أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم.
وبين يدي الدرس أعزيكم وأعزي كل مؤمن ومؤمنة بوفاة العلامة الشيخ حماد الأنصاري تغمده الله برحمته وألحقنا به صالحين، فاللهم اغفر له وارحمه وألحقه بالصالحين، اللهم اغفر له وارحمه وألحقه بالصالحين.
واعلموا أن هذا العالم أحد علماء المدينة النبوية، كثيراً ما كنت- لضعفي وقلة علمي والله- أتصل به هاتفياً وأسأله ويجيبني، وقل من يجيب عن أسئلتي، فكان حقاً مرجعاً للعلم، وفقدناه؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: ( يذهب الصالحون الأول فالأول، حتى إذا بقيت حفالة كحفالة الزرع لا يبالي الله بها بالاً )، ويروى أيضاً: ( أنه إذا مات عالم من علماء الإسلام انثلمت في الإسلام ثلمة لا تنسد إلى يوم القيامة )،
والآن مع [ الفصل الثامن: في آداب الجلوس والمجلس] آداب الجلوس والمجلس؟ إي نعم. لأن الإسلام نظام وضع للإسعاد والإكمال البشري، فالإسلام دين الله ومنهج وشريعة، وقانون ودستور؛ وضع لإسعاد الإنسان وإكماله في الدنيا والآخرة؛ فلهذا اقرءوا قوله تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، فهذا الإسلام اعتنى بآداب المجلس، فإذا جلس العبد في مجلس فليعلم أن له آداباً ينبغي له أن يتأدب بها، فإن رفضها أو استهان بها هبط، وما أصبح أهلاً للكمال والاحترام، فهيا بنا نعلم ونطبق.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ المسلم ] دائماً أكرر: المسلم الحق، المسلم الحسن الإسلام، ذاك الذي أسلم قلبه ووجهه لله، فليس كل من ينتسب بالتابعية وبطاقة التعريف مسلماً، فالمسلم الصحيح الإسلام القوي الإسلام الحسنه [ حياته كلها خاضعة تابعة للمنهج الإسلامي الذي تناول كل شأن من شئون الحياة، حتى جلوس المسلم وكيفية مجالسته لإخوانه ] كيف تجلس، وكيف تجالس، ومن تجلس معهم.. جاء الإسلام ببيانه وبيان ما ينبغي فيه [ فلذا كان المسلم يلتزم بالآداب التالية ] في جلوسه وحده وفي مجالسته لإخوانه؛ لأن المسلم إما جالس وحده أو مجالساً لإخوانه، وعلى كل آداب، مع الجلوس وحده، ومع الجلوس مع إخوانه.
[ ثم يجلس حيث انتهى به المجلس ] حيث وجد مكاناً يجلس فلا يجلس في وسط الحلقة، وإنما في طرفها حيث انتهى به الجلوس [ ولا يقيمن أحداً من مجلسه ليقعد فيه ] لا يجوز فهذا مناف للآداب الإسلامية [ ولا يجلس بين اثنين إلا بإذنهما ] إذا كان هناك فجوة بين هذا وهذا، وأراد أن يجلس فلابد أن يستأذن فيقول: أتسمحان لي أن أجلس بينكما؟ لا يأتي يدفعهما ويجلس بالقوة وذلك [ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يقيمن أحدكم رجلاً من مجلسه، ثم يجلس فيه ) ] قطعاً لم يقل: امرأة؛ لأنه ليس هناك جلوس مع المرأة [ ( ولكن توسعوا أو تفسحوا )] بمعنى واحد [ وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه ] يجيء ابن عمر فيقوم شخص له ليجلس في مجلسه فلا يجلس؛ وذلك لأنه يريد أن يحافظ على هذه الآداب، وهذا كمال وسمو ورفعة، مع أنه لو جلس فلا إثم عليه؛ لأنه جلس بإذنه، إذ لم يقل له: قم! أريد أن أجلس مكانك. لكن ابن عمر من أهل الكمال؛ لذلك لم يجلس فيه [ وقال جابر بن سمرة رضي الله عنه: ( كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي به المجلس ). ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما ) ] الآن هذا الذي نجلس فيه مجلس، فالذي يجيء الآن لا يشق الصفوف ويدخل، وإنما يجلس حيث انتهى به المجلس، فلا يجوز لك أن تقيم أحداً من مكانه، لذلك لو قام لك أحد من مجلسه فلا تقبل كـابن عمر ، بل اجلس في طرف الحلقة حيث انتهى بك المجلس، كذلك لو وجد رجل مكاناً بين اثنين فلا بد أن يستأذنهما، أما أن يفرق بينهما بدون إذن فلا يصح أبداً؛ لأنه يؤذيهما، وأذية المسلم حرام.
( لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما )، الآن لو تأتي إلى طرف الحلقة وتجد اثنين جالسين، وتريد أن تجلس بينهما يجب عليك أن تستأذن: أتسمحان لي أن أجلس بينكما؟ فإن لم يسمحا له جلس وراءهما، كذلك إذا قام أحدكم من مجلسه وعاد إليه فهو أحق به؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إذا قام أحدكم من المجلس ثم رجع إليه فهو أحق به )؛ لأنه كان جالساً فيه، وللضرورة قام منه وعاد؛ فيجب أن يعود إلى مجلسه، وإن جلست فيه أنت فقم على الفور واترك له مكانه.
في الحقيقة الجلوس في وسط الحلقة منظره بشع! لذلك أنت تقول: لا تجلس يا بني في وسطها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن من جلس في وسط الحلقة.
كنا نسمع عن علي والصحابة أن أحدهم لا يتحرك في صلاته، ولا يمس أنفاً ولا عيناً، بل إذا آلمه شيء لا يحكه؛ لذلك إذا كنا بين أمثالنا من بني الناس فمن سوء الأدب أننا ندخل أصابعنا في أنوفنا، أو نتخلل، أو نعبث بلحية أو بثوب، أليس بينك وبين الله أعظم؟! إذا كنت بين الناس مأموراً بهذه الآداب، فمع الله أولى وأوجب، إذ إن المصلي مع الله، فهو يناجي ربه، والله تعالى ينصب وجهه لعبده في الصلاة، فلا تحك ولا تدخل أصبعك في أنفك، ولا تحك جسمك أبداً؛ لأنك مع الله، نسأل الله أن يعيننا على هذا.
قال: [ وليكن كلامه منظوماً متزناً ] ليس فيه ثرثرة أو كلام زائد وناقص [ وإذا تحدث فليتحر الصواب ] لا ينطق بغير الصواب [ ولا يكثر من الكلام، وليتجنب المزاح والمراء ] لا يكثر من الكلام في المجلس وكأنه يخطب الناس! وليتجنب الجدال والممازحة [ وألا يتحدث بإعجاب عن أهله وأولاده ] ومباهاة [ أو صناعته ] أنتجنا كذا وصنعنا كذا [ أو إنتاجه المادي والأدبي من شعر أو تأليف ] لا تقل: أنا ألفت كذا وصنعت كذا [ وإذا حدث غيره أصغى يسمع ] إذا تحدث أحد في الحلقة فيصغي ويسمع [ غير مفرط في الإعجاب بحديث من يسمعه، وأن لا يقاطع الكلام أو يطلب إليه إعادته؛ لأن ذلك يسوء المتحدث ] وإساءة المسلم حرام.
إذاً: إذا جلست يا عبد الله! فراع الآداب الآتية، وهي: أن تجلس وعليك الوقار والسكينة، وأن لا تشبك بين أصابعك، وأن لا تعبث بلحيتك أو خاتمك، وأن لا تخلل أسنانك أو تدخل إصبعك في أنفك، أو تكثر من البصاق والتنخم، أو تكثر من العطاس والتثاؤب، وليكن مجلسك هادئاً قليل الحركة، وليكن كلامك منظوماً متزناً، وإذا تحدثت فتحر الصواب، ولا تكثر من الكلام، ولتجتنب المزاح والمراء، وأن لا تتحدث بإعجاب عن أهلك أو أولادك أو صناعتك أو إنتاجك المادي والأدبي من شعر أو تأليف، وإذا تحدث غيرك فأصغ أنت واسمع، غير مفرط في الإعجاب بحديث من تسمعه، وأن لا تقاطع الكلام أو تطلب إليه إعادته؛ لأن ذلك يسوء المتحدث.
اللهم ارزقنا هذه الآداب، وحلنا بها يا رب العالمين!
إذا أردت أن تجلس في الطرقات، سواء في قريتك أو حيك أو في سوقك، إذ إن الطريق معروف، فإذا أردت الجلوس في الطرقات فإنك تراعي الآداب الآتية:
وكثير من الناس تقول له: السلام عليكم يقول لك: هلا هلا هلا هلا! وهؤلاء هم الجهال، إذ من يقول ذلك لم يجلس أبداً بين يدي العلماء ولم يتعلم، ولم نذهب نحن إليه في حيه أو قريته ونعلمه، فكيف يتعلم؟! لو أنه قرأ القرآن لعرف هذا: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] على الأقل.
ومثاله: أن ينادى للصلاة ولا يجيب الحاضرون من أهل المجلس؛ فإنه يتعين عليه أن يأمرهم بإجابة المنادي للصلاة، إذ هذا من المعروف، فلما ترك وجب عليه أن يأمر به.
ومثال آخر: أن يمر جائع أو عار؛ فإن عليه أن يطعمه أو يكسوه إن قدر على ذلك، وإلا أمر بإطعامه أو كسوته، إذ إطعام الجائع وكسوة العاري من المعروف الذي يجب أن يؤمر به إذا ترك ].
ومثاله: أن يبغي أمامه أحد على آخر ] يظلم أحد آخر أمامه [ فيضربه أو يسلبه ماله؛ فإنه يجب عليه في هذه الحال أن يغير المنكر، فيقف في وجه الظلم والعدوان في حدود طاقته ووسعه ] كثيرون يشاهدون اثنين يتضاربان ويسكتون أو يضحكون! وهذا خطأ، إذ يجب أن يتدخلوا على الفور.
(غض البصر) فلا تنظر إلى النساء.
(كف الأذى) بلسانك ويدك.
(رد السلام) على من سلم عليك.
(الأمر بالمعروف) إذا ترك بين يديك.
(والنهي عن المنكر) إذا ارتكب بين يديك.
وإرشاد الضال إلى طريقه.
فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يقوم من المجلس يقول: ( سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك ).
وسئل عن ذلك فقال: (إنها كفارة لما يكون في المجلس) ] تكفر ما أصابك من إثم في ذلك المجلس وإن كان ما كان، تمحو الإثم الذي علق بالنفس من ذلك المجلس، كأن لم تأمر بمعروف ولم تنه عن منكر مثلاً، أو ارتكبت شيئاً مخالفاً لمحاب الله موافقاً لمكارهه.
فمن الآن كل من جلس مجلساً وقام وهو يحاول القيام أو أراده يقول هذا؛ ليمحو ما علق بنفسه من الإثم: ( سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك )، والذي علمنا هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنه مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولكن هذا تعليم لأفراد هذه الأمة وجماعاتها، فإذا أردت أن تقوم تقول: بسم الله، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
وصل اللهم على نبينا محمد، وآله وسلم تسليماً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر