فقد طرح المستشرق الإنكليزي المعاصر استبن سؤالاً يقول فيه: هل يمكن أن نقع يوماً تحت وطأة الخطر الإسلامي؟
ثم أراد أن يأتي ببعض الأجوبة، فقال: أجل، إنهم اليوم دعاة متفرقون، لا نرى عزماً أكيداً لدى كبارهم يحملهم على التضحية، ولا نرى عند ذوي الرأي والوجاهة فيهم أنهم يستطيعون الجلوس معاً جلسة جدية يتحدثون فيها عن مشاكلهم فضلاً عن أن يتكلموا عن حلها، ففي طوال ثلاثة عشر قرناً ونصف قرن من تاريخ الإسلام يصعب أن نشير إلى حالة واحدة اجتمع فيها ممثلون من جميع أقطار العالم الإسلامي ليتشاورا في مشاكل تعنيهم جميعاً، وليقروا اتباع طريق واحد في العمل.
يقول: إن المسلمين قد يستمرون مدة طويلة من الزمن في هذا التفرق والتشرذم، لكن ينبغي أن لا نبالغ في تقدير طول هذه المدة؛ لأن هناك ظاهرة كثيراً ما يهملها الباحثون في حركات المجتمع الإسلامي مهما كان نوعها، وهي أنها تنضج بسرعة مدهشة، حتى إن وجودها -كما أشار الأستاذ لاسنيون أحد المستشرقين الفرنسيين- يندر أن يخطر على بال أحد قبل أن يندلع لهيبها ويروع العالم، والمسألة الكبرى هي مسألة الزعامة، فحينما يجد الإسلام صلاح الدين الجديد رجلاً يجمع بين الحنكة السياسية العظيمة وبين شعور برسالته الدينية يبلغ أعماق نفسه فإن ما عدا ذلك ينحل من تلقاء نفسه. اهـ
أما الأمريكي جورج تتسون فيقول في كتاب الشرق الأوسط في مؤلفات الأمريكيين: إن المآثر التي قامت بها الشعوب التي تتكلم اللغة العربية بين القرن التاسع إلى القرن الثاني عشر كانت عظيمة لدرجة تخمل أجسامنا، وإن شعوب الشرق الأوسط سبق لها أن قادت العالم في مرحلتين طول ألفي عام على الأقل قبل أيام اليونان، وفي العصور الوسطى لمدة أربعة قرون، وليس ثمة ما يمنع تلك الشعوب من أن تقود العالم مرة ثالثة في المستقبل القريب أو البعيد. اهـ
ويقول أستاذ فرنسي لطلابه إبان الاحتلال الألماني لفرنسا في الحرب العالمية الثانية -والذي حكى هذه القصة طالب عربي كان يتلقى العلم عليه في ذلك الوقت-، قال لمن يريد أن يربيهم للمستقبل من أبناء بلاده منبهاً إياهم ومعزياً أولاد بلاده الفرنسيين عن الاحتلال الألماني: إن الخطر الذي داهمهم من الألمان ليس هو الذي يخافه عليهم وعلى مستقبلهم، وإنما الخطر الجدير بالخوف هو ما يمكن أن تأتي به هذه الشعوب التي تربض خلف البحر الأبيض المتوسط؛ لأن خطرها هو الذي يهز الكيان ويزلزل الأركان. ا هـ
قال هذا والعرب والمسلمون في أشد حالات الضعف.
ويقول لورن استرون : لقد كنا نخوف بشعوب مختلفة، ولكننا بعد الاختبار لم نجد مبرراً لمثل هذا الخوف، لقد كنا نخوف من قبل بالخطر اليهودي والخطر الأطلس باليابان وتزاعمها على الصين، وبالخطر البلشفي، إلا أن هذا التخوف كله ما وجدناه كما تخيلناه؛ لأننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا، وعلى هذا يكون كل مضطهد لهم عدونا الألد، ثم رأينا أن البلاشفة حلفاء لنا أثناء الحرب العالمية الثانية، أما الشعوب الصفراء فإن هناك دولاً ديمقراطية كبرى تتكفل بمقاومتها، ولكن الخطر الحقيقي كامن في المسلمين، وفي قدرتهم على التوسع والإخضاع، وفي الحيوية المدهشة العنيفة التي يمتلكونها، ألا إنهم السد الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي. اهـ
وهذا سلا زار يصرح في حديث له فيقول: الخطر الحقيقي هو الذي يمكن أن يحدثه المسلمون من تغيير نظام العالم. فقيل له: إنهم في شغل عن أن يفكروا في هذا لخلافاتهم ونزاعاتهم، فقال: إني أخشى أن يخرج من بينهم من يوجه خلافهم إلينا. ا هـ
**ويقول أحد علماء (الصربون) في إحدى مؤلفاته: إن العالم فيه ثلاث قوى: قوة الشرق، وقوة الغرب -والآن حصل تغيير- وهناك قوة ثالثة لو عرفت نفسها لأمكنها أن ترث القوتين وهذه القوة هي القوة الكامنة وراء يقظة المسلمين؛ لأن لهم نظرة انفردوا بها عن العالم في تنشأة الرجال. ا هـ
وقال أحد المسئولين في وزارة خارجية فرنسا سنة (1951م) ليست الشيوعية خطراً على أوروبا فيما يبدو لي، فهي حلقة لحلقات سابقة، وإذا كان هناك خطر فهو خطر سياسي عسكري فقط، ولكنه على أي حال ليس خطراً حضارياً تتعرض معه مقومات وجودنا الفكري والإنساني للزوال والفناء، إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً عنيفاً هو الخطر الإسلامي، والمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي، فهم يملكون تراثهم الروحي خاصة، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة، وهم جديرون أن يقيموا بها قواعد عالم جديد دون حاجة إلى الاستغراب -أي: دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية بصورة خاصة في الشخصية الحضارية الغربية- وفرصتهم في تحقيق أحلامهم هي في اكتساب التقدم الصناعي الذي أحرزه الغرب، فإذا أصبح لهم علمهم، وإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعي في نطاقه الواسع انطلقوا في العالم يحملون تراثهم الحضاري الفتي، وانتشروا في الأرض يزيلون منها قواعد الروح الغربية، ويقذفون رسالتهم إلينا عبر التاريخ، وقد حاولنا خلال حكمنا الطويل في الجزائر أن نتغلب على الشخصية التاريخية لسعة هذا البلد فلم نأل جهداً في فرض شخصية غربية لهم؛ فكان الإخفاق الكامل من نتائج مجهودنا الضخم الطويل. إن العالم الإسلامي يقعد اليوم فوق ثروة خيالية من الذهب الأسود والمواد الأولية الضرورية للصناعة الحديثة، وهو في حاجة إلى الاستقلال في استغلال هذه الإمكانات الضخمة الكامنة في بطون سهوله وجباله وصحاريه، فهو -وتأملوا هذه العبارة- في عين التاريخ عملاق مقيد، عملاق لم يكتشف نفسه بعد اكتشافاً تاماً، فهو حذر، وهو قلق، وهو كاره لماضيه في عصر الانحطاط، راغب رغبة يخالطها شيء من الكسل أو بعبارة أخرى من الفوضى في مستقبل أحسن وحرية أوفر، فلنعطي هذا العالم ما يشاء، ولنقوي في نفسه الرغبة في الإنتاج ، ولنصنع له ما يشاء من منجزات الصناعة الحديثة؛ شرط أن نبتعد به عن الإنتاج الصناعي والفني -ويقصد الإنتاج التكنولوجي- فإذا عجزنا عن تحقيق هذه الخطة، وتحرر العملاق من قيود جهله، وعقدة الشعور بعجزه من مباراة الغرب في الإنتاج؛ فقد بوءنا بالإخفاق الذريع، وأصبح خطر العالم العربي وما وراءه من الطاقات الإسلامية الضخمة خطراً داهماً يتعرض به التراث الحضاري الغربي لكارثة تاريخية ينتهي بها الغرب، وتنتهي معه وظيفته القيادية. ا هـ
أما (جوستريونغ) فقد كتب كتاب أثناء الحساب الأخير الذي اخترعه -يعني: تصفية الحساب- وهو يعني أن العالم الإسلامي سيفيق، وسوف ينتقم من العالم الغربي واليهود الصهيونية ويتولى هو حسابهم.
يقول: إن العالم الإسلامي قد أفلت من قبضة الموت الذي أعده ونسق أكفانه الاستعمار الأوروبي، وإن العالم الإسلامي يسرع الخطا إلى الشباب، فيصفي حسابه مع الاستعمار الأوربي الصهيوني، وهو حساب عسير رهيب. اهـ
جاء في مجلة التاريخ الجاري الأمريكية مقال بعنوان: محمد عليه الصلاة والسلام: محمد يتهيأ للعودة، وفي عنوان آخر: إن المسلمين رقدوا خمسمائة سنة، وهم يتحركون الآن ويتوثبون إلى استنفار.
وقال الفير نشادور : إن هذا المسلم الذكي الشجاع قد ترك لنا حيث حل آثار علمه وفنه، آثار مجده وفخاره، إن هذا المسلم الذي نام نوماً عميقاً مئات السنين قد استيقظ وأخذ ينادي: هأنذا لم أمت إني أعود إلى الحياة، لا لأكون أداة طيعة أو كتلاً بشريه تسيرها العواصف الكبرى. ثم قال: ومن يدري قد يعود اليوم الذي تصبح فيه بلاد الفرنج مهددة بالمسلمين، فيهبطون من السماء لغزو العالم مرة ثانية في الوقت المناسب أو الزمن الموقوت؟! لست أدعي النبوة، ولكن الأمارات الدالة على هذه الاحتمالات كثيرة لا تقوى الذرة ولا الصورايخ على وقف تيارها. اهـ
هذا ما يقوله شخص يستقرئ أحداث التاريخ وعبره، فماذا يقول الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4] صلى الله عليه وآله وسلم.
أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثير من النصوص التي تبشر بأن المستقبل حتماً للإسلام، وهذه حقيقة نوقن بها تماماً كما نؤمن أن الشمس غداً ستشرق من المشرق؛ يقول الله تبارك وتعالى في شأن هؤلاء الكفار: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ [التوبة:32]، تخيل أن اليهود والنصارى يحاولون إطفاء نور الله بأفواههم، والله عز وجل يأبى إلا أن يتم نوره.
فهم الآن في كل بقاع العالم الإسلامي يحاولون إطفاء نور الله، يحاولون وأد الصحوة الإسلامية بأفواههم، وبكل ما أوتوا من قوة، انظر إلى هذا التمثيل! تخيل نوراً عظيماً، وهناك أناس يحاولون أن يطفئوه، كل واحد ينفخ ليطفئه بفمه، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32] * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33] حتى وإن كرهوا فلابد أن تحقق كلمة الله عز وجل.
عن تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر) فهذه نبوءة بأن الإسلام سوف يسيطر على كل الكرة الأرضية.
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى، فقلت: يا رسول الله! إن كنت لأظن حين أنزل الله: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33] أن ذلك يكون تاماً؟! قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله).
(أن ذلك يكون تاماً) يعني: أن وعد الله بظهور هذا الدين على سائر الأديان سوف يتحقق لا محالة، فبشرها عليه الصلاة والسلام وقال: (إنه سيكون من ذلك ما شاء الله).
وعن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً) وهو ما نحن فيه الآن ومنذ زمن بعيد قال: (ثم تكون ملكاً جبرياً فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة).
إذاً: سوف ينتهي هذا الليل الحالك بإشراق شمس الإسلام من جديد: (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) وفي هذا إشارة إلى أنه بقدر ما تقترب الدعوة من منهاج النبوة بقدر ما تكون هي المؤهلة لإعادة التمثيل لهذه الخلافة.
ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)، ويقول أيضاً: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها)، ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: (مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره)، ويقول أيضاً عليه الصلاة والسلام: (بشر هذه الأمة بالسناء والنصر والتمكين، ومن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أم رومية -أي: روما-؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدينة
ولهذا السلطان ترجمة طيبة نرجو أن تأتي فرصة نتكلم بالتفصيل في ترجمته وحياته، لكن نشير إشارة عابرة إلى شيء مهم جداً يعكس أننا لابد أن نهتم دائماً بالجيل القادم، لابد أن نربي أولادنا لأجل أن يحملوا هذه الرسالة، وإذا كنا قد هدينا إلى الالتزام وإلى الإسلام في سن متأخرة، ربما التزم بعض الإخوة بعد أن دخل الجامعة أو في ثانوي، فنرجو أن يكون الجيل المقبل إن شاء الله أسعد حظاً في أن ينشأ من صغره على هدف يعيش من أجله.
قصة محمد الفاتح باختصار شديد أنه كان ابن السلطان، فكان يؤدبه شيخ وهو طفل صغير، ومؤدبه يدعى أخ شمس الدين ، وكان هذا العالم المربي هو الذي يربيه ويهذبه ويعلمه، وكان هذا الشيخ يأخذ يد الطفل الصغير محمد الفاتح بين وقت وآخر، ويذهب به إلى الساحل الذي يفصل آسيا عن أوروبا؛ لأن اسطنبول يقع جزء منها في آسيا وجزء منها في أوروبا، وكانت تسمى (الاستانة) في الحقيقة لكن أتاتورك سماها اسطنبول، وهي أصلاً (إسلام بول) يعني مدينة الإسلام، فكان يأخذ محمد الفاتح وهو صبي صغير إلى الساحل بصفة مستمرة، ويقول له: انظر إلى هذه المدينة التي هناك، هذه المدينة هي القسطنطينية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم ستفتحون القسطنطينية، فنعم الجيش جيشها، ونعم الأمير أميرها)، ثم ينصرف، ثم يأخذه بعد ذلك مرة أخرى، ويسحبه بيده وهو طفل صغير، فظل مداوماً على هذا حتى تولد لدى هذا الصبي الصغير الهمة في أن يدخل في دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمغفرة لهذا الجيش، وبالمدح والثناء لأميره: (فنعم الأمير أميرها، ونعم الجيش جيشها) فعاش لأجل هذا الهدف فقط لا لغاية أخرى، وهذا الشيخ كان يعلم أن هذا الرجل سيكون في يوم من الأيام سلطاناً، فأراد أن يساهم في تحقيق هذا النصر العظيم، فأوجد في هذا الصبي من صغره هذه الهمة، فيعيش ليؤدي هذه الرسالة، ويحمل هذا الشرف، ليس كل همه أن يجمع المال، وأن يخرج بمنصب مرموق، وأن يعيش عيشة طيبة، فهذه همة دون، أما أصحاب الهمم العالية فهم يهتمون بمعالي الأمور.
فعليك أن تربي أولادك، لا يبعد أن يكون ابنك الصغير الذي يركض في المهد ويصرخ ويصيح هو الذي سوف يمكن الله للإسلام على يديه، لا تحتقر ما في هذه الأجيال والأطفال من طاقات، فينبغي الاهتمام الشديد بالأجيال المقبلة، ونرجو أن تكون أسعد حظاً من جيلنا.
الأدلة على أن المستقبل للإسلام كثيرة جداً، وقد ذكرنا منها من غير نصوص الوحي من الكتاب والسنة أقوال المفكرين والمشاهير من الغربيين الذين يقرون بهذه الحقيقة، مع أننا في أشد حالات الضعف والهوان، فالأمة الإسلامية لن تتخلى عن عقيدتها بالرغم من الذل الذي تتجرعه كل وقت، ومع ذلك هم يخافون من الأمة! لماذا؟
لأنهم يعرفون مكامن القوة في هذه الأمة.
ومن الأدلة أيضاً: أن الإسلام هو دين الفطرة، وهذا الدين حفظه الله عز وجل من التحريف، فهو منهج حياة شامل، يسهل كل مقومات الحياة، والبشرية الآن في حالة تعطش إلى الإسلام، من يرى أحوال الكفار أو يسمعها أو يقرأها سيحكم أن هذه الأمم كلها انهارت، وليست الشيوعية فقط الذي انهارت، بل العالم الغربي الآن منغمس في حمئة الرذيلة، وأسباب الانهيار تعمل فيه بأقصاها لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ [آل عمران:196].
وإذا أردنا أن نتكلم عن انهيار النظم البشرية فلن نضع أمريكا في مؤخرة القائمة بل هي في أول هذه القائمة؛ لأنها مع قوتها المادية الهائلة إلا أنها منهارة انهياراً شديدة جداً، ومن الخيانة أن كثيراً من الكتاب والناس يعودون من تلك البلاد فيمدحونها مدحاً شديداً حتى يصوروا للناس أنها الفردوس المفقود، لكن من خبر الأمر على حقيقته وجد أننا متقدمون عنهم بمراحل عظيمة جداً مع ما نحن فيه من الانحراف عن الإسلام، فاعملوا أن إخوانكم الذين يعيشون هناك، وفيه خير، وفيه ولاء لله ورسوله عليه الصلاة والسلام؛ فإنه يعتبر عودته إلى مصر -على ما فيها من فساد- أمنية عظيمة جداً، لكنه دخل في أسر الدنيا، فقل من يضحي حتى يعود إلى بلاد المسلمين، فهم جميعاً في حاله شقاء وضنك وعذاب وحرمان من نعمة الحياة بين المسلمين.
فالمقصود أن الانهيار ليس فقط في الشيوعية، ولكن أيضاً أمريكا في قمة من ينهار في الحقيقة، والبشرية الآن كلها تبحث عن منقذ، ليس عندهم قيم في أمور البشرية على الإطلاق، ليس عندهم أي شيء يقدموه للبشرية.
ومن الأدلة أيضاً: أن بشائر الصحوة الإسلامية في كل أرجاء العالم الإسلامي -بل في أعماق أوروبا وأمريكا نفسها- تطل من جديد، مع أن الجهود الدعوية التي تبذل في كل البلاد الإسلامية دون المستوى المطلوب بكثير جداً، ومع ذلك فتجد انتشاراً كبيراً جداً لهذه الصحوة؛ فهذا مما يبشر باقتراب هذا الوعد والأجل المحتوم، يقول الله تبارك وتعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا [يوسف:110]، ويقول الله تبارك وتعالى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ [الشورى:28]، فبعد القنوط والإياس يأتي النور والحياة؛ لكن هذا الدين لم يقم إلا على تضحيات وبذل وأشلاء وجماجم، ولم توقد مصابيح الهداية إلا بدماء الشهداء الأبرار الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة.
عن خباب رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله! ألا تدعوا لنا؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال: لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)، فتأمل هذا الحديث، وانظر إلى الحال التي نحن فيها الآن من الضعف، فالحال في كثير من بلاد المسلمين ليست كالحالة التي نطق فيها النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الحديث، قال الصحابي: (وقد لقينا من المشركين شدة)، فقد كان المشركون يعذبون الصحابة أشد العذاب، ولما هرعوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدل عن الدعاء لهم بتسليتهم وتعزيتهم بأن هذه سنة من الله ماضية، ولابد من البلاء، وبشرهم بالنصر وهم في هذه الحالة من الضعف، والدعوة كانت في بدايتها، والصحابة كانوا يعذبون أشد العذاب، وهذا كما جاء في الحديث الآخر: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا)، يعني: لم يزل شكوانا، ولم يدع لنا؛ لأن هذه سنة ماضية من الله عز وجل.
وفي هذه الحالة من الاضطهاد الشديد بشرهم رسول الله صلى الله علي وسلم بالأمل، وأحيا في نفوسهم الأمل بالتمكين للدين، بل حلف على ذلك وهو الصادق المصدوق فقال: (والذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر)، ونحن الآن نقسم أيضاً أن الله سيتم هذا الأمر كما وعد الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ [ص:88].
نختم الكلام بقصة سراقة بن مالك عندما كان يطارد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبه أبا بكر رضي الله عنه كما في حديث الهجرة، فكان يتعثر به فرسه كلما هم أن يلحق الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه بدافع الطمع في الجائزة المغرية التي نصبتها قريش لمن يأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أو بخبر عنهما، ثم ساخت قوائم فرسه في الأرض، فناداهما أن ينقذاه على أن يرجع، وعاهد النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبه أن يكفيهما من وراءهما، ويضلل قريش حتى لا تصل إلى طريقهما، فخطر في نفسه أن يرجع ويغدر، ويعود من جديد في ملاحقتهما طمعاً في تلك الجائزة، وفي هذه اللحظة التي حدث فيها نفسه بهذه النية وهذا الهم طمعاً في الجائزة إذا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول له: (يا
ونسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما قلنا، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال: نعرف مخططات الغرب وعداءهم للإسلام، فما الواجب علينا شرعاً تجاه هذه المخططات اليوم؟
هذا سؤال هام جداً، فيحتاج إلى إجابة مفصلة لكن الوقت لا يسمح بالتفصيل، فأقول: الطريق إلى تحقيق مآرب الأمة الإسلامية التي منها تحرير القدس التي تباع الآن بأخس الأثمان؛ والتي حفتها الخيانة من أول يوم في تاريخ هذه القضية، الطريق إلى تحقيق كل أهداف الأمة الإسلامية ومنها تحرير فلسطين لابد أن يمر بإحدى الدول الإسلامية، فمن هي هذه الدولة؟
هي الدولة التي تتمكن من إقامة الخلافة الإسلامية من جديد على أرضها. إذاً: كيف تقوم هذه الدولة؟
أي دولة إسلامية تقوم فيها خلافة إسلامية وكيان إسلامي فسوف تقلب موازين العالم كله، ومن أجل هذا ستكون الحرب التي يشنها الغرب على المسلمين، فكيف تقوم هذه الدولة؟
وصف القرآن لنا ذلك فقال: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ [الإسراء:5]، هذا وعد من الله؛ لأن الله قال: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا [الإسراء:8] يعني إن عدتم إلى الإساءة عدنا إلى تسليط عبادنا عليكم، فما صفات هؤلاء؟ وصف الله هؤلاء الذين يصلحون لهذه المهمة الإسلامية بقوله: عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ [الإسراء:5] جمع بين القوة والأمانة إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف:55]، وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ [النمل:39]، فكذلك هنا عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ [الإسراء:5]، يحققون عبودية الله عز وجل وحده، وفي نفس الوقت يأخذون بأسباب القوة، وليست فقط القوة ولكنهم (أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ).
ونحن نعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام تنبأ أن اليهود لن ينعموا أبداً بما يسمونه السلام الأبدي، بل لابد من قتال بينهم وبين المسلمين يمكن الله فيه للمسلمين، وينصر المسلمين فيه حتى أن الشجر والحجر يعينان المسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (لن تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يختبئ اليهودي وراء الشجر والحجر فيقول الشجر والحجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي ورائي تعالى فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود).
الشاهد أن الرسول عليه السلام لم يقل: يا عربي يا قومي يا بعثي يا مصري يا فلسطيني هذه النسبة صحيحة فلن ينادي بهذه المسميات أبداً، وإنما يقول: (يا مسلم يا عبد الله)، فهؤلاء فقط هم الذين يحققون هاتين الصفتين، الإسلام والعبودية لله هم القادرون على ذلك.
فالخلافة لن تعود إلا على منهاج النبوة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)، الأمة مخاطبة، والجماعات الإسلامية مخاطبة، والآحاد والأفراد كلهم مخاطبون بأمر واحد، كل واحد منا عاهد الله عز وجل عليه وليذكر من الآن فنحن نقترب جداً من وقت النصر والتمكين لهذا الدين في الأرض، هذا الطريق هو آية في سورة الرعد: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11] لو أن كل واحد بجد وبهمة عالية عاهد الله عز وجل أن يغير ما في نفسه مما لا يرضي الله من صفات أو أخلاق أو تفريط في حق الله وفي جنب الله، عزم على أن يصلح نفسه من الآن ولم يؤجل، لو أن الأمة قامت بتوبة جماعية كتوبة قوم يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام؛ فسيكافئنا الله عز وجل بأن يغير ما بنا من أحوال ومن تردي ومن هوان، (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).
ثم بعد ذلك الأخذ بكل أسباب القوة في سبيل التمكين لهذا الدين، بعض الناس يهربون من مواجهة الواقع، ويحسبون أن السنن الكونية تجامل وتحابي؛ لأننا موحدون سوف تنزل علينا الملائكة وتنصرنا حتى لو قاتلنا بالسهام والحراب والسيوف!
السنن لا تحابي أحداً حتى الأنبياء، الأنبياء جرحوا وقاتلوا وعانوا كثيراً جداً وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ [آل عمران:146]، كثير من الناس يفزعه البون الشاسع الذي بيننا وبين الكفار في الحضارة والقوة والعلم والمال وغير ذلك؛ فيستسلم ويتخاذل، ولا يجد سبيلاً إلا أن يقول: سوف تنزل معجزات من السماء تنصرنا على أعداء الله، سوف تنزل الملائكة وتحارب معنا! نعم لكن ألم يقل الله عز وجل: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]؟ ألم يصف الله عباده الذين سيقتلون اليهود ويذلونهم بأنهم: عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ [الإسراء:5]؟ ليس بأساً فقط، لكن بأس شديد. فبعض الناس يهربون من مواجهة الحقيقة إلى الأحلام والأماني، بعضهم يقول: ننتظر حتى يخرج المهدي، وكل شيء سوف يحل! والسنن سوف تحابينا؛ لأننا موحدون!
السنن لا تحابي أحداً، الكافر إذا زرع الأرض وحرثها ورعى الزرع ينتج، والأرض لا تقل له: أنت كافر لن أزرع لك، وفي نفس الوقت المسلم الموحد إذا قصر في حرثها فلن تقول له: سوف أنبت لك لأنك موحد!
يجب أن نكون على يقين بأن الله سبحانه وتعالى له سنن كما قال عز وجل: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140]، يوم لك ويوم عليك، وهكذا دواليك، ودولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، لابد أن تكون العاقبة للتقوى: وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف:128]. إذا تأملنا حال بريطانيا، فبريطانيا في يوم من الأيام كانت تسمى الأمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، والآن بريطانيا عبارة عن كوكب يدور في فلك أمريكا، فصارت تابعة لأمريكا، فنفس الشيء يستطيع الله تبارك وتعالى بقوته أن يزيل أمريكا ويصغرها ويذلها إذا خرج من يشترون الحياة الدنيا بالآخرة، فالذي ينصر المؤمنين ليس هو الأسلحة ولا المال وإنما هو الله عز وجل: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ [الحج:40]، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:74] لكن ينبغي الأخذ بالأسباب، واستفراغ الوسع في الأخذ بهذه الأسباب، كلما يمكن أن يكون قوة تضاف إلى رصيد المسلمين فينبغي عدم التفريط فيه إلى أن يأذن الله عز وجل للتمكين لهذا الدين.
أما مكائد المشركين وحيلهم فالله عز وجل زودنا بما ندفع به هذا، قال: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا [الطارق:15] * وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق:16] * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا [الطارق:17]، هم ينفقون الأموال، لكن قال الله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36]، ويقول تعالى: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [الحج:71].
المسألة هي الأخذ بالأسباب، واحترام السنن الكونية، واحترام السنن الشرعية أيضاً، وعدم التعجل والتهور، فحينئذ يكافئ الله تبارك وتعالى من يقيمون دينهم بأنفسهم، ويجتهدون في بثه ونشره والجهاد في سبيله، يقول عز وجل: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ [القصص:5] هي منة، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ [القصص:5]، ويقول تبارك وتعالى: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا [الأعراف:137]، فهذا الوضع الذي نحن فيه من المذلة والهوان والضعف والقهر وخيانة الحكام كل هذا ليس جديداً، فأمثاله كثير جداً في التاريخ الإسلامي.
وحصل أن الأمة نهضت من الكبوة وفاقت من السكرة، بقيت فلسطين في يد الصليبين ما يزيد على تسعين سنة، ومع ذلك حررت، وفلسطين الآن لها في أيدي اليهود أربعة وأربعين سنة، فقد استولى الصليبيون على بيت المقدس مدة أطول من هذا، وقيض الله عز وجل نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي فمكن الله لهذا الدين على أيديهم.
كذلك فتنة التتار، وحصلت كثير من المواقف التي كانت قريبة من حالنا، فالأمل في سنن الله، وقراءة التاريخ تعطينا العبرة، فهذا شيء ممكن وما هو صعب أن يمكن الله تبارك وتعالى للمسلمين على ما هم فيه من ضعف، ولكن من أين يبدأ الحل؟
ما هي الحقيقة حتى لا نهرب من مواجهتها؟ الحل أن يبدأ التحول من الآن وبلا تأجيل، كل واحد منا يراجع نفسه، كيف حاله مع الله؟ هل يقصر في حقوق الله؟ هل يبذل كلما عنده لله؟ وهكذا يراجع ويصلح حاله مع الله ويبدأ يبذل، في هذه الحالة ينطبق علينا قوله تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11] هذه هي الغاية، فإذا غيرنا أنفسنا حتماً فسيغير الله تعالى حالنا، والله تعالى أعلم.
السؤال: ما هو واجب الشباب المسلم تجاه القضية الفلسطينية؟
الجواب: الكلام في القضية الفلسطينية يدخل في الجواب عن السؤال الأول، وهو أن تحرير فلسطين لابد أن يبدأ من دولة خلافة إسلامية.
ودولة الخلافة لن تقوم إلا على أيدي رجال لهم صفات حددها الله تبارك وتعالى، وهذه الصفات الآن غير موجودة فينا، والتغيير يبدأ من أنفسنا، فيجب أن يبدأ التغيير من أنفسنا، وأن يبدأ التحول من أنفسنا، عملاً بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]، ولا شك أنه سيكون هناك جهاد في فلسطين، بل إن نفس الأنظمة العربية تعرف أن إسرائيل تعد لحرب قادمة، وهم يحددون تاريخها بعد عدة سنوات، وهذا شيء معروف، وهذا الوضع لن يدوم.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
السؤال: توجد الآن صحوة إسلامية كبيرة واسعة لا نظير لها في البلاد الإسلامية، والشباب المسلم يتعرض لمتاعب اقتصادية وأمنية مما يجعل الكثير منهم يفكر في الهجرة إلى بلاد الغرب، فما هو الحكم الشرعي في السفر إلى بلاد الغرب الكافرة؟ وهل هناك صحوة إسلامية حقيقة في الغرب؟
الجواب: مصطلح الصحوة الإسلامية يستعمل هناك أيضاً، والكلام في ذلك يطول، فهناك صحوة نسبية، والوجود الإسلامي في الغرب ما هو إلا قطرة في بحر لجي من الفتن يغشاه موج من فوقه موج من فوقه ظلمات، فالوضع ليس كما نحاول أن نقنع أنفسنا، فالإخوة هناك غرباء في الدين، وغرباء عن الوطن، وكل أنواع الغربة تحققت فيهم، وتعرفون قصة الرجل الذي رأى حماراً، وهو يريد أن يأكل الحمار، فقال: ما أشبه أذنيه بأذني الأرنب! فهو يريد أن يقنع نفسه حتى يأكله.
وهكذا بعض الإخوة يريد أن يبيح لنفسه أن يذهب إلى تلك البلاد للإقامة؛ فيحاول أن يتخذ لنفسه هذه المعاذير، فيقول: إن هناك إخوة في المركز الإسلامي لكن جميع الإخوة -بلا استثناء- يعانون أشد العناء، وما من أخ إلا وأمله الأسمى في الحياة أن يعود إلى بلاد المسلمين، لكن المشكلة أنه يتعود على نمط الحياة هناك، ويفترض عليه أن يتكيف على الأوضاع هنا إذا عاد، ويطلع على سوء أخلاق الناس، وشدة الحياة، وغير ذلك من عوامل التنفير، لكن العاقل دائماً يعرف كيف يزن الأمور، ويحسن تقدير العواقب.
الذين يظن أنه سيذهب هناك، ويحصل بعض المصالح بدون أن تمسه هذه الفتن، فأنا أشبهه بطائر يريد أن يأخذ الحبة من الفخ، فأين ذلك الطائر الذي يستطيع أن يلتقط الحبة دون أن يقع في الفخ؟
وهذا يذكرنا بقصة القرد الذي رأى سمكة تصارع أمواج الطوفان، وتصعد وتغطس في حالة عناء من أمواج شديدة، ولا تتمكن من الاستقرار داخل الماء، فأشفق عليها هذا القرد، وأراد أن ينجيها، فأخذها من الأمواج ووضعها في منطقة رملية جافة حتى لا تعاني من الأمواج، فهلكت، وهذه هي النتيجة، فنحن بصفتنا مسلمين -ولا أقول: كمسلمين؛ لأن هذا تعبير فيه نظر؛ لأننا في الحقيقة مسلمون- لا تناسبنا الحياة في تلك البلاد، لا تصلح لأمثالنا، ليست لصاحب الدين، تلك البلاد لا تصلح لمن عنده دين، ولا لمن عنده أخلاق.
حتى الناس الذين ليس عندهم دين في أوروبا أو أمريكا إذا وصل ابنه إلى التاسعة من عمره يسافر بهم إلى بلاد المسلمين ثم يعود؛ لأنه يعرف المصير المدمر المقطوع به إذا بقي بأولاده في هذه البلاد، فهم يعيشون في جحيم في الحقيقة، لا تتصوروا الصورة المزيفة التي تعطى للشباب عن تلك البلاد. يقولون: إن السفارة الأمريكية والبريطانية وكذا السفارات الغربية تفزع من امتداد الطابور الطويل الذي يقف أمامها طمعاً في الحصول على تأشيرة الدخول إلى الجنة الموعودة، وأقتطف جزءاً من آية في سورة البقرة، وأقترح على السفارة الأمريكية وغيرها أن تكتب لافتة أمام السفارة يكتب عليها: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]، حتى يقيموا الحجة على من يريد أن يدخل تلك البلاد قبل أن يدخلها، أقول: إن من يدخل هناك يكفر، لكن لا تنسوا أن الشباب الإسلامي الذي يتواجد هناك في المراكز الإسلامية والأنشطة الإسلامية قليل جداً، ولو قارنت وعملت نسبة بين الذين يترددون على المساجد ويحافظون على دينهم وبين الذين يذوبون في الطوفان المدمر، ويضيعون تماماً، ويتركون دينهم وأخلاقهم وكل شيء؛ لرأيت النسبة بعيدة، فالأصل أن الناس هناك يفتنون، والذي ينجو نادر.
فالشاهد: أن تلك البلاد لا تصلح لمعيشة المسلم الذي يريد أن يحافظ على دينه، والحقيقة أن الحديث ذو شجون، ويطول جداً إذا استطرت فيه، لكن يكفينا قول النبي عليه الصلاة والسلام: {أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين، لا تتراءى نارهما}، وقوله عليه الصلاة والسلام: {برئت الذمة ممن أقام مع المشركين في بلادهم}؛ وكنت أذكر الأخوة هناك بالحديث، وإياك أعني واسمعي يا جارة.
تعلمون حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً، فدل على راهب فسأله: هل لي من توبة؟ فقال له: وأنى لك التوبة؟! فقتله وكمل به المائة، فهو آيسه من رحمة الله، فسأل عن أعلم أهل الأرض، والمرة السابقة سأل عن عابد، والآن سأل عن عالم؛ فدل على العالم، فقال: من يحول بينك وبين التوبة؟! فبمجرد أن أرشده إلى التوبة ورغبه فيها، أمره بالتحول وتغيير البيئة، فقال: هناك بلدة فيها قوم صالحون يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولما أتت الملائكة لتقبض روحه اختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ملائكة العذاب قالت: لم يعمل أي شيء من أعمال الخير، وملائكة الرحمة تقول: أتى تائباً إلى الله عز وجل، فاتفقوا على أن أول قادم عليهم يحكم بينهم، فقيض الله ملكاً، فحكم أن يقيسوا المسافة التي هو فيها، هل هو أقرب إلى البلدة الصالحة أم البلدة الطالحة؟ وفي بعض الروايات أنه لما قبض اقترب بشبر، زحف حتى يكون أقرب إلى البلدة الصالحة، وقد يكون هذا سبباً من أسباب نجاته، وفي رواية: أن الله أمر الأرض أن تمتد حتى يكون أقرب إلى البلد الصالحة، وعندما نتذكر هذا الحديث ونحن نتكلم عن الهجرة إلى بلاد الشياطين والكفار وأصحاب الجحيم والسعير، فوالله أن الذي يتسول هنا أكرم له وأفضل من أن يذهب هناك فيفسد دينه، ويفسد أيضاً دنياه، فتكون دنياه لا بركة فيها.
فأين نحن من هذا الحديث؟
هذا الرجل جاهد حتى يكون أقرب إلى البلد الصالحة، فما أبعد المسافة بين بلاد الكفار وبلاد المسلمين، فلماذا تذهب هناك؟! نعم هناك نشاط إسلامي، والإخوة هناك ينقسمون إلى معذورين وآثمين، هناك معذورون من بعض المسلمين، هم في بلادهم مطرودون، وما هناك بلاد تؤويهم، فلا حرج عليهم حينئذ، لأسباب كثيرة الآن وقت سردها، لكن لا شك أن هناك قسماً كبيراً جداً من الآثمين الذين لا يحل لهم بأي حال من الأحوال البقاء فيها، وأنا أكرر كلمة قالها الشيخ عباس المدني حفظه الله، قال لبعض إخواننا لما كان هناك في أوروبا: لا أقول لكم: إنكم تغرقون، بل أنتم في الحقيقة غرقى، وضرب لهم مثلاً فقال: لو أن عندنا مليار مارك -وهي العملة الألمانية- وهذا المليار أخذت منه ماركاً واحداً، كم خسر المليار، المليار لم يخسر شيء، لكن كم خسر المارك؟ المارك خسر المليار.
يعني: الإنسان لما يخرج من المجتمع الإسلامي يخسر كل هذا المجتمع، والمجتمع لا يخسر شيئاً، الخاسر في الحقيقة هو، وأنا أقول: هذا ونحن نعيش في الفتن هنا في مصر، ونعاني جميعاً كل العناء، لكن من أراد إلا التحول، فأرض الله واسعة كما أخبر الله، فيهاجر إلى مكان أفضل أمناً، وأفضل من حيث الرزق، وأفضل من حيث الدين، لكن لا يذهب إلى مكان أسوء، العاقل يختار ما هو أحسن، ويقدم الدين على الدنيا، فأرض الله واسعة فيجتهد في الهجرة إلى أي بلاد من بلاد المسلمين بعيداً عن هذا الجحيم في الغرب.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر