إسلام ويب

شرح كتاب الباعث الحثيث - الحديث المرسلللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحديث المرسل وصف لما رفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر الصحابي، ويندرج في أقسام الضعيف؛ لاحتمال كون الساقط تابعياً، ومنه نوع موصول ذكره العلماء، وهو ما رفعه السامع من النبي صلى الله عليه وسلم الذي فاته شرف الصحبة.

    1.   

    أجوبة على أسئلة في الحكم على أحاديث

    الحكم على حديث: (ليفعل البار ما يفعل فلن يدخل النار...)

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

    وبعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    أحد الإخوة سأل عن بعض الأحاديث: الحديث الأول: (ليفعل البار ما يفعل؛ فلن يدخل النار، وليفعل العاق ما يفعل؛ فلن يدخل الجنة)، وهذا الحديث أنا لم أجده مع كثرة البحث عنه.

    الحكم على حديث: (الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة...)

    الحديث الثاني: (الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسرُّ بالقرآن كالمسر بالصدقة)، هذا الحديث حديث حسن، وللعلماء أقوال فيه، فنبدأ بمسألة أيهما أولى: الجهر بالقرآن والجهر بالصدقة أم الإسرار؟ فأحياناً يكون الجهر أولى من الإسرار، وأحياناً يكون الإسرار أولى من الجهر في أمور معروفة.

    الحديث الثالث: (ستة لعنتهم ولعنهم كل نبي مجاب الدعوة: التارك لسنة، والمستحل لمحارم الله، والمستحل من عترتي ما حرمه الله، والزائد في كتاب الله، والمتسلط على أمتي بالجبروت ليعز من أذل الله ويذل من أعز الله)، هذا حديث ضعيف.

    والجاهر بالقرآن هو الذي يقرأ القرآن بصوت مسموع، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً يقرأ القرآن بصوت مرتفع وهناك من يصلي قال: (كلكم يناجي ربه)، يعني: الذي يقرأ القرآن لا شك أنه يناجي الله عز وجل، وكذلك الذي يصلي، قال: (فلا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن)؛ لأجل التشويش.

    ومر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر فوجده يصلي الليل خافتاً صوته جداً، وعمر على العكس من ذلك كان رافعاً صوته جداً، ففي صبيحة اليوم الثاني حث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على أن يرفع صوته قليلاً، وحث عمر على أن يخفض صوته.

    فإن كان الجهر بالقرآن للتعليم أو للدرس أو لغير ذلك فالجهر أولى من الإسرار، وإلا فالأفضل الإسرار.

    وكذلك إذا كان الجهر بالقرآن يؤدي إلى الرياء فالإسرار به أولى، وكذلك الصدقة إن كان الجهر بها يؤدي إلى الرياء الذي يؤدي بدوره إلى إحباط العمل فالسر بها أولى.

    الحكم على حديث: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم..)

    السؤال: في جامع العلوم والحكم: وخرج الطبراني من حديث حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لم يمس ويصبح ناصحاً لله ورسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم)، قال في التحقيق: أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير، وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد أن فيه عبد الله بن جعفر ، وهو مختلف في توثيقه، فما مدى صحة هذا الحديث؟

    الجواب: على أي حال الحديث من حيث هذا اللفظ ضعيف، وإن كان يشهد لجزأيه أحاديث كثيرة صحيحة.

    فمثلاً قوله: (ومن لم يمس ويصبح ناصحاً لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم..)، يشهد له حديث: (الدين النصيحة)، وقوله: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) تشهد له أحاديث كثيرة بهذا المعنى لا بهذا اللفظ، أما هذا الحديث بعينه من حديث حذيفة بن اليمان فهو حديث ضعيف.

    1.   

    تعريف الحديث المرسل

    ذكرنا أن أي نوع من الأنواع لو تعرضنا له لا بد أن نعرج على معناه اللغوي قبل معناه الاصطلاحي، فما معنى المرسل في اللغة؟

    المرسل في اللغة: اسم مفعول من أرسل، بمعنى أطلقه ولم يقيده، فقولي مثلاً: أرسلت الحمامة في الهواء، أرسلت السمكة في الماء، بمعنى: أطلقت لها العنان والسراح، سواء في الجو أو في البحر، أو تقول: أرسلت رجلاً في الطريق، أو تقول: ناقة مرسال، بمعنى: سريحة غير مقيدة.

    فعلماء المصطلح اصطلحوا على تسمية الحديث الذي رواه التابعي ولم يقيده بصحابي عن النبي عليه الصلاة والسلام، وقالوا: إن هذا الحديث يسمى مرسلاً؛ لأن التابعي أرسله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقيده بالصحابي الذي سمعه منه؛ دل ذلك على أن العلاقة وثيقة بين المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي، هذا من حيث اللغة، أما من حيث الاصطلاح فله تعريفان:

    التعريف الأول: هو ما سقط من آخر إسناده من بعد التابعي، سواء كان صغيراً أو كبيراً.

    لماذا ذكرت هذه التفرقة؟ لماذا لم أقل: هو ما سقط من إسناده رجل بعد التابعي أو الصحابي الذي بعد التابعي؟

    لأن بعض العلماء قالوا: يفرق بين مرسل كبار التابعين ومرسل صغار التابعين، فما هو الفرق؟

    قال: الغالب في مرسل كبار التابعين أنهم يروون عن الصحابة مباشرة، وأما صغار التابعين فإنما يروون عن كبار التابعين.

    إذاً: مرسل صغار التابعين يمكن أن يكون السقط فيه اثنين: التابعي الكبير والصحابي، فيكون في هذه الحال معضلاً؛ لأنه سقط فيه اثنان وراء بعض، هذا بالنسبة لصغار التابعين.

    أما كبار التابعين فالغالب أنه سقط واحد فقط، لكن لا يوجد يقين.

    فيقول هنا: المرسل اصطلاحاً: هو ما سقط من آخر إسناده من جهة التابعي.

    وقد قلنا قبل: إن المعلق هو ما سقط من أول إسناده رجل من جهة المصنف؛ لأن للإسناد آخرين وأولين، فيمكن أن تقول: من أول الإسناد من جهة الصحابة، ويمكن أن تقول: من آخر الإسناد من جهة الصحابة.

    فللمرسل اصطلاحاً معنيان:

    المعنى الأول: هو ما سقط من آخر إسناده من بعد التابعي، سواء كان هذا التابعي صغيراً أو كبيراً؛ كأن يقول التابعي الإمام ابن شهاب الزهري -مثلاً-: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـالزهري من صغار التابعين، ونحن عندما نتكلم عن الصغار نعني الإدراك، فـسعيد بن المسيب أدرك كثيراً من الصحابة، وكان متزوجاً بنت أبي هريرة ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى أدرك مائة وعشرين من الصحابة، وهو القائل: أدركت مائة وعشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما منهم أحد تعرض عليه الفتوى إلا ود أن أخاه كفاه. فهذا نص صريح وصحيح عنه في أنه أدرك مائة وعشرين صحابياً، فمن أدرك مائة وعشرين صحابياً -على اختلاف الصحابة في أسنانهم وتضلعهم في العلم- هل يقال عنه: إنه من صغار التابعين أم أنه من كبار التابعين؟ الجواب: يقال: إنه من كبار التابعين.

    و قيس بن أبي حازم كذلك، فـقيس بن أبي حازم وعبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن المسيب كل هؤلاء من كبار التابعين الذين أدركوا جلة من الصحابة، بخلاف الزهري وأمثاله، والحسن البصري كان من الكبار، لكن الحسن البصري مراسيله مردودة؛ لأنها من أضعف المراسيل؛ لأن الحسن اتهم بالتدليس، ودلَّس عن الصحابة وعن غيرهم من التابعين، بل لما تتبع بعض أهل العلم مراسيل الحسن وجدوه يدلس عن الضعفاء والثقات في وقت واحد.

    فعلى أي حال المرسل هو أن يقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..

    فأقول: إن المعنى الأول لمعنى المرسل من حيث الاصطلاح: هو ما سقط من آخر إسناده من بعد التابعي، كأن يقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعي لم يدرك النبي عليه الصلاة والسلام، ولو كان أدركه لجاز له أن يقول: قال رسول الله، وحدثنا رسول الله، وبهذا يكون صحابياً وليس تابعياً، إنما التابعي هو من أدرك الصحابي، والصحابي هو من لقي النبي عليه الصلاة والسلام؛ فهذا هو التعريف الأول.

    1.   

    أنواع المرسل

    المرسل المنقطع

    وهناك من أنواع المرسل في هذا الباب مرسل له حكم الاتصال أو موصول الإسناد، فعندما أقول في أحد التعريفات: هو أن يقول التابعي: قال رسول الله، فالتابعي لم يدركه، وعلى هذا يكون فيه انقطاع، والانقطاع هنا يمكن أن يكون الساقط واحداً أو اثنين أو أكثر، كرواية الأقران بعضهم عن بعض، وهذا النوع نسميه: الحديث المدبج، والحديث المدبج: هو أن يروي الأقران بعضهم عن بعض، كأن يروي تابعي عن تابعي عن تابعي عن تابعي ثم عن الصحابة، فالأربعة التابعيون لما رووا الحديث بعضهم عن بعض لو حذف ثلاثة تابعيون وذكر الصحابي ستقول: هذا التابعي روى عن ذلك الصحابي، لكن في الحقيقة بينه وبين ذلك الصحابي في هذا الحديث على وجه الخصوص ثلاثة، فهو لم يسمع منه مباشرة، وإنما سمعه من واحد.. وهو سمعه من ثانٍ.. وهو سمعه من ثالث، ثم بعد ذلك هذا الثالث سمعه من الصحابي.

    فهذه أحد صور المرسل: أن يروي التابعي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يقيده بالذي سمع منه ذلك الحديث، فأنا أقول: إن هذا الإسناد ضعيف؛ للانقطاع.

    لكن عندنا نوع من المرسل أيضاً سأسميه حديثاً مرسلاً وإسناداً مرسلاً، لكنه موصول، وله حكم صحة السند إلى المرسِل.

    فالمرسل نوعان:

    النوع الأول: أن يكون المرسل منقطعاً من بعد التابعي، كأن يقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذه الحالة الإسناد هذا منقطع، وهذا أحد أنواع المرسل، وحكمه الضعف، ضعف بسبب الانقطاع والسقط من الإسناد؛ لأنه ليس هناك يقين بأن الساقط صحابي، مع أنه يمكن أن يكون الساقط صحابياً وأن يكون تابعياً، والتابعي هذا تجري عليه أحكام الجرح والتعديل، فيمكن أن يكون ثقة ويمكن أن يكون غير ثقة، ففي هذه الحالة الجهل بحال الساقط يجعلني أرد الحديث؛ لأن حكم الساقط لا أعرفه، هل هو ثقة أم غير ثقة؟ ولست متأكداً من أن الساقط صحابي فقط؛ لأنه يمكن أن تكون الرواية عن الأقران.

    إذاً: التابعي يمكن أن يروي عن تابعي، ويمكن أن يروي عن صحابي، فإذا روى حديثاً وقال فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأنا في هذه الحالة لا أدري: هل هو حمل هذا الحديث عن الصحابي أم عن تابعي مثله؟ وهل التابعي أخذه عن الصحابي، فأنا لا أعرف في هذه الحالة هل الساقط في هذا الإسناد صحابي وتابعي، أم صحابي فقط؟

    فلو تأكدت أن الساقط صحابي فقط فالحديث صحيح؛ لأن الصحابة كلهم عدول، فإذا كان الساقط صحابياً يقيناً فيقبل هذا الحديث مطلقاً؛ للحكم العام على الصحابة بأنهم جميعاً عدول.

    لكن أنا لست متأكداً أن هذا الساقط هو صحابي، فيمكن أن يكون صحابياً وبجانبه تابعي، والتابعي هذا يمكن أن يكون ثقة ويمكن أن يكون غير ثقة، وأنا في هذه الحالة لا أعرف حكم ذلك التابعي، ولا أعرف إذا كان الساقط تابعياً وصحابياً، أم صحابياً فقط، أم مجموعة تابعيين وصحابي، أم غير ذلك، فلما خفي علي عين الساقط توقفت في قبول الحديث؛ لجهالة عين الراوي الساقط من الإسناد، فلما خفي علي عين الراوي الذي سقط وأنا لست متأكداً من هو: هل هو صحابي أم تابعي، توقفت في الحديث؛ لأنه قد يكون تابعياً، ويمكن أن يكون تابعياً ضعيفاً، فأنا ابتداءً لم أعرف من الذي سقط، عين ذلك الشخص لا أعرفه؛ فبالتالي: الذي لا أعرف عينه لا أعرف حاله، توثيقاً أو تجريحاً أو تعديلاً.

    فلما كان الأمر كذلك وجب رد هذه الرواية؛ لأنها أتتني من طريق منقطع أنا لا أعلم حال الساقط في هذا الإسناد. هذا النوع الأول من الإرسال.

    المرسل المتصل

    النوع الثاني: نوع من الإرسال متصل، لكن كيف يكون مرسلاً ومتصلاً في الوقت نفسه؟

    الصحابة كلهم عدول، فإذا سمع صحابي النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام ارتد ذلك الصحابي، ثم رجع إلى الإسلام مرة ثانية، ففي حال ردته هو كافر، لا يجوز حمل حديثه، ولما رجع مرة ثانية إلى الإسلام قال العلماء: إن هذا يسمى تابعياً؛ لأنهم لما وضعوا حداً لتعريف الصحابي قالوا: الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك، أي: لم تتخلل فترة إيمانه بالنبي عليه الصلاة والسلام ردة، أما من ارتد فليس له صحبة، ولا ينال شرف الصحبة؛ تأديباً له على ردته، فذلك الصحابي الذي صحب النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه الحديث نزل من رتبة الصحبة إلى رتبة التابعين؛ تأديباً له.

    أما الحديث الذي رواه فله حكم الاتصال، وهو حديث موصول، ولكنه في التعريف والحد حديث مرسل، لكنه من باب المرسل الموصول؛ هذه صورة.

    الصورة الثانية: رجل لم يؤمن بالنبي عليه الصلاة والسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان يجالسه ويسمع منه الحديث، كمشركي مكة ويهود المدينة وغيرهم، فهؤلاء لما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة وآمنوا بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام لا يحكم لهم بالصحبة، ويسمون مخضرمين، أدركوا العهدين: أدركوا الجاهلية وأدركوا الإسلام، ففي هذه الحالة نسميهم تابعين، لكن حديثهم موصول، ونحن قلنا: إن الحديث الصحيح شرطه أن يكون الراوي مسلماً، فكيف يصحح حديث هؤلاء؟

    والجواب: أنه لا يشترط أن يكون الراوي عندما يتحمل حديثاً مسلماً، ولو أدى ما سمعه حال كفره بعد إسلامه قبل، مثال ذلك: رجل مشرك سمع النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم بكلام، ولكنه لم يسلم إلا بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام، ثم حدث بهذه الأحاديث التي سمعها في حال كفره، فتقبل منه وتعد موصولة وهو ليس بصحابي؛ لأن الصحابي هو من لقي النبي عليه الصلاة والسلام -وهذا لقيه- مؤمناً به، وهذا لم يكن مؤمناً في حال حياة النبي عليه الصلاة والسلام، ونحن نقول في الصحابي: هو من لقي النبي عليه الصلاة والسلام مؤمناً به ومات على ذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768322561