يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
إن العظمة صفة من صفات الله الذاتية التي لا تنفك عن الله جل في علاه، وقد ثبتت لله في الكتاب والسنة وإجماع أهل السنة، أما في الكتاب: قال الله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255]، وأيضاً: قول الله تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] وقوله جل في علاه: إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ [الحاقة:33].
هذه كلها تنبثق من اسم الله العظيم، فهذا الاسم يتضمن صفة الكمال وصفة العظمة.
أما من السنة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم -في حديث الشفاعة: (قال الله تعالى: وعزتي وجلالي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله)، قوله: (وعظمتي) هذا هو الشاهد.
نستدل على عظمة الله جل في علاه بالنظر والتدبر في عظيم خلق الله جل في علاه، فإن العبد يؤمر من قبل ربه أن يوقر ربه، وتوقير الله بمعنى تعظيم الله جل في علاه.
وقد قال الله تعالى: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح:13] هذه معاتبة شديدة من الله لعباده؛ وذلك لتقصيرهم في تعظيمه وتوقيره.
ثم بين لنا سبحانه الدواعي والأسباب التي تحث المرء على تعظيم الله جل في علاه وتوقيره سبحانه، قال تعالى: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا [نوح:15-20].
وما أروع ما قاله الأعرابي: سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وأنهار ذات أمواج، دلالة على عظمة الخالق الواحد القهار سبحانه جل في علاه.
ونستدل على عظمة الله بعظمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا سنبينه في الجزء الثاني من الشرح: أن من عظمة الرسول أن الله أقسم بعمر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لعظيم خلق النبي؛ وعظيم قدره؛ وحسن فعاله صلى الله عليه وسلم، وفيه دلالة واضحة جداً على عظمة الخالق، فإن عظمة المخلوق أدل الدلائل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى.
الأمر الأول: أن يتواضع كل التواضع لعظمة الله جل في علاه، فلا يتعاظم في نفسه بحال من الأحوال، إذ أنه من أظلم الظلم أن تطلب التعظيم والتوقير لنفسك، وأنت لست معظِّماً لله ولا لأمره جل في علاه، فالواجب عليك أن تعظم الله، فتتواضع كل التواضع لله جل في علاه، فلا تتعاظم في داخل نفسك ولا تتكبر؛ لأن الله جل وعلا يبغض المتكبرين، وقد بيَّن على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: (أنه لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، والعياذ بالله، فأصل تعظيم الله جل في علاه تواضع المخلوق لعظمة الخالق.
الأمر الثاني: تعظيم أمر الله، وتعظيم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن تعظيم الله أن تعظم أوامره جل في علاه بالسمع والطاعة على قدر طاقتك، قال الله جل في علاه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7] وقال سبحانه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، والله جل في علاه بين على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
فهذه دلالة واضحة جداً على تعظيم أوامر الله.
ومن تعظيم قدر الله جل في علاه: تعظيم شعائره، وقد ربط الله تقوى القلوب بتعظيم شعائره سبحانه؛ لأنه بيَّن أن من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب، فربط التقوى بتعظيم الله وتوقيره جل في علاه.
أيضاً من استحضار عظمة الله جل في علاه: ألا تنظر إلى عظمة المعصية، لكن تنظر إلى عظمة من عصيت، كما قال ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه مبيناً لنا خطاً واضحاً في التعبد لله بصفة التعظيم والتوقير لله جل في علاه، حيث قال: (لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت) فهذا من تعظيم الله جل في علاه.
ومن توقير الله جل في علاه: أن توقر الله فلا تجترئ على محارمه، قال الشاعر:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليّ رقيب
أي: أنه عظيم يعلم كل ما نفعل.
تعظيمه أولاً لنعم الله وهذا من توقير الله ومن تعظيم عطاء الله جل في علاه، فمن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره لنعم الله: أنَّه كان يقوم الليل لا يفتر حتى تتورم قدماه، فتقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (يا رسول الله! إنك عبد قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فلم هذا؟ فقال: أفلا أكون عبداً شكوراً).
فهذا من تعظيم منن الله على العبد، فأنت من تعظيمك لله تعظم نعمة الله عليك، وكل نعمة دقيقة أو جليلة جاءت فهي عظيمة؛ لأنها جاءت من العظيم، وانظروا أيضاً إلى تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لقدر وشأن الرب جل في علاه عندما قال له الخطيب: ما شاء الله وشئت، فقال له: (بئس خطيب القوم أنت! أجعلتني لله نداً؟)
بأبي هو وأمي، كيف كان يعظم ربه قائماً وصائماً ونائماً وحاجاً ومزكياً ومتصدقاً، كيف كان معظماً لقدر ربه جل في علاه، كيف كان معظماً لربه جل في علاه بتنفيذ أوامره، وعدم انتهاك حرمات الله جل في علاه، وقد تربى على هذه المائدة الصحابة الكرام الذين عظموا قدر الله وأوامره وحرماته سبحانه.
والكفر نوعان: كفر نوع، وكفر عين، فكفر النوع: أن تقول: القول قول كفر، والفعل فعل كفر، والقائل والفاعل ليسا بكافرين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما)، والعياذ بالله.
فكفر النوع لا يكفر القائل والفاعل حتى تقام عليهما الحجة، وتزال عنهما الشبهة، والذي يقيم الحجة رجل عالم، أو طالب علم يعلم هذه المسألة ويتقنها.
أما كفر العين فهو الذي لا يحتاج إلى إقامة حجة بل هو يكفر عيناً، وهذه لا تكون إلا بدليل أسطع من شمس النهار قد بينه الله جل في علاه، بأن يكون كفراً بواحاً صريحاً لا تستطيع أن ترده، أو تقول: لا بد أن تقام عليه الحجة.
ومنها: المعلوم من الدين بالضرورة، كمن استحلَّ وطأ الأم فهذا كفر عين؛ لأنه تكذيب لله، والله يقول: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23].
وكذلك: سب الرسول والاستهزاء به لا يحتاج إلى إقامة حجة، والدليل على ذلك: قول الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة:65-66].
فالجواب: كفر النوع عام لا يُوجَّه إلى الشخص بعينه وإنَّما يوجَّه إلى الفعل الذي يؤدي إلى الكفر، وكفر العين يوجه إلى الشخص، ولكن بدليلٍ ساطع، مثاله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يؤتى إليه برجل يلقب بالحمار، كان يشرب الخمر كثيراً، فيؤتى به فيجلد، ثم يشرب، ثم يجلد، ثم يشرب، ثم يجلد، وذات مرة جيء به مخموراً فأقاموا عليه الحد، فقال
الجواب: لعنهم الله ورسوله عموماً ونوعاً، ولكن لما جيء بالرجل الذي يشرب الخمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولعنه خالد قال: (لا تلعنه ولا تعن الشيطان عليه، والله ما أعلمه إلا يحب الله ورسوله) فنفى عنه لعن المعين، فهذا فيه دليل واضح على التفريق بين كفر النوع وكفر العين.
وهذه دلالة بيِّنة على تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد تحقق تعظيم الله في قلب أبي بكر عندما كان على فراش الموت، فقد قام ينصح عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قائلاً: (يا عمر! إن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وإن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار)؛ تعظيماً لأوامر الله جل في علاه؛ بل تعظيماً لانتهاك حرمات الله جل في علاه.
أرأيت هذا العبد الذي كان يتكهن ويأتي أبا بكر كل يوم أو كل ليلة بالخراج فيأكل منه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، وكان يسأله من أين هذا؟ وفي ذات مرة نسي أبو بكر أن يسأل هذا العبد فأكل من الخراج فجاءه العبد فقال: يا أبا بكر لِمَ لِمْ تسألني من أين هذا؟ قال: من أين هذا؟ قال: هذا خراج كهانة كنت قد تكهنتها في الجاهلية، فأدخل أبو بكر إصبعه في فيه، وتقيَّأ كل ما في بطنه؛ ورعاً منه وتقوى وتعظيماً لله عز وجل ولأوامره.
وهذا عمر بن الخطاب من تعظيمه لقدر الله وتعظيمه لقدر النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال في صلح الحديبية: (يا رسول الله لم نعطي الدنية في ديننا؟ ألسنا على الحق؟ قال: بلى، أليسوا على الباطل؟ قال: بلى، قال: فلم نعطي الدنية في ديننا؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رسول الله ولن يضيعني الله، ثم ذهب إلى
فتعظيماً لقدر النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر : ما ندمت على شيء مثل ما ندمت على هذا القول، ثم قال: وفعلت لذلك أفعالاً من صدقة وقيام وصيام واستغفار؛ لأنه عارض النبي صلى الله عليه وسلم فيما فعل.
فكان الصحابة رضوان الله عليهم وأرضاهم أعظم الناس تقديراً لحرمات الله جل في علاه، ولحرمات الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال أنس رضي الله عنه وأرضاه للتابعين حين ساءته أفعالهم: (والله إنكم لتفعلون أفعالاً هي في أعينكم أدق من الشعر كنَّا نعدُّها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات).
و هذا ابن مسعود يعاتب أصحابه ويبين بأن المعظم لحرمات الله يرى المعصية الصغيرة كالجبل الشاهق في السماء، والكافر أو المنافق يرى المعصية الكبيرة كالذبابة على أنفه يهشها هكذا بيده.
هذا من عدم تعظيم قدر الله، وتعظيم عظمة الله جل في علاه، فعلى العبد أن يتصور ذلك، وأن يتدبر هذا، ويقرأ سيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف عظموا الله جل في علاه؛ حتى يصل بهذا التعظيم إلى تعظيم لقاء الله جل في علاه.
فيهرعون إلى آدم وإلى نوح وإلى إبراهيم وغيرهم يستشفعون بهم وكل نبي في هذا الموقف العظيم يقول: (نفسي نفسي، اللهم سلم سلم، فيذهبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها أنا لها).
فلابد للإنسان أن يعظم قدر لقاء الله، وأن الله سيتكلم مع المرء كفاحاً ليس بينه وبينه حجاب، ويعظم قدر الصراط الذي بينه صلى الله عليه وسلم: أنه أدق من الشعرة وأحد من السيف، والكلاليب من جهنم تخرج، والنبي صلى الله عليه وسلم يبين للناس أنَّ منهم من يمر على الصراط كالريح، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل، ومنهم الذي يمشي، ومنهم الذي يتقاعس، ومنهم الذي ينكب على وجهه، ومنهم الذي يزحف والكلاليب تخطفه.
فلابد من تعظيم هذا اليوم، فهذه أيضاً من عظمة قدر الله جل في علاه: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح:13] أي: لا تعرفون لله حقاً ولا تعرفون له عظمةً ولا قدراً، فلا تقدرون الله حق قدره ولا أوامره حق قدرها.
والقدرية هم: الذين نفوا علم الله جل في علاه.
فإذاً نقول: هي صفة ثابتة ثبوتية ذاتية لله جل وعلا؛ لأنها لا يمكن أن تنفك عن الله بحال من الأحوال أزلاً وأبداً.
أما بالكتاب: قال الله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [الأنعام:73] وقال: فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا [الجن:26] وأيضاً قول الله تعالى: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة:255].
أما من السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أستخيرك بعلمك)، وأيضاً في بعض الروايات قال: (بعلمك الغيب).
وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم عالم الغيب والشهادة)، وهذه دلالة من السنة على صفة العلم، وعلم الله جل في علاه تكلمنا عنه كثيراً لكن الآن نمر عليه مرور الكرام، فهو يعلم الغيب والشهادة سبحانه وتعالى.
والله يعلم السر وأخفى من السر، بل يعلم خائنة الأعين، بل يعلم دقات القلوب، بل يعلم ما تخفيه الصدور، لا تواري عنه سماء سماءً، ولا أرض أرضاً، ولا جبل ما في وعره، ولا بحر ما في قعره، سبحانه جل في علاه، يعلم كل شيء سواء كان دقيقاً أم جليلاً، كبيراً أو صغيراً.
ويقول أيضاً: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا [الجن:26] وأيضاً قول الله تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65].
وهذا أسلوب حصر، أي: لا يعلم الغيب إلا الله، لكن قد يشكل علينا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كذب المنجمون ولو صدقوا) فأخبر النبي أنهم يصدقون في علم الغيب أحياناً، فكيف يكون ذلك؟
نقول: إن الله جل وعلا قال: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ [الحجر:18] فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الجن يركب بعضهم فوق بعض حتى يسترق المسترق منهم السمع، وذلك بأن الله جل وعلا يطلع الملائكة على شيء فيسمع الجني هذه الكلمة فيلقيها في أذن من تحته فقد تصل الكلمة قبل أن يصل الشهاب، وقد يحترق بالشهاب قبل أن يصل بهذه الكلمة، فإذا وصلت الكلمة يزيد عليها مائة كذبة.
ولذلك اختبأ النبي صلى الله عليه وسلم خلف الأشجار لـابن صياد، فقالت أمه: (يا
فهذه دلالة على أن هذا ليس بغيب مطلق؛ لأن الله جل وعلا استثنى بقوله: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ [الحجر:18] أي: إلا من استرق السمع فأخذ كلمة، وكذب عليها مائة كذبة، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فيدخل تحت قوله تعالى: إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ [الجن:27] إلى آخر الآيات، وهذه موضحة على أن الغيب كله لله جل في علاه.
فإذا قيل: لماذا يسمح الله لجني كافر أن يسترق السمع؟ نقول: فتنةً لعباده واختباراً، اللهم احفظنا من مضلات الفتن يا رب العالمين!
فمن زعم حب الله ورضاه، فإن الابتلاء ينزل عليه تترى حتى يظهر صدقه، فالله يبتلي العباد بذلك، فالقبوري مثلاً: يذهب عند القبور ليدعو أصحابها، فيستجيب الله له فتنة له.
فلذلك نقول: بأن الله جل وعلا يختبر عباده، ونسأل الله أن يثبتنا على الحق، فعالم الغيب هو الله جل في علاه، وعلم الله: علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر