يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
إخوتي الكرام! من المخالفات التي تقع فيها النساء: مصاحبة المتبرجات، وهذا ظاهر جداً بالنسبة للأخوات العفيفات المنتقبات اللاتي التزمن بدين الله جل في علاه، ترى كل واحدة منهن ترتدي النقاب فتراها تسير مع متبرجة، وهذه مآخذ ومخالفات تؤخذ على النساء، فلا ينبغي لأخت منتقبة التزمت بدين الله جل في علاه وتعلم أن النقاب الشرعي عليها واجب ثم تسير مع متبرجة! هذا فيه عدة مآخذ:
وقال بعض العرب في مثل عجيب: رأينا الغراب مع الحمامة فاندهشنا وتعجبنا -لأن الغراب لا يمكن أن يصادق حمامة- فتقصينا فوجدنا الغراب يسير مع الحمامة وفيه علة هي موجودة في الحمامة، يعني: الحمامة عندها عرج في رجلها اليمنى، فنظروا في الغراب فوجدوا فيه نفس العلة في رجله اليمنى.
فإذاً: المرأة المنتقبة التي تسير مع المتبرجة هذا يدل على أن فيها نفس العيب الذي في المتبرجة.
قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين للمقارن ينسب
هذا أول مأخذ على النساء المنتقبات اللاتي يسرن مع المتبرجات.
فإذا قالت: لا والله ما رضيت بهذه المعصية، قلنا لها: كذب فعلك قولك؛ لأن الله جل في علاه قال: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68]، وقال الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ [النساء:140]، فأصبحت المثلية بالرضا بالمنكر، ولذلك استنبط العلماء قاعدة مهمة جداً: الرضا بالمنكر كمرتكبه، فإن لم تستطع هذه المرأة أن تنكر على المتبرجة بلسانها فلا بد أن تنكر بالقلب، وعلامة القلب أن تزول من المكان الذي فيه هذه المعصية.
فهذا مأخذ وثلمة في ديانة المرأة المنتقبة التي تسير في الطرقات مع المرأة المتبرجة.
فالموالاة لله: أن توالي أولياء الله جل في علاه، وأن تعادي أعداءه، فالمرأة المتبرجة ملعونة بقول النبي صلى الله عليه وسلم عنهن: (العنوهن فإنهن ملعونات).
فعلى المرأة المنتقبة أن تتبرأ من فعل المرأة المتبرجة، وهذه ظاهرة أحببت أن ألمح لها؛ لأنها ظاهرة منتشرة جداً في طرقاتنا الآن، فكثير من النساء المنتقبات لا يذهبن إلا مع المتبرجات، والحجة عندهن أن تقول إحداهن: أنا أتألف قلبها حتى أدعوها لأن تنتقب أو ترتدي الحجاب أو الزي الشرعي، فنحن نقول: حتى لو كان هذا الكلام صحيحاً، فالمأخذ عليك أيها المنتقبة أنك لو سرت في الطرقات مع هذه المتبرجة وتجرأ سفيه أو بعض الرعاع عليها فإنه سيتجرأ عليك تبعاً للتجرؤ عليها، ولو سرت وحدك مع أخت مثلك ما تجرأ عليك أحد، لكن تجرؤه على المتبرجة جره أن يتجرأ على الأخت المنتقبة.
فهذه مخالفة أيضاً تقع فيها النساء وهي: عدم إنكار المنكر أو الرضا به بالفعل لا بالقول.
والأمر الآخر: أن هذا يدل على ضعف الإيمان؛ لأن الإنسان المؤمن هو الذي يحب ما أحبه الله، ويبغض ما كرهه الله جل في علاه، وهذا مناط الإيمان، وقد بينه الله جلياً في سورة الحجرات، فولي الله يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله جل في علاه، فإذا وضع نفسه في مكان يكرهه الله جل في علاه فهذا ليس بمحب لله جل وعلا، وسورة محمد تعطينا دليلاً على هذه القاعدة كما قال الله: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ [محمد:28]، فهذه آية ظاهرة جداً أنهم اتبعوا ما أسخط الله، والله يسخط التبرج ويغضب على المتبرجات، ولذلك أوحى إلى نبيه أن يقول: (العنوهن فإنهن ملعونات).
فمن سارت مع المتبرجة فكأنها أحبت ما هي عليه، فأحبت ما أسخط الله جل في علاه، وهذا فيه دلالة على ضعف إيمانها.
فهذه المخالفة أحببت أن أنبه النساء إليها؛ لكيلا يقترفنها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر