إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [174]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحدث الشيخ رحمه الله في هذه المادة عن صيام رمضان، مبيناً فرضية صيام رمضان ومكانته في دين الإسلام، ثم ذكر شروط وجوب صيام رمضان، والمفطرات التي يفطر بها العبد إذا فعلها، ثم ختم ذلك بإجابات موضحة لما أشكل عليهم في صيام رمضان.

    1.   

    مكانة صيام رمضان في الدين الإسلامي

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو اللقاء الرابع والسبعون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بلقاء الباب المفتوح التي تتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الحادي عشر من شهر شعبان عام (1418هـ).

    وبما أننا مقبلون على الاختبار عند كثيرٍ من الإخوة الذين يحضرون، وأننا في استقبال شهر رمضان المبارك فإنه يعتبر هذا اللقاء آخر اللقاء في هذا الشهر، ويستأنف اللقاء إن شاء الله تعالى بعد عيد الفطر، حتى لا يفوت الإخوة الذين يحبون أن يستمعوا إلى هذا اللقاء شيءٌ من اللقاءات، وحتى يقبلوا على دروسهم وامتحاناتهم بطمأنينة.

    وبما أننا في استقبال شهر رمضان فإننا نفضل أن نتكلم الآن على ما يتعلق بالصيام والقيام.

    صيام رمضان وحكم إنكار فرضيته

    أما صيام رمضان فلا يخفى علينا جميعاً أنه أحد أركان الإسلام التي بني عليها هذا الدين الذي بعث به محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) وسأله جبريل عن الإسلام فأجابه بهذا فقال: (الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا).

    فمرتبة صيام رمضان في الدين الإسلامي مرتبة عالية؛ لأنه أحد أركانه، وصيامه فرض بإجماع المسلمين المبني على دلالة الكتاب والسنة، ولهذا قال العلماء: من أنكر فرضيته فإنه مرتدٌ كافر؛ لأن هذا مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام، إلا إذا كان حديث عهدٍ بالإسلام، ولم يعرف عن الإسلام شيئاً فحينئذٍ يعرّف، فإن أصر على إنكار الفرضية بعد التعريف حكم عليه بأنه مرتد وقتل، إلا أن يتوب ويقر بالفرضية.

    وأما من تركه متهاوناً دون أن يجحد فرضيته فقد اختلف العلماء رحمهم الله هل يكفر ويرتد؛ لأنه ترك ركناً من أركان الإسلام؟

    فمنهم من قال بذلك، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله: أن تارك الصيام كسلاً وتهاوناً كافر كتارك الصلاة.

    لكن جمهور العلماء: على أنه لا يكفر؛ لأن عبد الله بن شقيق رحمه الله أحد كبار التابعين قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة.

    فالصواب: أنه لا أحد يكفر بترك ركن من أركان الإسلام إلا في الشهادتين والصلاة فقط.

    متى فُرض صيام رمضان؟

    شهر رمضان فرض في السنة الثانية من الهجرة، وأول ما فرض كان الناس يخيرون بين أن يصوم الرجل أو يفتدي، دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:183-184].

    وهذه واضحة في التخيير، ثم تعين الصوم وصار الإطعام لمن لا يستطيع الصوم على وجه دائم، وهكذا عادة الله تبارك وتعالى في الشرائع التي تشق على الناس أن يجعلها بالتدريج كما جعل الخمر تحريمه بالتدريج، وكذلك كان الناس في أول الأمر إذا نام الإنسان أو تعشى فإنه يجب عليه أن يبقى إلى أن يصوم من اليوم الثاني ثم نسخ هذا والحمد لله.

    1.   

    شروط صيام رمضان

    لكن صيام رمضان له شروط:

    الشرط الأول: البلوغ.

    الثاني: العقل.

    الثالث: الإسلام.

    الرابع: القدرة.

    الخامس: الإقامة.

    السادس: الخلو من الموانع.

    البلوغ والعقل

    فأما البلوغ: فضده الصغر، والصغير لا يجب عليه الصوم ولا يلزم به، لكن يؤمر به أمراً إذا أطاقه فإن فعل فالأجر له، وإن لم يفعل فلا شيء عليه.

    المجنون لا يؤمر به ولو صام لن يقبل منه ولا يصح منه؛ لأنه مجنون ليس له قصد.

    الإسلام

    الإسلام: وضده الكفر، فالكافر لا نلزمه بالصيام، وإذا أسلم لا نلزمه بالصيام، وأما كوننا لا نلزمه بالإسلام فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا بعث الدعاة إلى الإسلام يقول: أول ما تدعونهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن أجابوا فإقام الصلاة، فإن أجابوا فإيتاء الزكاة، فدل هذا على أنه لا يؤمر الإنسان بشرائع الإسلام إلا بعد الشهادتين بعد أن يسلم، وأما كون الكافر لا يقضي ما فاته؛ فلأن الله تعالى قال: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38] ونبينا صلى الله عليه وسلم كان لا يأمر أحداً أسلم أن يقضي ما فاته من صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاة.

    القدرة على الصيام

    الرابع: القدرة على الصيام، فمن لم يكن قادراً فإنه إما أن يكون عجزه دائماً، وإما أن يكون عجزه مرجو الزوال، فإن كان عجزه دائماً فدى عن كل يومٍ مسكيناً، بمعنى: أن يطعم عن كل يومٍ مسكيناً، كالكبير، والمريض بمرضٍ لا يرجى برؤه، فيطعم عن كل يومٍ مسكيناً، وكيفية الإطعام: إما أن يعطي كل واحدٍ مداً من الأرز ومعه لحمٌ يؤدمه، وإما أن يجمعهم جميعاً أو عشرة عشرة فيغديهم أو يعشيهم، كما كان أنس -رضي الله عنه- يفعل ذلك لما كبر.

    أما من يرجو زوال عجزه فإنه ينتظر حتى يزول عجزه ثم يقضي، لقول الله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185].

    الإقامة

    الخامس: الإقامة وضدها السفر، فالمسافر لا يلزمه الصوم، له أن يفطر وإن لم يجد مشقة، لكنه يقضي لقوله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] والأفضل له أن يصوم إلا إذا كان فيه شيءٌ من المشقة فالأفضل أن يفطر.

    الخلو من الموانع

    السادس: الخلو من الموانع، ونعني بذلك: الحيض والنفاس، بمعنى: أنه لا يلزم الحائض أن تصوم ولا النفساء، بل لو صامتا كان حراماً عليهما وكان فاسداً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحائض مقرراً حكمها: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قال النساء: بلى).

    فهذه شروط وجوب أداء الصيام.

    1.   

    مفطرات الصيام

    الأكل والشرب والجماع

    أما عن ماذا يصوم؛ لأن الصيام هو الإمساك فعن ماذا يمسك؟ يمسك عن المفطرات التي ثبت أنها مفطرة فمما ثبت أنه مفطر: الأكل، والشرب، والجماع، وهذه الثلاثة ذكرت في الكتاب العزيز، قال الله تعالى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] الجماع في قوله: (فالآن باشروهن) الأكل: (كلوا) والشرب: (واشربوا) حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187] هذه ثلاثة.

    ما كان بمعنى الأكل و الشرب

    الرابع: ما كان بمعنى الأكل والشرب؛ كالإبر المغذية، ومعنى قولنا: المغذية أنه يستغنى بها عن الأكل والشرب، وأما الإبر التي للتداوي أو للتقوية أو لغير ذلك من الأمراض لكنها لا تغني عن الأكل والشرب فهذه لا تفطر، سواء أخذها الإنسان في العضلات أو في الوريد أو في أي محل.

    إنزال المني بشهوة

    الخامس: إنزال المني بشهوة (بفعل) أن ينـزل الإنسان المني بشهوة أي: بفعله، سواء كان بالمباشرة أو تقبيل أو غير ذلك، وهذا ليس محل اتفاق بين العلماء، بعض العلماء يقول: إنه لا يفطر؛ لأنه ليس فيه دليلٌ صريح، والأصل صحة الصوم وعدم نقضه إلا بدليلٍ صريح.

    لكن يمكن أن يقال: إن الدليل هو قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه عن الله تعالى أن الله قال في الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) فإن المني شهوة، ولهذا لا يسمى التلذذ بالجماع إلا بالإنزال، ويدل لهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وفي بضع أحدكم صدقة -يعني جماع امرأته فيه صدقة- قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: نعم، أرأيتم إن وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) وهذا هو رأي جمهور العلماء: أنه يفطر بالإنزال بشهوة إذا كان بفعله، ولا شك أن هذا أحوط، وأنه لا يحل لإنسان وهو صائم صوماً واجباً أن يفعل ذلك، أي: أن ينزل بشهوة بفعله، وأنه إذا فعل فليقض.

    وقولنا: نزول المني بشهوة احترازاً مما لو أصيب الإنسان بمرض وصار المني ينزل منه، أو سقط من جدار ومع السقطة نزل المني فهذا لا يفطر.

    وقولنا: بفعله، احترازاً مما لو فكر الإنسان للجماع فأنزل؛ فإنه لا يفطر بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم)، لكن لو كان عند التفكير حرك ذكره فأنزل بهذا التحريك فإنه يفطر أو لا يفطر؟ يفطر؛ لأن هذا بفعله فهو استنماء في الواقع.

    خروج الدم بالحجامة

    السادس: خروج الدم بالحجامة، يعني: إذا حجم الإنسان فخرج منه دم فإنه يفطر ويفسد صومه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) وقد صحح هذا الحديث الإمام أحمد وهو أحد أئمة الحديث والفقه، بل وإمام أهل السنة رحمه الله، فلورعه وعلمه بالحديث وفقهه يطمئن الإنسان إلى هذا القول، أي: إلى أن خروج الدم بالحجامة مفسد للصوم، لكن إذا قال قائل: إفساد صوم المحجوم ظاهر؛ لأنه أخرج الدم الذي يوجب ضعف البدن وانحلاله واحتياجه للأكل والشرب، لكن ما بال الحاجم؟

    الجواب: أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) لحاجمٍ معروف معتاد حجمه في ذلك الوقت، وكانوا في ذلك الوقت يحجمون بالقوارير التي فيها الأنابيب الصغيرة يمصها الحاجم حتى يصل الدم إلى هذا الأنبوب ويعلم أنه بدأ يلتقط الدم.

    قال شيخ الإسلام رحمه الله: لأنه ربما مع جذبه الدم يصل إلى معدته شيءٌ منه وهو لا يشعر به، ولهذا قال: (أفطر الحاجم والمحجوم).

    فعلى هذا: إذا حجم وظهر دم من الذي يفطر؟ الحاجم وحده أو المحجوم وحده؟ كلاهما يفطران الحاجم والمحجوم.

    وبناءً على ذلك: إذا كان الصوم واجباً كرمضان، وقضائه، والكفارة، والفدية، وما أشبه ذلك هل يجوز أن يحتجم أو لا؟

    الجواب: لا، لا يجوز أن يحتجم لأن إفساد الواجب حرام إلا إذا اضطر إلى ذلك وصار يأتيه غشية من هيجان الدم واحتاج إلى أن يحتجم فهنا نقول: احتجم وأفطر: كل واشرب.

    خروج القيء عمداً

    السابع: خروج القيء إذا تعمده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فليقض) فإذا استقاء الإنسان وأخرج ما في معدته من الطعام أفطر لهذا الحديث، وهو حديثٌ صحيح.

    ولكن قد يقول قائل: هذا عكس الأكل والشرب؛ الأكل والشرب يوصل الطعام والشرب إلى المعدة وهذا أيش هو؟ يخرج الطعام والشراب من المعدة، فكيف يكون مفطراً؟

    فجوابنا على هذا من وجهين:

    الوجه الأول: أن هذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا حكم الرسول عليه الصلاة والسلام بشيء فهو كحكم الله، لقوله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، وإذا كان هذا حكم الله ورسوله فشأن المؤمن أن يقول: سمعنا وأطعنا، قال الله تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:51-52]، وقال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36] هذا جواب، أن نقول: هذا حكم رسول الله، وحكم رسول الله كحكم الله وليس لنا أن نخرج عنه.

    الجواب الثاني أن يقال: خروج الطعام من المعدة يوجب ضعف البدن وانحلاله فهو كخروج الدم بالحجامة وعلى هذا فالتفطير بالحجامة كالتفطير بالقيء، يساند بعضهما بعضاً، فنقول لمن كان صومه واجباً: لا تتقيأ حرامٌ عليك، فإن اضطررت إلى ذلك فتقيأ وأفطر وكل واشرب من أجل أن ترد إلى البدن قوته ونشاطه.

    الثامن: خروج دم الحيض، فإذا خرج دم الحيض ولو قبل الغروب بدقيقة واحدة فسد الصوم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟) وأجمع العلماء على أن الحائض لا يصح صومها.

    أما لو خرج دم الحيض بعد الغروب ولو بدقيقة فالصيام صحيح؛ لأن الأحكام تتعلق بخروج الدم لا بالإحساس به بدون خروج.

    خروج دم الحيض والنفاس

    التاسع: خروج دم النفاس، فإذا خرج دم النفاس من المرأة قبل الغروب ولو بدقيقة واحدة فصومها فاسد، وإن كان بعد الغروب ولو بدقيقة واحدة فصومها صحيح.

    هذه هي المفطرات، فتبين الآن أن المفطرات منها ما هو اختياري ومنها ما هو بغير اختيار، فما هو الاختياري؟

    السبعة الأولى التي ذكرناها هذه اختياري.

    وأما ما ليس اختيارياً فهو: الحيض والنفاس.

    1.   

    المفطرات التي تفسد الصوم

    المفطرات الاختيارية لا تفسد الصوم إلا بشروط:

    الشرط الأول: العلم.

    الشرط الثاني: الذكر.

    الشرط الثالث: القصد.

    الشرط الرابع: الاختيار.

    العلم

    أما العلم فضده الجهل، فإذا تناول الإنسان شيئاً من هذه المفطرات جاهلاً فصيامه صحيح، فلو أكل يظن أن الفجر لم يظهر ثم تبين أنه قد طلع فالصيام صحيح، ولو كانت السماء غيماً فظن الشمس قد غربت فأكل ثم طلعت الشمس فالصوم صحيح، الدليل على هذا: قول الله تبارك وتعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] فقال الله: قد فعلت. وهذا لا شك أنه مخطئ؛ لأننا نعلم أنه لو علم أن النهار باقٍ ما أكل ولا شرب.

    ودليلٌ آخر في نفس الموضوع: ما أخرجه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (أفطرنا في يوم غيمٍ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) ولم يؤمروا بقضاء، فإذا كان الصحابة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام أفطروا في يوم الغيم ظناً منهم أن الشمس قد غربت، ثم تبين أنها لم تغرب ولم يأمرهم بالقضاء، علم أنه لا قضاء على شخصٍ جاهل.

    الذكر

    الثاني: الذكر وضده النسيان، فلو أكل الإنسان أو شرب ناسياً فلا شيء عليه، لقول الله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] فقال الله تعالى: قد فعلت. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في خصوص هذه المسألة: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)، ولكن يجب إذا زال العذر أن يتوقف، فإذا علم وجب عليه الإمساك، وإذا ذكر وجب عليه الإمساك، حتى لو كانت اللقمة في فمه أو جرعة ماء في فمه وجب عليه أن يلفظها، فمثلاً: إذا أكل يظن الشمس قد غربت وإذا هو يشاهدها، نقول: أمسك حتى لو كانت اللقمة في فمك أو التمرة في فمك أخرجها؛ لأنه زال العذر.

    القصد

    الثالث من الشروط: القصد، يعني: أنه لو حصل شيء مفطر بغير قصد فإنه لا يضر، فلو تمضمض الإنسان في الوضوء ثم نزل شيءٌ من الماء إلى بطنه، فهذا لا يفطر؛ لأننا لو سألنا هذا المتوضئ: أتمضمضت لينـزل الماء إلى بطنك؟

    لقال: لا. إذاً: هو لم يقصد فصيامه صحيح.

    ولو فرض أنه في مكانٍ فيه دخان أو غبار وثار الغبار أو الدخان حتى استنشقه وصل المعدة فإنه لا يفطر، ولهذا نقول: يجوز للصائم أن يتبخر، العامة يقولون: الصائم ما يتبخر، هذا ما هو صحيح، له أن يتبخر لكن لا يستنشق البخور، حتى لو فرض أنه أخذ المبخرة ووضعها تحت ذقنه ثم ضم إليها الغترة فلا بأس؛ لأن هذا لم يقصد إدخال الدخان إلى بطنه، لكن لا يستنشقه، هذا القصد.

    إنسان أيضاً جذب البنـزين بخرطوم الماء وكان من قبل لا توجد محطات كثيرة فيأخذون البنـزين في البراميل، ثم يضعون الخرطوم في البرميل ثم يجذبه السائق من أجل أن يعبئه في السيارة، أحياناً بل كثيراً ما ينزل شيء من البنزين إلى بطنه، فإذا كان صائماً هل يفسد صومه؟ لا يفسد صومه؛ لأنه بغير قصد.

    الاختيار

    الرابع: الاختيار، بأن يكون الإنسان فاعل هذه المفطرات باختياره، وضده الإكراه، فلو أكره الرجل زوجته على الجماع فجامعها وهي صائمة ولا تستطيع أن تتخلص منه فإن صومها صحيح وليس عليها شيء لا في رمضان ولا في غير رمضان، ولكن هل يجوز للزوج أن يفسد صومها أو يجبرها؟ فيه تفصيل:

    إن كان في رمضان فلا يجوز، ولكن كيف يجوز للزوج أن يطأ وهي لا يجوز أن توطأ؟

    صورة ذلك: أن رجلاً مسافراً وكان مفطراً في سفره، ثم قدم البلد وهو على إفطاره فهذا له أن يأكل ويشرب حتى تغيب الشمس؛ لأنه لا يلزمه الإمساك على القول الراجح، حينئذٍ يكون الزوج يحل له الفطر ومنه الجماع، لكن الزوجة صائمة لا يحل له أن يفسد صومها.

    كذلك إذا كانت تقضي قضاء رمضان، وقد شرعت في القضاء بإذنه فإنه لا يحل له أن يفسد صومها بالجماع؛ لأنه قد أذن لها.

    وكذلك إذا صامت نفلاً بإذنه، فإنه لا يحل له أن يفسد صومها؛ لأنه أذن لها.

    ولكن في هذه الحال وهي صائمة صيام نفل بإذنه لو طلب منها أن تأتي للفراش فهل الأفضل أن تستمر في الصوم وتمتنع أو أن تجيب الزوج؟

    الثاني أفضل: أن تجيب الزوج؛ لأن إجابتها الزوج من باب المفروضات في الأصل، والصوم تطوع من باب المستحبات، ولأنه ربما لو أبت مع شدة رغبته، ربما يكون في قلبه شيءٌ عليها فتسوء العشرة بسبب ذلك.

    كذلك لو بقي من قضاء رمضان من شعبان بقدر الأيام التي عليها وشرعت في الصوم ولو بغير إذنه، فإنه لا يجوز له أن يفسد صومها؛ لأن صومها القضاء قبل دخول رمضان الثاني أمرٌ واجب.

    هذا ما يتعلق بالصيام والمفطرات.

    أما آداب كثيرة في الصيام والحرص على الطاعة والذكر وقراءة القرآن وغيرها فهذا أمرٌ لا يتسع المقام لذكره.

    1.   

    الحث على قيام رمضان والسنة المشروعة فيه

    أما بالنسبة لقيام رمضان، وهو ما يسمى عندنا بالتراويح، وسمي تراويح؛ لأن السلف رحمهم الله ليسوا يصلون قيام رمضان كصلاتنا الآن بل يطيلونها إطالة تامة، فإذا صلوا أربع ركعات -يعني: تسليمتين- توقفوا واستراحوا، ثم استأنفوا الصلاة فيصلون أربعاً ثم يستريحون، ثم يستأنفون الصلاة فيصلون ثلاثاً، لكن على ركعتين ركعتين، فعلى هذا ينبغي لنا أن نحرص على هذا القيام ابتغاءً لثواب الله، وتأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    والسنة أن تصلى جماعةً في المساجد؛ لأن هذا فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، صلى بهم ثلاثة ليال ثم تأخر وقال: (إني خشيت أن تفرض عليَّ) وخشية الفريضة الآن غير واردة؛ لأنه انتهى زمن التشريع فليست واردة.

    وينبغي للإمام ألا يزيد على ثلاث عشرة ركعة، إما إحدى عشرة وإما ثلاث عشرة، ولا يجوز له أن يقرن بين الركعات، يعني بمعنى: أن يصلي أربعاً جميعاً وأربعاً جميعاً؛ لأن هذا ليس من السنة، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى)، ثم إنه قد يشق على الناس إذا جمع أربع ركعات جميعاً يشق على الناس بماذا؟ قد يكون بعض الناس محصوراً يحتاج إلى قضاء الحاجة، أو مشغولاً بشغلٍ ضروري، أو ما أشبه ذلك، فيكون هذا من جنس فعل معاذ -رضي الله عنه- حينما أطال بقومه في صلاة العشاء، فنهاه الرسول عليه الصلاة والسلام.

    لكن قد يقول قائل: ما تقولون في حديث عائشة : (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً)؟نقول: هي حكت عدد القيام أنه إحدى عشرة، ثم فصلت فقالت: أربع وأربع وثلاث، ومعنى ذلك: أنه إذا صلى أربعاً توقف، ثم صلى أربعاً، هذا هو المتعين، ولا يمكن أن يحمل على أنها أربع مسرودة لوجهين:

    الوجه الأول: أن هذا الإجمال الذي حصل في حديث عائشة فصل من عائشة رضي الله عنها نفسها: (أنه كان يصلي ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ثلاث).

    ثانياً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه قال: (صلاة الليل مثنى مثنى) ومن فهم من بعض الناس أنه يجمع الأربع فقد فهم خطأً، ولم يجمع بين النصوص.

    كذلك أيضاً: لا نرى أنه لا يجوز للإنسان أن يوتر بسبع أو تسع سرداً في التراويح؛ لأن بعض الناس قال: أنا أوتر خمساً جميعاً أو تسعاً جميعاً لأعلم الناس السنة، فيقال: أأنت أحرص على إبلاغ السنة والشريعة من رسول الله؟

    الجواب قطعاً: لا، هل قام الرسول بالناس على هذا الوجه؟

    لا، إنما أوتر بنفسه في بيته، أوتر بخمس ولم يسلم إلا في آخرها، وبسبع لم يسلم إلا في آخرها، وبتسع لم يسلم إلا في آخرها، ما صلى بالناس على هذا.

    والإنسان الذي يصلي بالناس يجب أن يراعي أحوال الناس، أرأيتم رجلاً جاء ليصلي في المسجد وصلى بهم تسعاً جميعاً ماذا يكون؟

    مشقة على الناس، قد يحدث لإنسان أنه يحتاج إلى الخلاء، وقد يدخل إنسان على أنها ركعتين يريد أن يصلي ركعتين أو أربع ركعات وينصرف إلى البيت لحاجة، ثم إذا دخل الآن ماذا ينوي؟

    لأن هذه الخمس أو السبع أو التسع ستكون وتراً أو قياماً؟ وتراً، ماذا ينوي الداخل؟ الداخل سينوي أنها تهجد قيام؛ لأنه لا يدري عن الإمام، فتختلف النية وحينئذٍ سيتعب هذا الداخل ثم في التالي نقول: إنك لم توتر؛ لأنك ما نويت الوتر.

    فلهذا يجب على الأئمة أن يراعوا أحوال الناس، وأن يضموا السنة بعضها إلى بعض حتى يتبين الأمر.

    ثم إذا قال: أنا أريد أن أعلم الناس السنة، نقول: جزاك الله خيراً أبلغ الناس السنة بالقول، قل: إن الرسول يوتر بخمسٍ جميعاً، وسبعٍ جميعاً، وتسعٍ جميعاً، أُعْلِم الناس بهذا اللفظ، وأما أن تقول: أُعْلِمُهم بشيء يشق عليهم، وليس فعله من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام، فهذا غلط.

    لذلك أحث إخواني الأئمة وكذلك غير الأئمة: أن يحثوا الناس على هذه التراويح، وأحث الأئمة على أن يصلوا التراويح صلاةً مطمئنة ليس فيها سرعة ولا عجلة؛ لأن الله تعالى يقول: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2] لم يقل: أيكم أسرع عملاً، والناس في رمضان يحبون أن يطمئنوا كثيراً في الركوع والسجود والتشهد، الآن كثيرٌ من الأئمة حسب ما نسمع في الركوع يسبح ثلاثاً بسرعة، والمأموم يقول الإمام: سمع الله لمن حمده قبل أن يسبح مرة واحدة؛ لأن المأموم سوف يشرع في الركوع بعد وصول الإمام إلى الركوع، فيقوم الإمام قبل أن يقوم المأموم من ركوعه كيف هذا؟!

    كذلك في التشهد ما أن يصل الناس إلى قولهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا ويسلم الإمام، أعوذ بالله دع الناس يكملوا الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام على حسب ما علمهم الرسول؛ الرسول علمهم كيف يصلون عليه، ماذا قال لما قالوا: كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد).

    ثم إنه أمر أمته عليه الصلاة والسلام إذا تشهدوا التشهد الأخير أن يقولوا: (أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال).

    كثيرٌ من الأئمة مع الأسف في قيام رمضان لا يصلون إلا هذا الحد، فتجد المأموم يرتبك هل يسلم قبل أن يكمل التشهد أو يبقى يكمل التشهد وإذا بالإمام قد قرأ الفاتحة من التسليمة الثانية.

    فأرجو من إخواننا الأئمة أن يراعوا هذا.

    وأسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يدرك رمضان فيصومه إيماناً واحتساباً وأن يتقبل منا ومنكم.

    ولعل هذا المجلس يكون إن شاء الله فيه فائدة، والتفسير ليس وقته محدوداً حتى نقول: لابد منه، إن شاء الله تعالى نحن في مستقبل الأيام ونسأل الله أن يعيننا على الخير والطاعة.

    1.   

    الأسئلة

    إذا احتجم الحاجم بآلات منفصلة فإنه لا يفطر

    السؤال: فضيلة الشيخ: إذا حجم الحاجم بغير الأنبوب فما حكم صومه؟

    الجواب: إذا حجم الحاجم بغير الأنبوب يعني: بآلات منفصلة عن فمه فالمذهب أنه يفطر؛ لأنهم يرون أن الحجامة المفطرة على وجه التعبد لا على وجه القياس والنظر.

    واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا يفطر، بناءً على أن العلة معقولة، وإذا انتفت العلة انتفى الحكم، وهذا عندي أقرب من القول بأنه يفطر، فإذا كان هناك آلات يحتجم بها الناس بدون أن يمص القارورة، فإنه لا يفطر في ذلك، كما أنه لو أخرج الدم بالفصد أو التشريط أو لأجل أن يحجم في مريض يحتاج إلى دم فإنه يفطر على القول الراجح وإن لم يكن حجامة.

    أحاديث فضل رجب وشعبان في الميزان

    السؤال: فضيلة الشيخ: هل هناك أحاديث صحيحة ثابتة في فضل كل من شهر رجب وشعبان وفضل الصوم فيهما؟

    الجواب: لا. لم يرد في فضل رجب حديثٌ صحيح، وأجود ما فيه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية أجود ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا دخل رجب: (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان) على أن الحديث هذا أيضاً متكلم فيه، وعلى هذا فلا يمتاز شهر رجب عن جمادى الآخرة الذي قبله إلا بأنه من الأشهر الحرم فقط، وإلا ليس فيه صيام مشروع، ولا صلاة مشروعة، ولا عمرة مشروعة ولا شيء، هو كغيره من الشهور.

    أما شعبان فنعم يمتاز عن غيره بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر صومه، بل كان يصومه كله إلا قليلاً، فينبغي الإكثار من الصيام في شعبان.

    النظر إلى الهلال مقدم على التقويم في الإمساك والإفطار

    السؤال: وقت الإمساك، معلوم أن الأذان على تقويم أم القرى ، البعض هل يفطر على التقويم أو يفظر على حسب غياب الشمس؟

    الجواب: لا النظر مقدم، مثلاً لو كان التقويم يقرر أن الشمس غربت وأنت ترى الشمس لا يجوز أن تؤذن ما دمت ترى الشمس، وهذا يقع كثيراً، يعني: شوهد أن التقويم قد قرر غروب الشمس، والذين في البر يقولون: ما غابت، فالنظر مقدم.

    لم يثبت دليل أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم

    السؤال: هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم؟

    الجواب: لا. ما ثبت أنه احتجم وهو صائم، ثبت أنه احتجم وهو محرم، فيه مثلاً تقرير قاعدة في هذه المسألة يعني: لو فرضنا أن الرسول ثبت أنه احتجم وهو صائم فلدينا أمران:

    احتجامه وهو صائم بناء على أن الأصل عدم الفطر بالحجامة، فإذا جاء دليل يدل على أن الحجامة مفطرة أخذنا به؛ لأن هذا الدليل الذي يدل على أن الحجامة مفطرة دليلٌ ناقلٌ عن الأصل، فيكون فيه زيادة علم، فيقال: أن نأخذ بما فيه زيادة علم، هذا أمر.

    الشيء الثاني: أن الرسول احتجم وهو صائم أي صيام كان؟ هل هو فريضة أو نافلة؟ إذا كان نافلة فلا توجد مشكلة؛ لأنه يحتجم ويفطر وليس به إشكال، وإن كان صيام الفريضة وكان محتاجاً إلى ذلك جاز أن يحتجم، فهذه قضية عين لا يمكن أن نجعلها معارضة للحديث القولي، بل إن بعض العلماء كـالشوكاني رحمه الله يرى أنه لا تعارض بين قوله صلى الله عليه وسلم وفعله؛ لأن فعله صلى الله عليه وسلم يحتمل الخصوصية فلا يعارض به القول العام.

    لكننا لا نوافقه على هذا، نقول: يجب الجمع بين قوله وفعله، لكن فعله يكون قضية عين له احتمالات فلا يعارض، والأصل عدم وجود الاحتمال.

    حكم الصيام والإفطار الجماعي

    السؤال: فضيلة الشيخ: ما حكم الصيام الجماعي والاتفاق على الإفطار سواء كان في رمضان أو الإثنين والخميس؟

    الجواب: لا. أهم شيء الاتفاق على الصيام، نحن نرى أن هذا مبدأ لم يكن عليه الصحابة أنهم يتواعدون أن يصوموا الإثنين والخميس وما أشبه ذلك، ويخشى أن تتطور المسألة حتى يرتقي إلى ما هو أشد، ثم نشبه أهل التصوف الذين يتفقون على ذكر معين يفعلونه جماعة، فلذلك يقال للشباب: من صام غداً فسيكون الإفطار عند فلان مثلاً، هذا لا بأس به، لكن الاتفاق على صوم يومٍ معين هذا ليس من هدي الصحابة، ثم كون الإنسان يعود نفسه أنه لا يصوم إلا إذا صام معه غيره هذا بعد مشكلة، فكون الإنسان يصوم من طوع نفسه سواء كان معه غيره أو لا، هذا هو الذي عليه السلف الصالح .

    وجوب الإمساك عن الأكل إذا علم طلوع الفجر

    السؤال: إذا قُدم للإنسان وجبة السحور فمجرد أن شرع في الأكل شرع المؤذن في الأذان، هل يقطع الأكل أو يأكل ما تيسر له؟

    الجواب: أما إذا كان المؤذن يقول: أنا لا أؤذن إلا إذا رأيت الفجر فإنه يجب قطعه من حين ما يسمع الأذان؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليلٍ فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر).

    أما إذا كان على التقويم فالتقويم عندنا فيه تقديم في الفجر خاصة، يعني: حوالي خمس دقائق، كما يعرف الإخوان بعض المؤذنين يؤذن على التوقيت وبعضهم يتأخر، فعلى كل حال الإنسان يجعل عنده ساعة مضبوطة يمكن أن يعرف طلوع الفجر بأن يضيف على التقويم خمس دقائق وحينئذٍ يمسك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755919177