الجواب: لا شك أن للحج معنيين معنى لغوياً ومعنى شرعياً، أما المعنى اللغوي فهو ما أشار إليه هذا الرجل الذي رد اعتراض السائل عليه، وهو أنه يراد به القصد، فكل من قصد شيئاً ومشى إليه وسعى إليه فقد حج إليه، أما المعنى الشرعي فهو قصد البيت الحرام أو قصد مكة لأداء المناسك، فهذا هو الحج شرعاً، وحيث إن المعنى اللغوي انتقل إلى المعنى الشرعي فإنه لا ينبغي استعماله بمعناه الأصلي، فإن أهل العلم قالوا: إن الحقائق ثلاثة: شرعية ولغوية وعرفية، وأن الشرعي مقدم على اللغوي والعرفي، وعلى هذا فالمسلمون الآن يعتبرون الحج في لغتهم هو قصد مكة لأداء المناسك، فإنكار هذا السائل على القائل لهذا الشيخ: أنا حججت إليك وما أشبه ذلك هو في محله، ودفاع ذلك عن نفسه بأن الحج في اللغة القصد هو عبارة عن شُبْهَة لا حجة، وذلك لأن الحج نقل معناه شرعاً إلى حج بيت الله الحرام، ولهذا عندما يطلق المسلمون كلمة الحج الآن لا تنصرف إلا إلى حج البيت لأداء المناسك فقط، ثم إن قوله لهذا الشيخ: حججت إليك لا شك أن فيه غلواً إما لفظياً وإما معنوياً، ويخشى أن يفتح باب الغلو في المشايخ ومن يسمون بالأولياء، كما فسر أهل التخييل والمنغمسون في الصوفية الحج الموجود في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه قصد مشايخهم وأوليائهم.
فعلى كل حال إنكار هذا السائل على القائل للشيخ: حججت إليك إنكار في محله، ونحن نرى أنه لا ينبغي للمسلم أن يطلق القصد إلى شخص يطلق عليه الحج؛ لأن الحج معروف شرعاً بأنه قصد البيت لأداء المناسك.
مداخلة: قوله: حجيت إليك حجة الأشواق لا ما يوجب الإسلام، كلمة: لا ما يوجب الإسلام يمكن أن يتخيل منها السامع أنها أفخم أو أعظم من حجة الإسلام أيضاً؟
الشيخ: نعم ربما يفيد ذلك.
مداخلة: وإن كان لا يقصد ذلك.
الشيخ: وربما أنه يريد أنني أردت بالحج هنا ليس الحج الشرعي وإنما هو الحج بالمعنى اللغوي العام.
مداخلة: لكنها لابد أن تثير..
الشيخ: على كل حال ما ينبغي هذا الكلام.
الجواب: نعم، إذا كانت هذه الأفعال التي سردها واقعةً في أوقاتها الشرعية وحسب ما جاء في الشريعة فحجهم بالنسبة إلى الرجل وإلى المرأة أيضاً صحيح، لكن المرأة الذي يفهم من السؤال أنها لا تزال في نفاسها، وعلى هذا فإن طوافها بالبيت ليس بصحيح، وكذلك السعي؛ لأنه مبنيٌ عليه، فيجب عليها في مثل هذه الحال إذا طهرت من النفاس أن تعود وتطوف بالبيت طواف الإفاضة وتسعى بين الصفا والمروة، وبهذا يتم حجها.
الجواب: أما تقديم الإحرام قبل الميقات فإنه لا ينبغي، لكن إذا كان الإنسان لا يدري أو كان يريد الاحتياط بحيث لا يعرف أن هذا المكان المعين هو الميقات فيحتاط خوفاً من أن يفوت الميقات قبل أن يحرم فلا حرج عليه في ذلك، لكن متى علم الإنسان أن الميقات هو هذا المكان المعين فإنه لا يحرم قبله، وأما بالنسبة لتجاوز الميقات قبل الإحرام فإنه لا يجوز، بل يجب عليه أن لا يتجاوز الميقات حتى يحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه ابن عمر رضي الله عنهما: ( يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ) وكلمة: (يهل) جملة خبرية لكنها بمعنى الأمر، أي: يجب عليهم الإهلال من ذي الحليفة إلى آخر الحديث، فهذه المواقيت لا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة أن يتجاوزها حتى يحرم، لكن من كان جاهلاً وتجاوزها ثم أحرم بعد أن تجاوزها بخمسة كيلوات أو عشرة أو ما أشبه ذلك فإنه ليس عليه شيء، وذلك لأنه جاهل بهذا، لكن إن علم قبل أن يحرم بأن الميقات خلفه وجب عليه أن يرجع إلى الميقات فيحرم منه، وإن لم يعلم حتى أحرم فإنه لكونه جاهلاً معذورٌ ولا شيء عليه.
وبهذه المناسبة أقول: إن موضوع الميقات يرد كثيراً في راكب الطائرات، فإن بعضهم يؤخر الإحرام حتى يصل إلى مطار جدة، وهذا خطأ، فإن من كان يمر بميقات في طيرانه يجب عليه إذا حاذى الميقات أن يحرم ولا يتجاوزه، ولكن نظراً لسرعة ارتفاع الطائرة فإنه يجب الاحتياط، بمعنى أن يتأهب قبل أن يحاذي الميقات يغتسل في بيته أو في المطار، ثم يلبس ثياب الإحرام، ثم إذا قارب الميقات أحرم، بحيث لا تمر الطائرة بالميقات إلا وقد لبى بالنسك الذي يريد الإحرام به، أما من لم يمر بالميقات كالذي يأتي عن طريق بورسودان وسواكن وما أشبهها من الجهة الغربية التي لا تحاذي الميقات لا رابغ ولا يلملم، فإنهم يحرمون من جدة، ودليلنا على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت هذه المواقيت، وقال: ( هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة ) وقال عمر رضي الله عنه حين شكا إليه أهل العراق أن قرن المنازل جور عن طريقهم، قال: (انظروا إلى حذوها من طريقكم) أي: إلى ما يحاذيها من طريقكم، فإذا كان هذا فيما يحاذي الميقات من الأرض فكذلك ما يحاذيه من الجو، وأما ترخيص بعض أهل العلم بالإحرام من جدة لراكبي الطائرات فإنه بعيد من الأثر والنظر.
الجواب: لا شك أن أحق الناس بالولاية وأعظمهم ولاية هو النبي صلي الله عليه وسلم، وقد قال الله آمراً إياه أن يبلغ الأمة بأنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، فقال تبارك وتعالى: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188] وأمره كذلك أن يقول للناس بأنه لا يملك لهم مثل ذلك، فقال: قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا [الجن:21] فإذا كان هذا في أعظم الناس ولاية وأقربهم من الله تبارك وتعالى وهو محمد صلى الله عليه وسلم فما بالك بمن دونه من الأولياء، فكل ولي أو نبي أو ملك فإنه لا يملك لأحد نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، والذي يملك ذلك ويدبر الخلق هو الله عز وجل، فإذا كان الولي لا يملك الضر ولا النفع في حياته فكذلك أيضاً لا يملك النفع ولا الضر بعد موته من باب أولى، فالأولياء ليس لهم حق في تدبير الكون ولا في نفع الخلق ولا في ضر الخلق، والواجب على الإنسان أن يعلق ذلك بالله عز وجل وحده؛ لأنه هو المالك له.
ثم إنني أقول لهذا الأخ ولغيره: إنه يجب التحقق من انطباق وصف الولاية على من يوصف بها، فقد يقال: هذا ولي لله وهو عدو لله عز وجل؛ لأنه يضل الناس ويصدهم عن دين الله الحق ويغريهم بما يكون على يديه من الخرافات والخزعبلات وغيرها، وميزان الولاية هو ما ذكره الله تعالى بقوله: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63] فمن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً، فإذا قيل عن شخص ما: إنه ولي، نظرنا في إيمانه وتقواه لله عز وجل، وهل هو مستقيم على شريعة الله عز وجل وحريص على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ومنفذ لشرع الله تعالى في قوله وفعله، وإلا فإنه ليس لله بولي وإن زعم أنه ولي، فإذا كان يأتي بأمور محدثه في العبادة أو في العقيدة ويزعم أنه ولي فهو كاذب في زعمه هذا؛ لأنه ليس بتقي، والولي هو المؤمن التقي.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر