إسلام ويب

ما هي رسالتك أيها الإنسان؟للشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن رسالة الإنسان في هذه الحياة عظيمة جداً، وحقيقة وجوده في هذه الحياة إنما هي لغاية كبرى، وهي عبادة الله وحده سبحانه، ولذا ترى كثيراً من النظريات الغربية المنحرفة في فهم حقيقة هذه الحياة مبتورة، لا يمكن بها الوصول إلى الغاية التي من أجلها وجدت الحياة؛ لأن هذه النظريات ابتكرها أناس بعقولهم القاصرة، بسبب البيئة التي عاشوا فيها وأرادوا أن يفرضوها على العالم، لكن سرعان ما تصرّمت وانحلت، ولم يثبت في هذه الحياة إلا ما شرعه الله تعالى في كتابه وسنة نبيه.

    1.   

    حقيقة الحياة في هذه الأرض

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أيها الضيوف الأعزاء: أنتم ضيوف على الجميع، ليس على المعهد فقط، وإنما على المنطقة بأسرها، حياكم الله ومرحباً بكم.

    أيها الإخوة الأفاضل من المدرسين، وأيها الأبناء الكرام من الطلبة: أشكر بالدرجة الأولى الشيخ محمد بن أحمد بارك الله فيه، والإخوة المشرفين على برنامج التوعية الإسلامية في المعهد المبارك، أشكرهم على إتاحة هذه الفرصة التي ألتقي فيها بكم، وإن كنتُ حقيقةً لا أقول هذا تواضعاً، وإنما هي الحقيقة التي أعرفها من نفسي، قد أنفع في مجالات في بعض المساجد وأمام بعض المستويات التعليمية، ولكن أمام طلاب العلم في المستويات المتقدمة، في الثانوية، وفي المعاهد العلمية، وأمام العلماء، لا أجد لديَّ شيئاً أستطيع أن أقوله، وليس لدي بضاعة أستطيع بيعها؛ لأن بضاعتي مزجاة، وباعي قصير، ومتاعي قليل، ولكن قد أرغمت على النزول في هذا الميدان، فكان لا بد من النزول عند رغبة الإخوة، رغم علمي -مقدماً- بأن الفائدة محدودة، ولكن نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل البركة فيما نقول ونسمع.

    أيها الإخوة: ما هذه الحياة؟ من الذي ألبسنا ثوبها؟ ومتى سنخلع هذا الثوب؟ ولماذا جئنا إليها؟ هذه الحياة سرٌ غامض، ولغزٌ محير، حارت في فهمه العقول والألباب في القديم والحديث، ولم تجد الإجابة الصحيحة عليه، وظلت البشرية حائرة، وستظل حائرة إلى أن تجد الجواب الصحيح الذي يجيب على تساؤلاتها، تلك التساؤلات التي تتردد في ذهن كل إنسان.. من أين جئت؟ وإلى أين سأذهب بعد أن يتم دوري على مسرح الحياة؟ ولماذا جئت؟ وما هي رسالتي؟ وما هي مسئوليتي؟ وما هو دوري؟

    هذه الأسئلة -أيها الإخوة- أسئلة محيرة في الحقيقة، وحينما يطلب من البشرية أن تجيب عليها من ذاتها فإنما يُطلب منها المستحيل؛ لأنه لا يمكن أن تجد الإجابة الصحيحة من عندياتها ومن ذاتها، إلا بتلقٍ آخر من عند الذي خلق هذه الحياة وأوجد هذا الإنسان، وهو الله الذي لا إله إلا هو.

    وكما يقول العلماء: العقل لوحده ليس كافياً لإدراك العلوم والمعارف. العقل والذكاء والعبقرية والتفرد والنجابة، هذه لا تكفي فقط لإدراك العلوم والمعارف إلا عن طريق معلم، فلو جئنا بطفلٍ صغير، أو شابٍ من الصحراء، أو من أغوار تهامة ، أو من شعث الجبال، وهو لا يعرف مفردات اللغة العربية، وطلبنا منه أن يقرأ رسالة بعقله وبذكائه وعبقريته، هل يستطيع؟ لا يستطيع ولو كان ذكياً، لا بد أن يتعلم الحروف الأبجدية، ولا بد أن يتعلم كيف يفك الكلمة، وكيف يحللها إلى مفرداتها، ثم بعد ذلك سوف يقرأ.

    وعلى هذا قس كل العلوم، إذا أتيت بمسألة رياضية من المعادلات ذات المجهول أو المجهولين، وطلبت من إنسان لا قرأ الرياضيات ولا درسها أن يحلها بذكائه، فلن يستطيع، وإذا أتيت برسالة باللغة الإنجليزية، وطلبت من مدرس اللغة العربية الذي يعرف أسرار اللغة العربية كلها وقواعدها ومشتقاتها، وقلت له: اقرأ لي هذه الرسالة باللغة الإنجليزية، لقال لك: لا أستطيع، وإذا قلت له: أنت أستاذ في اللغة العربية، أنت ذكي وتفهم، اقرأها، لقال: لا أعرف؛ لأني ما درست هذا العلم! أجل، نصل إلى نتيجة وهي: أن العلوم لا تدرك بالعقل لوحده، بل لا بد من معلم، وما هذه المنجزات الحضارية التي تعيشها البشرية اليوم إلا وليدة مراحل متعددة من التجارب، مر بها الإنسان من بدايته إلى يومنا هذا، وأدخل بعض التحسينات على هذه المراحل، حتى وصلت البشرية إلى ما وصلت إليه من العلوم والمنجزات والمخترعات، لكن علم الآخرة؛ علم ما بعد هذه الحياة، علم لماذا جئت أنت لهذه الحياة؟ رسالتك ووظيفتك، هل يمكن أن تهتدي إليها بالعقل لوحده؟

    لا. لا بد من وجود معلم يعلمك ويقول لك: أيها الإنسان! أنت جئت لغرضٍ هو هذا، وأنت بعد هذه الحياة سيحصل لك شيء هو هذا، ومن الذي يستطيع أن يجيب على هذه الأسئلة؟ لا يستطيع أن يجيب عليها إلا الذي أوجد الحياة، والذي خلق الإنسان وأرسل الرسل، وبين للإنسان مهمته ووظيفته على هذه الحياة، وبين له ما سيكون بعد هذه الحياة في الدار الآخرة.

    وإذا أرغم إنسان على أن يجيب إجابةً على علمٍ لا يعلمه، فإن الإجابة بالطبع ستكون خطأ، أليس كذلك؟ إذا أرغم إنسان على الإجابة على شيء لا يعرفه وعبر هو عن عجزه وقال: والله لا أعرف أن أقرأ الإنجليزي، قلنا: إما أن تقرأ وإلا ذبحناك، لا بد أن تقرأ الإنجليزي، فماذا سيكون الجواب؟ سيقرأ، لكن هل سيقرأ إنجليزي؟ سيأتي برطانة من عند نفسه، ويشعر فيها السامع أنها ليست عربية ولا هي أي نوع آخر، وإنما كلام ملفق، وستكون الإجابة خطأ، والنتائج تبعاً لذلك ستكون غلطاً وخطأ، وهذا هو الذي حدث للبشرية يوم أن طلب منها أن تجيب على أسرار هذه الحياة: ما هذه الحياة؟ من أين جاء الإنسان؟ وإلى أين سيكون بعد أن يموت؟ ولماذا جاء؟ لا تدري البشرية لماذا، ولكن لما أرغمت على الإجابة أجابت من عندياتها بإجاباتٍ خاطئة؛ وترتب على هذه الأخطاء أن بقيت النتائج كلها خطأ، وأصبحت البشرية تئن من ويلات تلك الأخطاء، وتعاني منها رغم تطورها المادي، فإنها وإن استطاعت أن تسبح في الفضاء، وأن تخوض في غمار العلم، وتغوص في الماء، وتخترع كل هذه الإنجازات، إلا أنها لم تستطع أن تسير شبراً واحداً أو خطوة واحدة في طريق الخير والنفع العام والصالح للبشرية، بل كل خطواتها من أجل تدمير البشرية، أجل. كيف حصلت الإجابات الخاطئة؟

    نظرية ماركس في الحياة والرد عليها

    سئل شخص من البشر عن هذه الحياة واسمه ماركس ، وهو زعيم الثورة البلشفية الشيوعية في روسيا ، أصله يهودي وابن زنا ليس له أب، دعيّ، نشأ في الملاجئ وفي ظل الحرمان، وتولدت في نفسه عقد نفسية نتيجة الظروف التي عاشها من الحرمان والفقر؛ ترتب على هذه الظروف أن أحس بإحباط وبحقد وبحرمان شديد مما في أيدي الناس، فلما كبر انعكست هذه الظروف على فكرته، ونادى في الجماهير الكادحة من أمثاله من المحرومين ومن الأدعياء وأبناء الزنا، نادى بأنه: لا إله والحياة مادة.

    هذه نظرته، أن الحياة كلها في تصوره مادة، لماذا مادة؟ لأنه يشعر بالفقر تجاه المادة، يشعر بالحرمان تجاه المادة، ولذا نادى بدعوته الشيوعية ، وألغى الملكية الفردية، وقال: الناس شركاء في كل شيء، حتى في الأعراض، ولما برزت هذه النظرية إلى حيز التطبيق أفرزت الفشل، وأعلنت أنها غير صالحة؛ لأنها لباس لا يليق بالبشرية.

    الملكية الفردية هي غريزة عند كل إنسان، لا يستطيع ماركس أن يلغيها بجرة قلم؛ لأنها سنة من سنن الله في خلق الإنسان؛ لتعمير هذه الأرض، الله أوجد في كل نفس رغبة في التملك للشيء، إذا كان عندك إخوان في البيت أو أبناء وليكونوا مثلاً اثنان، واشتريت لهم لعبة مشتركة، فإنه سيحصل على هذه اللعبة شجار، كل واحد يمسكها من جانب، هات وفك، قال: فك، هذه لي، والله لآخذنها، المهم تشاجرا، وإذا وجدها أحدهما كسرها، حتى لا يأخذها الآخر وهي ما زالت سليمة، وإذا أخذها ذاك قال: أعطل فيها شيئاً، لأنها ليست ملكه وحده، لكن لو اشتريت لهم من السوق لعبتين وسلمت لكل واحد منهما لعبة، وقلت: أنت لك هذه اللعبة الحمراء، وأنت لك هذه اللعبة البيضاء، ماذا سوف يحصل؟ يحافظ عليها أم لا؟ يحافظ عليها ولن يحطمها، وتعيش معه مدة طويلة؛ لأنها له، ويشعر بأنها له.

    فالملكية الفردية غريزة في النفس، وماركس لما قال: ليست هناك ملكية فردية، ومورست هذه الفكرة في المجتمع الشيوعي، والذي حصل أن الإنسان الروسي ما أصبح يحس بأهمية للعمل، ولا بأهمية للآلة، ولا بأهمية للنظام؛ لأنه مسمار في آلة الدولة، ولذا نتج عن هذا انخفاض في الإنتاج، وفساد في الإدارة؛ حتى إن روسيا التي كانت في الماضي سلة خبز العالم، أصبحت أفقر دولة تعيش على الهبات والمعاونات من أمريكا ، وبدءوا ينقضون أفكارهم، ويلغون بعض أسس دعوة ماركس ؛ لأنها دعوةٌ ليست حقيقية، وإنما هي جوابٌ خاطئ لعلم لا يعلمه ماركس ، وألغيت النظرية التطبيقية الشيوعية في نفس الدول الشيوعية، التي ما زالت تتبناها وإلى الآن لم تلغ فيها.

    هذا مثال على أن الإنسان إذا طُلب منه أن يجيب على علمٍ لا يعلمه أجاب بالخطأ.

    نظرية فرويد في الحياة والرد عليها

    وهناك شخص كان اسمه فرويد ؛ وهو عالم من علماء النفس، وكما يقول أحد الإخوة: إنهم علماء العفس والرفس. الرفس أي: الرمح -تعرفون من هو الذي يرمح- هؤلاء العلماء يقولون: إنهم علماء نفس، علم النفس حقيقةً لا يعلمه إلا خالق هذه النفس، وكل العلوم التي تقدم لتفسير أسرار النفس من غير الكتاب والسنة، كلها هراء وكذب ولا تصح؛ لأن الله يعلم ما في نفوس هؤلاء العباد، وهو خالق النفس، وعارف أسرارها، وهذا جهاز مكبر الصوت، أصدق إنسان يتحدث عن أسرار هذا الجهاز هو صانعه، وإذا تعطل هذا الجهاز عند من نصلحه؟ عند صانعه، وإذا تعطل الجهاز ولم نذهب به عند صانعه ماذا يفعل به؟ يخربه، الآن هذا مسجل صغير خرب وذهبت به عند صاحب البنشر، وقلت: يا بنشري! من فضلك أصلح هذا المسجل، قال: هاته. وعبأه زيتاً وشحَّمه.. ما رأيكم! أيصلح هذا الجهاز أم يخرب؟ وإذا خربت ساعتك في يدك، العقل يقول: اذهب بها إلى مهندس الساعات ليصلحها، لكن لو ذهبت بها إلى النجار، وقلت له: أمسك، لا صديق إلا وقت الضيق، الساعة وقفت ونريدك أن تصلحها، قال: ما عندي علم، ما أعرفها، قلت: كيف ما عندك علم؟ عندك المطارق وعندك المناشير والمسامير، مهندس ولا يستطيع أن يصلح ساعة!! تصلح باباً ولا تعرف إصلاح ساعة!! قال: أبشر، هات، وضربها بمسمار في وسطها، ونشرها ودقها بالفأس، أتصلح أم تخرب الساعة؟ تخرب.

    هذا الإنسان، وهذه النفس البشرية الله خالقها وصانعها وبارئها: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر:62].. خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق:2].. هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:1-3].

    الله خالق هذه النفس فهو أعلم بأسرارها، أما النفس نفسها فلا تعرف أسرار النفس، جاء فرويد وهو من علماء (العفس والرفس)، فقيل له: يا فرويد ! ما الحياة هذه؟ وكان عالماً كبيراً من علماء النفس، وكان الرجل معروفاً عنه في تاريخه وسيرته أنه إنسان شهواني من عبدة الجنس -أي: حمار شهوة- فقال: الحياة جنس.

    يريد أن يفسر الحياة من منظاره الأسود، ومن منطلقه النجس، إنسانٌ هابط وشهواني، يعيش في أوحال الشهوات، ويريد أن يحول حياة البشر كلهم من الطهر والعفاف، والنقاء والكرامة، إلى حياة القردة والكلاب، والحمير والخنازير.

    ويقول: لا توجد قيود على الجنس، يجب أن يعيش الناس ويمارسوا الجنس بإباحية كاملة.

    قيل له: كيف؟! إن هذه حياة الكلاب، من يمارس الجنس الآن بإباحية كاملة إلا الحيوانات الهابطة؛ القردة والكلاب والخنازير والحمير.. وجميع الحيوانات، أما الإنسان فله قيود على الجنس؛ لأن الجنس في حياة الناس وسيلة لغاية وليس غاية، الجنس وسيلة لغاية بقاء الجنس البشري، إذ لو لم يجعل الله عز وجل ميلاً في قلب الرجل إلى المرأة، وميلاً في قلب المرأة إلى الرجل؛ لانقرض الجنس البشري، وما بقي خلافة في الأرض تتحقق بها عمارة الأرض بطاعة الله عز وجل، فالله تعالى من حكمته عز وجل أن أوجد ميلاً في الرجل والمرأة، كل منهما تجاه الآخر؛ من أجل أن يلتقوا عند الزواج، ويحصل من هذا اللقاء أولاد شرعيون؛ يحققون الرسالة والخلافة في هذه الأرض، ولكن فرويد يريدهم أن يلتقوا كما تلتقي الحمير.

    والجنس حينما أوجده الله عز وجل في الإنسان ضبطه، وحدَّد مساراً له، ما تركه فوضى؛ لأنه لو ترك فوضى فهي حياة الحمير والكلاب والحيوانات، إنما جعل الله له مساراً؛ هذا المسار هو مسار الزواج، يتحقق به الغرض الذي من أجله أوجد هذه الغريزة، ولا يترتب على هذا مفاسد من تحلل الروابط، وانفكاك الأسر، واختلاط الأنساب، وانعدام الثقة؛ فهذه كلها وليدة الإباحية الجنسية الموجودة في أوروبا والشرق، ودول الإلحاد والكفر.

    أما الإسلام فقد أباح الزواج وشرعه، وندب إليه، وضبطه بمسار معين؛ من أجل أن تحصل فائدته، ولا يحصل له أي سلبيات أخرى، وكل شيء غير محكوم بنظام فإنه يتحول إلى فوضى، أليس كذلك؟ حتى اللعب الذي هو لعب وليس فيه نظام ولا هو جد، اللعب إذا لم ينضبط بنظام يصير فوضى كذلك؛ فكرة القدم مجرد لعبة رغم أنها تعيش في دواخل قلوبنا الآن، هذه اللعبة محكومة بنظام يسمونه قانون كرة القدم، وهذا القانون مكون من أكثر من مائة وعشرين مادة، ويشرف على تنفيذ هذا القانون الحكم، ويسمون الحكم سيد الملعب، ينزل الملعب كأنه يقطع الرءوس، وهو يحكم على جلد حمار منفوخ، ويساعده في تحكيم المباراة حكم رجال الخط، وشخص من هنا يغير معها، والآخر يغير معها من هنا، وحكم احتياطي جالس هناك؛ يمكن أن يموت الحكم أو يمرض أو يتعب فيدخل مكانه، ومائة وعشرون مادة من مواد تطبيق هذه اللعبة تبين لك أطوال الملعب، الطول مائة وعشرة، وعرض الملعب: سبعون، وطول القوائم -مثلاً- متران ونصف، وعرض العارضة التي فوقها ثمانية أمتار ونصف، ومنطقة الستة ياردة، ومنطقة الثمانية عشرة ياردة، ونقطة البلنتي تبعد عن الحارس باثنتي عشرة ياردة، وخط النصف، و(السنتر هاف) و(الباك فورد)، و(الونجلفت)؛ هذه كلها اسمها: قانون كرة القدم.

    بالله لو قيل لأحد عشر لاعباً: تعالوا أنتم يا فريق أحد عشر هنا، وأنتم هنا، وهذه الكرة بينكم، ونريد منكم من يحرز هدفاً بدون حكم وقانون، إلى ماذا تتحول هذا المباراة؟ إلى معركة فعلاً؛ لأن أول واحد يمسك الكرة يريد هدفاً، وذاك أمسكه برجله، وذاك ركب عليه، وبعد قليل تجد اثنين وعشرين لاعباً كلهم فوق بعض والكرة تحت، ويحصل قتل ولا يخرج منها سالماً.

    فإذا كان اللعب نفسه مضبوطاً بنظام، ولا يمكن أن يصير أبداً لعباً إلا بنظام، فكيف نريد أن يتصل الإنسان بالمرأة مثل ما يريد فرويد -هذا الملعون- عن طريق الإباحية الجنسية، وبغير نظام ولا تتدمر البشرية؟! لا يمكن أبداً، وما هو الآن واقع ومشاهد في أوروبا هو نتيجة دعوة فرويد .

    الآن في أوروبا وفي أمريكا سلط الله عليهم جندياً من جنوده اسمه: الإيدز، جندي بسيط من جنود الله، والله تعالى يقول: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الفتح:4] جندي لا يرى بالعين المجردة، لا تستطيع أن تراه إلا إذا أدخلته في عدسة أو أدخلته في ميكروسكوب إلكتروني يكبر الحجم ثلاثة ملايين مرة، أي: يجعل الملي الذي هو واحد من عشرة من السنتيمتر، يجعله ثلاثة كيلو، يمكن أن ترى هذا الفيروس بالمجهر، هذا الجندي أقلق أمريكا وأوروبا ودمرها الآن، وشبحه يبرز في كل ميدان وشارع وملهى، وفي كل مكان؛ لأنه من جنود الله المسلطين الذين فيهم شدة الله وبأسه، وغضب الله عز وجل، هذا جاء نتيجة الإباحية الجنسية، حتى إن وزير الصحة السويدي ورئيس الصليب الأحمر عندهم، نادى نداءً عظيماً جداً قرأته بعيني في جريدة الشرق الأوسط، لما عملت إحصائية عن المصابين بالإيدز في العالم، وجد أنهم أكثر من اثنين وستين ألف مصاب والزيادة مستمرة! وأن أمريكا لوحدها فيها أكثر من أربعين ألفاً والبقية في أوروبا ، وفي السويد وحدها ألف وستمائة واثنان وعشرون مصاباً بالإيدز، والسويد هذه من الدول الإباحية في العالم، وهي من الدول الاسكندنافية المتطورة جداً كـالدنمارك والنرويج ، لقد قال: إن علينا أن ننادي الشعب السويدي بتنظيم علاقته الجنسية، يقول: فهذا لا يجدي في محاربة الإيدز، ولكن علينا أن ننادي بقوة وبحزمٍ إلى أن يكون لكل رجلٍ سويدي امرأة واحدة فقط، يعني الإسلام، أي: أن تبقى علاقة الرجل بالسويد مع امرأة واحدة -أي: زوجة- لأن عندهم الزوجة واحدة في العرف والصديقات مائة في التطبيق العملي، وليس عندهم طلاق، لكن بإمكانها أن تأخذ لها مائة عشيق، وهو يأخذ له مائة صديقة، وهذا شيء يبيحه عندهم النظام.

    هذا فرويد الخبيث قال مقولته هذه وثبت فشلها؛ لأنها جاءت من إنسان شهواني لا يعرف هذه الحياة إلا من منظاره، ولا يريد أن يفسرها إلا من شهواته. وجاء غيره من العلماء، وليسوا بعلماء بل هم أجهل الناس بحقائق الكون، وحقائق هذه الحياة، بل بأنفسهم.

    نظرية داروين في الحياة والرد عليها

    جاء شخص ثالث واسمه دارون، ينقل عنه المؤرخون أن شكله شكل قرد، وقال: إن الإنسان تطور عبر سلسلة من المراحل حتى صار إنساناً، وأنه في الأصل كان قرداً. كيف كان قرداً؟ ما دام أن القضية تطورات، والإنسان كان قرداً وصار إنساناً، فلماذا لم يتطور الإنسان ويصير جملاً، أو ثوراً، أو وعلاً، أو يصير أي شيء؟ لماذا بقي عند الإنسانية؟ ما دامت القضية تطورية! لأن الشيء الذي يقبل التطور لا يقف بمنطق العقل.

    ورُدَّ عليه وثبت بطلان نظريته ونسفت من أساسها؛ لأن الإنسان إنسانٌ منذ خلقه الله، نعرف ذلك من كلام الله الذي خلق الإنسان، وهو قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].

    نظرية فروبل في حقيقة الحياة والرد عليها

    جاءت كثير من النظريات التي لا مجال لتعدادها، منهم شخص اسمه فروبل، يقول: إن نظريته قائمة على اللعب، وإن الله خلقنا في هذه الحياة من أجل أن نلعب. هذا مطرب يحب اللعب! ويقول: إن الناس ما خلقوا إلا للعب، ولما سئل: لِمَ يا فروبل ؟

    قال: ألا ترون الطفل الصغير لا يجلس إلا للعب دائماً باستمرار، يقول: لو أردت أن تجلس في مجلس وتلاحظ حركة طفل في السنة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة أو السادسة، فإنك تلاحظ فيه أنه لا يمكن أن يجلس خمس دقائق على نفس الجلسة، ثم يقوم يجلس ويتوقف ويقوم، لا بد أن يتحرك، فقال: هذا اللعب عند الإنسان دليل على أن الحياة كلها لعب.

    قيل له: يا فروبل! لا، اللعب في حياة الطفل لغرض؛ وهو أن الطفل ينمو، وما من يومٍ يمر عليه إلا وهو في زيادة في النمو، هذا النمو يجب أن يقابل بحركة من الإنسان، فإذا توقف الإنسان عن الحركة، توقف النمو، فحتى ينمو لا بد أن يتحرك، فإذا اكتمل بنيان الإنسان فلن يتحرك حركة إلا حركة إرادية؛ عندما يكون عمره عشرين سنة لو تحرك كيف ما تحرك لن يطول، ولذلك إذا فصَّل ثوباً وعمره عشرون سنة فلن يطول سنتيمتراً واحداً، انتهى، لكن من عمر سنة إلى أن يبلغ الإنسان وهو ينمو وينمو، فيجد أنه يتحرك حتى تنمو فيه العضلات، وتساعد على نمو جسمه، لكن لو توقف نموه عند سن معين يتوقف، ولو وقفت حركته لتوقف نموه، وهكذا.

    أجل! من الذي يجيب على هذه الأسئلة؟ ومن الذي يخبرنا عن حقيقة هذه الحياة؟ ومن الذي يخبرنا عن سر وجودنا في هذه الحياة؟ ولماذا جئنا؟

    إن الجواب الصحيح لا يمكن أن يوجد إلا من خالق هذه الحياة، وموجد هذا الإنسان، ألا وهو الله الذي لا إله إلا هو.

    أما هذه الحياة فقد أخبرنا الله تبارك وتعالى أنها دار عمل، وأنها سوق ونحن نخوض غماره؛ فلنعمل فيه صالحاً، أو لنعمل فيه سيئاً، وأن الجزاء في الآخرة على ضوء السلوك في هذه الدنيا؛ قال عز وجل: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:89-90]، وقال عز وجل: أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد:20].

    حقيقة وجودنا في الحياة الدنيا

    أما لماذا جئنا؟ فقد أخبرنا الله عز وجل بقوله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] هذا هو الهدف.

    هناك عالمٌ من علماء أوروبا ، وهو بروفيسور، لكن في علم الآخرة لا يعرف شيئاً، أجهل من ثور أهله، قيل له: لماذا خلقت؟ قال: لآكل، ولماذا تأكل؟ قال: لأعيش؛ لأنه لو لم يأكل سيموت، قيل له: أنت تأكل لتعيش، لكن لماذا تعيش؟ لا بد لعيشك هذا من هدف، قال: لآكل، ولماذا تأكل؟ قال: لأعيش، وإذا به من آكل لأعيش، وأعيش لآكل، قال: وبعدما تأكل وتعيش، وتعيش وتأكل، وتصبح وتمسي من أجل أن تعيش وتأكل، وفي النهاية أين تذهب؟ قال: أموت. تموت!! الله خلقك لأجل أن تموت؟ لو أن الهدف من أن الله خلقك من أجل أن تموت، فإنك كنت ميتاً، وليس هناك حاجة ليوجدك وتمر عبر هذه المرحلة في بطن أمك، وبعدها ولادة وطفل ودراسة .. من أجل أن تموت؟! أجل كل موجود هنا فهو ميت، ولكن أنت وجدت لهدف: ما هو؟ قال: لا أدري، يعرف كل شيء في علم الدنيا، لكنه لا يعرف شيئاً في علم الآخرة، لا يدري! حتى قال شاعرهم:

    جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت

    ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت

    وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت

    كيف جئت؟

    كيف سرت؟

    كيف أبصرت طريقي؟

    لست أدري

    ولماذا لست أدري؟

    لست أدري

    هذا منتهى الضلال والضياع، لا يدري لماذا جاء، ولو أنك وقفت مرة -مثلاً- على العقبة المتجهة إلى جيزان، ووقفت مع العسكري وهو يسمح للسيارات بالصعود والهبوط، وجاء صاحب سيارة وأوقفه العسكري، قال له: أين ذاهب؟ قال: لا أدري. من أين جئت؟ قال: لا أدري والله. ولماذا نازل؟ قال: والله لا أدري. ما رأيكم في هذا العسكري أيوفقه أم يتركه؟ يوقفه مباشرةً، ويقول: هذا أخبل ومجنون، لا يعرف إلى أين هو ذاهب، ولا من أين جاء، ولا يعرف لماذا نازل، هذا سكران سيعمل كارثة أو مجنون! ولا يسمح له بقيادة سيارة في رحلة مدتها ساعتان إلى جيزان أو ثلاث ساعات.

    لكن البشرية اليوم العاقل الكبير لا يدري من أين أتى، ولا يدري إلى أين هو ذاهب، في رحلة طويلة، ستون أو سبعون سنة يعيشها على ظهر هذه الأرض وهو لا يدري، ونقول: إنهم عقلاء ومفكرون، وإنهم أصحاب حضارة وإنجاز، وهم مفلسون، والله تعالى يقول: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7] غفلوا عن الحقائق الأزلية التي من أجلها خلقوا، ولا يعرفون إلا ظاهراً من هذه الحياة، قال الله تعالى قبلها: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:6]، ثم أثبت لهم علماً ظاهراً لا يغني عنهم شيئاً إذا قدموا على الله عز وجل.

    فالإيمان أيها الإخوة! هو الذي يجيب على هذه التساؤلات.

    1.   

    طرق تعرف البشرية على الإيمان الحقيقي

    .

    الاستجابة لداعي الفطرة في النفس

    الإيمان قضية رئيسية في حياة الإنسان، ليست أمراً على هامش الوجود، إنها قضية سعادة أبدية أو شقاوة أبدية، إنها قضية جنة أو نار، ولذا كان حريٌ بالعقلاء أن يجعلوا أولى اهتماماتهم بالإيمان كيف يدعمونه، وكيف يرسخونه، وكيف يعرفون حقائقه، ولقد مارست البشرية طرقاً عدة في سبيل التعرف على الإيمان الحقيقي. فمنهم من استجاب لداعي الفطرة في النفس؛ فإن الله فطر كل نفسٍ بشرية على الإيمان به، قال الله عز وجل: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30] وقال عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة -أي: على الإسلام- فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي عن الله عز وجل: يقول الله عز وجل: (إني خلقت عبادي حنفاء -أي: مستقيمين على الفطرة- فاجتالتهم الشياطين) أفي الله شك فاطر السماوات والأرض؟ ما من نفسٍ مفطورة إلا وعندها يقين أن الله خالقها، ولهذا سمي الإلحاد بالكفر؛ لأنه تغطية للحقائق، ألحد أي: مال وانحرف، وما استجاب لداعي الفطرة في نفسه.

    الاعتماد على مبدأ السببية في إثبات الإيمان

    ومنهم من اعتمد على مبدأ السببية في إثبات الإيمان وقال: إنه لا يوجد شيء إلا بسبب، ولا يكون حركة إلا بمحرك، ولا يكون خلق إلا بخالق، فقال كما قال الأعرابي: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فأرض ذات فجاج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحارٌ تزخر، أفلا يدل ذلك على السميع البصير؟

    إن هذا الكون بما فيه من أسرار في كل شيء، بل ما فيك أنت أيها الإنسان من أسرارٍ في نفسك، فأنت كلك أسرار وألغاز من رأسك إلى أظافر قدمك، في نفسك وفي جميع أجهزتك من الذرة الموجودة فيك إلى المجرة الموجودة في العالم الخارجي، كلها تدل على الله عز وجل.

    وفي كل شيء له آية     تدل على أنه الواحد

    فمبدأ السببية مبدأ عقلاني؛ لأن هذه الحياة لا بد لها من خالق، والله خاطب العقول وقال: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ [الطور:35]، طبعاً العقول تقول: لا. ما خلقنا من غير شيء؛ لأن العدم لا يخلق شيئاً، قال عز وجل بعدها: أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35]، هل خلقتم أنفسكم يا ناس؟! طبعاً يقولون: لا. ثم ما دام أنهم ما خلقوا من غير شيء، ولا خلقوا أنفسهم؛ تعين كنتيجة حتمية أن يكون لهم خالق وهو الله الذي لا إله إلا هو.

    ولو قلت لكم الآن: أتظنون أو تعتقدون فيَّ أنني أخاطبكم الآن وأنا بكامل قواي العقلية؟ ليس عندكم شك الآن أني عاقل، إذ لو كنتم تشكون أني أتكلم معكم من منطلق الجنون، ما جلستم أمامي وعطلتم حصصكم وجئتم تجلسون، لكن تريدون أن تسمعوا كلاماً يفيد، ولو قلت لكم وأنا أتحدث عن أسرار خلق هذا الميكرفون: لو سألني طالب وقال: يا أستاذ! كيف صُنع هذا الميكرفون؟ فقلت لكم: هذا الميكرفون كان في قديم الزمان قطعة من الحجر، ومرت عليه الرياح الشمالية والشرقية والجنوبية، وأيضاً عوامل التعرية من الأمطار والرياح ونحتته من هذا الجانب ومن ذاك الجانب، وجاءت حديدة ودخلت من هنا، وجاءت حديدة أخرى ودخلت من هنا، ومع الزمان صار (ميكرفوناً)، ما رأيكم، هل تصدقونني أم تكذبونني؟! لا تصدقونني.

    وقد يقول شخص: يا أستاذ! صحيح، لكن تلك الساعة كيف جاءت؟ قلت: هذه أصلاً كانت حديدة بيضاء في جبل من الجبال البيض، وجاءت الرياح وأخذتها ولطخت بها هنا، وهذا الهور كذلك كان حجراً ولطخت به الرياح وضرب هناك، ومع الزمن تجوف مع الرياح، وأصبح له (زقم) بارز في وسطه.. يا أستاذ! هذا كلام غير معقول!

    وجاء شخص آخر وقال: السلك المربوط من هنا إلى هنا، من أين جاء؟ هيا حلها الآن؟ قلت: أنت عقليتك قديمة، أنت رجعي، هذا السلك يا ولدي! مرت به الرياح على ظهور الغنم والإبل، وحملته الخرفان السود في نجد وانغزلت مع الزمن، وصار سلكاً وفجأة ارتبط هناك، وارتبط هنا وصار صوتاً، بالله هذا كلام عاقل؟!! تقولون: والله إنه أخبل، هيا قوموا نكمل دروسنا، هذا الأستاذ والله ما معه عقل، لماذا؟ لأني أتكلم بكلام يرفضه العقل ولا يمكن أبداً.

    هناك جهاز اسمه جهاز (الأمبيرفاير) الذي يكبر الصوت، فيه طاقة، وفيه جهد، ومائتين وعشرين، ومائة وعشرة، أحدهما يرفع والآخر للمايك وهذا...، وهذا يا أستاذ! قلت: وهذا يا أخي! الله يهديك، كلما أجبنا لك على سؤال تأتيني بسؤال آخر، يا أخي! حرر عقلك، كن متطوراً ومتنوراً مثلما يقولون، افهم، هذه جاءت كذا، وطلعت كذا، وأضاءت لمبة من هنا، وكلها صدفة. هل تقبل العقول هذا الكلام؟! لا تقبل العقول هذا في جهاز بسيط، لكن كيف تقبل العقول أن يكون هذا الكون، بما فيه من أبراج ونجوم وعوالم ومجرات، ومن آخر العلوم المكتشفات قرأت قبل حوالي شهر في المجلة يقولون: كان العلم البشري يتوقع أن أعلى شيء في الموجودات هي المجرة؛ والمجرة: هي مجموعة من المجموعات التي من ضمنها المجموعة الشمسية، والمجموعة الشمسية تشتمل على عدة كواكب من ضمنها الأرض والشمس والقمر، ومن ضمنها: نبتون، وزحل، والمشتري، وعطارد، والمريخ؛ هذه كلها اسمها المجموعة الشمسية، وهي واحدة، يقولون: إن المجموعة الشمسية بالنسبة لبعض المجرات مثل قبضة رمل على شاطئ بحر، ويقولون الآن: إن هناك شيئاً استطاعوا أن يصلوا إليه وأن يكتشفوه بواسطة (الميكروسكوب الراديوي) ليس (الإلكتروني البصري)، الراديوي أي: يكتشفون بالميكروسكوب عبر موجات الراديو، التي تطلق ذبذبات على بعد ملايين ملايين المسافات والكيلوهات والسنوات الضوئية، يقولون: إنهم استطاعوا أن يكتشفوا أن هناك شيئاً سموها (الكواسار)، هذا الكواسار يقولون: لو أردنا أن نقيس حجمه نأتي بحجم المجرات التي اكتشفناها، ونضع واحداً صحيحاً وأمامه مائة صفر، ومن يقرأ هذا العدد؟ ستة أصفار: مليون، سبعة أصفار: عشرة مليون، تسعة أصفار: مليار، اثنا عشر صفراً: بليون، لكن مائة صفر من أين نعطي له اسماً؟! هذا الكون كله، وهذا الإنسان، وهذه الحياة كلها الله خالقها! ويأتي الإنسان هذا البليد ويقول: ليس لها خالق، إنها الطبيعة! هل الطبيعة التي تدوسها أنت بقدمك، هذه الطبيعة الصماء العمياء تخلقك أنت أيها السميع البصير؟! فاقد الشيء لا يعطيه: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:62].

    فمبدأ السببية هو مبدأ عقلي اعتمد عليه العقلاء في القديم بدون رسالات، وأثبتوا أن لهذا الكون خالقاً هو الله الذي لا إله إلا هو.

    إثبات الإيمان بقضية حسابية تجارية

    ومنهم من مارس القضية على أساس أنها قضية حسابية تجارية، فقالوا: نحن في الإيمان نكسب ولا نخسر شيئاً، ونحن بالكفر نخسر ولا نكسب شيئاً، حتى قال فيلسوف غربي اسمه باسكال : إن عليك قبل أن تقرر بين أن تؤمن أو لا تؤمن، عليك أن تقيس وتفكر فيما يمكن أن تربحه في الإيمان وما يمكن أن تخسره، وما يمكن أن تربحه بالكفر وما يمكن أن تخسره، ثم قال: إنك بالإيمان تكسب كل شيء ولا تخسر شيئاً مهماً، وإنك بالكفر تخسر كل شيء ولا تكسب شيئاً مهماً، بالإيمان ماذا تكسب؟ تكسب الصدق، والعفة، والوفاء، والكرم، والشجاعة، وتكسب كل شيء، وتخسر ماذا؟ تخسر الزنا، والزنا خسارة إذا لم تزنِ؟ العقول بدون دين ترفض الزنا، وتخسر الخمور، وهل الخمور مكسب؟ هي خسارة.

    كيف يسعى في جنون من عقل

    تخسر الكذب، والجبن، والخصال الرذيلة، فهذه ليست خسارة، بل تركها كسبٌ لك أيها الإنسان.

    وقال أبو العلاء المعري ؛ وهو فيلسوف ملحد، قادته فلسفته إلى الإلحاد والكفر -والعياذ بالله- يقول بيتين من الشعر:

    زعم المنجم والطبيب كلاهما      لا تبعث الأجساد قلت: إليكما

    إن صح قولكما فلست بخاسر      أو صح قولي فالخسار عليكما

    يقول: أنا سأموت، فإن جاء في الآخرة بعث ونشور فأنا لم أخسر شيئاً، لكن لو جاء يوم القيامة وليس هناك بعث ولا نشور فأنت الخاسر، أنا ما خسرت شيئاً، وطبعاً نحن لا نأخذ إيماننا من هذه النظرية القائمة على الاحتمال، هذه نظرية أبي العلاء المعري الذي يقول: أنت خاسر وأنا سأكسب مباشرة، وليس عنده يقين، ولذلك ألحد.

    لكن. نحن نأخذ إيماننا عن طريق الجزم والحق الذي نجزم بأنه هو الحق، وأن ما عداه فهو الباطل، وأن دين الله الذي شرعه الله، وأنزله الله تبارك وتعالى، هو دين الله الذي يصلح لكل حياة، والمؤمن -أيها الإخوة- حينما يهتدي لا يخاطر بدنياه من أجل أن يربح في آخرته، بل هو يربح دنياه ويربح آخرته؛ لأن هذه الحياة ستبقى شقاءً، وستبقى غايةً في الضلال إلا أن يعمرها الإنسان بطاعة الله عز وجل.

    1.   

    حال المجتمعات بدون إيمان

    أيها الإخوة: إن هذه الحياة لا يمكن أن تهدأ فيها النفس البشرية، ولا يمكن أن تعيش سويةً إلا في ظل الإيمان بالله تبارك وتعالى، يقول الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97]، والإيمان -أيها الإخوة- من الضروريات لسعادة الإنسان في هذه الحياة، سواءً كان فرداً أو كان مجتمعاً، فإن الإنسان بغير دينٍ في ظل الكفر -والعياذ بالله- سيعيش ريشةً في مهب الريح، تتقاذفه الأمواج، وتتلاطمه الشبهات، وتستحوذ عليه الشهوات، ولا يدري من يجيب، ولا يدري من يستمع له، فسيكون في ضلالٍ وحيرةٍ، حتى يرجع إلى الله تبارك وتعالى، وكذلك ستبقى هذه التساؤلات في نفسه، فهو حيوان شرسٌ، وسبع ضارٍ، لا تستطيع الثقافات ولا النظم ولا المراقبات أن تحد من شراهيته، أو أن تحد من طغيانه، بل إنه يدور فقط مع مصالحه وفي فلك منافعه والعياذ بالله.

    أما على مستوى المجتمع؛ فإن المجتمع بغير دين سيتحول إلى مجتمع غابة، وإن لمعت فيه بوارق الحضارة؛ فإنه مجتمع غابة، بل والله إن في مجتمع الغابات رأفةً ورحمةً أعظم مما في مجتمع الإنسان بغير الدين.

    وأنتم ترون الآن كيف تمارس أفظع أنواع الوحشية مع المسلمين في فلسطين في القرن العشرين، أنا ما رأيت المنظر لكن أحدهم أخبرني به، والله إني ما استطعت أن أنام الليل، يقول: جاء اليهود باثنين أو ثلاثة من الشباب المسلمين، وأوقفوهم وأخذوا الحجارة يدقون بها على أكواعهم، ويدقون أكتافهم، ويدقون ركبهم، تكسير، وما يمارس هذا التعذيب مع تيس، إذا أردت أن تذبح تيساً كيف تفعل به؟ تريح ذبيحتك عندما تذبحه، فلو ذبوحهم وأطلقوا النار عليهم لكان هيناً، لكن يرضونه على مرأى من العالم كله، ولا أحد يتحرك، لا مسلم يغار، ولا كافر يرحم، أين الإنسانية؟ يقول الشاعر:

    عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى      وغرد إنسان فكدت أطير

    المجتمع بغير دين مجتمع غابة حقيقةً، ولو لمعت فيه بوراق الحضارة.. الحياة فيه للأقوى لا للأتقى، مجتمع تعاسة حقيقةً وإن توفرت فيه أسباب الرفاهية، مجتمع تافه؛ لأن اهتمامات أهله تدور فقط في فلك شهوات البطون وملذات الفروج فقط، ولذا لم تتحقق السعادة للناس في ظل الكفر في أوروبا، وقد وفروا لأنفسهم أكثر الإمكانات البشرية والمادية فعاشوا عيشة البهائم.

    إن في العالم من الشباب من له وظيفة وتجده في الأخير يأخذ حبوباً ويشربها ليموت! أو يذهب إلى قمة جبل ويلقي بنفسه منه، أو يأخذ المسدس ويقتل نفسه؛ لأنه تعيس، يبحث عن السعادة في كل شيء فلم يجدها؛ لأن السعادة لا يمكن أن تكون إلا في ظل الإيمان بالله عز وجل.

    المجتمع بغير دين -أيها الإخوة- هو مجتمع ضلال، ومجتمع حيرة وانتكاسية؛ لأنه طوَّر المادة لكنه دمر الإنسان. وهل الإنسانية الآن مطورة أم مدمرة؟! إنها مدمرة، يقول أبو الحسن الندوي وقد سافر إلى أمريكا وعاد وكتب كتاباً، يقول: زرت أمريكا فوجدت فيها ناطحات السحاب، ووجدت فيها الشوراع الفسيحة، والموانئ العظيمة، وسمعت فيها هدير المصانع والآلات، ووجدت فيها كل شيء، غير الإنسان ما وجدته. يقول: ما رأيت الإنسان بإنسانيته ومبادئه، وبغايته الكريمة، يقول: وجدت مسخاً يمشي على قدمين وفي يده كلبٌ يأكل معه في صحفة واحدة.

    فالمجتمع بغير الدين مجتمع ضلال وحيرة؛ لأنه طوَّر المادة، ودمر الإنسان، فهو وإن استطاع أن يحقق شيئاً من الماديات إلا أنه لم يحقق شيئاً من سعادة البشر، إلا من أجل تدميره ومن أجل -والعياذ بالله- القضاء عليه، وما حرب النجوم عنا ببعيد، تسمعون الآن وقبل فترة مشاريع ضخمة ترصد لها المليارات من الدولارات من أجل المسابقة إلى غزو الفضاء، وإلى السيطرة على العالم الأرضي من خلال حرب النجوم، هذه ملايين تؤخذ من البشر ولو قسمت عليهم لما كان في الأرض شقي ولا فقير، لكن لما كانت البشرية بغير دين أصيبت بهذه الويلات والنكبات.

    هذه أيها الإخوة! بعض اللمحات عن الإيمان وأهميته وأثره في حياة الفرد والمجتمع، وقد يقول قائل: ما هو الإيمان الذي نعنيه؟ ما هو الإيمان الذي نريده؟ أهو مجرد تصورات، أو سلوك، أو عبادات؟ ما هو الإيمان الحقيقي الذي ينفع؟ ثم ما أسباب زيادة الإيمان؟ وما أسباب ضعف الإيمان؟ وما أسباب إحباط الإيمان؟

    هذه الأسئلة الأربعة تحتاج إلى وقتٍ مثل الذي قضينا فيه، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يعين وأن يوفق على اللقاء بكم مرة أخرى للإجابة عليها؛ لأن الوقت محدد لي من قبل الشيخ فقد حدده بالدقيقة، قال: لا تزد ولا تنقص، هذه حصة، وليست فلتة، قال: لك خمسة وأربعون دقيقة، فأظن أني أخذت أكثر من خمس وأربعين دقيقة، فأستميحه عذراً وأستسمحكم أيضاً.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    1.   

    الأسئلة

    .

    الأمور التي تعين على تقوية الإيمان

    السؤال: ما هي الأمور التي تقوي الإيمان في قلب المسلم؟ ومتى يجب على المسلم أن يداوم على ذلك حتى يصبح قوي الإيمان؟

    الجواب: يقول السلف: كنا لا نتجاوز العشر آيات من القرآن حتى نعيهن ونتدبرهن ونعمل بهن ونطبقهن، هذا الذي ينفع، أما فقط قراءة هذرمة، لا تنفعك ولا تغني عنك يوم القيامة، الله أنزل القرآن لا لتقرأه هكذا، الله تعالى يقول: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] هذا الأول: قراءة القرآن، ولكن تستعين أيضاً بالله، ثم ببعض الكتب المفسرة للقرآن الكريم، بعض الكتب التي تفسر لك بعض مفردات القرآن، وبعض أسباب النزول، وبعض الأقوال المأثورة فيه، أو القول بالرأي فيه، حتى تكون عندك ثقافة قرآنية كبيرة، تفهم فيها مراد الله عز وجل.

    الأمر الثاني: قراءة سنة النبي صلى الله عليه وسلم -أي: الحديث الشريف- وليكن في كل يوم تقرأ حديثاً واحداً، ولو استمريت على هذا سيكون معك في الشهر ثلاثون حديثاً، وفي السنة ثلاثمائة وستون حديثاً، وفي عشر سنوات تصير محدثاً كبيراً، تعرف الحديث، ودرجة صحته ومفرداته اللغوية، والأحكام الشرعية المستنبطة منه، وماذا يعنيك منه؟ وهل طبقته أو ما طبقته؟ وأخصر كتاب أدلكم عليه هو كتاب رياض الصالحين، الذي احتوى على الأحاديث الصحيحة وليس فيه حديث موضوع، والأحاديث الضعيفة فيه قليلة، فما فيه إلا بضعة عشر حديثاً ضعيفاً، ولكنها من فضائل الأعمال، وهو من أصح الكتب، وهو مبوب على أبواب تستفيد منها في كل شئون حياتك، لا بد يومياً بعد ما تغلق القرآن تأخذ رياض الصالحين وتقرأ فيه حديثاً، وتسأل نفسك فيه، وتطبقه حتى تحفظه؛ لأنه لا يمكن أن تحفظ حديثاً وما عملت به، فمن وسائل حفظ الأحاديث العمل بها.

    الثالث: الحرص على ممارسة العبادات والفرائض وفي جماعة المسلمين، وبكامل الطهارة والخشوع والخضوع، وفي الصف الأول، وتحرص باستمرار على الصلاة في الصف الأول، وأن تحج، وأن تصوم أحسن صيام، وتؤدي كل الفرائض الشرعية، وتحرص على ممارستها حرصاً قوياً.

    الرابع: البعد كل البعد عن المعاصي والذنوب؛ فإنها تحرق الإيمان وتنسف الإيمان من الأساس، فإن الإيمان مثل الشجرة يغذيها الماء ويحرقها البنزين، لو وضعت تحت شجرة ناراً، ماذا يصير؟ تحترق، أو صابوناً أو بنزيناً أو جازاً تحترق، فأكثر الناس الآن يريد إيماناً وهو يغني، يحرق الإيمان بالأغاني، ويحرق الإيمان بالنظر المحرم، ويحرق الإيمان -والعياذ بالله- بقلة الدين، فلا تعص الله؛ لأنك إن عصيت الله ضعف إيمانك، فحاول أن تبني وتحمي، لا أن تبني وتهدم.

    هذه الرابعة؛ الحرص كل الحرص على الابتعاد عن الذنوب صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها، ظاهرها وباطنها، المتعلق بالقلب وبالجوارح، كل الذنوب حاول ألا تقع فيها، وإذا وقعت في شيء فسارع بالتوبة والرجعة إلى الله عز وجل.

    الخامس: أن يكون لك قرين وصاحب خير، زميل تختاره اختياراً كما تختار الذهب الأحمر؛ لأنه:

    إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم      ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

    عليك أن تختار القرين الصالح، والزميل المناسب، الذي في مثل دينك أو أكثر؛ لأنه إذا كان أكثر منك سيسحبك معه، أما إذا كان أقل منك سينزلك معه.

    هذه الخامسة؛ أن يكون لك زميل صالح. كيف تختاره؟ من خلال الممارسة تراه، من أين تتعرف عليه؟ من المسجد، في الصف الأول، يقرأ كلام الله، فيه حب للخير، تمشي معه أول يوم، أقيمت الصلاة وإذا به مباشرةً معك، كذلك إذا قرأت القرآن، لكن من يوم أن ترى منه دعوة إلى أي معصية أو إلى تثاقل عن طاعة الله فاحذر منه فإنه شيطان.

    السادس من الأمور التي تقوي الإيمان وتحفظه وتزيده: الحرص كل الحرص على الابتعاد من قرناء السوء؛ لأن قرين السوء مثل الجمل الأجرب الذي يعدي ولا ينفع، فلو أدخلنا جملاً أجرب بين سبعين جملاً صحاح، هل تتعاون السبعين على أنها تقيه العافية من الجرب، أم هو يستطيع أن يعديها كلها؟ هو يعديها كلها وتصير بعد سنة جرباء كلها، لكن هي لا تتعاون على أن تصلحه؛ لأن الشر ينتشر، والخير يصعب انتشاره إلا بصعوبة.

    هذه هي وسائل تقوية الإيمان إن شاء الله تعالى، نسأل الله أن تداوم عليها يا أخي السائل! وأن يزيد الله إيمانك، وأن ينور الله بصيرتك.

    مكفرات السيئات

    السؤال: ما هي المكفرات التي تكفر سيئات المسلم في الدنيا والآخرة؟

    الجواب: المكفرات عشرة، ذكرها الإمام ابن تيمية رحمه الله، منها في الدنيا ومنها في الآخرة، ذكرها في الجزء العاشر من الفتاوى في باب السلوك: مكفرات الذنوب عشرة أشياء، لكن ليس مقامها الآن.

    نصيحة للشباب الغير متزوج

    السؤال: نريد منكم يا فضيلة الشيخ! نصيحة للشباب المسلم غير المتزوج الذين طغى عليهم الجنس وممارسته بطرق غير مشروعة؟

    الجواب: الجنس غريزة موجودة في كل كائن، والله شرع لنا وسيلة لتفريغ هذه الغريزة عبر مسار نظيف اسمه: مسار الزواج، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة -أي: النفقة والقدرة على الزواج- فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) هذا الزواج، (ومن لم يستطع) فعليه بيده! مثل ما يفعلونه الآن ويسمونها العادة السرية، أي: نكاح اليد؛ لأن العصاة والمجرمين قدموا المعاصي في قوالب مقبولة بتسميات مختلفة، فيسمون نكاح اليد: عادة سرية، التي بها لعنة الله ورسوله، والتي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي يوم القيامة ويده حبلى له؛ يبعث يوم القيامة ويده مثل الجبل فيها ستمائة أو سبعمائة ولد، ما هذا؟ قال: هؤلاء عيالك في الدنيا، لا إله إلا الله!! نكاح اليد محرم، وفيه فتوى صادرة من هيئة كبار العلماء، نحتفظ بها، وهي موقعة من كبار العلماء، ولا تنظروا لمن قال لكم: إنها أهون من الزنا، الباطل لا يحارب بباطل، والبديل لا يكون منكراً، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (فعليه بالصوم) فقط، وقال الله في الآية الكريمة: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المعارج:29-30] فقط، زوجتك أو ملك يمينك، ثم قال فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ [المؤمنون:7] أي شيء حتى ولو يده: فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:7] أي: المعتدون على حرمات الله عز وجل، فأنت أيها المسلم! إن استطعت أن تتزوج فالحمد لله، وإن لم تستطع أن تتزوج فعليك وسائل تتبعها حتى تقلل من لهيب الجنس ولوعته في قلبك:

    أولاً: غض بصرك ولا تفتح عينك؛ لأن الشاعر يقول:

    والمرء ما دام ذا عينٍ يقلبها      في أعين الغير موقوف على الخطر

    غض البصر؛ لأن غض البصر هذا من أعظم وسائل الحماية للإنسان.

    ثانياً: لا تستمع للأغاني؛ لأنها تهيج الشهوة إلى جانب كونها محرمة؛ لأن الغناء كله يتحدث عن الحرام، ليس فيه كلام إلا: يا ليل، ويا عين، ويا حبيبة، ويا طولها، ويا عرضها فقط، كلام فاضٍ، فلا تسمع الأغاني بأي حالٍ من الأحوال.

    لا تنظر إلى النساء، وغض بصرك، وكذلك لا تنظر إلى المسلسلات والروايات والمسرحيات؛ لأنها تحرض على الجنس والحب والغرام والعشق والهيام.

    أيضاً: لا تقرأ في كتب الروايات، ولا تشترِ المجلات؛ لأن فيها أصحاب الصور العارية الرخيصة.

    أيضاً: لا تفكر في هذه الأمور تفكيراً يستغرق عليك وقتك، وإنما إذا جاءك التفكير قم إلى القرآن، خذ المصحف واقرأ القرآن، أو قم إلى الصلاة، وبعد ذلك عليك بالصوم وهو أول وأفضل دواء، كما قال عليه الصلاة والسلام، وإذا كنت تقول: كيف أصوم؟ فلتصم الإثنين والخميس من كل أسبوع، أو تصم ثلاثة أيام من كل شهر، فإنه -إن شاء الله- يعينك إذا قصدت بذلك وجه الله تعالى، والاستعانة على كبح الشهوة في نفسك، فهذا دواء ناجع بإذن الله تعالى، وإذا ابتليت بحكم جاهليتك في الماضي بالتعرف على فتاة، ووقع في قلبك ميلٌ نحوها، فابحث من الآن إمكانية الزواج بها، قبل أن تتخرج، دع أهلك يتقدمون لها، أو يعقدون لك عليها، فإن كانت الطرق مهيأة، والسبل ممكنة، وأهلها موافقون، فحاول أن تعقد، وإذا صارت زوجتك فأحبها كثيراً، لا نقول لك: لا؛ لأن الحب الحلال حلال، واذهب وتكلم واجلس معها.

    وإن كنت بحثت عن الطريق الموصل إلى الزواج بهذه البنت وقالوا لك: لا. والله لا نزوجك، رفض أبوها أو رفضت أمها، أو رفض أبوك أو رفضت أمك، وطبيعي أنك لن تتزوج بفتاة غصباً عن أبيها وأمها، أتأخذها غضباً؟! لا، لا بد من رضا الولي: (لا نكاح إلا بولي وشاهدين)، فإذا عرفت أن الطريق مسدود إلى الزواج بها، فإن البقاء في العلاقة معها لا طائل تحته، لماذا؟ لأنك تلهب قلبك وليس هناك طريقة للحل؛ لأن أصل الحب هو ميل المرأة إلى الرجل، ولا يمكن أن يطفئه إلا اللقاء بها، ولا يمكن ذلك إلا عن طريق الزواج، وإذا تم اللقاء بها من غير زواج يزيد النار لهيباً.. هل هو حلال أن تزني بها؟ أو أن تجلس معها؟ بل هو حرام وليس بحلال، صحيح أنه يغضب الله، ومعصية من معاصي الله، وكبيرة من كبائر الذنوب، ولكن إلى جانب ذلك مشكلة عليك أنت، لا تنحل المشكلة، لا يحل مشكلتك من حب الفتاة إلا الزواج بها، فإن كان الزواج ممكناً فالحمد لله، وإن كان غير ممكن فقف واقطع طريق الرجعة عليها وعلاقتك بها، وافصلها بحزم الرجال وقوة الأبطال، ولا تفكر في شيء حتى تتزوج، ثم إذا تزوجت كما مال قبلك إلى الأولى سيميل قلبك إلى زوجتك؛ لأن بعض الناس يقول: لا والله إني لو أخذت مائة امرأة أني ما أحب إلا تلك، نقول له: لا والله إنك تحب زوجتك أكثر منها، وشيء مجرب، أول شيء كيف أحببت هذه وأنت كنت لا تعرفها؟ من طريق تعرفك عليها، أو رأيتها وكلمتها، وكذلك زوجتك الجديدة إذا تزوجت بها، إذا رأيتها وجلست معها ستحبها أكثر من تلك إن شاء الله.

    وبعضهم يقول: كيف أفعل؟ نقول: أنت رجل مؤمن وعاقل، تعرف أنك بهذا الكلام والاتصال والمراسلة، أو بأي اتصال مع المرأة، تعرف أنك لا يمكن أن تلتقي بها عن طريق الزواج، إنما تدمر نفسك وعرض مسلم وعرضها، وبعد ذلك النهاية فشل في فشل، فمن الآن كن قوي الإرادة، عظيم النفس، عالي الهمة، أعلن التمرد القوي على نفسك وعلى عاطفتك وقل لها: والله لا يمكن، وقد وضعت هذا الجواب لشخص من الشباب، وكان رجلاً حقيقةً بارك الله فيه ووفقه، والآن عنده ولدان من زوجته الجديدة، فقد جاءني وهو يبكي من لوعة الحب في قلبه تجاه بنت رفض أبوها أن يزوجه إياها، وقال له: والله لا تنكحها وأنا حي، فجاء الولد يقول: ماذا أفعل؟ رفض أن يزوجني، قلت: ماذا تريد؟ تريد أن تغصبه على ابنته، لو أن عندك بنتاً ورفضت أن تزوجها لشخص، هل يغصبك أحد على ابنتك؟ هذا يكون في غير الإسلام، يكون في الشيوعية ، أما نحن فمسلمون، هذه ابنتي لا أزوجها إلا ممن أريد، وكذلك هذا الرجل هو حر في اختيار زوج ابنته، أنت لا تصلح لها، ولهذا هو ما يريدك يا أخي! قال: ماذا أفعل؟ قلت: الآن اتصل بها. فاتصل من مجلسي وأنا أمليه الكلام في ورقة، كلاماً شديداً قوياً، وعندما أكمل قلت له: ابصق في وجهها، فبصق في التلفون في وجهها، فهي وضعت السماعة؛ لأن عندها كرامة عندما تكلم عليها وقال: أنتِ خبيثة، وأنتِ مجرمة، وأنا لا أريدكِ، وأنا أعلن قطع الصلة بكِ، ومن الآن لا تكلميني ولا أكلمكِ، ووضع السماعة وذهب الرجل، وبعد يومين جاءني وقال: اتصلت بي، قلت: ماذا فعلت؟ قال: تفلتها، قلت: وهي ماذا صنعت؟ قال: بكت، قلت: فما موقفك أنت؟ قال: والله يا شيخ! يوم أن بكت تألم قلبي، قلت له: أنت ضعيف، أنت لا تصلح للجنة، تريد الجنة وأنت عبد شهوتك! كيف تعلن عبوديتك لله ثم تصير عبداً لامرأة، حرامٌ عليك! ثم قلت له: ارفع السماعة، فرفع السماعة وقال لها مثل كلامه الأول، فردت عليه وقالت: الله لا يردك، ولعن الله أباك وأمك، قالتها له، ويوم لعنت أمه وأباه، يقول: والله إن الله أخرج حبها من قلبي كما تخرج الشعرة من العجين، قلت: اذهب وابحث لك عن امرأة الآن، فذهب وتزوج بامرأةٍ، وبعد ما عقد عليها ودخل بها أحبها، وصار عنده ولدان منها، يقول لي: والله إني من أسعد الناس بهذه الزوجة.

    فقضية الجنس ولهيبه لا تعالج بأنك تبكي، فإنك إذا أتيت على نار مشتعلة هل تطفئها أم تؤججها؟ إذا أججتها التهبت، وإذا أطفأتها خمدت، فإذا كان عندك شيء في قلبك كبشرٍ فأخمد هذه الشهوة بعدم سماع الغناء، والنظر إلى النساء، وقراءة المجلات والخزعبلات، والنظر إلى المسرحيات، وقراءة الروايات، وبعد ذلك صم، والله يوفقنا وإياكم، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756186785