يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
الله أكبر شعارنا في هذا العيد! الله أكبر من كل شيء! الله أكبر من كل ظالم وطاغوت! الله أكبر! ولذكر الله أكبر! ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم، فالحمد لله على نعمة إتمام الصيام، وهذا أوان التكبير وذكر الله سبحانه وتعالى.
أيها المسلمون! سلامٌ عليكم، كتب ربكم على نفسه الرحمة، هذا عيدنا أهل الإسلام، إن لكل قومٍ عيداً، أعياد اليهود، وأعياد النصارى، وأعياد المشركين، ونحن المسلمين عيدنا هذا، وعيد الفطر من أيام الله المشهودة، هذا يومٌ عظيم من الأيام، أفطر فيه المسلمون بعد شهر الصيام، شرع الله فيه من العبادات ما يعلم به المسلم عظم هذا اليوم، هذا يوم فرحٍ مباح وسرور ينبغي إدخاله على البيوت وأهلها وعلى المسلمين، ولأجل ذلك كان إغناء الفقراء والمساكين بصدقة الفطر قبل صلاة العيد؛ لكي يشاركوا المسلمين فرحتهم وبطونهم غير خاوية ولا جائعة.
إن الله سبحانه وتعالى قد فرض علينا من الأحكام ما شاء، أحل ما شاء وحرم ما شاء سبحانه وتعالى، ومن الأبواب العظيمة في الشريعة أبواب الكبائر (اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات).
إن من أكبر الكبائر الشرك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس الفاجرة الكاذبة التي تغمس صاحبها في النار (وما حلف حالفٌ بالله يمين صبرٍ -أي: يستحق بسببها الحبس- فأدخل فيها مثل جناح بعوضة إلا جعلت نكتة في قلبه إلى يوم القيامة).
(خمسٌ ليس لهن كفارة: الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وبهت المؤمن -الافتراء والكذب- والفرار من الزحف، ويمينٌ صابرة يقتطع بها مالاً بغير حق) ليس لها كفارة إلا التوبة. (الكبائر تسع أعظمهن: إشراكٌ بالله، وقتل النفس بغير حق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، والفرار يوم الزحف، وعقوق الوالدين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتاً).
(من الكبائر شتم الرجل والديه ... يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه.
(إذا التقى المسلمان وحمل أحدهما على أخيه السلاح فهما على جرف جهنم، فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلاها جميعاً). (أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجلٌ قتل نبياً أو قتله نبي، أو رجلٌ يضل الناس بغير علم -وما أكثرهم في هذه الأيام!- أو مصورٍ يصور التماثيل) (أول ما يحاسب به العبد الصلاة).
(وأول ما يقضى بين الناس في الدماء) (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجلٍ مسلم) لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لكبهم الله عز وجل في النار أي: ألقاهم على وجوههم. (يجيء الرجل آخذاً بيد الرجل فيقول: يا رب! هذا قتلني، فيقول الله له: لِمَ قتلته؟ فيقول: قتلته لتكون العزة لك، فيقول: فإنها لي، ويجيء الرجل آخذاً بيد الرجل، فيقول: أي رب! إن هذا قتلني، فيقول الله: لِمَ قتلته؟ فيقول: لتكون العزة لفلان، فيقول: إنها ليست لفلان، فيبوء بإثمه).
(إن أبواب الربا -يا أصحاب أسهم البنوك- اثنان وسبعون باباً أدناه كالذي يأتي أمه في الإسلام).
يا من يزيدون أرصدتهم بالربا في البنوك الربوية! (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية).
(لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه -يا موظفي البنوك الربوية!- هم فيه سواء) (ما أحدٌ أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة) قاله صلى الله عليه وسلم.
(من حلف على يمينٍ صبرٍ، يقتطع بها مال امرئٍ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان) (من قطع رحماً أو حلف على يمينٍ فاجرة رأى وباله قبل أن يموت) قاله صلى الله عليه وسلم.
يا من يروي الأحاديث في المجالس دون تثبت ولا معرفةٍ لصحتها!.
(شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه) (من كان له وجهان في الدنيا؛ كان له يوم القيامة لسانان من نار) (لا تقولوا للمنافق: سيدنا، فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربك).
(إذا جمع الله الأولين والآخرين ليومٍ لا ريب فيه نادى منادٍ: من كان أشرك في عملٍ عمله لله أحداً فليطلب ثوابه من عنده، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك) (ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ الشرك الخفي، أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل) (الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، وسأدلك على شيءٍ إذا فعلته أَذهب الله عنك أو أُذهب عنك تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم).
(لن يلج الدرجات العلى من تكهن، أو استقسم، أو رجع من سفرٍ تطيراً) تشاؤماً.
( من أتى عرَّافاً أو كاهناً ) وما أكثرهم في هذه الأيام! يتصلون بالهاتف في مكالمات خارجية، ويسافرون لأجل ذلك، أو يأتونه في الداخل.
يا معشر النساء! ما أكثره في النساء! (من أتى عرَّافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد) لا يعلم الغيب إلا الله (من أتى عرَّافاً فسأله عن شيء لن تقبل له صلاة أربعين ليلة) ويجب أن يصلي، وإذا لم يصل كفر، لا تقبل له صلاة ولا ثواب ولا حسنات على صلواته إلا إذا تاب (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول أو أتى امرأة حائضاً -أثناء حيضها- أو أتى امرأة في دبرها -في مكان خروج الغائط- فقد برئ مما أنزل على محمد).
لا تأتوا الكهان (من علق تميمة فقد أشرك) (أخاف على أمتي من بعدي خصلتين: تكذيباً بالقدر، وتصديقاً بالنجوم) (لا يؤمن عبدٌ حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه).
(من أعان ظالماً ليدحض بباطله حقاً -ليبطل حق امرئٍ مسلم- فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله) (من أعان على خصومةٍ بظلمٍ؛ لم يزل في سخط الله حتى ينـزع) (من ضرب بسوطٍ ظلماً اقتص منه يوم القيامة) (من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرضٍ أو مال فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم، فإن كان له عملٌ صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له عمل أخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه). (لعنة الله على الراشي والمرتشي) وما أكثرهم في هذه الأيام!
(أنا بريء من كل مسلمٍ يقيم بين أظهر المشركين، لا تراءى نارهما) يجب أن يكون المعسكران بعيدان كل البعد عن بعضهما.
(آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهداه إذا علموا ذلك، والواشمة والموشومة للحسن، ولاوي الصدقة -مانع الزكاة- والمرتد أعرابياً بعد الهجرة ملعونٌ على لسان محمدٍ يوم القيامة). (إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يمثل إليه ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان فيلزمه أو يطوقه، يقول: أنا كنـزك) ((لم يمنع قومٌ زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا).
(تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له) (من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة).
اللهم إنا نعوذ من الكبائر ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجعلنا عاملين بطاعتك، مجتنبين لمعصيتك، وقافين عند حدودك يا رب العالمين!
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، أشهد أنه الحي القيوم الرحمن الرحيم، لا إله إلا هو خلق فسوى، وقدر فهدى سبحانه وتعالى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد علمنا فأحسن تعليمنا، وأدبنا فأحسن تأديبنا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المسلمون: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذابٌ أليم: شيخٌ زانٍ، وملكٌ كذاب، وعائلٌ مستكبر) أي: فقير متكبر (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم: أشيمط زانٍ، وعائل مستكبر، ورجلٌ جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه). (العينان تزنيان، واليدان تزنيان، والرجلان تزنيان، -بالنظر إلى ما حرم الله، ومس ما حرم الله، والمشي إلى ما حرم الله- والفرج يزني) (لأن يزني الرجل بعشر نسوة خيرٌ له من أن يزني بامرأة جاره، لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر له من أن يسرق من بيت جاره).
هكذا كان موقف نساء الصحابة مع أنهن أفضل نساء الأمة، يتصدقن ويلقين بأقراطهن في ثوب بلال والرسول صلى الله عليه وسلم يذكرهن.
يا أيتها النساء! اذكرن الله في بيوتكن، كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
يا معشر النساء! إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح، إذا كان بغير عذرٍ، لا مرض ولا عذر شرعي.
(اثنان لا تجاوز صلاتهما رءوسهما: عبدٌ آبق من مواليه حتى يرجع، وامرأة عصت زوجها حتى ترجع) (إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور) لا تنفق امرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذنه.
يا معشر النساء! (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئتِ) (انظري أين أنتِ منه فإنما هو جنتك أو ناركِ) (خير النساء التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها لما يكره) (لو تعلم المرأة حق الزوج لم تقعد ما حضر غداؤه وعشاؤه حتى يفرغ منه) (لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه).
يا معشر الرجال! رفقاً بالقوارير.
يا معشر الرجال! عاشروهن بالمعروف.
يا معشر الرجال! لا تضربوهن ضرباً مبرحاً.
يا معشر الرجال! قوموا بحق البيت وأعفوا نساءكم.
فإن كثيراً من الذين ضيعوا البيوت وقع نساؤهم في الحرام.
يا معشر الرجال! أنتم الرعاة وأنتم المسئولون عن الرعية، وإن الله سيوقفكم يوم القيامة، فيسألكم حتى يسأل الرجل عن أهل بيته كما جاء في الحديث الصحيح.
يا أيتها النساء ويا أيها الرجال الذين عليهم قضاء! قدموا القضاء قبل صيام الست لتحصيل الأجر الوارد في الحديث: (من صام رمضان ثم أتبعه بستٍ من شوال) فأتبعه بستٍ من شوال يعني: أولاً إنهاء رمضان تماماً بما فيه من القضاء، ثم إتباعه بستٍ من شوال، يا أيتها المرأة! اقضيه ولو وقع في الست من ذي القعدة، لا يضرك ذلك إن شاء الله وأنتِ مأجورة.
أيها المسلمون! صِلوا أرحامكم في هذا العيد، كل بيتٍ حلفت ألا تدخله من بيوت أرحامك بسبب غير شرعي كفر عن يمينك وادخل البيت، ولو كفرت عن يمينك بعد دخولك البيت لا حرج عليك.
أيها المسلمون! هذا يومٌ نتذكر فيه حال إخواننا في بلدان المسلمين المحاصرة، الأطفال اليتامى، النساء الأرامل، العجزة والمساكين، هؤلاء لهم حقوقٌ علينا، نتذكر حالهم في هذا العيد، في غمرة مشاعر الفرحة والبهجة اذكروا إخواناً لكم، قال قائلهم: لقد انتهت الحيوانات التي في البلد، جميع الأبقار والأغنام والقطط والكلاب والحمير انتهت، ونحن الآن نموت من الجوع، ولا نجد شيئاً نُفطر عليه، من آخر التقارير من بلاد البوسنة ، وظلم العالم أجمع للمسلمين واضحٌ جداً في هذه المأساة حتى نقطع الأمل بالكفار، والله لو كان في بلدٍ من بلدانهم لأقاموا الدنيا وأقعدوها، لكنهم يدٌ تنفذ وفمٌ يسكت، والضحية هم المسلمون.
اللهم أنج المستضعفين من المسلمين، اللهم ارفع الظلم عن المضطهدين، اللهم إنَّا نسألك أن تفرج كروبنا وكروب المسلمين، يا مفرج الهم فرج همومهم.
اللهم ارفع الظلم عن المستضعفين من المسلمين، اللهم إنا نسألك أن تكون معهم يا رحمن!
اللهم إنا نسألك أن تطعمهم فإنهم جاعوا، وأن تكسوهم فإنهم تعروا، وأن تحملهم فإنهم لا نعال لهم، اللهم إنا نسألك أن ترفع لواء هذا الدين، وتجعل سراجه وهاجاً، وتدخل الناس في دينك أفواجاً، اللهم قيظ لهذه الأمة من يرفع لواء الدين فيسير به، واجعلنا من الجنود المجاهدين في سبيل ذلك يا رب العالمين!
اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشيداً، تعز فيه أهل طاعتك، وتذل فيه أهل معصيتك، اللهم من أراد ببلدنا هذا أو بلاد المسلمين سوءً فاردد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا، واقض ديوننا، ورد غائبنا واهد ضالنا وفك أسرانا يا رب العالمين!
اللهم أزح الظلم والطغيان عن رقاب المسلمين، اللهم أعتق رقابنا من النار، واجعلنا بعد رمضان خيراً مما كنا قبله، اللهم اجعلنا من المستمرين في طاعتك ولا تجعلنا ممن قطع الطاعات، اللهم اجعلنا ممن يقومون ويصومون من النوافل ولا تجعلنا ممن يقطعونها بعد رمضان.
وعودوا من طريقٍ غير الطريق التي جئتم فيها؛ حتى يشهد لكم الطريقان عند الله بالجنة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله، وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر