قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال:75] وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب:40]؛ فالله تعالى موصوف بأنه بكل شيء عليم أزلاً وأبداً، لم يتقدم علمه بالأشياء جهالة وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم:64].
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة، فنكس رأسه فجعل ينكت بمخصرته ثم قال: ما من نفس منفوسة إلا قد كتب الله مكانها من الجنة والنار وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة. قال: فقال رجل: يا رسول الله! أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟
فقال: من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة.
ثم قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له: أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10]، خرجاه في الصحيحين.
من عقيدة أهل السنة أن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم، فلا يعزب عن علمه شيء: وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [يونس:61] يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، ويعلم الخفي والجلي: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]، ويعلم السر وأخفى من السر، والسر هو: ما يضمره الإنسان في نفسه ولا يبديه لأحد، وأخفى منه ما لم يخطر بباله إذا علم الله أنه سيخطر بباله، فيعلم الله أنه سيخطر له كذا وكذا مما لم يكن يظن أنه يخطر.
والأدلة على صفة العلم وقدمه كثيرة مشهورة، وقد جمعها العلماء الذين كتبوا في الصفات واستوفوا ما ورد فيها من الآيات ومن الأحاديث، وإذا عرف المؤمن أن الله تعالى موصوف بالعلم، اعتقد دخول أعمال العباد، وهو أنه علم من هو سعيد ومن هو شقي، ومن هو فاجر ومن هو تقي، ومن هو مخلط ومن هو نقي، وعلم من هو فقير ومن هو غني، ومن هو من أهل الخير ومن هو من أهل الشر؛ كل ذلك قد أحاط الله به علماً، كما قال تعالى: في هذه الآيات إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [العنكبوت:62]، وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب:40]، فيدخل في (كل شيء) ما لم يكن مما سيكون كما علمه الله.
ويقول تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22]، أي: من قبل أن نبرأ تلك المصيبة، بل من قبل أن نبرأ الخليقة كلهم، كتب ذلك في اللوح المحفوظ كما يشاء الله، وذلك يسير على الله، ليس فيه صعوبة؛ لأنه هو الذي يبدل الخلائق، وهو الذي يعلم أحوالهم ولا يخفى عليه شيء منهم.
فإذاً: ما داموا خلقه وأنه هو الذي يتصرف فيهم؛ فهم لا يخرجون عما علمه فيهم، وقد علم من سيصير إلى الخير، ومن سيصير إلى الشر، ولكن كلفهم وأمرهم بالإيمان بذلك الغيب.
وكذلك أعان هؤلاء وخذل هؤلاء، وله الحجة البالغة، وهدى من شاء وأضل من شاء وله الحجة البالغة على عباده، ولا يقول قائل: إن هذا يتخذ حجة للكافر بأن يقول: إذا كان الله كتب عليّ الشقاء فليس لي حيلة في أن أرد ما كتب الله؟ نقول: ومن أدراك بذلك؟ أنت مأمور بأن تفعل الأسباب، وقد يكون فعلك سبباً من الأسباب التي قدر الله بها أنك من أهل السعادة أو من أهل الشقاوة.
والثاني: العلم السنوي: وهو أن الله يكتب في ليلة القدر ما يكون في تلك السنة من الحوادث، وهذه كتابة جزئية، حيث يقدر في ليلة القدر ويكتب فيها ما يكون على وجه الأرض من تلك الليلة إلى مثلها من السنة القابلة، فهذا تقدير أو كتابة أو علم خاص، وهو السنوي.
والثالث: تقدير عمري وهو أن المولود إذا علقت به أمه في الرحم، أرسل الله تعالى إليه الملك فقال: يا رب مخلقة أو غير مخلقة؟ يعني: هل يتم خلقه ويولد سوياً أو تسقطه الرحم وتقذفه منياً؟ فإذا قال الله: مخلقة، قال: يا رب! ذكر أم أنثى؟ فيكتب ذلك، ويسأل عن رزقه فيخبره الله بأن رزقه يكون بكذا وكذا، ويكتب أجله بأنه طويل الأجر أو قصير الأجل، يقدر الله ذلك كله له.
وفي حديث ابن مسعود المشهور: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات؛ بكتب رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيد) أي: يكتب ذلك كله وهو في رحم أمه، فالمؤمن الذي يؤمن بذلك يؤمن بسعة علم الله تعالى، ولكن لا يتخذ ذلك حجة في ترك العمل، بل يعمل فكل ميسر لما خلق له كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فمن كان سعيداً فإن الله يسهل له الأسباب التي يكون بها سعيداً وعليه أن يبذل السبب، وإن كان شقياً فإنه محروم ولو بذلت الأسباب.
فهذا هو واسع علم الله، يعني: أن الله تعالى عليم بكل شيء وعلمه قد وسع الخلائق كلها.
وفائدة الإيمان بالعلم المراقبة، وهو أنك إذا علمت أن الله عليم بما يجول في نفسك، وبما تهم به من طاعة أو معصية، وأنه يطلع على ضميرك، ويعلم ما في قلبك؛ حملك ذلك على ألا تعمل إلا خيراً، وعلى ألا تحدث نفسك إلا بخير، فبذلك تكون من أهل الخير.
أما الإنسان الذي يتجاهل أو يظن أن الله لا يعلمه ولا يعلم أحواله؛ فإن هذا التجاهل أو الجهل هو الذي يوقعه في العصيان ويجرئه على المخالفات، فكأنه يعتقد أنه لا يراه ربه وأنه سيختفي.
ذكر ابن أم عبد أن ثلاثة من قريش جلسوا في المسجد الحرام يقول: قليل فقه قلوبهم كثير شحم بطونهم، فقال أحدهم: أترون الله يسمع ما نقول؟ فقال أحدهم: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا، وقال الثاني: إن كان يسمع إن جهرنا سمع إذا أخفينا، فأنزل الله تعالى قوله: وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [فصلت:22-23] ، فهؤلاء الذين ظنوا أن الله لا يعلم أعمالهم حصل لهم أنهم أكثروا من السيئات وتجرءوا على المحرمات، ووقعوا في الذنوب؛ فكان ذلك سبباً في شقائهم وإن كان ذلك مكتوباً عليهم في الأزل؛ لكن وقع منهم سبب وافق ما قدره الله عليهم.
فعلى العبد إذا علم أن الله تعالى عليم بأحواله وبوساوسه وبخطرات قلبه وبأعماله؛ أن يحمله هذا الاعتقاد على أن يراقب ربه، وعلى ألا يخالفه طرفة عين.
تقدم حديث علي رضي الله عنه وقوله صلى الله عليه وسلم فيه: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)
وعن زهير عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (جاء
وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة) خرجاه في الصحيحين، وزاد البخاري: (وإنما الأعمال بالخواتيم).
وفي الصحيحين أيضاً عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق -: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وعمله، وشقي أم سعيد؛ فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).
والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وكذلك الآثار عن السلف، قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد: قد أكثر الناس من تخريج الآثار في هذا الباب، وأكثر المتكلمون من الكلام فيه، وأهل السنة مجتمعون على الإيمان بهذه الآثار واعتقادها، وترك المجادلة فيها، وبالله العصمة والتوفيق].
هذا توفي هو ولم يصل لله ركعة، ولكنه أسلم إسلاماً يقينياً وجاهد في سبيل الله، وضده رجل كان يظهر أنه مسلم، ويجتهد في الأعمال، ولما حضر المعركة قاتل قتالاً شديداً حتى قتل ستة أو سبعة، فلما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه من أهل النار)، فختم له بخاتمة سيئة، وهو أنه لما أحس بالألم قتل نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار)، وبالعكس أيضاً، فالأعمال بالخواتيم، والإنسان عليه أن يسأل الله حسن الختام؛ وذلك لأنه إذا ختم له بخاتمة حسنة انتهت بها حياته كان من أهل السعادة، فإذا استمر على العمل السيئ حرم الخير، وختم له بعمل الشقاوة والعياذ بالله.
فهذا يحث الإنسان على أن يتمسك بدينه، وأن يحرص على حسن الخاتمة، ويعرف أن الله تعالى يختم للإنسان بالعمل الذي قدره له والذي كتبه من أهله، ولكن له في ذلك سبب، وإذا أكثر من سؤال الله تعالى أجاب الله دعوته، وإن كان ذلك مكتوباً عليه قبل أن يخلقه.
ويدخل في الشهادة الثانية -شهادة أن محمداً رسول الله- الإيمان بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وبأمانته، والإيمان بتبليغه للرسالة وبيانها، والإيمان بصحة ما جاء به وما بلغه، وكونه كله من عند ربه.
ويدخل في ذلك وجوب طاعته، ووجوب محبته واتباعه والتأسي به والسير على نهجه، وتحكيمه والرضى بحكمه، وعدم الميل عن سنته، ومتى تحقق ذلك ظهر أنه من قوة العقيدة.
ويدخل في ذلك الإيمان بفضائله وبمزاياه، وكان منها أنه عليه الصلاة والسلام سيد الخلق يوم القيامة، وأنه الشفيع المشفع، وأنه صاحب المقام المحمود والحوض المورود والشفاعة في الآخرة، وكل ذلك يستدعي ممن قاله واعتقده أن يتبعه بالعمل.
ويدخل في ذلك: الإيمان بكل ما جاء العبد من الله تعالى وبلغته رسل الله تعالى.
وبلا شك أن الرسل عليهم الصلاة والسلام -وخاتمهم وأفضلهم محمد عليه الصلاة والسلام- مكلفون من الله تعالى بتبليغ الرسالة، وأنهم بلغوا ما أرسلوا به، فأدوا الأمانة وبلغوا الرسالة ونصحوا لأممهم، فكل ما بلغوه وكل ما جاءوا به، فالعبد يلتزم به ويصدقه، سواءٌ كان مجملاً أو مفصلاً.
التفصيل: جاءنا في كتابنا الذين أنزله الله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فيه تفصيل أحوال الآخرة وما يكون بعد الموت، وما يكون في الدار الآخرة، فيؤمن العبد بذلك ويصدق بتفاصيله.
والإجمال بالكتب السابقة، فنؤمن بها إيماناً مجملاً، فنصدق بأنها كلام الله، وبأنها من الله، وبأنها حق، وبأن الله كلف الأمم الذين نزلت عليهم بالعمل بتفاصيلها، ولكن نحن ما كلفنا بالعمل ولا بالعلم بتفاصيلها، وإنما نؤمن بها مجملة، وهي تدخل في الإيمان بكتب الله.
وأدلة ذلك واضحة والحمد لله، فإذا آمن العبد بكل ذلك وبغيره من تفاصيل العقيدة، صدق عليه أنه من أهل العقيدة الراسخة الذين يعملون عن عقيدة، ويعملون عن يقين، ويعملون عن إيمان، ولا يردهم عن العمل شبهة ولا شك، ولا يعتريهم توقف ولا ريب.
وإذا رأيت المبتدعة الذين يخالفون الأدلة، دل ذلك على ضعف عقيدتهم، وعلى تزعزها وكونها على شفا جرف هار، وأنها لم تكن راسخة في قلوبهم.
وهكذا إذا رأيت الذين يتهاونون بالسيئات ويرتكبون المحرمات، ويتركون الطاعات الواجبة، فإن ذلك دليل على ضعف معتقدهم، بحيث إنها لم ترسخ العقيدة في قلوبهم، ولم يطمئنوا بالإيمان، ولو اطمئنوا به لما أقدموا على هذه المخالفات، ولو استحضروا عظمة ربهم وأنه يراهم ويعلم سرائرهم وضمائرهم، لما أقدموا على المعاصي وهم يعرفون أنها معاص.
فإذاً: يتفقد الإنسان نفسه، ويتفقد بني جنسه، ويعرف بذلك سليم العقيدة وضعيف العقيدة، يعرف بذلك من هو قوي في الإيمان متمكن منه قد رسخ الإيمان في سويداء قلبه، فيقول: هذا من أهل العقيدة، عرفته بقوة إيمانه، وعرفته بآثار إيمانه، وعرفته بقوة تصديقه، وعرفته بالعمل، وعرفته بالبعد عن الحرام، وعرفته بالبعد عن المشتبهات.
وهذا ضعيف العقيدة: عرفته بتساهله في الإيمان، عرفته بتساهله بالمعاصي، عرفته بتساهله في ترك الطاعات، وما أشبه ذلك.
فهذه هي النتيجة والفائدة الصحيحة لعلم هذه العقيدة، وتفاصيلها التي فصلت في الطحاوية، وكذلك في غيرها من عقائد أهل السنة، فتفاصيلها لا شك أنها تزيد العبد قوة وإيماناً، سواء منها ما يتعلق بالعقود أو ما يتعلق بالمواثيق، أو ما يتعلق بدخول الأعمال في مسمى الإيمان، أو ما يتعلق بالقضاء والقدر، أو ما يتعلق بعلم الغيب، أعني: العلوم الغيبية السابقة واللاحقة، أو ما يتعلق بالإيمان بالبعث وبما بعد البعث، أو ما يتعلق بالقبر وفتنته ونعيمه وما أشبه ذلك، أو ما يتعلق بالإيمان بالجنة والنار والثواب والعقاب والوعد والوعيد، أو ما يتعلق بالإيمان بالله وبملائكته وبكتبه وبرسله وما أشبه ذلك، كل ذلك يعتبر تفاصيل لأصل هذه العقيدة، ولكن الأصل كما قلنا: الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبما جاء عن الله على مراد الله.
وقد مضى الكلام حول المواثيق والعهود التي أخذها الله تعالى على عباده، بقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ [الأعراف:172] وعرفنا أن هذا إما أنه -كما ورد في الأحاديث- العهد الذي أخذه الله على بني آدم وهم في أصلاب آدم، أو أنه العهد الذي فطر الله عليه العباد وجبلهم عليه، وهذا هو الأقرب والأمثل، يبينه قول الله تعالى: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30]، وقوله في الحديث القدسي: (إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين، فأخرجتهم عن دينهم)، فكونهم حنفاء، أي: على الفطرة والحنيفية التي هي معرفة الله ومعرفة ما خلقوا له، فهذا هو الأقرب.
ولكن نؤمن أيضاً بالحديث الذي فيه (أن الله تعالى استخرج ذرية آدم من ظهره، وعرف منهم من هو من أهل الجنة ومن هو من أهل النار، وقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي!)، فنؤمن بذلك وإن كنا لا نتذكر ذلك العهد، ولكن خبر الله أوثق.
والأصل أن أدلة معرفة الله تعالى لو ترك عليها الإنسان لعرف أنه مخلوق، وأن له خالقاً، وأن خالقه له عليه حقوق، فيؤمن العباد بذلك من جملة الإيمان بالغيب، ومن جملة العقيدة التي يعتقدونها.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر