الجواب: جوابنا على هذا السؤال الذي طلق فيه الرجل زوجته من أجل الغضب طلقتين ثم راجعها أن نقول: الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم, حتى تنتفخ أوداجه, ويقف شعره, ويحمّر وجهه, وربما يفقد وعيه, ودواء هذا أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم, وأن يتوضأ, وأن يغير الحالة التي كان عليها؛ إن كان قائماً جلس, وإن كان جالساً أضجع, وكذلك أيضاً من أدويته أن ينصرف عن المكان الذي حصل فيه الغضب قبل أن يحدث شيئاً, وعلى المرء في تصرفاته أن يغلّب جانب العقل على جانب العاطفة؛ لأن العاطفة تجرف بالإنسان وتلقيه في الهاوية, وما أكثر الناس الذين يأتون ليزيلوا آثار غضبهم من طلاق وغيره, فعلى المرء أن يتقي الله تعالى في نفسه, وأن يأخذ بوصية النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه رجل، فقال: أوصني قال: ( لا تغضب، فردد مراراً قال: لا تغضب ). والحديث صحيح في البخاري , هذه نصيحتنا لهذا الأخ السائل وغيره بالنسبة للغضب.
أما بالنسبة للطلاق الصادر منه, فلا يخلو الغضبان من ثلاثة أحوال:
إما أن يكون الغضب يسيراً, يتحكم الإنسان في نفسه وتصرفه, فهذا لا شك في أن الطلاق يقع منه, ويترتب عليه آثاره؛ لأن مثل هذا الغضب لم يفقده شيئاً من وعيه وتصرفه.
والحال الثانية: أن يكون الغضب متناهياً, بحيث يصل إلى درجة لا يعي الإنسان فيها ما يقول: ولا يدري أهو في بر أم بحر, أم في أرض أم في سماء؟ ففي هذه الحال لا يقع طلاقه ولو كرره مائة مرة؛ لأن الرجل يكاد يكون فاقداً لعقله, أما إحساسه ووعيه فلا ريب أنه فاقدهما, وقد حكى بعض أهل العلم الإجماع على أن الطلاق لا يقع في هذه الحال, الحال الثالثة: أن يكون الغضب وسطاً بين هذين, فهو ليس في ابتدائه ولا انتهائه, هو يعي ما يقول ويدري ما يقول لكن الغضب أرغمه على أن يقول ما لا يرضاه وما لا يحبه, بمعنى: أنه أغلق عليه حتى كأن أحداً أكرهه على أن يطلق, وهو يدري أنه طلق ويدري ما يقول لكن كالمرغم على ذلك, ففي هذه الحال اختلف أهل العلم هل يقع الطلاق أو لا يقع الطلاق؟ فمنهم من يقول: إنه لا يقع, ويستدلون بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا طلاق في إغلاق ). قالوا: وهذا مغلق عليه حيث إن الغضب أجبره أن ينطق بالطلاق, وبعض العلماء يقول: إن الطلاق يقع؛ لأنه يعي ما يقول: ويدري ما يقول، وكون هذا الأمر شبه إكراه لا يمنع من وقوع الطلاق لا سيما وأن الرجل لم يفعل ما أمر به من التعوذ بالله من الشيطان الرجيم, وتغير حاله, والوضوء، فهذه المسألة الدرجة الوسطى هي محل خلاف بين أهل العلم. فأنت -أيها السائل- انظر إلى حالك, هل أنت من أهل الحال الأولى التي في ابتداء الغضب, أو من أهل الحال الثانية التي هي غاية الغضب ونهايته, أم من أهل الحال الثالثة الوسطى حتى تعرف هل يقع الطلاق منك أو لا يقع؟ وعلى كل حال فإن الطلقتين في مجلس واحد يعتبران طلقة واحدة, فلا يقع عليك بهذا الطلاق, إن كنت من أهل الطلاق, أي: من أهل الغضب الذين في الدرجة الأولى, أو في الوسطى على رأي من يقول بوقوع الطلاق فيها, فإن هذا الطلاق الذي وقع منك يعتبر طلقة واحدة, إن لم يسبقه طلقتان, فإن لك أن تراجع زوجتك في هذا الطلاق, أما إذا كان قد سبقه طلقتان متعاقبتان, بمعنى: أن كل طلقة بينها وبين الأخرى رجعة, فإنه يعتبر هذا الطلاق آخر تطليقات ثلاث, ولا تحل لك زوجتك حتى تنكح زوجاً غيرك.
مداخلة: استرجاعه لزوجته حسب ما ذكر هو, هل يكفي هذا, أم لا بد من إشهاد شهود على الرجعة؟
الشيخ: الإشهاد على الرجعة سنة مؤكدة, ولكن الرجعة تحصل بدون إشهاد, فالشهادة عليها ليس بشرط عند أكثر أهل العلم, ولكن لا ينبغي أن يرجع إلا بإشهاد.
الجواب: إذا كانت هذه القبور قبور مسلمين, فإن أصحابها أحق بالأرض منكم؛ لأنهم لما دفنوا فيها ملكوها, ولا يحل لكم أن تبنوا بيوتكم على قبور المسلمين, ويجب عليكم إذا تيقنتم أن هذا المكان فيه قبور, يجب عليكم أن ترفعوا البناء, وأن تدعوا القبور لا بناء عليها, وكونه لا بيوت لكم, لا يقتضي أن تحتلوا بيوت غيركم من المسلمين, فإن القبور بيوت الأموات, ولا يحل لكم أن تسكنوها ما دمتم عالمين بأن فيها أمواتاً.
وبقي علينا تنبيه وهو قولك: المرحومة والدتي, فإن بعض الناس ينكر هذا اللفظ, يقول: إننا لا نعلم هل هذا الميت من المرحومين, أو ليس من المرحومين, وهذا الإنكار في محله إذا كان الإنسان يخبر خبراً عن أن هذا الميت قد رحم لأنه لا يجوز أن نخبر أن هذا الميت قد رحم, أو عذب بدون علم, قال الله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36]. لكن الناس لا يريدون بذلك الإخبار قطعاً, فالإنسان الذي يقول: المرحوم الوالد, أو المرحومة الوالدة, أو المرحومة الأخت أو الأخ أو ما أشبه ذلك, لا يريدون بهذا الجزم أو الإخبار أنهم مرحومون, وإنما يريدون بذلك الدعاء أن الله تعالى قد رحمهم والرجاء, وفرق بين الدعاء والخبر, ولهذا نحن نقول: فلان رحمه الله, فلان غفر الله له, ولا فرق من حيث اللغة العربية بين قولنا: فلان المرحوم, وفلان رحمه الله؛ لأن جملة رحمه الله جملة خبرية، والمرحوم بمعنى: الذي رحم، فهي أيضاً خبرية, فلا فرق بينهما أي بين مدلولهما باللغة العربية, فمن منع المرحوم يجب أن يمنع فلان رحمه الله.
وعلى كل حال نقول: لا إنكار في هذه الجملة, أي: في قولنا: فلان المرحوم, وفلان المغفور له, وما أشبه ذلك؛ لأننا لسنا نخبر بذلك خبراً, ونقول: إن الله قد رحمه وأن الله قد غفر له, ولكننا نسأل الله ونرجو فهو من باب الرجاء والدعاء, وليس من باب الإخبار, وفرق بين هذا وهذا.
الجواب: هذه الوصية غير صحيحة, وهي باطلة؛ لأن الله سبحانه وتعالى قسم الميراث، وقال: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:11] هكذا ختم آية ميراث الأصول والفروع, ومنه هذه المسألة التي ذكرها السائل، فالله تعالى قد فرض للأولاد ميراثهم, فلا يجوز لنا أن نتعدى ما فرض الله سبحانه وتعالى, والنبي صلى الله عليه وسلم أكد ذلك في قوله:( إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه, فلا وصية لوارث ). فهذه الوصية التي أوصى بها الأب لابنيه الصغيرين دون بقية أولاده, هي وصية باطلة محرمة. نعم إن ثبت أن هذا المال قد حصل لهذين الابنين بطريق آخر غير طريق الأب, كما لو كانا قد ورثاه, أو وهب لهما بالذات, إذا ثبت هذا فهو لهما, وليس وصية من قبل أبيهما, لكن إذا كان وصية من قبل الأب يستحقانه من مال الأب المتروك, فإنها وصية باطلة, ولبقية الورثة الحق في إبطال هذه الوصية, ورد هذا المال إلى التركة ليقسم بينهم على كتاب الله تعالى, ولكني أرى أن من الأحسن أن ينفذ وصية والدهما, لا سيما أن أخويهما صغيران, فهما محل الرحمة؛ لأنهما إذا كانا صغيرين فهما يتيمان, والله تعالى قد أوصى باليتامى خيراً, فأرى أنه ينبغي لبقية الورثة أن يمضوا هذه الوصية؛ ليكون في ذلك بر للوالد, حيث وافقوا مراده؛ ولأن ذلك إحسان إلى هؤلاء اليتامى.
الجواب: الورع أن لا يقبل هذا الشيء, وأن يدعه؛ ( لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عاملاً على الصدقة, يقال له:
الجواب: أولاً: ينبغي أن يعلم أن الرضاع المحرم الذي تثبت به أمومة المرضعة, هو ما كان خمس رضعات فأكثر قبل الفطام, فإذا كانت هذه الزوجة التي تزوجتها قد رضعت من أمك خمس رضعات قبل أن تفطم, أو كنت أنت قد رضعت من أمها خمس رضعات قبل أن تفطم أنت, فإن الأخوة ثابتة؛ لأن الأخوة الثابتة سواء كان هذا الرضاع بينكما مباشرة, أي: من بطن واحد, أو كانت هي رضعت مع أخيك, أو أنت رضعت مع أخيها؛ لأن الأم واحدة، فهي لما أرضعتها أمك صارت بنتاً لها, وإذا كانت بنتاً لأمك فهي أخت لك, وأنت لما أرضعتك أمها صرت ابناً لأمها، فأنت أخوها سواء رضعت معها أو مع ابن قبلها أو بعدها, ولكن المدار الآن على عدد الرضعات التي صارت منك أو منها, إن كنت رضعت من أمها خمس رضعات فهي لا تحل لك لأنها أختك, وإن كانت قد رضعت من أمك خمس رضعات, فإنها لا تحل لك أيضاً لأنها أختك, سواء كانت رضعت من اللبن الذي نشأ من الحمل فيك, أو رضعت من اللبن الذي نشأ من الحمل فيها, أو رضعت من لبن سابق أو لاحق, وكذلك هي.
فالمهم أنه يجب عليك الآن أن تبحث, هل وقع الرضاع خمس مرات منها لأمك, أو منك لأمها فإن كان الأمر كذلك, فالنكاح باطل, ويجب عليك أن تفارقها, ولكن الأولاد أولاد شرعيون لك؛ لأنهم خلقوا من ماء يعتقد الواطئ أنه حلال, وهذا وطء بشبهة فيكون الأولاد لك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر