وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فها نحن مع هذه الآيات من سورة الزخرف المكية، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ * سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ * وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ * وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [الزخرف:81-85].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [الزخرف:81] من القائل: (قل)؟ الله، من المأمور بأن يقول؟ محمد رسول الله، هذا معنى لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
الله يأمر فيقول لرسوله: قل، والرسول مأمور فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا بعض آية تقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
وهل يعقل أن يوجد كلام بدون متكلم؟ مستحيل، فمن القائل: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ [الزخرف:81]؟ الله، من هو الرحمن؟ هو الله جل جلاله وعظم سلطانه، رحمته تتجلى في الكون كله حتى في الدجاجة وهي تعلم أفراخها كيف تنقر الحب، هذا هو الرحمن الرحيم.
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين الكافرين الذين ينسبون لله الولد والعياذ بالله، قل لهم: إن كان للرحمن ولداً فأنا أول من يعبد هذا الولد إذا أمرني الله بعبادته، أو إن كان للرحمن ولد فأنا أول من يعبد الرحمن ولو كان له ولد، وحاشاه تعالى أن يكون له ولد وهو الخالق لكل شيء من الذرة إلى المجرة، فهل يحتاج إلى زوجة؟ هل يحتاج إلى ولد؟ أين عقول البشر؟ كيف تمسخ؟ بمسخ الشياطين لها.
كيف ينسب إلى الله الولد؟ فتنسب إليه الزوجة إذاً، فأصبح مثل الخلق، فمن خلق الخلق -إذاً- إذا كان الله مثلهم؟
فهكذا قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ [الزخرف:81] يا رسولنا مبلغاً عنا إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ [الزخرف:81] جل جلاله وعظم سلطانه وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [الزخرف:81]، أنا أعبد الله وإن كان له ولد، أو أعبد ذلك الولد وإن كان لله، فأبطل دعواهم ومسحها.
قال تعالى من سورة البقرة من آية الكرسي: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255]، لو أخذنا السماوات السبع وألصقنا كل سماء بسماء حتى أصبحت فراشاً واحداً وفعلنا بالأرضين السبع كذلك فوالله! إن كرسي الرحمن لأوسع من هذا، ونسبة الكرسي إلى العرش -كما يقول ابن عباس - كحلقة ملقاة في أرض فلاة، أي: في صحراء، هذا هو الله، فهل هذا يتخذ ولداً؟ هل يتخذ شريكاً؟ هل يدعى معه غيره؟ هل يعبد معه سواه وهو الذي بيده كل شيء وإليه مصير كل شيء؟
سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ [الزخرف:82] سبحانه، تقدس وتنزه وتباعد عما يصفونه به من كونه له شريك أو له ولد.
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا [الزخرف:83] إلى متى؟ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [الزخرف:83] اتركهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا اليوم الذي يهلكون فيه ويدمرون ويخسرون في الدنيا والآخرة.
دعا رسوله إلى الصبر والثبات؛ لأن هذه الأقاويل ما يطيقها العاقل أبداً، كيف يكون لله ولد؟ كيف تكون الملائكة بنات الله؟ هل لله زوجة؟ ما هذا؟ ويعبدون الملائكة ويعبدون عيسى والعزير لأنهم أولاد الله، فيا للعجب! نعوذ بالله.
فَذَرْهُمْ [الزخرف:83] يا رسولنا، اتركهم يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا [الزخرف:83] في الباطل، إلى متى؟ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [الزخرف:83] ما إن يموتوا حتى يدخلوا جهنم.
وَهُوَ [الزخرف:84] لا غيره الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ [الزخرف:84] أي: معبود، الإله المعبود، والألوهية: العبادة، وَفِي الأَرْضِ [الزخرف:84] كذلك، ثم بعد ذلك وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ [الزخرف:84] الحكيم الذي وضع كل شيء في موضعه، انظر فقط إلى الكواكب، انظر إلى الشمس والقمر، انظر إلى الشمس كيف تغيب، ومن أين توجد؟ انظر إلى نفسك، من وهبك سمعك؟ من وهبك بصرك؟ كيف تنطق؟ كيف تمشي؟ كيف تتحرك؟ من أوجد هذا؟
وهو في السماء معبود وفي الأرض معبود، وهو الحكيم العليم، حكمته لا يخلو منها شيء، وضع لنا عينين وأنفاً وشفتين لحكمة، أوجد لنا الخبز واللحم لحكم، والله! ما وجد في الكون شيء إلا لحكمة، ألا وهو الحكيم العليم الذي لا يخفى عنه شيء، العليم بكل شيء من الذرة إلى المجرة، في الملكوت كله، ما يخطر ببالنا وتتحدث به نفوسنا يعلمه، يعلم الظاهر والباطن، الغيب والحاضر، هذا هو الذي يجب أن يعبد أو لا؟ هذا الذي يجب أن نخافه أو لا؟ هذا الذي يجب أن نطمع فيه ونرهبه أو لا؟ أما أن نخاف من شجرة وحجرة وإنسان وشيطان ونحبه ونعبده فهذا ضلال عجب والعياذ بالله تعالى.
فهل أصنام وألعاب المشركين العابدين لها تسمع وتبصر؟ هل هي عليمة حكيمة تخلق وتوجد؟ هل عيسى يفعل ذلك؟ هل العزير وهل الملائكة يفعلون ذلك؟ فكيف يعبدون غير الله؟ فذرهم يا رسولنا واتركهم في خوضهم يلعبون حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون.
وَهُوَ [الزخرف:84] أي: الله الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ [الزخرف:84] معبود، المعبود إله، الأصنام آلهة يعبدونها، عيسى إله يعبدونه، العزير كذلك.. كل ما عبد يسمى إلهاً، ولكن المعبود الحق هو الله الإله الحق، ولهذا تقول: لا إله إلا الله، كل الآلهة باطلة مدعاة، والإله الحق هو الله عز وجل.
فالعجب من الذي يدعو غير الله، كيف تدعو من لا يسمعك ولا يراك ولا يقدر على أن يهبك أو يعطيك، ولا يقدر على أن يدفع عنك ما يضرك أبداً؟ كيف تدعوه؟ كيف تطرح بين يديه؟ كيف تسأله وتتقرب إليه؟ تقرب واسأل واعبد الله الذي له ملك السماوات والأرض، كل ذرة وكل كائن الله مالكه؛ لأنه خالقه، أليس هو خالق الكون؟ ومن خلق مَلَك، فأنت حين تبني الدار تكون دارك وأنت مالكها، فالذي أوجد الكون كله هو مالكه لا مالك غيره أبداً.
وَتَبَارَكَ [الزخرف:85] أي: تعاظم وتعالى جل جلاله وعظم سلطانه الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا [الزخرف:85] أي: بين السماوات والأرض أيضاً.
وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [الزخرف:85] علم الساعة عند من؟ هل عند أمريكا؟ هل عند الصين واليابان؟ هل عند السحرة والدجالين؟ والله! ما هي عند أحد إلا الله، وهذا من عجيب قدرته وعلمه وحكمته، لو كان الناس يعرفون متى الساعة فسيواصلون الفسق والفجور والباطل، ولو كانوا يعرفون أنها غداً فستنتهي الحياة ويقفون، فلا أكل ولا شرب ولا عمل، لكن الله استأثر بعلم الساعة.
وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [الزخرف:85] لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد صالح، والملائكة أنفسهم من حملة العرش ما يعرفون متى الساعة، استأثر الله بعلمها عنده.
وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [الزخرف:85] لا إلى غيره، والله! ما نرجع إلا إلى الله، لا نرجع أبداً إلا إلى الله، متى نرجع إلى الله؟ حين يقال: الشيخ مات، فمن ثم تؤخذ الروح إلى الله عز وجل إن كانت طيبة طاهرة، وإن كانت خبيثة منتنة ترد إلى أسفل سافلين، ويوم القيامة يرجعنا الله إليه كلنا في صعيد واحد، كل البشرية على أرض واحدة، والله تعالى أسأل أن يتوب علينا ويغفر لنا ويرحمنا.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: مشروعية التلطف في الخطاب والتنزل مع المخاطب لإقامة الحجة عليه، كقوله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سبأ:24]، وكما هنا: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ [الزخرف:81] من باب الفرض والتقدير فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [الزخرف:81]، ولكن لا ولد له فلا أعبد غيره سبحانه وتعالى ].
من هداية هذه الآيات: الأدب في المخاطبة بالأخلاق والهدوء والسكينة، حتى يعي المخاطب ويسمع ويقبل، لا بالعنف والشدة واللعن والسب والشتم، فماذا قال تعالى لرسوله؟ قُلْ [الزخرف:81] لهم يا رسولنا: إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [الزخرف:81] ماذا تريدون؟ ما سبهم ولا شتمهم، قال: أنتم تدعون أن لله ولداً، والله ينفي هذا، ليس له ولد، فإن كان له ولد فأنا أول من يعبده، فاعبدوا الله إذاً!
[ ثانياً: تهديد المشركين بعذاب يوم القيامة ]، فماذا قال تعالى؟
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا [الزخرف:83] إلى متى؟ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [الزخرف:83] يوم العذاب، وهذا تهديد، اتركهم يا رسولنا في خوضهم ولعبهم؛ حتى يلاقوا العذاب ويشاهدوه.
[ ثالثاً: إقامة البراهين على بطلان نسبة الولد إلى الله تعالى ].
إقامة الحجج والبراهين والأدلة على أنه ليس لله ولد، من ذلك: أن له ما في السماوات وما في الأرض، فهل هذا يحتاج إلى ولد؟
الذي يملك كل كائن وموجود في السماوات والأرض هل يحتاج إلى زوجة حتى تلد له ولداً ويقال: عيسى ابن الله، أو العزير ابن الله، أو الملائكة بنات الله؟
هذا -والله- لمن تزيين الشياطين وتحسينها للباطل ليهلك الآدميون مع إبليس ويدخلوا جهنم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر