفَّر لهذا الطفل نشاط حر محبب إلى نفسه، يعني: اشغله بنشاط حر هو يحبه، كنوع معين من الألعاب أو الترفيه؛ لأن هذا النشاط الحر سوف يمتص طاقته، أو تمكنه من مخالطة أطفال آخرين مثله حتى تنمو شخصيته.

    أيضاً ينبغي ألا يظهر المربي القلق الشديد أمام الطفل بسبب هذا الموضوع، وكلما حضر عنده ضيف حكى قصته، فيقوم هذا الضيف بالتعليق، فالطفل يشعر عندها بأنه ينظر إليه نظرة توبيخية، فالإنسان لا يظهر القلق الشديد بسبب هذا الموضوع أمام الطفل؛ لأنك إذا أشعرته بالقلق والتوتر فسوف يزيد من هذه العادة ولن يتوقف!

    والطفل عامة كلما زادت ثقته بنفسه وشعر بالاطمئنان قل عدد مرات مص الأصابع.

    ومن السلوكيات الخاطئة مقارنته بغيره: سواء أكان هذا الغير أصدقاءه أو زملاءه أو إخوانه كان يقال له: كل إخوانك جيدون، ولا أحد منهم يعمل هذا العمل، لماذا أنت فقط تمص أصابعك؟! إلى آخره، فهذه المقارنة سلوك غير صحيح؛ لأنها تسبب إحباطاً، بينما أنت قصدك الخير عندما تقول له: إخوانك جيدون فكن جيداً مثلهم، لكن هذا يسبب له إحباطاً، فالصحيح أن يبرز للطفل الجوانب المشرقة في شخصيته، يعني: كل واحد يختصه الله بشيء دون الآخر، ففلان اختصه الله بكذا، فتأتي للصفة الجيدة وتدعم هذا الطفل وتشيد بها؛ حتى تدعم ثقته بنفسه.

    كذلك النقد المستمر والمتواصل -وبالذات إذا اقترن بعبارات التحقير- هذا سلوك خطير، يعني: أنت لما تتعامل مع الطفل فإنك لا تتعامل مع ندٍّ لك، وذكرت من قبل أن رجلاً ألف كتاباً معبراً جداً اسمه: (طفلك ليس أنت)، مع العلم أن هذا الرجل ليس مسلماً، فمشكلة كثير من الآباء أنه لما يتعامل مع الطفل يتصور أنه عنده نفس العقل ونفس التجارب ونفس الخبرات، ونفس المقاييس، فلما يأتي يضربه يضربه بعنف شديد وكأنه أمام شخص مكافئ له، وحتى الضرب تكلمنا بالتفصيل عنه قبل هذا، وبينا أنه لا يكون إلا بشروط منها: ألا تضرب الطفل وأنت تريد أن تتشفى منه؛ لأن هذا من الظلم، أن تأتي إلى طفل صغير، فتضربه هذا الضرب الوحشي كما يحصل أحياناً من بعض الناس، فهذا الفعل يدل على وجود خلل في تفكير هذا الرجل الذي يتشفى، فهو يخرج شحنة الغضب عن طريق الضرب ولا يهدأ حتى يشفي صدره تماماً من غلِّه من هذا الطفل، طبعاً هذا السلوك من الجاهلية -في الحقيقة- وليس من الإسلام.

    الشاهد: لا تتعامل معه كأنه مثلك تماماً، بل انظر إليه كما كان ينظر إليك أبوك أو أمك وأنت في تلك السن، فأنت في تلك السن لم تكن تفهم أن هذا الشيء غلط.

    إذاً: لا بد من تجنب النقد المستمر والتحقير وكل العبارات العامة التي فيها حكم بالإعدام للشخصية كأن تقول: أنت لست نافعاً.. لا أمل فيك.. ستظل طوال عمرك غبياً... إلى آخر هذه العبارات، أو كما نسمع أشياء عجيبة عن بعض المدرسين الذين ليس لهم مكان في التربية على الإطلاق، فيقول بعضهم لبعض تلاميذه: (لما تفلح تعال قابلني) إلى آخر هذه العبارات الفظيعة.

    فكونك تصدر حكماً عاماً على الطفل هذه إساءة شديدة له، وتُوجد عنده شعوراً بالمرارة والعجز وعدم الكفاءة.

    وكذلك ينبغي أن تحمي الطفل من سخرية أقرانه الآخرين، بحيث لا يهزءون به بسبب هذه العادة، لأن هذه السخرية سوف تعمِّق العادة عنده أكثر فأكثر.

    يمكن كذلك أن تطلب من الطفل أن يساعدك في عمل شيء معين، ويكون هذا الشيء محتاجاً إلى أن يستعمل يديه الاثنتين، فتحاول أن تلهيه عن عادة المص بأن تشغل يديه، أو تحضر له ألعاباً معينة لا تعمل إلا باليدين.

    كذلك يفضل أن يهمل هذا الموضوع ولا يتكلم فيه أمامه، ولا ينبه إلى شيء يذكره بإصعبه، ومع ذلك فيمكن للإنسان -بصورة عرضية عابرة- أن يذكره بلطف أنه سوف يكبر ويُقلع عن هذه العادة، ولا يلفت نظره إليها ليزيد من انتباهه نحوها.

    من أهم الأسباب التي تلجئ الطفل إلى مص الأصابع بعد السن المذكورة -التي تصل إلى خمس أو ست سنوات- شعوره بالحرمان العاطفي، فيحتاج عندها إلى جرعة زائدة من حب وحنان الأبوين، والطفل بطبيعته يكتشف إذا كان محبوباً أم لا، وإن كان مرغوباً فيه أم لا، ويعرف من يحبه ومن يمثل أنه يحبه، فلا بد أن يؤمن شعور الطفل بالحب والأمان، وقد ذكرنا من قبل أنه ليس من الحكمة أبداً أن تقول له: إذا فعلت الشيء الفلاني أنا لن أحبك، لكن قل: لن أعطيك المصروف، هذا عقاب لكن لا تهدده بالحب، ولا تجعل الحب موضوع تهديد، بل لا بد أن تقول: أنا أحبك، لكن لا أحب التصرفات الفلانية، أو لو عمل الشيء الفلاني، فلا تهدده بأنك لن تحبه إذا فعل كذا، لا بد أن يؤمن له الشعور بالحب والشعور بالأمان، بعض الناس طفله لا يريد أن يصعد في (المصعد الكهربائي) فيقول له: هل ستأتي أم أذهب وأقفل عليك الباب؟ هذا خطر، فهذا يفقده الشعور بالأمان، أو إذا أخذه معه إلى السوق أو إلى محل معين فقام الطفل بتصرف غير مرغوب، فيقول: إذا لم تسمع كلامي سأتركك هنا وأذهب، وهذا خطأ كبير؛ لأنك هكذا ستهدد شعوره بالأمان، فهو سيتسائل: لو تركني وحدي ماذا أفعل؟ لكن ممكن تقول له: إذا لم تترك هذا السلوك سنلغي هذه الفسحة ونعود إلى البيت، فهكذا لم تهدد شعوره بالأمان وفي نفس الوقت تزجره عن التمادي في هذا السلوك.

    أحياناً يقوم الأب أو الأم بالحديث عن الأزمة المادية والفقر والديون والهموم أمام الطفل، بينما ينبغي أن يعزل الطفل عن الشعور بالهم مبكراً بقدر المستطاع؛ لأن هذا يمثل عبئاً عليه، وكذلك معايشة المشاكل والصراعات بين الأبوين والتي تهدد بقاءه في الأسرة... إلى آخر هذه الأشياء، إذا شهد الطفل مثل هذه الصراعات فإن ذلك يهدد شعوره بالأمان، وهذه طبعاً لها عواقبها الوخيمة فيما بعد.

    فلا بد أن يشعر الطفل أنه محبوب وأنه مرغوب فيه، وأن الذين حوله يحبونه، هذا أمر مهم جداً، وسبق أن قلت من قبل: إن الرضاعة ليس المقصود منها أن يغذى بدن الطفل فقط، لكن حكمة الله سبحانه وتعالى اقتضت أن الرضاعة الطبيعية تتم بطريقة فيها جرعة من الحنان بجانب جرعة الطعام الذي ينشأ عليه، فنفسه تحتاج إلى الحنان، والمفروض على الأم أن تضمه إليها عند الرضاعة، ولا تأتي إليه وهو يبكي وتعطيه ثديها فقط؛ لأنه حينها سيشعر بأنه قد أخطأ عندما بكى، وهذا نوع من الحرمان من وجبة الحنان التي كان يأخذها كل فترة أو كل مرة يرضع فيها.

    الطفل لا بد أن يشعر أن الذين حوله يرغبون فيه ويحبونه، فلا تأتي الأم -كما يحصل من بعض الأمهات الجاهلات- وتقول: حاولت بكل المحاولات الطرق إجهاض هذا الطفل والتخلص منه، لكن جاء غصباً عنا، فماذا يكون شعور الطفل إذا علم أنه غير مرغوب فيه؟ هل هو يكون عنده إدراك ويعرف أن هؤلاء الأبناء رزق من عند الله، وأنه هو الذي خلقهم لن يفهم ذلك، بل سيفهم أنه فرض عليهم فرضاً، وأنهم غير راغبين فيه، حتى لو جدلاً وجد هذا الشعور السيئ فلا ينبغي إظهاره أبداً، بل بالعكس يجب أن يؤمن الطفل، فإذا وفرت جرعة الحنان الكافية طبعاً هذا سيؤثر في استقراره فيما بعد، وفي عافيته من الآفات النفسية والسلوكية، ويوفر كثيراً من العناء.

    كيفية التعامل مع نوبات الغضب عند الطفل في سنواته الأولى

    السؤال: ما هي أسباب حصول نوبات من الغضب عند الطفل وكيف يتم التعامل معها؟

    الجواب: الموضوع الذي نتكلم عنه وهو ما يسمى بنوبات الغضب، وبالذات في السن التي هي بين سنة إلى سنة ونصف تقريباً، وهذه النوبات تكون ناتجة عن أن الطفل يريد شيئاً معيناً، فإذا لم يحقق له هذا الشيء يصرخ ويرمي بنفسه على الأرض، ويغضب وتستمر هذه النوبة مدة معينة، فمن المظاهر الشائعة عند الأطفال في هذه السن -ما بين سنة إلى سنة ونصف أو ما بعد ذلك- نوبات الغضب، وهذه النوبات ليس شرطاً أن يستطيع الطفل الصغير أن يتحكم بها، حتى إن طفلاً يقول لأمه: يا أمي! أنا حينما أظل أبكي وأصرخ، أريد أن أوقف بكائي لكن لا أستطيع، فهذه النوبات شيء طبيعي وعام عند جميع الأطفال في هذه السن، ولا تعتبر ذات صفة مرضية إلا إذا كانت عنيفة متكررة بشكل زائد، يعني: معدلها كبير وشديد وتمتد فترة طويلة نسبياً، في هذه الحالة فقط تعتبر غير طبيعية، لكن في فترة السنة والسنة ونصف يمكن أن تكون نوبات الغضب شيئا طبيعياً في بداية هذه المرحلة؛ بسبب ظروف تتعلق بشخصية الطفل من ناحية، وتتعلق بعلاقته بالأبوين من ناحية أخرى، فأما ما يتعلق بالطفل فإن هناك ظروفاً تدفعه إلى هذا السلوك الذي نعده في الأصل طبيعياً، حيث تدفع الطفل في هذه المرحلة دوافع بدائية قوية، وأقول بدائية؛ لأنه لم يتعلم بعد كيف يتحكم بهذه الدوافع، وبالتالي تزداد حساسيته لأي شيء يعوقه عن إشباع حاجاته ورغباته التي يرغب فيها، فنجد أبسط المواقف يمكن أن تثير لدى الطفل نوبات الغضب، فطفل السنتين -مثلاً- الذي يعجز عن الوصول إلى رف مرتفع قليلاً، والذي يوجد عليه الحلوى أو الأشياء التي يحبها، وفي نفس الوقت لا يستطيع أن يعبر عن احتياجاته في كلمات، أو أمه لا تدرك بالضبط ماذا يريد، فمثل هذا الطفل يواجه موقفاً لا قِبَلَ له بتحمله، فهو كل شيء يريده لابد أن يتحقق، وهو لا يستطيع أن يعبر عن حاجته بالكلام، أو الذين حوله لا يفهمون ماذا يريد، لكن أحسَّ بالعجز عن إشباع إحدى هذه الحاجات.

    فمثل هذا الطفل لا يكون قادراً على ضبط انفعالاته، فلذلك تجد الاستجابة المباشرة لمثل هذا الموقف هي نوبة من الغضب الشديد، والأمثلة كثيرة ومتكررة بين الأطفال في هذه السن، وقد يكون هذا الشيء تافهاً بالنسبة للكبير وعقليته ونضجه، لكن الطفل لا ينظر له على أنه تافه، فمثلاً: الأكل الذي يقدم له هو يريد أن يكون أول واحد يوضع له الأكل، فلابد أن يكون هو أول واحد يأكل هذا الطعام، فإذا وضع الطعام لشخص آخر يرمي بنفسه على الأرض ويصرخ ويبكي.. إلى آخره، أو مثلاً: يريد هو أن يتناول الطعام بنفسه ولا يريد أن يساعده أحد، أو يريد أن يفتح الباب بنفسه، فالوالدان إذا لم يتفهما حقيقة مشاعر الطفل في هذه المواقف فقد يزيدان الطين بلة، يعني: يساعدان في تدعيم هذه المشكلة إذا لم يتفهما الأسباب التي تدفع الطفل إلى هذه الأفعال.

    وفي الحقيقة مهما حاول الأبوان أن يتفهما الظروف التي تعرض الطفل للضيق، ومهما حاولا أن يساعداه على الاستقلال، أو القيام بأعمال جديدة، ومهما ساعداه على أن يعبر عن رغباته، لكن في الواقع يصعب عليهما أن يتقبلا منه الغضب والعدوانية، حينئذ يواجهان بواجب تربوي هام، وهو كيف يمكن تحويل هذه المشاعر العدوانية من الطفل إلى قنوات أكثر تقبلاً، وكيف يساعدانه على ضبط نفسه.

    هنا أمور لا بد من الانتباه الشديد إليها:

    أولها: أن العقاب قد يؤدي إلى عكس المطلوب، وبالذات العقاب البدني في مثل هذه الحالة قد يزيد المشكلة، ولا يحلها، فمحاولات إسكات الطفل في أثناء النوبة لا جدوى منها؛ لأنها عبارة عن نوبة مثل نوبة المصدوع، فتستمر هذه الثورة إلى أن تأخذ وقتها، فلابد لك أيها الوالد أن تستسلم له، فالشدة والعنف لا يفيدان على الإطلاق في مثل هذه الحالة بل يؤديان إلى عكس المطلوب، والشدة معه في أثناء النوبة تجعل مدتها تطول أكثر؛ لأن الطفل أثناء هذه النوبة ليس عنده أي استعداد للاقتناع، بل ليس عنده استعداد للاستماع لوجهة نظر أو نصيحة أو تهديد، فلا يمكن أن يفيد العقاب أو التهديد أو العنف في أثناء النوبة!!

    أيضاً إذا صرخت في وجه الطفل أو ضربته لإسكاته فإن العنف والضرب يزيد من سوء الحالة وستطول مدة النوبة، ويكون الطفل غير مستعد لأن يسمع نصائح ولا نقداً ولا أي شيء، هو دخل فيها فلابد أن يكملها.

    بعض الناس قد يصرخ في الطفل، أو يشتد عليه لغرض أن يسكت، وهذا ليس فقط لا يفيد، لكنه يأتي بضرر إضافي، حيث إنه يجعل من الوالدين قدوة سيئة سيتعلم منهما الطفل عكس المطلوب، فالشدة والعنف مع الطفل تأتي بعكس المطلوب؛ لأننا قلنا: ليس هناك حصة اسمها التربية، فالطفل يتعلم الذي يراه.. طريقة الكلام.. طريقة الأكل.. طريقة التعامل مع الآخرين.. طريقة الرد على التلفون.. طريقة التفاعل مع الأحداث، فهو ينظر إلى فعلك ويفعل مثلك، حتى الصلاة يتعلمها بالتقليد والمحاكاة، فالأب والأم هما أسوة وقدوة وأي خلل في سلوكهما ينغرس في الطفل!

    وأذكر طفلاً كان في أثناء النوم يصرخ ويبكي ويقول: رأيت أسداً ضخماً جداً مثل الذي رأيته في حديقة الحيوانات، والأسد هذا فتح فمه وأسنانه ظاهرة ويريد أن يأكلني!!

    فقال له والده: كيف عرفت أن صوته مثل صوت الأسد الحقيقي؟ قال: لأن صوته مثل صوتك يا بابا لما تصرخ، فانظر كيف ترجم عملية الانفعال أمامه، فأنت تعطيه القدوة في كيفية التصرف إذا غضب فهو يعلم أن الحل أنه يصرخ ويشتد ويغلط؛ لأنه يتعلم نفس السلوك من القدوة.

    فإذا: مواجهة نوبة الغضب بنفس الأسلوب من العنف والشتيمة والتهديد هذا لن يأتي بفائدة تذكر، فالطفل يكون غير مستعد لأن يسمع أي شيء يحجزه عن هذا السلوك، وفي نفس الوقت يعطيه نموذجاً للقدوة السيئة التي يتطبع بها ويتقمصها.

    كذلك لا يجب فرض القيود الكثيرة على حركة الطفل وعلى تصرفاته وانفعالاته، يعني: أعطه شيئاً من الحرية والانطلاق، بعيداً عن الكبت والتقييد والتعليمات المشددة في كل شيء.

    كذلك وجود التنافس بين الإخوة، وتفضيل بعض الأولاد على بعض، هذه الظروف المنزلية تتسبب في أن يعاق الطفل عن إشباع احتياجاته الأساسية، وعدم إشباع هذه الأساسيات يؤدي إلى حالة توتر، وحالة التوتر تؤدي إلى وقوع نوبات الغضب التي تحدثنا عنها.

    إذاً: كيف يكون التصرف دون ضرب ولا شتم ولا كذا وكذا؟

    في هذه الحالة الكبار لا بد أن يواجهوا نوبات الغضب بأن يظلوا هادئين بقدر الإمكان، لا تغضب أنت أيضاً وتزيد المشكلة، الأب لابد أن يكون هادئاً جداً بقدر ما يستطيع، ويقترب من الطفل ويتحدث إليه بصوت رقيق هادئ جداً -لأن هذا الصوت يمكن أن يكون له أثر في تهدئة هذا الطفل- ثم يحمل الطفل بحزم وحنان معاً حتى لو كان يقاوم ويرفس بيديه ورجليه، فيمكن أن يحمل بحزم بحيث تقيد حركة يديه، وفي نفس الوقت يمكن أن ينقل إلى حجرة أخرى ويوضع فيها، يبقى هناك حتى تنتهي نوبة الغضب؛ لأنه أن تكون نظرات من هم سبباً في أنه يتمادى؛ لأنه يريد أن يثبت الاحتجاج، لكن لو أنهم تظاهروا بأنهم لم يلاحظوا أنه وقع فإنه سيسكت، أما إذا لاحظ اهتمامهم فإنه يتمادى في البكاء.

    يمكن أن ينقل إلى حجرة أخرى ويبقى فيها حتى تنتهي هذه النوبة، لكن لا بد أن يفهم أن هذا الإجراء ليس عقاباً، لا تقل له: سأحبسك في الغرفة، بل خذه -بعدما تكلمه بهدوء- إلى غرفة أخرى، لكن ليس على سبيل العقاب.

    ولو تساءلت: لماذا يجب علي أن أتبع معه هذا الإجراء؟

    فأجيبك ببساطة: لأنه لا يوجد شيء آخر تقدر على فعله، ولا يوجد حل آخر غير أنك تأخذه إلى حجرة أخرى يبقى فيها حتى تنتهي هذه النوبة.

    فإذاً: نوبات الغضب لا يصح أن تواجه بغضب مماثل ولا تواجه بعقاب.

    أيضاً: هناك أمر مهم جداً وهو أنه لا يسمح للطفل أبداً بأن يحصل على أي مطلب عن طريق نوبات الغضب، لابد أن يفهم أن هذه النوبات لا تكون إنجازاً، وليست ميزة له، يعني: حين بكى وعمل ضجة وحصل على ما أريد، فإن ذلك سيجعله يتمادى في هذه الأشياء، فلابد أن نحسسه أن هذا الفعل لا يؤدي إلى حصوله على ما يريد، وأنه لو أراد شيئاً فإن عليه أن يطلبه بهدوء وأدب وعندها يمكن أن يحصل على ذلك الشيء، فضروري جداً ألا يحصل على أي مطالب عن طريق نوبات الغضب، فالنوبات التي تكون قابلة للعلاج بسرعة هي النوبات التي تمر دون مكافأة إلى أن تزول تدريجياً.

    فالمهم أن يطيل الآباء صبرهم وإن شاء الله يصلون في النهاية إلى نتيجة محققة وكما قلنا: هذه فترة وستمر بسلام.

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756251369