وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن تعلم العربية مهم؛ ولذلك فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه كان يضرب على ذلك ويقول: تعلموا العربية فإنها لغة القرآن.
لقد تكلمنا عن الكلام وقلنا: إنه اسم وفعل وحرف، وتكلمنا عن الاسم، وبينا العلامات التي يعرف بها الاسم، واليوم سنتكلم بمشيئة الله عن الفعل والحرف والعلامات التي يتميز بها الفعل والعلامات التي يتميز بها الحرف.
الفعل يشمل حدثاً وزمناً، مثل: ضرب، فالحدث الضرب، والزمن هو الماضي، وكيضرب مثلاً في الزمن المستقبل أو الحال، واضرب في الزمن المستقبل.
الفعل هو: ما دل على معنى في نفسه والزمن جزء منه، أو نقول: واقترن بزمان، سواء الزمان الماضي أو المضارع أو المستقبل. والفعل له علامات إجمالاً وتفصيلاً:
أما الإجمال فيعرف الفعل بتقدم (قد) والسين و(سوف)، وكلما وجدت (قد) فما يأتي بعدها فهو فعل وكذا إذا تقدمه (السين) و(سوف).
فمثلاً: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، فإعراب الجملة (قد): حرف تحقيق لا عمل له، وقام: فعل ماض.
والتاء: تاء التأنيث.
والصلاة: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
أو تقول: كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ [النبأ:4-5]، القاعدة أن (السين) يأتي بعدها الفعل، إذاً: (يعلمون) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة.
إذاً الفعل: هو ما دل على معنى في نفسه ويقترن بزمان، أو الزمان جزء منه، ويعرف بقد وبالسين وسوف.
إذاً: الفعل هو التنزيل، والزمن المقترن به هو الزمان الماضي.
قال الله تعالى: تَبَارَكَ .. [الفرقان:1]، أيضاً في الزمان الماضي، تبارك هذه كلمة لا تطلق إلا على الله فقط، وهذا الفارق بين مبارك وتبارك، فلا يصح أن تقول في حق الله: مبارك قط؛ لأن البركة من عند الله، فكيف يباركه غيره؟!
إذاً: قول الله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1]، وقول الله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا [الفرقان:61]، تبارك للزمن الماضي.
وأيضاً قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30]، قال هذا أيضاً فعل ماض يدل على الحدث، والحدث هنا هو القول، لكن الزمن هو الماضي.
إذاً الفعل الماضي هو ما يدل على حدث في الزمن الماضي لا في الزمن الحال ولا المستقبل.
العلامة الأولى: أنه يقبل ضمير الفاعل المتحرك، سواء للمخاطب أو للمخاطبة أو للمتكلم، تقول: ضربتَ عمراً.
ضرب: فعل ماض، والتاء ضمير الفاعل المتحرك، وهو للمخاطب هنا.
أما للمتكلم، فتقول: ضربتُ أحمد، وأكلتُ الطعام.
أكل: فعل ماضٍ، وعرفت أنه فعل ماض بوجود ضمير الرفع المتحرك في آخره.
كذلك شربتُ اللبن:
شرب: فعل ماضٍ.
والتاء ضمير رفع متحرك في محل رفع فاعل.
فأول علامة يعرف بها الماضي أنه يتصل بضمير الرفع المتحرك سواء للمخاطبة أو المتكلم.
العلامة الثانية: أنه يقبل تاء التأنيث الساكنة، كطلعت الشمس، ويصح أن يقال: طلع الشمس؛ لأن الشمس مؤنث مجازي.
أيضاً قال الله تعالى: قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ [يوسف:51]، وقال تعالى: وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ [يوسف:31].
وإعرابها: (قالت) قال: فعل ماضٍ، والتاء تاء التأنيث، فالفعل هنا فعل ماضٍ؛ لأنه اتصل بتاء التأنيث، وهذه علامة من العلامات التي يعرف بها الفعل الماضي.
وقال تعالى: إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ [آل عمران:35-36].
فالفعل الماضي من هذه الآيات، (اصطفى) وهو مبني والدليل على أنه ماضٍ أن نضع له علامة من العلامتين لنعلم هل سيقبلها أم لا؟ وهنا يصح أن تقول: اصطفيت محمداً لنفسي.
إذاً: فهو ماضٍ والحدث هو الاصطفاء، والزمن هو الماضي.
لكن الفعل (كان) ناقص وليس كاملاً؛ لأنه يدل على زمن ولا يدل على الحدث.
إذاً: (اصطفى) فعل ماض، ودخل عليه ضمير الرفع المتحرك في قولك: اصطفيت محمداً من الناس.
الفعل الثاني: (نذرت) نذر فعل ماضٍ، والتاء ضمير رفع متحرك في محل رفع فاعل.
الفعل في قوله تعالى: إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ [آل عمران:35]، الفعل (قال) دخلت عليه تاء التأنيث، وهي من علامات الفعل الماضي، وهي تاء ساكنة تحركت هنا بسبب التقاء الساكنين.
سميتها الفعل (سميت) والتاء ضمير الرفع المتحرك، والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
وضعتها الفعل الماضي (وضعت) والعلامة هي تاء التأنيث.
إذاً: الفعل الماضي يعرف بارتباطه بتاء التأنيث، وأيضاً يعرف بضمير الرفع المتحرك.
المضارعة هي في اللغة المشابهة، والمضارع لفظ يدل على معنى، هذا المعنى يتحقق في زمن الحال أو الاستقبال، مثل قوله تعالى: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263]، الفعل المضارع هو: يتبعها.
وقال الله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ [الأعراف:53]، يأتي فعل مضارع في زمن الاستقبال.
وقال الله تعالى أيضاً: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام:158]، فهنا (يأتي) وينظرون فعلان مضارعان أيضاً.
الوجه الأول: أن له حروفاً تميزه، وهذه الحروف إذا ابتدأ الفعل بها قلنا: هذا الفعل فعل مضارع، وهذه حروف تجمع في كلمة نأيت أو أنيت، فأي حرف من هذه الحروف تراها في فعل فاعلم أن هذا الفعل مضارع.
الوجه الثاني: أن هذا الفعل يضم أوله في حالتين:
الحالة الأولى: إن كان الماضي منه رباعياً أو مبنياً للمجهول، أما الماضي الرباعي فهو مثل: سافر، فنقول: في المضارع منه: نسافر ويُسافر وأُسافر بالضم وتُسافر كلها بالضم، وهذه قاعدة لا بد على طالب العلم أن يتقنها؛ ليعلم متى يضم الفعل المضارع.
وأيضاً (حَاضَرَ) فعل ماضٍ، فنقول في مضارعه: يحاضر ونُحاضر وأُحاضر وتُحاضر، كلها بالضم.
والحالة الثانية التي يضم فيها أوله: المبني للمجهول، وذلك مثل يُضْرَبُ ويُكْرَمُ.
ويفتح أوله في الثلاثي وغيره، فيكون المضارع مفتوح الأول، أي: أول حرف فيه يكون مفتوحاً، وذلك مثل: (قام) يقال في مضارعه: يَقوم، تَقوم، نَقوم، أَقوم.
إذاًً: يكون أوله مفتوحاً.
نعود إلى علامات الفعل المضارع وهي: أنه يقبل حروف الجزم والنصب، قال الله تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1] (لم) حرف جزم، و(يكن) فعل مضارع؛ لأنه سبقه حرف جزم.
قال الله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:1-3]، فالفعل (يلد) مضارع؛ لأنه سبقه جازم.
وقال تعالى: مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ [البقرة:114]، الفعل المضارع يدخلوها وسبقه ناصب وهو (أن).
قال الله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، تفعلوا الأولى فعل مضارع؛ لأنه سبقها جازم وهي الأداة لم، والثانية فعل مضارع لأنه سبقها حرف نصب وهي الأداة لن.
قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ وقوله: أَلَمْ يَجْعَلْ ، الفعل المضارع له علامات كما ذكرنا، ونعرفه بالقاعدة الأولى وهي: أنه يبتدئ بحروف المضارعة (أنيت) أو (نأيت)، فقوله: تر فعل مضارع مجزوم، وبدأ بحرف من حروف (أنيت) وهو التاء، وسبقه جازم.
وقوله أيضاً: يجعل هذا فعل مضارع بدأ بالياء من حروف (نأيت) أو (أنيت) وسبقه جازم.
وكذلك الفعل ترميهم بدأ بحرف التاء فهو مضارع وإن كان غير مجزوم.
قال الله تعالى: وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ [الفجر:1-10].
(الفجر) هنا اسم وليس بفعل؛ لأنه دخل عليه الألف واللام.
وهنا نريد الأفعال، وذلك في قوله: لم يخلق فنطبق القاعدة فالفعل (يخلق) بدأ بحرف الياء وسبقه حرف الجزم.
فإذاً: هو فعل مضارع.
إذاً: الفعل المضارع بينا بأن له قواعد يعرف بها وهي أنه يبدأ بحرف من حروف المضارعة(نأيت) أو (أنيت) والأمر الثاني أنه يقبل علامات النصب والجزم.
وفعل الأمر: هو لفظ يدل على المطلوب تحقيقه في زمان المستقبل، كما في قوله تعالى: وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [الأحزاب:48]، فعل الأمر هو (دع).
وقال: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البقرة:25]، فعل الأمر هو (بشر).
ويقول الشاعر:
أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
فعل الأمر هو (أقبلْ) و(استكمل).
أولاً: أن هذا الفعل يدل على الطلب في زمن المستقبل.
ثانياً: أنه يقبل ياء المخاطبة ونون التوكيد، قال الله تعالى: فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا [مريم:26].
(فكلي) فعل أمر، (وقري) فعل أمر، (واشربي) فعل أمر، والياء في آخر هذه الأفعال الثلاثة هي ياء المخاطبة، وهذا الفعل مطلوب مستقبلاً.
قال تعالى: فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا [مريم:26]، والفعل (قولي) يقال فيه ما سبق.
والعلامة الأخرى وهي قبول فعل الأمر لنون التوكيد، وذلك نحو: احفظن آيات الله، وداومن على تلاوة القرآن.
فنون التوكيد هنا تبين أن هذا فعل أمر.
قال الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:34]، فالأفعال (قرن) و(اذكرن) أفعال أمر لحقتها نون التوكيد.
فإذاً: نون التوكيد هي علامة من علامات فعل الأمر.
وقال عن الإمارة: (نعمت المرضعة وبئست الفاطمة).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً (يأتي زمان على أمتي يستحلون فيه الحر والحرير والخمر والمعازف).
وقال الله تعالى: إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ.. [الممتحنة:12].
اوقال تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة:124]، نبدأ بهذه الآية في الإعراب: قوله: ابتلى فعل ماضٍ، والعلامة التي أثبتت أنه فعل ماضٍ أنه يصح في غير القرآن أن تقرن الفعل (ابتلى) بتاء الفاعل، كأن تقول: ابتليت إبراهيم، فهذه دلالة على أنه فعل ماضٍ.
قوله: ينال هذا فعل مضارع؛ لأن أصل الفعل (نال) فابتدأ بالحروف الزائدة التي منها حرف الياء (ينال)، والحروف الزائدة هي: (نأيت) أو (أنيت) وتسمى حروف المضارعة؛ لاختصاصها بالفعل المضارع.
قوله: فَأَتَمَّهُنَّ أتم فعل ماضٍ يمكن أن لي أن أقول: أتممت أمري.
الآن نستخرج الفعل في الحديث: (فمن توضأ) توضأ: فعل ماضٍ، وعلامة الماضي أنه يصح أن أقول: توضأتُ أمس، أو توضأتُ صباحاً، بإضافة ضمير رفع متحرك، أو تقول: توضأت هند بتاء التأنيث.
قوله: (فبما ونعمت) نعم وبئس من الأفعال الجامدة.
قوله: (ومن اغتسل) اغتسل: فعل ماضٍ، علاماته أنه يصح: اغتسلتُ بضمير الرفع المتحرك، واغتسلت بتاء التأنيث.
قوله: (فبئست الفاطمة)، بئست: فعل ماض جامد مثل (نعمت).
الغرض المقصود هنا أن نقول: خرجت من البيت إلى المسجد، الخروج هنا ابتداء، فمن هنا للابتداء.
(إلى المسجد) فإلى للانتهاء أو الغاية، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6]، إلى الأولى معناها الانتهاء، و(إلى) الثانية بمعنى (حتى) أي: للغاية، وفيها خلاف فقهي طويل.
وتنقسم الحروف إلى ثلاثة أقسام: حروف تدخل على الأسماء والأفعال، وحروف تدخل على الأسماء فقط وحروف تدخل على الأفعال فقط.
القسم الأول: الحروف التي تدخل على الأسماء والأفعال: وهي حروف الاستفهام مثل: هل والهمزة، قال الله تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، هنا دخل الحرف (هل) على الاسم دخولاً قوياً.
ومثله قوله تعالى: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ [الصافات:54]، فهنا دخل حرف الاستفهام على الاسم.
أما دخوله على الفعل كما قال الله تعالى في قصة يوسف: قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ [يوسف:89] (هل) هذه دخلت هنا على الفعل (علم).
وقال الله تعالى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ [النازعات:27] دخلت همزة الاستفهام على الاسم.
وقال الله تعالى: آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ [يونس:91]، وفي الحديث: (دخل أعرابي على الرسول صلى الله عليه وسلم يسمع له دوي فقال: آلله أرسلك؟)، إذاً أدوات الاستفهام تدخل على الاسم والفعل.
القسم الثاني: الحروف التي تدخل على الأفعال فقط: كحروف الجزم: لم، ولما، وألم، وألما كما في قوله تعالى: لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ [ص:8]، (لما) خاصة بالفعل، ولا يمكن أن تدخل على الاسم.
وقال الله تعالى: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:3]، فلم دخلت على الفعل لا على الاسم.
وقال الله تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4] وقال الله تعالى: لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ [عبس:23] دخلت أيضاً على الفعل.
إذاً هذه الحروف تختص بالأفعال.
القسم الثالث: الحروف التي تختص بالأسماء وهي حروف الجر، قال تعالى: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات:22]، (في) لا تدخل على الفعل بحال من الأحوال.
وقال الله تعالى: وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ [المؤمنون:22].
إذاً: الحروف معناها يعرف في غيرها وذلك عندما تدخل في جملة، وأيضاً هي لا تقبل علامة الاسم ولا الفعل، وهناك حروف تختص بالاسم وحروف تختص بالفعل، حروف تدخل على الاسم والفعل.
وقال الله تعالى: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:189] الحرف هنا هو اللام ودخل على الاسم.
وقال الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190]، وقال الله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس:1-6]، الحروف: (الباء) ودخلت على الاسم والاسم هو (رب)، والحرف: (من) دخل على اسم، والاسم هو (الجنة).
وقال الله تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا * كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا [الشمس:1-15].
نستخرج من هذه السورة فعلاً ماضياً وفعلاً مضارعاً وفعل أمرٍ إن وجد، وأيضاً نستخرج منها حرفاً، دخل على فعل أو على اسم أو اختص بفعل أو باسم.
قوله: كذبت ثمود كذب: فعل ماضٍ والتاء تاء التأنيث.
وقوله: قَدْ أَفْلَحَ أفلح: فعل ماضٍ أيضاً، والدليل مجيء (قد) قبله، وصحة إضافة ضمير الرفع المتحرك أو تاء التأنيث في آخره مثل: أفلحتُ أو أفلحتْ.
وقوله: وقد خاب خاب: فعل ماضٍ.
وقوله تعالى: مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10]، (من) اسم موصول بمعنى الذي، ودساها فعل ماضٍ.
وجاء في الحديث (أن
نستخرج من الحديث الاسم والفعل والحرف.
(قم) فعل أمر، وعلامته الأولى: أنه يفيد طلب القيام.
العلامة الثانية: أنه يصح أن يلحق بالفعل ياء المخاطبة، فيصح أن يقال: قومي.
فقوله: (قم
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).
قوله: (اتق) فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، ولفظ الجلالة (الله) اسم، والدليل على أنه اسم، ليس لأنه يدخله الألف واللام؛ لأننا لو أخذنا الألف واللام ونطقت الكلمة فلا معنى لها، بل الدليل على أنه اسم أن هذا علم معرف وأصله الإله.
قوله: (كنت) فعل ماضٍ تام.
جلست مع أخ قبل أن أتعلم اللغة وكنت أتعب جداً، وهو حافظ للألفية، فكنت إذا سألته عن مسألة في اللغة أتاني بالشاهد من الألفية وكان صباحاً ومساءً يراجع الألفية، ولكن كلما قلت له: أعرب هذه الجملة فإنه لا يستطيع أن يعربها، وإذا قرأ يلحن، فقلت: سبحان الله، هذا الذي أقوله، لا يمكن أن يصل صاحبه إلى الإتقان إلا بالممارسة والتدريب والتمرس.
فالأخ الكريم عندما يتعلم اللغة لا يأخذها هكذا، بل إذا قرأ آية يبدأ بإعرابها وهو يقرؤها، لكن لا يأتي يصلي ويقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [البقرة:164]، فيقول: (إن) إعرابها كذا و(السماوات) كذا يعرب وهو يصلي، لكن عندما يقرأ خارج الصلاة فله أن يستوقف نفسه ويبدأ بالإعراب وينظر في القرآن، فإن وافق إعرابه إعراب العلماء فليستبشر بأنه قد أتقن اللغة.
فليس المهم لمتعلمي العربية أن يكون عندهم سعة اطلاع، لكن المهم الإتقان، والإتقان لا يكون إلا بالدربة والممارسة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر