إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. مساعد الطيار
  5. عرض كتاب الإتقان
  6. عرض كتاب الإتقان (64) - النوع الرابع والستون في إعجاز القرآن [1]

عرض كتاب الإتقان (64) - النوع الرابع والستون في إعجاز القرآن [1]للشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أعظم آية أُعطيها النبي صلى الله عليه وسلم هي القرآن الكريم، ومن هنا تحدث العلماء عن المعجزة ما هي، ووقع النقد لهذا التعريف، من جهة قولهم: خارق للعادة، ومن جهة قولهم: خالٍ عن التحدي والمعارضة، وليس هناك آية من آيات الأنبياء وقع فيها التحدي سوى القرآن الكريم.

    1.   

    إعجاز القرآن

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصبحه والتابعين.

    أما بعد:

    فنبتدئ إن شاء الله بكتاب الإتقان في النوع الرابع والستين، هذا النوع في إعجاز القرآن الكريم:

    قال الإمام السيوطي رحمه الله تعالى: [ النوع الرابع والستون في إعجاز القرآن ].

    نشأة الحديث عن إعجاز القرآن

    قبل أن نبتدأ بما ذكره الإمام رحمه الله تعالى، نقول: من أين نشأ الحديث عن إعجاز القرآن؟ وهذه مسألة من جهة التاريخ مهم أن ننتبه لها، وما هي الأشياء التي كانت تدور في قضية إعجاز القرآن؟ وما هي المسالك التي كان هؤلاء يناقشونها في إعجاز القرآن؟

    لو رجعنا إلى الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وكذلك أئمة أهل السنة مقابل المعتزلة؛ لا نجد أن لهم عناية بما يتعلق بإعجاز القرآن، ولم يكن لهم كلام فيما يتعلق بإعجاز القرآن، ونشأ الحديث عن إعجاز القرآن عند المعتزلة، وعند بعض علماء السنة ممن كان له احتكاك بالمعتزلة من المتقدمين، على سبيل المثال إمام أهل السنة في الأدب ابن قتيبة في كتابه "تأويل مشكل القرآن" طرح شيئاً من هذا، لكن من تقدمه من العلماء لم يكن لهم عناية بإعجاز القرآن؛ لأنها مسألة انتهت وحسمت، ولكن الذي جعلها تثور عند المعتزلة هو أن المعتزلة كانوا ينحون ببحوثهم إلى المنحا العقلي المجرد، أي: النظريات والفرضيات.

    وكانت المعتزلة على طبقات، منهم طبقة معتنية بالحديث، وهم قليل جداً، ومنهم طبقة ليست معتنية بالحديث وإنما معتنية بالقرآن من جانب، وبالدلائل العقلية النظرية المجردة من جانب آخر، وصنفوا في ذلك تفاسير، ومنهم طبقة منسوبة للمعتزلة وهي طبقة فيها إلحاد وزندقة، مثلما يذكر عن ثمامة بن أشرس ، فالمعتزلة كانوا على طبقات.

    هذه الدائرة من المعتزلة وقد حكى ابن قتيبة في كتابه "تأويل مختلف الحديث" عن جماعة من المعتزلة وكيفية نقاشاتهم أحياناً؛ فاثنان منهم تناقشوا في علم الله فواحد منهم غلب الثاني، فقال له: قد ظهرت لك حجة صاحبك فَلِم لا تنتقل إلى رأيه؟ فقال: لو انتقلت لرأيه لكان لي في كل مرة دين؛ فالمسألة مجرد نقاش فقط وليس للوصول إلى الحق.

    في هذه البيئة التي كان المعتزلة يعيشونها جاء الكلام عن إعجاز القرآن من جهة المسلك الكلامي، أي: النظري، وهو هل القرآن معجز أو ليس بمعجز؟ وبعض المعتزلة الذين وصفوا بأنهم زنادقة كانوا يثيرون هذه المسألة للطعن في القرآن، فانبرى لهم بعض المعتزلة وبدأوا يتكلمون فيما يتعلق بإعجاز القرآن، فما ظنكم بعلم سينشأ في أحضان المدرسة العقلية النظرية؛ بلا شك أنه سيتأثر بهذه المدرسة، وهذه المدرسة منتقدة عند جمهور أهل السنة ممن يتبع منهج السلف أو يتبع الأشاعرة أو الماتريدية أو الكلابية أو غيرهم، وكلهم في صف أهل السنة -دائرة أهل السنة- أمام الاعتزال، وينتقدون هذه المدرسة، فلا زالت إلى اليوم بقايا هذه المدرسة الكلامية فيما يتعلق بإعجاز القرآن موجودة.

    إذاً: الإعجاز نشأ في أحضان الاعتزال، هذه واحدة.

    وكنت أبحث في سبب حديث المعتزلة عن إعجاز القرآن وحرصهم على ذلك، غير قضية كلام بعض الزنادقة؛ فوجدت رأياً هو رأي خاص بي واجتهاد مني، أن قول المعتزلة في القرآن قول ضعيف، فهم يقولون في القرآن أنه مخلوق، فلو قلنا: بأن القرآن مخلوق والقرآن معجز، إذاً الإعجاز سيكون مخلوقاً؛ لأن القرآن مخلوق، ولم يشر أحد من المعتزلة فيما قرأت إلى هذه الإشكالية، ولكن من خلال النظر يتبين أن هذا أحد أسباب كلام المعتزلة في إعجاز القرآن، ومحاولة إبراز هذه القضية؛ لأن قولهم في القرآن كان ضعيفاً، والزنادقة يحتجون عليهم في هذا الباب، فجاءوا بأن القرآن معجز؛ ليغلقوا الباب في هذه المسألة، لكن إذا تأملنا قولهم في القرآن، وقولهم في الإعجاز فلا نجد أن هناك توائماً بين القولين؛ لأن إثبات الإعجاز الذاتي للقرآن لا يكون إلا إذا كان كلام الله سبحانه وتعالى، وما دام القرآن عندهم مخلوقاً فسيكون الإعجاز مخلوقاً مثله.

    مذهب النظام في القرآن وإعجاز القرآن

    وعندي أيضاً -من باب الرأي- أن كلام النظام أكثر تناسقاً مع مذهب المعتزلة في خلق القرآن من كلام غيره من المعتزلة في الإعجاز؛ لأن كلام النظام في الإعجاز أن العرب يقدرون على مثله، ولكنهم صُرفوا، وهذا ما يسمى بالصرف وسيأتي.

    أقول: إن هذا المذهب - الذي هو مذهب النظام - يتناسق مع القول بأن القرآن مخلوق أكثر من تناسق قول جمهور المعتزلة الذين ردوا على النظام في هذه المسألة، وهي مسألة الصرفة؛ لأنه ما دام القرآن مخلوقاً فإذاً: الإعجاز ليس ذاتياً فيه، فما دام الإعجاز ليس ذاتياً فيه والعرب يقدرون أن يأتوا بمثله؛ لأن الأداة عندهم؛ فإذاً: لماذا لم يقولوا مثله في مسألة الصرف؟ هذا رأي النظام باختصار؛ فأقول - من باب أيضاً الرأي - : إن مذهب النظام في هذا أقرب إلى قول المعتزلة وأكثر تناسقاً مع قول المعتزلة في خلق القرآن. هذا مهم جداً أن ننتبه له ونحن نتكلم عن قضية المعجزة.

    مسالك إعجاز القرآن الكريم

    المسالك التي بُحث فيها إعجاز القرآن كما قلت مسلكان، وأشار إليهما محمود شاكر في كلامه عن إعجاز القرآن في مقدمته للظاهرة القرآنية "الملك والنبي" وأيضاً في رسالته التي طُبعت باسم مداخل إعجاز القرآن.

    المسلك الأول: هو المسلك الكلامي الذي ظهر عند المعتزلة وصار النقاش فيه بين المعتزلة وغيرهم من الزنادقة، ثم برز المتكلمون من الأشاعرة ودخلوا في مجال الإعجاز، وصار بينهم وبين المعتزلة أيضاً نقاش.

    والمسلك الثاني: الذي هو المسلك التذوقي البلاغي؛ وهذا مسلك يعتبر مسلكاً أدبياً، بمعنى: إبراز بلاغة القرآن.

    وأما المسلك الأول فهو مرتبط بإثبات النبوة، والكتب فيه موجودة، ولكنه كلما ابتعد الزمن عن المعتزلة ونقاشاتهم صار هذا المسلك يقل شيئاً فشيئاً، ويبرز المسلك الآخر الذي هو المسلك التذوقي الأدبي، وهو الذي برزت فيه الكتب، ولا ينصرف الذهن إذا قيل: إعجاز القرآن إلا إلى هذا النوع، وهو الذي طرحه الإمام السيوطي رحمه الله تعالى فيما يتعلق بإعجاز القرآن، وهذه فكرة موجزة عن ذلك، وسنأتي إن شاء الله إلى الإشارة أيضاً إلى ما يقع من الخلل في قول الأشاعرة في كون القرآن معجزاً حينما يأتي كلام لذلك سيذكره السيوطي ، وسأبين أن القول بأن القرآن معجز على رأي الأشاعرة فيه إشكال.

    عندنا مسألة وهي لو أردنا أن نرتب الأنواع، إعجاز القرآن ذكره السيوطي في النوع الرابع والستين، والنوع الذي قبله هو في الآيات المتشتبهات، والنوع الذي قبله في مناسبات الآيات والسور، والنوع الذي قبله في فواصل الآي، والنوع الذي قبله في بدائع القرآن، والنوع الذي قبله في الخبر والإنشاء، والذي قبله في الإيجاز والإطناب، لو قيل لك: رتب؛ أين تضع إعجاز القرآن؟ ستقول: يتقدم مع البحوث البلاغية، وعندي أنه لو جاء به بعد البدائع لكان أولى، وهو النوع الثامن والخمسون، بدائع القرآن تكلم عن جملة كبيرة جداً مما يتعلق بعلم البلاغة، ولو جعل إعجاز القرآن النوع التاسع والخمسين في نظري أنه أولى، لأن جل المباحث المذكورة في الإعجاز مرتبطة بهذا الجانب، الذي هو جانب بلاغة القرآن، ولا أدري هل السيوطي رحمه الله تعالى كان يرتب كتابه ترتيباً في ذهنه، أو أنه رتب ترتيباً عاماً وقد يشذ عنه بعض الأشياء، الله أعلم، وعلى العموم هذا من باب النظر في قضية الترتيبات والترتيبات، ليس فيها إشكال كبير.

    أجود ما كتب في إعجاز القرآن

    وذكر من صنّف في إعجاز القرآن، وهم كثير غير الذي ذكرهم الإمام السيوطي، ومن أشرف هذه الكتب وأنفسها كتاب القاضي أبي بكر الباقلاني ، وهو مشهور بإعجاز القرآن، وهو مطبوع وطبعته متداولة، ولا يعني كونه هو الأنفس والأشهر أن الكتب التي قبله، أو التي جاءت بعده لا يستفاد منها، لكن هذا الكتاب نفيس ومشهور.

    والباقلاني لما أراد أن يبن مزايا آيات القرآن أخذ أنفس ما عند العرب من شعر، وهي معلقة امرؤ القيس ، ولكنه استخدم أسلوب النقض، ثم بين ممادح آيات القرآن في البلاغة، وهذا الأسلوب عابه عليه بعض العلماء، وممن عابه من المتأخرين محمود شاكر ، وذلك أنه جاء إلى أنفس ما عند العرب ونقضه، وكأنه قال: ليس فيه شيء، وكان الرأي أن يأتي بأحسن ما في هذا الشعر، ثم يقول: إن القرآن فاقهم، وهذا أفضل، أما أن يقول: هذا الشعر ليس فيه شيء، ثم يقول: القرآن أفضل منه، فهذه كما يقال:

    ألم ترى أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

    لكن هكذا قدر الله للإمام الباقلاني رحمه الله تعالى أن يصنع، والأولى كما ذكر هؤلاء أنه لو بين محاسن هذا الشعر، ثم أضاف إلى ذلك محاسن ما في القرآن من البلاغة.

    تعريف المعجزة وما يؤخذ عليه من ردود

    سأختم بمناقشة تعريف المعجزة، وهذا التعريف أصله من بطون الاعتزال، ثم توقف عند علماء الأشاعرة وغيرهم، واستمر هذا التعريف إلى اليوم وهو التعريف المشهور، ولكن عليه ملحوظة ذكرها بعض العلماء وهي: كون تسمية القرآن بإعجاز ومعجز، والمصطلح القرآني أنه آية وبرهان كما ذكر؛ فهذه مسألة يجب أن ننتبه لها، ولكننا سنبقى على ما اشتهر في تعريف الإعجاز.

    قال السيوطي رحمه الله: [المعجزة أمر خارق للعادة]، قولهم: (أمر خارق للعادة) فيه إشكال، وقد أشكل على الإمام الباقلاني رحمه الله تعالى لما كتب له كتاب في المعجزات والكرامات والسحر والشعوذة، أشكل عليه رحمه الله تعالى ووقع عنده التباس في أنه لا يمكن تمييز المعجزة من الكرامة من السحر، وهذا مشكل، والسبب عنده: أنه لم ينتبه إلى قضية الخارق للعادة، وهذه التي قيلت في تعريف المعجزة؛ ولذلك كي نخرج من إشكالية (خارق العادة) نقول: الخارق للعادة نوعان -ويكون فيه ضبط-:

    النوع الأول: الخارق الكلي، والنوع الثاني: الخارق النسبي.

    وكلام العلماء سواء من المعتزلة أو غيرهم ممن تكلم عن (خارق العادة) لم يريدوا الخارق النسبي، وإنما أرادوا الخارق الكلي؛ ولهذا هم يتكلمون عن الخارق الكلي، فمثل الإمام الباقلاني رحمه الله تعالى في كتابه هذا وقع عنده لبس؛ لأنه ذهب إلى الخارق النسبي الإضافي، ففي الخارق الإضافي قد يأتي أحد بأقوى مما أتى به الآخر، ولكن في الخارق الكلي لا يستطيع أحد أن يأتي به، والمراد هنا في المعجزة: أنها الخارق الكلي الذي يعجز عنه كل الخلق؛ ولهذا الله سبحانه وتعالى قال: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ [الإسراء:88]؛ فإذاً المراد هنا الخارق الكلي وهو: أنه لو اجتمعت الإنس والجن فإنه لا يمكن أن يأتوا بمثله، وهذا خارق كلي.

    والخارق النسبي مثل: السحر، وبعض الناس أسحر من بعض، وفي قصة موسى عليه السلام؛ لأنهم ظنوا أن ما جاء به موسى عليه السلام سحر، ولأنهم يعرفون السحر، فقالوا: إذاً نستطيع أن نغلبه، فجاءوا للمغالبة ظناً منهم أن موسى منفرد، وهم مجموعة من السحرة سينتصرون عليه، ووقع ما لم يكن بحسبانهم.

    والمقصد من ذلك أن الخارق النسبي قد يكون بعض الناس أقوى من بعض فيه، مثال آخر بعض الأعمال البهلوانيات التي يعملها البهلوان، هو الآن يأتي بأمر خارق للعادة، وليس كل واحد منا يستطيع أن يفعل مثلما يفعل، ولكن لو أتى بهلوان آخر جسمه ألين من جسم هذا البهلوان، فإنه سيأتي بما لم يأت به هذا، وأهل الصناعات يتفوق بعضهم على بعض في مثل هذا، فهذا نسميه خارقاً نسبياً.

    فإذاً يجب أن نقيد الخارق للعادة بأنه الخارق الكلي.

    تقييد المعجزة بالتحدي

    المسألة الثانية: قولهم: (مقرون بالتحدي)، وهذه مشكلة من أكبر مشكلات تعريف المعجزة، وإذا كنا تخلصنا من قولهم: خارق للعادة بأن قلنا: الخارق الكلي؛ فسلمت لنا، فقولهم: (مقرون بالتحدي) لا يسلم إطلاقاً، فهذا الضابط في التعريف لا يسلم؛ وذلك لأن كل معجزة لا يشترط أن تكون مقرونة بالتحدي، وليست كل المعجزات على نوع واحد، فهناك معجزات أظهرها الله سبحانه وتعالى على يد النبي صلى الله عليه وسلم أمام قوم كافرين، وهناك معجزات أظهرها الله سبحانه وتعالى على يد النبي صلى الله عليه وسلم أمام قوم مؤمنين، وهناك معجزات ظهرت للنبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته؛ فإذاً مجموع المعجزات هذه التي ظهرت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو قبله أو لغيره من الأنبياء لم تكن مقرونة بالتحدي كلها، والذي قرن بالتحدي من جميع هذه المعجزات الذي ثبت عندنا بالنص هو القرآن فقط، وأنا أقول: فقط؛ قصداً؛ لأن نظري ورأيي أنه لم يقع التحدي بآيات الأنبياء أبداً، وإنما وقع التحدي في القرآن فقط، وإثبات التحدي في القرآن لا نحتاج فيه إلى دليل، فالدليل فيه واضح، ولكن بعض الناس قد يقول: لماذا تنفي التحدي في آيات غير النبي صلى الله عليه وسلم؟ نقول:

    أولاً: لو نحن رجعنا إلى آيات النبي صلى الله عليه وسلم، فليس كل آيات النبي صلى الله عليه وسلم وقع فيها تحد؛ كتسبيح الحصى وحنين الجذع، وخطاب البعير للنبي صلى الله عليه وسلم، ونبع الماء بين أصابعه، وأشياء كثيرة جداً مما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم أمام الصحابة وكلها ليس فيها تحد، وهي معجزات ظاهر، وانشقاق القمر لم يكن فيه تحد، وأمثلة كثيرة جداً من المعجزات لم يقع فيها تحد.

    وآيات الأنبياء أيضاً كنجاة إبراهيم عليه السلام من النار، هي معجزة، ولم يتحد إبراهيم بها الكفار، وأين الآية من آيات الأنبياء التي وقع فيها التحدي للبشر؟ لا يوجد.

    وموسى عليه السلام وهو المثال الذي يقع فيه إيهام، فنقول: إن موسى عليه السلام لم يتحد، وإنما قال: هذه آياتي على نبوتي، قالوا نحن نعارضك، فعملهم هذا معارضة وليس تحدياً منه صلى الله عليه وسلم لهم، فلما عارضوه حصل بينه وبينهم هذه المغالبة وغلب.

    ولما ننتقد هذا وهو أنه ليس كل معجزة مقرونة بالتحدي؛ لا يعني هذا أنه يستطيع أن يأتي بها البشر؛ لأن بعض من ذكرت له هذا الكلام قال: ما دامت مقرونة بالتحدي إذاً يمكن أن يأتي بها البشر، نقول: لا، لا يلزم كونها لم يتحد بها أنه يمكن للبشر أن يأتوا بها، هذه قضية مهمة ننتبه لها؛ لأن مشكلتنا أن لدينا خلفيات علمية تؤثر علينا في فهم بعض المسائل التي قد تطرح؛ فيجب أن ننتبه وأن نفكر، ولا يأخذك كلامي وتقتنع به ولكن فكر فيه؛ فقد يظهر لك صوابه وقد يظهر لك أيضاً خطأه، فالمقصد من ذلك أنك لا تستعجل في قضية وتقبل الآراء، كما أنك أيضاً لا تستعجل في قضية الاعتراض على الآراء؛ ما دام أن فيها دليلاً فليس كلامي مطلقاً.

    وكذلك صالح ما تحداهم، إنما طلبوا منه برهاناً، فقال: (هذه ناقة الله)، أخرجها كما قيل من الصخر، وهذا ليس تحدياً، والطلب ليس تحدياً، فالتحدي أن يقول النبي: هذه آية أتحداكم أن تأتوا بمثلها، مثلما في القرآن، فالقرآن واضح فيه معنى التحدي.

    فإن قال قائل: لماذا لا نقول: إن وجود المعجزة دلالة بلسان الحال على أنه تحدى بها؟ فنقول: نحن نتحدث عن التحدي الصريح، ولماذا جاء التحدي الصريح بالقرآن؟ وما الفائدة منه؟ لو نحن طردنا هذا فلا فائدة من كون القرآن يتحدى به صراحة، ولمضى مثلما مضى غيره من الآيات؛ فكونه يتحدى به بوضوح تام جداً في أكثر من آية، وأما غيره من آية الأنبياء، وكذلك من آية النبي صلى الله عليه وسلم لا يتحدى بها دلالة على أن هذا أمر خاص للقرآن الكريم.

    فهذه تتمة لقولهم: (مقرون بالتحدي سالم من المعارضة)، فنحن لا نحتاجها؛ لأن تاريخ الأنبياء دال على أن آيات الأنبياء سلمت من المعارضة، والموضوع في هذا طويل، ولكن هي إشارات فقط إلى ما يتعلق بنقد تعريف المعجزة، ولعلنا نقف عند هذا في كتاب السيوطي رحمه الله تعالى ونكمل فيما بعد.

    1.   

    الأسئلة

    الفرق بين المعجزة والكرامة

    السؤال: [ما الفرق بين المعجزة والكرامة]؟

    الجواب: ليس هناك فرق بين المعجزة والكرامة، والفرق اصطلاحي فقط؛ لأنهم يقولون: إنه إذا ظهرت بين قوم مؤمنين تسمى كرامة، هذا اصطلاحي، فأصل المعجزة ليست موجودة في لغة القرآن ولا في السنة ولا في أقوال الصحابة، وهذه تركيبات عند المتأخرين، فوقعت هذه التعريفات التي يظن بعض الناس أنها شرعية، فبعض الناس إذا قلت له: لا فرق بين المعجزة والكرامة؛ ينكر عليك ويظن أن التفريق بين المعجزة والكرامة مأخوذ من الله ومن رسوله؛ لا، إنما هذا تفريق من بعض العلماء واستمر الأمر عليها، ولكن الحقيقة ليس هناك أي فرق بين المعجزة والكرامة؛ لأنها كلها خارقة للعادة.

    ولكن ما يقع على يد غير النبي فهذه قضية أخرى، ولا ندخل فيها، ولو سميت كرامة؛ لتمييزها عن فعل النبي فهذا ممكن، نقول الكرامة: ما ظهرت على يد ولي، ولكن بعضهم يقول: الكرامة ما ظهرت على يد النبي أمام قوم مؤمنين، وما ظهرت على يد ولي.

    وقوع الخلاف في رسم القرآن مع كون القرآن متلقى بالمشافهة

    السؤال: لقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في رسم القرآن هل هو توقيفي أو ليس بتوقيفي، وقد حصل عندي إشكال أحببت أن أطرحه عليكم للإفادة حوله، وهو معلوم أن القرآن متلقى بالمشافهة من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم تلقاه عن جبريل عليه السلام، وهو عن رب العزة سبحانه وتعالى، ومعلوم أيضاً أن ثمة مواضع يقف عليها جماعة من القراء على حسب مرسوم المصحف، كالوقف على هاء التأنيث المسماة بتاء التأنيث كما في (فطرة) السؤال، لو كان الرسم اجتهادياً ألا يشكل عليه أن كلمات في القرآن رسمت بهذا الرسم على وضع يختلف فيه مع النطق به، فنقول: إذا كان القرآن متلقاً بالمشافهة والتوقيف فكذلك الرسم أرجو الإفادة وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: هذا السؤال يتردد كثيراً، وهو متعلق برسم المصحف، يعني: هل هو توقيفي أو اجتهادي؟

    أولاً: المراد بالتوقيفي هو أن يكون مسنداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف الصحابة على هذا الرسم، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم على القول الصحيح أنه لم يكن يعرف القراءة ولا الكتابة، وهذا هو قول جماهير العلماء، وإن كان هناك من يخالف في أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تعلم القراءة والكتابة بأخرة، ولكن هذا ليس بثابت، بل الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قارئاً ولا كاتباً، وهذا لا شك أنه من تمام أميته صلى الله عليه وسلم، والأمية في حقه صلى الله عليه وسلم مدح وكمال وليست نقصاً، كما يظنه بعض من كتب من بعض المعاصرين أن نسب الأمية إلى النبي صلى الله عليه وسلم هي نوع من النقص؛ فيريد أن ينفي عنه هذه الأمية، وهذا خلل منه في فهم معنى الأمية، وكون النبي صلى الله عليه وسلم أمياً، ولا نريد أن ندخل في هذا النقاش، ولكن المقصد أن هذا الموضوع، وهو كون النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقرأ ولا يكتب يحدد لنا أن رسم القرآن هل هو توقيفي أو ليس بتوقيفي؟

    ولا شك أن الصحيح والذي تدل عليه الآثار أن رسم القرآن ليس بتوقيفي ألبتة، ولا يقال: (ألبتة) إلا إذا كان في أمر يصل إلى القطع، والدليل على ذلك ما رواه الإمام البخاري في حديث عثمان بن عفان لما أراد أن ينسخ مصاحف من مصحف أبي بكر قال للملأ من قريش، وهم الثلاثة الذين مع زيد : فإن اختلفتم أنتم وزيد في شيء فاكتبوه بلسان قريش، وهل قال لهم: كما علمكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلو قال: كما علمكم رسول الله صلى الله عليه وسلم نقول: الرسم توقيفي.

    إنما قال لهم: اكتبوه بلسان قريش؛ فإنه بلسانها نزل.

    ولو كان للنبي صلى الله عليه وسلم تدخل في الرسم لما قال عثمان هذا ولما وافقه الصحابة، فهذا دليل قاطع على أن الرسم كان باجتهاد مطلقاً.

    وما دام باجتهاد فإنه يوقع عندنا مسألة مرتبطة بهذا الأثر؛ لأنه يقع فيها أيضاً إشكال وهو أن عثمان رضي الله عنه قال لهم: إن اختلفتم أنتم وزيد في شيء فاكتبوه بلسان قريش بمعنى: ارسموه على ما يوافق لغة قريش، ورسمه على ما يوافق لغة قريش لا يلزم منه أن يقرأ بلغة قريش وحدها، وهذه قاعدة ينتبه لها لو رسم بلغة قريش لا يلزم منه أن يقرأ بلغة قريش وحدها، والدليل على ذلك موجود في الرسم، وأضرب مثالاً لذلك: نحن نعلم أن قريشاً ما كانوا يهمزون، والهمز لم يكن موجوداً عند الصحابة أصلاً في رسم، والهمز من الضبط وليس من الرسم، ولكن على العموم لما تكتب لفظة (يؤمنون) و(تؤمنون) تكتب بالواو فقط، والهمزة جاءت متأخرة بالضبط، لكن السؤال: لما كتبت (يؤمنون) (تؤمنون) بالواو فقط؛ هل القراء اتفقوا على النطق بها كما تنطق بها قريش من غير همز، أو نجد أن هناك من يهمز ومن لا يهمز؟ بل هناك من يهمز ومن لا يهمز، وهذا دليل على أنه ولو كتب بلغة قريش -أي: بالرسم الموافق لمنطوق قريش- فإنه لا يمنع من قراءته بما ثبت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذاً لا نقول بأن رسم القرآن توقيفي.

    وقد يقول قائل: لماذا تلزموننا برسم المصحف ما دام رسم المصحف ليس بتوقيفي؟

    نقول: نلتزم به من باب الإجماع وليس من باب التوقيف؛ لأن الصحابة قد أجمعوا على هذا الرسم، وتلقاه العلماء جيلاً بعد جيل، وإلى اليوم نحن نجد أن رسم الصحابة لم يختلف ألبتة، فليس فيه خلاف بين العلماء كما هو ثابت في المصاحف السابقة، فالاختلاف في المصاحف متفق عليه، بمعنى: لما نجد في المصحف (نعمت) قد كتبت بالتاء، وفي مصحف آخر (نعمة) كتبت بالتاء المربوطة، نقول: أجمعت المصاحف على كتابة (نعمة) في هذا الموطن على هذين الرسمين، فمن يقرأ (نعمت) بالفتح فله سند ومن يقرأ (نعمة) بغير الفتح فله أيضاً سند، فهذا باختصار ما يتعلق بقضية المرسوم.

    إذاً حينما نقول: نحن ملزمون باتباع المرسوم وألا يكون المصحف إلا بالمرسوم؛ نظراً لوقوع الإجماع على مرسوم المصاحف الذي كان في عهد عثمان رضي الله عنه، وعلى حسب الاختلاف الوارد في المصاحف الستة التي كانت في عهده رضي الله عنه، وهي التي كانت عمدة جميع الأمصار، أرجوا أن تكون هذه المسألة واضحة.

    يبقى عندنا أيضاً مسألة استطرادية، وهي القول بأن رسم القرآن معجز، هذا قول متهافت في الضعف، متهافت في الضعف، متهافت في الضعف، وأكررها ثلاث مرات مع أنه قد قال بها من قال، ولم يقل هذا القول إلا متأخراً جداً، وأنا أعجب من بعض المعاصرين الذين يثبتون الإعجاز للرسم مع وضوح الدليل في أن الرسم أصلاً ليس بتوقيفي في مثل هذا الأثر الذي ذكرته لكم، بل اختلاف الصحابة ومرسوم الصحابة معروف، ولو كان رسماً واحداً لنبهوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم كذا، ولم يأت عن واحد منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشده لأن يرسم كذا إطلاقاً؛ فعدم وجود هذا الدليل، ووجود هذا الدليل الصريح عن عثمان رضي الله عنه على ملأ من الصحابة، ولم ينكر أحد من الصحابة عليه في أن يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم وقفنا على كذا، أو إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نرسم هذه الكلمة كذا؛ فهذا دليل قاطع على أن الرسم كان بالاجتهاد ولم يكن بالتوقيف، وما دام بالاجتهاد وليس بالتوقيف فلا يكون معجزاً ألبتة، وهذا باختصار ما يتعلق بهذا الموضوع.

    ومثال الاختلاف المتفق عليه إجماعاً قوله تعالى: (تجري من تحتها الأنهار) في مصحف، و(تجري تحتها الأنهار) في مصحف آخر، فاختلفت المصاحف؛ فنحن نقول: أجمعت المصاحف على أن الآية تقرأ على وجهين: (تجري من تحتها) أو (تجري تحتها) وليس فيها قراءة ثالثة، فهذا إجماع على نوعين، ومثله أيضاً (أوصى) و (وصى) وهذه ثابتة، وطبعاً ليس مجالنا نناقش في هذا؛ لأنه قد يقع فيها نوع من غفلة، وإن كانت كلمة (غفلة) ثقيلة لكن هي الحقيقة، حتى مع الأسف من بعض من ليس له عناية بالقراءات فأنا أعذره وهو ناقل، ولكن من له عناية بالقراءات ويثبت مثل هذه؛ فأنا أعتبرها نوعاً من الغفلة.

    وكذلك في مصحف (فتبينوا) وكتب في مصحف آخر (فتثبتوا) مع أنه معلوم قطعاً بالإجماع أن رسم الصحابة عار من النقط ومن الشكل، فكيف تكون (تبينوا) في مصحف؟ وهي رسمة واحد. أقول: كانت تقرأ على وجهين، ولم يأت النقط إلا فيما بعد؛ فهذه من اللطائف التي تذكر أحياناً في بعض الكتب.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756691429