الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
إخوتي الكرام! انتهينا من القول الأول الذي يقرر أن الجد ينزل منزلة الأب، وعليه لا يرث معه أحد من الإخوة من أي صنف كانوا، سواء أشقاء أو لأب أو لأم، وهذا قول صديق هذه الأمة، وبه أخذ فقيه الملة أبو حنيفة رحمة الله ورضوانه عليهم جميعاً، وانتقلنا بعد ذلك إلى القول الثاني الذين ورثوا الإخوة مع الجد، وقلت: سنتدارس قولهم ضمن ثلاثة أمور: أولها: في أن هؤلاء اختلفوا فيما بينهم، بل اختلفت أقوال الواحد مع بعضها، وذكرت أقوال عمر، وأقوال علي، وأقوال زيد رضي الله عنهم أجمعين، وكيف اختلفوا فيما بينهم، هذه الأقوال تعارضت، وأنه حفظ عن عمر رضي الله عنه مائة قضية في الجد مختلفة ينقض بعضها بعضاً.
والأمر الثاني: قلت سنتدارس حجج الذين ورثوا الإخوة مع الجد، وكما قررت حجج القول الأول، وقلت: إنها عشر حجج بأن الجد ينزل منزلة الأب، فلا يرث أخ مع الجد، قلت: هذا القول سأقرره بعشر حجج أيضاً، وإذا انتهينا منه ننتقل إلى آخر المباحث في مبحث الجد والإخوة، ألا وهو في كيفية توريث الجد مع الإخوة على هذا القول، غالب ظني هذا بدأنا فيه، ثم ذكرنا الأمر الأول منه، أعيده لتكون الحجج العشرة متتابعة مع بعضها.
إرث الإخوة مجمع عليه، وورد في النصوص الشرعية من الآيات القرآنية وأحاديث خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، وأجمع علماء الشريعة الإسلامية على أن الإخوة وارثون، إذا كنت ستحجبهم بالجد لا بد من نص أو إجماع، فإذا كان هناك إجماع، انتهينا فلا خلاف ولا معارضة، وإذا كان هناك نص فالأمر كذلك، أما من ثبت إرثه بنص وإجماع، ثم يحجب عن الإرث ويمنع منه بأمر مختلف فيه، ففي الحقيقة لا يتكافأ الأمران، هذه الحجة الأولى، ولذلك قالوا: لا بد من توريث الإخوة مع الجد، وقلت: هذا الدليل أشار إليه الإمام ابن قدامة في المغني (7/65).
ووجه الاستواء في سبب استحقاق الإرث أن كلاً من الإخوة والجد يدلي بالأب، فالجد أبو الأب، والأخ ابنه، فبما أن الإخوة والجد يدلون بالأب، فلا ينبغي أن يقدم واحد ويمنع الآخر.
أي: فإذا استووا في سبب استحقاق الإرث، ينبغي أن لا يحجب بعضهم بعضاً، قال أئمتنا: ولا تنقص قرابة البنوة عن قرابة الأبوة إن لم تكن أقوى منها، وهذا أشار إليه أيضاً الإمام ابن قدامة في المغني في المكان المتقدم.
الأخ ابن الأب، والجد أبو الأب، فإذا لم تزد قرابة البنوة وهو الأخ على قرابة الجد الذي هو يعتبر أباً للأب، فلا أقل من أن تكون مساوية لها، مع أن في الأصل البنوة أقوى من الأبوة، يعني: الفرع أقوى من الأصل، فالابن يقدم على الأب في التعصيب، ولذلك لو وجد فرع وارث ذكر حجب الأب عن التعصيب، وهنا الأخ ابن الأب.
فإذاً أم الأب تدلي بأب ولا يسقطها الجد، والأخ شقيقاً كان أو لأب يدلي بأب، فلا ينبغي أن يسقطه الجد.
كما أن الجدة عندما أدلت بأب ما أسقطها الجد، وهكذا الإخوة الأشقاء أو لأب يدلون بأب فما ينبغي أن يسقطهم الجد، يعني: هو لو كان في المسألة أب لأسقط أمه التي هي جدة على بعض الأقوال، ولأسقط الإخوة بالاتفاق، لكن إذا جاء مكان الأب جد، فكما أنه لا يسقط الجدة فلا ينبغي أن يسقط الإخوة الذين يدلون بأب؛ لأن الأمر واحد، الجدة أدلت بأب فما سقطت، والإخوة أدلوا بأب فما ينبغي أن يسقطوا، ولا يجوز أن ينزل الجد منزلة الأب في هذه الأحوال.
وهذه حجج كما ترون معتبرة، وما بعد ذلك هل هي أقوى من حجج القول الأول أو دونها هذا موضوع آخر، لكن هذا القول ما أتى من فراغ، وما أتى من بنيات الأذهان, وهي أقوال معتبرة قررها أئمتنا الكرام، لكن في الحقيقة حججها معتبرة.
وهذه الحجة ذكرها في العذب الفائض (1/108).
يعني: هذه أنثى لها فرض، تنزل منزلة البنت، هي لا ترث بوجود البنت؛ لأنه لو وجدت بنت لا ترث الأخت فرضاً بالاتفاق، إذا وجد الفرع الوارث إن كان ذكراً حجب الإخوة والأخوات كلهم، وإن كان الفرع الوارث أنثى لا يرث أحد من الأخوات عن طريق الفرض، وممكن أن يرثن عن طريق تعصيب مع الغير كما تقدم، إنما الآن لا يوجد بنات، الأخوات يأخذن ميراث البنات، فالواحدة لها النصف، وإذا تعددت الأخوات لهن الثلثان.
فإذاً: كما أن الجد لا يسقط البنت ويحجبها عن فرضها، فما ينبغي أن يسقط الأخت والأخوات، وهذا أشار إليه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (12/23).
لو وجد أخ وأخت فله ضعف ما لها، فلها نصف ما لأخيها؛ لكن لو وجد جد وجدة، قد يأخذ هو السدس، وتأخذ هي السدس عن طريق الفرض، يعني: الآن ما زاد عليها في التضعيف، فإذاً الجد لا يعصب الجدة بحال، سواء هناك فرع وارث أم لا، فلا يعصبها، أما الأخ متى ما وجدت معه أخته عصبها، والتعصيب في الذكر الوارث للأنثى الوارثة التي من جهته وفي درجته يدل على قوة قرابته، أي: دليل على قوة القرابة في الإخوة، سواء كانوا ذكوراً أو أناثاً، فهذا دليل خامس ذكره صاحب العذب الفائض في المكان المتقدم.
الإخوة والأخوات يرثون كالأولاد من بنين وبنات فرضاً وعصوبةً، بخلاف الجد، فالجد لا يعصب الجدة، وليس حاله كحال الإخوة في ذلك، فالإخوة والأخوات ينزلون منزلة الأولاد من بنين وبنات، وأقوى الورثة قرابة في الإرث هم الأولاد من بنين وبنات، فالإخوة ملحقون بهم في ذلك، فالأنثى ترث فرضاً والذكر يرث تعصيباً، وإذا اجتمعا عصب الذكر الأنثى، والجد ليس كذلك، فهذه الاعتبارات لا تحصل للجد، فما ينبغي أن يحجب الجد الإخوة، هذا ذكره صاحب العذب الفائض أيضاً.
فإذاً كون الإخوة ينزلون منزلة الفرع الوارث في حجب الأم من الثلث إلى السدس يدل على قوة القرابة فيهم بالنسبة للميت؛ لينتفعوا بالإرث أكثر من انتفاع الأم، ولئلا تنفرد بالثلث كاملاً جاءوا وأخذوا نصف الثلث منها وهو السدس، فأعطوها سدساً وأخذوا سدساً.
وأما الجد فإذا كان أقوى قرابة من الإخوة، -يعني: على قولكم- ينبغي أن نسقط الأم، وإذا لم يسقطها فلا أقل من أن ينزلها من الثلث إلى السدس، وهذا ما حصل في الجد، وإذا كان كذلك فكيف يحجب الإخوة بالجد؟ وهذا ذكره الحافظ في الفتح في المكان المتقدم (12/23).
وهذا محل إجماع، فلو أن الميت مات وترك فرع أخيه (ابن أخ)، وفرع جده الذي هو عم شقيق أو عم لأب، فالمال كله لابن الأخ تعصيباً، والعم محجوب.
طيب إذا كان فرع الأخ أقوى من فرع الجد، أما يدل على أن الأخ أقوى من الجد؟ بلى؛ لأن قوة الفرع تدل على قوة الأصل.
تقدم معنا في ترتيب العصبات، قلنا: يقدم الإخوة ثم بنوهم على الأعمام وبنيهم، مهما نزل الإخوة فالأخ يقدم على أبناء الإخوة، فإذا لم يوجد أخ شقيق أو لأب نأتي لأبناء الإخوة، ابن أخ، ابن ابن أخ، ابن ابن ابن أخ، مهما نزل يقدم على العم؛ كما تقدم معنا:
فبالجهة التقديم ثم بقربه وبعدهما التقديم في القوة اجعلا
فجهة الإخوة وجهة أبناء الإخوة تقدم على جهة العمومة، ومهما علت جهة العموم أو مهما نزلت جهة أبناء الإخوة، ففرع الأخ الذي هو ابن أخ، يقدم على فرع الجد الذي هو عم، والتقديم يدل على القوة، وإذا كان هذا الفرع أقوى من ذلك الفرع، أي: فرع الأخ أقوى من فرع الجد، فينبغي أن يكون الأخ أقوى من الجد؛ لذلك تقدم معنا أن زيد بن ثابت كان في أول الأمر يورث الإخوة ويحجب الجد، على عكس قول أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين، إذاً هذا دليل ثامن ذكره صاحب كتاب العذب الفائض،(1/107).
هناك يدلون بأب، هذا ابنه وذاك أبوه، هنا تقريباً نفس عرض تلك الحجة لكن من وجهة أخرى يستدل بها أيضاً، وهو دليل تاسع:
الأخ ابن أب الميت؛ لأنه يدلي ببنوته لأب الميت، والجد أبو أبيه، والبنوة أقوى من الأبوة باتفاق الفرضيين، بدليل أن الابن مهما نزل يحجب عصوبة الأب، كما في كتاب العذب الفائض.
اختلف الدليل، هناك قلنا: الجد يدلي بأب، والأخ يدلي بأب، فإذا استووا بسبب الاستحقاق فلا ينبغي أن يقدم واحد منهما عن الآخر.
لكن هنا نقول: الأخ أقوى؛ لأن الأخ ابن أب الميت، والجد أبو أبيه، والبنوة أقوى من الأبوة، فكيف يحجب الأخ بالجد؟!
زيد رضي الله عنه يقول: الجد حاله كحال الشجرة لها ساق واحد تقوم عليه وهو الجد.
هذا الساق انشعب منه غصن، ثم نبت منه غصنان، فالساق هو الجد، وهذا الغصن هو الأب، والغصنان هذا أخ وهذا أخ، يقول زيد : فإذا تلف أحد الغصنين بأن مات وعطب، أين يذهب غذاؤه؟ يذهب إلى أخيه، فالغذاء الذي يمتد إلى أعلى كان ينصرف إلى غصنين منشعبين من الأب فبدأ يذهب إلى غصن واحد، فينبغي إذاً أن يأخذ الأخ مال أخيه ولا نعيده إلى الساق.
لو كان الأب حياً فالأمر واضح؛ لأنه سيذهب إليه قبل أن يذهب إلى الفرع يقول: تعال أنت عدت إلى مجراك الطبيعي فيأخذه الأب، هذا محل اتفاق.
وعلي رضي الله عنه شبهه بسيل، وهذا السيل انشعبت منه أيضاً شعبة (نهر صغير، أو ساقية تجري منه)، وانشعبت منها شعبتان، فماء هذا السيل يصب في هذه الشعبة، هذه الشعبة هي الأب، هذه الشعبة انفتح منها فتحتان: هذه شعبة وهذه شعبة، فلو سدت هذه وتعطلت، فالماء الذي يندفع من الأب سيأتي إلى هذه الشعبة، يعني: ماء هذه الشعبة سينصرف إلى هذه، وعليه فالأخ أولى بإرث أخيه من جده.
هذا المثال العاشر التشبيه الذي حصل في قول زيد وقول علي يقرر هذا القول، وأن قرابة الأخ لأخيه إن لم تقدم على قرابة الجد فلا أقل من أن تساويها، وأن يشترك الأخ مع الجد في الإرث، والعلم عند الله عز وجل.
أنا أريد مثل هؤلاء الصعاليك الذين يتكلمون -كما يقال- في الخفاء والظلمات، لو اجتمعنا معه نقول: هات لنا نصاً على الجد والإخوة، هات لنا نصاً يا عبد الله واحسم لنا الكلام، ثم أنت الآن ستأتي بنص وأبو بكر رضي الله عنه وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم هؤلاء خفيت عليهم النصوص، حتى اختلفوا وأنت عندك نصوص، لم لا تتقي ربك فيما تقول؟
وقلت لكم مراراً إخوتي الكرام! لو أن كل جزئية في الشريعة ينبغي أن ينص عليها نص من كتاب أو سنة لما عدت آيات القرآن، ولا ضبطت أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، كانت تحتاج مجلدات من عندك هنا إلى أقصى مكان على وجه الأرض، ولا تكفي تلك المجلدات أيضاً لضبط النصوص في جميع الجزئيات، إنما عندنا قواعد عامة يأتي فقهاء الشرعية الذين أذن لهم بالاجتهاد، وهم على هدى ورشاد على جميع أحوالهم، فيقولون: النص ظاهره يدل على هذا، وذاك يدل على هذا، فإذا احتمل النص هذه الأقوال، فكلها أحكام شرعية معتبرة.
وتقدم معنا أنه في الدولة الإسلامية لا يوجد خلاف بعد ذلك من ناحية العمل، يأتي ولي الأمر يتبنى قولاً منها والبقية تقرر، وأما في أمر العبادات فليس من حق ولي الأمر أن يتبنى، فأنت تريد أن تحرك أصبعك وذاك يريد أن لا يحرك، لا يجوز أن يصدر قراراً يقول: إذا صلى الناس يحركون أصابعهم، فليس من حقه؛ لأن هذا بين الإنسان وبين ربه، وما تحتاجه الحياة إلى ضبط يتبناه، يقول: القضاء في مسألة الجد والإخوة على مذهب الإمام مالك ، فتكون الأمة ملزمة في ذلك وانتهى الكلام، وبقية الأقوال -كما قلت- تقرر ولا تنسخ ولا تلغى، ولا يحكم عليها بالبطلان، لأنها بعد ذلك تغير اجتهاد، أو جاء ولي أمر آخر يقول: نقضي بما قضى به أبو حنيفة، فالمسألة سهلة، وتقدم معنا عبد الله بن مسعود في مسألة واحدة في الجد والإخوة، لما جاء الإخوة إلى عبد الله وقالوا: مات أخونا وترك جدنا، وتركنا أيضاً؟ فأعطى الجد السدس في أول القضاء، ثم جاءوه بعد أن مات أخ له ثان، في العام الذي بعده فأعطى الجد الثلث، قالوا: المسألة هي هي، فلم غيرت؟ قال: نقضي على حسب ما قضى به أئمتنا.
وهذا -كما قلت إخوتي الكرام- هو الحق، وهذه هي الحكمة وهذا هو الإنصاف، أما كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام، قال: هذا الآن عمدة المتعصبين! كما قال بعض السفهاء، يعني في تعقبه على زعمه في المحاضرات، قال: هذا أعطى السراق عدة السرقة، علمهم كيف يسرقون في محاضراته، يعني: علم المحرف كيف يحرفون بهذا الكلام الذي يذكرونه، يعني: هو قد يقول: أنا قلت قولاً، لكن يقول هذا في الحقيقة كلامه أخطر من كلام كل مخرف؛ لأن هذا يضع منهجاً، وهكذا ابن تيمية، الآن نقول: هذا البلاء كله من ابن تيمية، إنه وضع كتاباً يقرر به بدعة التعصب، وكل متعصب الآن عندما نعترض عليه يقول: أما قرأت كلام رفع الملام عن الأئمة الأعلام؟ والأعذار العشرة التي فصلت بعد أن وضحها بأسباب ثلاثة كنت ذكرت مختصرها، علام تعترض إذاً؟
إذاً ابن تيمية هو الذي يقرر بدعة التعصب المذهبي! لا إله إلا الله، ممن يستقون أفكارهم؟ لا أعلم، يعني: لا ابن تيمية يعجبه، ولا ابن قيم الجوزية ، فهذا مخرف، وكان وكان، يعني: إلى من ستحتكم؟ نريد أن نعرف إلى من؟ يعني: جئتم في القرن الخامس عشر من هجرة خير البشر عليه الصلاة والسلام تذيعون أقوالاً بواسطة وحي الشيطان إليكم، لا يوجد إلا هذا!
الإمام النووي ما فوض فيما حكاه عن السلف في أصل المعنى، ولا في المعنى، إنما في كيفيته، ولذلك أجراها على ظاهرها، لكن ما هو هذا الظاهر؟ قال: لا نعرف، هذا هو الإيمان، وهذا هو الحق، لكن هذا تعلَّم كلمتين في ظلمات، وجاء فجعل كلام كل إمام يأتي فيه تفويض فينزله على هذا الاصطلاح عنده، ويقول: هذا يفوض في المعنى لا في كيفية المعنى، كيف؟ قال: تجرى على ظاهرها، هذا ما فوض الآن في المعنى، بل فوض في كيفية المعنى، قال: تجرى على ظاهرها وأثبت لها معنى، لكن حقيقة ذلك المعنى، وكيفية ذلك المعنى قال: لا نعرفه، هذا أول نص ينقله عن الإمام النووي، أول نص في موضوع التفويض الذي هو عند السلف يدل على هذا، وهذا جاء يتبجح بعد ذلك.
طيب، أرجع المسائل إلى نصوص شرعية، وإلى أقوال الصحابة وإلى أقوال الأئمة الأربعة، وأنتم ترون أن الأخذ بأقوال الأئمة الأربعة يعتبر تعصباً ومذهبية، يعني: أنتم قفزتم إلى من هو فوقهم، ليس إلى من هو دونهم، ولا وقفتم عندهم، يعني: أي تعصب أشنع من تعصبكم؟ وبعد ذلك ترمون الناس بما هو فيكم!
والله لو نزل جبريل على نبينا عليه الصلاة والسلام، وقال: هذه المسألة شرعية جائزة لقالوا: لا نقبل منك، اتقوا الله في أنفسكم، مسألة جائزة يقررها أئمتنا جئت أنت صعلوك في آخر الزمان ستعترض على الإمام النووي، إن اعترض بنص فعلى العين والرأس، ونقول: الإمام النووي وهم وأخطأ، وكل واحد يخطئ ويصيب، ويأخذ من قوله ويترك إلا المصطفى عليه صلوات الله وسلامه، أما قول معتبر يقرره أئمتنا تنقضه برأيك، فنقول: هات دليلاً على نقضه، ما بقي إلا أوهام.
الذي يريد أن يبحث في مسألة يستدل بنص شرعي، بقول صحابي، بإمام من الأئمة الأربعة على العين والرأس، هم جميعاً على هدى، يعني ما قررت مسألتك ولا بواحدة من هذه الأمور، إذاً لم تمنع؟ هذا الآن كتاب كامل فيه تعقيبات على الإمام النووي، وأنا أقول لكم عما قريب ستظهر تعقيبات على السنة، هذا خرج من فترة بتنقيتها وغربلتها، لكن ما بقي إلا تعقيبات على القرآن، فيقال: لعله حصل شيء من الوهم في الجامع أو كذا، ما نعلم ماذا سنفاجأ به هذه الأيام؛ لكن موضوع خذوا تعقيبات لا نهاية له، فانتبهوا لهذا إخوتي الكرام، ووالله يا إخوتي الكرام ما أتوا إلا من جهلهم، لأنه ما واحد منهم قرأ كتاباً في الفقه، ولا أحاط بعلم الشريعة وقرأ شيئاً متكاملاً عن الشريعة، إنما مسائل متنافرة يأخذها من أفواه بعض الناس سيصبح بها شيخ الإسلام، نقول: هل جلس وقرأ؟ لو قرأ كتاباً في الفقه من أوله لآخره مع الأدلة، ستلاحظ أن عنده المسائل كلها معتبرة، لكن كل هذا لا علم له به، كتاب رفع الملام الذي هو لإمام من أئمة الإسلام، لا أريد أن يقرأ فيه، بل يقول: إن نشره ترسيخ لبدعة التعصب المقيت، التعصب للإمام النووي مقيت، والتعصب لبعض المحاضرين هذه سلفية شرعية تدخل بها الجنة بغير حساب، طيب! أي التعصبين أهدى سبيلاً؟ أنا أريد أن أعلم، إذا كان التعصب لهذا تراه سلفية، والتعصب للإمام النووي تراه بدعة شركية! لا إله إلا الله.
الإخوة مع الجد لهم حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون الإخوة صنفاً واحداً، يعني: أشقاء أو لأب، وتقدم معنا أن المراد من الإخوة مع الجد هم الذين يدلون بأب من أشقاء لأب، الإخوة لأم لا يرثون بالإجماع.
إذاً: أن يكون الإخوة صنفاً واحداً، سواء كان ذلك الصنف ذكوراً أو إناثاً أو مختلطين، إنما صنف واحد، يعني: جد ومعه إخوة أشقاء، أو جد ومعه إخوة لأب، المقصود صنف واحد من الإخوة، هذه الحالة الأولى.
الحالة الأولى: أن لا يكون معهم صاحب فرض. إذاً الإخوة صنف واحد، وليس معهم صاحب فرض، أي إخوة أشقاء أو لأب مع الجد ولا يوجد صاحب فرض.
الحالة الثانية: أن يكون معهم صاحب فرض.
الحالة الثانية: أن يكون الإخوة متعددين مختلفين، يعني: أشقاء ولأب، ذكوراً أو إناثاً أو مختلطين، إنما وجد صنفان من الإخوة، أخ شقيق وأخ لأب وجد، أخت شقيقة وأخت لأب وجد، الإخوة الآن صنفان، يعني: أشقاء ولأب مع الجد، فلهم حالتان أيضاً كالحالتين المتقدمتين: أن لا يكون معه صاحب فرض، وأن يكون معهم صاحب فرض، إذاً صار معنا أربع حالات للجد مع الإخوة.
الإخوة كما قلنا صنف واحد، وليس معهم صاحب فرض، يعني: إخوة أشقاء أو لأب مع الجد، ولا يوجد معهم وارث صاحب فرض على الإطلاق، فالجد له الأحظ والأكثر من أمرين: وهما ثلث كل المال، أو المقاسمة، فأيهما أحظ يعطيه للجد.
وهاتان الحالتان وهذان الأمران لهما ثلاثة أحوال على التفصيل:
الحالة الأولى: المقاسمة تكون خيراً وأحظ وأكثر للجد من الثلث إذا كان الإخوة أقل من مثليه، ولذلك خمس صور فقط فانتبه لها.
أولها: أن يكون معه أخت، أو أختان، أو ثلاث أخوات، أو أخ، أو أخ وأخت، لا يوجد صورة أخرى على الإطلاق، في هذه الأحوال الخمسة الأحظ للجد المقاسمة؛ لأنه سيأخذ أكثر من الثلث؛ لأنك إذا قلت معه أخوان استوت المقاسمة والثلث كما سيأتينا، وإذا قلت أخ وأختان استوت المقاسمة والثلث، وإذا قلت أربع أخوات استوت المقاسمة والثلث.
إذاً عندنا أخت، أختان، ثلاث أخوات، أخ وأخت؛ لأنه أخ وأخت هذا صار مثل الجد ونصفه، أي مثل ونصف مثل، أما أخ وأختان يصبح الإخوة مثليه؛ لأن الأخت ستحسب بنصف أخ، إذاً في خمس صور المقاسمة أحظ للجد، خذ مثالاً.
جد وأخت شقيقة أو لأب، فتقول: مقاسمة.
تقدم معنا إخوتي الكرام، نحن اصطلاح (ع) على التعصيب، و(م) على المحجوب، أرى في المقاسمة أن نرى اصطلاحاً آخر لنميزه عن التعصيب ولنميزه عن الفرض، فنكتب (مس) المقاسمة، تقسم المسألة من عدد الرءوس، المسألة من ثلاثة، الجد له اثنان، والأخت لها واحد فأخذ ثلثين.
حكمه حكم التعصيب، عندما نقاسم سنجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، لكن هذا بما أنه ليس تعصيباً لازماً، نسميه مقاسمة يعني: نسميه مقاسمة الآن لو كان هنا بدل الأخت خمس أخوات ما عملنا عصبة سنعطيه الثلث، فبما أن حكم المقاسمة يختلف عن التعصيب الذي لا ينفك عن المعصب نسميه مقاسمة.
الصورة الثانية: جد وأخت وأخت، أيضاً مقاسمة، وبين المسألة من عدد الرءوس، فهي أربعة، الجد له اثنان، فلكل بنت واحد، فأخذ النصف، والنصف أكثر من الثلث.
الصورة الثالثة: جد وأخت وأخت وأخت، أي ثلاث أخوات، المسألة من خمسة، فالجد له اثنان ولكل بنت واحد فأخذ خمسين، وهما أكثر من الثلث؛ لأن الثلث أن يأخذ سدسين، فالخمسان أكثر من السدسين، هذه المسألة الثالثة.
الصورة الرابعة: قلنا: جد وأخ، هذا الآن يعتبر واحداً، وهذا واحداً، فالمسألة من اثنين للجد واحد والأخ واحد، فأخذ النصف.
الصورة الخامسة: جد وأخ وأخت، المسألة من خمسة؛ الجد له اثنان، والأخ اثنان، والأخت واحد، إذاً أخذ خمسين.
هذه الأحوال الخمسة فقط ولا يوجد لها سادس على الإطلاق، تكون المقاسمة أحظ وخيراً وأكثر للجد من ثلث كل المال.
الصورة الأولى: جد وأربع أخوات، نعتبره رأسين، المسألة من ستة، أنت الآن مخير، إن شئت أن تعطي للجد المقاسمة سيأخذ اثنين من ستة، وإن شئت أن تعطيه الثلث سيأخذ اثنين من ستة، المسألة هي هي لا تختلف؛ لكن الخلاف فقط في تأصيل المسألة، يعني: هل سنخرج الأصل ثلاثة ثم نصححها إلى ستة، أو سنخرج ستة مباشرة؟ إذا عملنا مقاسمة تكون ستة مباشرة، وإذا أعطيناه الثلث، سيخرج الأصل معنا ثلاثة، ثم نصححها إلى ستة.
الصورة الثانية: جد وأخوان المسألة من ثلاثة على كل حال.
لا أصل ولا مصح، جد وأخ وأخ، إن أعطيته الثلث فأصل المسألة ثلاثة، وإن أعطيته المقاسمة فالمسألة من ثلاثة، يعني: يتفقان في النصيب وفي الأصل، ثلثها واحد، والمقاسمة واحد، ولكل واحد من الأخوين واحد.
الصورة الثالثة: جد وأخ وأخت وأخت، تستوي المقاسمة مع ثلث كل المال، الآن إن عملت مقاسمة ستجمع الرءوس، وهي ستة: الجد له سهمان، والأخ سهمان, وكل واحدة من الأختين سهم، فستة أصل وليس هناك تصحيح له.
وإن أعطيته الثلث سنعود إلى ما فعلناه هناك في المقاسمة، فالمسألة من ثلاثة، له واحد، بقي معنا اثنان للإخوة، وعددهم أربعة، وبينهما موافقة، نأخذ وفق الأربعة، وهي اثنان في ثلاثة تكون ستة، نفس الحل كما تقدم معنا، يعني: الخلاف فقط هل الستة التي هي أصل أو مصح؟ فعلى المقاسمة تعتبر أصلاً، وعلى الفرض للجد وهو الثلث تعتبر مصحاً.
إذاً: تستوي المقاسمة مع الثلث إذا كان الإخوة مثليه، هذا الضابط، ولذلك ثلاث صور فقط، لا إله إلا الله، وهل نعبر -لا زلنا في الحالة الثانية- نعبر عن نصيب الجد في هذه بالفرضية أو بالمقاسمة، أو يخير الإنسان، فإن شاء هذه وإن شاء هذه؟ فذهب أكثر الفرضيين إلى الأول، وهو التعبير عنه بالفرضية، أي: أن له الثلث فرضاً، والسبب في ذلك قالوا: لأن فرض الثلث ثبت لمن له ولادة، فهو ثابت للأم، والأم تأخذه بسبب الولادة، فيأخذه الجد بسب الولادة، فالقول بأن الجد في هذه الحالة له فرض الثلث أولى من أن تكون مقاسمة.
وقيل: العكس، نقول بالمقاسمة لأن هذه مسألة خاصة بين الجد والإخوة، فلهم كيفية معينة في الإرث عن طريق التعصيب والمقاسمة.
وقيل: يخير الإنسان بين الطريقتين، فإن شاء أن يقول: له الثلث، وهذا فرضه، وإن شاء أن يقول: مقاسمة.
طيب! ماذا يترتب على ذلك؟ يترتب على ذلك أمران: أحدهما يسير، وهو طريقة في الحل، لكن الثاني خطر جليل فانتبهوا له.
أما الأول فهو في موضوع التأصيل والتصحيح، فعلى القول بالمقاسمة لا يوجد تصحيح للمسألة؛ لأن أصل المسألة تصح منه، وكل واحد يأخذ نصيبه، ولا داعي للتصحيح.
وإذا قلنا: إن المسألة أصلها ثلاثة ستصحح بعد ذلك في بعض الصور كما تقدم معنا، يعني: في غير صورة الأخوين، لكن المسألة الثانية في الحقيقة مهمة وتتوقف على هذا، وهي لو أوصى الميت بعد إخراج الفرض لأصحاب الفروض بوصية، لو قال: بعد أن يأخذ أصحاب الفروض فروضهم فثلث مالي صدقة، أو لفلان، فإن جعلت للجد ثلث المال، تعطي الثلث من الباقي وصية، وإن جعلت له مقاسمة تلغى الوصية من أولها إلى آخرها، لأنه لا يوجد صاحب فرض، بهذا اختلف الأمر غاية الاختلاف.
يعني: الوصية إما أن تنفذ وإما أن تلغى، فإن جعلت للجد الثلث بعد أن تعطي صاحب الفرض فرضه، تخرج ثلث الباقي وصية، وإذا قلت: لا يوجد صاحب فرض وكلهم عصبات ألغيت الوصية.
فلو مات وترك تسعة ملايين وأوصى بالثلث بعد الفرض، وورثه جد وأخوان فإن قلنا الجد يأخذ الثلث فرضاً أخذ الوصية من الستة الملايين الباقية بعد ثلث الجد، وإن قلنا يرث الجد مقاسمة ألغيت الوصية؛ لعدم وجود الفرض.
جد وأخ شقيق وأخ شقيق وأخت شقيقة، فالإخوة أكثر من مثليه، فالأخوان يعتبران مثلين للجد والأخت زيادة فالثلث الآن أحظ له، ولا يوجد إلا هذا الحل، فالمسألة من ثلاثة، للجد واحد، وبقي معنا اثنان للإخوة، لكن عدد رءوسهم خمسة، نصحح المسألة، فنضرب خمسة في ثلاثة؛ لأنه بين الاثنين والخمسة مباينة، فنأخذ كامل عدد الرؤوس وتأتينا هذا في عملية الحساب بعد الجد والإخوة إن شاء الله.
خمسة في ثلاثة خمسة عشر، ثم نضرب للجد خمسة في واحد وهو نصيبه، فيأخذ خمسة، لا يتغير نصيب الجد وهو الثلث؛ لأن خمسة من خمسة عشر هي ثلث.
اثنان في خمسة عشرة، نقسمها على خمسة من اثنين، للذكر مثل حظ الأنثيين، لكل أخ أربعة أربعة وللأخت اثنان.
فإذاً هنا المسألة من ثلاثة وصححت إلى خمسة عشر، فالجد له خمس من خمسة عشر، والباقي للذكر مثل حظ الأنثيين، يعني: هذه صورة، وهي أول صورة، يزيد فيها الإخوة على مثلي لجد، يعني: أن يكونوا مثلين ونصفاً، ثم ثلاثة أمثال، ثم ثلاثة أمثال ونصف، ثم أربعة أمثال على حسب ما تزيد، لكن هذه أول الزيادة، يعني: زادوا بنصف المثل الذي هو أخت، ولو كانوا الآن ثلاثة إخوة لزادوا مثلاً، يعني يبقى ثلاثة أمثال وهكذا.
فانتبه الآن خمسة من خمسة عشر هذه الثلث، أو ليس كذلك؟ لو قاسمته ستعطيه أقل من ذلك بكثير؛ لأن الرءوس خمسة، وهو اثنان، يكون الجميع سبعة لو قاسمته ستعطيه اثنين من سبعة وهي أقل من الثلث.
المقاسمة تكون خيراً للجد إذا كانوا أقل من مثليه في خمس صور، وتستوي المقاسمة مع الثلث إذا كانوا مثليه في ثلاث صور، وما عدا ذلك فالثلث خير له.
أولها: المقاسمة، وثانيها: ثلث الباقي، أي ثلث ما يبقى بعد إعطاء ذوي الفروض فروضهم، وثالثها: سدس كل المال، تعطيه الأحظ من هذه الأمور الثلاثة، وسأضع ضابطاً لكل واحدة، فأوضح متى ستكون المقاسمة أحظ، أو ثلث الباقي أحظ، أو سدس كل المال أحظ، ولذلك تفصيل سيأتي معنا في سبعة أحوال إن شاء الله، هناك ثلاثة وهنا سبعة، يصبح مجموع الحالات عشرة أحوال فانتبهوا لها أيضاً.
إذاً: الآن عندنا الأحظ من المقاسمة وثلث الباقي والسدس، انتبه! فرض الثلث ذهب، وحل فرض زائد وهو السدس، السدس هنا ولا يوجد هناك، وهناك ثلث الكل وهنا ثلث الباقي، والمقاسمة مشتركة بين الأمرين، يعني: هناك مقاسمة وهنا مقاسمة، لكن هناك ثلث الكل، وهنا ثلث الباقي، هنا يزيد السدس وهنا لا يوجد السدس، هناك له الأحظ من أمرين، وهنا من ثلاثة أمور: المقاسمة والسدس وثلث الباقي.
إخوتي الكرام! قبل أن ندخل في تفصيل هذه الأحوال، سأشير إلى فائدة انتبهوا لها، وهي:
الوارثون من أصحاب الفروض مع الجد والإخوة ستة أصناف من الورثة الزوجة والزوج والجدة والأم والبنت وبنت الابن.
تفصيل الكلام على الحالة الثانية فيما يأتي إن شاء الله، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر