يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله! منذ سنوات طوال وأمة الإسلام تعاني ما تعاني من الأهوال.
قتل وتشريدٌ وهتك محارم فينا وكأس النائبات دهاقُ
الأقصى منذ عقود وهو يئن ويشتكي، والآهات تأتي من الشيشان، وكشمير بكت، وقبلها مندناو وأفغانستان، ومن البوسنة وكوسوفا كانت تأتينا الأخبار، أخبار الاغتصابات والانتهاكات والمعتقلات، واليوم عراقنا جريح محاصر، والعراقيات يرسلن الرسائل والاستغاثات، أرسلت إحداهن رسالة من المعتقل تقول فيها: أدركونا فبطوننا وأرحامنا تحمل أبناء الصليبيين.
وتتتابع المصائب والابتلاءات! بالأمس القريب قتلوا أحمد ياسين غدراً، ثم ما كادت دموعنا تجف حتى أتبعوه بـعبد العزيز الرنتيسي، ثم فجعنا بـأبي الوليد المجاهد الصنديد والمقاتل العنيد.
يا رب! يا رب! يا فارج الأزمات والكرب! وكاشف الغم والويلات والنوب!
إليك وحدك نشكو ما ألم بنا فقد غدونا نعاني شر منقلب
في كل صقع من الأصقاع نازلة بالمسلمين وحال العرض في تعب
يا رب! هذي شعوب الأرض قد وثبت وأمتي بعد لم ترق أو تثب
يا عالم الغيب يا سؤلي ومؤتملي متى تعود إلينا وحدة العرب
تعود في قوة والدين يعصمها من المهاوي التي تودي إلى العطب
تذكرت لما فرق الدهر بيننا فعزيت نفسي بالنبي محمد
وقلت لها إن المنايا سبيلنا فمن لم يمت في يومه مات في غد
عباد الله! كانت الجمادات تتصدع من ألم مفارقة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف بقلوب المؤمنين؟! كان في مسجده صلى الله عليه وسلم جذع نخل يتكئ عليه عندما كان يخطب، فأقاموا له منبراً ليقوم عليه، فلما خطب على منبره الجديد حن الجذع وبكى، وصاح كما يصيح الطفل، فنزل إليه صلى الله عليه وسلم فاعتنقه، فجعل يهدأ كما يهدأ الطفل الصغير الذي يسكن عند بكائه، فقال بأبي هو وأمي: (لو لم أعتنقه لحن وبكى إلى يوم القيامة)، وكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى وقال: هذه خشبة تحن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه.
روي أن بلالاً كان يؤذن بعد وفاته صلى الله عليه وسلم قبل دفنه، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ارتج المسجد بالبكاء والنحيب، فلما دفن صلى الله عليه وسلم ترك بلال الأذان، ما أمر عيش من فارق الأحباب، خصوصاً من كانت رؤيته حياة للألباب، لقد أدرك المسلمون عظم المصيبة التي أصابتهم بفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم، وأيقنوا أن أبواب الشر قد انفتحت عليهم، وأن الفتن آتية لا محالة، وأن اللحظة التي طالما انتظرها أهل النفاق قد حان زمانها.
أخرج الحاكم عن ابن عمر مرفوعاً: (ليغشين أمتي من بعدي فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل). صححه الألباني رحمه الله، ولقد أشار محمد بن إسحاق بكلمات صادقة وتصوير رائع إلى الآثار التي أعقبت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والحالة التي أصبح عليها المسلمون بعد فراقه صلوات ربي وسلامه عليه فقال: ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب، واشرأبت اليهودية والنصرانية، ونجم النفاق، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية؛ لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم، قلت أنا: يا لله! كيف لو رأى حالنا؟! وماذا صنعت بنا اليهودية والنصرانية بتعاونهم مع المنافقين والخائنين؟!
قال القرطبي مبيناً عظم هذه المصيبة وما ترتب عليها من أمور: من أعظم المصائب المصيبة في الدين كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أصاب أحدكم مصيبة، فليذكر مصابه بي، فإنها أعظم المصائب). صدق بأبي هو وأمي؛ لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم من بعده إلى يوم القيامة، فبموته انقطع الوحي وماتت النبوة، وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب، وكان أول انقطاع الخير ونقصانه.
قال القرطبي : فأعلم الله تعالى في هذه الآية أن الرسل ليست بباقية في قومها أبداً، وأنه يجب التمسك بما أتت به الرسل، وقد أخبرنا القرآن بموته وببشريته وكذا أخبرنا هو صلوات ربي وسلامه عليه بأنه سيموت، فعن جابر رضي الله عنه قال: (يوم كان حجة الوداع، وقد التفت الجموع والأفئدة من حوله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: خذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه، وقال: بل لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا).
قال النووي : وفيه إشارة إلى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته، وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه، وانتهاز الفرصة من ملازمته، وتعلم أمور الدين؛ ولهذا سميت حجة الوداع، وأخذ يودع الناس، قال معاذ : (إن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن خرج راكباً والنبي صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته)، تأمل في تواضعه صلوات ربي وسلامه عليه، وهو يودع أحد شباب الإسلام سفيراً إلى اليمن، فقال: (يا
نسينا في ودادكم كل غالي فأنتم اليوم أغلى ما لدينا
نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علينا
ولما نلقكم لكن شوقاً
يذكرنا فكيف إذا التقينا
تسلى الناس بالدنيا وإنا
لعمر الله بعدك ما سلينا
ونزلت عليه في أواسط أيام التشريق: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3]، فهذه الآيات والأحداث مؤشرات تدل على أن مهمته صلى الله عليه وسلم قد انتهت، وأن عليه الإكثار من الدعاء والاستغفار، والاستعداد للقاء الرفيق الأعلى، نعم لقد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فأخذ بعد عودته من حجة الوداع يرغب أصحابه بكثرة ملازمته والجلوس معه قبل أن يحرموا ذلك حتى قال لهم يوماً: (والذي نفس محمد بيده ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني، ثم لئن يراني أحب إليه من أهله وماله)، فبكى أصحابه رضوان الله عليهم، وبدءوا يستشعرون أن حبيبهم بدأ يودعهم، وفي أواخر الأيام خرج إلى أحد وصلى على الشهداء كالمودع للأحياء والأموات، فلما رجع انصرف إلى المنبر فقال: (يا أيها الناس! إني فرطكم، وإني شهيد عليكم، وإني لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، وإني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم من الدنيا أن تنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم).
كل هذه العبارات دلائل ومؤشرات تدل على قرب الأجل، والنهاية التي لا بد منها لكل كائن كان، فالكل سيموت إلا ذا العزة والجبروت.
أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه
والرسل في المسجد الأقصى على قدم
لما خطرت به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
صلى وراءك منهم كل ذي خطر
ومن يفز بحبيب الله يأتمم
جُبت السماوات أو ما فوقهن بهم
على منورة درية اللجم
ركوبة لك من عز ومن شرف لا في الجياد ولا في الأينق الرسم
مشيئة الخالق الباري وصنعته
وقدرة الله فوق الشك والتهم
صعد المنبر بأبي هو وأمي ليرد الحقوق، ويعلن للبشرية جمعاء: إن أكرمكم عند الله أتقاكم، صعد المنبر أمام الناس فنظروا إليه ونظر إليهم، واشتد البكاء في المسجد، قام متوكئاً على خشبة المنبر -حتى المنبر يبكيه- وقال: (يا أيها الناس! من ضربته، من أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، من ضربت له جسداً هذا جسدي فليقتص منه اليوم، قبل ألا يكون درهم ولا دينار، فقام
فدىً لك من يقصر عن فداك
فما شهم إذاً إلا فداك
أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحل به سواك
إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى
فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يا
ثم حذر الأمة من اليهود والنصارى فقال: (ألا لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، فلا تتخذوا قبري وثناً يعبد من دون الله).
ثم أمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا يختلط على الناس دينهم.
ثم أوصى الأمة بالصلاة، فهي صلتها بربها وقرة عينها فقال من منبره: (الصلاةَ وما ملكت أيمانكم، الصلاةَ وما ملكت أيمانكم) فكيف هي صلاتنا اليوم؟ وهل عملنا بالوصية أم ضيعناها؟ ثم نزل عن المنبر ولم يصعد عليه مرة أخرى.
بكتك المنابر كلها بأبي أنت وأمي! رد الحقوق ورد المظالم وبدأ يستعد للقاء ربه، فدنت ساعة الرحيل، واشتد عليه الوجع، وزاد عليه الألم مضاعفة للأجر ورفعة للدرجات، وفي فجر يوم الإثنين الذي قبض فيه وبينما المسلمون يصلون صلاة الفجر إذ انكشف الستار الذي على بيت عائشة، ورأى الصحابة حبيبهم، رأوه متبسماً وجهه كأنه قطعة قمر، كيف لا يتبسم وصفوف المسلمين متراصة متكاملة في صلاة الفجر؟! قلت: آه! ثم آه! ثم آه! كيف لو رأى النبي صفوفنا في صلاة الفجر اليوم، نظر إلى أصحابه نظرة وداع أخيرة وما كشف ذلك الستار بعد ذلك اليوم، كاد الصحابة يفتنون في صلاتهم، ظنوا أن حبيبهم قد برأ من المرض وهو على وشك الخروج للصلاة معهم، فأشار إليهم متبسماً أن أكملوا صلاتكم، وأسدل الستار، وكانت آخر نظرة وآخر ابتسامة، وطفق الألم والوجع يزداد عليه صلوات ربي وسلامه عليه، وبدأ يتغشاه من الألم والكرب ما الله به عليم، ودخلت عليه فاطمة رضي الله عنها، فلما رأت ما حل بأبيها من الشدة صاحت وقالت: واكرب أبتاه! واكرب أبتاه! واكرب أبتاه! فقال لها: (لا كرب على أبيك بعد اليوم، فسارها فبكت، ثم سارها فضحكت، فسألتها
قلت: قاتل الله اليهود، فلقد سمموا نبينا، ومسلسل غدرهم ومكرهم لم ينته إلى اليوم، ثم أسندته عائشة إلى صدرها، وكانت تقول: من أعظم نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي، وفي يومي، وبين سحري ونحري، وقد جمع الله بين ريقي وريقه عند موته.
اللهم أجرنا بمصيبتنا خيراً يا رب العالمين!
أما فاطمة فلما سمعت بالخبر بكت وقالت: واأبتاه! واأبتاه! أجاب رباً دعاه، واأبتاه! جنة الفردوس مأواه، واأبتاه! إلى جبريل ننعاه، فلما دفن قالت رضي الله عنها لـأنس : يا أنس ! كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله؟! قلت: والله ما طابت، ولكنا أرغمناها إرغاماً.
أما عمر فقد استل سيفه، وقام يحلف للناس بأن النبي صلى الله عليه وسلم ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران وأخذ يقول للناس: والله ليرجعن رسول الله كما رجع موسى، فليقطعن أيدي رجالٍ ونساء زعموا أنه قد مات، في تلك الساعات، وفي تلك اللحظات ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، فمنهم من خر مغشياً عليه، ومنهم من لم يستطع القيام، ومنهم من حبس لسانه فلم يستطع الكلام، ومنهم من أنكر موته من شدة هول الصدمة والمصيبة، إنها مصيبة عظمى، وخطب جلل، إنه فقدٌ وغياب سيد ولد آدم، خير من صلى وصام، وخير من عبد رب الأنام، لكن الله ثبت الأمة في شخص أبي بكر رضي الله عنه خليفته وصاحبه في الغار.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
أحبتي! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، ماتقوا الله عباد الله: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281].
عباد الله! ولئن أظهر الصديق رضي الله عنه رباطة جأش وثباتاً وقوة أمام المسلمين ، وذلك خرج عليهم ليؤكد نبأ وفاته صلى الله عليه وسلم، ولئن صرخ فيهم قائلاً: من كان يعبد محمداً -هكذا باسمه مجرداً- فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، إن كان قد ثبت أمام الناس فإنه لم يستطع أن يثبت أو يتمالك نفسه أمام ذلك الجسد الطاهر، وقد تمدد أمامه لا يستطيع حراكاً، فأكب عليه باكياً، وقبل ما بين عينيه مودعاً، قالت عائشة : أقبل أبو بكر على فرس من مسكنه بالسنج، حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس، حتى دخل على عائشة فيمم نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغطى، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه فقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة الأولى التي كتبت عليك فقد متها، -وفي رواية لـأحمد : أنه رضي الله عنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل رأسه، فأخذه بين يديه، فمس فاه وقبل جبهته، ثم قال: وانبياه! ثم رفع رأسه، ثم حدر فاه، وقبل جبهته ثم قال: واصفياه! ثم رفع رأسه وحدر فاه وقبل جبهته ثم قال: واخليلاه! مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كفكف دموعه وربط الله على قلبه، وخرج على الناس وهو على حال لا يعلمها إلا الله، فقال: يا أيها الناس! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
ثم قرأ عليهم: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144]، قال ابن عباس : كأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية إلا لما تلاها أبو بكر، فتلقاها الناس، فما أسمع نفراً من الناس إلا يتلوها، أما عمر فيقول: ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها حتى أهويت على الأرض، وعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، فرجعت السكينة إلى الناس، وهدأت أحوالهم، تذكروا رباً فوق سبع سماوات، وأنه حي قيوم لا يموت، والإنس والجن يموتون، نعم لقد مات محمد، لكنه معنا في كل اللحظات، معنا في صلاتنا، أليس هو الذي قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)؟ هو معنا في حجنا، في طوافنا وسعينا، أليس الذي هو قال: (خذوا عني مناسككم)؟ معنا بسنته وبهديه، معنا بسيرته، معنا بأخلاقه وأخباره، ولقد أمرنا الله بالسير على خطاه، واتباع سنته فقال سبحانه: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، بل لن نحب الله حتى نصدق في حبنا لنبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].
والمطلوب منا: العمل بسنته وعدم التهاون بها، قال الله: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].
المطلوب منا: أن ننشر دعوته للناس في كل مجلس ومنتدى.
المطلوب منا: أن نحبه حباً صادقاً، فلن نؤمن حتى يكون أحب إلينا من أنفسنا وأولادنا وأموالنا والناس أجمعين.
باختصار المطلوب منا: طاعته فيما أمر، وترك ما نهى عنه وزجر، مصداق ذلك قول الله: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، مات محمد صلى الله عليه وسلم، وواصلت الأمة مسيرتها في نصرة دينها، ونشر دعوتها، مات من مات وما تعطلت المسيرة ولن تتعطل، ولن تقف بموت أحد أو حياته.
لئن عرف التاريخ أوساً وخزرجاً فلله أوس قادمون وخزرج
وإن كنوز الغيب تخفي طلائعاً
صابرة رغم المكائد تخرج
مات ابن ياسين والرنتيسي وأبو الوليد وغيرهم من الأبطال أدوا الأمانة، ونالوا الشهادة، وساروا على طريق محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى طريق أصحابه وطريق الأبطال، سبقونا إلى الجنة بإذن الله، وأنا وأنت ماذا قدمنا؟! ما هي اهتماماتنا؟! ما هي طموحاتنا؟ ما هي أهدافنا؟ هذا هو السؤال وعليكم الجواب، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا [الفرقان:58].
عباد الله! إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم صل على محمد في الأولين، اللهم صل على محمد في الآخرين، اللهم صل على محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين، اللهم اجز عنا محمداً خير ما جزيت نبياً عن أمته.
اللهم لا تحرمنا رؤيته، واتباع سنته، ونصرة دعوته، أوردنا حوضه، واسقنا من يده، ولا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله يا رب العالمين! اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، اللهم إذا أردت بعبادك فتنة فخذنا إليك غير مفتونين.
نسألك اللهم حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربنا إلى حبك يا رب العالمين! اللهم ارض عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابعي التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين!
اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في أوطاننا، أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم رد حكام المسلمين إلى الحق يا رب العالمين! قيض لهم بطانة صالحة تعينهم على الخير يا رب العالمين!
اللهم وفقهم للعمل بكتابك وسنة نبيك يا رب العالمين، ول على المسلمين خيارهم، واكفهم شرارهم يا رب العالمين!
اللهم ارحم المستضعفين في العراق وفي فلسطين، وفي الشيشان، وفي نيجيريا وفي تايلاند وفي كل مكان، اللهم ارحم المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم عوناً وظهيراً ومؤيداً ونصيراً، فلقد قل الناصر وقل المعين.
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك الذين يقاتلون من أجل إعلاء كلمة دينك، انصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، وصن أعراضهم، واحقن دماءهم، وفك أسرانا وأسراهم يا رب العالمين!
اللهم أنزل على أسرانا في العراق وفي جونتانامو رحمة وتأييداً من عندك يا رب العالمين!
اللهم عليك بكفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، ويعذبون عبادك، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم.
اللهم أنزل عليهم بأسك ومقتك إله الحق، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك يا قوي يا عزيز!
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر