إسلام ويب

تفسير سورة محمد (8)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الله عز وجل عليم بعباده، محيط بمداخيل نفوسهم، وقد بين لنبيه ومصطفاه علامات وأمارات يعرف بها المنافقين، وجعل سبحانه القتال في سبيله آية لمعرفة المؤمنين الصابرين من المنافقين الغادرين، وتوعد الذين كفروا وصدوا عن السبيل بأن يحبط أعمالهم ويدخلهم في عذاب السعير.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    وها نحن مع سورة محمد صلى الله عليه وسلم المدنية، ومع هذه الآيات، فلنصغ مستمعين تلاوتها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ [محمد:29-32].

    هتك الآيات لستر المنافقين وفضحهم

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ [محمد:29] هذه الآيات المباركة في طلب هداية المنافقين، وكشف عوارهم، وبيان ما هم عليه من الشرك والنفاق في قلوبهم.

    فقوله عز وجل: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [محمد:29] ألا إنهم المنافقون، والمراد من المرض ليس مرض القلوب الجسماني، بل هو النفاق، هذا الشرك، هذا الشك والعياذ بالله، هذا هو المرض.

    أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ [محمد:29] أي: يكشف الستار عنهم ويبين للناس حقائقهم وما في نفوسهم من المكر والكيد للإسلام والمسلمين.

    فالآيات تنزل بالمدينة، وبالمدينة اليهود والمنافقون والمشركون والمؤمنون في بداية الأمر، فهذه الآيات تنقي تنقية كاملة قلوب المنافقين بكشف الستار عنهم وبيان ما هم عليه لعلهم يؤمنون ويهتدون، فهيا بنا معاشر المستمعين لننقي أنفسنا ونطهر قلوبنا من المرض الذي هو النفاق، والشرك والكفر.

    علامات النفاق

    والنفاق يقول فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( آية المنافق ثلاث ) آية المنافق الدالة عليه ثلاث: ( إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان )، ومرة قال: أربع، والرابعة هي: ( إذا خاصم فجر )، ومن كانت فيه صفة من هذه الصفات فوالله! إن فيه صفة من صفات النفاق والمنافقين.

    فنحن والحمد لله آمنا بالله ولقائه، لا إكراه ولا إلجاء ولا اضطرار، آمنا بالله على علم ومعرفة، فقلنا: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما أولئك المنافقون فآمنوا لأنهم وجدوا أنفسهم بين المؤمنين، فما استطاعوا أن يظهروا الكفر ويعلنوه كما في مكة وغيرها، فأظهروا الإيمان بألسنتهم وقلوبهم فارغة ما فيها إيمان بالله ولا بلقائه ولا برسول الله ولا بكتاب الله.

    إذاً: ( آية المنافق -علامة المنافق- ثلاث -الأولى- إذا حدث كذب )، فلهذا نحدث السنين الطويلة بملايين الكلمات فما نكذب، ما نحدث بالكذب أبداً؛ إذ القلوب نقية طاهرة فيها النور وما فيها الظلمة، فلهذا المؤمن ما يكذب أبداً، يحدث طول عمره وما يكذب يوماً كذباً يتعمده.

    وإذا وعد ما يخلف وعده أبداً، إذا وعدك بشيء ما يخلف إلا إذا عجز فيعتذر إليك بعجزه وعدم قدرته، أما أن يتعمد الخلف -والعياذ بالله تعالى- فهذا ليس من الإيمان، بل هو من النفاق.

    وإذا خاصم ما يفجر، لا يقول إلا الحق، لا يخرج عن دائرة الحق والعدل أبداً، حُكِم له أو عليه.

    وإذا اؤتمن على كلمة لم يفشها، إذا ائتمنك بها فلان فلا تقلها، يجب أن تحفظ الأمانة، فإن وضع في يدك شيئاً وقال: احفظه حتى آتيك -مالاً أو غير المال- فيجب أن تحفظه، والله تعالى نسأل أن يجعلنا من المؤمنين الصادقين، وأن يبعدنا من ساحة هؤلاء المنافقين.

    قال تعالى وقوله الحق: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ [محمد:29-30] فتراهم وتنظر إليهم، ووالله! ما هي إلا فترة حتى أراه المنافقين، وعرفه بأسمائهم، هذا وعد من الله أنجزه، فقال تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا [التوبة:84] ولو لم يعلمه بهم فكيف يقول: لا تصل عليهم؟

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ...)

    قال تعالى: وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ [محمد:30] بعلامات وجوههم وسلوكهم، وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ [محمد:30] أيضاً فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد:30]، إذا تكلم المنافق والرسول صلى الله عليه وسلم يسمع في حضرته بين يديه فكلامه يدل على أن فيه نفاقاً، هذا لحن القول من ذلك الصوت وذلك النغم، تلك الكلمات يظهر أنه فيها منافق، وهذا مجرب عندنا بدون نفاق، فالذي يحب الشيء أو يرغب فيه حين يتحدث يظهر ذلك في صوته، تبين وتظهر رغبته فيما يقول، هذا لحن القول.

    ثم قال تعالى يخاطبنا جميعاً: وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ [محمد:30] أيها المؤمنون، أيها المنافقون، يا بني الناس كلهم! الله يعلم أعمالكم، ومعنى هذا أنه يجب أن تكون أعمالنا مرضية لله، فلنعمل بما أمرنا الله عز وجل، فأوامره هي التي نقوم بها، فتصير أعمالنا كلها صالحة لأن الله أمر بها، أما ما نهى الله عنه وحرمه وتوعد عليه بالعذاب كالكذب والخيانة والغش والخداع والنفاق فهذه الأعمال نبرأ إلى الله منها ولا نتعاطاها ولا نمشي وراءها أبداً؛ لأننا علمنا أن الله يعلم أعمالنا: وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ [محمد:30] خيرها وشرها، فاسدها وصالحها، إذاً: فراقبوا الله مراقبة الصدق والجد، فلا نتفوه إلا بكلمة يحبها الله، ولا نمشي خطوة إلا التي يحبها الله، ولا ننام ساعة إلا التي يحبها الله، فنجعل أعمالنا كلها بين يدي الله وهو العليم بها؛ حتى نكون قد وافقنا الله فيما يحب لنا ويرضى.

    وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ [محمد:30] ظاهرها كباطنها، سرها كعلانيتها، خيرها كشرها، إذاً: فلنتق الله، فلنخف الله حتى لا نقول ما لا يرضاه ولا نعمل ما لا يحبه، ولكن نقول ونعمل ونعتقد ما يحب ربنا عز وجل.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم)

    ثم قال تعالى لنا أيضاً وللمؤمنين: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ [محمد:31]، وعد الله رسوله والمؤمنين الصادقين أنه سيبتليهم في يوم من الأيام بالجهاد، ويعلنه الرسول صلى الله عليه وسلم ويأمر بالتعبئة العامة والخروج، وثم يظهر المؤمن من المنافق، يظهر صادق الإيمان من ضعيف الإيمان، ابتلاء من الله عز وجل، وهكذا إذا آمن العبد لا بد أنه يبتلى، أي: يمتحن ويختبر، يبتليه الله، يمتحنه، يختبره إما بالفقر، إما بالمرض، إما بالذل، إما بالحاجة، لا بد من الابتلاء، وأعظم من ذلك العبادات التي ابتلانا الله بها ليظهر من يفي ومن يقصر.

    وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ [محمد:31] في الجهاد وعلى الطاعة والعبادة، وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31] أحاديثكم وأخباركم نمتحنها ونبتليها.

    وهنا يروى أن أحد التابعين -وهو فضيل بن عياض- كان إذا قرأ هذه الآية يبكي، إذا وصل إلى هذه الآية يبكي، لماذا تبكي؟ قال: ما دام أن الله يعلم خبري وما أقول فكيف أخرجه من نفسي؟ يخاف من الله عز وجل.

    هكذا يقول تعالى لنا وله المنة والحمد: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ [محمد:31]، وأعلن الرسول صلى الله عليه وسلم الحرب وخرج يوم بدر، وخرج يوم أحد ابتلاء، وتجلت الحقيقة: فالمؤمنون الصادقون فرحون بالخروج للجهاد، والمنافقون يتنصلون ويختبئون والعياذ بالله تعالى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئاً ...)

    المراد بالكفر والصد عن سبيل الله تعالى

    ثم قال تعالى في هذا الخبر العظيم : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [محمد:32] أي: بالله ولقائه، أي: جحدوا عبادة الله وتوحيده، كذبوا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم ونبوته، كذبوا بالبعث الآخر وما يجري فيه من الجزاء على الكسب في هذه الدنيا، هؤلاء الذين كفروا أولاً، وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [محمد:32] ثانياً.

    فلنحذر معاشر المؤمنين أن نصد عن سبيل الله أحداً، عن عبادة الله، عن طاعة الله، عن طلب رضا الله بأي واسطة، لهذا فالذين يفتحون مخامر في بلاد المسلمين صدوا الناس عن دين الله، الذين يفتحون البنوك الربوية صدوا المسلمين عن سبيل الله، الذين يفتحون محلات للتصوير صرفوا الناس عن الحق وصدوا عن سبيل الله.. وهكذا، فيجب ألا نصرف مؤمناً ولا مؤمنة عن طريق الله، ولا نكون ممن يصدون عن سبيل الله بألسنتهم ولا بأموالهم ولا بأيديهم وأرجلهم.

    وهذا الوعيد كما سمعتم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [محمد:32] أولاً؛ لأن الصد عن سبيل الله يكون بعد الكفر، فلما كفروا بالله ولقائه في الدار الآخرة والجزاء على الكسب في الدنيا أصبحوا يصرفون الناس عن الإسلام، وكان المنافقون يصدون عن سبيل الله، يسرون بالكلام الخفي في البيوت: لم تتبعون محمداً؟ ما الفائدة من هذا الدين؟ وبخاصة اليهود -والعياذ بالله تعالى- الذين كانوا في المدينة، والآية تتناولهم، فهم -أولاً- كفروا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبنبوة عيسى، وصدوا الناس عن الإسلام، وما زالوا والله إلى اليوم يصدون عن الإسلام، يصرفون الناس عن الإسلام، ويرمونهم في المعاصي والذنوب والآثام والجرائم والموبقات والشرك والكفريات.

    المراد بمشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم

    إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [محمد:32] أولاً؛ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [محمد:32] ثانياً، وَشَاقُّوا الرَّسُولَ [محمد:32] ثالثاً، شاقوا الرسول صلى الله عليه وسلم فأعلنوا الحرب عليه، عادوه، ذموه وسبوه وشتموه ووقفوا في جانب وهو في جانب، وهؤلاء هم اليهود والمنافقون.

    أما بالنسبة للمؤمنين اليوم فما هناك مشاقة للرسول صلى الله عليه وسلم، فالذين شاقوا أيام كان بينهم، عادوه وحاربوه وقالوا فيه الباطل والسوء، وألبوا عليه الأعداء وكانوا معهم.

    إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [محمد:32] هذه الصفة الأولى، وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [محمد:32] الصفة الثانية، وَشَاقُّوا الرَّسُولَ [محمد:32] الصفة الثالثة، مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى [محمد:32]، وهذه الآية في اليهود بالحرف الواحد، وقد يوجد الآن من يصد عن سبيل الله، قد يوجد من المسلمين من تعلم وأصبح شيوعياً وأصبح يصرف الناس عن الإسلام ويقبح الإسلام، وينفر الناس منه، فنعوذ بالله من هذه الصفات.

    إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ [محمد:32]، الذين يخالفون سنة رسول الله والله! لقد شاقوا الرسول صلى الله عليه وسلم، والذين لا يمشون وراء رسول الله ويتبعونه في سلوكهم كما كان يقول ويأكل ويشرب والله! لقد شاقوا، فهم في شق والرسول صلى الله عليه وسلم في شق، فلهذا اتباع السنن ضروري، سواء في الأكل.. في اللباس.. في الشرب.. في البيع.. في الشراء.. في المعاملة، يجب أن نعرف سنن الرسول صلى الله عليه وسلم وأن نلتزمها ولا نشاق رسول الله فيها فنتركه في واد ونحن في واد.

    وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى [محمد:32] أما أيام الضلال والجهل فهذا فيه عذر، لكن بعدما عرفوا الحق والطريق إلى الحق ثم لم يسلكوه وحاولوا أن يصرفوا الناس عنه، فهذا هو الضلال المبين.

    جزاء الموصوفين بما في الآية وبيان عظيم أثرها

    فماذا قال تعالى عنهم؟ قال تعالى: لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا [محمد:32] إي والله العظيم، لو تجتمع البشرية كلها على أن تضر الله فوالله! ما تضره في شيء أبداً، وهو يقول للشيء: كن فيكون، وهو خالق كل شيء وبيده ملكوت كل شيء، فهؤلاء الذين يشاقون الله ورسوله لن يضروا الله شيئاً، وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ [محمد:32] ويبطلها، أعمالهم المادية والدينية الباطلة، ويدخلهم جهنم ويخلدهم فيها.

    فهذه الآية ذات أثر عظيم، وأعيد تلاوتها فتأملوها: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ [محمد:32] يفسدها ويبطلها، والله! لا يستفيدون منها شيئاً، لا في الدنيا ولا في الآخرة، يبطلها الله ولن يفلحوا ولن ينجحوا أبداً والعياذ بالله تعالى.

    فيا معشر المؤمنين والمؤمنات! لنتجنب صفات المنافقين ونتصف بصفات المتقين، ولنجاهد أنفسنا حتى نكون متقين لا منافقين، والمنافقون يظهرون بألسنتهم وأعمالهم ما ليس في قلوبهم؛ لأن قلوبهم مظلمة بالكفر والنفاق والعياذ بالله تعالى، ولنتق الله ولا نشاق رسول الله، بل نمشي وراءه، نأكل كما يأكل، نشرب كما يشرب، نمشي كما يمشي، وهكذا نقول كما يقول، حياتنا كلها مربوطة بحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يستلزم منا أن نعرف رسولنا وكيف كانت حياته، وهذا نطلبه من العلم والعلم بابه مفتوح للمؤمنين والمؤمنات، فمن طلب العلم ظفر به وفاز به.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    والآن مع هداية الآيات.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: بيان حقيقة، وهي: من أسر سريرة ألبسه الله رداءها فكشفه للناس ].

    من هداية هذه الآيات: أن من أسر سريرة وأخفاها سيكشفه الله ويلبسه رداءها، ما من إنسان يسر سريرة ويخفيها إلا ويظهرها الله، فلهذا ما دام أنه تعالى يقول: وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ [محمد:30] فيجب أن تكون أعمالنا كلها مرضية لله، كلها في رضا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

    فالذين يقولون قولاً بألسنتهم وفي قلوبهم خلاف ما يقولون يفضحهم الله تعالى ويظهر ذلك عليهم في سلوكهم، فمن أسر سريرة ألبسه الله رداءها وكشفها.

    [ ثانياً: من أحب شيئاً ظهر على وجهه وفلتات لسانه ].

    هذه حقيقة علمية قرآنية أيضاً: من أحب شيئاً أظهره الله في سلوكه وعلى لسانه، من أحب الآخرة فإنه يتجلى له ذلك الحب في سلوكه، ومن أحب الدنيا وشهواتها فوالله! إنه ليتجلى ذلك في سلوكه ومنطقه.

    حقيقة لا بد منها: من أحب الغش والخداع فلا بد أن يظهر ذلك في سلوكه وفي وجهه، ومن أحب الطهر والصلاح والتقوى فوالله! إنه يتجلى ذلك في سلوكه ووجهه.

    [ ثالثاً: تقرير قاعدة، وهي أنه لا بد من الابتلاء لمن دخل في الإسلام ليكون الإيمان على حقيقته، لا إيماناً صورياً، أدنى فتنة تصيب صاحبه يرتد بها عن الإسلام ].

    فعلى الذي يدخل في الإسلام أن يتهيأ للابتلاء وليصبر؛ حتى يكون دخوله في الإسلام دخولاً حقيقياً، وإلا فسيبتلى في يوم من الأيام ويخرج من الإسلام، إذاً: من دخل في الإسلام فسوف يبتلى، وعليه أن يصبر، يؤمر بالصلاة فيصليها والليالي باردة، يؤمر بالزكاة فيخرج ماله من جيبه، يؤمر بالجهاد فيقول: الله أكبر، ويخرج مع المجاهدين، يؤمر بغض البصر فيغض طرفه، يؤمر بالصبر فيصبر.. وهكذا؛ لأن دخوله في الإسلام ابتلاء، فإن صبر نجا ونجح، وإن عجز ارتد وانتكس والعياذ بالله تعالى.

    قال المؤلف في معنى الآيات: [ كان الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى إذا قرأ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31] بكى وقال: اللهم لا تبتلنا؛ فإنك إذا بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا ].

    [ رابعاً: أعمال المشرك والكافر باطلة لا ثواب عليها؛ لأن الشرك محبط للأعمال الصالحة ].

    فأعمال الكفار والمشركين باطلة، والله! لا يستفيدون منها شيئاً، أما في الدنيا فقد يحرمون من نتاجها، لكن العبرة بالدار الآخرة، فوالله! ما يستفيدون من أعمالهم في الدنيا شيئاً، وذلك لقول الله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، فأعمال الكفار والمشركين لا يثابون عليها، إن بنوا المساجد، أو بنوا المدارس، فكل هذا لا يثابون عليه ولا يجزون به يوم القيامة، لماذا؟ لأن الكفر والشرك علة مفسدة للعمل، مبطلة للنتائج.

    إذاً: فهيا نحقق كلمة لا إله إلا الله، أي: لا نعبد إلا الله عز وجل بما شرع، وبذلك نكون من المتقين أولياء الله البررة، اللهم حقق لنا ذلك يا رب العالمين.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768323051