إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد:
فإن اصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وقص الشارب)، رواه البخاري ومسلم ، والإمام مالك في موطئه، والترمذي ، وأبي داود ، والنسائي . وفي رواية: (خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وقص الشارب).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طريق زكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن ابن الزبير عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء)، وانتقاص الماء: هو الاستنجاء.
قال زكريا : قال: مصعب : ونسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضة. وبعض العلماء قالوا: لعل هذه التي نسيها هي الختان؛ لأنها أولى، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خمس من الفطرة) يوضح معنى قوله: (الفطرة خمس).
وهذا يعني أن الفطرة لا تنحصر في خمس، ولا تنحصر في عشر، لكن هذه بعض خصال الفطرة، وحينما نتكلم على خصال الفطرة أو هذه الأبواب التي نحن بصدد دراستها الآن ليست مجرد أبواب من الفقه، وإنما هي اطلاعة على مظاهر تكريم الإسلام لهذا الإنسان.
وإذا تأملت نظرة الإسلام إلى الإنسان وتكريمه واحترامه، تجد فيها مصداق قوله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء:70]، فما هو في الحقيقة إلا مظهر من مظاهر تكريم الإسلام للإنسان، وتعظيم حرمته، ورفع شأنه ومكانته.
وهذه الآداب والسنن كانت تنتشر مع الإسلام حيثما انتشر وسطع نوره في آفاق الدنيا، كما هو الحال في أوروبا؛ حيث أن الأوروبيين لم يكونوا يعرفون عادة الاستحمام الذي يعتبر شيئاً طبيعياً جداً عند المسلمين، ولم يكن الأوربيون يظنون أن الإنسان يمكن أن يستحم في بيته.
فتزامن انتشار عادة الاستحمام في الغربيين مع الوجود الإسلامي في الأندلس -تلك الجنة المفقودة- لما كان الطلاب الأوربيون يفدون إلى الأندلس ليتعلموا من المسلمين، كانوا يقتبسون منهم من الفضائل هذه العادات وهذه النظافة، فهم يعترفون بهذا، وكثيراً ما يتحدثون، بل حتى هذا الزمان الذي نعيش فيه أجريت عدة إحصائيات ودراسات في فرنسا، فوجدوا أن أغلب الفرنسيين لا يستحمّون مرة واحدة في العام، ثم قال الباحث -وهو كافر مشرك-: إن هذا هو سر تفوق الفرنسيين في اختراع أو صناعة العطور، حتى يكتموا بها رائحتهم الخبيثة؛ التي تتراكم خلال سنة كاملة.
حتى أنك إذا نظرت في الأحواض عندهم في كثير من البلاد -كألمانياً مثلاً أو غيرها- تجد أن الحوض عبارة عن خلاط ماء -لا يختلط فيه الماء الساخن بالبارد- لكن الحوض يكون فيه سدادة، ثم ماسورة مستقلة للماء البارد، وماسورة مستقلة للماء الساخن.
وقد تستغرب كيف تستعمل هذا الماء؟ حتى إن الإنسان أحياناً يحار كيف يتوضأ؟ لأنك إذا استعملت الماء البارد يكون بارداً جداً، وإذا استعملت الماء الساخن يكون ساخناً جداً، وكلاهما لا تستطيع أن تستعمله، فهم يفعلون ذلك؛ لأن النظافة عندهم أن أحدهم في الصباح حينما يريد أن يغسل وجهه يصب الحوض، ويملؤه بالماء، ويخلطه في نفس الحوض، ثم يغسل وجهه فيه، وانتهى كل شيء!!
هذه هي النظافة عندهم، بل يسخرون أحياناً من المسلمين لما هم عليه من آداب التخلي والاستنجاء والتنظف التي لا يعرفون لها معنى.
وهذا من مظاهر تكريم الإسلام للإنسان، وهذا السلوك الذي عليه الأوروبيون أو الغربيون الكفار ربما يكون صدىً لكلام أسلافهم الذين مضوا من قبل، وقد تكرر تصادم الديانة النصرانية المحرفة مع الفطرة، وكيف أنهم حمّلوا أنفسهم ما لا يحتملون، حتى أنهم صاروا يتعبدون بأن يأتي أحدهم إلى بئر مالح ماؤه ويمكث فيه ستة أشهر أو سنة، وهو يظن أن هذه عبادة، أو يحمل أحدهم ثقلاً كبيراً جداً من الحديد ويقف على رجل واحدة، وإذا أراد أن ينام يسند ظهره إلى حائط!
كل هذا من تعذيب النفس الذي كان عندهم وهذه صورة من صور التعبد عندهم، كما اقتبسه منهم بعض الصوفية الجهلاء، فيقول أحدهم متحدثاً عن واحد من أشهر رهبانهم: إنه لم يقترف إثم غسل رجليه طول عمره! وكان بعض هؤلاء الرهبان يتحسر على عدم اتباع سيرة أسلافه الذين مضوا، فيقول: لقد أتى علينا زمان كنا نتأثم أن يغسل أحدنا ثوبه أو رجليه. ثم يقول -متحسراً متأسفاً-: وها نحن الآن ندخل الحمامات. فهو يندم على هذا، ويعتبره من مظاهر الانحراف عن الجادة!
الشاهد: أن هذه السنن والآداب من مظاهر تكريم الإسلام للإنسان.
يقول الإمام المحقّق شمس الدين قيم الجوزية رحمه الله تعالى: والفطرة فطرتان: فطرة تتعلق بالقلب، وهي معرفة الله، ومحبته وإيثاره على ما سواه. وفطرة عملية، وهي هذه الخصال.
فالفطرة الأولى تزكي الروح، وتطهر القلب، والثانية تطهر البدن، وكل منهما تمد الأخرى وتقويها، وكان رأس فطرة البدن الختان.
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: فيتعلق بخصال الفطرة مصالح دينية ودنيوية تدرك بالتتبع، منها: تحسين الهيئة، وتنظيف البدن جملة وتفصيلاً والاحتياط للطهارتين، والإحسان إلى المخالط والمقارن بكف ما يتأذى به من رائحة كريهة، ومخالفة شعار الكفار من المجوس واليهود والنصارى وعُبّاد الأوثان، وامتثال أمر الشارع، والمحافظة على ما أشار إليه قوله تعالى: وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ [غافر:64]، لما في المحافظة على هذه الخصال من مناسبة ذلك، وكأنه قيل: قد حُسّنت صوركم -أي أن الله خلقنا وحسّن صورنا- فلا تشوهوها بما يقبحها، أو حافظوا على ما يستمر من حسنها.
وفي المحافظة عليها محافظة على المروءة وعلى التآلف المطلوب؛ لأن الإنسان إذا بدا في الهيئة الجميلة كان أدعى لانبساط النفس إليه، فيقبل قوله، ويحمد رأيه، والعكس بالعكس.
قال في منار السبيل: (باب السواك).
الباب لغة: المدخل إلى الشيء والطريق الموصل إليه، واصطلاحاً: اسم لجملة من العلم، تحته فصول ومسائل متفرعة.
قوله: (باب السواك) أي: باب السواك وما ألحق به من الادهان والتطيب وخصال الفطرة، وكلمة (السواك) تطلق على معنيين: الأول: تطلق على الفعل نفسه، فيقال: التسوك، أو الاستياك، أو الاستنان.
الثاني: تطلق على الآلة نفسها، فيقال: سواك أو مسواك.
قال: (يسن بعود رطب لا يتفتت) قوله: (يسن) فيها حكم السواك: أنه سنة مؤكدة مطلقاً.
وقوله: (بعود رطب).
الرطب: ضد اليابس، وهو العود الأخضر وهو يكون أبلغ وأجود في الإنقاء، كما قال العلماء: أجود ما يستعمل إذا كان مبلولاً بماء الورد، ثم بالماء من أراك أو زيتون أو عوزون أو غيرها. وفي الحديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك بعود أراك) . أراك: واحدته: أراكه، بالهاء. يقول الألباني عن هذا الحديث: لم أجده بهذا اللفظ، لكنه في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (كنت أجتني لرسول صلى الله عليه وسلم سواكاً من الأراك)، وحديث ابن مسعود هنا يغني عن الحديث المذكور قبله.
وهو مسنون مطلقاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) . لك أن تقول: مَطهرة أو مِطهرة، بفتح الميم أو بكسرها، وهذا الحديث صحيح، رواه الإمام أحمد .
قال في الشرح: ولا نعلم في استحبابه خلافاً، ولا نعلم أحداً قال بوجوبه إلا إسحاق ، وداود والإمام النووي رحمه الله يقول: هذا النقل عن إسحاق غير معروف، ولا يصح عنه.
فلا يصح عن إسحاق بأنه قال بوجوب السواك، واستدل داود بأنه مأمور به.
أي: أن داود الظاهري رحمه الله يرى أن السواك واجب؛ لأنه مأمور به، وظاهر الأمر الوجوب.
وأدلّة الأمر بالسواك مصروفة عن ظاهرها الذي يقتضي الوجوب إلى الاستحباب، والدليل الصارف عن الظاهر هو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) . متفق عليه، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم: (أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهراً كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك عند كل صلاة)، وهذا الحديث حسنه الألباني ، وهذا الحديث هو المصروف عن ظاهره -وهو الوجوب- إلى الاستحباب بدليل قوله في الحديث الآخر: (لولا أن أشق على أمتي)؛ لأنه لو كان واجباً لأمرهم به شق عليهم أو لم يشق، فلما لم يأمرهم دلّ على أنه مستحب فقط.
يكره التسوك للصائم من بعد الزوال حتى تغرب الشمس، وينبغي أن نفهم معنى قوله: (حتى تغرب الشمس) حيث قيدها بهذه العبارة؛ وذلك إبقاءً على رائحة خلوف فم الصائم التي هي أطيب عند الله من ريح المسك، وأنه أثر عبادة مستطاب، فلم تستحب إزالته كدم الشهداء.
لكن هذا القول مرجوح، والراجح خلافه؛ لأن السواك مرضاة الرب أطيب من ريح المسك، وعموم النصوص الآمرة بالسواك لم تخص وقتاً دون وقت؛ لأن مصدر خلوف فم الصائم هو المعدة وليس الأسنان، فسواءً تسوّك أم لم يتسوك، فإن الخلوف لا يزيله التسوك، بل يبقى ما دام الإنسان جائعاً.
وقد وقع الخلاف في حصول السواك بغير العود، فكل ما يحصل به الإنقاء فهو يُعدّ سواكاً وأفضله هو عود الأراك المشهور، لكن من استاك بغير عود وحصل الإلقاء فإنه يعتبر سواكاً، سواءً كان التسوك بفرشاة أو بغيرها مما يمكن به الإنقاء.
ويتأكد السواك عند الوضوء، أي: في حالة المضمضة، وحتى لو تيمم فينبغي له أن يستاك، وحتى لو كان فاقد الطهرين -التيمم بالماء- فإنه أيضاً يستاك.
وينبغي التسوك عند أي صلاة، فرضاً كانت أو نفلاً، وإن لم يتغير الفم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) . وفي رواية: (لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء). فقوله: (مع كل وضوء)، فيه دليل على أن الاستياك سنة من سنن الوضوء، لا أنه سنة مستقلة عن الوضوء، كما هو واضح من قوله: (مع كل وضوء)، لكنه في غير الوضوء يعتبر سنة مستقلة بذاتها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) متفق عليه.
والخلوف هو: تغير رائحة فم الصائم. وهذا الحديث يستدل به بعض العلماء على كراهة السواك بعد الزوال، واستدلوا أيضاً بحديث علي رضي الله عنه مرفوعاً: (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشي)، وهذا هو أول دليل يُستدل به على كراهة السواك للصائم بعد الزوال، والحديث أخرجه البيهقي ، وهو ضعيف، وذكر الألباني أن بعض علماء الحديث له تتمة: (فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كانت نوراً بين عينيه يوم القيامة)، وهذه الرواية أيضاً ضعيفة.
أيضاً: استدل الشافعية والحنابلة بدليل آخر ذكرناه آنفاً، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لخلوف فم ا لصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، فقالوا: إن الاستياك بعد الزوال يزيل خلوف فم الصائم، (وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، لأنه أثر عبادة مستطاب فلم تستحب إزالته، كما هو الحال في دم الشهداء، حيث أن الشهيد لا يُغسّل حتى لا يُزال عنه هذا الدم؛ لأنه يبحث يوم القيامة: اللون لون الدم، والريح ريح المسك، فهذا أثر من آثار العبادة، وهو أثر مستطاب، فينبغي أن يحافظ عليه؛ لأن الله عز وجل يحب هذا الأثر من آثار العبادة.
أما الحنابلة فذكروا في بعض المواضع أن السواك إنما استحب لإزالة رائحة الفم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) . أو: (لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من رائحة المسك)، رواه الترمذي وحسّنه.
قال الحنابلة والشافعية: وإزالة المستطاب مكروه، فدم الشهداء وشعث الإحرام، فمن المستحب تفرق شعر المحرم، وأن يأتي الحجاج إلى الله عز وجل في يوم عرفة شُعثاً غُبراً، قد تغبروا بالتراب، وانشغلوا عن تحسين هيئتهم بذكر الله تبارك وتعالى وعبادته، فالإنسان يكون في هيئة المسكنة والتواضع، ويأتي التراب الشديد فيعلو عليه هذا من أثر السفر، ومن أثر مشقة التزام الإحرام وغير ذلك.
يتكلم العلماء أحياناً على هذه الآثار، ويذكروا أن آثار العبادة إنما يكون مشهوداً لها بالفضل أو مشهوداً لها بالطيب، فمما يشهد له بالفضل: بلل الوضوء الذي على الإنسان، وأثر التيمم، وشعث المحرم، ويذكرون أحياناً ما يصيب العالم عندما يكتب الكتب والمصنفات من الحبر، فيكون لهذا المداد فضل، كما في بعض الأحاديث الضعيفة: (مداد العلماء خير من دماء الشهداء)، فهذه كلها أثر عبادة، لكن هذا مشهود له بالفضل لا بالطيب كما هو الحال في دم الشهيد وخلوف فم الصائم.
يقول الشافعي : ثبت أن دم الشهيد لا يُزال، بل يُترك للمحافظة عليه، غسل الميت والصلاة عليه، مع أن غسل الميت واجب، والصلاة على الميت واجبة، وهي فرض كفاية، فإذا ترك من أجله واجبان دل على رجحانه عليهما؛ لكونه مشهوداً له بالطيب، فالمحافظة على الخلوف الذي يشاركه في الشهادة له بالطيب، أولى بالمحافظة، فإنه إنما يترك من أجله سنة السواك، فإذا كان قد تُرك واجبان في سبيل المحافظة على دم الشهداء فلا يغسل الشهيد ولا يصلى عليه؛ حتى يبقى أثر الدم.
فيترك السواك الذي هو سنة، من أجل الإبقاء على المستطاب من خلوف فم الصائم، فيكون أولى ألا يزال بعد الزوال؛ حتى تبقى هذه الرائحة عند الغروب.
أيضاً في حديث علي : (إذا صُمتم فاستاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشي)، قال الحافظ ابن حجر : إسناده ضعيف.
وهذه المسألة -والله أعلم- من المسائل الحنبلية المرجوحة، وأحد علماء الحنابلة، وهو الشيخ عبد الرحمن بن القاسم النجدي -وهو الذي جمع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية - يقول عن الحديث السابق: ولا يعارض به ما تواتر من الأحاديث المطلقة، وعن أحمد : يُسنّ مطلقاً -أي: هناك رواية عن الإمام أحمد أن السواك يُسنّ مطلقاً- اختاره الشيخ وتلميذه وغيرهما -أي: شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم - واستظهره في الفروع، وقال الزركشي : هو أظهر دليلاً. وهو قول أكثر العلماء، وهو المختار...؛ ولحديث عامر : (رأيته ما لا أحصي يستاك وهو صائم)، فهو مذهب جمهور الأئمة، وأكثر الأحاديث الواردة فيه تدل على استحبابه للصائم بعد الزوال كما يستحب قبله، والإطلاق في سائرها يدل عليه، ولم يثبت في كراهته شيء، والخلوف ليس في محل السواك، إنما هو من أبخرة المعدة، ومرضاة الرب أطيب من ريح المسك، والقياس يقول بموجبه، حكاه الشيخ وغيره.
يعني: أن الحديث فيه: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب). فالسواك مرضاة للرب تبارك وتعالى، وفي حديث أبي هريرة : (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، مرضاة الرب أطيب من ريح المسك.
هذا ما ذكره بعض علماء الحنابلة، وحديث عامر بن ربيعة : (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم)، حسنه الترمذي ، لكن ضعفه الألباني ، وإن كان قد حسّنه الحافظ ابن حجر في التلخيص وضعّفه في موضع آخر، وقال الإمام الترمذي عقب هذا الحديث: إن الشافعي لم ير في السواك بأساً للصائم أول النهار وآخره، وكرهه أحمد وإسحاق آخر النهار.
والذي يظهر في هذه المسألة أن الراجح هو: استحباب السواك للصائم عند كل صلاة، وعند كل وضوء، وفي كل وقت ولو بعد الزوال؛ لعموم هذه الأحاديث التي لم تخص وقتاً من الأوقات.
أيضاً من مواضع استحباب السواك: قبل قراءة القرآن؛ للحديث الذي صححه الألباني عن علي رضي الله تبارك وتعالى عنه قال: (أمرنا بالسواك، وقال: إن العبد إذا قام يصلي أتاه الملك، فقام خلفه يستمع القرآن، ويدنو فلا يزال يسمع ويدنو حتى يضع فاه على فيه، فلا يقرأ آية إلا كانت في جوف الملك) .
وأيضاً عن علي رضي الله عنه قال: إن أفواهكم طرق للقرآن فطيبوها بالسواك. يعني: أنه يجري في أفواهكم كلام الله عز وجل، حينما تتلونه.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) .
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك بسواك رطب. قال: وطرف السواك على لسانه) . يؤكل لماذا؟ لأنه يحب الاستياك على اللسان أيضاً، يستحب الاستياك على اللسان، (وهو يقول: أُع أُع والسواك في فيه كأنه يتهوع)، وهذا التهوع يكون إذا أدخل الإنسان السواك إلى داخل فمه لتنظيف أسنانه أو لسانه.
وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (غسل يوم الجمعة على كل محتلم وسواك) . المحتلم: هو البالغ، (وسواك) : مقصوده: ما قدر عليه؛ لأن من آداب يوم الجمعة أن يستاك ويتطيب.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أراني في المنام أتسوك بسواك، فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر)، أي: أتم من الآخر، (فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كبّر فدفعته إلى الأكبر منهما) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل
فهذا كان من آخر الأشياء التي حافظ عليها الرسول عليه الصلاة والسلام قبل أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى، وقوله: (إلى الرفيق الأعلى) معناه: أنه خُيّر في هذه اللحظة كما هي سنة الله عز وجل مع الأنبياء أنهم يخيرون قبل موتهم بين الموت وبين البقاء في الدنيا، أو بين الانتقال إلى جوار الله، وبين البقاء، فعندما خُيّر عليه الصلاة والسلام كان ينطق بالجواب ويقول: (إلى الرفيق الأعلى، إلى الرفيق الأعلى).
أي: اختار الرفيق الأعلى، والرفيق الأعلى إما أنه الله، وإما أنه هو المقصود بقوله: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69] والله أعلم!
وفي الرواية الأخرى تقول: (مات بين حاقنتي وذاقنتي) الذاقنة: رأس الحلقوم أو طرفه الناتئ.
وفي لفظ: (فرأيته ينظر إليه)، أي: إلى السواك، (وعرفت أنه يحب السواك، فقلت آخذه لك؟ فأشار برأسه. أن نعم. فأخذت السواك) إلى آخر الحديث.
إذا أراد الإنسان أن يصلي صلاة ذات تسليمات كالتراويح والضحى، أو أربع ركعات كسنّة الظهر أو العصر، والتهجد ونحو ذلك، استحب له أن يستاك لكل ركعتين، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) أو (مع كل صلاة). صححه النووي ، وهذا يعم جميع الصلوات، سواءً كانت الصلاة فرضاً أو نفلاً.
يستدل العلماء ببعض الأحاديث على كيفية الاستياك، وهو حديث: (استاكوا عرضاً، وادهنوا غباً، واكتحلوا وتراً). يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: هذا الحديث غير معروف. وقال الإمام أبو عمرو بن الصلاح : بحثت عنه فلم أجد له أصلاً -يعني: سنداً- ولا ذكراً في شيء من كتب الحديث.
ومع هذا فإن هذا الحديث مع ضعفه يرشد إلى أدب يوافق أو إلى طريقة معينة في استعمال السواك توافق ما يرشد إليه أطباء الأسنان، وهو أن الاستياك يكون عرضاً، أي: إلى أعلى وإلى أسفل، ومعنى: (عرضاً)، أي: العرض بالنسبة للفم، وليس العرض بالنسبة للأسنان.
والاستياك يكون على أسنانه ولثته، واللثة: هي ما حول الأسنان من اللحم. وقال بعضهم: إن اللثة هي اللحم الذي تنبت فيه الأسنان، فأما اللحم الذي يتخلل الأسنان فهو عمر، جمعه عمور، يقول الشاعر:
زال الشباب وأخلف العمرُ وتغير الإخوان والدهرُ
يعني: سقطت أسنانه وظهر العمر.
واستعمال السواك بهذه الطريقة لا يعرض اللثة إلى الإدماء، أي: لا يحصل نزيف دم، بعكس ما إذا استاك بغير تلك الصفة، حيث إنه قد تجرح اللثة، لكن هذا الاستعمال هو الذي يكون على الأسنان فقط، وسواء استعمل السواك أو الفرشة فإنها تكون على الأسنان واللثة؛ لأنها لما تدلك اللثة نفسها هذا نوع من المساج ينشط الدورة الدموية في اللثة، فلذلك الإنسان يستاك على اللثة، وعلى الأسنان.
الشاهد من هذا الكلام أن هذا الحديث فيه أدب، حتى وإن لم يصح الحديث، لكنه يوافق ما يوصي به أطباء الأسنان، من أن الإنسان يستاك عرضاً، أي: باتجاه عمودي من أعلى إلى أسفل والعكس.
أيضاً: ينبغي للمسلم أن يستاك على لسانه؛ لأنه قد ورد في بعض الأحاديث كحديث أبي موسى حينما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك على لسانه، حيث قال أبو موسى : (فرأيته يستاك على لسانه) .
بعض الشافعية يقولون بأن الإنسان عند الاستياك ينوي به الإتيان بالسنة؛ لأن السواك مما يُتعبد به، ويبدأ بجانب فمه الأيمن من الثنايا إلى الأضراس، وليس من الأضراس إلى الثنايا.
كما يصنع بعض الناس حينما يريدون أن يكوّنوا صفاً أو صفوفاً خلف الإمام، فيمشي البعض حتى يصل إلى طرف اليمين في أقصى الصف ويصلي هناك، وتأتي أحياناً مجموعة أخرى فتصلي خلف الإمام، فاليمين من أين يبدأ؟
يبدأ من خلف الإمام، وإنما اختار النبي صلى الله عليه وسلم هذا المكان لأولي الأحلام والنهى بقوله: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى)؛ لأن هذا يكون أقرب إلى متابعة الإمام وسماع القرآن، خصوصاً إذا كان المسجد واسعاً، فاليمين يبدأ من خلف الإمام، ثم يمينه، بل ينبغي أن يكون هناك اتزان، فيأتي واحد يميناً وواحد شمالاً وهكذا.
الشاهد: أن في السواك تيمناً، وأنك تبدأ من الثنايا ثم تتجه يميناً جهة الأضراس، ثم أيضاً الجنب الأيسر من الوسط إلى جهة الأضراس والله أعلم!
مذهب الحنابلة: أنهم يصححون أن الاستياك يكون باليسرى، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ما علمت إماماً خالف في الاستياك باليسرى؛ لأن الاستياك شُرع لإزالة ما في داخل الفم، وهذه العلة متفق عليها.
وبعض الناس قد ينتقدون شيخ الإسلام ابن تيمية لهذه المسألة، ولكنه قالها عن علم، فهم يستدلون بعموم الحديث في استحباب التيمن في كل شيء، فقد كان صلى الله عليه وسلم يجعل يده اليمنى لترجله وتنعله وطهوره، وهذا من الطهور، وأما استعمال اليد الشمال فلأن الاستياك إزالة للأذى أو لخلوف الفم ونحوه، فمن أجل ذلك قالوا أنه يستحب أن يستاك بيده اليسرى، لكن -والله أعلم- الأقرب أن الإنسان يستاك باليمنى.
ومن الآداب أن السواك يغسل بالماء، إذا أراد الإنسان أن يستعمله؛ لأن وجود الماء على السواك يحلل المواد النافعة التي يحتويها عود الأراك، فيترتب عليها الفوائد التي سنذكرها إن شاء الله.
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني السواك أغسله، فأبدأ به فأستاك، ثم أغسله ثم أدفعه إليه)، رواه أبو داود .
ومما ينبغي الحرص عليه: أن يُعوّد الصبيان والأطفال على استعمال السواك، فيستحب أن يعود الصبي السواك؛ ليألفه كسائر العبادات، فرشة الأسنان تعتبر سواكاً، لكن السواك أفضل منها، وسنذكر وجوه هذه الأفضلية إن شاء الله، فهي سواك كالخرقة فإن العلماء يعتبرونها سواكاً، وأي آلة تزيل رائحة الفم وتنظف الأسنان فهي سواك، مثل قطعة الليف، حتى أنهم يختلفون في الإصبع كما ذكرنا، فما في شك أن فرشاة الأسنان هي نوع من أنواع السواك، لكن أفضل السواك هو عود الأراك، وبالمقارنة ستجد أن السواك أفضل بكثير جداً من فرشاة الأسنان كما سنبين إن شاء الله.
والحقيقة أن قضية الاستياك وآكدية سنته انعكست في سلوك الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم، حتى روي كما في لفظ الإمام الزيلعي ، وعزاه إلى أبي داود والترمذي وصححه: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يروحون والسواك على آذانهم، أي: كموضع القلم من أذن الخطاط، قال أبو سلمة : رأيت زيداً يجلس في المسجد، وإن السواك من أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، وكلما قام إلى الصلاة استاك.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: (السواك يزيد في الحفظ ويذهب البلغم) وفي حديث ابن مسعود أيضاً: (كنت أجتني لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكاً من أراك) .
وقال أبو هريرة بعدما سمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السواك قال: (لقد كنت أستن قبل أن أنام، وبعدما أستيقظ، وقبلما آكل، وبعدما آكل حين سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما قال)، (أستن). يعني: أستاك.
قبل أن نمضي في دراسة هذا المتن أو النص الذي ذكره الشارح نمر مراً سريعاً على بعض الفضائل والتنبيهات التي تتعلق بالسواك.
السواك سنة من السنن المؤكدة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم -وإن كان بعض العلماء قال بوجوبه- ومما ثبت من فضيلة السواك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء .
والسواك: يطلق على الآلة نفسها وهي العود الذي يستعمل، أو على الفعل، فيقول عليه الصلاة والسلام: لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة. قوله: (لأمرتهم) يدل على أنه لو أمر به لوجب، فيؤخذ من هذا دليل على صحة القاعدة: أن ظاهر الأمر يقتضي الوجوب. فالأصل في أمر النبي صلى الله عليه وسلم -على الأرجح- أنه يعني الوجوب، أي: وجوب التزامه.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع الوضوء عند كل صلاة، رواه ابن حبان .
وفي حديث ابن حبيب بلفظ: لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضئون .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ركعتين ركعتين، ثم ينصرف فيستاك، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً: أنه بات عند نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم من آخر الليل، فخرج فنظر في السماء، ثم تلى هذه الآية في آل عمران: (( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ))[آل عمران:] حتى بلغ: (( فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ))[آل عمران:]، ثم رجع إلى البيت فتسوك، فتوضأ، ثم قام فصلى، ثم اضطجع، ثم قام فخرج، فنظر إلى السماء، فتلى هذه الآية، ثم رجع فتسوك فتوضأ، ثم قام فصلى رواه مسلم .
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أكثرت عليكم في السواك . رواه البخاري .
وعن أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله حنظلة بن أبي عامر حدثها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهراً كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة، فكأن هذا كان أولاً للوجوب، ثم صار للإستحباب.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعين ضعفاً . وهذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي صحيح مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو لا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العِشاء، والسواك عند كل صلاة .
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك، رواه مسلم .
وعن المقداد بن شريح عن أبيه قال: قلت لـعائشة : بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل البيت؟ قالت: بالسواك.
فينبغي للإنسان أنه متى اتضح وثبت له شيء من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يحضر النية حالاً أنه يمتثل هذا الحكم ما استطاع إليه سبيلاً.
وعن زيد بن خالد الجهني قال: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته لشيء من الصلوات حتى يستاك .
وهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه حينما يدخل بيته يبدأ بالسواك، وحينما يخرج للصلاة أيضاً يبدأ بالسواك. وعن عمران رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا ينام إلا والسواك عنده، فإذا استيقظ بدأ بالسواك .
هذه الأحاديث كلها تشير إلى مواضع استحباب السواك، وهي: إذا دخل البيت، وإذا انصرف من البيت -خاصة إلى الصلاة-، وإذا نهض من نومه، وإذا أراد أن يصلي، وأيضاً مع الوضوء، وهكذا.
وفي حديث عائشة : كان لا يستيقظ من ليل أو نهار إلا تسوّك قبل أن يتوضأ، وعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يستاك وهو صائم، قال الحافظ ابن حجر : رواه أصحاب السنن، وابن خزيمة ، وعلقمة البخاري وقال: إسناده حسن.
وهذا الحديث مهم جداً أن نحفظه، وقوله: (ما لا أحصي) أي: مرات كثيرة أحصيها.
يقول الإمام النووي رحمه الله في حكم الاستياك بالإصبع -وهذا يكون عند فقد السواك-: وأما الإصبع فإن كانت لينة لم يحصل بها السواك بلا خلاف، وإن كانت خشنة ففيها أَوجه: الصحيح المشهور لا يحصل؛ لأنها لا تسمى سواكاً، ولا هي في معناه بخلاف الأشنان -وهو شجر ينبت في الأرض الرملية، يستعمل هو أو رماده في غسل الثياب والأيدي -فإنه وإن لم يسم سواكاً فهو في معناه، وبهذا قطع المصنف والجمهور.
قال النووي : والثاني يحصل بحصول المقصود. يعني: أن الاستياك يحصل بالإصبع إذا كانت الإصبع خشنة، فيحصل بها أجر الاستياك، والثالث: إن لم يقدر على عود ونحوه حصل وإلا فلا.
أحياناً يتكلم العلماء على استعمال الإصبع كسواك، وإنما يكون ذلك بالإصبع الخشن، وليست الإصبع الناعمة.
ثم الإصبع الخشن فيه خلاف على ثلاثة أقوال: أنه لا يحصل به ثواب السواك؛ لأنه ماء الإصبع ما يسمى سواك، ولا هو في معنى السواك.
القوال الثاني: إنه يحصل به.
القول الثالث: بأنه إن عجز عن غيره حصل له ثواب السواك، وإلا فلا.
هنا بعض الدراسات نذكرها ولا نقول: إنها تدعم اعتقادنا في السواك، فيكفينا ما ثبت من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم للسواك، وحثه عليه، لكن لا بأس بالاستئناس بالعقول البشرية، وما وصلت إليه البحوث الحديثة في هذا الباب.
فهذا أحد الأساتذة في بعض الرسائل الجامعية عن السواك في كلية طب الأسنان يقول: توصي بعض الجامعات بإجراء مساج بالإصبع للثة، لتحريك الدم في النسج اللثوية، وهذا واضح جداً في حالة استخدام السواك، فالسواك يستعمل كمساج للّثة.
وباقر العطار -وهو دكتور في جامعة دمشق- يقول: لقد بلغني من الدكتور الأيوبي أن الأستاذ حلباوي وكيل شركة معاجين الأسنان تفكر شركته في إنتاج معجون سوف يسمونه المسواكين، وبالفعل هذا مشهور جداً وموجود في أوروبا وأمريكا، واعتقد أن اسمه كوالي مسواك.
وهناك نوع آخر من معجون الأسنان اسمه (مسواك)، وهو مشهور جداً، وموجود في كل مكان.
وفي مجلة (طبيبك) مقال في توصية من مجمع معالجة الأسنان التابع لجمعية أطباء الأسنان الأمريكية باستعمال مادة بيكربونات الصوديوم لمعالجة الأسنان، وهذه من مكونات السواك.
وكتب أحد الدكاترة في السواك قائلاً: لو نظرنا إلى السواك، لوجدنا أنه يتركب كيميائياً من ألياف السليلوز وعد أنواعاً كثيرة من المكونات ليس هناك داعٍ للتفصيل فيها الآن.
وهناك مقال في إحدى المجلات تحت عنوان: سواك الأراك يغزو أسواق الإنجليز.
وشجرة الأراك يسميها الغربيون شجرة محمد عليه الصلاة والسلام.
تقول المجلة: سواك الأراك يغزو أسواق الإنجليز، وأتبعت ذلك بثلاثة عناوين:
العنوان الأول: أطباء الأسنان في لندن يعترفون بالسواك؛ لأثره الفعال في نظافة الأسنان، وبأثره السحري في تفادي كثيراً من العلل والأمراض.
العنوان الثاني: عود الأراك يباع بجنيه إسترليني في محلات النباتات المجففة في إنجلترا.
العنوان الثالث: معهد علم الجراثيم والأوبئة في ألمانيا الديمقراطية يقول: إن مادة السواك لها تأثير فعال مثل تأثير بعض المضادات الحيوية سواءً بسواء.
أما علماء الغرب أيضاً فبعضهم تكلم هنا، اسمه روادت وهو عالم بعلومه هو، فكلمة (عالم) عند الإطلاق تنصرف إلى علماء الشرع الشريف؛ حتى لا يلتبس الأمر، أما هذا فهو مدير علم الجراثيم والأوبئة في جامعة رستك بألمانيا الشرقية، يقول في مجلة (المجلة) الألمانية: إن هناك حِكَماً كثيرة في استخدام العرب للمسواك بعد بلّه بالماء؛ لأن استعماله جافاً لا ينجح؛ لما يحويه من مادة مضادة للجراثيم، ولو استعمل جافاً فهناك اللعاب الذي يمكنه حل هذه المادة الموجودة فيه.
وآخر أيضاً اسمه الدكتور مني يقول: إن تآكل وسحل أنسجة الأسنان الصلبة يكون جسيماً إذا كانت الفرشاة جافة، أما إذا كانت مبللة فيكون الضرر بسيطاً.
لذلك يستحب تبليل السواك، والدكتور كلك كيزين يقول: إن السواك يحتوي على مادة تمنع تسوس الأسنان، قال هذا أمام مؤتمر (52) للجمعية الدولية لأبحاث الأسنان في أطلنطا الأمريكية، ويقول: إنه لحظ أن الذين يستعملون السواك يتمتعون بأسنان سليمة، وإن بعض الشركات في بريطانيا والهند تصنع معاجين أسنان تدخل بها مواد مأخوذة من السواك.
أيضاً أجرت جمعية طب الأسنان الأمريكية إي بي إيه لجيش الولايات المتحدة الأمريكية تجارب أثبتت فيها فاعلية وتفوق الشعيرات المكونة لمادة السواك، وأعلنت مجلة أطباء الأسنان الأمريكية سنة (1960م) أن أغلبية المعاجين المستعملة في الولايات المتحدة غير صحيحة أو طبية، وبالمسواك كميات من البلورات الصلبة التي تعتبر كمادة منظفة تحك القلح، -وهي الصفرة التي تتكون على الأسنان- وهي موجودة في السواك بنسبة عالية تبلغ 4% وكذلك في السواك أملاح أخرى لها فعاليتها.
ووجدت جامعة مينيسوتا في أمريكا في أبحاثها أن المسلمين الزنوج الذين يستعملون المسواك سليمو الأسنان واللثة إذا ما قورنوا بمن يستعملون الفرشاة.
ومن مميزات السواك: أنه يرضي الرب، وهو سنة من سنن الفطرة، وسنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يطهر مجاري الكلام عند تلاوة القرآن، وكذلك تحبه الملائكة.
ولن نطيل بذكر مكوناته؛ لأنها كثيرة جداً، لكن ننهي الكلام في هذا الموضوع بهذه المقارنة بين السواك وفرشاة الأسنان، وإثبات أفضلية السواك على فرشاة الأسنان.
السواك يعتبر الفرشاة الطبيعية المثالية المزودة طبيعياً بمواد مطهرة ومنظفة، ولا تحتاج أن تضع عليه معجوناً.
أيضاً: السواك يعتبر منظفاً آلياً يقوم بطرح الفضلات من بين الأسنان، فهو أيضاً منظف مكنيكي من حيث الحركة نفسها، تساعد على تنظيف ما بين الأسنان.
أيضاً: السواك مزود بألياف طبيعية غزيرة وقوية، لا تنكسر تحت الضغط، بل لينة، فتتخذ الشكل المناسب لتدخل بين الأسنان وفي الشقوق، فتزيح منها الفضلات دون أن تؤذي اللثة.
أيضاً: السواك منظف كيماوي مستمر؛ لأن الفرشاة بعد عشرين دقيقة فقط من استعمال معجون الأسنان يعود مقوي الجراثيم إلى الفم بحالته الأولى بمفرده بالوظيفة الميكانيكية والكيميائية، والفرشاة تحتاج في كل مرة إلى معجون.
ومعظم معاجين الأسنان عبارة عن مواد صابونية فقط، وإنما السواك به مادة تستعمل لعلاج الالتهابات اللثوية؛ لأن أطباء الأسنان يصفون لبعض الناس الذين يشكون من التهابات في اللثة وصفة عبارة عن هذه المادة بصورة حمض وهي بنسبة مقدارها 20% ونسبة 80% مواد أخرى ثم يدلك به اللثة، ويكون طعمه لاذعاً غير مقبول، وهذه المادة موجودة في السواك بنسبة أعلى بكثير من نسبة عشرين في المائة، وطعم هذه المادة في السواك مقبول، ينفرد بها السواك بميزة رائعة.
أيضاً: يتعذر استعمال الفرشاة والمعجون في كل وقت، بالمقارنة بإمكانية حمل السواك في كل مكان، فالسواك يحمله الإنسان في جيبه في أي مكان، في الصلاة ..عند الوضوء.. عند النوم.. في أي مكان تستطيع أن تحمل السواك وتستعمله، بخلاف الفرشاة فإنك لا تستعملها في غير البيت، وحتى يكون هناك ماء ومعجون فإنك تنظف بها.
وأيضاً: الفرشاة قد تستعمل لعدة شهور، أما المسواك ففي كل أسبوع تستعمل سواكاً جديداً، حتى على الأقل تقطع الجزء المستعمل وتستعمل الجزء الجديد، بحيث تكون فيه مواد جديدة لم تتحلل وتستعمل.
أيضاً: تستطيع التحكم في قُطْر المسواك، فمن الممكن أن يكون قطر المسواك رفيعاً أو سميكاً، وكذا الطول والقصر، والصلابة والليونة، كل هذا حسب رغبتك وإرادتك، وأيضاً: للسواك طعم مميز يسبب زيادة في إفراز اللعاب، مما يساعد على زيادة الدفاع العضوي للفم ولثته .
وتوجد في السواك مادة عطرية زيتية يطيب بها فم المتسوكين، وتغطي على رائحة الفم الكريهة إن وجدت، وتكسب الأفواه رائحة زكية عطرة.
أيضاً: عدم الاعتناء بالفرشاة بعد الاستعمال يسبب معظم أمراض الأسنان.
أخيراً: نُذكّر بالأوقات التي يستحب فيها استخدام السواك كما ذكرنا أدلتها من قبل، وهي:
عند الوضوء، وعند الصلاة، سواء كان الإنسان حال طهر بماء يتوضأ أو حتى لو كان يتيمم فإنه يستاك، وكذا عند قراءة القرآن، وعند الاستيقاظ من النوم، وعند تغير الفم، وتغيير الفم يكون بأشياء، فمثلاً: الإنسان إذا مكث ساعات لا يأكل فيها ولا يشرب، فقد تتغير رائحة فمه، وأيضاً إذا أكل شيئاً له رائحة كريهة، وكذا طول السكوت، وكثرة الصمت.
ومن الأوقات التي يستحب فيها السواك: عند دخول المنزل والخروج منه، وعند الاحتضار كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعند اصفرار الأسنان، وأيضاً للمفطر والصائم على السواء، وكذلك يوم الجمعة.
هذا ما توفر من التنبيهات التي تتعلق بحكم السواك، وتراجع معظمها إن شاء الله في الدرس القادم حينما نقرأ المتن وشرحه من منار السبيل بإذن الله تعالى.
نسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما علّمنا أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر