وكذلك مر بنا أيضاً في مبطلات التيمم الخلاف في بطلان التيمم بخروج الوقت، والاحتياط أن يتيمم لكل صلاة، كذلك من عدم الماء والتراب ذكروا أنه يصلي على حسب حاله، ويقتصر على المجزئ، يعني: لا يقرأ زيادة على الفاتحة، ولا يسبح أكثر من واحدة، ولا يقرأ في غير الصلاة إذا كان جنباً، وأن الصحيح أنه مثل غيره؛ لأنه يفعل ما يستطيعه.
كذلك تكلموا على طين الشوارع، والصحيح أنه إذا تحقق أنه نجس كالمياه التي تتسرب من البيارات ونحوها فإنه نجس، وإلا فالأصل الطهارة.
وأن المستحاضة لها ثلاث حالات:
الأولى: أن ترجع إلى عادتها، الثانية: فإن لم يكن لها عادة فالتمييز، وهو التفريق بين دم الحيض ودم الاستحاضة، الثالثة: فإن لم يكن لها عادة ولا تمييز فإنها تجلس غالب الحيض من كل شهر، أي: ستاً أو سبعاً.
هذه أهم المسائل الخلافية في هذه الأبواب.. والله أعلم.
والحمد لله ربه العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
تجب الخمس على كل مسلم مكلف، إلا حائضاً ونفساء، ولا تصح من مجنون ولا صغير غير مميز، وعلى وليه أمره بها لسبع، وضربه على تركها لعشر، ويحرم تأخيرها إلى وقت الضرورة إلا ممن له جمع بنيته، ومشتغل بشرط لها يحصل قريباً، وجاحدها كافر.
فصل: الأذان والإقامة فرضا كفاية على الرجال الأحرار المقيمين للخمس المؤداة والجمعة، ولا يصح إلا مرتباً متوالياً منوياً من ذكر مميز عدل ولو ظاهراً، وبعد الوقت لغير فجر، وسن كونه صيتاً أميناً عالماً بالوقت، ومن جمع أو قضى فوائت أذن للأولى وأقام لكل صلاة، وسن لمؤذن وسامعيه متابعة قوله سراً إلا في الحيعلة فيقول الحوقلة، وفي التثويب: صدقت وبررت. والصلاة على النبي عليه السلام بعد فراغه، وقول ما ورد، والدعاء، وحُرم خروج من مسجد بعده بلا عذر أو نية رجوع.
فصل: شروط صحة الصلاة ستة: طهارة الحدث وتقدمت، ودخول الوقت، ووقت الظهر من الزوال حتى يتساوى منتصب وفيئه سوى ظل الزوال، ويليه المختار للعصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه سوى ظل الزوال، والضرورة إلى الغروب، ويليه المغرب حتى يغيب الشفق الأحمر، ويليه المختار للعشاء إلى ثلث الليل الأول، والضرورة إلى طلوع فجر ثانٍ، ويليه الفجر إلى الشروق، وتدرك مكتوبة بإحرام في وقتها، لكن يحرم تأخيرها إلى وقت لا يسعها، ولا يصلي حتى يتيقنه أو يغلب على ظنه دخوله إن عجز عن اليقين، ويعيد إن أخطأ.
ومن صار أهلاً لوجوبها قبل خروج وقتها بتكبيرة لزمته وما يجمع إليها قبلها، ويجب فوراً قضاء فوائت مرتباً ما لم يتضرر أو ينسى، أو يخشى فوت حاضرة أو اختيارها.
الثالث: ستر العورة، ويجب حتى خارجها وفي خلوة وظلمة بما لا يصف البشرة. وعورة رجل وحرة مراهقة، وأمة مطلقاً ما بين سرة وركبة، وابن سبع إلى عشر الفرجان، وكل الحرة عورة إلا وجهها في الصلاة، ومن انكشف بعض عورته وفحش أو صلى في نجس أو غصب ثوباً، أو بقعة أعاد، لا من حبس في محل نجس أو غصب لا يمكنه الخروج منه].
فعل ذلك مسلم في صحيحه، وكذا البخاري في تقديمه للإيمان الذي هو مضمون الشهادتين، ثم الصلاة، ثم الصوم -إلا أن البخاري أخر الصوم عن الحج- ثم بالحج، وهذا هو الترتيب المعتاد.
ولما كان التوحيد هو العقيدة الأساسية أفرد بعد ذلك بكتب، فجعلت باسم التوحيد أو الإيمان، أو السنة، أو الشريعة، وجعلت كتب التوحيد مفردة لأهميتها، وجعلت بقية الأحكام مجموعة، وقسموا الأحكام أربعة، فبدءوا بالعبادات؛ لأنها حق الله، فإذا انتهوا من العبادات التي هي حق الله بدءوا بالمعاملات التي فيها كسب المال؛ لأن الإنسان بحاجة إلى كسب المال الذي هو قوته، والذي هو مادة حياته، ثم بعد ذلك بالنكاح؛ لأنه أيضاً من تمام الضرورات، ثم ختموا بالحدود والجنايات؛ لأنها تنتج عمن كملت عليه النعمة، واتصلت نفسه بعد ذلك بالعدوان وبالظلم.
وفي حديث الإسراء: (إن الله تعالى فرض عليه خمسين صلاة، ثم إنه طلب التخفيف بإشارة من موسى حتى جعلها الله تعالى خمساً، وقال: لا يبدل القول، هي خمس وهي خمسون) يعني: أن من حافظ عليها فله أجر خمسين، والحسنة بعشر أمثالها.
هذه الصلوات الخمس واجبة على المسلم، والكافر مطالب بشرطها وهو الإسلام، فإذا لم يسلم لم يطالب بها.
تكلم العلماء على ذلك في أصول الفقه، ورجحوا أنهم مخاطبون بها وإن كانت لا تقبل منهم، ويكون خطابهم بمعنى زيادة العقوبة عليهم، فيقال مثلاً: هذه عقوبتك على الشرك، وهذه عقوبتك على ترك الصلاة، وهذه عقوبتك على ترك الصوم.. وهكذا، وإلا فلو أنهم صلوا وهم مشركون ما قبلت منهم ولا أجروا عليها.
ثم هو معروف أن كلمة (تجب) بمعنى: تلزم، أي أنها واجبة وجوباً مؤكداً، لا تجب إلا على المسلم المكلف.
والمكلف: هو البالغ العاقل، هذا تعريف التكليف: البالغ العاقل، فيخرج بذلك الصغير، فإنه لا تجب عليه، وأمره بها أمر تعليم وتدريب، ويخرج بذلك أيضاً فاقد العقل، وهو المجنون، فإنه مرفوع عنه القلم حتى يفيق، فإن الله تعالى إنما خاطب بالواجبات من يعقل، ومعلوم أن فاقد العقل لا يفهم، ولا يدري ما يقال له، ولا يميز بين الواجب وغيره، وعلامة ذلك: أنه يفعل الأفعال التي لا يقرها العقل وليس معه ما يميز به بين النافع والضار.
ويستثنى من هذا الوصف الحائض والنفساء، فتسقط عن الحائض والنفساء في زمن الحيض وزمن النفاس، فلا تجب عليها الصلاة، ولا يلزمها قضاؤها كما تقدم في الحيض، وتقدم أن السبب استمرار هذا العذر وهذه النجاسة، ومشقة القضاء عليها، حيث إنه قد يجب قضاء خمسة عشر يوماً وأربعين يوماً في الحيض، فيكون في ذلك صعوبة.
وبعد ذلك صرح بما يحترز به عن مسلم مكلف، وعرفنا أن (مكلف) احترازاً من مجنون وصغير، فلا تصح من المجنون ولا يؤمر بها؛ لأنه لا يحسن ولا يفهم ولا يدري ما يقال له، وكذلك من الصغير غير المميز، وأما إذا كان مميزاً فإنه يؤمر بها، ويكون أمره للتدريب، حتى يألفها لصغره، وحتى تخف عليه عند التكليف، وحددوا الصغر الذي يميز معه بسبع سنين، وقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع).
الأمر هاهنا للأولياء؛ فهل هو للوجوب أم للاستحباب؟
النبي عليه الصلاة والسلام يقول لنا: (مروا أولادكم) هذا الأمر قال بعضهم: إنه للوجوب، ويلزم الولي أن يأمر أولاده ذكوراً وإناثاً بالصلاة لتمام سبع، ولكن القرينة وهي أنه ما أمر بالضرب إلا لتمام عشر تدل على أن الأمر ليس للإلزام، وإنما هو للتعليم والتدريب، فإذا بلغ سبع سنين ودخل في الثامنة فإن والده وولي أمره يأمره، ويستدعيه، ويأخذ بيده إلى المسجد ويعلمه ما يلزم، فيعلمه الطهارة، ويعلمه اجتناب النجاسة، ويعلمه الصلاة بقدر ما يستطيع، فيعلمه ما يقول في القيام، وما يقول في الركوع والسجود، وما يقول في القعود وفي الرفع من الركوع، ويعلمه الطمأنينة والخشوع، ويعلمه الإقبال على الصلاة وعدم الحركة والالتفات، ويدربه على ذلك.
كما أنه في هذه السن يحافظ عليه أيضاً، فيحفظه عن المحرمات، ويبعده عن السفه، ويبعده عما هو محرم أو منكر -مثلاً- كرؤية الصور القبيحة والأفلام الخليعة، وكذلك سماع الأغاني والملاهي وما أشبهها؛ لأنه في هذه السن يألف ما يسمع، وينطبع في ذاكرته ما يقال له، ويتدرب على هذا السماع المحرم، ويكون ذلك سبباً في انخراطه، أو في توغل هذه المنكرات في قلبه، فيصعب بعد ذلك تخليصه.
ويضرب على تركها لعشر؛ ولذلك لأن العشر مظنة البلوغ، والأصل أن أقل ما يبلغ فيه الصبي إذا تم عشر سنين. فيوجد كثير ممن يحتلم وقد تم له عشر سنين. ودخل في الحادية عشرة، أو مثلاً يبلغ بالإنبات أو نحوه، فإذا بلغ عشر سنين فهو مظنة البلوغ، فيضرب على تركها.
وهل الضرب ضرب تعليم أو ضرب تأديب؟
الصحيح أنه ضرب تعليم. يعني: لا يشدد فيه، بل يضربه ضرب تعليم حتى يعلم ذلك؛ لأنه لا يزال في سن الصغر غالباً، فيعلمه تعليماً وفيه شيء من الشدة. هذا ما يتعلق بمن تلزمه.
وذلك لأنها لا تؤخر إلا للضرورة، وقت الضرورة يكون في صلاة العصر والعشاء، إلا لمن له الجمع بنيته إذا كان يجوز له الجمع، كإنسان سائر في الطريق ودخل عليه وقت الظهر وهو مستمر في السير، ويحب مواصلة السير، فدخل عليه وقت العصر، وهو مشتغل أيضاً بالسير ويحب مواصلة السير، فخرج وقت الاختيار الذي هو أن يكون ظل كل شيء مثليه، واستمر في سيره حتى دخل وقت الضرورة. أي: قبل الغروب بنصف ساعة أو بثلث ساعة فوقف، فصلى الثنتين في وقت الضرورة. أي: في وقت العصر الذي هو وقت الضرورة.
وكذا لو كان سائراً في الليل، وشق عليه النزول، وأراد مواصلة السير، فلم ينزل إلا في آخر الليل، فإنه يجوز له؛ لأن هذا له عذر في التأخير، فأما الإنسان المقيم فلا يجوز أن يؤخر العصر إلى ما قبل الغروب؛ لما ورد في ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: (تلك صلاة المنافق، يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعاً، لا يذكر الله فيها إلا قليلاً) يعني: أنه فرط في الوقت وأخره صلاة العصر إلى أن قرب الغروب، وقد ورد: (أن الشمس تغرب بين قرني شيطان، فحينئذ يسجد لها المشركون)، كذلك تطلع بين قرني شيطان، ولأجل ذلك نهي عن الصلاة في هذين الوقتين: عند الطلوع وعند الغروب؛ لئلا يكون سجوده للشيطان.
فالحاصل أنه لا يجوز تأخيرها إلى آخر الوقت -وقت الضرورة مثلاً- إلا لمن له الجمع بنيته، قال: (ومشتغل بشرط لها يحصل قريباً): إذا كان أخرها لأجل أن يشتغل بشرطها، فعرف أن شرطها يحصل قريباً، مثاله: تأخر لانتظار الماء، فينتظر أن يأتيه الماء، لأنه الآن ليس عنده ماء، وقد أرسل وارداً، فينتظر ولو خرج وقت الاختيار ودخل وقت الاضطرار.
مثال ثانٍ: السترة. يعني: الثياب، إذا كان ليس عليه ثياب تستره، ولكن ينتظر أن يأتي فلان بثوب ساتر أو ينتظر خياطة هذا الثوب الذي يستر به عورته، فله أن يؤخرها لانتظار هذا الشرط، وكذا بقية الشروط.
ما تكلم إلا على جاحدها، وقد ذهب جمع من العلماء إلى أن تاركها كافر ولو لم يجحد، ولكن إذا دعي إليها وأصر على أن يمتنع من الصلاة، ففي هذه الحال يقتل، وإذا قتل وهو مصر على تركها فلا يعامل معاملة المسلمين، فلا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين؛ وذلك لأنه استمر على الترك وأصر عليه ولو لم يجحد، واستمر على ذلك إلى أن صبر على القتل.
نقول: وردت أحاديث تدل على كفر تاركها، تجدونها في كتاب الصلاة لـابن القيم ، وذكر أدلة من يقول بأنه كافر، ومن يقول بأنه غير كافر لا يخرج من الإسلام، وحكم بين القولين، ولكنه ذكر أن العلماء فرضوا مسألة ممتنعة الوقوع، وهي: أنهم يقولون: إنما يعامل معاملة الكافر إذا دعي إلى الصلاة، وقيل له: صلِّ وإلا قتلناك. فقال: لا أصلي، وأنا معترف بأن الصلاة فريضة، وأنها ركن من أركان الإسلام بل عمود الإسلام، وأنها فريضة الله التي فرضها على عباده، وأنها أول ما يحاسب عنه العبد وآخر ما يخرج من الدين، وأن الله فرضها منه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، وأنها شعار الإسلام وشعار المسلمين.. أنا أعترف بذلك كله، ومع ذلك فإني لا أصلي ولو قتلتموني، ولو قطعتموني إرباً إرباً.
ويقال: هل هذا صحيح؟ هل يكون مؤمناً الإيمان الصحيح بأن تاركها كافر، وبأنها فريضة الله، وبأنها عمود الإسلام، وبأنها أول ما يحاسب عليه العبد، ومع ذلك يصبر على القتل ولا يصليها؟!
إذا رأينا مثل هذا قلنا: كذبت، لست معترفاً بفضلها، ولست معترفاً بفرضيتها، ولو كان كذلك ما صعبت عليك، فالصلاة ليس فيها مشقة ولا تعب ولا صعوبة، بل الصلاة تعتبر لذة للمؤمن وراحة وقرة عين له، فأنت على هذا القول وعلى هذا الصبر تقول: (اقتلوني ولا أصلي)، وتقول مع ذلك: إنك مصدق بأنها فريضة. نقول: هذا قول يخالف الفعل، وفعلك هذا يخالف كلامك.
ففي هذه الحال إذا صبر على القتل وأصر عليه نحكم بأنه جاحد، وأن إقراره باللسان يخالف ما في قلبه، فيخالفه عمله تركاً وإصراراً وصبراً على القتل، وهو دليل على أنه ليس مقتنعاً بأنها فريضة، فإذا قتل والحال هذه فإنه يعامل معاملة الكفار.
يعني: لا يتولاه المسلمون، فلا يغسلونه ولا يكفنونه ولا يصلون عليه، ولا يدفنونه في مقابر المسلمين، وتطلق منه زوجته في الحياة -مثلاً- وكذلك لا يرثه أقاربه المسلمون، ويعتبر مرتداً، ويعتبر ماله فيئاً، فإذا مات أحد من أقاربه فإنه لا يرثه إذا كان في هذه الحال.
فالحاصل أنه ذكر هنا أن (جاحدها كافر) ولو -مثلاً- عُرِّف وأمر وبين له فإنه يعتبر كافراً.
فالحاصل أن الصلاة لها أهميتها، ومكانتها في الدين، فلذلك يراها المسلمون لذة وراحة، ويراها المنافقون ونحوهم ثقلاً وعائقاً، ومشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لـبلال : (أرحنا بالصلاة) يعني: عجل بها حتى نريح أنفسنا إذا دخلنا فيها فنجد لها راحة، ونجد لها لذة: (وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة)، فدل على أنها لذيذة عند أهل الإيمان، وثقيلة عند غيرهم، قال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45] أي: فعلها ثقيل إلا على أهل الخشوع، فالخاشعون تكون عندهم خفيفة ولذيذة وراحة وسروراً وسلوة، وغيرهم تكون عندهم كبيرة وثقيلة.
والأفضل أن المؤذن يتولى الأذان بنفسه، ولا يعتمد على جهاز أو آلة أو نحو ذلك، ففي بعض الدوائر أو بعض الشركات يجعلون الأذان من الأشرطة. فمثلاً: يأخذون شريطاً عند المكبر ثم يشغلونه. صحيح أنه يحصل به المقصود والإعلان المطلوب، ولكن الأصل أن المؤذن الذي يريد الأجر يلقيه بنفسه كما هو، ويستمع إليه المدعوون.
الأذان: الإعلام بدخول الوقت. والإقامة: الإعلام بالقيام إليها.
الوجوب والفرضية على الرجال، ولا يجب على النساء، ولو كانت قرية -مثلاً- أو خياماً أو بيوت شعر في بادية كلهم إناث فلا أذان عليهم، ولا تتولى الأذان المرأة؛ لأنها منهية عن رفع الصوت أمام الرجال.
ويشترط أيضاً أن يكون الأذان على الأحرار، أما إذا كانوا مماليك فيقولون: لا يجب عليهم الأذان، ولكن يسن؛ وذلك لأنهم مكلفون بأن يصلوا ولو كانوا مملوكين، ويجب على سادتهم أن يمكنوهم، ويخلوا لهم وقتاً يؤدون فيه الصلاة جماعة، إلا إذا كان المسجد بعيداً يستغرق ساعة مثلاً ذهاباً وساعة إياباً فلهم أن يمنعوهم؛ لأنهم قد يعتذرون بأنها عشر ساعات يفوت عليهم فيها خدمة هذا المملوك، فأما إذا كان المسجد قريباً كنصف ساعة أو ربع فلا يسقط عن المملوك.
- ويشترط أيضاً في الأذان: أن يكون على المقيمين، ويسن للمسافرين من غير وجوب، فالمقيمون يلزم عليهم، سواء كانوا في بيوت مدر أو في بيوت شعر، فيلزمهم ويجب عليهم، والمسافرون يسن لهم، وكان بلال رضي الله عنه يؤذن للصحابة وهم في السفر، ودائماً هو الذي يتولى الأذان عند دخول الوقت، بل يشرع حتى للمنفرد؛ لحديث عن أبي ذر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إني أراك تحب البادية والغنم، فإذا كنت في باديتك أو غنمك فأذنت فارفع الصوت بالأذان؛ فإنه لا يسمع صوت المؤذن جن وإنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة)، فهو فضيلة حتى ولو كان منفرداً.
كذلك لابد أن يكون متوالياً، فلو كبر التكبيرات الأربع ثم سكت، أو خرج -مثلاً- ثم رجع بعد خمس دقائق أو عشر دقائق أو أربع دقائق فاتته الموالاة، فلابد أن يعيده من أوله، ويعيد ما فعله حتى تكون متوالية، والسنة أن يقف بين كل تكبيرتين.
التوالي هو كونه إذا أتى بالتكبيرة أتى بالذي بعدها، والسنة أن يترسل في الأذان، وقد ورد فيه حديث: (إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر) والترسل: أن يقف بعد كل تكبيرة، وكلما أتى بتكبيرة وقف وتنفس، ثم أتى بالتكبيرة الثانية، ثم توقف وتنفس، ثم بالثالثة ويقف ويتنفس، ثم بالرابعة وهكذا الشهادات، وهكذا الحيعلات، وذلك ليحصل به مد الصوت؛ لأن المؤذن يمد صوته بقدر ما يستطيع، ومعلوم أنه إذا جمع جملتين في نفس لم يحصل مده كما ينبغي، فإذا جمع تكبيرتين في نفس لم يحصل المد المطلوب، ثم هو يخالف الترسل الذي في الحديث: (إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر) والحدر: هو الإسراع، والترسل: هو التأني في الإلقاء. وهذا هو الأذان المعتاد.
المد يكون في حروف المد، في (الله) يمد اللام، وكذلك في الشهادة (أن لا إله إلا الله) يمد هذه الحروف بقدر ما يتسع له نفسه، هذا هو الأذان المعتاد.
فنرى أن جمع التكبيرتين في نفس واحد من الخطأ، ورأيت من تكلم في ذلك من العلماء، نقل عن ذلك عن النووي أنه أجاز جمع التكبيرتين، وكأنه حكى ذلك قولاً في الجواز، وقال: لأنهما من جنس واحد. ثم تكلم على ذلك المباركفوري -شارح الترمذي تحفة الأخوذي- وكأنه يرى استحباب جمع التكبيرتين في نفس واحد، ولكن سبب ذلك أنه رأى هذا هو أذان أهل الحرم.
والحجاج إذا حجوا ورأوا تكبير الحرم اعتقدوا أن أهل الحرم هم أهل السنة وهم أهل الدليل، وأنهم أقرب إلى الصواب، وما علموا أن هؤلاء مقلدة حدث منهم هذا في عهد أخير.
وقد كنا قبل خمسين سنة في مكة، وكان يؤذن أربعة مؤذنين في زوايا الحرم، هذا مؤذن حنفي، وهذا مالكي، وهذا شافعي، وهذا حنبلي، والمؤذن الحنبلي هو الذي يرتب الأذان، والأخيرون كأنهم مشوا على طريقتهم هذه التي هي طريقة محدثة: جمع التكبيرتين، ثم أمروا بعد ذلك بأن يقتصروا على المؤذن الواحد؛ لأنه يحصل به الإعلام، مع أنهم أيضاً قبل ثمانين سنة أو نحوها -قبل الفتح- كان يصلى أربع جماعات في الحرم، كل أهل مذهب يصلون وحدهم، حتى جمعهم الله تعالى بعد استيلاء هذه الدولة المباركة.
فالحاصل أن المباركفوري كأنه استدل بالحديث الذي في صحيح مسلم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر. فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر. ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله. فقال: أشهد أن محمداً رسول الله. ثم قال: حي على الصلاة. فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: حي على الفلاح. فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: الله أكبر الله أكبر فقال: الله أكبر الله أكبر)، فاستدل به على جمع التكبيرتين، ورأيت أيضاً بعض الشباب الذين يؤذنون على هذه الكيفية يستدلون بهذا الحديث، والجواب أن نقول: هل سمعتم النبي صلى الله عليه وسلم عندما تكلم بهذا؟! هل تأكدتم أنه ما سكت بين التكبيرتين؟
قد يكون سكت، قد يكون قال: إذا قال المؤذن: الله أكبر.. الله أكبر. فقال أحدكم: الله أكبر.. الله أكبر، وأيضاً فإنه من باب تعليمهم ما يقولون، والدليل: أنه ما ذكر إلا تكبيرتين مع أنها أربع، فكأنه يريد جنس التكبيرات، فلا يكون في هذا الحديث دليل على أنه يجمع التكبيرتين، هذا هو الذي أختاره.
يشترط أن يكون من ذكر، فلا يجوز أن تؤذن الأنثى ولا يرفع صوتها ولو في أشرطة أو نحوها.
يشترط أن يكون مميزاً، فلا يكون صغيراً دون التمييز، وهذا دليل على أنه إذا ميز كابن سبع صح أذانه؛ لأنه يحصل به المقصود.
يشترط أن يكون عدلاً، وهذا يخرج الفاسق، فالفاسق ليس له أن يتولى أعمال الخير، لكن لو كان ظاهره العدالة اكتفي بذلك، ولا نبحث عن باطنه أو عن أسراره.
ويشترط أن يكون الأذان بعد دخول الوقت، فمن أذن قبل الوقت فإنه يعيد ولو بدقيقة، ولو أذن للمغرب قبل الغروب، أو للظهر قبل الزوال ولو بدقيقة يعيد، واختلفوا في أذان الفجر، وأكثر الفقهاء -إلا الحنابلة- أجازوا الأذان للفجر قبل طلوع الفجر، ومنهم المؤلف هنا، والصحيح أنه لا يجوز ولو اشتهر ذلك في كتب الحنابلة، وذلك لأن الصلاة لا تصح إلا بعد دخول وقتها، ومنها: صلاة الصبح، فلا تصح إلا بعدما يدخل الفجر، والفجر يدخل بطلوع الصبح، فلابد أن يكون بعد طلوع الفجر، وأما ما استدلوا به من أذان بلال ؛ فإنه كان لأجل الصوام ينبهم على أن يستعدوا للسحور ونحوه.
الوصف الأول: كونه صيتاً -أي: رفيع الصوت- لأنه المقصود، نعم يصح الأذان ولو كان صوته خافتاً ويحصل به المقصود، ولكن الحكمة من الأذان بلوغ الصوت إلى آخر القرية أو نحوها.
الوصف الثاني: أن يكون أميناً، وذلك لأنه يؤتمن على هذه العبادة، فيسمعه -مثلاً- المعذور أو النساء فيصلون في بيوتهم، ويسمعه الصائم فيفطر، ويسمعه الصائم فيمسك للصيام، فلابد أن يكون أميناً وموثوقاً يعتمد أذانه.
الوصف الثالث: أن يكون عالماً بالوقت، أي أن عنده معرفة بالمواقيت، بحيث إنه يعرف متى يدخل الوقت ومتى يخرج، ففي هذه الحال لابد أنه يتعلم أول الوقت وآخره.
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما جمع في عرفه الظهرين اكتفى بأذان واحد، وفي مزدلفة العشائين أذن للأولى وأقام لكل صلاة.
كذلك أيضاً إذا قضى فوائت، فقد اشتهر أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام لما كان في غزوة الأحزاب شغله الأحزاب عن الأربع الصلوات: عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فصلاها كلها في وقت العشاء أو بعد العشاء، وأذن مرة فاجتمعوا، ولم يكن هناك حاجة إلى أن يكرر الأذان لاجتماعهم، ثم صلى كل صلاة بإقامة.
كأنهم قالوا: إن هذا استحسان، وذلك لأن كلمة (حي على الصلاة) ليست ذكراً وليست آية، وإنما هي دعوة نداء. أي: هلموا إلى الصلاة! فلا فائدة في أن تقولها وأنت تجيبه، ولا فائدة للسامع أن يقول: حي على الصلاة.
وكذلك في الصلاة إذا قال الإمام: (سمع الله لمن حمده). فليست هذه ذكراً، فلا فائدة للمأموم في أن يقول: سمع الله لمن حمده، فلأجل ذلك يقول: ربنا ولك الحمد. فهكذا في قول: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) يأتي بالحوقلة لأنها ذكر، كأنه يقول: أنا أجيبك أيها المنادي معتمداً على حول الله وقوته، فليس لي حول وليس لي طول وليس لي قدرة وليس لي قوة إلا بأن يمدني الله تعالى بحول منه وبقوة منه، فيكون في هذا اعتماد على الله وتوكل عليه.
كذلك التثويب (الصلاة خير من النوم) ليست ذكراً، فلا فائدة في قولها، فإذا قال: صدقت وبررت، فإنه لا بأس بذلك، يكون ذكراً أن يصدقه فيما يقول.
وبعض العلماء يقول: يأتي بها لعموم الحديث الذي فيه: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول) ولكن الصحيح: أن عموم قوله: (فقولوا مثلما يقول) مستثنى منه الأشياء التي ليست ذكراً، ومثلها كلمة (قد قامت الصلاة) ليست ذكراً، فلا فائدة في أن يقولها، والحديث الذي فيه أن يقول: (أقامها الله وأدامها) ضعيف، ولكن لما كانت كلمة (أقامها الله وأدامها) كلمة دعاء فلا يعترض على من قالها، ولا يقال: إن هذا لم يثبت. ونحن نقول: إنه لم يثبت مرفوعاً، ولكن الدعاء لا يمنع منه، وكونك تعيدها مع المقيم فتقول: قد قامت الصلاة. لا فائدة في ذلك.
قال: (وقول ما ورد): ومنه: (اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته)، وزيادة (إنك لا تخلف الميعاد) ما وردت في الحديث، ولكن لا بأس بها، وذلك لأنها واردة في القرآن في مثل قوله تعالى: رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:194]، فلا ينكر على من أتى بها، حيث إنها بعض آية من كلام الله.
يسن بعد ذلك: الدعاء، وقد ورد حديث: (الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد) أي: من أسباب الإجابة.
ورد حديث عن أبي هريرة أنه رأى رجلاً بعد الأذان خرج من المسجد، فقال: (أما هذا فقد عصى أبا القاسم)، ويحمل على أن أبا هريرة عرف أنه لا يرجع، أما إذا خرج ليتوضأ ثم يرجع سريعاً بأن كان حاقناً أو له عذر شديد فخرج وقضى حاجته ورجع فلا حرج عليه في ذلك، وهكذا إذا كان -مثلاً- إماماً في مسجد آخر فلا حرج أن يذهب إلى مسجده، أو عرف بأنه يدرك الصلاة في مسجد آخر، وكان له شغل في ذلك المسجد، كان له عذر، فالعذر في قوله: (بلا عذر) كونه -مثلاً- إماماً في مسجد، أو مؤذناً في مسجد آخر، أو له حاجة قرب ذلك المسجد، أو يريد أن يقطع بعض الطريق، أو نحو ذلك من الأعذار، فمثل هذا يباح له أن يخرج بعد الأذان إذا أمن ألا تفوته الصلاة جماعة.
والحكمة في ذلك: أنه إذا خرج فاتته الجماعة، فيكون تسبب في فوت صلاة الجماعة التي هي من الواجبات كما سيأتي.
الشرط الأول: الطهارة، وقد تقدمت في كتاب الطهارة، ويراد بها الطهارة من الحدث.
والشرط الثاني: دخول الوقت، لقوله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، من حكمة الله تعالى أنه ما أوجب الصلوات جميعاً سبع عشرة ركعة في وقت واحد، فإنه قد يشق ويصعب الإتيان بها في وقت واحد، فجعلت متفرقة، ومن الحكمة في ذلك: تجدد الصلة بالله، وذلك لأن العبد إذا غفل وقتاً من الأوقات، وقسا قلبه دخل عليه وقت الصلاة، وهو الوقت الذي يؤدي فيه عبادة فيها ذكر وشكر ودعاء، وفيها قراءة وخشوع وفيها إنابة وتذلل، فيكون هذا الذكر وهذه العبادة مما يصقل القلب، وينشطه على العبادة، ومما يزيل ما به من الغفلة، وما وقع من آثارها من القسوة.
والثاني: بعد الفجر إلى الظهر، ومع ذلك شرعت فيه صلاة الضحى، والحكمة أن يكون هذا الوقت الطويل لا يخلو من صلاة ولو تطوعاً.
أما بقية الأوقات فإنها متقاربة، من الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى المغرب، ومن المغرب إلى العشاء، هذه أوقات متقاربة، فلأجل ذلك لا تطول فيها الغفلة.
(طرفي النهار): يدخل في الطرف الأول صلاة الفجر وفي الطرف الثاني الظهر والعصر؛ لأنهما في النصف الثاني من النهار.
(وزلفاً من الليل) أي: المغرب والعشاء؛ لأنهما في أول الليل.
والآية الأخرى في سورة الإسراء، وهي قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء:78]، (فدلوك الشمس) يعني: ميلها، ويدخل فيه الظهر والعصر.
و(غسق الليل) يدخل فيه المغرب والعشاء.
(قرآن الفجر) يعني: صلاة الفجر.
واستنبطت أيضاً من قوله تعالى في سورة الروم: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم:17-18].
فـ(حين تمسون) يذكر فيه صلاة المغرب والعشاء.
(وحين تصبحون) يذكر فيه صلاة الفجر.
و(عشياً) صلاة العصر.
و(حين تظهرون) صلاة الظهر.. هكذا فسّرها المفسرون.
ويبدأ وقت الظهر بالزوال. والزوال يراد به زوال الشمس من وسط السماء، ومعلوم أن الشمس إذا طلعت لا تزال ترتفع وينتصب للأشياء ظل، وكل شيءٍ شاخص فإنه يكون له ظل، ثم لا يزال ذلك الظل يتقلص وينقص حتى تكون في وسط السماء فيتوقف نقصه، فإذا مالت إلى جهة الغرب ابتدأ يزيد ولا يزال يزيد إلى أن تغرب، فإذا مالت وابتدأ الظل في الزيادة ولو قدر أنملة دخل وقت الظهر.
إذاً: يدخل وقت الظهر بزوال الشمس وذلك إذا مالت وابتدأ الظل بالزيادة.
يقول رحمه الله: [حتى يتساوى منتصب وفيئه سوى ظل الزوال].
يعني: متى ينتهي وقت الظهر؟ إذا تساوى منتصبٌ وفيئه.
(فيئه) أي: ظله. ويراد ما كان زائداً على الظل الموجود وقت الزوال.
فمثلاً: إذا نظرنا إلى شيء منتصب عندما زالت الشمس، ومن وقت زوال كانت الشمس مائلة إلى جهة الجنوب، فكان له ظل -مثلاً- ولو قدر أصبعين؛ فهذا الظل الموجود وقت الزوال لا نعتد به، وإنما يبدأ وقت الظهر من زيادة الظل، ولا نحسب الظل الموجود وقت الزوال، ثم لا يزال وقت الظهر ممتداً حتى يصير ظله مثله، ويتساوى وفيئه.
إذا قدرنا مثلاً: أن هذا الشيء ثمانية سنتيمتر مثلاً، فإذا زاد طول الظل بعد الظل الموجود على ثمانية سنتيمتر خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر.
- نفرض مثلاً: أن طول هذا الجدار عشرة أمتار، فمتر موجود قبل الزوال وعشرة بعده، إذا وصل ظله إلى أحد عشر متراً انتهى وقت الظهر ودخل وقت العصر.
- افرض أنك وقفت وقت الزوال وإذا ظلك قدم، فهذا الظل الموجود وقت الزوال لا يعتد به، ويمتد وقت الظهر إلى أن يكون ظلك مثلك.
- افرض مثلاً: أن طولك مائة وخمسون سنتيمتر، فإذا كان الظل مثلك فإنه يخرج وقت الظهر ويدخل وقت العصر، فهذا معنى قوله: (يتساوى منتصب وفيئه سوى ظل الزوال).
أي: إذا كان ظلك مثلك مرتين ولا تعد الظل الموجود وقت الزوال خرج وقت الاختيار ودخل وقت الاضطرار، ووقت الضرورة يمتد إلى أن تغيب الشمس، وقد تقدم أنه لا يجوز تأخيرها إلى وقت الضرورة إلا لعذر.
إذا أحرم فقال: (الله أكبر) قبل أن يخرج الوقت فقد أدرك الوقت وأصبحت صلاته أداءً لا قضاءً، هذا قول، والقول الثاني أنه لا يُدرك إلا بإدراك ركعة، وهذا هو الصواب الصحيح أنه لا يدرك الوقت إلا بإدراك ركعة، قال صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)، يعني: فيضيف إليها باقي الصلاة.
لكن ورد في رواية: (من أدرك سجدة من الصبح قبل أن تطلع الشمس)، وحملت السجدة على أن المراد بها الركعة التي هي قيام وقعود وركوع وسجود، فمن أدرك ركعة عُدّت صلاته أداءً وإلا فهي قضاء، ويحرُم تأخيرها إلى وقت لا يسعها، ويحرم أن يؤخرها إلى أن يبقى وقتٌ يضيق عن أدائها، فإذا كانت -مثلاً- صلاة الفجر تستغرق أربع دقائق فأخرها إلى أن لم يبق إلا ثلاث أو دقيقتان حرم عليه، أو صلاة العصر تستغرق أربع دقائق أو خمساً فأخرها حتى لم يبق بينه وبين غروب الشمس إلا دقيقتان، فلا يجوز ذلك.
والصلاة لا بد أن تكون في الوقت، فلا يصلي حتى يتيقن أن الوقت قد دخل؛ لأنه ربما يؤديها قبل دخول الوقت فلا تجزئ، فلا يصلي الظهر حتى يتحقق أن الشمس قد زالت، ويعرف الزوال بزيادة الظل إذا كانت الشمس طالعة، وإذا كان غيماً فبالتحري أو يغلب على ظنه دخوله إن عجز عن اليقين.
إذا غلب على الظن أنه قد زالت الشمس أو قد طلع الفجر إن كان هناك -مثلاً- غيم، يعني: قبل انتشار الساعات الموجودة؛ لأن الساعات تحدد الوقت.
ويعيد إن أخطأ: فلو قدر -مثلاً- أنه صلى الفجر قبل أن يطلع الفجر، ثم تبين أنه أخطأ فيعيد، وكذلك لو تبيّن أنه صلى المغرب قبل غروب الشمس ولو بدقيقة فيعيد.
قال المصنف رحمه الله: [من صار أهلاً لوجوبها قبل خروج وقتها بتكبيرة لزمته وما يـجمع إليها قبلها]
من صار أهلاً لوجوبها. يعني: من وجبت عليه قبل أن يخرج وقتها بتكبيرة لزمته وما يجمع إليها قبلها.
إذا أدرك من آخر وقتها قدر تحريمة وهو أهل لوجوبها لزمته، يدخل في ذلك مثالان:
المثال الأول: المجنون، إذا أفاق قبل أن تغرب الشمس بدقيقة أو بتكبيرة لزمته العصر وما يجمع إليها، لأنه أدرك آخر العصر، والذي يجمع إليها قبلها هو الظهر؛ فيقضي الصلاتين، لأنه قبل ذلك كان ساقطاً عن التكليف ولكن الآن أصبح مكلفاً، فنقول له: اقض الصلاتين اللتين أدركت وقتهما ولو لم تدرك إلا جزءاً يسيراً، لأن وقتهما واحد.
وكذلك في العشائين إذا أفاق هذا المجنون قبل أن يطلع الفجر بدقيقة أو بنصف دقيقة أو بقدر تحريمة ألزمناه أن يقضي صلاة المغرب والعشاء لأنه أدرك آخر وقتهما وهما تجمعان.
المثال الثاني: الحائض، وهذا يقع كثيراً إذا طهرت الحائض قبل أن تغرب الشمس بدقيقة لزمها الظهران، وإذا طهرت قبل أن يطلع الفجر لزمها العشاءان، والعمدة في ذلك أنها صارت من أهل التكليف، وأن الصلاتين وقتهما واحد.
ثم العمدة أيضاً على ورود آثار عن الصحابة، فهو مرويٌ عن عبد الرحمن بن عوف وعن سعد بن أبي وقاص وعن ابن عباس وغيرهم بأسانيد صحيحة رواها ابن أبي شيبة في مصنفه في المجلد الثاني الطبعة القديمة في صفحة (235) أو نحوها.
وكثير من النساء جادلن في ذلك، فنقول: العمدة في ذلك كلام هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم، وهم لا يقولون إلا عن توقيف.
إذا كان عليه فوائت فإنه يجب قضاؤها فوراً، فلا يؤخرها، مثال ذلك: شخص كان مغمى عليه لمدة يومين، أو ثلاثة أيام، فإذا فاق صار عليه قضاء خمسة عشر فرضاً، ففي هذه الحال يقضي هذه الفروض إذا صحا مرتِّباً لها.
إذا كان أولها -مثلاً- الفجر صلى فجر.. ظهر.. عصر.. مغرب.. عشاء.. فجر.. ظهر.. وهكذا حتى يكملها، ولا يؤخرها بل يأتي بها فوراً. يعني: ساعة ما يصحو أو ساعة ما ينتهي عذره، كصاحب البنج -مثلاً- إذا زال العذر قضاها فوراً مرتّبة.
فإن تضرر فله أن يؤخرها -مثلاً- إذا سئم وتعب، أو إذا كان مريضاً -مثلاً- ويشق عليه ذلك، وبقي فيه من أثر المرض إرهاق وتعب، ففي هذه الحال يجوز أن يؤخر بعضها حتى يريح نفسه قليلاً، وإذا نسي أولها صلاها حسب اعتقاده.
يعتقد بعض الناس أن قضاءها يكون كل وقت مع وقته، يقول: إذا صليت الظهر صل معها ظهر من الفوائت، وإذا صليت العصر صل معها عصراً من الفوائت، وكذا المغرب والعشاء والفجر، وهذا خطأ لا دليل عليه، بل تقضيها كلها متوالية.
وكذلك إذا خشي فوت الحاضرة أو اختيارها: كما إذا استمر يصلي حتى خرج وقت الظهر، فنقول: يقدِّم الظهر؛ لأنها تؤدى أداءً، أو إذا استمر يقضي هذه الصلوات فخرج وقت الاختيار للعصر وهو صيرورة ظل الشيء مثليه، فيقدِّم العصر.
العورة: هي ما يلحق كاشفها عار.
والسوءة: هي ما يلحق الإنسان عار وعيب ويسوءه ذلك، لأجل ذلك تسمى السوءة، في قوله تعالى: بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا [الأعراف:22].
يجب ستر العورة حتى في خارج الصلاة؛ لقوله تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، ولقوله: قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا [الأعراف:26].
والستر يكون بما لا يصف بشرته. يعني: بالستر الذي يستر الجسد بحيث لا يكون شفافاً توصف من ورائه البشرة بحيث يُرى شعر البشرة أو لونها بياض أو سواد أو حمرة، ولا بد أن يكون الساتر يستر ظاهر الجسد فلا يرى ما وراءه.
الحرة: المرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها في الصلاة، فإنها تكشف وجهها في الصلاة، أما بقية بدنها فإنها تستره لحديث أم سلمة قالت: (يا رسول الله! أتصلي المرأة بالدرع الواحد فقال: إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها)، فاشترط أن يغطي ظهور القدمين، وهكذا يغطي الكفين ويغطي العنق مع تغطيتها بقية الجسد.
ومن العلماء من أجاز أن يقتصر على ستر عورته، واستدل الشافعية بقوله صلى الله عليه وسلم: (..فإن كان واسعاً فالتحف به وإن ضيقاً فاتزر به)، فأباح أن تجعله إزاراً فتصلي في الإزار ولكن لعل هذا لعذر.
وعن أبي هريرة أن سائلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (أيصلي أحدنا في الثوب الواحد؟ فقال: أو لكلكم ثوبان)، وفي لفظ: (أوكلكم يجد ثوبين)، يعني: أن كثيراً منهم لا يجدون إلا ثوباً واحداً إزاراً أو رداءً، فأكثر لباسهم كلباس المحرم.
ومن انكشفت بعض عورته وفحُش أعاد، أما إذا كشفت الريح -مثلاً- إزاره أو ثوبه ولكنه غطاه بسرعة فلا يعيد، وذلك لأن هذا ليس فاحشاً، فأما إذا انكشف بعض عورته. يعني: ما فوق الركبة أو ما تحت السرة وفحش -يعني: طالت المدة- فإنه يعيد، وكذا إذا صلى في نجس أو غصب ثوباً أو بقعة أعاد.
قال: (لا من حُبس في محل نجس لا يمكنه الخروج منه) أي: إذا حبس والمكان نجس كمزبلة مثلاً أو مكان فيه أبوال أو أرواث أو فيه دماء ولا يستطيع التخلص فهو معذور، فيصلي على حسب حاله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر