إسلام ويب

وأنذرهم يوم الحسرةللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يوم القيامة يوم عصيب، وفيه من الأهوال ما يجعل الولدان شيباً، وفيه ينقسم الناس إلى: أهل حسرات، وأهل مسرات، أما أهل الحسرات: فتتابع عليهم الحسرات والندامات أبد الآبدين. وأما أهل المسرات: فتتابع عليهم المسرات في جنات النعيم إلى أن يصلوا إلى أعظم مسرة وهي: النظر إلى وجه الله تعالى. فعلى العبد أن يحرص على فعل الخيرات، واجتناب المنكرات؛ ليسعد في يوم الحسرة.

    1.   

    الندامة يوم الحسرة

    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أذل بالموت رقاب الجبابرة، وأنهى بالموت آمال القياصرة، فنقلهم بالموت من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان، ومن التنعم في الطعام والشراب إلى التمرغ في الوحل والتراب. أحمدك يا رب وأستعينك وأستغفرك وأستهديك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، جل ثناؤك، وعظم جاهك، ولا إله غيرك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ينادي بعد فناء خلقه جل وعلا ويقول: أنا الجبار! أنا الجبار! أنا الجبار! أنا العزيز! أنا الكريم! لمن الملك اليوم؟! لمن الملك اليوم؟! لمن الملك اليوم؟! ثم يجيب جل وعلا عن ذاته ويقول: لله الواحد القهار، سبحانه.. سبحانه.. سبحانه.. سبحان ذي العزة والجبروت!! سبحان ذي الملك والملكوت!! سبحان الحي الذي لا يموت!! سبحان من كتب الفناء على الخلائق ولا يموت. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الرسالة، وبلغ الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. رفع الله له ذكره، وشرح الله له صدره، ووضع الله عنه وزره، وزكاه الله جل وعلا في كل شيء. زكاه الله جل وعلا في عقله فقال: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم:2]. وزكاه فى صدقه فقال: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3]. وزكاه في صدره فقال: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1]. وزكاه في فؤاده فقال: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11]. وزكاه في بصره فقال: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17]. وزكاه في علمه فقال: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:5]. وزكاه في خلقه فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]. وبعد كل هذا جعل الله جل وعلا حبيبه صلى الله عليه وسلم إمام الأنبياء، وإمام الأصفياء، وإمام الأتقياء، وخاتم الأنبياء وسيد المرسلين، ووهبه الحوض المورود، وأعطاه اللواء المعقود، وبعد ذلك كله قال له: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30]. اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! فهذا اللقاء الثالث والعشرون، وما زلنا مع آيات سورة مريم، وإن كنا سنواصل الحديث مع أول جمعة من شهر رمضان في تفسير آيات القرآن الكريم، فلسنا ممن يجافي هذا الشهر العظيم، فإن شهر رمضان هو شهر القرآن؛ لقول الله جل وعلا: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]. فتعالوا بنا لنواصل المسيرة مع القرآن الكريم، فما أجمل أن تكون اللحظات التي نقضيها مع آيات من كتاب الله جل وعلا، مع هذا الذكر الحكيم، ومع هذا النور المبين، ومع هذا الصراط المستقيم، مع مأدبة الله جل وعلا؛ مع القرآن الكريم.

    حال المجرمين يوم الحسرة

    قال الله جل وعلا: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم:39-40]. أحبتي في الله! أعيروني القلوب والأسماع؛ لنعيش مع هذه الآيات والكلمات النيرات الطيبات المباركات. هذا هو الإنذار العام لجميع الخلائق على ظهر هذه الأرض، من الله جل وعلا لحبيبه المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم. (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ)، والإنذار في اللغة: هو الإعلام المقترن بالتهديد والوعيد. والحسرة في اللغة: هي أشد الندم والتلهف على الشيء الذي فات ولا يمكن تداركه. يقول الله جل وعلا: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ): إنه يوم القيامة يا عباد الله.. إنه يوم الحسرة والندامة.. إنه يوم الحاقة.. إنه يوم القارعة.. إنه يوم الزلزلة.. إنه يوم الصيحة.. إنه يوم الصاخة.. إنه يوم الطامة الكبرى.. إنه يوم الآزفة.. يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.. يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم:48]. يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:104]. يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا [المزمل:14]. يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا [النحل:111]. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا [آل عمران:30]. يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا [الأحزاب:66]. يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:106-107]. وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا [الفرقان:27]. وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:47-49]. قال تعالى: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ [مريم:39].. إنه يوم القيامة.. إنه يوم الحسرة والندامة: وأنذرهم يا محمد! هذا اليوم الذي تنخلع القلوب من أهواله، أنذر الغافلين، وأنذر المؤمنين، وأنذر الصادقين، وأنذر العصاة، إنذارٌ عام لجميع الخلائق على ظهر هذه الأرض: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).

    ذبح الموت والإيذان بالخلود

    موجبات الحسرة يوم القيامة كثيرة يا عباد الله! فمنها ما رواه الإمام البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ينادى عليهم: يا أهل الجنة! فيشرئبون وينظرون -أي: يرفعون رءوسهم تجاه هذا النداء- ثم ينادى على أهل النار: يا أهل النار! فيشرئبون وينظرون، ثم يؤتى بالموت على هيئة كبش أملح)، والكبش الأملح: هو الذي كثر بياضه، أو هو الأبيض بياضاً كاملاً. يؤتى بالموت على هيئة كبش أملح في موضع بين الجنة والنار، وينادى على أهل الجنة، وينادى على أهل النار، ويقال لهم: هل تعرفون هذا؟! فيقولون: نعم نعرفه، هذا هو الموت، (فيؤمر بذبحه، فيذبح الموت -وهو في صورة هذا الكبش الأملح في موضع بين الجنة والنار- ثم ينادى على أهل الجنة: يا أهل الجنة! خلود فلا موت، ويا أهل النار! خلود فلا موت). الله أكبر!! يا أهل الجنة! خلود في النعيم أبد الآبدين، ويا أهل النار! خلود في الجحيم أبد الآبدين إلا ما شاء الله جل وعلا، وإلا من شاء الله له أن يخرج من النار. يا أولياء الله! يا أصفياء الله! هنيئاً لكم بهذه الكرامة، خلود في هذا النعيم أبد الآبدين، ويا أهل النار! خلود فلا موت إلا من شاء الله جل وعلا له أن يخرج في الوقت الذي يشاء، وبالكيفية التي يشاء جل وعلا. هذا من موجبات الحسرة يوم القيامة يا عباد الله!

    استغاثة أهل النار بأهل الجنة

    ومن موجبات الحسرة يوم القيامة أنه تنخلع القلوب حينما يرون جهنم على حقيقتها وعلى طبيعتها لأول مرة وهم في أرض المحشر، يأمر الله جل وعلا أن يؤتى بجهنم، فيؤتى بها لها سبعون ألف زمام! مع كل زمام سبعون ألف ملك، كما ورد في الحديث الذي رواه مسلم من حديث عبد الله بن مسعود ؛ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:23-24]. يا ليتني حافظت على الصلوات، يا ليتني وحدتُ ربَّ الأرض والسماوات، يا ليتني عبدت الله جل وعلا، يا ليتني صمت النهار، يا ليتني قمت الليل، يا ليتني ما عصيت الله، يا ليتني ما انشغلت بالشهوات، يا ليتني ما انشغلت بالشبهات، يا ليتني.. يا ليتني... يوم لا ينفع الندم، إنه يوم الحسرة والندامة، يوم لا ينفع التحسر، ولا ينفع الندم. (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ) يرون جهنم فيتحسرون ويتألمون وتنخلع القلوب لهول ما رأوا، يرون جهنم يؤتى بها لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، فإذا رأوها لا يبقى ملك ولا يبقى نبي ولا يبقى صِدِّيق إلا خَرَّ على ركبتيه في أرض المحشر؛ لهول ما رأى! وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً [الجاثية:28] فإذا رأوا هذا الهول وهذا المنظر الذي يخلع القلوب والأفئدة، اضطربت الجوارح والأفئدة وفزع الجميع، فإذا انتهى الحساب واستقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، يبدأ هذا الحوار بين أهل الجنة وأهل النار. وربما سأل سائل، وقال: كيف يسمع أهل الجنة أهل النار، وكيف يسمع أهل النار أهل الجنة؟! نقول: ألم نقل لكم في اللقاء الماضي: إن الله جل وعلا سيبدل كل شيء، وسيحول كل شيء؛ حتى سمع الإنسان يتغير فيسمع أي شيء، ويرى أي شيء: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [مريم:38]، تغير كل شيء فبصرك اليوم حديد. يبدأ أهل الجنة بهذا الحوار: وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ [الأعراف:44] ينادي أهل الجنة على أهل النار: أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ [الأعراف:44]، جواب قاطع مختصر. فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف:44]. ويستمر الحوار بين أهل الجنة وأهل النار، وبعد بضع آيات في سورة الأعراف ينتهي هذا الحوار بتلهف واستغاثة واستجداء من أهل النار لأهل الجنة: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ [الأعراف:50] هذه هي الاستغاثة.. استجداء.. طلب.. رجاء.. يا أهل الجنة.. يا أهل الجنة! أفيضوا علينا شيئاً من الماء، نريد قليلاً من الماء.. اشتد بنا العطش في هذه النيران المتأججة! (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ)، فيأتي الجواب الذي يزيد تحسرهم.. الذي يزيد تألمهم.. الذي يزيد فيهم الهم والغم، فيقولون لهم: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ [الأعراف:50]، أي: لقد حرم الله على الكافرين هذا في هذا اليوم، ألم ينزل عليكم القرآن؟! ألم يرسل إليكم الرسل؟! ألم يذكروكم بهذا اليوم؟! ولكنكم تعاليتم على الله جل وعلا، واستكبرتم على رسل الله، واستهزأتم بالعلماء، وأبيتم إلا أن تعاندوا الله جل وعلا، وأن تعاندوا شرع الله عز وجل، فقلتم: لا ربا، وقلتم: لا خمر، بل إن الربا هو الفوائد، وإن الخمر هي المشروبات الروحية، وإذا ما أمركم الله جل وعلا استهزأتم بأوامر الله، وإذا ما نهاكم رسول الله سخرتم بنهي رسول الله، وإذا ما ذكركم العلماء قلتم: هؤلاء هم المتنطعون المتطرفون. أبيتم إلا أن تعرضوا عن منهج الله جل وعلا، وهَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]؟! كذلك لا جزاء لهذا الكفر ولهذا العناد والإعراض إلا ما ترون: أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا [الأعراف:44]، هل وجدتم ما كنتم تكفرون به، وما كنتم تكذبون به، وما كنتم تعارضونه؟ هل وجدتموه اليوم على حقيقته؟! قالوا: نعم.. فتزداد الحسرة ويزداد التألم.

    حرمان الكافرين من النظر إلى وجه الله الكريم

    ومن موجبات الحسرة لهؤلاء أيضاً -والعياذ بالله- حينما تتم السعادة لأهل الجنة بالنظر إلى وجه الله كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينادي الحق جل وعلا يوم القيامة على أهل الجنة، ويقول لهم: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير كله في يديك. فيقول الله جل وعلا: هل رضيتم يا أهل الجنة؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى؟ ألم تدخلنا الجنة؟ ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تنجنا من النار؟ فيقول الله جل وعلا: أفلا أعطيكم أفضل من هذا؟). وفي رواية مسلم : (يقولون: وأي شيء أفضل من هذا ؟ فيقول جل وعلا: أن أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً). يا للكرامة!! (أن أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً)، وفي رواية مسلم : (فيكشف الحجاب)؛ لأن الله جل وعلا حجابه النور كما ورد في صحيح مسلم من حديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور أو النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه). ولكن يوم القيامة يتبدل كل شيء، ويتغير كل شيء، فيكشف الله الحجاب، فيتمتعون بالنظر إلى وجه الله عز وجل، وتلا النبي صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26])، والحسنى: هي الجنة، والزيادة: هي التمتع بالنظر إلى وجه ربنا جل وعلا. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ليس نعيم الجنة في لبنها ولا في خمرها ولا في حريرها ولا في ذهبها ولا في حورها ولا في نعيمها! ولكن نعيم الجنة الحقيقي في رؤية وجه الله جل وعلا، هذا هو النعيم الذي ما انشغل به أهل الجنة إلا نسوا كل نعيم: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ [القيامة:22-25].

    خطبة إبليس

    1.   

    أهوال القيامة

    مثل لنفـسـك أيــها الـمغرور يـوم القيامـة والسمـاء تمـور إذ كـورت شمـس النهار وأدنيت حتى على رأس العبـاد تـسـير وإذا النجـوم تـساقطت وتناثرت وتبدلت بـعد الـضياء كـدور وإذا الجبــال تقلـعت بأصـولها فرأيتها مثل السـحاب تســير وإذا العِشَارُ تعطـلت وتـخـربت خلت الديار فـما بها مـعمـور وإذا الوحوش لـدى القيامة أحشرت وتقول للأمـلاك أين نـســير وإذا البحار تفجـرت مـن خـوفها فرأيتها مثـل الجـحيم تفــور وإذا الجليل طوى السمـا بـيمـينه طَيَّ السـجل كتـابه المنشـور وإذا الصحائـف نـشرت فتـطايرت وتهتـكت للـعالمين سطــور وإذا الجحيم تسـعرت نـيرانها فلها على أهل الذنوب زفـير وإذا الجنان تزخرفت وتطيـبت لفتـىً على طول البـلاء صبور أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ [التكوير:1-14]. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ * يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ * إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار:1-19]. ويقول سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:1-8]. مثّل وقوفك يوم العرض عريانا مستوحشاً قلق الأحشاء حـيرانا والنار تلـهب من غيظ ومن حنق على العصاة ورب العرش غضبانا اقرأ كتابك يا عبدي على مهل فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا لما قـرأت ولم تـنكر قـراءته إقرار من عرف الأشياء عرفاناً نادى الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبد عصى للنار عطشانا المشركون غداً في النار يلتهبوا والمؤمنون بدار الخلد سـكانا وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ [مريم:39]، واستقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار: وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [مريم:39] أي: أن أهل الدنيا في غفلة، والكفار منهم لا يؤمنون بهذا اليوم. وبعدها يأتي الجواب الفصل، وتأتي الحقيقة الكبرى في هذا الوجود، يأتي قول الحق جل وعلا: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم:40]. لنتعرف على معاني هذه الكلمات بعد جلسة الاستراحة، أسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يغفر لنا الذنوب، إنه ولي ذلك ومولاه. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    لمن الملك اليوم

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام الغر المحجلين. اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أحبتي في الله! هكذا يقول الحق جلا وعلا: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم:4] هذه هي الحقيقة الكبرى في هذا الوجود. يا من غرك غناك! يا من غرتك قوتك! يا من غرتك أموالك! يا من غرك جاهك! يا من غرتك وزارتك! يا من غرك جندك! اعلم بأنك موروث.. اعلم بأنك راحل إلى لله جل وعلا، فمهما طالت دنياك فهي قصيرة.. ومهما عظمت دنياك فهي حقيرة؛ لأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر، ولأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر، إن الله جل وعلا هو الوارث لكل شيء، وهو والوارث لكل حي: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم:40]. ويقول تعالى: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6]. ويقول سبحانه: إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى [العلق:8]. ويقول سبحانه وتعالى: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا [مريم:40]. إذا أمر الله إسرافيل بنفخة الصعق، مات كل حي على ظهر هذه الأرض، وكل حي في السموات إلا من شاء الله جل وعلا كما قال ربنا: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68]، فإذا ما أفنى الله خلقه وذهب كل شيء، فلا يبقى إلا الله، فهو الأول والآخر، هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. سكون مذهل وخشوع مزلزل، لا حس ولا حركة ولا صوت، ضاع كل شيء، وذهب كل شيء، وأفنى الله كل شيء، وفي وسط هذا السكون وهذا الصمت وهذا الخشوع، ينطلق صوت رهيب جليل مهيب! يسأل صاحب الصوت ويجيب، فما في الوجود يومئذٍ من سائل غيره ولا مجيب، يهتف الحق جل وعلا بصوته ويقول: (أنا الملك، أين ملوك الأرض؟! أين المتجبرون؟! أين المتكبرون؟!). وفي رواية مسلم : يقول جل وعلا: (لمن الملك اليوم؟ فيجيب سبحانه عن ذاته بقوله: لله الواحد القهار)، أين الملوك؟! أين الظالمون؟! وأين التابعون لهم في الغي؟! بل أين فرعون وهامان ؟! أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم وذكرهم في الورى ظلم وطغيان هل خلد الموت ذا عز لعزته أو هل نجا منه بالسلطان إنسان لا والذي خلق الأكوان من عدم الكل يفنى فلا إنس ولا جان وقال الآخر: يا نفس قد أزف الـرحيـل وأظلك الخطب الجليل فتأهـبـي يا نفس لا يلعب بك الأمل الطويل فلـتـنـزلن بـمنـزل ينسى الخليل به الخليل وليـركبـن عليك فيه مـن الثرى ثقل ثـقيل قرن الفنـاء بنا فما يبقى الـعزيز ولا الـذليل إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم:40]. فيا من غرتك أموالك! يا من غرتك الدولارات والريالات! اعلم بأنك راحل إلى رب الأرض والسماوات، اعلم بأنك موقوف بين يدي الله جل وعلا. تقاسم الأهل مالي بعدما انصرفوا وصار وزري على ظهري فأثقلني وبعد كل ذلك فإن الجميع موروث إلى الله جل وعلا: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم:40]. اعلم بأنك راحل إلى الله وموقوف بين يدي الله، ستعرض على محكمة قاضيها الله، لتقرأ كتابك الذي سطر عليك كل شيء، في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى! فيا أيها المسكين! أيها الغافل! أيها اللاهي الساهي! إلى متى إلى متى؟ عد إلى الله.. ارجع إلى الله جل وعلا.. إن العمر قليل، وإن الأنفاس محسوبة، وإن الأيام معدودة. دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب لم ينسه الملكان حين نـسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب والروح منك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسـلب وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب الليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيها تعد وتحسب إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم:40]. أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب. اللهم اقبل منا الصيام والقيام.. اللهم اقبل منا الصيام والقيام.. اللهم لا تجعلنا ممن صام وقام ولم يرضك يا أرحم الراحمين! اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين. اللهم لا تدع اللهم لأحد منا في هذا الجمع الطيب ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين! اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل اللهم فينا ولا منا ولا بيننا شقياً ولا محروماً، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى.. اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى.. اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمتي الحق والدين. اللهم قيض لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك ومولاه، ووفق اللهم ولاة الأمور للعمل بكتابك، والاقتداء بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، أنت ولي ذلك والقادر عليه. هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد، فإن الله جل وعلا وملائكته يصلون عليه، وقد أمركم بالصلاة عليه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]. اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. هذا وما كان من توفيق فمن الله جل وعلا، وما كان من خطأ أو زلل أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة ويقذف به في جهنم، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768276145