إسلام ويب

كتاب الطهارة [11]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد حرص العلماء رحمهم الله على بيان أحكام الحيض لما يتعلق به من أمور شرعية مهمة كالصلاة والصيام وغيرهما، وأهم ما في هذا الموضوع هو الاستحاضة حيث قد تلتبس بالحيض أو النفاس، ومن هنا قسم العلماء المستحاضة إلى أقسام، وبينوا حكم كل قسم.

    1.   

    أحكام المبتدأة في الحيض

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

    قال المصنف رحمه الله: [ فصل: والمبتدأة تجلس يوماً وليلة ثم تغتسل وتصلي، فإن انقطع دمها لأكثره فما دون. اغتسلت عند انقطاعه، وتفعل ذلك ثلاثاً, فإن كان في الثلاث على قدر واحد صار عادة وانتقلت إليه، وأعادت ما صامته من الفرض فيه، وعنه: يصير عادة بمرتين ].

    (المبتدأة) المقصود بها: المرأة أول ما ترى دم الحيض، فإذا جاءها الدم في سن يصح أن يكون حيضاً وهو بلوغ تسع سنين على المشهور فإنها تعتبر به مبتدأة، ويعتبر هذا الدم دم مبتدأة.

    وهذه المبتدأة بين الفقهاء -رحمهم الله- خلاف في صفة أخذها لهذا الحكم:

    والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أن المبتدأة تجلس يوماً وليلة ثم تغتسل وتصلي ولو استمر الدم، فإن انقطع الدم لأكثره، أي: لأكثر الحيض فما دونه. وسبق معنا الخلاف بين الفقهاء في أكثر الحيض، وأن المذهب وكثيراً من الفقهاء يجعلون أكثره: خمسة عشر يوماً، ويجعلون أقله: يوماً وليلة.

    قوله: (فإن انقطع دمها لأكثره)، أي: لأكثر الحيض، وهو: خمسة عشر يوماً (فما دون) أي: دون الخمسة عشرة، (اغتسلت عند انقطاعه) وهذا هو الغسل الثاني في حقها، أي: على هذا الترتيب تكون اغتسلت الغسل الثاني، ويعتبرون أن الغسل الثاني إنما وجب عليها لأنه يحتمل أن يكون حيضاً بعد الاستقرار.

    قوله: (وتفعل ذلك ثلاثاً)، أي: في الشهر القابل إذا جاءها الدم، تمكث يوماً وليلة لا تصلي ولا تصوم, فإذا مضى اليوم والليلة اغتسلت ولا تنظر إلى الدم: هل انقطع، أو لم ينقطع؟ وغالباً أنه لا ينقطع، وهم لا يتكلمون على أنها تغتسل لتأثر حالة الدم، وهم هنا لم يلتفتوا إلى تأثر دمها، والأصل أن دمها على ما هو عليه، أي: على سيلانه منها.

    وإنما يقولون: تجلس يوماً وليلة ثم تغتسل؛ لأن أقل الحيض عندهم يوم وليلة، ثم تغتسل بعد ذلك وتصلي وتصوم، فإذا انقطع الدم في الشهر الثاني لأكثر الحيض فما دونه فعلت ذلك في الشهر الثالث، وإذا تطابق ذلك منها ثلاثة أشهر سموها معتادة وخرجت عن كونها مبتدأة.

    هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد.

    ولماذا أمروها بالغسل الثاني؟ قالوا: لأنه تبين بعد الاستقرار -أي: بعدما استقر الحيض- أن غسلها عن دم حيض، قالوا: إذا ثبتت عادتها بثلاث مرات -وهذا هو المشهور من المذهب أن العادة لا تثبت إلا بثلاث- قالوا: فيكون غسلها الثاني وقع غسلاً عن الحيض، ويكون غسلها الأول وقع احتياطاً قبل التبين؛ احتياطاً للعبادة؛ لأنه يحتمل ألا يكون استقرارها على ما ذكر, فتكون اغتسلت وفعلت الصلاة، بمعنى أنهم يقولون: ما زاد عن يوم وليلة وهي مبتدأة فإنه يحتمل أن تكون مخاطبة بالصلاة والصيام.

    فقالوا: وهذا لا يتبين إلا بالاستقرار، فما بين الاستقرار -وهي الأشهر الثلاثة الأولى- والاستقرار قالوا: يكون حالها بعد اليوم والليلة مشكوكاً فيه؛ فلهذا الشك أمروها في مذهب الإمام أحمد

    بأن تغتسل وتصلي، فإما أن يكون غسلها هذا غسلاً عن دم حيض، وإما أن تستقر وتتطابق في الثلاثة الأشهر فيكون غسلها وقع لغواً، يعني: من حيث ترتب الآثار عليه بعد ذلك. بمعنى: أنه يتبين أن ما صلته وصامته بعد غسلها الأول الذي بعد اليوم والليلة إنما وقع حال حيض.

    فنرجع إلى قاعدة الشريعة وحكم الشريعة، وأن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، فيكون صيامها فيما صامته بعد اليوم والليلة مخاطبة بإعادته، وصلاتها ليست مخاطبة بإعادتها؛ لأنها أولاً: لو قدر وجوب الصلاة عليها فهي قد صلت، ثم تبين أن الصلاة لا تجب عليها لكونها حائضاً, والحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة. وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أن الحائض المبتدأة تجلس هكذا.

    (وعنه) أي: عن الإمام أحمد في ذلك روايات:

    عنه: أنها تجلس ستاً أو سبعاً.

    وعنه: أنها تجلس عادة نسائها، أي: نساء أهلها كأمها وخالتها وأخواتها اللاتي سبقنها ونحو ذلك.

    وعنه: أنها تجلس ما تراه من الدم وتعتبره حيضاً من أول مرة ما لم يعبر -أي: يجاوز- أكثر الحيض، وهذا القول الرابع هو رواية عن الإمام أحمد ، وهو مذهب أكثر الفقهاء، وهو مذهب الثلاثة: مذهب أبي حنيفة ، و مالك ، و الشافعي.

    بمعنى: أن الجمهور من الفقهاء يقولون: إنها تجلس ما دام أن الدم دم حيض في صفته، ولا يأمرونها بعد مضي يوم وليلة أو نحو ذلك بأن تصلي وتصوم، أو أن تغتسل وتصلي وتصوم، بل يقولون: تبقى على كونها لا تصلي وتصوم ما لم يعبر أكثر الحيض، أي: يجاوز أكثر الحيض.

    فهذه أربعة أقوال للفقهاء وهي أربع روايات عن الإمام أحمد .

    وعليه: فيكون المذهب أن العادة لا تستقر بمرة ولا بمرتين, بل لا بد من ثلاث حتى تسمى معتادة.

    ما ثبت به العادة

    والرواية الثانية عن الإمام أحمد وهي غير مسألتنا التي ذكرنا فيها الأقوال الأربعة الآنفة، وهي مسألة: هل العادة تثبت بمرة أو لا تثبت بمرة؟ فيها ثلاثة أقوال للفقهاء: منهم من يقول: إن العادة تثبت بمرة، وإذا قيل: إن العادة تثبت بمرة فإنه يترتب على ذلك أنها تجلس في المرة الأولى يوماً وليلة، ثم تغتسل وتصلي وتصوم، فإذا انقطع الدم عن أكثر الحيض فما دونه اعتبرت أن ما سبق من صلاتها وصيامها وقع في حيض، فإذا كان الشهر الثاني، ومضى يوم وليلة فلا تفعل شيئاً، لا تغتسل ولا تصلي ولا تصوم؛ لأنهم وبناءً على هذه الرواية اعتبروا العادة ثبتت بمرة واحدة، وهذه أقل الروايات في المذهب.

    والرواية الثالثة -وهي أقوى من الثانية من جهة صفة المذهب ولا أقصد من حيث الدليل-: أن العادة تثبت بمرتين، ففي مذهب الإمام أحمد ثلاثة أقوال، بعضهم يطلقها روايات عنه، وبعضهم يجعل الأولى والثالثة هي الروايات، ويجعل الثانية قولاً.

    لكن المقصود: أنها ثلاثة أقوال في المذهب، وهل جميعها روايات، أو أحدها من قول الأصحاب أو تخريجهم؟

    على وجهين في ذلك للأصحاب، لكن المشهور من المذهب والمستقر عند عامة الأصحاب: أن العادة لا تثبت بمرة، هذا على الترتيب الذي ذكر.

    وإذا أخذنا بقول الجمهور قيل: بأنها تجلس ما تراه من الدم ما لم يجاوز أكثر الحيض، فما دام أنه على صفة دم الحيض فإنها تجلسه ولا تصلي ولا تصوم، فإذا انقطع وصفته صفة دم الحيض عن أكثر الحيض عند من يحدده بقدر -وهم الجماهير من الفقهاء- ويعتبرون هذا هو حيضها، فإذا كان الشهر الثاني نظرت فيما كان من أمرها من الشهر الثاني.

    قوله: (وعنه: يصير عادة بمرتين)، هنا المصنف لم يذكر القول الثالث في المذهب أنه: يصير عادة بمرة؛ لأن كثيراً من الأصحاب يجزم بأن هذا ليس من روايات الإمام أحمد.

    ومسائل الحيض كما يقول الإمام أحمد : ما زال في نفسي من مسائل الحيض شيء، باعتبار أن مدار الأحاديث في ذلك يعتمد على جملة من الروايات، وفي بعض أحرفها اختلاف، كحديث حمنة ، وحديث فاطمة بنت أبي حبيش ، فصاروا يأخذون من بعض الحروف ما قد يختلف النقل فيه عند أهل الحديث، وعلى هذا تفرعت هذه الأقوال.

    وإذا نظرت إلى الاستصحاب أو القياس في هذا من جهة ترتيب المسائل انبنى ذلك أيضاً على وجه آخر, أحياناً يخالف بعض هذه الدلالات التي يفهمونها -يعني: الفقهاء- من بعض حروف الحديث، فإنهم أخذوا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( تدع الصلاة أيام أقرائها )، أخذوا من الأقراء هنا أن القرء هو الحيض، وأن الحيض لا يثبت، أي: لما ذكرها الشارع جمعاً (أيام أقرائها)، دل على أن العادة لا تثبت بمرة، بل لا بد أن يكون ثلاثاً.

    1.   

    التمييز بين الحيض والاستحاضة

    قال المصنف رحمه الله: [ إن جاوز أكثر الحيض فهي: مستحاضة ].

    قوله: (فإن جاوز أكثر الحيض) على ما سبق تفصيله في المذهب (فهي: مستحاضة) أي: أن ما زاد على أكثر الحيض فإنها تكون بهذا مستحاضة، ويكون اليقين في حقها اليوم والليلة.

    قال: [ فإن كان دمها متميزاً بعضه ثخين أسود منتن، وبعضه رقيق أحمر فحيضها زمن الدم الأسود، وما عداه مستحاضة ].

    أي: إذا جاوز الدم أكثر الحيض ولكنها ميزت الأسود عن الأحمر، فدم الحيض أسود، ودم الاستحاضة أحمر، فإذا ميزت عملت بالتمييز، فيكون الحيض مدة الدم الأسود، وما زاد يكون مدته استحاضة.

    قال: [ وإن لم يكن متميزاً قعدت من كل شهر غالب الحيض. وعنه: أقله، وعنه: أكثره، وعنه: عادة نسائها كأمها وأختها وعمتها وخالتها ].

    قوله: (وإن لم يكن متميزاً) أي: دمها، فإذا كان يجاوز أكثر الحيض خمسة عشر يوماً عندهم وهو ليس بمتميز، قالوا: فإنها تجلس من كل شهر غالب الحيض، وغالب الحيض ست أو سبع، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حمنة رضي الله تعالى عنها.

    (وعنه: أكثره) أي: وعن الإمام أحمد: أنها تجلس خمسة عشر يوماً فتجعلها حيضاً، وما زاد عن الخمسة عشر يكون استحاضة، لكن المشهور من المذهب الأول. (وعنه: عادة نسائها).

    والراجح هو: الأول؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( تحيضين ستاً أو سبعاً )، كما في حديث حمنة.

    الاستحاضة في حق المبتدأة

    قال المصنف رحمه الله: [ وذكر أبو الخطاب في المبتدأة أول ما ترى الدم الروايات الأربع ].

    أي: أنها لا تجلس على ما وصفوه ثلاثاً، وإنما تجلس عادة نسائها، أو تجلس ستاً أو سبعاً، أو تعتبر ذلك بالدم ما لم يعبر أكثر الحيض، كما هو مذهب الجمهور.

    الاستحاضة في حق المعتادة

    قال المصنف رحمه الله: [ وإن استحيضت المعتادة رجعت إلى عادتها وإن كانت مميزة، وعنه: يقدم التمييز، وهو اختيار الخرقي ، وإن نسيت العادة عملت بالتمييز ].

    يعني: المعتادة وهي من ثبتت لها عادة ثم عرض لها استحاضة فإنها ترجع إلى عادتها، وتكون عادتها مبينة ومفصحة بما هو حيض وما هو استحاضة، فمن استقرت لها عادة فليست مبتدأة بل معتادة، ثم عرض لها بعد الاستقرار استحاضة فإن عادتها تكون مفصحة ومبينة لما هو حيض وما هو استحاضة، فما زاد عن عادتها تجعله استحاضة، وما كان في زمن عادتها عندهم تعتبره حيضاً.

    وظاهر هذه الرواية عن الإمام أحمد: أنها لو كانت عادتها ستاً مثلاً واستقرت العادة ستاً, ثم عرض لها أن اختلف دمها بعد اليوم الرابع فصار دماً أحمر، وبان عن صفة دم الحيض فاختلف عن صفة دم الحيض فإنها على هذه الرواية تعتبر نفسها حائضاً إلى أن تبلغ ستاً، ولا تلتفت إلى تمييزه؛ لأن لها عادة قد استقرت.

    وعنه: أنها إذا استقرت عادتها ثم عرض لها استحاضة ولها تمييز قدمت التمييز على مدة عادتها، بمعنى: أنه إذا عرض لها في اليوم الرابع أن اختلف الدم اختلافاً بيناً وصار دماً أحمر على خلاف صفة دم الحيض، بمعنى: أنها ميزته تمييزاً بيناً فإنها تعتبر أن حيضها في هذا الشهر انقطع عن أربعة أيام، وهذا معنى قول المصنف: (وعنه: يقدم التمييز، وهو اختيار الخرقي ) أي: اختيار أبي القاسم الخرقي.

    أما إذا كانت ليست مميزة فهذا يستقر عندهم أنها تعمل بعادتها، ولكن إذا كانت مميزة ولها عادة: فهل تقدم التمييز على العادة، أو العادة على التمييز؟

    هذا فيه روايتان مشهورتان عن الإمام أحمد.

    والمشهور عند أكثر الأصحاب: أنها تقدم العادة على التمييز، وهذا الذي سموه في المذهب عند المتأخرين.

    وطائفة من محققي الأصحاب يقولون: إنها تقدم التمييز على العادة، وهاتان الروايتان عن الإمام أحمد هما قولان مشهوران لأئمة الفقهاء.

    والأظهر: أن العادة والتمييز في مورد التقديم، يعني: في مسائل الحيض التي يتردد هل تقدم فيها العادة على التمييز، أو التمييز على العادة؟ فهذه المسألة لها فروع متعددة في أحكام الحيض.

    وسبق أن فيها خلافاً مشهوراً بل قوياً بين الفقهاء، وهي مسألة لها فروع ليس كبعض أطراف أحكام الحيض التي تكون فرعاً وينتهي بذكره, إنما هذه مسألة يترتب عليها جملة من الفروع.

    والأظهر فيها: أن التمييز يقدم على العادة، ووجه ذلك كما سبق من حيث النصوص وأدلة الشارع، فإن في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على اعتبار العادة، وما يدل على اعتبار التمييز.

    فالنصوص بينة في أن العادة والتمييز من الأوصاف المعتبرة في الشرع، وهذا مستقر عند الفقهاء، وإنما محل الخلاف في أي الوصفين يقدم على الآخر عند التنازع بينهما؟ هذا من حيث النظر في النصوص وليس فيما يظهر لي بيناً.

    والسبب في ذلك: أن أكثر الأحاديث التي جاءت في أحكام الحيض: كحديث فاطمة بنت أبي حبيش ، وحديث حمنة ، وحديث عائشة، وحديث أم سلمة ، وهذه تكاد تكون هي جوامع الأحاديث في هذا الباب غالبها قضايا أعيان، وقضايا الأعيان ليست كالأحكام التي أجراها الشارع على الخطاب العام؛ ولهذا يقولون في القواعد: بأن قضايا الأعيان لا عموم لها.

    فليس المقصود أنها لا عموم لها في سائر أحرفها، وإنما المقصود: أن الشارع لم يمضها إمضاء بيناً، ولكن البين من هذه الأحاديث وغيرها في الباب أن كلا الوصفين له اعتبار في الشرع، أما أيهما يقدم عند التنازع؟ فهذا ليست النصوص فيه فصيحة، وليست ظاهرة بأحد الوجهين.

    وإذا اعتبرت النظر في هذا الباب فإنه يتجه: أن التمييز يقدم على العادة؛ لأن التمييز صفة لماهية الشيء بخلاف العادة فإنه وصف خارج عنه، والوصف الذي هو في ماهية الشيء يقدم على الوصف الخارج، فإنه يمكن انفكاكه.

    أعني أن: العادة يقع انكسارها، ويقع اختلاط أمر النساء، فإن الحيض -كما يقرر الأطباء ويعرف كثير من المختصين أو الباحثين الذين يتتبعون عوائد النساء في هذا، أو ما تستقر عليه عادة النساء عند الأطباء- يعرف أنه مما يتأثر باختلاف أحوال المرأة وحالتها النفسية وغير ذلك. فأحياناً يقع مثل هذا التردد.

    نسيان المعتادة عادتها وعملها بالتمييز

    قال المصنف رحمه الله: [ وإن نسيت العادة عملت بالتمييز ].

    إذاً: هذه المسألة مسألة العادة والتمييز ينبغي حسن الفقه فيها؛ لأنه يترتب عليها كثير من الفروع في باب أحكام الحيض، أو في كتاب الحيض.

    وما ذكر هنا هما روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله, ومذهب أبي حنيفة، و الشافعي على المشهور من المذهب، وهو: أن العادة تقدم على التمييز.

    وذهب الإمام مالك رحمه الله، وهي الرواية الثانية عن أحمد : إلى أن التمييز يقدم على العادة. وما اختاره مالك، وأحمد في رواية فيما يظهر أنه الأظهر.

    حكم من ليس لها عادة ولا تمييز في الحيض

    قال المصنف رحمه الله: [ فإن لم يكن لها تمييز جلست غالب الحيض في كل شهر، وعنه: أقله، وقيل: فيه الروايات الأربع ].

    قوله: (وقيل: فيه الروايات الأربع)، إن نسيت العادة عملت بالتمييز؛ لأنهم يقدمون العادة على التمييز في المشهور من مذهب الإمام أحمد.

    قوله: (فإن لم يكن لها تمييز) هذا إذا لم يكن لها عادة، وليس لها تمييز (جلست غالب الحيض من كل شهر)، هذا المذهب، وهو أظهر.

    (وعنه: أقله) فيجعلون حكمها حكم المبتدأة، أي: (يوم وليلة كحكم المبتدأة، وهذه إحدى الروايات عن الإمام أحمد . (وقيل) عند بعض الأصحاب: (فيه الروايات الأربع) التي سبقت، وهي: أنها تجلس يوماً وليلة، أو ستاً أو سبعاً، أو عادة غالب النساء، أو ما تراه من الدم ما لم يعبر أكثر الحيض، وهذه طريقة لبعض الأصحاب.

    ولكن الأظهر في المذهب: أنها تجلس غالب الحيض من كل شهر إذا لم يكن لها عادة ولا تمييز.

    الناسية لحيضها

    قال المصنف رحمه الله: [ وإن علمت عدد أيامها ونسيت موضعها جلستها من أول كل شهر ].

    هذه يسمونها: الناسية، فالناسية لحيضها ما الذي تعمله؟

    قال: (وإن علمت عدد أيامها)، علمت أن حيضها ست أو سبع ليال، ولكنها (نسيت موضعها)، قال: (جلستها من أول كل شهر) في أحد الوجهين.

    وفي الآخر، وهو اختيار أبي بكر وجماعة من الأصحاب: أنها تجلس بالتحري.

    قال: [ وكذلك الحكم في كل موضع حيض من لا عادة لها ولا تمييز، وإن علمت أيامها في وقت من الشهر كنصفه الأول جلستها فيه, إما من أوله أو بالتحري على اختلاف الوجهين ].

    هذه أحوال قليلة وهي تتفرع عن مسألة الاعتبار بالعادة، وإذا كان المختار أن التمييز يقدم عن العادة فبعض هذه الفروع لا يتجه النظر فيها على هذا الترتيب.

    قال: [ وإن علمت موضع حيضها، ونسيت عدده جلست فيه غالب الحيض، أو أقله على اختلاف الروايتين ].

    قوله: (على اختلاف الروايتين)، والراجح: أنها تجلس غالب الحيض، وهذا مستقر في المذهب. عند أكثر المتأخرين أنها ما لم يكن لها تمييز أو عادة فإنها تجلس غالب الحيض إلا المبتدأة، وهي التي قالوا: إنها تجلس يوماً وليلة، ثم تغتسل وتصلي حتى تستقر بثلاث.

    حكم من تغيرت عادتها في الحيض

    قال المصنف رحمه الله: [ وإن تغيرت العادة بزيادة، أو تقدم، أو تأخر، أو انتقال، فالمذهب أنها لا تلتفت إلى ما خرج عن العادة حتى يتكرر ثلاثاً أو مرتين على اختلاف الروايتين، وعندي: أنها تصير إليه من غير تكرار ].

    هذه على خلاف النظر في المبتدأة، بمعنى: أن المبتدأة ذكروا لها في المذهب طريقة وهي التي بدأنا بذكرها. قالوا: فإذا استقرت عادتها وخرجت عن كونها مبتدأة إلى كونها معتادة، ثم تغيرت عادتها بزيادة، أو تقدم، أو انتقال، فهل تستمسك بعادتها ولا تبالي بهذا التغير, أو أنها تلتفت إليه؟

    قوله: (فالمذهب أنها لا تلتفت إلى ما خرج عن العادة حتى يتكرر ثلاثاً أو مرتين على اختلاف الروايتين)، بمعنى: أنهم يقولون: إذا تغيرت عادتها في الشهر استقرت سنة أو سنتين أو خمساً لأنهم يكتفون بالاستقرار بثلاث، ولا أحد من الفقهاء يزيد عن ثلاث.

    فإذا مضى عليها سنتان وهي على هذه الحال ثم تغيرت عادتها، قالوا: لا تلتفت في التغير في الشهر الأول، والشهر الثاني، والشهر الثالث، فإذا مضى ثلاث على التغير -ثلاثة قروء على التغير- اعتبرت هذا كأنها عادة مستجدة لها، وتترك عادتها.

    فيكون التغير على هذا الاعتبار كأنه نقل لها إلى نوع من الابتداء، أو بعبارة أدق إلى نوع من حكم الابتداء الذي ذكروه في المبتدأة. فيكون تغيرها بمثابة كونها في الحكم مبتدأة، فعلى هذه الرواية التي يقولون فيها: لا بد من ثلاث تفعل ما فعلته في الأول.

    لكن: هل تفعل ما فعلته في الأول من جهة أنها تصلي وتصوم في يوم وليلة بعد غسلها؟ هم لا يقولون ذلك! ولكنهم يقولون: لا تلتفت إلى الانتقال إلا أن يستقر ثلاثاً، ومنهم من يقول -أي: من الحنابلة وهي الرواية الثانية عن أحمد- يقول: إنه يكفي في ذلك مرتان، وهذا كله أيضاً تفريع على مسألة تقديم العادة على التمييز، فإذا كان لها تمييز صالح اعتبرت به.

    قوله: (وعندي: أنها تصير إليه من غير تكرار)، وهذا مذهب الإمام الشافعي.

    والمتجه في هذه المسألة: أن من تغيرت عادتها وطرأ لها تغير فإنها تنظر، فإن كان الدم على صفة دم الحيض فإنها تعتبره حيضاً؛ لأن الدم وإن استقر على عادة إلا أن النساء يعرض لهن من الأسباب الطبيعية ما قد يزيد الدم عن العادة بعض الوقت، أو ينقص بعض الوقت، فهذا تعتبر به إذا كان صفته على صفة دم الحيض.

    ولو كانت عادتها ستة أيام ثم جاوزت هذه العادة بعض الشيء فالراجح: أنها تعتبره حيضاً، ولا يظهر في الأدلة ما يقتضي قطع ذلك عن كونه حيضاً، وهذا الذي اختاره المصنف.

    وإن كان لها تمييز اعتبرت بالتمييز، فإن كانت عادتها ستاً أو سبعاً ثم زاد عن ذلك وميزت الزائد بكونه أحمر اعتبرت ما كان متميزاً أنه استحاضة.

    حكم من استقر طهرها ثم عاودها الدم في عادتها

    قال المصنف رحمه الله: [ وإن طهرت في أثناء عادتها اغتسلت وصلت، فإن عاودها الدم في العادة: فهل تلتفت إليه؟ على روايتين ].

    قوله: (وإن طهرت في أثناء عادتها اغتسلت وصلت، فإن عاودها الدم في العادة فهل تلتفت إليه؟ على روايتين) وهاتان الروايتان قولان للفقهاء، والراجح: أنه إذا استقر طهرها ثم طرأ لها الدم بعد ذلك يسيراً فإنها لا تلتفت إليه إذا كان في زمن لا يكون حيضاً.

    الصفرة والكدرة في أيام الحيض

    قال المصنف رحمه الله: [ والصفرة والكدرة في أيام الحيض من الحيض ].

    وهذا جاء في حديث أم عطية رضي الله عنها، وأصله في صحيح البخاري : ( كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً ). وفي السنن من حديث أم عطية نفسها: ( بعد الطهر شيئاً ).

    ولهذا قال المصنف: (والصفرة والكدرة في أيام الحيض من الحيض) وهذا الذي عليه الجمهور من الفقهاء: أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، وهذا مذهب مالك، و الشافعي، والإمام أحمد.

    أما بعد الحيض فإنه لا يعد شيئاً؛ لحديث عائشة : ( أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفت معه وكانت ترى الصفرة والكدرة في غير أيام حيضها، وما كانت تبالي بذلك، بل كانت تصلي ).

    النقاء بين أيام الحيض

    قال المصنف رحمه الله: [ ومن كانت ترى يوماً دماً ويوماً طهراً، فإنها تضم الدم إلى الدم فيكون حيضاً، والباقي طهراً إلا أن يجاوز أكثر الحيض فتكون مستحاضة ].

    قوله: (فإنها تضم الدم إلى الدم فيكون حيضاً)، وما بينهما يكون حيضاً، فإذا رأت يوماً دماً ويوماً طهراً فإنها تضم الدم إلى الدم، وهذه المسألة فيها طريقتان للفقهاء:

    الطريقة الأولى: أنها تعتبر النقاء بين اليومين حيضاً، فتضم الدم إلى الدم ويكون ما بينهما من النقاء حيضاً.

    والطريقة الثانية: أن ما بين اليومين من النقاء يكون طهراً، والأول: أظهر، وهو: أن ما بين اليومين من النقاء حيض، فإذا رأت الدم اليوم الأول ثم انقطع لنصف يوم أو يوم ونحو ذلك ثم عاد الدم إليها فإن هذا النقاء المتوسط نقاء موهم ولا يعتبر طهراً، بل تضم الدم إلى الدم ويكون حيضاً، وهذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد .

    إذاً: ففي مسألة الطهر بين اليومين: منهم من يقول: إنه يكون طهراً، ومنهم من يقول: إنه يكون حيضاً، وهذا يترتب على بعض الأحوال التي تعرض للمرأة, وإن كان ليس هو الغالب على النساء.

    1.   

    أحكام تتعلق بالمستحاضة ومن في حكمها

    قال المصنف رحمه الله: [ فصل: والمستحاضة تغسل فرجها وتعصبه، وتتوضأ لكل صلاة، وتصلي ما شاءت من الصلوات ].

    قوله: (فصل) أي: في أحكام المستحاضة، والمستحاضة هي: المرأة التي ترى دماً ليس دم الحيض، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لــــفاطمة بنت أبي حبيش كما في الصحيحين وغيرهما: ( إنما ذلك عرق )، أي: دم استحاضة، ( فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة الأيام التي كنت تدعينها، ثم اغتسلي وصلي, فما زاد عن ذلك فإنه استحاضة )، والمستحاضة بإجماع أهل العلم يجب عليها الصوم والصلاة.

    لكن المصنف هنا قال: (تغسل فرجها وتعصبه)، وهل هذا على سبيل الوجوب، أو على سبيل الاستحباب؟

    المستحاضة تغتسل على سبيل الاستحباب، وليس على سبيل الوجوب.

    فقوله: (والمستحاضة تغسل فرجها وتعصبه) فأما غسل الفرج فهذا واجب لحصول الطهارة به، وتتوضأ لوقت كل صلاة، وهذا أيضاً على سبيل الوجوب، وأما اغتسالها فهو مستحب.

    الأمور التي تفعلها المستحاضة عند إرادة الصلاة

    فتكون المستحاضة مأمورة بثلاثة:

    أولاً: أنها تغسل فرجها، وهذا لازم في حقها.

    ثانياً: أنها تتوضأ لوقت كل صلاة، وهذا أيضاً لازم في حقها.

    ثالثاً: أنها تغتسل، وهذا مستحب في حقها.

    وغسل المستحاضة مستحب وليس بواجب، أما أنها تغسل فرجها فإن ذلك يجب عليها حتى تحصل براءتها عند طهرها من النجاسة.

    وتتوضأ لوقت كل صلاة، وتصلي بهذا الوضوء ما وقع في هذا الوقت، فإذا كانت تجمع بين الصلاتين -كما لو كانت مسافرة- فإنها تصلي به الظهر والعصر؛ لأنه في وقت واحد، وتقضي به ما فات، وتصلي به النوافل، ولا يلزمها إعادة الوضوء لقضاء فائتة أو جمع صلاة إلى أخرى حتى يخرج الوقت، فإذا خرج الوقت وجب عليها أن تغسل فرجها، وأن تتوضأ لوقت الصلاة الثانية، وهذا القول هو المختار من أقوال الفقهاء.

    وفي المسألة أقوال ثلاثة: هذا أحدها.

    والقول الثاني: أنها تصلي بهذا الوضوء ولو دخل وقت الثانية، ما لم تحدث بطارئ خلاف استحاضتها.

    القول الثالث: أنه لا يلزمها الوضوء لاستحاضتها، وهذا نقل عن الإمام مالك وهو أبعد الأقوال؛ لأن هذا يوجب الوضوء في الأصل، وإنما لما كان العذر لازماً لها قدر هذا بقدره؛ لأن الأصل أن هذا يوجب أن خروج الدم يكون من نواقض الوضوء، ولكنه لما كان لازماً لها قدر حكمه بقدره، فقيل: إنها تعتبر أمرها بوقت كل صلاة.

    أما القول: بأنها تصلي به ما شاءت ولو دخل وقت الصلاة الثانية ما لم تحدث منفكاً عن الاستحاضة, فإن هذا فيه توسع كما ترى، ويقابله القول: بأنه لا يلزمها الوضوء، فهذا أكثر اتساعاً منه.

    والقول المختار وإن كان أضيق لكنه أحوط في العبادة وأجرى على القواعد فيما يظهر، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد ؛ لأن الأصل أن هذه الاستحاضة توجب الطهارة، وإنما أسقط ذلك لئلا يتعذر على المكلف فعل العبادة؛ ولهذا أمرت بالوضوء إذا دخل وقت الصلاة، وهذه هي الطاقة التي تستطيعها.

    ولو قيل: إنها لو توضأت لوقت الصلاة ثم أرادت القيام إلى الصلاة فسال دم وجب أن ترجع لما تناهى أمرها، وهذا مما يعلم أن الشريعة لا تأتي به. لكن إذا انتهى الوقت فإنها أتت على محل مقدر في الشريعة وهو ميقات الصلاة أو وقت الصلاة، ثم تستأنف حالاً أخرى، وهذه شبيهة بمسائل التيمم من وجه.

    وقال الفقهاء رحمهم الله: إن الضرورة تقدر بقدرها؛ لأن تركها الضوء أو صلاتها مع وجود العذر هو على خلاف الأصل، لكن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

    أما التوسع في ذلك بأنها تصلي ما شاءت أو أنه لا يجب عليها الوضوء لاستحاضتها، فهذان قولان ذكرهما الفقهاء رحمهم الله، وهي أقوال معروفة لبعض الأئمة، لكن الراجح هو: الأول.

    حكم من به سلس البول ونحوه

    قال المصنف رحمه الله: [ وكذلك من به سلسل البول، والمذي، والريح، والجريح الذي لا يرقأ دمه، والرعاف الدائم ].

    ألحق الفقهاء بالمستحاضة من به سلس البول، وإن كان إلحاق الفقهاء من به سلس البول فيه بعض الخلاف بينهم، فما سبق ذكره في المستحاضة هو مذهب الجماهير من الأئمة الثلاثة وغيرهم، وخلافاً لـــــمالك رحمه الله.

    أما من به سلسل البول فكثير من الفقهاء يجعلون حكمه حكم المستحاضة، وهذا: أظهر.

    ولكن في مسألة من به سلس البول -وهو ينتاب ربما الرجال أكثر من النساء أحياناً- ينبه إلى أمرين:

    الأمر الأول: أن يكون هذا على سبيل التحقق، وليس على ما يعرض وسواساً لكثير من الناس أو لبعض الناس، فإن الوسواس هنا لا يلتفت إليه. وأحياناً بعض الناس يقول: إن عنده سلس بول، وهو موسوس ليس إلا.

    الأمر الثاني: إذا كان بريئاً من الوسواس فبعض الناس يقع منه توسع في دعوى أن به سلس بول، وربما ذهب إلى طبيب فقال له: إن هذا نوع من السلس، فليس بالضرورة أن ما يسميه أدنى طبيب سلسلاً يلزم أن ينطبق عليه كلام الفقهاء في من به سلس البول.

    بمعنى: أن البعض قد يتوسع أحياناً فيسميه سلساً ويعاني من سلس البول، فيرتب الحكم الفقهي الذي يذكره الفقهاء أنه كالمستحاضة، فإذا دخل الوقت توضأ، ثم يعلم أنه عرض له شيء من البول فما يبالي به، فإذا قلت له: لماذا؟ قال: إن الطبيب قال له: أنت عندك شيء من السلس.

    وبعضهم قد يلقن الطبيب الكلمة، والطبيب قالها لا على سبيل الحقيقة العلمية؛ لأن الأطباء غالباً يتعاملون مع المرضى باعتبارهم عامة في الطب، بمعنى: لو كان يتكلم مع طبيب مثله ما حدثه بنفس المصطلح، فقد يكون تهاوناً من الطبيب، وقد يكون تجوزاً في المصطلح عندهم، وقد يكون خطأً من الطبيب، وكل هذه أمور محتملة.

    إذاً: فلا يقول: إن الطبيب قال لي ذلك!

    وأحياناً: بعضهم يقول: أنا سألت الطبيب فقلت: هل هذا سلس؟ فيقول: نعم هذا سلس، ولا يعرف أبعاد هذه الكلمة، وهل صفتها الطبية مثل صفتها الفقهية أو لا؟

    فالفقهاء لا يريدون كل ما يصطلح عليه الأطباء أنه سلس، أرأيت لو اصطلح الأطباء على أن أدنى تكرر يسمونه: سلساً من الدرجة الخامسة؟

    فأنت تعرف أن عندهم في الأشياء الطبية يقولون: هذا كذا من الدرجة الأولى، من الدرجة الثانية، وأحياناً يسمون أدنى ذلك لو سموه سلساً من الدرجة الثالثة مثلاً، فهل مجرد أن مصطلحاً طبياً سمى ذلك سلساً أن نعطيه الحكم الشرعي الذي ذكره الفقهاء؟!

    الجواب: لا، فالحكم الفقهي أن من به سلس أعطي حكم الاستحاضة إذا كان على صفة المستحاضة في أنه لا يستطيع دفعه وهو مستمر معه، فإذا كان ملازماً له لا يستطيع دفعه وهو مستمر معه سمي سلساً على المقصود الفقهي، وسواء سماه الأطباء أو لم يسموه، وسواء زادوا فيه أو نقصوا، فهو معتبر بهذه الصفة.

    أما من يكون عنده ذلك بالفعل، ويعرض له شيء من ذلك في فترة لسبب أو لآخر، ثم يقول: إنه يعاني من هذا، وهذا سلس، فهذا يجب عليه أنه إذا توضأ ثم خرج منه شيء من البول أن يعيد الوضوء، ولو أعاده في الوقت ثلاث مرات.

    وبعض طلاب العلم يفتون على سبيل الفتوى الذوقية، فهذه مشكلة، يقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وهذا ليس عليه شيء ولا يلزمه شيء. فكيف: تنزل هذه الآية على مثل هذه الحال؟! الله يقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وهذا لا يزال في وسعه، ومن هو الذي ليس في وسعه؟ هو المعذور، وهذا ليس معذوراً، وما لزمته هذه الحال.

    أرأيت لو أن إنساناً أحدث بغير البول؟ كمن أكل فصار ينتابه شيء من ذلك، أو أي حدث من الأحداث، فإذا تكرر عنده أو لزمه في بعض الوقت لعلة, فأحياناً بعض الناس يصاب لعلة فيزيد عليه، أو أحياناً بعض الناس مع الخوف، أو مع الرهق، أو مع بعض الأمراض يصير عنده شيء من ذلك، فهل إذا عرض له ذلك قيل: هذا سلس، وأنك تتوضأ؟!

    لا، السلس حالة شبيهة بحال المستحاضة من جهة اللزوم وعدم الانفكاك.

    فإذاً: المقصود: أنه لا يصح التوسع في دعوى سلس البول لإسقاط الوضوء والطهارة منه باعتبار أنه فعل ذلك أول الوقت.

    وطء المستحاضة

    قال المصنف رحمه الله: [ وهل يباح وطء المستحاضة في الفرج من غير خوف العنت؟ على روايتين ].

    قوله: (وهل يباح وطء المستحاضة في الفرج من غير خوف العنت؟ على روايتين)، الجمهور من الفقهاء على أنه يباح وطؤها؛ لما جاء في حديث حمنة : (أن زوجها كان يغشاها وهي مستحاضة).

    والرواية الثانية: عن الإمام أحمد أن ذلك يكره في حقه، أو يمنع منه إلا أن يخاف العنت.

    1.   

    أحكام النفاس

    أقل النفاس وأكثره

    قال المصنف رحمه الله: [ فصل: وأكثر النفاس أربعون يوماً، ولا حد لأقله ].

    قوله: (وأكثر النفاس أربعون يوماً) النفاس: الدم الذي يتصل بالولادة عند المرأة، وهو معروف عند عامة النساء ويسمى: دم النفاس، وأكثره عند جمهور الفقهاء أربعون يوماً، وهذا مذهب الإمام أحمد، عملاً منه بما جاء في حديث عائشة : ( كانت النفساء تجلس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً ).

    وقال مالك و الشافعي: إن النفاس أكثره ستون يوماً.

    وقال طائفة من الفقهاء: إنه لا حد لأكثره ما لم يفحش فحشاً بيناً فإنه يكون دم فساد ولا يكون نفاساً، وهذا الذي اختاره طائفة من الفقهاء منهم الإمام ابن تيمية رحمه الله.

    والأظهر ما ذهب إليه الحنابلة في هذه المسألة؛ لأن هذا هو الدم الذي تجري به عادة النساء.

    قوله: (ولا حد لأقله) أي: ولو كان أقل من ذلك كثيراً فإنه إذا انقطع فيكون قد ذهب حكمه.

    إتيان النفساء التي طهرت قبل الأربعين

    قال المصنف رحمه الله: [ أي وقت رأت الطهر فهي طاهر تغتسل وتصلي، ويستحب ألا يقربها في الفرج حتى تتم الأربعين ].

    قوله: (حتى تتم الأربعين)، يعني: ولو انقطع دمها، فيستحب ألا يقربها، وهذا الاستحباب مقصود به: أنه إذا انقطع دمها قبل الأربعين يستحب ألا يقربها قبل الأربعين، نص عليه الإمام أحمد رحمه الله.

    حكم من عاد دمها بعد انقطاعه في مدة الأربعين يوماً

    قال المصنف رحمه الله: [ وإذا انقطع دمها في مدة الأربعين ثم عاد فيها فهو نفاس، وعنه: أنه مشكوك فيه تصوم وتصلي وتقضي الصوم المفروض ].

    وهذا الثاني أظهر وأحوط للعبادة، أي: أنها تصلي وتصوم إذا انقطع الدم قبل الأربعين ثم إذا عاد أثناء الأربعين فإنها تصلي وتصوم ولا يقربها زوجها.

    قال: [ وإن ولدت توأمين فأول النفاس من الولد، وآخره منه، وعنه: أنه من الأخير، والأول: أصح ].

    وهذا لا يكون بينهما فرق يذكر، إنما الفقهاء دققوا على هذه المسألة وذكروا فيها القولين، وعن الإمام أحمد فيها روايتان، والمختار عندهم والأولى: أنه يكون من الأول، وأن الاعتبار يكون بالأول وليس بالثاني.

    نقف على هذا، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756224068