إسلام ويب

سلسلة محاسن التأويل تفسير سورة الأنعام [31-32]للشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يبين الله تعالى في كتابه الكريم عظيم خسارة المكذبين بلقاء الله حين تقوم الساعة، وشدة ندامتهم على تفريطهم وما كسبوا من الذنوب وما حملوا من الأوزار على ظهورهم، وانشغالهم بلهو الدنيا ولعبهم عن خير الآخرة الذي أعده الله تعالى لعباده المتقين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله...)

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فقد كنا قد انتهينا في تفسير سورة الأنعام إلى قول الله جل وعلا: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ [الأنعام:30].

    ثم قال الله بعدها: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:31].

    إن التكذيب بلقاء الله ينجم عنه عدم استعداد للقائه، فيصاب الإنسان الكافر بالخسران؛ لأنه جاء له يوم لم يرقبه ولم يقدم له، قال الله: يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24].

    والآية زاخرة بالكثير من المعاني التي يمكن الإبحار فيها، ولكنها في الجملة تبين ندامة أهل الشرك يوم القيامة، وهذا ظاهر في هذه الآية وفي الآيات التي قبلها، وهو ظاهر في الآيات التي بعدها، ولهذا قد لا تحتاج إلى مزيد بيان لمعناها الإجمالي.

    و(قد) حرف تحقيق إذا جاء بعده الماضي اتفاقاً، ولكن الاختلاف فيما إذا جاء بعده المضارع، والصواب أن يقال: إذا كان الكلام عن الله فهي حرف تحقيق لا محالة في الماضي والمضارع، أما إذا كان عن غير الله فهي في الماضي للتحقيق وفي المضارع للظن.

    بيان المراد بالساعة

    يقول تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَة [الأنعام:31]، والساعة في اللغة: الوقت القصير المعين، وتطلق على موت الإنسان نفسه، وتسمى قيامة صغرى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات فقد قامت قيامته) ، وتطلق على اليوم الذي قدر الله فيه فناء الخلق، وتطلق كذلك على البعث والنشور، وهذه الأحوال الثلاثة -موت الإنسان، وفناء الناس، وبعثهم- من الغيبيات التي استأثر الله جل وعلا بها.

    والساعة لا تأتي إلا بغتة، قال تعالى: ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:187].

    يقول تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا [الأنعام:31]، أي: أهل الكفر يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا [الأنعام:31]، والحسرة: أشد الندامة.

    ذكر ما في الآية من حيث الصناعة النحوية

    وسنبحر هنا إيجازاً نحوياً وبلاغياً ولغوياً بقدر الإمكان.

    أما من حيث الصناعة النحوية فالياء: حرف نداء، والمنادى هو الحسرة، والتقدير: يا حسرة أحضري، أو يا حسرة هذا أوانك. وهذا قول سيبويه ، وتبعه أكثر الناس عليه.

    والعرب في النداء يأتون بحرف نداء، وقد يحذفونه ويقدرونه، ومن أحرفهم الشهيرة: الياء و(هيا) و(أي) و(الهمزة)، ثم إن المنادى يقسمونه في إعرابه وبنائه، فيجعلون منه المفرد، ويقصدون به ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف، مثل قول الله جل وعلا: يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا [هود:48]، وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35]، فهذا يسمونه منادى مفرداً، ولا يقصدون بالمفرد أنه لا ثاني له ولا جمع.

    ويجعلون منه المضاف، كما في الآية التي بين أيدينا: يَا حَسْرَتَنَا [الأنعام:31]، فكلمة (حسرة) مضافة إلى (نا) الدالة على الفاعلين.

    ويجعلون منه الشبيه بالمضاف، كقول الشاعر:

    أيا راكباً إما أعرضت فبلغن نداماي من نجران أن لا تلاقيا

    فقوله: (راكباً) نكرة غير مقصودة، ومنه قولك: يا راكباً إبلاً، أو يا طالعاً جبلاً، فهذا يسمونه شبيها بالمضاف.

    وإذا كانت النكرة محددة فإن النحاة يسمونها نكرة مقصودة، فيبنونها على الضم تشبيهاً لها بالمنادى المفرد، ومنه قول الله تعالى: قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]، فبنيت على الضم؛ لأن النكرة هنا نكرة مقصودة، وهي النار التي كانت قد أعدت لإحراق إبراهيم، ولو قال الله: (يا نارً) على العموم لأطفئت حينها كل نار، ولم تنفع.

    فهذا بيان في علم النحو، وينبغي لطالب العلم الناظر في القرآن السائر في ركب الفقهاء أن يكون على دراية بهذه الأمور.

    ذكر ما في الآية من حيث الصناعة البلاغية

    وهنا إشكال يجيب عنه البلاغيون، وهو أنه جرى في العادة أن الذي ينادى هو الذي يعقل، ليجيبك، والحسرة لا تعقل، ومع ذلك نوديت، فلا يقبل البلاغيون أن يقولوا: إن هذا على الحقيقة، بل يقولون: نوديت على المجاز، ويسمون ذلك مجازاً مرسلاً؛ لأن الحقيقة تدل على أن غير العاقل لا ينادى، فإذا نوديت مع الاتفاق على أنها غير عاقل كان ذلك من المجاز، وقد تقتنع بأن في القرآن مجازاً، وقد لا تقتنع بأن في القرآن مجازاً، ولكن الذي يعنيني هنا أن أبين لك الرأي وأنسبه إلى قائله، أما قناعتك بهذه الآراء فهذه مسألة أخرى.

    فهذا من حيث الصناعة البلاغية، وقد تكلمنا على الصناعة النحوية.

    ذكر ما في الآية من حيث الصناعة اللغوية

    وبقي هنا ذكر الصناعة اللغوية، فقد قلنا: إن الحسرة أشد الندامة، والندامة منها ندامة يوم، كمن خرج والنداء في بيته غداء فقال: سأمر في الطريق على زيد أو عمرو وسأتغدى عنده، فلم يجد زيداً ولا عمراًن فهذا يندم يوماً كاملاً؛ لأنه لن يتغدى إلا في اليوم التالي، فهذه ندامة يوم.

    وهناك ندامة عام، ويضربون لها مثلاً فيقولون: غالب الزروع لها مواسم فيها تزرع ومواسم فيها تحصد، فيزرعون في وقت معين ويحصدون في وقت معين، ولذلك تجد المزارعين يطرأ عليهم الكدح والتعب والنصب وهم يزرعون، فتكون أيام الحصاد بالنسبة لهم أيام عيد؛ لأنهم يجنون فيها ثمرة جهدهم، وهي صورة للحياة الدنيا والآخرة تماماً:

    أنا لست أنسى قرية السمراء في عيد الحصاد

    والسنبل المتجمد الشرقي يحلم بالرقاد

    وخطى الكماة الكادحين تروح تضرب في ...

    هي ذكريات لم تزل محفورة في خاطري

    هي ذكريات لم تزل تسقي خريف الشاعر

    يا واحة العمر الجديد على الطريق الساحلي

    أنا عائد يوماً إليك مع الربيع الزاخر

    في نسمة الشمس الوضيئة في النسيم العابر

    في لهفة خفقت بها روح المحب الذاكر

    فالذي لم يقدر له أن يزرع إذا جاء الناس يحصدون سيشعر بالندامة، فعليه أن ينتظر عاماً كاملاً حتى يلحق بركب الحاصدين.

    وهناك ندامة عمر، وهي في حق من تزوج امرأة لا تلائمه، فما يزال يشتكي منها ولا يجرؤ على طلاقها والفكاك منها، فيبقى نادماً، فهذه ثلاث ندامات وكلها هينة لينة؛ لأنها تدور في فلك التعويض، والندامة الحقيقية هي ندامة الكافر والفاسق، وإذا لقيا الله جل وعلا، وهي المقصودة بالآية: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا [الأنعام:31]، أي: يا أشد ندامتنا.

    والعرب قد تسمي الشيء بأشده، فأشد الجزع يسمونه هلعاً، قال الله: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج:19]، فالهلع اشد الجزع، كما أن الحسرة أشد الندامة، والحس: أشد القتل، قال الله: إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ [آل عمران:152]، يعني: تقتلونهم قتلاً شديداً بإذنه، والنصب: أشد التعب، قال تعالى عن موسى عليه السلام: لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا [الكهف:62].

    بيان معنى قوله تعالى (وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم)

    قال تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا [الأنعام:31] أي: قصرنا فيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ [الأنعام:31]، والمقصود بالأوزار الذنوب اتفاقاً، وعبر الله عنها بأنها تحمل على الظهر لأن العرب تسند كل شيء من الأفعال إلى بعض الجوارح، فالكسب يسندونه إلى اليد، كما قال تعالى: فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30]، والحمل يسندونه إلى الظهر، ولهذا قال الله: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ [الأنعام:31]، فإذا كان مكشوفاً قيل له: حمل بكسر الحاء، وإذا كان مخفياً قيل له: حَمل بفتح الحاء، فالجنين في بطن أمه لا يرى، فيقال له: حمل؛ لأنه شيء مخفي، والرطب إذا كان في أكمامه يقال له: حمل؛ لأنه لا يرى، فإذا كان الحمل ظاهراً يقال له: (حِمل)، ومنه قوله تعالى: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ [يوسف:72]؛ لأنه شيء ظاهر على متن الدابة.

    بيان معنى قوله تعالى (ألا ساء ما يزرون)

    نعود فنقول: قال الله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:31]، ويقال للوزير: (وزير)؛ لأنه يتحمل أعباء عن كاهل الملك؛ إذ لم يكن للملوك قديماً إلا وزير واحد، والله جل وعلا يقول عن موسى: وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي [طه:29]، وفي الحضارة المعاصرة الوزراء، ولكن في عهد بني العباس وفي عهد العثمانيين وما قبلهم من الدول ما كان للملك إلا وزير واحد، وكما كان هارون وزيراً لموسى كان هامان وزيراً لفرعون.

    وهؤلاء الوزراء على النمط القديم كانوا مطلعين اطلاعاً كثيراً على شخصية الملك، وهم أعرف الناس بالملك، ولهذا جاء في المثل الدارج: (على هامان يا فرعون) يقولون: أصله أن فرعون كان يكذب على الناس فيزعم أنه إله، فكلما طلب منه أحد طلباً قال: دعني حتى أخلقه لك، دعني حتى أصنعه لك، فذات طلب هامان وزيره منه طلباً، فنسي فرعون فقال له كما يقول للعامة: انتظر حتى أخلقه لك، فقال له هامان : على هامان يا فرعون؟! يعني: هذا المنوال في الحديث لا ينفع معي؛ لأنك بالنسبة لي شخص مكشوف.

    وهذا يقودنا إلى قضية، وهي أن خديجة رضي الله تعالى عنها كان سبب إيمانها أنها من أعلم الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام كان الله قد اصطنعه لنفسه قبل أن يبعثه، ففي الحديث: (إني عند الله لخاتم النبيين وإن آدم لمجندل في طينته)، فكان عليه الصلاة والسلام عظيم الخلق قبل أن يبعث، وخديجة رضي الله تعالى عنها وأرضاها كانت ترى هذه العظمة قبل النبوة، فلما جاءها وقال: إنني رأيت ملكاً فقال لي: إنني نبي، وحدثها بالقرآن الذي أنزل عليه لم تتعجب ولم تستغرب، بل قالت: والله لن يخزيك الله أبداً. ولكن الإنسان إذا كان -والعياذ بالله- بين خاصته وأهله وذويه له شأن، وله مع العامة شأن آخر فلا يمكن أن يكون يوماً من الأيام شخصاً مرضياً عند الله، فقد يغلب الناس بطريقة، ولكنه لا يستطيع أن يغلب ربه؛ لأن الله غالب وليس بمغلوب.

    وكون الإنسان لا يتحرج أمام خاصته في بعض ألفاظه أو عباراته أو حديثه وينزع الكلفة هو مما لا حرج فيه، ولا علاقة له بالعامة والخاصة، ولكن العبرة بالمبادئ والقيم التي يحملها المرء في نفسه، فمن كان يحمل مبادئاً وقيماً يصنعها في السراء كما يصنعها في الضراء، ويؤمن بها في السر كما يؤمن بها في العلانية كان من الذين يستحقون أن يقودوا الركب ويحتلوا المناصب العليا في الأمة، وقد تلقى النبي صلى الله عليه وسلم مبادئه وقيمه التي يحملها عليه من ربه، وهي دين قبل أن تسمى مبادئاً وقيماً، وكان عليه الصلاة والسلام يصنعها في الملأ كما يصنعها في الخلاء، وقد قال: (وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) ، وقوله عليه الصلاة والسلام: (فاطمة بنت محمد) يقطع الطريق على كل أحد يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بدين يطبق على قوم ولا يطبق على آخرين.

    قال الله تعالى: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:31]، هذا تبيين لعظمة وشناعة الأمر الذي تقلدوه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو...)

    وقد ذكر الله جل وعلا عن أهل الكفر أنهم قالوا لا بعث ولا نشور، وهنا يبين الله جل وعلا لهم المعنى الحقيقي للحياة، فيقول الله جل وعلا: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ [الأنعام:32]، واللعب: ما يشتغل به المرء ويعلم أنه لا عاقبة له، كلعب الصبيان، فالصبيان يلعبون وهم يعلمون أنه ليس وراء هذا عاقبة، أما اللهو فهو الاشتغال بما لا ينفع عما ينفع، وهما متقاربان، ولكن اللهو -فيما يبدو- أعم، فبين الله جل وعلا أن الدنيا لعب ولهو، ثم قال سبحانه: وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ [الأنعام:32]، واللام هنا تشعر أن هناك قسماً، أي: وعزتي وجلالي إن الدار الحقيقية هي الدار الآخرة، ولكن الله قيد فقال: خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ [الأنعام:32]؛ لأن الحياة الآخرة وإن كانت في حق الكفار موجودة ليست خيراً لهم، فمقامهم في الدنيا أفضل من مقامهم في الآخرة؛ لأنه ليس لهم في الآخرة إلا النار ولهذا جاء التقييد، وينبغي أن تعلم أن ما أطلقه الله لا يقيد إلا بالسنة، وما قيده الله لا يمكن لأحد أن يطلقه، فهنا قيد الله فقال تعالى: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنعام:32] والهمزة في قوله: أفلا تعقلون همزة استفهام، والاستفهام هنا للإنكار.

    وقد اختلف العلماء في قوله تعالى: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ [الأنعام:32]، فهل الآية عامة أو خاصة؟

    فللعلماء فيها أقوال، أظهرها أنها للكافر لعب ولهو، ولا توصف حياة المؤمن بأنها لعب ولهو، بل هي مزرعة لآخرته، فيقول العلماء: إن منطوق القرآن في آيات عدة يبين أن المقصود هنا حياة الكفار الذي لم يعرف ربه، أما المؤمن فما حياته الدنيا إلا مزرعة لآخرته وعون له على لقاء الله، فلم تخلق لتعمرها ولكن لتعبرها، فجد لما خلقت وسل من ربك التوفيق فيها:

    وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا

    هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده، وأعان العلي الكبير على قوله.

    وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756661904